نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
• مدرس الاقتصاد ، کلية الاقتصاد والعلوم السياسيه، جامعة القاهرة، مصر.
المستخلص
نقاط رئيسية
التنمية المستدامة هى مفهوم إعتمدهالمجتمعالدوليفيقمةالأرضبالبرازيلعام١٩٩٢و يعنىتلبيةاحتياجات الجيلالحاليدونإهدارحقوقالأجيالالقادمةفيالحياهفيمستوىلايقلعنالمستوىالذينعيشفيه. هذا وقدحددالمجتمعالدوليمکوناتالتنميةالمستدامةعلىأنها نمو اقتصادي إحتوائي، تنميةاجتماعية، حمايةالبيئة ومصادرالثروةالطبيعيةبها. ثم تبنى قادة العالم في اللقاء الذي جمعهم بمقر الأمم المتحدة فى 25 سبتمبر 2015- بمشارکة نحو 150 رئيس دولة و30 وزيراً- خطة طموحة للتنمية المستدامة تنفذ على مدى الـ 15 سنة المقبلة، تضمنت 17 هدف للتنمية المستدامة، أکد معظمهم على أهمية أن يکون النمو الداعم للتنمية نمو احتوائي يشمل کل المهمشين والمستبعدين من عملية التنمية. ومن أهم تلک الأهداف الهدف الرابع الذى نص على ضرورة ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. وکان من أهم السبل لتحقيق ذلک ضمان تکافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني والتعليم العالي الجيّد والميسور التکلفة، بما في ذلک التعليم الجامعي، بحلول عام 2030. أى أن محور التعليم ليسهم فى التنمية المستدامة يجب أن يحقق مفهوم النمو الاحتوائي وتکافؤ الفرص.
الكلمات الرئيسية
تمويل التعليم العالي فى مصر لتحقيق النمو الاحتوائي ودعم التنمية المستدامة
مُستخلص
حددالمجتمعالدوليمکوناتالتنميةالمستدامة بأنها نمواقتصادي إحتوائي، تنميةاجتماعية، حمايةالبيئة ومصادرالثروةالطبيعيةبها، وليسهم نمو قطاع التعليم العالي فى دعم التنمية المستدامة للدولة يجب أن يحقق مفهوم النمو الاحتوائي، بأن تکون طريقة تمويله تضمن الکفاية، الکفاءة والعدالة. لذلک يتمثل الهدف الرئيسي للدراسة فى تحليل مدى تحقيق الطريقة الحالية لتمويل التعليم العالي فى مصر -القائمة على المجانية- للنمو الاحتوائي من حيث کفاية الإنفاق، کفاءتة وعدالته. وتعتمدالمنهجيةالمستخدمةفيهذاالبحثعليدراسةوتحليل بعض مؤشرات تمويلالتعليمالعاليفيمصر وقدرتها على تحقيق النمو الاحتوائي،إليجانبتقديمالبدائلالمقترحةليسهم التعليم العالي فى تحقيق النمو الاحتوائي. وتتمثل أهم النتائج التى توصلت اليها الدراسة، أن الطريقة الحالية للتمويل لم تسهم فى تحقيق النمو الاحتوائي المستدام فى مصر، لأنه تمويل غير کافى لإنخفاض نصيب الطالب المصري من إجمالي الإنفاق على التعليم مقارنة بالعديد من الدول. وکذلک تمويل غير کفء، سواء من حيث المؤشرات الداخلية أو المؤشرات الخارجية، ومن أهم المؤشرات على ذلک انخفاض ترتيب مصر بين دول العالم من حيث جودة التعليم العالي. کذلک غير عادل رغم المجانية المزعومة، فهناک تحيز للأغنياء ضد الفقراء ، کذلک هناک تحيز مکاني وأيضا تحيز للذکور ضد الاناث. لذلک اقترحت الدراسة على صانع القرار استراتيجيتين متکاملتين لتمويل التعليم العالي فى مصر. الأولى تنويع مصادر التمويل، مع ترشيد الإنفاق العام على التعليم العالي - لعلاج مشکلتى الکفاءة والکفايه- من خلال إعطاء فرصة أکبر للجامعات الخاصة، وإتباع مبدأ تقاسم التکاليف. والثانيه استهداف مباشر للطلاب محدودي الدخل بمنحهم قروض صغيرة ميسرة تساعدهم فى تغطية نفقات التعليم العالي من ملبس ومواصلات ودورات تدريبية ...وغيرها لعلاج مشکلة العدالة. واستعانة الدراسة بالتجارب الدولية الناجحة فى برامج إقراض طلاب التعليم العالي مثل شيلي، ماليزيا، جنوب افريقيا، بنجلاديش لتقترح برنامج قروض لطلاب التعليم العالي محدودي الدخل فى مصر.
