الاستدلال المنطقى للتاريخ عند ميکافيلي ولوتفاک المنهج الإستراتيجى بين إستقراء الواقع واستنباط النتائج

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ المنطق وفلسفة العلوم المساعد، کلية الآداب ، جامعة حلوان.

المستخلص

من الثابت أنه عقب دراسة عالمة الأنثروبولوجيا الأمريکية العميقة مارجريت ميد للمجتمع الياباني في رسالتها للدکتوراه، وکانت قبل الحرب العالمية الثانية 1939/1945م، والمنشورة تحت عنوان (زهرة الأقحوان). استنتجت أن هذا المجتمع عنيد وصعب المراس، لدرجة تجعله يرفض الاستسلام بفعل ثقافة البوشيدو؛ (الإقبال على الموت طائعين من أجل المحافظة على الشرف الياباني) وأوصت : بأنه على من يروم استسلام هذا المجتمع، عليه استعمال سلاح خارق فائق التدمير؛ ومعلوم أن اليابان لم تعلن استسلامها إلا بعد قصفها بالقنبلة الذرية الثانية؛ وليست الأولى، فإلى هذا الحد تمت الاستفادة من تحليل تاريخ المجتمع الياباني وفهم بنيته الثقافية، ومن ثم ندرک الآن کيف استفاد الغرب الاستعماري من التباينات الثقافية لمکونات المجتمعات المختلفة، ومنها المجتمعات العربية بالطبع، وخلق صراع الهويات؟ ولذلک ذاعت مقولة تشرشل(*) (1874-1965م) التي يقول فيها "مَنْ يرغب في استبيان ما يُضمره المستقبل، فلا مندوحة له من أن ينظر إلى الماضي (التاريخ) البعيد" ([i]).

نقاط رئيسية

من الثابت أنه عقب دراسة عالمة الأنثروبولوجيا الأمريکية العميقة مارجريت ميد للمجتمع الياباني في رسالتها للدکتوراه، وکانت قبل الحرب العالمية الثانية 1939/1945م، والمنشورة تحت عنوان (زهرة الأقحوان). استنتجت أن هذا المجتمع عنيد وصعب المراس، لدرجة تجعله يرفض الاستسلام بفعل ثقافة البوشيدو؛ (الإقبال على الموت طائعين من أجل المحافظة على الشرف الياباني) وأوصت : بأنه على من يروم استسلام هذا المجتمع، عليه استعمال سلاح خارق فائق التدمير؛ ومعلوم أن اليابان لم تعلن استسلامها إلا بعد قصفها بالقنبلة الذرية الثانية؛ وليست الأولى، فإلى هذا الحد تمت الاستفادة من تحليل تاريخ المجتمع الياباني وفهم بنيته الثقافية، ومن ثم ندرک الآن کيف استفاد الغرب الاستعماري من التباينات الثقافية لمکونات المجتمعات المختلفة، ومنها المجتمعات العربية بالطبع، وخلق صراع الهويات؟ ولذلک ذاعت مقولة تشرشل(*) (1874-1965م) التي يقول فيها "مَنْ يرغب في استبيان ما يُضمره المستقبل، فلا مندوحة له من أن ينظر إلى الماضي (التاريخ) البعيد" ([i]).

وثمة ملاحظة جديرة بالاعتبار وهي الارتباط والتلازم الوطيد بين دراسة الأطروحات الإستراتيجية وفهمها وبين الرصيد والمنهجية العلمية، فإذا أخذنا الحقبة المعاصرة، ونقبنا في الإنتاج العلمي لأحد جهابذة الإستراتيجية في الوقت الحاضر وهو الکسندر دوغين (الکساندر دوجان) مستشار الأمن القومي الروسي(**)، فسيتضح أن مشروعه الإستراتيجي (الجيوبولوتيکي/ الجيوسياسي) تحديدًا يربط بين ثالوث (التاريخ، المنطق العلمي، وقواعد الإستراتيجية)، ويبرز أصول وأُسس (مقولات) هذا المشروع، ولاسيما في کتابيه : تطور الأسس الفکرية للعلوم، وفلسفة السياسة([ii]). ومن ثم نتفهم مقولة نابليون الکاشفة (1769 – 1821م) "يجب أن تکون کل حرب منهجية"([iii]).



(*) مقولة تشرشل (الحائز على جائزة نوبل في الآداب 1953م)؛ المثقف ثقافة تاريخية عميقة منقولة بحرفيتها من مطارحات ميکافيلي فيقرر "يقول الحکماء وقولهم هذا لا يخلو من التعقل والأساس (المنهجي) : إن من يريد التکهن بالمستقبل فلابد أن يکون عليمًا (خبيرًا) بأحداث الماضي". انظر ميکافيلي المطارحات (عن الکتب العشرة الأولى لتيتوس ليفي) - ترجمة د. خيري حماد - دار الآفاق الجديدة  - ط3 - بيروت 1982م - ص751.

([i]) وولفجانج کريجر – تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وکالة الأمن القومي الأمريکي – ترجمة د. عدنان عباس على – سلسلة عالم المعرفة – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الکويت 2018م – ص19.

(**) عمل مستشاراً للبرلمان الروسي من 1998 إلى 2003م وهو اليوم رئيس خبراء الجيوبولتيکا التابع للمجلس الاستشاري المتخصص بشئون الأمن القومي التابع لرئاسة مجلس النواب الروسي، ويقود الآن حرکة أوراسيا العالمية، وله مؤلفات من بينها فلسفة السياسة، تطور الأسس الفکرية للعلوم، المؤمرات، مشروع أوراسيا، الرؤية الأوراسية، أسس الأوراسية، أسس الجيوبولتيکا... وفيه تحليل لأهمية جيوبولتيکيا العالم العربي والشرق الأوسط وأهميته في الصراعات الدولية، وفي هذا الکتاب ثمة محاولة تفسيرية لمِا يحدث في العالم العربي الآن وانعکاساته على توازن القوى في الإستراتيجية العالمية.

([ii]) الکسندر دوغين – أسس الجيوبولتيکا مستقبل روسيا الجيوبولتيکي – ترجمة وتقديم د. عماد حاتم – دار الکتاب الجديد – بيروت 2004م – ص المقدمة.

([iii]) نابليون بونابرت – مبادئ الحرب – ترجمة هشام البطل – مکتبة النافذة – القاهرة 2011م – ص37.

الكلمات الرئيسية


الاستدلال المنطقى للتاريخ عند ميکافيلي ولوتفاک

المنهج الإستراتيجى بين إستقراء الواقع واستنباط النتائج

 

 

مقدمة:

من الثابت أنه عقب دراسة عالمة الأنثروبولوجيا الأمريکية العميقة مارجريت ميد للمجتمع الياباني في رسالتها للدکتوراه، وکانت قبل الحرب العالمية الثانية 1939/1945م، والمنشورة تحت عنوان (زهرة الأقحوان). استنتجت أن هذا المجتمع عنيد وصعب المراس، لدرجة تجعله يرفض الاستسلام بفعل ثقافة البوشيدو؛ (الإقبال على الموت طائعين من أجل المحافظة على الشرف الياباني) وأوصت : بأنه على من يروم استسلام هذا المجتمع، عليه استعمال سلاح خارق فائق التدمير؛ ومعلوم أن اليابان لم تعلن استسلامها إلا بعد قصفها بالقنبلة الذرية الثانية؛ وليست الأولى، فإلى هذا الحد تمت الاستفادة من تحليل تاريخ المجتمع الياباني وفهم بنيته الثقافية، ومن ثم ندرک الآن کيف استفاد الغرب الاستعماري من التباينات الثقافية لمکونات المجتمعات المختلفة، ومنها المجتمعات العربية بالطبع، وخلق صراع الهويات؟ ولذلک ذاعت مقولة تشرشل(*) (1874-1965م) التي يقول فيها "مَنْ يرغب في استبيان ما يُضمره المستقبل، فلا مندوحة له من أن ينظر إلى الماضي (التاريخ) البعيد" ([1]).

وثمة ملاحظة جديرة بالاعتبار وهي الارتباط والتلازم الوطيد بين دراسة الأطروحات الإستراتيجية وفهمها وبين الرصيد والمنهجية العلمية، فإذا أخذنا الحقبة المعاصرة، ونقبنا في الإنتاج العلمي لأحد جهابذة الإستراتيجية في الوقت الحاضر وهو الکسندر دوغين (الکساندر دوجان) مستشار الأمن القومي الروسي(**)، فسيتضح أن مشروعه الإستراتيجي (الجيوبولوتيکي/ الجيوسياسي) تحديدًا يربط بين ثالوث (التاريخ، المنطق العلمي، وقواعد الإستراتيجية)، ويبرز أصول وأُسس (مقولات) هذا المشروع، ولاسيما في کتابيه : تطور الأسس الفکرية للعلوم، وفلسفة السياسة([2]). ومن ثم نتفهم مقولة نابليون الکاشفة (1769 – 1821م) "يجب أن تکون کل حرب منهجية"([3]).

ومن نافلة القول أن الصراع لهو بحق محور الارتکاز في تاريخ بني البشر طرًا، وثمة تلازم وثيق لا تخطئه العين ألبتة يربط بين صعود الحضارات وانهيارها، وبين خطط وتکتيکات (فنون) إدارة الصراع والتحکم فيها – ومقاربته بالتحکم في مياة الأنهار المندفعة الجريان بقوة هائلة کما يقرر ميکافيلي (مکيافيلي)([4])– وإمکانية حسمها من خلال إستراتيجيات وآليات ناجعة، جُلها مرتهن بعدة شروط من أهمها : عبقرية ابتکار الحلول بوصفها معطيات وإضافات فارقة في الميزان الإستراتيجي، ويحدث ذلک فقط بعد فهمنا الدقيق للواقع وتشابکاته ومن ثم فک شفرة غموضه وتعقيداته وحلها؛ وکذا التسلح بالإرادة الواعية، على أمل الوصول في نهاية المطاف إلى تملک القدرة (القوة) الشاملة وأدواتها، ومعلوم تمامًا أن الحرب هي ذروة أي صراع وصدام؛ ولذلک يُقال عنها : "الحرب هي قمة الدراما الإنسانية" فمن خلالها نلحظ کافة أشکال وصنوف السلوک البشري وتناقضاته، فالتاريخ هو ذلک السِفر الجامع لکل صور هذه الدراما البعيدة منها والقريبة وأشکالها.

وربما کانت هذه المحاولة المبذولة لإلقاء الضوء قدر المستطاع على منطقة غير مطروقة کثيرًا – في حدود ما قرأت بخصوص البيئة الفکرية العربية تحديدًا-، وهي علاقة الأطروحة الإستراتيجية وعلومها بالفلسفة، فلم يُعهد إمتداد أيدي الباحثين إليها بالدراسة إلا بالنذر اليسير، ومن الثابت أن هناک بدهية في المدرسة الفکرية الغريبة تقرر : أن التفکير (التنظير) والفعل (التطبيق والممارسة) الإستراتيجيين؛ يرتبطان في جوانب عدة بعقلانية وشمولية الفلسفة ومن ضمنها الاستدلال المنطقي([5])، وهناک من يرى أنها تقع في صلب أبحاث فلسفة العلوم([6])، وتصل هذه المدرسة إلى قناعة مفادها : ثمة علاقة وطيدة وعميقة بين المنهج (المنطق) الاستراتيجي، وبين الفلسفة بوصفها أداة للفهم الموسوعي لامتلاکها النظرة المعمقة القادرة على الربط بين الأحداث عبر منهج منظم ودقيق؛ ليس فيه أدنى انفعال ولا شبهة مبالغة، ولذلک فيمکن القول بالمقاربة بل المطابقة بين کل من المنهج العلمي المنطقي وروافده، وبين الإستراتيجية وعلومها، بوصفهما لون فکري منضبط ومنظم تمامًا، وکذا على اعتبار أنهما نبعا من معين واحد، هو المنبع العقلي الاستدلالي في التفکير، "فالعلم لابد له من المزج بين المنهج التجريبي الاختباري، والمنهج الاستدلالي العقلي، وبدون الاستدلال المنطقي فلن يکون هناک علم من الأساس"([7])

ولقد لاحظ الفيلسوف أرنست کاسيرر (1874 – 1945م) جانبًا مهمًا لدى ميکافيلي، وهو الجانب الإستراتيجي، وهذا الافتراض من جانب کاسيرر يُعد جديدًا وفريدًا في بابه فيقول: "اکتشف ميکافيلي نوعًا جديدًا من (البحث) الإستراتيجي الذي يعتمد على الأسلحة النفسية؛ بدلاً من اعتماده على الأسلحة المادية، ولم يتحدث أي مفکر آخر قبله عن هذا الجانب، وهذا (المفکر) الإستراتيجي مرکب من عنصرين إنه من خلق عقلية منطقية صافية متزنة(*)، ومن ابتکار (عبقرية) رجل يستطيع الاعتماد على کل من تجربته الشخصية الخصبة في مسائل الدولة، ومعرفته العميقة بالطبيعة البشرية"([8]).

وها هو ميد إيرل – المنظر الإستراتيجي الأمريکي (1826-1904م)، صاحب القدح المُعَلَّى في هذا الجانب يقول : "لقد جعل ميکافيلي دراسة الحرب علمًا اجتماعيًا، وربطها ربطًا وثيقًا بالنظريات ووجهات النظر الاقتصادية والقانونية والسياسية، وجاهد في هذه المسائل العسکرية والإستراتيجية؛ ليزيد من ميدان التخطيط المنهجي البشري، ويقلل من عدد الاحتمالات"([9])، ويتضح من وجهة النظر السابقة تماهي وتداخل التدقيق المنهجي للمعارف المتعددة ذات الصلة بعلم الخطط الإستراتيجية وفنها(*). ولذلک يمکننا القول : إن وجهتي النظر الفلسفية (کاسيرر)، والاحترافية العسکرية (ميد إيرل)، قد التقتا حول تصنيف ميکافيلي ضمن منظري الفکر الإستراتيجي.

وکتاب فن الحرب (في الحرب) لميکافيلي – لا توجد له إشارة واحدة في الدراسات والأبحاث العربية – قد طُبع أکثر من سبع طبعات، وظل مرجعًا في الدبلوماسية والإستراتيجية يُشار إليه بالبنان "فهو الأستاذ الذي علم القادة فن القتال وأدهش أوروبا بأسرها"([10]).

وبالنظر إلى سِفره الضخم المسمى المطارحات – لا توجد حوله أية أبحاث في المکتبة العربية على الرغم من أنه الکتاب الأهم لديه – فهو دائرة معارف في علوم التاريخ والسياسة والإستراتيجية، وربط هذه العلوم برباط منهجي مبتکر ورصين ودقيق في البحث، لدرجة جعلت بعض المتخصصين يقرر أن فرنسيس بيکون (1561 – 1626م) قد استعار دعائم منهجه الاستقرائي من کتاب المطارحات تحديدًا (لاحظ أن بيکون سياسي إنجليزي عتيد، کان عضوًا بالبرلمان لأکثر من عقدين من الزمن، وله کتاب في التاريخ والسياسة(**) هو : تاريخ الملک جيمس الأول).

ثم يدور الزمان دورته ويحاول لوتفاک (لوتواک) في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الفائت، التعويل على الأدوات المنهجية (المنطق المعکوس / برهان الخُلف) بوصفه طرحًا إستراتيجيًا ثوريًا، ليطلق صيحة مدوية معلنًا أن الإستراتيجية والإبستمولوجيا وجهان لعملة واحدة، فالتنظير الإستراتيجي عنده يرتکز على المنهجية المنطقية، مثلما فعل الرائد ميکافيلي في السابق، وهذا ما جعلنا نشتم من أفکاره الروح الفلسفية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحاولة من خلال هذا البحث حلقة متممة ومکملة لطرح فکري آخر سبق وتم دراسته([11])، والجهد الذي شکل الأساس وحجر الزاوية، فيه ارتکز على التعامل مع المنهج العلمي في جوهره ومقاربته - بالخطة الحربية تحديدًا -، المرسومة لتعقب أثر المجهول ومحاولة اقتناصه وانتزاعه؛ لدرجة التعامل معه واستهدافه، وکأنه خصم مراوغ (عدو) يتمترس بحصن حصين، وعلى الباحث بذل أقصى الجهد، والاستماتة في اقتحام هذه القلعة، باختصار کيفية إحراز النصر، بالقدرة على اقتناص هذا المجهول([12]).

وعلى هذا الأساس يمکن التأکيد على إمکانية النظر إلى التصميم على بلوغ الهدف من خلال المنهج العلمي ومقاربته بالصراع والمعرکة الحربية، والنظر إلى الخطط والإستراتيجيات بمنظار التفکير العلمي الحاکم في التنظير العقلاني، باختصار فکما أنه يمکننا أن نستنبط حلول ناجعة للواقع والحاضر من خلال فهم الماضي واستيعابه، فکذلک يمکننا النظر إلى المستقبل على أنه غير منفصل ألبتة عن الماضي والحاضر، ولذلک تکون لدينا القدرة على الإستشراف المستقبلي والتنبؤ بمجريات الأحداث؛ فمن خلال هذا فقط نحتاط ولا تدهمنا التحولات المباغتة (الأحداث الفجائية)، فشتان بين من أتم الاستعداد، وبين من لم يستعد وتم مداهمته ومباغتته، فهکذا ستکون النظرة إلى التاريخ ووقائعه، فالسابق يؤدي إلى اللاحق وکلٌّ منهما يقود إلى المستقبل، شريطة حضور الفکر والإرادة، ومن ثم فإن النظرة البرجماتية ستقود إلى السؤال الذي يقول : کيف نستفيد من التاريخ؟ ولذلک فإن الاستدلال المنطقي يعتبر القاسم المشترک بين الخطوات المنهجية والرؤية الإستراتيجية الکلية.

ووفقًا لما سبق فإن الاستفادة بالتاريخ بوصفه مخزونًا وحصيلة معرفية، لضبط إيقاع خطواتنا الإستراتيجية، بهدف امتلاک الرؤية المعرفية لرسم خارطة الاحتمالات والاستعدادات للمستقبل المنظور، بل والبعيد، لنکون فاعلين؛ ولا نفقد السيطرة على مجريات الأحداث، ونتحول إلى مفعول به، وضرورة الوضع في الحسبان "أن علوم الإستراتيجية هي تقريبًا رياضيات العلوم الإنسانية؛ وذلک لاتصافها بالصرامة والدقة في الحسابات والتقديرات والتوقعات، فإذا کانت الموضوعية هي إشکالية العلوم الإنسانية، فإن الموضوعية تقريبًا هي ميزة العلوم الإستراتيجية"([13]).

ومن ثم فإن الإستراتيجي العتيد يحاول جاهدًا فک شفرة الغموض وتحطيم أسواره لاقتناص أسراره وسبر أغواره. ولذلک فإن القول الذي يقرر أن هناک تماهيًا بين الفيلسوف والإستراتيجي (الإستراتيجي المتفلسف) قول صادق تمامًا.

وربما کانت هناک نتيجة استخلصناها فيما سبق، هي "أن قضية فهم العقل العربي للإستراتيجية وخباياها وتشابکاتها وتقاطعاتها المختلفة، لهي أحد أهم فرائضنا الغائبة. وإنني أرى أنها سلاحنا الأهم والأدق والفعَّال، الذي لابد من امتلاک ناصيته يومًا ما، ومن عجب أننا ما زلنا نبحث عنه – ولن نمل – وآمل أن لا يطول البحث"([14]).