کلمات مفتاحية : النمو الاحتوائي، تمويل التعليم العالي فى مصر، إستراتيجيات بديلة لتمويل التعليم العالي، تقاسم التکاليف، قروض طلاب التعليم العالي محدودي الدخل.
مقدمـــة:
التنمية المستدامة هى مفهوم إعتمدهالمجتمعالدوليفيقمةالأرضبالبرازيلعام١٩٩٢و يعنىتلبيةاحتياجات الجيلالحاليدونإهدارحقوقالأجيالالقادمةفيالحياهفيمستوىلايقلعنالمستوىالذينعيشفيه. هذا وقدحددالمجتمعالدوليمکوناتالتنميةالمستدامةعلىأنها نمو اقتصادي إحتوائي، تنميةاجتماعية، حمايةالبيئة ومصادرالثروةالطبيعيةبها. ثم تبنى قادة العالم في اللقاء الذي جمعهم بمقر الأمم المتحدة فى 25 سبتمبر 2015- بمشارکة نحو 150 رئيس دولة و30 وزيراً- خطة طموحة للتنمية المستدامة تنفذ على مدى الـ 15 سنة المقبلة، تضمنت 17 هدف للتنمية المستدامة، أکد معظمهم على أهمية أن يکون النمو الداعم للتنمية نمو احتوائي يشمل کل المهمشين والمستبعدين من عملية التنمية. ومن أهم تلک الأهداف الهدف الرابع الذى نص على ضرورة ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. وکان من أهم السبل لتحقيق ذلک ضمان تکافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني والتعليم العالي الجيّد والميسور التکلفة، بما في ذلک التعليم الجامعي، بحلول عام 2030. أى أن محور التعليم ليسهم فى التنمية المستدامة يجب أن يحقق مفهوم النمو الاحتوائي وتکافؤ الفرص.
ويرجع إهتمام علم الاقتصاد بقضايا التعليم والإستثمار فى رأس المال البشرى وعلاقته بالنمو إلى کتابات أدم سميث، ولکن الاهتمام بهذا الموضوع زاد أکثر وظهر فى نماذج النمو الاقتصادي الجديده منذ الثمانينيات من القرن العشرين، متأثرة فى ذلک بکتابات "بول رومر" و"روبرت لوکس" فالتقدم التکنولوجى - النابع من الداخل والناتج عن استثمار جيد فى مجالات التعليم والتدريب – وفقاً لهذه النماذج هو المحرک الأساسي لأى نمو اقتصادي حقيقى ومستدام. وهو وحده ما يؤدى إلى سد الفجوات بين الاقتصاديات النامية والمتقدمة[1]. ولا يقتصر العائد الاقتصادي الإيجابي للإستثمار فى التعليم على المستوى الکلى فقط وإنما يتجاوزه ليغطى المستوى الشخصي/الجزئى. فهو لا يقف عند حد زيادة نصيب الفرد من الدخل وانما يشمل أيصاً تقدير الفرد لذاته وقدرته على التفاعل الإيجابي مع قضايا مجتمعه البيئية والثقافية والاجتماعية والسياسية[2].