أولاً :الإطار النظري وتحديد المفاهيم :

ترتکز الدراسات الإستراتيجية مثل غيرها من الأبحاث العلمية الرصينة، على مسلمات وفرضيات (بدهيات) محددة، أو (موجودة ضمنًا في ثنايا البحث) تتصل بطبيعة الرؤية الإستراتيجية ومفهومها لدى ميکافيلي ولوتفاک باستخدامهما للتقنيات المنطقية الاستدلالية (الاستقراء والاستنباط تحديداً) للمقاربة والمماثلة بين الماضي (التاريخ) والحاضر على اعتبار ثبات الطبيعة الإنسانية، ومن خلال الدراسة الفاحصة والناقدة لمنهجية کل منهما في ضوء الاتجاه الوضعي([15]) الذي يستند إلى الوسائل والأساليب العلمية التجريبية (الاستقرائية) وصولاً إلى التعميم عبر تقنية الاستنباط([16])، وکذا الاستفادة ببرهان الخُلف عند لوتفاک، وتقنية القياس الشرطي، وخاصة القياس الشرطي الخاطئ، فکل هذه الأساليب (الأدوات المنهجية) مجتمعة تمثل خطوات منطقية منضبطة لاستنتاج الحقائق عبر آلية المنطق الهورستيکي بوصفه منهجية مبتکرة لاقتناص الحل (الهدف)، ومن ثم الظفر بالفهم الصحيح.

والأطروحات الإستراتيجية؛ تحتم ضرورة امتلاک الباحث لثقافة ومصادر فکرية وعقلية ليست بالقليلة ولا بالتقليدية حِيال موضوع البحث والدراسة، فالثقافة (الموسوعية) شرط وضرورة حتمية لا مفر منها؛ لممارسة التفکير الناقد الذي ينجلي في مناقشة الأصول والثوابت، والرؤى والأفکار للتأکد من جدواها، وکذا التعمق، أي محاولة الاهتداء لنقطة البدء. وبعد ذلک تتبع الدروب والمسالک، فعن طريق ذلک التفکير يمکننا تتبع الأسباب واقتفاء آثار العلل وربطها بالنتائج، من خلال التثبت من الوشائج والعلاقات بکل دقة وحيادية (موضوعية)، "فالإستراتيجية وعلومها والمنهج العلمي المنضبط هما صنوان ومتکافئان، بل مترادفان ومتطابقان، فهما أشبه بوجهي العملة الواحدة، فلا يوجد أدنى انفصام بين کلٍّ منهما"([17])، فالبناء الإستراتيجي في أحد جوانبه يقوم على الاختيار بين البدائل المرتکزة على أساس المنفعة والفائدة؛ وذلک لإنجاز هدف محدد؛ أو مجموعة أهداف، وهذه البدائل ترتبط بنظرية حساب الاحتمالات الرياضية(*) ذات الأرومة المنطقية.

والمنهجية الإستراتيجية الموسومة بالعمق والشمولية، تستهدف الوصول إلى الأغوار السحيقة للعلل والأسباب الحقيقية للإشکاليات والمعضلات التي نروم حلها، من خلال مخطط متکامل، يتم تنفيذه على المدى القريب والبعيد؛ عبر مراحل متعاقبة بعضها في إثر بعض. (النسق والبناء الإستراتيجي)، وهذا التسلسل والتشابک يحتم علينا الانتقال من الأبسط إلى الأعقد؛ ثم الأکثر تعقيدًا، وهکذا دواليک، وصولاً إلى تنفيذ المخطط (الرؤية) برمته.

والرؤية الإستراتيجية تعطينا أفضلية الاستشراف (التنبؤ) وسبق الخصم والتقدم عليه في المعرفة (الفهم الإستباقي) المرتکز على التحليل الدقيق، تمهيدًا للانتقال إلى التطبيق الواقعي للرؤية([18]). ومن ثم ننتهي إلى أن المنهج الإستراتيجي ينطلق من الواقع ورصده وتحليله بدقة (الاستقراء)، ثم ننتزع أحکامنا بواسطة العقل (الاستنباطي) والمقاربة والموازنة تلک، تعرف بالحساب الإستراتيجي بهدف امتلاک رؤية صحيحة إلى أقصى حد عن الواقع([19]).

وللعبقرية موقعٌ مرموق في الإستراتيجية وعلومها، کالبصيرة(**) أو ما يُعرف بالحدس، واصطُلح على تسميته في علم المناهج بالاستدلال اللماح Abductive([20])، والمقصود به حضور البديهة والصفاء الذهني، والقدرة على اتخاذ قرار سريع وصائب، وخاصة في أکثر الأوقات صعوبة، ومن المتفق عليه أن القرار الصحيح المتأخر أقل أهمية بکثير، وفي الأغلب الأعم يصبح بلا قيمة، فالاستدلال بالحاضر على المستقبل ليس رجمًا بالغيب؛ أو خبط عشواء، لکنه يرتکز على أُسس وضوابط معرفية ومنهجية، مع الوضع في الاعتبار ديناميکية هذا العلم؛ فلا يمکن له التحول إلى الثبات والسکون الاستاتيکي (التکلس)، وذلک لأن مياه (متغيرات) کثيرة تنساب دائمًا في النهر باستمرار([21]). ومن هنا يکون قول الداهية تشرشل بخصوص هذا الموضع کاشفًا؛ إذ يقرر "إن إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل"([22])، ورأيه عن توماس إدوارد (لورانس العرب)([23])(1888-1935م) ذو دلالة إبستمولوجية عميقة، فيقول : "أخذ لورانس يضرب في الأرض، عله يعثر على قضية تلوح للجميع بأنها خاسرة، بينما کانت تبدو له رابحة"([24]).

تحديد المفاهيم :

1-  المنطق : والمقصود به بصفة عامة في هذه الدراسة قياس حالة (واقعة تاريخية) حاضرة (آنية / الآن) على حالات ماضية، شريطة توفر نفس الظروف والأسباب، وکذا الاستفادة بتقانات المنطق مثل القياس الشرطي بأنواعه.

2-  الاستقراء : الانطلاق من الواقع الحسي واستخدام أرکان المنهج العلمي (الملاحظة – التجربة – الفرض)؛ وذلک لفحص ارتباط مجموعة من الحالات الجزئية بعلاقات متشابهة، ومن ثم إخضاعها لقواعد ومعايير واحدة، واستنباط واستنتاج قاعدة عامة.

فعلى مستوى العلم التجريبي فإن قولنا : إن الذهب، والحديد، والفضة، والنحاس، والزنک معادن تتمدد بالحرارة. يستوجب بالضرورة أن نقول بلغة الرياضيات والمنطق : کل المعادن تتمدد بالحرارة. وهذا يتطابق مع صنيع ميکافيلي إبّان قوله : الدولة (س) استعانت بالمرتزقة في حروبها، الدولة (ص) استعانت بالمرتزقة في حروبها، الإمارة (ل) استعانت بالمرتزقة في حروبها. وهکذا دواليک ومُنيت الدولة (س، وص، والإمارة ل) بالهزيمة، إذن : فکل الدول والإمارات التي تستعين بالمرتزقة في حروبها تکون أکثر عُرضة للهزيمة (تعميم الحکم)([25]).

3-  الإبستمولوجيا : وهي حاصل ومجمل العمليات المعرفية وأدواتها المنهجية، انطلاقًا من القاعدة الشهيرة، وهي : المعرفة (الإبستمولوجيا) الصحيحة تستلزم منهجية صحيحة.

4-  الحدس (الاستدلال اللماح/ الفراسة) :  الإدراک المباشر والسريع (بنظرة خاطفة) للحقيقة؛ وذلک لأن العمليات الإدراکية والمعرفية، تتسلسل في الذهن بطريقة آلية سريعة، ويقال عنه : منطق العباقرة، فهو لوذعي يدرک الحقيقة بأقل لمحة (من ثقب إبرة).

5-  حساب الاحتمالات : في قضية معرفية لا نستطيع الجزم بنتيجتها، فإننا نستعيض بمجموعة من الاحتمالات (النتائج) المفترض حدوثها؛ شريطة تصنيف کل احتمال وترتيبه على حدة، حسب إمکانية حدوثه ورجحانه، فالأکثر أهمية، ثم الأهم، ثم الأقل أهمية. وهکذا دواليک.

6-  القياس الشرطي : وهو ارتباط حدوث النتيجة بشرط محدد، فثمة تلازم حتمي بين النتيجة وهذا الشرط المتقدم علي تلک النتيجة والمسبب لها.

7-  القياس الشرطي الخاطئ : وهو الربط بين شرط ما من الشروط والنتيجة، بدون وجود أية علاقة تدعو لذلک، وفي مجال الإستراتيجية فإننا نستعين بهذه التقنية کثيرًا لإيقاع الخصم في الخطأ، فعلى سبيل المثال يُفترض في نهار شهر الصيام (رمضان) أن يکون الإنسان أقرب للراحة بسب عدم تناوله للطعام ولا حتى للمياه؛ إذن المناورات التي يقوم بها الجيش المصري هي عمل روتيني؛ وخاصة أنها أُجريت مرتين من قبل ولم تُفضي إلى شئ، إذن لا توجد نية للهجوم لدى الجيش المصري. وبالطبع کان استدلال شرطي خاطئ استنتجته قيادات الجيش الإسرائيلي.

8-  منطق الخُلف : يُقال عنه : استعمال الطريقة العکسية ونقيض البرهان المباشر، کقولنا: إذا أردت الانقضاض على الخصم، (فتظاهر) بالاسترخاء، فالرغبة في الانقضاض والقتال على المستوى العلمي (التنظيري) والعملي (التطبيقي الواقعي)، ضد الاسترخاء، ولکن هذا يعطيک أفضلية مباغتة الخصم ومفاجأته، فالخدعة التي هي أرومة النظريات القتالية وجوهرها تقوم على المباغتة، والمباغتة أساسها أن تهاجم خصمک وأنت في کامل الأُهْبَةِ والاستعداد وخصمک غير جاهز بالمرة، ولک أن تتخيل النتيجة، وخير مثال على ذلک استخدام الرياضي والمنطقي والفيلسوف الألماني لبينتز (1647-1716م)، هذا التکتيک في محاولة إقناع لويس الرابع عشر (1710-1774م) ملک فرنسا بعدم محاربة ألمانيا وغزوها، وصاغ مشروع غزو مصر واحتلالها في القرن السابع عشر بهدف قطع الطريق بين إنجلترا (عدو فرنسا اللدود) وبين الهند، وغلق الطريق البحري وشل حرکة الأسطول الإنجليزي عبر دق أسفين له باحتلال مصر، وبذلک ستنشغل فرنسا بحرب إنجلترا بدلاً من حرب ألمانيا وغزوها، ويفترض لبينتز إمکانية تنفيذ ذلک بکل سهولة، بعد إقناع إنجلترا من خلال وسائل الدعاية الفرنسية، بضرورة غزو إنجلترا، وبعد مباغتتها باحتلال مصر وغزوها([26])، وذلک يطابق القاعدة الإستراتيجية بالمناورة في الغرب (غزو إنجلترا غير الحقيقي)، والهجوم في الشرق (الغزو الفعلي لمصر والسيطرة على موقعها الجيواستراتيجي الحاکم)؛ فحينما تريد أن تتجه شرقًا، يجب الإعلان عن الاستعدادات للاتجاه غربًا، وحينما تتعافى إنجلترا من هول الصدمة، تکون فرنسا قد أنجزت (المهمة المباشرة / الهدف الإستراتيجي) باحتلال مصر، ومن ثم تتعامل إنجلترا مع واقع معقد، لم تختره هي، بل فُرض عليها قهرًا، وإذا أردنا البحث عن قواسم مشترکة بين الرياضيات والمنطق الإستراتيجي – حازها لبينتز جميعًا بامتياز – فسنعثر على معيار البساطة بوصفه اختيار الحل الأيسر والأسهل لإنجاز الهدف، وهذا بالضبط جوهر التصور المنطقي الذي وظفته عبقرية ليبنتز أيما توظيف، ويُقال : إن لبينتز – استعان به أمير هانوفر في صياغة وفک الشفرة([27])-، ذلک الرياضي العبقري الذي مهد وسبق نيوتن (1642-1727م) في اکتشاف حساب التفاضل والتکامل، ذلکم المبحث الذي غير وجه الرياضيات والفيزياء، کثيرًا ما کان يلجأ لاستخدام تقنية الخُلف وبرهانه في المنطق والرياضيات، وها هو يستخدمه في محاولة لحل مشکلة تهدد الوجود والدولة الألمانية وتضربها في الصميم([28]).

المنهج المستخدم في الدراسة :

الاستفادة بتقنية المنطق الهورستيکي الذي يستند إلى دعائم منهج التحليل والترکيب، بمعنى تيسير المعقد، من خلال تقسيمه إلى عدة عناصر أولية بسيطة (التحليل)، ثم إعادة تجميعها على أساس اقتراح فرضية فکرية جديدة، وغالبًا ما يکون هذا الاقتراح عبقريًّا غير مسبوق، بهدف اکتشاف خصائص لم تکن معروفة (الترکيب)، وهذه التقنية المنهجية المتفردة تُعرف بمنطق اکتشاف السبب (منطق الحل)، ويستخدم الأدوات المنطقية کالقياس سواء کان حسيًا تجريبيًا (الاستقراء)، أو عقليًا (الاستنباط)، وکذا القياس الشرطي الصحيح والخاطئ، بالإضافة إلى التقنية المهمة (قياس/منطق الخُلف). واستهدفت الدراسة تطبيق هذه التقنيات (الأدوات المنهجية)، على تصور ميکافيلي ولوتفاک للتاريخ، واتخاذ هذه التصورات تکأة لاستنباط القواعد الإستراتيجية.

التماهي بين التاريخ والإستراتيجية عند ميکافيلي(*) ولوتفاک(**) والفرق بينهما:

     بالرغم من استخدام ميکافيلي ولوتفاک للتقنيات (التقانات) المنطقية، إلا أنه يوجد ثمة فوارق جوهرية بين فرسي الرهان، وهي :

‌أ-  اعتماد ميکافيلي على الأدوات المنطقية البسيطة (القياس تحديدًا) وقياس حالة آنية حاضرة (حدث / واقعة تاريخية) على حالات (أحداث ووقائع سبق حدوثها في الماضي) للبحث عن وجود علاقات وتماثل من عدمه؛ بين الماضي والحاضر.

‌ب-  يُحسب لميکافيلي قدرته على استشراف المستقبل والتعويل على منهجية حساب الاحتمالات، وهو منهج إستراتيجي معاصر.

‌ج- اعتمد لوتفاک على برهان (منطق) الخُلف الذي يعطينا خيارات عديدة (بدائل إستراتيجية)، وبالطبع يتم اختيار البديل المناسب حسب الإمکانيات والظروف المحيطة بالحدث.

‌د-  استخدام لوتفاک تقنية القياس الشرطي، وخاصة الخاطئ في الفهم والتحليل، وتأتي أهمية هذه التقنية في المساعدة على خداع الخصم في إجباره وإرغامه على الفهم والربط بين الأحداث بصورة مغلوطة؛ وهذا يؤدي به إلى الوقوع في الشرک والفخ.

وبالتالي فإن ميکافيلي استخدم الأدوات المنطقية البسيطة المعروفة في حينه مع إضافته لمنهجية غاية في الأهمية وهي : حساب الاحتمالات (البدائل والخيارات) بينما استخدام لوتفاک تقنيات أخرى، وخاصة برهان الخُلف الذي يتماهى مع جوهر الفکر الإستراتيجي بالإضافة إلى القياس الشرطي الخاطئ لخداع الخصم.

أوجه الشبه والارتباط بين ميکافيلي ولوتفاک :       

يُعد کتاب المطارحات العمل الأضخم لميکافيلي، بالإضافة إلى تدوينه لنظرياته في السياسية والدبلوماسية والتاريخ وکذا الإستراتيجية مدعومة بمنهج مبتکر، أرومته استنباط الأحکام والقواعد من خلال الوقائع التاريخية([29]) التي دونها تيتوس ليفي (59 ق.م 17م)( *) في مؤلفه الشهير عن الإمبراطورية الرومانية، وبموجب هذا السِفر الضخم لميکافيلي، أُعتبر مؤسسًا لعلم السياسة؛ لأنه نص على ثلاث قواعد، هي :

‌أ-   الفصل بين السياسة (ما هو کائن/ الواقعية)؛ وبين الأخلاق (ما ينبغي أن يکون/ المثالية)، فإذا کانت هذه القاعدة الشهيرة : "الغاية تبرر الوسيلة". منصوص عليها في کتاب الأمير؛ فإنه قد توسع في شرحها باستفاضة في کتاب المطارحات([30]).

‌ب-  ابتکاره لمنهج تطبيقي؛ أسس عليه نظرته للاستدلال التاريخي والسياسي، وهو في جوهره عبارة عن استقراء للوقائع والأحداث لاستنتاج أحکام عامة، ويتضح جليًا فهمه واستيعابه لأحداث التاريخ قد تجسد بصورة إبستمولوجية، فالوقائع عبارة عن مخزون ورصيد معرفي متراکم، يحتاج إلى الأيدي الخبيرة والعين البصيرة، لاکتشاف التعميمات (دروس وعبر)، بواسطة إعمال المنهج العقلاني الاستدلالي (التمحيص) في هذا الرصيد، ومن ثم يمکننا القول باطمئنان : أن الوقائع الاستقرائية شکلت المقدمات المنطقية، والتعميمات والأحکام، شکلت نتائج هذا الاستدلال المستخلصة.

أما عن لوتفاک، فسيتضح وياللدهشة تأليفه لکتاب عن الإمبراطورية الرومانية في القرون الميلادية الثلاثة الأولى. وحدد دراسته بأنها في "الإستراتيجية العليا"، فإذا کان هذا الباحث الذي لا تخطئه عين في حقل الإستراتيجية والتلميذ النجيب لفکر ليدل هارت وفلسفته الإستراتيجية (1895 – 1970م)، يؤلف في ذلک التاريخ البعيد، ألا يجعلنا ذلک نعيد حساباتنا في فهم السياسة والإستراتيجية من خلال القدرة على استيعاب الأحداث التاريخية وسبر أغوارها؛ غير المنفصلة عن إطارها المجتمعي، إذن لقد التقى فرسا الرهان من خلال هذا البحث في الاهتمام بالتاريخ بصفة عامة والروماني(*).

ثانيًا : إذا کان ميکافيلي قد استحدث ما نستطيع أن نقول عنه المنهج السياسي والإستراتيجي ذا الأبعاد الاستدلالية، فإن لوتفاک؛ قد أسس منهجه الإستراتيجي بطريقة منطقية متفردة غير مسبوقة وهي المنطق المعکوس (برهان الخُلف/العکسي وهو البرهان غير المباشر وغير المستقيم)(**)، بطريقة منهجية غير معتادة.

ثالثًا : معروف أن الإستراتيجية هي علم وفن، وبما أنها فن فلابد لها من جانب تطبيقي، فالذي حدث هو أن ميکافيلي قد صاغ کتابًا في الإستراتيجية وفنون الدبلوماسية وهو کتاب (فن الحرب)(*).

وعلى هذا فمن خلال مقولة بسمارک (1815 - 1898م) موحد ألمانيا – بروسيا في السابق – التي يجزم فيها بالقول "إن حوادث التاريخ المفهومة؛ هي النتائج المستنبطة من مقدمات الحديد والنار"([31])، ورغم ما يحمله الرأي السابق من أخطاء کارثية؛ إلا أننا نشتم فيه رائحة ميکافيلي المفکر الذي مجد القوة لدرجة التقديس، ويلاحظ أن هذا الکتاب يحسم وجهة النظر بأن هذا المفکر المنهجي، أخذ يحلل المعارک الحربية على طريقة الخبير بالإستراتيجية، وأدرجه مؤلفو کتاب : "رواد الإستراتيجية". ضمن الکبار منهم، وأفردوا له اثنتين وسبعين صفحة.

أما لوتفاک فقد جمع بين التنظير والتطبيق واستخدم أدوات منهجية توسع من دائرة خياراتنا، عن طريق تحليله للوقائع الحربية رابطًا بين الانتصارات ومجموعة من الأسباب العقلانية في الدرجة الأولى، وطبق ذلک على کتابه : الإستراتيجية العليا للدولة الرومانية وريثة الحضارة اليونانية(**). والخلاصة أن کلاًّ من فرسي الرهان قد جمعا بين التنظير والتطبيق، مع مراعاة اختلاف ظروف عصر کل منهما وطبيعته وإمکانياته، فإذا کان ميکافيلي يمثل مرحلة البواکير الأولى، فإن لوتفاک يمثل ذروة المنهجية الإستراتيجية وسنامها في القرن الفائت ومازال.

 

 

الأدوات المنهجية عند ميکافيلي :

ثمة قاعدة منهجية لميکافيلي تعتبر أساس الرؤية السياسية لديه وترتکز على ثبات الطبيعة البشرية في کل العصور فيقول "يجب أن لا يقنط أي إنسان من القدرة على التأثير بما سبق لغيره أن أثروا به، فلقد ذکرت من قبل في المقدمة أن الناس يولدون ويعيشون ويموتون في نسق واحد لا يتبدل ولا يتغير"([32]) ويردف معرفًا القوة بقوله "اعتمد روملوس (مؤسس مدينة روما) على التعقل (التخطيط) والسلاح (وسائل القدرة) والقوة"([33]) وهما جناحا الإستراتيجية، وثمة ملاحظة تدل دلالة قاطعة على الموضوعية عنده فيشيد بالسلطان العثماني سليم الأول خصم أوروبا اللدود قائلاً "استطاع السلطان بايزيد سلطان الأتراک وهو رجل أحب السلام أکثر من الحرب، التنعم بثمار المشقات التي احتملها والده محمد الفاتح، ولو کان سليم الحاکم الحالي على أي حال کوالده، لا کجده لخربت الدولة"([34]).

وکثيرًا ما يبتدأ عباراته قائلاً "لنبدأ بالعقل والمنطق"([35])، ويؤکد على استخدام الأدوات المنهجية بوضوح في مؤلفاته فيتحدث کثيرًا عن المعقولية المنطقية، فيذکر في مقولاته : "إذا کنا ننشد العقل والمنطق، فإن الحجج يمکن أن تقوم لتدعيم الحجة والاستدلال..."، ويحث القادة والأمراء بقوله المهم : "والأمير العاقل ينبغي أن يسير بمثل هذه الطريقة (المنهجية)، وأن لا يخلد إلى السکينة وقت السلم، بل يعمل بحيث يستطيع أن ينتفع بالوقت، فيجني في الحرب ثمار عمله وقت السلم"([36]).

وهناک استنتاجٌ يقرره (تعميم منطقي) في الفصل الرابع عشر؛ تحت عنوان : واجبات الأمير نحو الجندي المحارب. حيث يؤکد على أنه من المتعذر قبول فکرة أن رجلاً مسلحًا يخضع لرجل غير مسلح، أو أن أعزل يأمن الحياة بين قوم مسلحين حتى النخاع، لأن الأعزل يبقى خائفًا حذرًا، وکذلک فإن الأمير الجاهل بفنون الحرب لا يکون محترمًا من جنده ولا يأمن جانبهم، فلا يليق بأمير أن يتخلى عن فکرة الحرب لحظة، وعليه أن يحيط بعلم الحرب إحاطة تامة([37]).

وينبغي ممارسة الحرب والتدريب عليها في السلم، وذلک بطريقتين : هما العمل والدرس، وبخصوص الجانب العملي – التدريب والاستعداد، ويقال : إن العرق في التدريب يوفر الدم في المعرکة – في الحرب، فهو إبقاء الجنود مسلحين مستعدين، وممارسة الصيد، ليعتاد البدن على المتاعب والمشاق وتحملها، وکذلک للوقوف على طبيعة الأراضي، وکيف يکون ارتفاع الجبال ومهابط الوديان، ومعرفة أنواع الأنهار والمستنقعات، وکيف يکون تأثيرها أثناء عملية العبور(*)، ولهذه المعرفة العملية فائدتان، هما :

أ‌-          معرفة الجغرافية والأرض، فيعرف الدروب والمسالک وکيفية الانتقال.

ب‌-   القياس التقريبي بين أرض الوطن والأرض خارج الوطن، فيعرف أين ومتى يبنى المعسکر؛ وکيف يحتل الأماکن التي تحتوي على المياه لتزويد الجيش بها([38]).

أما الجانب التثقيفي (الممارسة والتدريب) فيذکر ميکافيلي بأن على الأمير في وقت السلم التفکير في الحرب، وحينما يتواجد في وقت السِّلْم مع الجنود يسألهم، إذا کان العدو على هذا التل، وکنا نحن هنا بجنودنا، فأي من الفريقين يکون حصين المرکز، وکيف يمکننا الاقتراب منه مع المحافظة على النظام بدون أي خلل، وإذا أردنا التقهقر فماذا ينبغي علينا فعله؟ وإذا تقهقر عدونا، فکيف نطارده بصورة صحيحة، بحيث لا نقع في فخ قد أعده لنا، فکان يستمع إلى آراء جنوده، ويبدي آراءه مشفوعة بالحجج، بحيث کانت حروبه، صورة طبق الأصل لما سبق واستعد له؛ لأنه قد درس احتمالات - الاحتمالات مبحث منطقي ورياضي في الأصل- کثيرة، ودرب الجيش عليها([39])، "أما تدريب العقل فلا يکون إلا بدراسة تاريخ القادة العظام، والنظر في وصف الوقائع، والبحث عن أسباب النصر، وأسباب الخذلان، لاتباع الأولى واتقاء الثانية، فقد زعموا أن الإسکندر الأکبر (356-323ق.م) قلد (آخيل)(**)، وأن قيصر (42ق.م – 14م) قلد الإسکندر الأکبر"([40]).

ويتحدث ميکافيلي عن الملاحظة، فيقول : "فقد لوحظ مرارًا وتکرارًا"([41]) ويتحدث عن الاستنتاج فيقول "فکذا نصل إلى الاستنتاج القائل ..." ([42])، وکذلک يستخدم حساب الاحتمالات؛ والتعامل مع کل احتمال، وکل حالة فيقول "لا يمکن لأي جمهورية بلوغ الکمال؛ إلا إذا ضمنت بموجب قوانينها نصوصًا صالحة لکافة الاحتمالات، وضمنت لکل احتمال علاجًا شافيًا، وأقرت الطريقة (المنهجية) التي يجب اتباعها في استعماله"([43]).

تطبيق منهجية الاستنباط على فهم الدين والفساد عند ميکافيلي :

(أولاً) الدين :

ثمة رأي خاطئ قد شاع بخصوص ميکافيلي يفترض نظرته السلبية إلى الدين، ولکنه يقول بصريح العبارة "وهناک من هم جديرون بالزراية والسخرية وفي طلعيتهم أولئک الذين يستأصلون الدين ... ويحاربون الفضيلة وأعني بهم الزنادقة"([44]).

أما عن الاستخدام الإيجابي أو السلبي للمعتقدات الدينية فثمة نص مهم يقول فيه : "فحيث يوجد الدين يصبح من السهل على الناس تعليم استخدام السلاح، أما حيث توجد الأسلحة ولا يکون ثمة وجود للدين يصبح من الصعب إدخاله ونشره"([45])ويردف "لم يکن هناک في الحقيقة مشرع واحد جاء بقوانين غريبة إلى أي شعب من الشعوب لم يلجأ إلى القول بأن الله هو الذي أمر بهذا، إذ لو لم يلجأ إلى هذا السبيل لما قُبلت قوانينه، فکثير من الفوائد التي يشعر بها الإنسان العاقل لا تکون واضحة جلية لکل عقل بحيث يتمکن من إقناع الآخرين بها، وهذا ما يدفع الحکماء تجنبًا للصعوبة اللجوء إلى ذريعة (شريعة) الله"([46]).

وباستخدام الملاحظة الحسية يقول "يلاحظ المرء في حصار مدينة فيبي کيف أن قادة الجيش استخدموا الدين لحمل جنودهم على مواصلة الهجوم ... فتم اقتحام المدينة بعد حصار عشر سنوات، وهکذا عمل الدين حينما أُحسن استخدامه في المساعدة على احتلال المدينة"([47]). وهذا يذکرنا باستخدام الولايات المتحدة الأمريکية الجهاد الديني في أفغانستان 1979م لمقاومة الغزو الروسي (الجيوبولتيکا الدينية کما أسماها الکسندر دوغين)، فکان سببًا مباشرًا للاستنزاف والتي أفضت إلى الهزيمة السوفيتية([48]).

(ثانياً) الفساد :

ويقرر ميکافيلي أنه إذا وصلت درجة الفساد إلى جيلين أو ثلاثة – الجيل الواحد حوالي 40 سنة-، فإن الفساد المتأصل في المملکة سينتشر إلى بقية الأعضاء، وبفساد الأعضاء أصبح من المحال إصلاح حالهم، ومن ثم يستنبط قاعدة مهمة من المسلمات ويقرر فيها أنه لا يمکن إعادة الاستقرار إلى الدولة التي يحکمها أحد الأمراء الفاسدين"([49])، ويقول بعد استعراض کثير من الحالات الواقعية "عندما يکون الجوهر صالحًا لا تؤدي الفتن إلى أي ضرر، أما عندما يفسد الجوهر فإن التشريعات الصالحة لا تجدي، إلا إذا کانت من وضع إنسان في مرکز قوي للغاية، يمکنه من فرض الطاعة إلى الوقت الذي يکون صلاح الجوهر قد تحقق"([50]).

تطبيق الاستقراء التاريخي عند ميکافيلي وانعکاسه على فرنسيس بيکون :

يعول ميکافيلي على الجمع بين الاستقراء والاستنباط فيقرر بخصوص من يريد إقامة تأسيس جمهورية في الوقت الحاضر، فإنه يجد من السهولة عليه إقامتها بين أهل البادية غير المثقفين، على أن يقيمها بين سکان المدن حيث بلغت المدن مرحلة الفساد، والأمر بالضبط مثل محاولة النحات إبداع تمثال جميل من الحجر الخام، على استخدام رخام سبق لنحات محدود القدرات استخدامه([51]).

يقول الفيلسوف أرنست کاسيرر (1874 – 1945م) "کان ميکافيلي مولعًا للغاية  بالتعميمات الجريئة، فقد انتزع على الفور من أمثلة قليلة العدد (الاستقراء) مأخوذة من التاريخ القديم أو الحديث؛ نتائج بعيدة المدى إلى أقصى حد، ويتحتم على الدوام مراعاة الطريقة الاستنباطية في التفکير والاستدلال إذا أردنا فهم نتائج ميکافيلي"([52]). ويردف بقوله : "تأليف کتاب من طراز کتاب الأمير، له نفس أهمية کتاب المطارحات، إذ إن تأليف هذا الکتاب في حاجة إلى قدرات عقلية متنوعة؛ کالقدرة على الاستنباط والتحليل المنطقي"([53])، وکثيرًا ما ينوه هيوم (1711-1776م) في کتابه : (المقالات) بميکافيلي؛ معجبًا به، وذلک لإتباعه الاستدلال التجريبي في دراسته السياسية، وأنه قد توصل إلى قاعدتين حدسيتين صحيحتين هما :

أ‌-       ثمة ميول تتحول إلى قواعد سياسية ثابتة (مسلمات) لدى جميع المجتمعات.

ب‌-    يمکننا الوصول إلى هذه القواعد بدراستنا لتاريخ الشعوب والأمم والجماعات.

ويحدد ميکافيلي المعرفة السياسية الصحيحة وينظر إليها في ضوء معقولية المنطق وعلاقاته، بوصفها معايير وقواعد، وکذا يُرسي أساس الممارسة السياسية على أساس استقراء وفهم الواقع؛ فهو إذن يجمع بين الاستدلال المنطقي والاستقراء المادي الحسي لفهم الوقائع وتحليلها([54])، فيقول بول جانيه – أحد أکبر دارسي ميکافيلي في القرن الفائت – "إن سياسة ميکافيلي استدلالية تمامًا، وسياسة مونتسکيو (1691 – 1755م) أقرب إلى العملية، وکلتاهما تستند إلى التاريخ"([55]).

وعلى هذا الأساس يقرر فرنسيس بيکون (1561 – 1628م) "إننا مدينون بالکثير لميکافيلي؛ لأنه أنبأنا بما يفعل الناس، بدلاً من أن يُنبئنا بما ينبغي للناس أن يفعلوه. وبعبارة أخرى نستطيع القول: إن جانبًا من عمل ميکافيلي هو نوع من العمل الذي يقوم به العالم الطبيعي، إذ ينطلق من الملاحظة، وجمع الحقائق، باعتبار ذلک نقطة البداية في کل تفکير خاص بالموضوع"([56]).

وفي الفقرة (97) في کتاب الأورجانون الجديد ثمة إشارة من بيکون إلى تيتوس ليفي تشي بالإعجاب والإطراء، ومعلوم أن ميکافيلي نقل عنه نقلاً مباشرًا([57])، وفي الفقرة (127) يقرر بصريح العبارة بأن منهجه الجديد المقترح غير مقصور على العلوم الطبيعية فقط، ولکنه مرتبط بالعلوم الإنسانية وعلى رأسها علم السياسة والحکم، ويردف بأن المنهج العلمي يجب أن يعترف بخصوصية کل علم وتفرده، فلکل علم طبيعته الخاصة، ولذلک يجب أن يکون له منهجه المتوائم مع هذه الخصوصية شريطة انبثاق کل العلوم من الواقع ومشکلاته، مستهدفة تغييره إلى الأفضل من أجل صالح البشر ومنفعتهم([58]). وفي نص مهم جدًّا يحدد فيه ميکافيلي إستراتيجيته المنهجية السابقة على بيکون بقوله : "إن في الإمکان حمل أفراد الشعب على أن يفتحوا عيونهم حالما توجد طريقة لحملهم على رؤية الخطأ الذي يرتکبونه في التعميم (المتسرع)، وعلى وجوب النزول إلى التفاصيل والجزئيات"([59])، ثمة إشارة منهجية في غاية الخطورة يحملها مضمون هذا النص، وذلک في حالة التعميم المتسرع، فإنه ينبغي العودة قهقريًا إلى الجزئيات (التي بدأنا منها) ومراجعتها، وکذا مراجعة العملية الاستدلالية برمتها؛ وهذه الطريقة في المنطق تسمى التحليل المعکوس فبدلاً من الانتقال من المقدمات إلى النتائج وهذا هو الشائع، فإنه في حالة الرغبة في مراجعة النتائج التي حصلنا عليها نقوم بالسير في الطريق العکسي من النتائج (التعميمات) إلى المقدمات (الجزئيات)([60]).

وفي نص بالغ الدلالة في مقدمة کتاب (المطارحات) يقول ميکافيلي : "لما کان من الخطر؛ بسبب غريزة الحسد المتأصلة في طبيعة الإنسان، أن يکتشف طرقًا (مناهج)(*) وأساليب جديدة. ولما کانت هذه الخطورة لا تقل مطلقًا عن اقتحام المجهول، بحثًا عن محيطات جديدة، وأراضي غير معروفة"([61]). ويربط ميکافيلي بين الوصول إلى العالم الجديد (الأمريکتين) واکتشافهما بواسطة کريستوفر کولومبس، وبين افتراضه لمنهج مبتکر في فهم التاريخ وممارسة السياسة، لدرجة جعلته يقرر أن اکتشاف المجهول ومعرفة العالم الجديد؛ لأن هناک من سلکوا طريقًا غير معتاد؛ وغير معروف. والأمر نفسه في التاريخ والسياسة، فإن استخدام طريق منهجي جديدٍ سيقودنا إلى کشف مجهول وحقائق لم تکن معروفة لنا من ذي قبل، ولذلک يقطع الشک باليقين قائلاً : "قررت السير في طريقة جديدة لم تطأها قدم إنسان من قبل"([62]).

وثمة رأي جديد في بابه يقول "هناک الکثير من الصحة في ادعائه – يقصد ميکافيلي – اکتشاف طريق (منهجية) جديدة لم يطرقها سواه من قبل؛ فهو، وليس فرنسيس بيکون مبتکر الطريقة الاستقرائية، (فبيکون) يضع المبادئ التي تنطوي عليها الطريقة ويطبقها على الطبيعة، ولکنه لم يبتکر الطريقة وفلسفتها، وإنما عثر عليها مستعملة استعمالاً فعليًا في کتابات نيقولا ميکافيلي"([63]).

ويستخلص صاحب الطرح السابق نتيجة مهمة، هي "أن الاستقراء يعني فکرة طحن (أي تفکيک المعقد) وتحليل العلوم؛ على أساس ثابت من الملاحظات الممحصة، وحمل لواء المعرفة بَجَلد وثقة عن طريق جمع ما ندعوه بالحقائق ومقارنتها وتحليلها ... ولا ريب أن ميکافيلي قد حقق هذه الشروط"([64])، ولو تأملنا قول ميکافيلي الذي قرر فيه أن : "الناس يلجأون في المنازعات المدنية ... وفي الأمراض التي يُصاب بها البشر إلى القرارات التي وضعها الأقدمون، وما توصلوا إليه من وصفات طبية، فما القانون المدني إلا مجموعة من القرارات التي وضعها المشرعون الأقدمون، والتي صاغها مشرعو اليوم في شکل منظم ... وما الطب في الوقت نفسه إلا سجل للتجارب (خبرات) التي قام بها أطباء الأمس، والتي يستند إليها أطباء اليوم؛ في وضع وصفاتهم الطبية، وعلى الرغم من کل هذا فإننا لا نجد أميرًا أو جمهورية يعودان في بناء الجمهوريات والحفاظ عليها ... إلى دروس الماضي البعيد وعبره للإفادة منها، والحذو حذوها ... ويرجع السبب في رأيي إلى الافتقار للتقدير الصحيح للتاريخ ... وکأن السماء والشمس وعناصر الطبيعة والإنسان قد اختلفت کلها في حرکتها ونظامها وطاقاتها، عما کانت عليه في الماضي"([65]).

وبنظره استشرافية يقرر ميکافيلي أن سياسة الرومان کانت أحکم سياسة، وذلک لأنهم لم يهتموا بالحاضر فقط، بل امتدت حساباتهم إلى المستقبل، فلربما لو داهمت المصائب وأحدقت بالأفراد والدول نتيقن بعدم الجدوى؛ وذلک على عکس الإنسان الذي استعد لها من ذي قبل، فشتان بين الاستعداد للمستقبل وقابل الأيام؛ وبين مداهمة ومفاجئة المستقبل لنا، فيصبح الأمر مثل "مرض السل التي يصعب على الأطباء اکتشافه في بداية الأمر، مع سهولة علاجه، إما إذا تأخر اکتشافه، فيصبح اکتشافه أيسر؛ لأن المرض يکون قد انتشر في الجسد، ومن ثم يصعب العلاج، والأدواء المعنوية التي تشبه مرض السل في تدبير الممالک کثيرة، ولا يستطيع أن يحسب للمستقبل حسابًا إلا الرجل (القائد) الخبير الحازم، فکثيرًا ما اتقى رجل بفطنته وذکائه وحصافته مصائب شعب برمته، أما إذا کان لم يکن رأس السياسة رجلاً (إستراتيجي محنک) کما بينت، فلا يبعد أن تقع البلاد في هاوية، وقد نشأت دولة الرومان ودرجت وشبت وهرمت وشاخت؛ وفيها رجال يحسبون للمستقبل ألف حساب، لأنهم عرفوا أن الحرب والسياسة توءم([66])، ومن يُرِدْ أن يفوز في الحرب، فلابد أن يکون فائزًا في السياسة"([67]).