وأکدت معظم الأدبيات أن التعليم هو مفتاح النمو الاحتوائي فى أى دولة. لذلک يجب أن تتاح فرصة التعليم الکافى الکفء سواء تعليم أساسي أو عالي إلى کل الأفراد على حد السواء[3] ، ومعظم الأراء المؤيدة لمجانية التعليم العالي تستند فى الأساس إلى أولوية إعتبارات العدالة، بغض النظر عن تأثيرها على إعتبارات الکفاءة. ولکن هذا لا يعنى أن مجانية التعليم – لکل الأفراد أغنياء وفقراء- وحدها تحقق العدالة لأن التجارب الدولية أثبتت أن المجانية فى کثير من الأوقات الذى يستفيد منها أکثر هم الأغنياء, کما أنها فى کثير من الأوقات تکون عائق لتحقيق الکفاءة والکفاية[4].
وهنا يأتى الهدف من الدراسة فى الأجابة على تساؤل رئيسي هو"الى اى مدى نجحت مجانية التعليم العالي فى تحقيق النمو الاحتوائي فى مصر؟ ولماذا؟"وهذا أخذنا إلى محاولة الإجابة على تساؤل أخر هو "ما هى الاستراتجيات البديلة المقترحة لتمويل التعليم العالي فى مصر لتحقيق النمو الاحتوائي والتنمية المستدامة؟" وما مدى إمکانية تطبيق برنامج لإقراض طلاب التعليم العالي محدودي الدخل فى مصر؟ وللإجابة على هذه التساؤلات استخدمت الدراسة المنهج الوصفى التحليلى فى عرض مفهوم ومحددات النمو الاحتوائي، وتجارب الدول السابقة فى تنفيذ فکرة قروض طلاب التعليم العالي وکذلک فى تحليل مدى کفاية وکفاءة وعدالة التعليم العالي فى مصر، استراتيجيات التمويل البديلة ومدى امکانية تطبيق فکرة قروض طلاب التعليم العالي الفقراء. وتم تقسيم الدراسة إلى أربع أجزاء ما بين مقدمة وخاتمة:
- تمويل التعليم العالى والنمو( مراجعة أدبيات).
- مجانية التعليم العالى والنمو الإحتوائى فى مصر.
- استراتيجيات بديله مقترحة لتمويل التعليم العالي فى مصر لتسهم فى تحقيق النمو الاحتوائي.
- مقترح برنامج قروض صغيرة ميسره لطلاب التعليم العالي محدودي الدخل لتحقيق النمو الاحتوائي فى مصر.
أولاً: تمويل التعليم العالى والنمو( مراجعة أدبيات)
1- نظريات النمو ومناهج تمويل التعليم العالي (مراجعة أدبيات)
اختلفت نظريات النمو فيما بينها على أفضل مناهج تمويل التعليم العالي ليسهم فى عملية النمو بشکل جيد. فمنهم من أکد على أهمية الدعم الحکومى للتعليم العالى مثل نماذج النمو الداخلى ف(Romer 1986, lucas 1988) أکدوا أن رأس المال البشرى هو عامل داخلى من عوامل النمو فى المجتمع الذى يعوض تناقص الإنتاجية الحدية لرأس المال العينى الذى أقره نموذج سولو للنمو، أيضا دراسة[5] ( Pscharopoulos, 2004) توصلت الى انه من المهم دعم الحکومة للتعليم العالي إذا کان العائد الاجتماعي (ممثلا فى الخارجيات الإيجابية للتعليم) يفوق العائد الخاص له، فالتعليم العالي يعمل على التطور التکنولوجى، کما أن التعليم يعمل کجهاز فحص لتوضيح القدرات، وتحدثت تلک النظريات عن أهمية الدعم الحکومي للتعليم العالي رغم أن العائد الخاص له يفوق العائد المجتمعى، لإن الغير قادرين إذا إتخذو قرار بتجاهل التعليم سيؤدى ذلک إلى خارجيات