المسلمات (البدهيات) في منهجية ميکافيلي :

ثمة حقيقة مسلم بها في تاريخ وفلسفة العلم وهي : أن الاستنباط المنطقي قد طُبق بحذافيره على بناء نسق إقليدس الرياضي، ومن ثم فإن هندسة إقليدس ذات أرومة منطقية لا تخطئها عين.

ومن الواضح أن کتاب (المطارحات) بخاصة عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي ترقى إلى المسلمات والثوابت – على غِرار الطريقة الرياضية -؛ والتعميمات، بمعنى أنها صارت واضحة وثابتة ومتفق عليها عبر أزمان طويلة وممتدة، والبرهان يعني التلازم والترابط بين السبب (العلة) والمعلول (النتيجة).

1-المسلمة (البدهية) الأولى : تناسق الطبيعة :

المقصود بالتناسق الطبيعي هو ثبات الطبيعة الإنسانية بشقيها الفيزيقي والبشري، فالمستقبل يأتي على غرار الحاضر، والحاضر هو نتاج للماضي، ومن ثم فإننا نستطيع من خلال فهم الحاضر، استخلاص الدروس، والذين يزعمون باستحالة تکرار الأمثلة التي قام بها عظام الرجال – التاريخ لا يکرر نفسه – يتحدثون على حد قوله "وکأن النجوم والشمس والإنسان، قد غدت في حرکتها ونسقها وطاقتها مختلفة عما کانت عليه في الماضي"([68]). وبذلک فإن الخطأ في فهم السبب، يؤدي إلى الفشل في الحصول على النتيجة الصحيحة، ومن ثم نعود القهقري إلى الوراء باحثين عن السبب الحقيقي، وهناک إشکالية طرحها ميکافيلي وهي: هل يمکن اتخاذ الحرب مهنة دائمة؟، ويجيب بأنه إذا حدث ذلک فإننا إزاء ثلاثة احتمالات، هي :

‌أ-     الاضطرار إلى شن الحرب باستمرار وعدم إيقافها، وذلک غير ممکن تصوره.

‌ب-  الاضطرار إلى دفع الرواتب على الدوام، وهذا قد يدمر مالية الدولة وخزينتها.

‌ج- المخاطرة باتحاد هؤلاء المتخذين للحرب مهنة دائمة، فيغلبوا الأمير على ملکه، وبذلک تتعرض الدولة لخطر الانهيار؛ بسبب التناحر والصراع الداخلي([69]).

وللتغلب على هذه المشکلة، افترض ميکافيلي تجنيد المقاتل من سن السابعة عشرة إلى الخامسة والثلاثين عام، وهي فترة القوة والعنفوان، ويقول في ذلک : "حيث إن الزمن لم يتغير، فإنهم غيروا – أي الرومان - الرجال فظلوا يبدلون الرجال في فيالقهم، بحيث يعيدون ضخ الجنود في الفيالق بالکامل کل خمسة عشر عامًا، فقد کانوا يبغون رجالاً في زهرة أعمارهم ... وکذلک لم يکونوا يتوقعون أن تقل قواهم وأن تنمو فيهم الشحناء"([70]). ويتابع قائلاً: "إن أجدادي الرومان کانوا حکماء وصالحين – يقصد في شئون الحکم والسياسة-؛ فإنهم لم يسمحوا أبدًا لمواطنيهم اتخاذ مهنة الجندية حرفة لهم"([71]).

ويمکن النظر إلى بدهية التناسق ووصفها کالآتي : إن التراکيب الطبيعية کالهيئات السياسية، تمر دائمًا في عمليات تحول مستمرة ومطردة، تتشابه تمامًا، وکما يمکن وضع القوانين بالنسبة إلى الفئة الأولى التي تشرح تلک العمليات التي تجري، فإنه في الإمکان أيضًا وضع قوانين مماثلة للأخرى([72]).

2-البدهية الثانية : السبب وعلاقته بالنتيجة :

في نص بالغ الأهمية يقول : "يمکن مقارنة الظروف المعاکسة (الحظ السيء) بنهر سريع الانسياب تنهار شواطئه عندما يفيض، على أنه من الواجب ألا يفُت ذلک في عضدنا، وألا يحول دون إقامة الاستحکامات، ودون قيامنا بحفر الخنادق، واتخاذ الاستعدادات الأخرى – حينما تتاح الفرصة – حتى نستطيع الاحتراس من خطر النهر إذا فاضت مياهه مرة أخرى، وإذا کان الوقوف في وجه التيار غير ميسور، فمن المستطاع في أقل تقدير جعله يتجه إلى قنوات، وبذلک يتم إلى حد معقول ومقبول کبح جماح النهر عند اندفاعه"([73]).

ويذهب الفيلسوف کاسيرر إلى تعامل ميکافيلي مع السياسة بوصفها تقنية – هکذا بالنص-، على أن البحث عن علاج، بعد أن يکون الشر قد استفحل واستشرى في الجسم السياسي سيکون العلاج متأخرًا، ودائمًا ما استهوته مقارنة الفن وعبقرية السياسي؛ بفن الطبيب الحاذق – لاحظ أن کلا من السياسة والطب علمٌ وفنٌ في نفس الوقت-، إذ يقوم فن الممارسة الطبية على ثلاثة أُسس، هي : التشخيص الدقيق، والتوقع الصائب، والعلاج الناجع. وأهم شئ من وجهة نظره هو الاکتشاف المبکر للمرض في الوقت المناسب، حتى يتيسر لنا إعطاء العلاج قبل استفحال الدواء، فلو أخفقنا في الاکتشاف المبکر سوف تصبح الحالة ميئوسًا منها تمامًا، ولعمري إن فهم الإستراتيجية من خلال ذلک فقط (الفهم الاستباقي) لهو قمة العبقرية (الاستشراف المستقبلي) في أبهى صورها([74]).

ويسوق ميکافيلي واقعة فريدة حاول من خلالها الربط بين السبب والنتيجة، ويمکن صياغتها في الخطوات الآتية :

1-     کانت مدينة فلورنسا قد فقدت جزءًا من ممتلکاتها؛ بعد عام 1494م مثل مقاطعة بيزا وغيرها من المقاطعات.

2-     تحتم على فلورنسا شن الحرب على المحتلين.

3-     أسفرت الحرب عن نفقات کثيرة – (ضرائب بدون الحصول على نتيجة ملموسة).

4-     أسفرت النفقات والضرائب عن شکاوي من الجماهير والشعب.

5-  بما أن إدارة الحرب قد أُسندت إلى مجلس قضائي؛ يضم عشرة مواطنين – يُعرف بمجلس العشرة-، فقد طالب شعب فلورنسا، بإقالة هذا المجلس؛ واعتباره المسئول عن هذه الحرب الفاشلة.

6-     إذن اقتنع الشعب بأن إقالة مجلس العشرة سيؤدي لإنهاء الحروب.

7-  استُبعد مجلس العشرة، فلم يتم انتخابه، وأُسندت الحرب إلى مجلس بديل وهو مجلس السيادة؛ وأسفر الأمر عن زيادة الفوضى والاضطراب.

8-     ضاعت أقاليم أخرى کأقليم ايرزو ، اقُتطع من فلورنسا.

9-     ندم الشعب على خطئه، وعاد الشعب إلى تعيين مجلس العشرة.

10-                        النتيجة "إن سبب الألم عائد إلى المرض نفسه، لا إلى الطبيب أي مجلس العشر"([75]).

3-البدهية الثالثة : الأسباب المتشابهة في الظروف المتشابهة، تؤدي إلى نتائج متشابهة :

لقد درس ميکافيلي السياسية بنفس طريقة العلوم الطبيعية ومنهجيتها، وبذلک أضحى ميکافيلي "مؤسس علم الإستاتيکا السياسية – القواعد والأسس الثابتة والدائمة التي لا تتغير-، وعلم الديناميکا السياسية – أي التحولات والتغيرات بفعل مؤثر أو عدة مؤثرات؛ وضروراته الحتمية"([76])-. ويذکر قاعدة من أهم دروس التاريخ ومبادئ السياسة، وأظنه قد صاغها عقب اطلاعه بعمق على تاريخ کثير من الأمم (استقراء التاريخ)، فيقول : "وفي عادة البشر الارتباط بالمنافع، ولذا فلا يصعب على أمير شجاع أن يحفظ همة شعبه أثناء الحصار، إذا کان لديه ما يکفيه من الرزق والذخيرة"([77]).

 

4-البدهية الرابعة : الأسباب المتشابهة في ظروف غير متشابهة، قد تؤدي إلى نتائج غير متشابهة :

حاول ميکافيلي الإجابة عن سؤال في غاية الأهمية يقول : هل من الأفضل في حالة الحرب البدء بالهجوم، ومباغتة العدو في عقر داره؟، أم الانتظار لحين قدوم الخصم إلى داخل البلاد؟ والسؤال بطريقة أخرى هل نذهب لأرض الخصم لشن الحرب؟ أم ننتظره في بلدنا لقتاله؟([78])، وللإجابة على السؤال، يستشهد مکيافيللي بآراء کل الفريقين وهما الفريق المؤيد للحرب داخل أرض الخصم، والفريق المعارض للذهاب إلى عقر دار العدو، والانتظار لحين مجيئه([79]). للاستدلال على أن الظروف التاريخية غير المتشابهة تؤدي بالضرورة إلى نتائج غير متشابهة.

أولاً : آراء الفريق الأول المؤيد للذهاب لأرض الخصم :

أ‌-    هانيبال (247-183ق.م) أحد عباقرة الحرب في کل الأعصر، حتى قيل عنه : إنه حول القتال إلى ما يشبه رقعة الشطرنج، وتوجت انتصاراته على الدولة الرومانية في عقر دارها بانتصاره في کانية (216 ق.م)، ولذلک يطلق عليه "ساحر کانيه" ومعروف أن عدد قواته کان أقل من عدد قوات الرومان، وبالرغم من ذلک أباد الجيش الروماني عن آخره في تلک المعرکة، ولقد جرت هذه الحرب في عقر دار الإمبراطورية الرومانية.

ب‌-   سکبيو (236-183 ق.م)، الذي أنقد الدولة الرومانية من الانهيار بسبب الهزائم المتکررة أمام هانيبال، وقاتله بنفس طريقته، بأن شن عليه الحرب في عقر داره، فدارت رحى الحرب في قرطاجنة، وبعد تحضيرات کثيرة، تمکن من الانتصار النهائي في معرکة زاما (202 ق.م)([80]).

ثانيًا : آراء الفريق الثاني المعارض للذهاب إلى أرض الخصم :

أ‌-  الاستشهاد بما وقع لأهل أثينا إذ کانوا أصحاب اليد العليا في کافة الحروب التي خاضوها على أرضهم، ولکنهم حينما غادروها لقتال صقيلة هزُموا شر هزيمة. وعلى هذا فيجب البحث عن طرق وخطط لاستدراج العدو إلى داخل حدودنا لسحقه وإبادته([81]).

ب‌- الاستشهاد بملک إمارة نابولي حينما حضرته الوفاة فأوصى ابنه – وريث الملک – بعدم الذهاب لقتال شارل الثامن (1470-1498م) ملک فرنسا في حصونه وأرضه، ولکن أمير نابولي لم يستمع إلى النصيحة؟ وذهب للقتال خارج وطنه، فلقى هزيمة کلفته حياته وعرشه([82]).

وهنا نأتي إلى تحليل ميکافيلي فيقرر "أن الحاکم الذي يقود شعبًا حسن التسلح، وکامل الإعداد للحرب، أن ينتظر في وطنه خوض المعرکة ضد عدو قوى وشديد الخطورة، وعليه أن لا يمضي للقاء هذا العدو، أما الحاکم الذي يکون رعاياه سَيِّئيِ التسلح، وبلاده لا تألف الحرب، فعليه أن يلقى عدوه دائمًا بعيدًا عن وطنه، بل وفي أبعد نقطة يستطيعها، وهکذا يتمکن کل من الحاکمين، من إجادة الدفاع عن نفسه کل حسب طاقته وإمکاناته"([83]).

ومن ثم يکون استخلاص ميکافيلي هو أنه بالرغم من تشابه الأسباب (المقدمات والشروط) إلا أن الظروف مختلفة، ومن ثم لابد أن تکون النتائج مختلفة، فالأسباب تعمل عملها، فهذه حقيقة لا يمکن إنکارها؛ ولکن هذه الأسباب تحدث في محيط وظروف متغيرة، وبتغير الظروف غالبًا ما تتغير النتائج. وما کان لميکافيلي القدرة على استنتاج ذلک بدون استقراء الوقائع ومقارنتها وتحليلها، ثم استنتاج القواعد؛ أي أنه بدون أدنى مبالغة قد جمع بين الجانب (التجريبي) وهو الاستقراء، والجانب الاستدلالي وصولاً إلى المقارنة والحکم. وبذلک فإنه على الرغم من الانتظار داخل حدود الدولة يعطي الجيش ميزة الراحة والحصول على المؤن ومعرفته التامة بأرض المعرکة (مسرح العمليات)، إلا أن هذه الأسباب رغم وجاهتها وأهميتها القصوى؛ تظل بلا قيمة في حالة أن تکون الجبهة الداخلية ضعيفة وغير متماسکة، أوعدم کفاية الحصون والأسوار ووسائل الدفاع لصد الأعداء ومنعهم، ومن ثم يجب عليه لقاء العدو في أقصى نقطة ممکنة بعيدة عن دولته أو إمارته، فاختلاف الظروف هنا هو الفيصل، في اختيار المبادأة والمبادرة؛ أم التحصن؟

5-البدهية الخامسة: أي نتيجة محددة، تعود إلى مجموعة أسباب محددة، وعدم وجود سبب من هذه الأسباب، يؤدي لانعدام النتيجة :

وذلک لأن الحدث التاريخي يأتي دفعة واحدة، فإذا کانت الأسباب تجتمع لإنتاجه، فغياب أحد هذه الأسباب قد يؤدي إلى انعدام النتيجة الکلية، فالکل عبارة عن عدة أجزاء، وغياب جزء من هذه الأجزاء؛ ينعکس بالضرورة سلبًا على النتيجة (الکلية)([84]).

6-البدهية السادسة : في ظروف محددة، لا نستطيع الجزم والقطع بتحديد الأسباب، وعلى هذا فإننا نلجأ إلى حساب الاحتمالات :

وهذا يعني أنه لا يمکننا سوى الترجيح وليس الحسم، فتصبح کافة الأسباب (المعطيات) مهمة بالنسبة لنا([85])، والتعامل معها بأهمية وعدم الاستخفاف بأي منها وترتيبها حسب إمکانية توقع الحدوث.

لوتفاک وإستراتيجية المنطق المعکوس (الخُلف) :

إذا تأملنا أسلوب لوتفاک، سنجده قد طور منهجية وإستراتيجية ليدل هارت (1895 – 1970م) هادفًا إلى تجنب النصر البيروسي(*)، وذلک من خلال أسلوب وطريقة منطقية في التفکير ترتکز على الاستدلال غير المباشر أو ما يُعرف بالمنطق المعکوس، وأحيانًا يسمي ببرهان الخُلف، وکل هذه الاستدلالات تنضوي تحت عباءة برهان الخُلف، وهو البرهان على عکس المطلوب([86])، وهذا البرهان نلجأ إليه عندما نعجز عن البرهان بطريقة مستقيمة مباشرة؛ فإذا فرضنا أننا لم نستطع البتة استخدام البرهان المباشر لإثبات أن أ + ب < س + ص، وتأکدنا تمامًا أننا بکل التقنيات المنهجية والوسائل المتاحة عاجزين عن ذلک، فإننا في هذه الحالة نحاول إثبات أن أ + ب > س + ص([87]). أي إثبات العکس – عکس المعطي الأصلي؛ (عکس القضية).

فلقد عرفت الفلسفة مناهج البحث، والمنطق وأنواعه وأساليبه العديدة، کالمنطق الصوري، المنطق الاستقرائي، والمنطق الرمزي (الرياضي) وکذا المنطق الهورستيکي، أو ما يُعرف بمنطق البحث عن الحل، ولقد أضاف لوتفاک (المنطق الإستراتيجي)، ووصفه بأنه منطق المفارقات Paradoxical Logic، وهذه النوعية من الاستدلال المنطقي، تختلف عن المنطق المستقيم، وتقترب من المنطق المعکوس والمقلوب ظهرًا لبطن (رأسًا على عقب Inverted Logic). ويختلف تمامًا عن منطق المقدمات والنتائج المألوف، أي منطق العلاقات السببية([88])، والذي نريد الانتهاء إليه أن المنطق الإستراتيجي عبارة عن المفارقات غير المنطقية، والغرائب غير المعقولة، (منطق النقائض المقلوب؛ والأضداد المعکوسة).

ومفهوم المنطق المعکوس کما هو في القاعدة التاريخية والإستراتيجية وهي : إذا أردت السلام الدائم، والأمن الحقيقي فکن مستعد دائمًا للحرب"(*). وکذا القاعدة الأساسية "الهجوم خير وسيلة للدفاع"(**)، ويلاحظ على هاتين القاعدتين التناقض التام مع المنطق المستقيم، فکل قضية منهما تحتوي على قطبين متنافرين تمام التنافر ونقيضين مطلقين، ثم بإمعان النظر والتعمق في الأمر يتضح أن العلاقة التي تربط هذين الضدين وتجمعهما هي علاقة اتصال، واستکمال، قد تنقلب إلى ظاهرة استبدال، وليست علاقة نفي واستبعاد، وعلى المستوى الإبستمولوجي – الاستدلالي تحديدًا – فإن السلام والحرب نقيضان، فکيف نريد السلام، ونظل في حالة استعداد للحرب، فهذه القضية المنطقية من منظور المنطق المباشر هي قضية خاطئة، وذلک لمخالفة قانون أساسي من قوانين الفکر الأساسية الثلاثة وهو قانون عدم التناقض، وينص هذا القانون على أنه لو افترضنا أن (أ) عکس (ب) ونقيضها، فلا يمکن إطلاقًا تصور أن تکون (س) هي (أ)، (ب) في وقت واحد، ولکن قواعد المنطق تحتم أن (س) هي (أ)، أو س هي ب، ولا مجال لتصور عکس هذا، وذلک ما نسميه بقانون (إما ... أو) فلون الثوب هو أبيض، أو أسود ولا وجود لحالة وسط مطلقًا([89])، وهذا صحيح في منطق العلم- والعلل – أو المنطق الاستاتيکي، (الثابت) الذي لا تبدل ولا تغير فيه، منطق التفکير المجرد([90]).

أما على مستوى المنطق الإستراتيجي يتضح أنه منطق الصراع، ومنطق الصيرورة، "الأسلوب المنهجي الذي يضع خطة للتعامل مع صراع الإرادات"([91]). وهذا اللون الاستدلالي أشبه بالأعاصير مهما حاولنا صياغة منهجية وطريقة منضبطة للتعامل معها، إلا أنها تظل قائمة على المباغتة والمفاجأة، وعلى هذا فليس أمامنا سوى الاحتمال النسبي بدلاً من اليقين المطلق، ومن ثم فإذا کان المنطق المستقيم مطلق النتائج، فإن المنطق الإستراتيجي هو منطق احتمالي وحتى الاحتمال الأرجح نفسه لا يظل راجحًا على طول الدوام([92]).