سالبة على المجتمع. أيضا(Stglitz 1998, 2008) أکد على أهمية التعليم فى التنمية الإقتصادية وأن نشر المعرفة أهم محدد للنمو، وأکد ستجلتز أن تدخل الحکومة فى تمويل التعليم يعتمد على طبيعة رأس المال البشرى وعلاقتة بالنمو وهناک دراسات أخرى تناولت أيضاً قضية تمويل التعليم مثل (Olssen 1996) الذى ناقش بعض القضايا الخاصة بقدرة السوق على تمويل وإدارة الأنشطة الإجتماعية مثل التعليم، ورأى أن قوى السوق غير کافية وحدها لإتاحة فرص التعليم العالي العادلة ولابد من تدخل الدولة.[6] کذلک يرى (Lieras 2005) أن عدم إکتمال سوق الإئتمان الخاص بالطلاب هو سبب أساسي فى أن تتحمل الحکومة دعم التعليم العالي وليس القطاع العائلى. فى حين أن بعض الدراسات دعمت فکرة التمويل الخاص للتعليم، فکلاً من[7] (Schultz 1961 Becker 1993) رأوا أن الإنفاق على التعليم هو إستثمار يعطى معدل عائد موجب على رأس المال للمستثمر(الطالب) والعوائد الخاصة من التعليم تفوق التکاليف، لذلک أکدو أن التعليم العالي يجب أن يمول من المستفيدين وهم الطلاب إذا کان العائد الخاص له يفوق العائد الاجتماعي، أيضا (Neoliberal ideology) رأوا أن التعليم العالي هو سلعة خاصة فردية وهذا نفس الرأى الذى يتبناه البنک الدولي حتى يعاد تخصيص نفقات التعليم العالي إلى التعليم الأساسي الذى له عائد إجتماعي أکبر.
لذلک يمکن تقسيم مناهج تمويل التعليم العالي إلى ثلاثة مناهج( المنهج الإجتماعي، المنهج الاقتصادي، المنهج التوافقي)
المنهج الإجتماعي: وفقا لهذا المنهج يعتبر التعليم العالي مرفقاً عاماً، ومن واجب الدولة أن ترعاه إدارياً ومالياً.
المنهج الاقتصادي: يرى أن التعليم خدمة تقدمها مؤسسات تخضع لمنطق السوق، وينظر دعاة هذا المنهج للأمر من ناحية إقتصادية بحتة، فيرون إلغاء مجانية التعليم العالي ويدعون إلى تحمل الطالب أو أسرته تکاليف التعليم.
المنهج التوافقي: يؤکد على أهمية تقاسم التکاليف بين الدولة والمجتمع (لترشيد المجانية)، ويرى دعاة هذا المنهج أن على الدولة تحمل أعباء التعليم العالي، کما أنه على المجتمع المشارکة فى هذا التمويل، بما يتيح تنويع مصادر التمويل[8].
فتقاسم التکاليف Cost sharing هو مصطلح تم تقديمه بواسطة المفکر Johnstone وجامعة Buffalo’s
(Johnston 1986, 2003,2004, 2006) والمقصود به التحول الجزئى فى تمويل التعليم العالي من الحکومات أو دافعي الضرائب إلى أولياء الأمور أو الطلاب[9]. أى أن تقاسم التکاليف لا تعنى إلغاء دعم التعليم العالي وإنما تشارک التکاليف بين الدولة والقادرين على الدفع. والتحول نحو سياسة تقاسم التکاليف قد يأخذ عدة أشکال ومن أشهر تلک الأشکال:
- تحرير الرسوم الجامعية (عدم تقيدها) لتعکس تکلفة الطالب الواحد فى التعلم کلما تحرک لأعلى فى سلم التعليم، وکذلک لتعتمد على موقع المؤسسة التعليمية، ونوع المبنى، طبيعة الکورس. وذلک مثل إضافة أقسام للغات داخل الجامعات العامة بمصاريف خاصة، أو برامج إنتساب.