والملاحظ أن المنطق الإستراتيجي يقلب المنطق المستقيم، ويجعله يدور حول نفسه دورة کاملة تصل إلى 360 درجة، فتختلف الاعتبارات والمفاهيم، والصواب يتحول إلى خطأ، والشر إلى خير، والخير إلى شر، والنافع ضارًا والضار نافعًا، والعکس في کل شئ تقريبًا([93]).

وثمة مثال يجلو الحقيقة لهذا التفسير الفريد في بابه، لو افترضنا جدلاً رغبتنا في التحرک للانتقال من مکان إلى آخر، وأمامنا خارطة جغرافية، فقد يکون سفرًا، وقد يکون جولة سياحية، وقد يکون هجومًا على المستوى العسکري في المنطق الإستراتيجي، وذلک للقضاء على قوة معادية؛ أو استرداد منطقة محتلة([94])، فإذا کان سفرًا، فإننا حتمًا سنختار الطريق المباشر في ضوء المنطق الفلسفي، وبصفة محددة سنختار الطريق المألوف السهل الواضح، وکلما کان أقصر، کان ذلک مناسبًا تمامًا؛ انطلاقًا من القاعدة الهندسية بل والحياتية التي تقرر: إن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم. وليس الدائري أو المتعرج؛ غير المختصر([95]).

أما إذا افترضنا اختيار الطريق بهدف قتال حربي، فإن الطريق المألوف يکون متوقعًا من الخصم، ومن ثم يُشدد الحراسة والمراقبة عليه، وبالتالي فإننا إذا اختارناه للسير فيه، نکون قد کشفنا عن نيتنا وخسرنا زمام المبادرة بالفعل (الهجوم)؛ ومن ثم فقدنا عنصر المفاجأة، وهذا على المستوى الإستراتيجي يعد فشلاً ذريعًا وخطأً لا يغتفر. ولذلک يُعد هذا الطريق الأقصر من وجهة نظر المنطق الاستدلالي المعتاد، هو الطريق الأبعد، وليس الأقصر؛ لأن الفشل يصبح الاحتمال الأرجح، وبالتالي سنعيد الکَرَّة مرة أخرى، وومن ثم سنختار طريقًا غيره، وهذا الطريق سيکون غير مألوف، وغير متوقع بالمرة من العدو، ولهذا يمکننا مباغتته وهي أهم عناصر تحقيق النصر – على الأقل في المرحلة الافتتاحية للحرب – ومن هنا تصبح المقولة المباشرة الثابتة في المنطق المألوف "أقرب طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم" مقولة خاطئة وضارة تمامًا وتؤدي إلى الخسارة، إن لم تکن إلى الهزيمة التامة، وتصبح المقولة، "أن الطريق الأبعد هو الأقصر"، وذلک لأنه يؤدي إلى الهدف المنشود؛ لصعوبة إن لم يکن استحالة توقع العدو له([96]) (المفاجأة الإستراتيجية).

ووفقًا لما سبق تعد منهجية لوتفاک ومقاربته المنطقية القائمة على المفارقة، والتعارض بين ما اعتاد عليه العقل من قوانين وثوابت، وبين ما يجب عليه فعله ومخالفة هذه الثوابت لإنجاز الهدف، فذلک يُعد بحق قمة التأمل الفلسفي وعبقرية في توظيف الدراسة الأکاديمية (ونحن مازلنا نصف عن جهل العلوم الإنسانية بأنها علوم غير تطبيقية)([97])، وبذلک فإننا ننتهي إلى أن المنطق الاستدلالي المعتاد يتوجب عليه، اتخاذ القرار المنطقي المتعارف عليه، على عکس المنطق الإستراتيجي، الذي يتوجب من خلاله اتخاذ القرار غير المألوف – الذي يقوم على المفارقة والتباين –، وهذا المنطق نستطيع القول عنه : منطق الصراع والصدام([98]).

منطق الخُلف عند لوتفاک وتعدد الاحتمالات :

الأساس التنظيري والمنهجي :

المقصود بذلک التکتيک المنطقي تقديم الطرح الفکري في صورة معکوسة، فإذا افترضنا قضية رياضية وهندسية تقرر أنه يوجد في الشکل الهندسي المتشابک المعقد (أي الذي يحوي عدة أشکال هندسية متداخلة) مثلثٌ جميع أضلاعه الثلاثة متساوية. وافترضنا جدلاً عدم توفر القدرة بکافة الطرق والوسائل البرهانية على إثبات القضية السابقة (القضية الأصلية/المباشرة)، وکل البراهين التي تم استخدامها هي براهين مباشرة (مستقيمة)، وفي هذه الحالة نطرح قضية مغايرة ومخالفة تماماً للقضية الأصلية وهي : يوجد في الشکل الهندسي المتشابک والمعقد مثلث مختلف الأضلاع، وهي قضية مخالفة (خُلف) للقضية الأصلية، ومن هنا عُرف بمنطق (برهان الخُلف) الذي هو عکس المعطى الأصلي تمامًا([99]).

       إذن هناک على المستوى المعرفي قضيتان هما :

(أ‌)     الأولى : يوجد شکل هندسي متساوي الأضلاع. (قضية أصلية) لم يتوفر لها برهان.

(ب‌)  الثانية : يوجد شکل هندسي مختلف الأضلاع. (عکس القضية الأصلية/خُلف) نحاول برهانها.

وثمة عدة نتائج تترتب على القضيتين وهي :

1-   القضية (أ) : لأن الأضلاع الثلاثة متساوية في الطول، فلا مندوحة عن حتمية تساوي الزوايا الثلاث في القياس، ولابد أن تکون کل زاوية تساوي 60 درجة بالضبط، ولا يمکن تصور عکس ذلک.

2-        القضية (ب) : ينشأ عنها عدة احتمالات وهي :

-     اختلاف الأضلاع الثلاثة يؤدي حتمًا إلى اختلاف جميع الزوايا في القياس.

-     تساوي ضلعين فقط، يؤدي ذلک حتمًا إلى تساوي زاويتين اثنتين في القياس.

-     احتمال نشأة مثلث منفرج الزاوية.

-     احتمال نشأة مثلث قائم الزاوية.

-     احتمال نشأة مثلث حاد الزاوية.

     ___________________

النتيجة : تنشأ لدينا في الحالة (أ) خيار (احتمال) واحد فقط.

       تنشأ لدينا في الحالة (ب) خيارات (احتمالات) عديدة (خمسة احتمالات)([100]).

ومن هنا فإن منطق الخُلف يتماهى مع جوهر الأطروحات الإستراتيجية، التي نقيس نجاعتها بقدرتها على توفير عدة (خيارات / احتمالات)، وبالتالي يقع الخصم في حيص بيص بينما يوفر لدينا القدرة على اختيار ما يناسبنا من الاحتمالات المتعددة([101]).

مثال تطبيقي على التنظير السابق :

‌أ-    امتلکت ألمانيا عدة خيارات لاختراق الدفاعات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، ولذلک لم تتوقع فرنسا والحلفاء مکان المجهود الرئيس (الرئيسي) لشن الهجوم واجتياح فرنسا وزمانه([102]).

‌ب-   امتلک الحلفاء (أمريکا، إنجلترا، روسيا، بقايا الجيش الفرنسي ...) عدة خيارات لاختراق الدفاعات الألمانية (جدار الأطلسي)، ولذلک لم تتوقع ألمانيا مکان المجهود الرئيس لشن الهجوم "إنزال نورماندي"([103]).

‌ج-   امتلاک المقاومة الفيتنامية خيارات عديدة لمهاجمة القوات الأمريکية (بساطة الأسلوب القتالي، والبساطة أيضاً تکتيک منطقي)([104]). ولذلک لم يستطع الجيش الأمريکي تحديد أية مواقع إستراتيجية يدافع عنها.

___________________

إذن کلما زادت مجموع الخيارات (الاحتمالات) زادت فرص إحراز النصر([105]).

  ومنطق الخُلف يعني أيضًا استخدام القاعدة الإستراتيجية بطريقة عکسية، فإذا کانت القاعدة تنص على شن الهجوم في أول ضوء أو آخر ضوء، فلقد خالفت ذلک خطة المصريين المذهلة لعبور قناة السويس وشنت الهجوم في وضح النهار([106])، وسبق ذلک قيام الاتحاد السوفيتي السابق بذات الأسلوب والمنهجية بتجميع القوات وحشدها للهجوم على تشيکوسلوفاکيا، تحت ستار إجراء مناورة عسکرية (نفس الخطة السوفيتية "الأساس الفکري" ولکن الإبداع والفن العسکري المصري أدخل على الخطة السوفيتية تعديلات جوهرية تتناسب مع الإمکانيات التسليحية المحدودة)، وتمت خطة الحشد والتعبئة في ظل مسرح عمليات مکشوف، يستحيل فيه إخفاء تحرکات الحشود الضخمة التي تمت تحت سمع العدو وبصره، ولکن لدفع الخصم لافتراض خاطئ بشأن تفسير هذه الحشود الضخمة، ثمة تکتيکات وأفکار عبقرية(*) جُلها يعتمد على معيار البساطة، وإلزام الخصم وإجباره بنسبة کبيرة على التحليل والفهم الخاطئ([107]).

المنطق الإستراتيجي وتحليل الوقائع التاريخية :

ميکافيلي :

سبقت الإشارة إلى تصنيف کاسيرر لميکافيلي ضمن منظري الإستراتيجية، وأن منهجيته استندت إلى دعامتين هما : الدعامة المنطقية، ودعامة الابتکار –، ولذلک يقرر "لا وجود لأي إنسان يتمتع بحکمة دائمة تساعده على التکيف مع کل المتغيرات؛ ويتعامل تعاملاً موفقًا، ولا يستطيع بعض الناس معرفة کيف يتصرفون على نحو يخالف ما ألفوه واعتادوا عليه، ولا يستطيع البعض الآخر إقناع نفسه بترک توجه حياتي ما؛ اعتاد النجاح فيه. وبالتالي فإننا لا نجد بصورة عامة الذي يتصف بالهدوء والحذر، وإمکانية القيام بدوره في مواقف تستوجب القوة وسرعة الحسم، وبذلک يتم ترک الأمور متأرجحة. أما من کان قادرًا على تغيير سلوکه تبعًا للمواقف (المرونة)، فإنه لن يرى مسوغاً للشکوى من الظروف المحيطة والتذرع بأنها معاکسة"([108]).

وإذا کان کاسيرر قد قطع بأن ميکافيلي إستراتيجي عتيد بامتياز، وأنه قد امتلک العقلية المنطقية الرصينة والقدرة على رصد المقدمات الواقعية الصحيحة، والانتقال إلى نتائج معقولة لا تشوبها شائبة، ومن ثم فإنه قد جمع بين ما يمکن أن نقول عنه جناحا الاستدلال، وهما : أولاً : الاستقراء للواقع، وثانياً : الحصول على النتائج من خلال معقولية الاستدلال ومنهجيته.

وإذا دققنا النظر في کتابه : (فن الحرب) سيتضح جليًّا تنبيهه على مراعاة قواعد الحرب والإستراتيجية وفنونهما من خلال المثال الآتي :

1-     تأکيده على أن الرومان کانوا يتحاشون أماکن المعارک المغلقة، ويبحثون عن الأماکن المفتوحة؛ لسهولة المناورة بالتقدم والتراجع، وما شابه ذلک([109]).

2-     مراعاة ترتيب الجنود واصطفافهم حسب ضوء الشمس في بداية القتال، وأثناء القتال. لأن الشمس تغير وضعها، فهکذا فعل هانيبال في معرکة کانيه الشهيرة، وعدم مراعاة ذلک کان سببًا لهزيمة الفرنسيين أمام الإسبان في معرکة تشيرنيولا (1502م)(**)، وکذلک قيام سکبيو في معرکة زاما الفاصلة بترتيب الجيش على أرض المعرکة بحيث يترک فراغات کبيرة، حتى تتمکن أفيال الجيش القرطاجني المعادي بالانسحاب، بدون إثارة أية أنواع من الفوضى في صفوف جيش سکبيو([110]).

ووفقًا لذلک فإن ميکافيلي بسبب إمکانية التشکک في النتائج، الخاصة بالصدامات العسکرية قرر الثقة في العقل وقواعده، ودعوته لنظام عسکري يتفق مع خبرات الواقع وقوانين المنطق، فهذا من شأنه تقليل نسبة المصادفة في ربح أو خسارة الحرب([111]). وکذلک "فإنه قد فضل المثال التاريخي عن کل ما عداه، بوصفه ضوءًا کاشفًا مساعدًا في استنتاج القاعدة الإستراتيجية"([112]).

بعض قواعد الإستراتيجية التي أرساها ميکافيلي :

1-  نظرية المجال الحيوي Lebensraum : وهي أحد أرکان علم الجغرافيا السياسية (الجيوبولتيک) ودعائمه – إن لم تکن أهمها -، ولقد تم ذکر هذا المصطلح بالنص في کتاب (المطارحات)، ومعروف أن اشتعال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م)، راجع في جانب کبير منه إلى مطالبة ألمانيا بمجالها الحيوي(*)؛ ومنذ صک ميکافيلي هذا المصطلح، وحتى الآن لم يحدث له أي تغيير أو تعديل([113]).

2-  تدشينه للقاعدة التي تقول : "يمکن أن تبدأ أي حرب في أي وقت تريده، ولکنک قد لا تتمکن من التحکم في نهايتها"([114]). وعلى هذا فإنه يجب أن نقوم بعمل حساب إستراتيجي لإمکانياتنا وإمکانيات الخصم، حتى لا تأخذنا نشوة البداية ويطول أمد الحرب، وعن طريق عملية استقراء للحروب والمسئولين عن بدايتها، يتضح أنه في أحيان کثيرة أن من يبدأ الحرب، لا يکون في قدرته وضع حد لنهايتها([115]).

3-  الاستشراف والتنبؤ بخط سير الأحداث، ومن ثم التعامل مع البدائل المعمول حسابها سلفًا له أهميته القصوى لديه، وليس أوضح من قول ميکافيلي "إذا کان المقرر أن نقارن بين الحاضر والماضي البعيد، ففي وسعنا الرؤية بسهولة أن هناک رغبات متشابهة وعواطف واحدة تکون موجودة دائمًا وفي جميع الأوقات، عند مختلف الشعوب ... وعلى هذا إذا درس المرء بشئ من المثابرة شئون الماضي، کان من السهل عليه التکهن بمستقبل أي دولة من الدول، وأن يطبق نفس العلاجات التي استُخدمت في الماضي"([116]). وبذلک فإن إستراتيجية إدارة الصراع تستفيد بالإرث التاريخي إلى حد بعيد، لدرجة تطبيق نفس القواعد السابقة على الحالات الحاضرة المشابهة.

4-  الأمثلة التاريخية التي ساقها ميکافيلي ليست کلها حربية، ولکنه ساق أمثلة على فن التفاوض والدبلوماسية، کالمثال الذي قدمه لفن التفاوض بين المسئول عن حکم إحدى المقاطعات وجموع الناس الغفيرة التي تطالب بإسقاط الحکومة بأسرها عقب هزيمة روما المذلة أمام هانيبال في معرکة کانيه، ولکن أمير هذه المقاطعة أقنعهم أنه ليس أمامهم سوى خيارين اثنين لا ثالث لهما وهما :

أ‌-       إما الإتيان بحکومة مجهولة ليست لها دراية بالأمور في هذا الظرف العصيب.

ب‌-    إما أن تُترک هذه المقاطعة بدون حکومة من الأساس، وبالتالي تسوء الأمور.

وعلى هذا اختارت الجماهير راضية استبقاء الحکومة الموجودة بالفعل، مشترطين العمل على تقوية حصون الإمارة ووسائل الدفاع عنها([117]).

الإستراتيجية وتحليل الوقائع التاريخية عند لوتفاک :

منطق الإستراتيجية عبارة عن مبارزة عقلية وفکرية بين فريقين متصادمين، کل منهما قد قرر اللجوء إلى القوة؛ لتليين – إن لم يکن کسر – إرادة الطرف الآخر، ولذلک فإنه من الممکن أن يکون الصدام بين قوتين بينهما شبه تکافؤ، أو تکافؤ حقيقي، أو بين قوى وأضعف منه([118]).

والسؤال المطروح هل إذا واجه الضعيف القوي؛ کانت النتيجة محسومة لصالح القوى؟ والحقيقة أن التاريخ يفاجئنا بإجابات عديدة لهذا السؤال المهم، فليس في کل الأحوال تکون نتيجة النصر محتومة لصالح القوى، فکثيرًا ما انتصر الطرف الأضعف، فلن نذهب بعيدًا، هل کان هناک شبه توازن بين الولايات المتحدة الأمريکية، وفيتنام([119])؟ والإجابة القطعية لا، ويظل السؤال قائمًا. إذن کيف أحرزت القوة الأضعف جدًا وهي (فيتنام) الانتصار على القوة المتعملقة (الولايات المتحدة الأمريکية)؟ وسيتضح أن المطلوب من القوى المحافظة على عوامل قوته وتفعيلها، ونفس الأمر فإنه يجب على الأضعف استثمار إمکاناته المحدودة جدًا، وفي نفس الوقت استغلال الثغرات لدى الخصم القوى والنفاذ إليه من خلالها، مع مراعاة إحکام غلق کل الطرق المؤدية إليه، وعلى هذا فإن الإستراتيجية في جوهرها وفقًا للوقائع التاريخية هي : کيف نضيف إلى أنفسنا سواء کنا أقوياء أم ضعفاء، وفي نفس الوقت کيف نخصم من رصيد خصمنا سواء کان قويًا أم ضعيفًا، ولذلک فالإستراتيجية تمثل صراع وهراش عقول جبارة؛ وإرادات وعزائم لا تلين([120]).

وثمة ملاحظة خاصة بارتباط المنطق المستقيم (المألوف) بالصدام المباشر في الإستراتيجية، وکذا ارتباط المنطق المعکوس (غير المألوف) بطريقة الصدام غير المباشر وأسلوبه، فالأسلوب المباشر (المنطق المستقيم) في الإستراتيجية لهو مخاطرة تکون نتيجتها محفوفة بالهلکة والفناء، وغالبًا لا تؤدي بنا إلى النتائج المرجوة التي نتوقعها، ونرغب في الوصول إليها، أما استخدام أسلوب المنطق المعکوس فهو في معظم الحالات يؤدي إلى الغرض المطلوب، وتنتقل بنا من المجهول إلى المعلوم تدريجيًا رويدًا رويدًا، حتى صار هذا الأسلوب من حقائق الحکمة العقلية والنظرة الفلسفية العميقة للتاريخ، بل هو الأسلوب المتبع وقاعدة عامة من قواعد الحياة الإنسانية([121]).

وأسلوب المنطق المعکوس عند لوتفاک (المنطق الإستراتيجي) يستخدم في الدفاع والهجوم والدعاية المضادة والصراع الإيديولوجي، ويدل على أن هذا اللون الفکري قد دار دورة کاملة (360 درجة) وانقلب على المنطق المستقيم، وبدلاً من تحرک الطرف (س) باتجاه نقيضه (ص) کما في المثال : إذا أردت مفاجأة عدوک فاستخدم الطريق الأطول والأصعب، أو قاعدة نابليون: الهجوم خير وسيلة للدفاع، سنجد أن (ص) حلت محل (س) فانقلبت وتبدلت الغاية المعرفية، وحلت قاعدة معکوسة وهي أن (س) لا تؤدي إلى (ص) بل (ص) هي التي تؤدي إلى (س) فتم استبدال الموقع بالکلية([122]).

وبالرغم من ذلک لا يمکن مخالفة المنطق المستقيم وفي کل الحالات، ففهم تحرکات الطرف الآخر واستعداداته يمکن أن نفهمها دائمًا من خلال المنطق المعکوس، وقد يلعب المنطق المستقيم أيضًا، دورًا في صياغة القرار الإستراتيجي؛ لأنه قائم على التسلسل المنطقي المألوف([123])، والخلاصة: أن القرار الإستراتيجي يتم استنتاجه من خلال عدة مقدمات تسلم بصحتها سواء کانت هذه المقدمات بطريقة المنطق المستقيم أو المعکوس، وبعد ذلک نستنتج منها القرار والخطوة (النقلة) الإستراتيجية على رقعة شطرنج الأحداث، ويالها من أحداث وخاصة إذا ما کانت تسوي نتائجها بالنار والدم([124])، أي أنه سيتم الاستعاضة عن خوض الحروب بطريقة المواجهة المباشرة، لأن نسبة المواليد في الغرب الأوروبي والأمريکي، أقل بنسبة کبيرة قد تصل إلى الثلث، وهذا ما أدى إلى عدم وجود فائض من الأفراد لتمويل الجيوش بالقوى البشرية (الجيوايکونوميکا وتُعرف بجيوبولتيکا العولمة)([125]) ومن ثم سيکون شن الحروب أکثر صعوبة، ولذلک ثمة حاجة ماسة إلى طرق أخرى مبتکرة، مثل إذکاء نار الخلافات والتشرذمات بين المجتمعات کالحروب على الهوية مثلاً، والتباينات الثقافية والعرقية والمذهبية وما شابه ذلک([126])، (لاحظ المشکلة المعقدة والحل البسيط).

الاستدلال التاريخي والقياس الإستراتيجي عند لوتفاک :

مثال (1) : استطاع سيموثتکليس (524-459 ق.م) خداع إکسرسيس (حاکم بلاد فارس من 485 – 465 ق.م)، وهزيمته في معرکة سلاميس البحرية عام 483 ق.م، وذلک عن طريق جر الأسطول الفارسي الضخم إلى ممر بحري ضيق، لا تصلح فيه أبدًا أعمال المناورة، فتم تحطيم الأسطول الفارسي المهاجم لبلاد اليونان، ومن ثم فقد الفرس وسيلتهم الأساسية للتموين ونقل الجنود([127]).

وإذا تأملنا بعمق التکتيک الذي استعملته القوى الغربية الثلاث الکبرى (إنجلترا وفرنسا وروسيا) ضد الأسطول المصري الترکي في موقعة نوارين (نفارين) البحرية 1827م، سنجد أنه يکاد يتطابق تمامًا مع خطة معرکة سلاميس وتکتيکها؛ إذ أن الدول الثلاث عبر إجراءات محددة استدرجت الأسطول المصري والأسطول الترکي وأدخلت کلاً منهما في لسان (خليج) نوارين البحري، وأغلقت مخرجه على البحر المتوسط، وکان عرض هذا المخرج لا يتجاوز الکيلومترين، وبالتالي فقد الأسطول المصري / الترکي القدرة على المناورة والحرکة، ولم ينهزم جيش محمد على(*) (1761-1848م) بقيادة ابنه إبراهيم باشا (1789-1848م) في المورة (اليونان)، بل تعدى الأمر حتى صارت هذه المعرکة المشئومة بداية النهاية لإمبراطورية مصر بقيادة والي مصر محمد على آنذاک([128]).

ولذلک يمکننا القول : إن معرکة سلاميس البحرية تکررت بنفس الأسلوب في معرکة نوارين، وإن ذلک ليفسر لنا لماذا يتخذ قواد الغرب من التاريخ زادًا معرفيًا لهم؟

ويمکن صياغة ما حدث في الموقعتان (سلاميس، نوارين) على شکل قياس شرطي کالآتي :

‌أ-            المقدمة الأولى : الأسطول الذي يفقد قدرته على حرية الحرکة والمناورة، يکون عرضة للهزيمة.

‌ب-         المقدمة الثانية : الأسطول الفارسي في (سلاميس) والمصري الترکي في (نوارين)، فقدا قدرتهما على المناورة والمرونة؛ ومن ثم فقدا حرية الحرکة.

‌ج-          النتيجة : هزيمة الأسطول الفارسي والمصري/ الترکي أصبحت محتومة.

مثال (2) : إستراتيجية الأرض المحروقة التي ابتدعها الجنرال الروسي کوتوزوف (1745-1813م)، "والذي أمر بإحراق موسکو، بعد تأکده من حتمية سقوطها في يد نابليون بونابرت، حتى لا يجد قائد فرنسا ما يسد رمق جيوشه أو أي شئ يستفيد به في برد موسکو وشتائها المهلک، فکان هذا القرار الإستراتيجي العجيب سببًا في هزيمة نابليون وبداية النهاية لقوة فرنسا النابليونية"([129])، فلم يجدوا ولا حتى ملجأً للسکن والإقامة، فاضطروا إلى تناول لحوم خيولهم ليسدوا رمقهم، وبعد ذلک تراجع نابليون القهقري إلى الوراء؛ بعد أن فقد ثلاثة أرباع جيشه أو يزيد.

وثمة ملاحظة تدل دلالة قاطعة على أن کوتوزوف لم يکن هو مبتدع هذه الإستراتيجية العجيبة، فلقد ذکر ميکافيلي ولوتفاک : "حينما حاصر الرومان نابيدوس – حاکم إسبرطة من 207 – 192 ق.م، قُتل عام 192 ق.م –، قام بإشعال النار في جزء من مدينته، لکي يمنع الرومان الذين حاولوا النفاذ إليها، وأنه عن طريق ذلک اللهب لم يمنعهم فقط من العبور، بل إنه دفعهم خارجها"([130]).

مثال (3) : عبور هانيبال المدهش لجبال الألب، واختياره للطريق الأصعب، والذي              مکنه من مفاجأة خصومه الرومان، وبالرغم من نُصح کثير من قادته له بأن هذا العبور بکل الحسابات يبدو مستحيلاً، ومع ذلک فعلها هانيبال([131])، وبعد ذلک بحوالي واحد وعشرين قرنًا اقتفى نابليون (1768-1822م) أثر هانيبال سالکا نفس الدروب والمسالک التي سلکها هانيبال فوق قمم جبال الألب – ممر القديس سان برنار العظيم Great St Berrnard Pass – والذي مکنه من الوصول إلى وجهته بأسرع ما يمکن، وبعد خمسة أيام اجتازوا جبال الألب، ثم فوجئ به الأعداء في إيطاليا وانتصر على النسماويين في معرکة مارنجو الشهيرة في 14 يوليو 1800م([132]).

القياس الشرطي الخاطئ وتجلياته في إحدى الوقائع الحربية المتفردة :

الواقعة التاريخية :

يورد لوتفاک وقائع معرکة غريبة جدًا، هي بحق قطعة من الفن الحربي في کيفية استخدام التفکير العبقري (الهورستيکي) للبحث عن حل في ظل موقف غاية في التعقيد([133])، أوشکت إحدى الدويلات الصغيرة على الاستسلام أمام قوة عاتية وجيش عرمرم کامل العُدة والعتاد، فجمع حاکم هذه الدويلة الصغيرة ألف ثور، وکساها بقطع من الحرير الأحمر، وقام بطلاء أبدانها مثل التنانين بخطوط ملونة، وثبت على قرونها مناجل (شفرات حادة)، وقام بربط نباتات عشبية جافة في ذيول تلک الثيران؛ بعد أن غمسها في النفط، ولأنهم کانوا في معسکر على تل مرتفع، قاموا بإطلاق هذه الثيران في وقت متأخر من الليل بعد إشعال النار في النباتات الجافة المثبتة في ذيول الثيران (لاحظ أن هذه النيران قامت بدور المصابيح للإرشاد عن جنود الجيش المعادي)، وبالطبع أحدث ذلک فزعًا هائلاً للألف ثور بتأثير النيران الحارقة لأجسادها؛ وصاحب ذلک إحداث ضجة هائلة بقرع الطبول وکل ما هو معدني بصوت يصم الآذان، وبمواکبة اندفاع الثيران ناحية جيش الأعداء الضخم، هجم عليهم خمسة آلاف جندي فقط، من الدويلة المدافعة، وظن المهاجمون بأن هذه الثيران شياطين قد اندفعت عليهم لاستئصال شأفتهم، لأن الجيش المدافع سرب لهم خبرًا يقول : بأنهم لن ينجحوا في محاربة الغيلان والشياطين([134])، ومن ثم ولوا هاربين لا يلوون على شىء، ظنًا منهم بأن هذه الثيران المندفعة ما هي إلا شياطين تم استحضارها بطريقة ما، والعجيب أن الخمسة آلاف مقاتل استطاعوا مطاردة ما يفوق على أکثر من مائة ألف مقاتل من الجيش المهاجم، وأعملوا فيهم الذبح والقتل، وغرق الباقي في نهر عميق اعترض طريقهم أثناء الفرار والهروب([135]).

التفسير المنطقي :

لقد تم تطبيق القياس الشرطي بصورة خاطئة، لأن الخبر الذي تم تسريبه، هو الاستعانة بمردة الجن في القتال، وما شاهده وعاينه الجنود جعلهم بطريقة شرطية خاطئة يتأکدون من صدق هذا الخبر، وکل ذلک يحدث في الذهن بطريقة آلية في غاية السرعة، وبالطبع استغل الجيش المدافع حالة الشلل الفکري التام للجيش المهاجم وباغتوهم؛ فنتج عن ذلک إبادتهم بطريقة قلما يجود الفن العسکري بمثلها([136]).

ولا نريد الإسهاب في الموضوع أکثر من ذلک، ولعل الحکمة التي يمکن استخلاصها ماثلة في الرأي القائل : "إن أغرب شئ يتعلق بالإمبرطورية البريطانية، هو أن جزيرة صغيرة وهي الجزيرة البريطانية، وجيش صغير کجيشها، لا يجود إلا بجزء بسيط من قواته، وبالرغم من ذلک فلقد نجحت طوال قرنين في إدارة بلدان واسعة کثيفة السکان؛ في أرکان المعمورة الأربعة (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، کان هذا العمل مأثرة تدعو للإعجاب، وأکبر خدعة في التاريخ"([137]). وبعد ذلک تتغير موازين القوى وتفقد بريطانيا القدرة على "المحافظة على التعادل بين القوة والفکر الإستراتيجي"([138])، فتتفکک تلک الإمبراطورية وتتلاشى، فلقد بُنيت هذه الإمبراطورية من خلال إستراتيجية ناجعة، وانهارت أيضًا لعدم نجاعة الإستراتيجية في القدرة على التعامل مع التحديات المستجدة، ومن هنا يصدق قول مولتکة (1800-1891م) – قائد ألماني وإستراتيجي خبير - "الإستراتيجية هي فن التدبر تحت وطأة أصعب الظروف"([139]).

ووفقًا لما سبق فإنه يمکننا القول : إذا کان قرار الطبيب ينقذ حياة مريض أو عديد من المرضى، وبخطئه يتسبب في إزهاق روح أو أکثر، فإن القرار الإستراتيجي؛ قد يتسبب  بإحياء أمة من الأمم وإخراجها إلى حيز الوجود، وأحيانًا يساعد هذا القرار في إنقاذها من أتون النار، أو يکون وبالاً عليها، ويتسبب في محوها من التاريخ محوًا.

ففي الإستراتيجية شتان شتان بين من يعرف – المعرفة قوة (قدرة)-، وبين من لا يعرف. فلربما کانت هذه هي البداية الصحيحة لتغيير واقعنا العربي المأزوم.

فالإستراتيجية قبل أن تکون مجموعة من المراحل الخططية، کانت مادتها الخام معرفة ابستمولوجية (معرفة + خطة/ منهج)، تستهدف حل إشکالية من الإشکاليات واقتناص هدف محدد تم تحديده سلفًا، وهنا فقط تصدق المقولة التي تقرر "ويلٌ لمن يعي ويفهم، ممن هم في خِصام وقطيعة مع العقل ولا علاقة لهم به من الأساس"([140]). وباختصار فإن ما نصبوا إليه ونرجوه؛ هو التحصل على "إستراتيجية الفهم"([141]).

 

 

 

 

خاتمة عامة للبحث ونتائجه

من خلال الفحص الدقيق والقراءة المتأنية تجدر الإشارة إلى وجود علاقة وطيدة ترقى إلى التماهي بين الاستدلال المنطقي بوصفه جوهر التفکير الفلسفي وتطبيقه على وقائع التاريخ وبين التنظير والفکر الإستراتيجي، وانضواء هذين اللونين الفکريين  تحت مظلة العقلانية برحابتها وشموليتها وموسوعيتها، ولذلک يمکننا الحصول على عدة نتائج هي:

1-    ضرورة تفهم أن المنطق العلمي الاستدلالي (الفلسفي) في التفکير هو خطة وإستراتيجية في الأساس لانتزاع الحقائق الصحيحة، ولذا يمکننا القول: إن الإستراتيجية بوصفها فکرًا خططيًا منظمًا ومنضبطًا، هي منطق علمي استنباطي لانتزاع الأهداف نزعًا- يشترط توفر الإرادة والتصميم – وذلک من خلال رؤية يتم صياغتها وفقًا للإمکانيات المتاحة، والمصاعب والإشکاليات التي تعترضنا (الواقعية والموضوعية)، وعلى هذا يمکن الإقرار بکل أريحية: إن المنطق الفلسفي الاستدلالي، والتفکير الخططي الإستراتيجي. وجهان لعملة واحدة، ولا يمکن البتة تخيل أدنى إنفصال بينهما.

2-    تعتبر هذه المحاولة البحثية متممة ومکملة لبحث سابق عنوانه : "المنطق الهورستيکي بوصفه تقنية لانتزاع الحل : نشأة الابتکار من الفکرة إلى التطبيق". واستهدف ذلک البحث المقاربة بين المنطق الهورستيکي (منطق البحث عن الحل) بوصفه تقنية منهجية تحاول الظفر بحلول بسيطة وناجعة لمشکلات مزمنة ومعقدة غاية التعقيد، وتم النظر  إليه على أنه أشبه ما يکون بالمعرکة الحربية تدور رحاها بين الباحث عن الحقيقة والصواب، وبين المجهول المتخندق داخل حصن حصين، ومحاولة اصطياده واقتناصه بفعل خطة (إستراتيجية) منهجية محکمة.

3-    استخدم ميکافيلي ولوتفاک الأدوات المنهجية في إرساء قواعد السياسة والإستراتيجية وفهمها، وخاصة تحليل الوقائع التاريخية، ولذلک تجلت الأسس المنهجية بوضوح عندهما في هذه الأدوات مثل الملاحظة، التجربة، الاستقراء، الفرض، الاستدلال (الاستنباط)، التعميم، حساب الاحتمالات، الحدس (البصيرة)؛ وصولاً إلى التنبؤ (الاستشراف الإستراتيجي) بوصفة ذروة المنهجية العملية والإستراتيجية، وذلک  حتى لا تدهمنا الأحداث ونُصَابْ بالشلل الإستراتيجي، فذلک فقط مرهون بالاستعداد للمستقبل؛ وعلى هذا الأساس ينظر بعض المناطقة ومنهم فرنسيس بيکون نفسه، إلى ميکافيلي على أنه هو صاحب الفضل في إرساء قواعد المنطق العلمي وتطبيقه على الواقع من خلال نظريته السياسية الواقعية (ما هو کائن بالفعل).

4-    ينبه ميکافيلي ولوتفاک على أهمية تسلح الإستراتيجي بالثقافة التاريخية، فلقد ساق کلٌّ منهما أمثلة لوقائع وأحداث ومعارک حربية، تکررت کما هي بالضبط، بسبب تشابه الظروف والأسباب، فمعرکة سلاميس البحرية التي دارت رحاها بين الأسطول الفارسي بقيادة إکسرسيس، ضد الأسطول اليوناني بقيادة ثموستکليس، وانتصر فيها الأسطول اليوناني، بعد استدراجه للأسطول الفارسي إلى فخ، وإدخاله إلى ممر بحري ضيق (خليج سيلاميس)، يصعُب بل يستحيل فيه المناورة وحرية الحرکة، و هذا ما حدث بالضبط للأسطول المصري / الترکي في موقعة نوارين (نفارين) البحرية- والاشتباک مع الأسطول الإنجليزي والفرنسي والروسي، وهزيمة الأسطول المصري/ الترکي بنفس الطريقة في سيلاميس، ومن ثم فإن معرکة نوارين البحرية هي صورة طبق الأصل من معرکة سيلاميس، ولذلک فمن الضروري عدم  إغفال أهمية الاسترشاد بالمعرفة التاريخية مطلقًا، فالأمر هنا وجوبي برجماتي لا بديل عنه.

5-    انتقل ميکافيلي من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق، وخاصة في کتابه: فن الحرب، وکتاب: المطارحات. ونفس الشيء فعله لوتفاک، فلقد صاغ نظريته الإستراتيجية ذات الأساس المنطقي والمنطق العکسي الذي يقوم على افتراض نقيض ما هو مألوف ومتعارف عليه، فقولنا إذا أردنا مباغتة العدو فعلينا بالاسترخاء، وعلى المستوى المعرفي (الابستمولوجي) فمن الثابت أن الاستعداد للقتال يلزمه الجدية وعدم الاسترخاء، وذلک ما نسميه بالمعرفة المباشرة، أما في المنطق الإستراتيجي (منطق الخُلف) فالأمر جد مختلف، فالمنفعة والمصلحة تحتم علينا إقناع الخصم بعکس ما ننتوي فعله، فبما إننا نبتغي الهجوم فيجب أن نسلک سلوکًا مغايرًا لهذه النية وهي الاسترخاء الظاهري. وتظل أهم نتيجة لمنطق الخُلف هي ارتباک العدو لأنه أمام احتمالات عديدة، ولا يعرف على أي احتمال يعول، وکذا منحنا خيارات عديدة جدًا، نستطيع انتقاء ما يناسبنا منها، حسب الظروف والإمکانيات المتحققة في الواقع، ويتضح لنا التحصل على نتيجة مهمة وهي أن السياسة نفعية (برجماتية على المستوى العملي)؛ ونفس الشىء على مستوى الطرح المنهجي أيضًا، ومن ثم تصبح للسياسة والإستراتيجية طبيعة معرفية خاصة جدًا في علوم البشر.

6-    يُفرد لوتفاک موقعًا مهمًا للعبقرية الإستراتيجية من خلال القدرة على إنجاز الأهداف بأقل تکلفة ممکنة (الإستراتيجية السوقية)، وهذا يحتم علينا الاعتماد على آليات منهجية تتوائم وهذا الهدف، وهو آلية المنطق الهورستيکي بوصفه تقنية للبحث عن الحل وبلوغه بطرق مبتکرة وفي غاية اليسر، وبذلک يمکننا القول بصفة قاطعة ومحددة، بعد الإحالة إلى أکثر من واحد وتسعين مصدرًا لميکافيلي ولوتفاک، وأکثر من واحد وخمسين مرجعًا : "إن فن إدارة الأزمات والصراعات يسترشد بالرصيد والإرث التاريخي الضخم في أحد جوانبه لاستيعاب الأسباب التي أدت إلى انتصار طرف ما وهزيمة الآخر في صراع محدد بذاته".