- عقود رأس المال البشري، بأن يلتزم الطلاب بعقد ينص على إلزامهم بدفع جزء من مرتباتهم بعد التوظف لفترة محددة للمشارکة فى تمويل ما حصلوا عليه من تعليم.
- ضرائب التخرج، وهى ضريبة تضاف على ضريبة الدخل العامه عند عمل الخريجين، کوسيلة للحصول على جزء من نفقات تعليمهم.
- القروض المتوقفة على مستوى الدخل، وهى قروض لا تسدد إلا إذا بلغ دخل الخريج عند توظفه مبلغ معين -يختلف من دولة لأخرى- وهذا النوع من القروض يحتاج إلى دور فعال للحکومة بدلاً من البنوک التجارية، لمراقبة القرض ودخول الخريجين بشکل صحيح[10].
- القسائم التعليمية، وهى إستهداف مباشر لمستحقي الدعم فى التعليم العالي من الفقراء والمتفوقين فقط بمنحهم قسائم مجانية للتعليم العالي، وهذه طريقة لدعم جانب الطلب بدلاً من جانب العرض، وستؤدى إلى تنافس مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة وکذلک العامة وبعضها، للحصول على الطلاب مما سيزيد الکفاءة.[11]
2- مفهوم ومحددات النمو الاحتوائي
شهد العالم فى الأونه الأخيرة کثير من التطورات السريعة والجذرية على المستوى السياسي والاقتصادي، بشکل خاص فيما يخص مفهوم التنمية، والتى تحولت من مجرد عملية تستهدف خلق نمو اقتصادي ينعکس على رفع رفاهية الأفراد من خلال تعظيم نصيب الفرد من الناتج القومي، إلى تنمية تهتم بکيفية تقسيم هذا الناتج بين الأفراد من خلال الاهتمام بالعدالة التوزيعية لثمار هذه التنمية والحد من معدلات الفقر[12]، بحيث تشمل هذه التنمية جميع فئات وقطاعات المجتمع لتحقق النمو الاحتوائي الذى يضمن استدامة عملية التنمية أو ما يطلق عليه التنمية المستدامة.
والنمو الاحتوائي هو مفهوم ظهر على الساحة الاقتصاديه فى أواخر التسعينات من القرن السابق. وتوجد له العديد من التعريفات، ومن أدق وأشمل تلک التعريفات أنه" شمول جميع أفراد المجتمع فى العملية الانتاجية وضمان مشارکتهم الفعالة بها وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وذلک من خلال ضمان تقديم فرص متساويه لهؤلاء الأفراد للمشارکه فى سوق العمل من خلال إستهداف هذه الفئات ورفع قدراتهم الانتاجية بالتعليم والتدريب، وخاصةً الفئات المهمشه مثل المرأة مقارنة بالرجل والقطاع غير الرسمي مقارنةً بالقطاعات الاقتصاديه الأخرى " [13]ومن أجل إحداث التنمية المستدامة لابد من إحتواء هذه الفئات بالمشارکة فى عملية النمو[14].