7-    اعتمد ميکافيلي على الأدوات المنهجية البسيطة (القياس بجناحيه الاستقراء والاستنباط)، وأضاف منهجية حساب الاحتمالات، بينما اعتمد لوتفاک على تقانات منطق الخُلف، والقياس الشرطي الخاطئ خصوصًا؛ لمنحنا خيارات عديدة وإرباک الخصم وخداعه.

8-    ثَّم وتظل نتيجة مهمة جدًا (في تقديري المحدود وأحسبها أهم نتيجة) وهي أن علماء ومفکري السياسة (ميکافيلي خصوصًا) قد أسهم في إرساء قواعد منطق التفکير العلمي وطبقه على السياسة، شأنه شأن بيکون وجاليليو الذي طبق منهجه العلمي على الفيزياء والميکانيکا، أما لوتفاک فلقد استعار تقنيات منطقية واتخاذها تکأة لرؤيته الإستراتيجية، ومن هنا نصل إلى القول الفصل : لَمْ ولَنْ توجد رؤية إستراتيجية صحيحة بدون امتلاک منهجية علمية صحيحة، فما أحوجنا في عالمنا العربي (الذي يحاول تحرير تاريخه الأسير وترميم جغرافيته المتصدعة) إلى حتمية الإقرار بذلک وتفهمه.

والثابت في الإستراتيجية الذي لا يرقى إليه شک هو أن إرادة البشر وتصميمهم (الروح المعنوية والإيمان بالهدف) هي الرکن الرکين الذي لا يمکن تجاهله في أي تنظير إستراتيجي، وبما أن الحاجة هي أم الاختراع، فإن العبقرية الإستراتيجية وُجدت حيث الإرادة، فالإرادة هي الملهم لبلوغ الحل (الهدف). ولذلک يکون السؤال هو: کيف يحتفظ البشر بإرادتهم تحت وطأة أعتى الظروف وأصعبها؟ ويکون ذلک في المقدور والإمکان فقط  من خلال مخطط له بُعدان متکاملان الأول: علمي منهجي. والثاني: إستراتيجي خططي.

9-    استفاد کثير من المفکرين والساسة والفلاسفة من ميکافيلي وأفکاره مثل بيکون، وليبنتز، وتشرشل ...، وغيرهم. وهذا يشي بأهمية أطروحاته في الثقافة الغربية، وخاصة کتاب : المطارحات.

10-  ويمکن استخلاص المنهج الإستراتيجي في هذه الدراسة على النحو الآتي : الاعتماد على المنهجية المنطقية وأدواتها بوصفها قدرة على التحليل والمقارنة واستنتاج القواعد العامة والأحکام من الوقائع التاريخية بأيسر الطرق وأسهلها، من خلال تبسيط المعقد بعد سَبْر الواقع، ومن ثم فإن القدرة على الفهم تؤدي بالضرورة إلى صياغة الأسلوب والخطة (الرؤية الإستراتيجية الملائمة).

 

 

هوامش الدراسة
(*) مقولة تشرشل (الحائز على جائزة نوبل في الآداب 1953م)؛ المثقف ثقافة تاريخية عميقة منقولة بحرفيتها من مطارحات ميکافيلي فيقرر "يقول الحکماء وقولهم هذا لا يخلو من التعقل والأساس (المنهجي) : إن من يريد التکهن بالمستقبل فلابد أن يکون عليمًا (خبيرًا) بأحداث الماضي". انظر ميکافيلي  المطارحات (عن الکتب العشرة الأولى لتيتوس ليفي) - ترجمة د. خيري حماد - دار الآفاق الجديدة  - ط3 - بيروت 1982م - ص751.
([1]) وولفجانج کريجر – تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وکالة الأمن القومي الأمريکي – ترجمة د. عدنان عباس على – سلسلة عالم المعرفة – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الکويت 2018م – ص19.
(**) عمل مستشاراً للبرلمان الروسي من 1998 إلى 2003م وهو اليوم رئيس خبراء الجيوبولتيکا التابع للمجلس الاستشاري المتخصص بشئون الأمن القومي التابع لرئاسة مجلس النواب الروسي، ويقود الآن حرکة أوراسيا العالمية، وله مؤلفات من بينها فلسفة السياسة، تطور الأسس الفکرية للعلوم، المؤمرات، مشروع أوراسيا، الرؤية الأوراسية، أسس الأوراسية، أسس الجيوبولتيکا... وفيه تحليل لأهمية جيوبولتيکيا العالم العربي والشرق الأوسط وأهميته في الصراعات الدولية، وفي هذا الکتاب ثمة محاولة تفسيرية لمِا يحدث في العالم العربي الآن وانعکاساته على توازن القوى في الإستراتيجية العالمية.
([2]) الکسندر دوغين – أسس الجيوبولتيکا مستقبل روسيا الجيوبولتيکي – ترجمة وتقديم د. عماد حاتم – دار الکتاب الجديد – بيروت 2004م – ص المقدمة.
([3]) نابليون بونابرت – مبادئ الحرب – ترجمة هشام البطل – مکتبة النافذة – القاهرة 2011م – ص37.
([4]) ميکافيلي – الأمير (تاريخ الإمارات الغربية في العصور الوسطى) - ترجمة د. محمد لطفي جمعة - دار الحداثة - ط2 – بيروت 1985م - الفصل الثالث – ص ص189، 190.
([5]) جوزيف هنروتين وآخرون – حرب وإستراتيجية (مناهج ومفاهيم) – الجزء الأول – ترجمة د. أيمن منير –                    سلسلة عالم المعرفة رقم 472 – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الکويت 2019م – ص17. وانظر کذلک: Lawrence Freedman – Strategy A History – Oxford, University 2000- P, 9.
([6]) Randall (G) Bowdish –Militiary Strategy : Theory and Conccepts – University of Nebraska Lincoln, U.S.A. 2013 – PP, 7 : 13 "Chapter 2, Theory Building and The Philosopy of Science".
([7]) ليونيل روبي – فن الإقناع (المرشد للتفکير المنطقي) – ترجمة د. محمد على العريان – مؤسسة فرانکلين للطباعة والنشر – القاهرة/ نيويورک 1965م – ص322.
(*) يقول أبو العلاء المعري :   إذا قُرن الظن المصيب من الفتى       ...      بتجربة جاء بعلم غيوب
      ويقصد بالظن المصيب الحدس (الفراسة)؛ الذي يؤدي إلى اليقين الناشئ عن التدبر، والتجربة هي مجموعة الخبرات المتراکمة، وبافتراض الجمع بين العبقرية والخبرات الحياتية يصبح للإنسان القدرة على الإتيان بعلم الغيب؛ ويعني إمکانية الاستشراف والتوقع المستقبلي. انظر – أبو العلاء المعري – لزوم ما لا يلزم – الجزء الأول – شرح نديم عدى – دار طلاس - ط2 - سوريا 1988م – ص175.
([8]) أرنست کاسيرر – الدولة والأسطورة – ترجمة د. أحمد حمدي محمود – مراجعة د. أحمد خاکي – الهيئة المصرية العامة للکتاب – المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية – القاهرة 1975م – ص219م.
([9]) إداورد ميد إيرل – رواد الإستراتيجية الحديثة – الجزء الأول – ترجمة محمد عبد الفتاح  إبراهيم – مکتبة النهضة المصرية – القاهرة 1954م – ص182.
(*) الفن بمفهوم مناهج البحث يعني الموهبة والملکات والقدرات الخاصة أثناء الانتقال من التنظير للتطبيق، ومعروف أن هناک علومًا تجمع بين کونها علمًا وفنًا في الوقت نفسه، فالجراحة والإستراتيجية مثلاً يجمعان العلم والفن، بينما الرياضيات والفيزياء علمان فقط، فالجراحة لابد فيها من معرفة خارطة الجسم التشريحية بدقة متناهية، لمعرفة أماکن الشرايين والأوردة والأعصاب؛ لتفاديها أثناء الجراحة، بينما الأسلوب الجراحي (إجراء العمليات) يختلف من طبيب لآخر، بسبب تباين القدرات والملکات، والشئ نفسه بالنسبة للإستراتيجية، فقد يختلف الأسلوب والأداء أثناء الممارسة.
([10]) المرجع السابق – الجزء الأول – ص74.
(**) لبيکون مقالةً ضافية في السياسة والإستراتيجية عنوانها : الحرب الأسبانية. ومن خلالها حلل وقائع معرکة الأرمادا البحرية الشهيرة بين الأسطول الأسباني الضخم (الأرمادا) والأسطول الإنجليزي المحدود، ودارت أحداث هذه المعرکة في مايو 1588م؛ فلقد تجرأت أسبانيا على مهاجمة إنجلترا في عقر دارها، ولکنها – أي أسبانيا – مُنيت بهزيمة ساحقة ماحقة، فکانت بحق بداية نهايتها کقوة عظمى عالمية أولى، ومن يتصفح تاريخ هذه الموقعة يُدرک کيف تغلب الأسطول الإنجليزي الأضعف بکثير على الأسطول الأسباني بتکتيک وإستراتيجية اعتمدت أسلوب الحل البسيط لهذه المشکلة المعقدة، وهي مهاجمة أسبانيا لإنجلترا في عقر دارها بأسطول ضخم يتفوق على الأسطول الإنجليزي بدرجة کبيرة، والأعجب هو الخسائر المحدودة جدًا لإنجلترا (تکاد لا تکون شيئًا مذکورًا) ومنذ ذلک التاريخ سيطر الأسطول الإنجليزي على الطرق الملاحية في العالم لمدة جاوزت الثلاث قرون ونصف القرن. انظر Bacon(F) – Essays – With Introduction by James Edward – London 1916                  مقال : الحرب الأسبانية وتحطيم الأرمادا، وکذلک مقال : عظمة الممالک والدول الذي يقول فيه "إن الذي يملک البحر، يملک (يسيطر) على الموقف".
([11]) انظر د. أحمد عزب أحمد – المنطق الهورستيکي بوصفة تقنية لانتزاع الحل نشأة الابتکار من الفکرة إلى التطبيق – المجلة العلمية لکلية الآداب بجامعة حلوان – العدد 44 / 2017م.
([12]) انظر المرجع السابق - ص المقدمة. والمنطق الهورستيکي لون متفرد من الفلسفة ومناهج البحث، يهدف إلى توفير تقانات للحصول على حلول بسيطة لمشکلات في غاية التعقيد، وکذا القدرة الإبداعية على الربط بين موضوعات لا يبدو للإنسان العادي أن ثمة رابط بينها، ومثال على ذلک خدعة (حصان طروادة) بوصفه حلاًّ عبقريًّا للإشکالية العويصة الخاصة بکيفية اجتياز أسوار طروادة وحصونها المنيعة، والتي استعصت على الجيش المهاجم لمدة زمنية شارفت على عقد من الزمن تقريبًا.
([13]) د. أحمد عزب أحمد - إستراتيجية د. أنور عبد الملک تضبط البوصلة للاتجاه شرقًا - ص92.
     وانظر کذلک  Gordon HullFish – Reflective Thinking – New York 1961 – P,69.
([14]) المرجع السابق – ص92.
([15]) انظر جورج کاشمان – لماذا تنشب الحروب؟ – ترجمة د. أحمد حمدي محمود – الجزء الأول – سلسلة الألف کتاب الثانية – رقم242 – الهيئة المصرية العام للکتاب – ط2 – القاهرة 2007م – انظر الفصل الأول النظرية التجريبية وأسباب الحرب.
([16]) انظر هوج دوجوفنيل – الاستشراف والسياسة – دورية استشراف السنوية – الدوحة 2016م – ص ص14 : 16.
([17]) د. أحمد عزب أحمد – إستراتيجية أنور عبد الملک تضبط البوصلة للاتجاه شرقًا – دورية إبداع – العدد الثالث والعشرون – القاهرة 2011م، ص ص90، 91. وانظر کذلک :
Moustakas, Clark – Phenomenolgical Research Methods – New York 1994 – P, 55.
(*) لعلم الرياضيات سبب مباشر في هزيمة النازية والفاشية واليابان (دول المحور) في الحرب العالمية الثانية، وذلک لدورها الحاسم في فک الشفرة اليابانية والألمانية؛ ومعلوم أن مونتجمري (1887-1976م) أثناء استعداده لقتال روميل (1891 – 1944م) في معرکة العلمين الفاصلة للسيطرة على جبهة شمال أفريقيا والبحرالمتوسط وبالطبع قناة السويس؛ طلب الاستعانة بأستاذ مرموق في الرياضيات (حساب الاحتمالات تحديدًا) – من الجامعات البريطانية لحساب السيناريوهات المختلفة الممکنة للمعرکة. نقلاً عن د. أحمد سعيد الدمرداش – رسالة البيروني : استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحنى – الدار المصرية للتأليف والنشر – بدون تاريخ – القاهرة - ص15، 16. وانظر کذلک Lawrence, (F) – Strategy A History - P,  96.
([18]) Lawrencce, (F) – Strategy A History – P, H.
([19]) جوزيف هنروتين وآخرون – حرب وإستراتيجية (مناهج ومفاهيم) – الجزء الأول – ترجمة د. أيمن منير – ص34.
(**) قوة البصيرة ترجمة مجازية للکلمة Flair، وتعني في اللغة الفرنسية (حاسة الشم)، فالقادة والساسة الذين وُهبوا هذه الحاسة هم أکثر الناس توقعًا للأحداث والتنبؤ بها. انظر کارل فون کلاوزفيتز  – في الحرب – الجزء الأول – تعريب وترجمة أکرم ديري، الهيثم الأيوبي – دار الکتاب العربي للطبع والنشر – القاهرة 1970م – ص75.
([20]) Gordon HullFish – Reflective Thinking – P, 73.
([21]) انظر ونستون تشرشل – لورانس بطل الجزيرة – ترجمة محمد بدران، أحمد حلمي على – مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة – بدون تاريخ – ص ص5، 6.
([22]) نقلاً عن – ميتشو کاکو – فيزياء المستقبل – ترجمة د. طارق راشد عليان – مدينة الملک عبد العزيز للعلوم والتقنية – الرياض 2013م - ص7.
([23]) کتاب لورانس العرب المشهور : "أعمدة الحکمة السبعة"، هو أساس وزاد فکري لکل دبلوماسي وسياسي غربي يتعامل مع المنطقة العربية ولاسيما عرب وبدو جزيرة العرب، وکل المجتمعات ذات البنية العشائرية.
([24]) تشرشل – لورانس بطل الجزيرة – ص ص5، 6.
([25]) ميکافيلي – المطارحات - ص ص561، 565.
([26]) انظر د. أحمد عزب أحمد – مصر في ضوء منهجية ليبنتز رؤية في منطق التکتيک – دورية إبداع – العدد العشرون – خريف 2011م – القاهرة، ص ص134 : 151.
([27]) وولفجانج کريجر – تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وکالة الأمن القومي الأمريکي – ترجمة د. عدنان عباس على، ص131.
([28]) انظر د. أحمد عزب أحمد – مصر في ضوء منهجية لبينتز رؤية في منطق التکتيک – دورية إبداع – القاهرة 2011م – من ص134، 151.
(*) ميکافيلي (مکيافيلي Niccolo Machivalli)، انتشر اسمه في دنيا الفلسفة والأخلاق والسياسة والعلوم الإنسانية انتشار النار في الهشيم، فهناک من يراه نبي علم السياسة، وهناک من يراه الشيطان الذي أراد تحطيم علم الأخلاق وضرب بها عُرض الحائط، وهناک من التمس له العذر بانشغاله فقط بالطريقة التي تساعد على کيفية إحياء إيطاليا القوية غير الممزقة، وکتابة (الأمير) من کتب البشرية الشهيرة في کل الأعصر تقريبًا، ويعتبر مؤسس علم السياسة على أسس واقعية، والفضيلة الأولى عنده هي القوة ثم القوة ولاشئ غيرها، ومن أهم مؤلفاته الأمير، وکتاب المطارحات (عن الکتب العشرة الأولى لتيتوس ليفي) الذي يُعد موسوعة في التاريخ والسياسة والدبلوماسية والإستراتيجية، وکتاب : فن الحرب، وحاول ميکافيلي تحليل الحروب السابقة عليه من خلال المصادر التاريخية وکذلک الأحداث التي عاصرها وأخيراً کتابه : تاريخ فلورنسا بوصفه مرجعًا مهمًا في التاريخ الإيطالي.
(**) إدوارد لوتفاک (لوتواک) (ولد 1942م) من منظري الإستراتيجية البارزين في الغرب والولايات المتحدة الأمريکية، اهتم بالتنظير الإستراتيجي المستند إلى المنهجية المنطقية الاستدلالية (المنطق العکسي تحديدًا) ومن أشهر مؤلفاته : 1-الإستراتيجية : منطق الحرب والسلام، 2-الإستراتيجية العليا للدولة الرومانية في القرون الثلاثة الأولى، وتعتبر نظريته استکمالاً لمنهجية ليدل هارت في إستراتيجية الاقتراب غير المباشر.
([29]) ميکافيلي – المطارحات - ترجمة د. خيري حماد - ص دراسة لسلي ووکر.
(*) تيتوس (توتو) ليفي، أحد أهم المؤرخين الرومانيين على الإطلاق، ولد في بادوا بإيطاليا؛ وقد اضطلع بکتابة تاريخ روما منذ نشأتها حتى العصر الذي عاش به، وهو عصر أغسطس قيصر؛ ويُعد کتابة في التاريخ أحد الأعمدة الأساسية لفهم أحداث ووقائع الدولة الرومانية، وأصبح أحد أهم المصادر الذي ينقل عنه الجميع، ولکنه لم يصل إلينا کاملا إلا في القرن السابع عشر، وعُثر على الأجزاء المفقودة منه في مکتبة الفاتيکان، ثم على أجزاء أخرى منه في مصر عام 1900م، ويتناول الکتاب تاريخ الرومان منذ تأسيس مدينة روما عام 753 ق.م، وهو مکتوب باللغة اللاتينية القديمة في صورة نظم شعري تناول فيه أدق تفاصيل الحياة الرومانية.
([30]) انظر ميکافيلي – المطارحات – ترجمة د. خيري حماد – ص الدراسة.
(*) استفادت المنهجية السياسية الغربية من التاريخ الروماني، وکذا الحروب البلوبونيزية (البونية)، واستفادت کذلک من المدرسة الشرقية من خلال الاحتکاک في الحروب الدائرة بين الرومان والفرس، على اعتبار أنهما قطبا العالم في ذلک الزمان – ومعروف أن المدرسة اليونانية/الرومانية کانت تقوم على الواقعية -، أما المدرسة الشرقية بقيادة فارس کانت تهتم بالمثالية الأخلاقية إلى حد ما، وهذا يفسر لنا، اختلاف مفهوم علوم السياسة والإستراتيجية وفهم التاريخ بين الغرب اليوناني/ الروماني، وبين الشرق الفارسي/ البابلي/ الفرعوني. ومن ثم فإنه لا يوجد إستراتيجي واحد في الغرب إلا وله اهتمام بالتاريخ، وخاصة تاريخ الدولة الرومانية التي استمرت حوالي عشرة قرون، باعتباره نقطة البدء لهذا التاريخ (ومن قبله التاريخ اليوناني) للحضارة الغربية. ولمعرفة عدد سکان أثينا أثناء الحرب البلوبونيزية انظر : Jones (A.H) – Athenian Democracy – University of Cambridge, 1958 – P, 193.
(**) البرهان غير المباشر (برهان الخُلف) هو تقنية منطقية، استعارتها علوم الرياضيات، وخاصة الهندسة، وذلک حينما حاول الرياضيون منذ جيرلاموساکيري في القرن السادس عشر البرهان بطريقة غير مباشرة على صحة المصادرة الخامسة لإقليدس (إشکالية التوازي)، بمحاولة إثبات أن عکسها غير صحيح، وذلک لإستحالة البرهان بالطريقة المستقيمة المباشرة على الفرض الأصلي للمصادرة بالإيجاب أو بالسلب، وبعد ذلک بقرون استعار لوتفاک هذه التقنية المنهجية في منطقه الإستراتيجي.
(*) کتاب في (فن الحرب) لميکافيلي، محاولة عملية تطبيقية لإلقاء الضوء على تکتيکات الصراع والصدام العسکري وخططه، في التاريخ الروماني، وتاريخ أوروبا الذي عاصره ميکافيلي، ويؤخذ عليه إهماله لدور المدفعية البادئ بالظهور في ذلک الوقت.
([31]) انظر المرجع السابق - الجزء الثالث - ص26.
(**) بخصوص الترتيب الزمني لتاريخ اليونان، تم تقسيم هذا التاريخ إلى 18 عصر، بداية من عام 2000 ق.م إلى أن غدت ولاية رومانية في عام 146 ق.م، وظلت اليونان تحت حکم الرومان حتى عام 1453م، حتى سقوط القسطنطينية (إسطنبول) عاصمة الدولة الرومانية الشرقية في يد الأتراک بقيادة السلطان محمد الفاتح. لمعرفة عصور التاريخ اليوناني بالتفصيل (18 عصر) انظر دورية المعرفة – ترجمة د. بطرس بطرس غالي، د. حسين فوزي، وآخرون – العدد 34 – القاهرة 1971م – ص530، 531.
([32]) ميکافيلي - المطارحات – ص295.
([33]) نفس المصدر – ص296.
([34]) نفس المصدر – ص295.
([35]) نفس المصدر - ص229.
([36]) ميکافيلي – الأمير - ص139.
([37]) المصدر السابق – ص ص136، 137.
(*) يخيل إلينا أن ميکافيلي قد قرأ الکتاب الشهير لفيلسوف الحرب الصيني، صن توزو (القرن الخامس ق.م تقريبًا)، والخاص بتعاليمه لمعرفة مسرح العمليات (مکان المعرکة) ... وکذا، الدروب المستخدمة والمسالک لحرکة الجيش، وکل العوائق الطبوغرافية، لأن الجيش الذي يجهل طبيعة أرض المعرکة، تکون فرصته في إحراز النصر محدودة جدًا.
([38]) المصدر السابق - ص137.
([39]) المصدر السابق - ص138.
(**) آخيل هو أحد أبطال حرب طروادة ونشأت حوله الأساطير، ومعروف أنه کان أسرع عداء يوناني في الدورات الأولمبية، وأقوى المحاربين، قُتل في الحرب الطروادية الضارية، بعدما عرفوا نقطة ضعفه، هکذا تروي الأسطورة، وهي عقب (کعب القدم) أخيل، فتم رميه بسهم في عقبه فأرداه قتيلاً من فوره فيشار إلى اکتشاف الثغرة في العلم العسکري (عقب / کعب أخيل).
([40]) Lawrence Freedman – Strategy A History, P, 106.
([41]) ميکافيلي - فن الحرب -  ترجمة وتعليق هشام البطل - مکتبة النافذة - القاهرة 2010م - ص151.
([42]) ميکافيلي – المطارحات - ص243.
([43]) المصدر السابق - ص336.
([44]) المصدر السابق – ص254.
([45]) ميکافيليي – المطارحات – ص269.
([46]) المصدر السابق – ص262.
([47]) المصدر السابق – ص264.
([48]) الکسندر دوغين – أسس الجيوبولوتيکا مستقبل روسيا الجيوبولتيکي – ص ص170، 171.
([49]) المصدر السابق – ص284.
([50]) المصدر السابق – ص286.
([51]) ميکافيلي – المطارحات – ص269.
([52]) انظر  أرنست کاسيرر، الدولة والأسطورة - ترجمة د. أحمد حمدي محمود - مراجعة د. أحمد خاکي -  الهيئة المصرية العامة للکتاب - المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية – القاهرة 1975 – ص ص174، 175.
([53]) المصدر السابق - ص175.
([54]) د. محمد فتحي الشنيطي - النظرية السياسية عند هيوم - دار المعرفة - القاهرة 1972م- ص52، 53.
([55]) المرجع السابق، ص52.
([56]) نقلاً عن : کرين برنتن : قصة الفکر الغربي (أفکار ورجال) - مکتبة الأنجلو المصرية - بالاشتراک مع مؤسسة فرانکلين للطباعة والنشر – القاهرة 1965م - ص444.
([57]) Bacon (F) – New Organon – With Introduction By James Edward - London 1916 – Aphorism 97 – PP. 99, 100.
([58]) Ibid – Aphorism 127 – PP. 115, 116.
([59]) ميکافيلي - المطارحات -  ص376.
([60]) ليونيل روبي – فن الإقناع (المرشد للتفکير المنطقي) – ترجمة د. محمد على العريان –  ص فصل بعنوان : منطق المقامرة.
(*) الطريق (الطريقة) / المنهج (المنهجية) لهما نفس الدلالة، فمثلاً تُرجم کتاب ديکارت (1596 – 1650م) الشهير تحت عنوان : مقال في المنهج، وأحيانًا يُترجم : حديث الطريقة، فالمنهج أساسًا طريقة ووسيلة تقودنا نحو الهدف، فنحن ننتقل من المقدمات إلى النتائج مستخدمين طريقة أو وسيلة أو منهجية لبلوغ هذا المأرب.
([61]) ميکافيلي - المطارحات -  ص207.
([62]) المصدر السابق - ص208.
([63]) مقدمة ليسلي ووکر - المصدر السابق - ص114.
([64]) مقدمة ليسلي ووکر - المصدر السابق – ص ص115، 116.
([65]) ميکافيلي – المطارحات – ص ص208، 209.
([66]) لاحظ أن هذه هي الفرضية الأساسية في إستراتيجية کلاوزفيتز، وينص فيها على أن : الحرب هي ممارسة للسياسة بوسائل أخرى، وما زالت هذه القاعدة هي تعريف صحيح ومفهوم کاشف لخبايا وأهداف الإستراتيجية حتى الآن.
([67]) نيقولا ميکافيلي - الأمير (تاريخ الإمارات الغربية في العصور الوسطى) - ترجمة د. محمد لطفي جمعة – ص ص66، 67.
([68]) ميکافيلي – المطارحات - دراسة ليسلي ووکر - تعريب خيري حماد - ص117.
([69]) ميکافيلي - فن الحرب - ترجمة وتعليق هشام البطل - ص20.
([70]) المصدر السابق – ص ص20، 21.
([71]) المصدر السابق - ص21.
([72]) ميکافيلي - المطارحات - ص118.
([73]) ميکافيلي – الأمير – ص ص190، 191.
([74]) أرنست کاسيرر - الدولة والأسطورة - ترجمة د. أحمد حمدي - ص208.
([75]) ميکافيلي - المطارحات- ص ص350، 351.
([76]) أرنست کاسيرر – الدولة والأسطورة - ص187.
([77]) ميکافيلي – الأمير - ص123.
([78]) ميکافيلي - المطارحات - ص475.
([79]) المصدر السابق – ص476.
([80]) المصدر السابق – ص ص475، 476.
       وانظر کذلک  Hammond Grant – The Mind of War – Washington 2001 – P, 41.
([81]) المصدر السابق – ص ص477، 478.
وانظر کذلک                                  Hammond Grant – The Mind of War – P, 42.
([82]) المصدر السابق – ص ص479، 480.
وانظر کذلک                                  Hammond Grant – The Mind of War – P, 43.
([83]) المصدر السابق – ص ص 480، 481.
وانظر کذلک                                  Hammond Grant – The Mind of War – P, 44.
([84]) Liddell Hart (Sir Basil) - The Sword and The Pen – Library of Congress Cataloging in Publication U.S.A. 1976 - P, 64.
([85]) Ibid – PP,  65, 66.
(*) النصر البيروسي، المقصود به التکلفة الضخمة والخسائر الفادحة التي ندفعها بغية إحراز النصر، وذلک لأن الملک ابيروس (319-272 ق.م) بعد إحرازه للنصر، في موقعه إسکالوم على الجيش الروماني في عام 279 ق.م، إلا أنه فقد عددًا کبيرًا من قواته، وجنرالاته، وبالرغم من هزيمته للرومان، إلا أنه لم يشعر بالسعادة، ولاحظ الجميع إنه مکتئب، ولأنه الإستراتيجي المحنک، فلقد أدرک أنه غير قادر على خوض حرب ثانية، نظرًا للخسائر الرهيبة التي تکبدها في إسکالوم، وما بعدها من معارک جانبيه، وهذا النوع يُعرف بالنصر البيروسي وهو أسوأ أنواع النصر، إن لم يکن نوعًا من الخسارة في الأساس. انظر :
Lawrence Freedman – Strategy A History - P, 46.
([86]) Lawrence Freedman – Strategy A History - P,  46.
([87]) Ibid -  P, 92.
([88]) Yurit Maning – Matematic Knowledge Internal Social and Cultural Aspects - P, 3, 4.
(*) هذه القاعدة من صياغة منظري وصائغي الخطط في الدولة الرومانية القديمة.
(**) هذه المقولة منسوبة لنابليون بونابرت، وکان خير تطبيق لها في موقعة أوسترليتز حينما واجه ثلاثة جيوش في نفس الوقت وهو الجيش النمساوي، والروسي، والألماني. وبعد أن کان في حالة دفاع کاملة، تحول إلى حالة الهجوم المفاجئ، واستطاع الانتصار في هذه الموقعة والتي تُعد بحق أعظم عبقريات نابليون الإستراتيجية، والذي حدث کان نتيجة إيمانه بالمبدأ القائل : إن من يدافع باستمرار لابد له من الهزيمة مهما کانت قوة حصونه ومنعة قلاعه، أما عبقري الإستراتيجية صن توزوا فيقول عن علاقة الدفاع بالهجوم : إنهما يتعاقبان تعاقب الليل والنهار.
([89]) جيدينکو خينتشين-المبادئ الأولية لنظرية الاحتمالات - دار مير للطباعة والنشر-ط2 - موسکو 1974م– ص ص17، 18.
([90]) المرجع السابق - ص18.
([91]) Edward Luttwak - Strategy the Logic of War and Peace – Harvard University (U.S.A) 1987 – P, 9.
([92]) Ibid -  PP,  9, 10.
([93]) Ibid -  P, 11.
([94]) Edward Luttwak - Strategy the Logic of War and Peace –  P, 22.
([95]) Ibid -  PP, 6, 7.
([96]) Ibid -  P, 7.
([97]) Ibid -  P, 8.
([98]) Ibid -  PP,  8, 9.
([99]) Luttwak (E) – Strategy and History : Collected Essays – Volume 2 - New Brunswick - Translation Publishes hers – London  1985 – P. 24.
وانظر کذلک: ليونيل روبي - فن الإقناع – المرشد للتفکير المنطقي – ترجمة د. محمد العريان – ص فصل بعنوان : منطق المقامرة.
([100]) Ibid -  Luttwak (E) – Strategy and History : Collected Essays – Volume 2 – PP.135, 136.
([101]) Ibid -  Volume 2 – PP. 136, 137.
([102]) Ibid Luttwak (E) - Strategy The Logic of War and Peace - P, 110.
([103]) Ibid – P. 112.
([104]) Luttwak (E) – Strategy and History : Collected Essays – Volume 2 – P. 136.
([105]) Ibid – P. 137. وانظر کذلک د. جمال حمدان – 6 أکتوبر في الإستراتيجية العالمية – ص125.                             
([106]) Ibid – P, 117.
(*) يظل مرجع د. جمال حمدان الخاص بتحليل معرکة العبور، من بين أفضل المؤلفات قاطبة التي تناولت هذه المعرکة الفريدة، ويتحدث حمدان عن مفارقات هذه المعرکة الکثيرة والتي قلبت التصورات الإستراتيجية رأسًا على عقب، فيتحدث عن مفارقة عجيبة وهي : "هجوم المصريين بالدفاع، ودفاع إسرائيل بالهجوم"، انظر : د. جمال حمدان – 6 أکتوبر في الإستراتيجية العالمية – دار الهلال – القاهرة 2000م – ص152.
([107]) Ibid - P, 163.
([108]) ميکافيلي – الأمير - ترجمة د. محمد لطفي جمعة – ص ص190، 191.
([109]) ميکافيلي - فن الحرب - ترجمة هشام البطل - ص150.
(**) دارت أحداث هذه المعرکة في 21 أبريل 1502م، بين القوات الأسبانية بقيادة دي کوردوبا، في جنوب إيطاليا، وکان عدد الجيش الأسباني ثمانية آلاف جندي، وبين الجيش الفرنسي بقيادة لوي دار مانجاک الذي بلغ تعداده 32000 (اثنين وثلاثين ألفا) واحتل الأسبان موقعًا مرتفعًا حصينًا مما ساعدهم على هزيمة الفرنسيين؛ برغم تفوق عدد الجيش الفرنسي على الجيش الأسباني بنسبة 4 : 1.
([110]) ميکافيلي - فن الحرب - ص149 إلى ص153.
([111]) المصدر السابق - الجزء الأول - ص86.
([112]) المصدر السابق - الجزء الأول - ص86.
(*) نظرية المجال الحيوي؛ تقرر أن حدود الدولة والأقليم لا ينتهي عند الحدود السياسية، ولکنه يمتد حتى يصل إلى مصالح الدولة الإستراتيجية، فمصر على سبيل المثال لا تنتهي حدودها الجنوبية عند الحدود الفاصلة بين مصر والسودان، ولکنه يمتد ليشمل دول حوض النيل التي يوجد فيها منابع النهر، ومعروف أهمية النيل بالنسبة لمصر والمصريين؛ ولذلک فإن المجال الحيوي يحدد الاحتياجات الإستراتيجية الضرورية للدولة، ولا يمکن تصور الإضرار بها، أو أن تکون عُرضة للتهديد. انظر د. أحمد عزب أحمد - إستراتيجية أنور عبد الملک تضبط البوصلة للاتجاه شرقًا - دورية إبداع - العدد الثالث والعشرون - القاهرة 2011م - ص99.
([113]) ميکافيلي – المطارحات – الجزء الأول - ص86.
([114]) المصدر السابق - ص530.
([115]) المصدر السابق - ص467.
([116]) المصدر السابق - ص350، 351.
([117]) ميکافيلي – المطارحات - ص373 إلى ص375.
([118]) Luttwak (E) – Strategy The Logic of War and Peace - P, 1.
([119]) Ibid - PP, 7, 9.
([120]) Ibid - PP, 199, 200.
([121]) ليدل هارت – التاريخ فکرًا إستراتيجيًا – ترجمة د. طالب حازم مشتاق – بغداد 1988م – ص16.
([122]) Luttwak (E) – Strategy The Logic of War and Peace -  P, 199.
([123]) Ibid -  P, 9.
([124]) Ibid -  PP, 10, 11.
([125]) الکسندر دوغين – أسس الجيوبولتيکا مستقبل روسيا الجيوبولتيکي – ترجمة وتقديم د. عماد حاتم – ص ص170، 171، وانظر کذلک :        Lutwak (E)- Strategy and History : Collected Essay – Volume 2 – P.39.
([126]) ميشوکاکو، فيزياء المستقبل (العقل يُشکل مستقبل البشرية عام 2100) - ترجمة د. طارق راشد عليان - مدينة الملک عبد العزيز للعلوم والتقنية - سلسلة الثقافة العلمية للجميع - کتاب العربية - سلسلة 63 - الرياض 2013م -  ص657.
([127]) Luttwak (E) – Strategy and History : Collected Essays – Volume 1 - P, 39.
(*) ثمة ملاحظة أحسبها في غاية الخطورة، وهي أن طلاب البعثات العلمية المصرية، إبان عصر حکم محمد على باشا، وأبنائه من بعده، قد نقلت کافة العلوم، وخاصة ما يتصل بالجيش والتسليح، لدرجة إرسالهم لمبعوثين يتعلمون الموسيقى العسکرية، ومن ثم تم تأليف وترجمة العديد من الأعمال والمؤلفات العلمية بذات الخصوص، ولکن ما تم إهماله وعدم الالتفات إليه، العلوم التي تتصل بالإستراتيجية وفنونها؛ ولذلک لا يوجد کتاب علمي واحد تم تأليفه أو ترجمته في هذه الفترة الممتدة. ولا ندري إن کان ذلک تم بتعمد مقصود من لدن إدارات الدول التي استقبلت طلاب هذه البعثات وخاصة فرنسا وإنجلترا أم لا؟ والموضوع يحتاج إلى تدقيق ودراسة معمقة للکشف عن ملابسات هذا الخطأ الجسيم. فالإستراتيجية في عموميتها هي الرکن الرکين والأرومة لعملية إدارة الصراعات وفنونها.
([128]) انظر إبراهيم باشا (ذکري البطل الفاتح) – مجموعة أبحاث قدم لها د. السنهوري باشا، د. محمد شفيق غربال - الجمعية المصرية للدراسات التاريخية (مجموعة أبحاث بمناسبة انقضاء مائة عام على وفاته) - دار الکتب المصرية – القاهرة  1948م- ص ص60 إلى 63، ص ص242، 272.
([129]) Luttwak (E) - Strategy and History - P, 335.
وانظر کذلک د. أحمد عزب أحمد، مصر في ضوء منهجية ليبنتز رؤية في منطق التکتيک - دورية إبداع - العدد العشرون – القاهرة 2011م - ص141.
([130]) انظر ميکافيلي - فن الحرب - ترجمة هشام البطل - ص201م.
([131]) Luttwak, (E), The Grand Strategy of The Roman Empire From the First Century And to The third - Baltimore - Johns Hopkins University - Press 1976 -  P, 13.
ولمعرفة کيفية عبور هانيبال جبال الألب بالتفصيل يراجع کتاب ميکافيلي - فن الحرب - ترجمة وتعليق هشام البطل – ص ص183 إلى 187.
([132]) Sir Basil Liddell Hart – The Sword and the Pen -  PP, 126, 130.
([133]) Luttwak, (E), The Grand Strategy of The Roman Empire From the First Century And to the Third – P. 17.
([134]) Ibid – PP. 18, 19.
([135]) Ibid – PP. 20, 21.
([136]) Luttwak, (E)– Strategy The Logic of War and Peac –The Logic of Strategy –P.1, 2.
وانظر کذلک: ليونيل روبي - فن الإقناع – المرشد للتفکير المنطقي – ترجمة د. محمد العريان – ص ص248، 249.
([137]) انظر السير ليدل هارت - نظرة جديدة إلى الحرب - ترجمة وتعليق أکرم ديري - مراجعة خيري حماد - الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة 1965م - ص43.
([138]) المرجع السابق - ص44، 45.
([139]) Luttwak, (E) - Strategy and History - Volume 2 - P, 145.
     Liddell Hart – The Sword and the Pen - PP, 159, 160.وانظر کذلک                            
([140]) انظر آلان ستيفنز، نيقولا بيکر – فهم الحرب (إستراتيجية الفهم) – ترجمة د. أدهم مطر – دار نشر محاکاة – دمشق 2012م – ص21.
([141]) المرجع السابق – ص207.