محددات النمو الاحتوائي: لتحقيق النمو الاحتوائي أشارت الأدبيات إلى عدد من الرکائز والأليات وهى:
الاستدامة: أن النمو الاحتوائي يشير إلى کلاً من سرعة ونمط النمو کأمرين متداخلين يجب تناولهما معا[15] ، فلکى يوصف النمو بأنه احتوائي يجب أن يحقق الشروط التاليه، المشارکة: بأن يشغل هذا النمو الجزء الأکبر من القوى العاملة فى أعمال منتجة وخاصة المستبعدين وهذا لا يعنى الفقراء فقط وإنما أى فئات أخرى کانت مستبعده من عملية النمو سواء قطاعات أو مناطق أو أفراد[16]. العدالة التوزيعية: يجب ان يتضمن النمو توزيعاً عادلاً للموارد تعود فائدتة على کل القطاعات الاقتصادية[17]. رفع انتاجية العناصر المشارکة فى عملية التنمية وخاصةً الفئات المهمشة من خلال زيادة الاستثمارات الموجهه إليها من تعليم وصحه وبنية تحتية هذا بالإضافة إلى ضرورة وجود نظم تکفل تحقيق العدالة الاجتماعية فى الأجل القصير لعملية التنمية. وأخيرا فإن الدعوه إلى النمو الاحتوائي ذو القاعده العريضه من المشارکين ليس المقصود به عودة السياسات الصناعية التى ترعاها الحکومة وإنما الترکيز على إزالة معوقات النمو وخلق مجالات للإستثمار. والنمو الاحتوائي يتطلب ان تخلط الحکومة بين النظام المرکزي فى عملية إتخاذ القرار والنظام اللامرکزي فى کيفية التنفيذ[18].
ومن أهم أليات تحقيق النمو الاحتوائي الموازنة العامة لأنها الأداة الأکثر تأثيراً لإعادة توزيع الدخول، عبر ضخ الاستثمارات المادية والاستثمار فى العنصر البشرى فى التعليم والتدريب والصحة، وتحقيق مفهوم الشمول المالى وتقديم الحوافز الضريبية وتحسين بيئة ومناخ الاستثمار.
ثانياً: مجانية التعليم العالى والنمو الإحتوائى فى مصر
يتمتع المصريون بمجانية التعليم الابتدائى منذ سنة 1944 ومجانية التعليم الثانوي منذ سنة 1950 أما مجانية التعليم العالي فبدأت منذ سنة 1962. والسؤال الأن هل ساهم ذلک فى وجود نمو احتوائي فى مصر منذ سنة 1952 حيث تعاقب على مصر ثلاثة رؤساء، جميعهم ينتسبون لثوره 1952.
1- هل النمو فى مصر خلال الفتره (1952: 2013) نمو احتوائي؟
وکمؤشر مختصر لهذا الحصاد سنقف عند نقاط زمنية معينة، لنرصد أداء النمو الاقتصادي المصري، فکما هو موضح فى شکل رقم (1) نجد ان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي شهد ارتفاعات وإنخفاضات واضحة، ولکن الملاحظ وجود ثلاثة قمم وصل فيها معدل النمو إلى معدلات مرتفعة ولکنها لم تحقق الاستدامة وبالتالى لم تحقق النمو الاحتوائي. فالعلاقة بين استدامة النمو واحتوائه علاقه متبادلة، فالاستدامة مهمه لتحقيق نمو احتوائي – حيث يتم إستخدام عوائد النمو المستدام فى إحتواء المهمشين والمستبعدين فى عملية النمو، وفى نفس الوقت إذا کان النمو غير احتوائي لن يحقق الاستدامة. فالقمة الأولى 7%متوسط الفتره(1960: 1965) هى الفترة التى نفذت فيها الخطة الخمسية الأولى فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر. والقمة الثانية 11% خلال الفترة (1975 :1980) کانت إنعکاس للتدفقات المالية الضخمة الناتجة عن الانفتاح الاقتصادي فى عهد الرئيس السادات. والقمة الثالثة 7.1% سنة 2007 الذى قدمته اخر حکومات الرئيس مبارک لثلاثة عقود[19]. ورغم انتماء کل قمة لمرحلة حکم مختلفة، إلا إنهم يجمعهم سمة مشترکة وهى انه لم يحدث فى أى من المراحل الثلاث أن نجح الاقتصاد فى تحقيق الانطلاق إلى مسار نمو مستدام. وذلک لأن کل قمة منهم کانت تعبر عن ارتفاع مؤقت فى معدل النمو، ما يلبث أن يتبعه تراجع طوال سنوات الحقبة. ورغم خصوصية توجه کل من الرؤساء الثلاثة، إلا أنهم جميعاً وصلوا بالاقتصاد إلى نفس النتيجة وهى العجز عن تحقيق الانطلاق إلى النمو المستدام، ليس ذلک فقط وأضف على ذلک إنتشار الفقر
شکل(1) تطور معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي فى مصر خلال الفترة(1960: 2014)
المصدر: World Bank, WDI
حيث زادت معدلات الفقر من 17% سنة(1981/1982) إلى 22% سنة(1995/1996) ثم إنخفضت إلى 19.6% سنة(2004/2005) لتأخذ فى التزايد بعد ذلک بشکل مستمر إلى أن وصلت سنة( 2015/2016 ) إلى 27.5% کما هو موضح فى شکل (2) وذلک کان مصحوب بإرتفاع معدلات البطاله کما هو موضح ايضا فى شکل (2)، بالإضافة الى عدم العدالة فى توزيع الدخول، کذلک کان دائما ما يتم الإستعانه بالقروض الخارجيه بالإضافة للعجز المزمن فى الموازنة العامه للدوله، التفاقم فى حجم الدين العام المحلي الخارجي، والعجز فى الميزان التجاري نتيجة عجز الصادرات السلعيه عن تغطية فاتورة الواردات السلعيه أى أن النمو الاحتوائي لم يتحقق.
و هنا يأتى التساؤل الرئيسي للدراسة إذا کان التعليم سواء الأساسي أو التعليم العالي هو مفتاح تحقيق النمو الاحتوائي، کما أشارت معظم الدراسات فى هذا المجال –لما يتيحه من عدالة الفرص- ورغم أن التعليم العالي مجانى فى مصر منذ سنة 1962 بنص الماده 18 من الدستور، فلماذا لم يسهم فى تحقيق النمو الاحتوائي؟ والاجابة على هذا التساؤل تتطلب معرفة هل هذه الطريقة فى تمويل التعليم العالي فى مصر القائمة على المجانية کانت کافية وکفء وعادلة؟ وهو ما سيجيب عنه الجزء الثاني من الدراسة.
شکل(2) تطور معدلات الفقر والبطالة فى مصر
المصدر: الجهاز المرکزي للتعبئه العامه والاحصاء، بحث الدخل والإنفاق والاستهلاک أعداد متفرقه
2- لماذا لم تسهم مجانية التعليم العالي فى مصر فى تحقيق النمو الاحتوائي؟
بالرجوع إلى تعريف النمو الاحتوائي السابق نجد إن أهم متطلباته هو عدالة الفرص فى سوق العمل من خلال إستهداف المهمشين والمستبعدين بالتعليم والتدريب الکفء. سواء کان تعليم أساسي أم تعليم عالي لأن معظم الدراسات الاقتصادية أکدت على وجود علاقة طردية بين مستوى التعليم ومعدلات الدخول التى يحصل عليها الأفراد. لذلک فإحتواء هؤلاء المستبعدين والمهمشين فى العملية الانتاجية يتطلب إتاحة الفرص لهم فى البداية فى الحصول على مستوى التعليم والتدريب الکافى والعادل والکفء الذى يمکنهم من الحصول على فرص عمل أفضل ودخول أفضل لکسر الحلقة المفرغة التى يدور فيها الفقراء[20]. لذلک فالتعليم العالي يعد مفتاح تحقيق النمو الاحتوائي، ولکن طريقة تمويل التعليم فى الدولة هى التى تحدد مدى قدرته على تحقيق هذا النمو الاحتوائي. فاللحصول على مخرجات تعليمية جيده لابد من توافر مدخلات ممثلة فى موارد تمويلية کافية يتم تخصيصها بکفاءة وعدالة[21]. وتتکون منظومة التعليم العالي فى مصر من 19 جامعة حکومية (شاملة الازهر والجامعة المفتوحة) و19 جامعة خاصة (شاملة الجامعة الامريکية) بالإضافة إلى 8 کليات تکنولوجية (معاهد عليا) و6 انواع من المعاهد الفنية وفوق المتوسطة[22].
ولکن هل نتج عن المجانية فرص متکافئة کفء فى الالتحاق بالتعليم العالي، أم هل اقتصرت الفائدة التى حصل عليها أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة على شهادة جامعية دون تعليم جامعي حقيقى کفء يسهم فى تحقيق النمو الاحتوائي ويضمن استدامة النمو والتنمية. وهل استطاع أبناء الطبقات الثرية الحصول على تعليم أفضل من خلال مؤسسسات التعليم الخاصة، أو من خلال المسارات الخاصة غير المجانية فى الجامعات العامه وظل أبناء الفقراء-أو من حالفه الحظ منهم- أسرى أطلال مؤسسات تعليمية عريقة ولکنها عاجزة عن تقديم خدمات تعليمية متميزة ، وهو ما أعاد إنتاج الطبقية فى إتاحة فرص التعليم الجامعي[23]. والاجابة على هذه التساؤلات تتطلب ان نتناول بالتحليل مدى کفاية وکفاءة وعدالة التمويل العام للتعليم العالي فى مصر.
أ) تحليل مدى کفاية الإنفاق العام على التعليم العالي
الکفاية هنا لا يقصد بها کفاية التمويل لإستمرار مؤسسسات التعليم العالي وإنما لضمان الأداء الأکاديمى والبحثىبمستوى جودة يتيح لها المنافسة إقليمياً ودولياً[24]. ولتحديد کفاية الإنفاق العام على التعليم العالي سنستخدم عدد من المؤشرات هى(أ) تطور حجم الإنفاق العام على التعليم العالي کأرقام مطلقة.(ب) نسبة الطلاب إلى الأساتذة فى الجامعات الحکومية (ج)التطور النسبى للانفاق العام على التعليم العالي.
کما هو موضح بالشکل (3) کان إجمالي الإنفاق العام على التعليم العالي ومتوسط نصيب الطالب من الإنفاق العام على التعليم العالي فى تزايد خلال الفترة من (2000/2001: 2012/2013)، وذلک نتيجة التزايد المستمر فى المستوى العام للأسعار(التضخم)، ولمواجهة زيادة الطلب على التعليم العالي الناتجة عن زيادة عدد الملتحقين بالجامعات العامة سنوياً، والذين زادو من 1.4 مليون طالب سنة 2000/2001 إلى 3.6 مليون طالب سنة 2013/2014 [25] نتيجة زيادة معدلات الالتحاق بالتعليم العالي للفئة العمرية من (18-23) سنة من 25% سنة 2000/2001 إلى ما يقرب من 35% سنة 2013/2014، بسبب الظاهرة الديموجرافية التى شهدتها مصر المسماة youth bulge-[26] أى تزايد نسبة فئة الشباب عن أى فئة عمرية أخرى- وهذه الفئة من المتوقع أن تصل إلى 9 ملايين سنة 2035 بعد أن کانت 7.5 مليون سنة 2010.
ولکن منذ سنة 2014/2015 وبسبب العجز الکبير الذى تشهده الموازنة العامة للدولة تم تخفيض موازنة التعليم العالى من 15.2 مليار جنيه سنة 2012/2013 الى 14.8 مليار جنيه سنة 2014/2015، ونتيجة تزايد معدلات الالتحاق السابق الإشاره اليها، إنخفض متوسط نصيب الطالب من الانفاق على التعليم العالى من 16481 جنيه سنة 2012/2013 الى 12603جنيه سنة 2014/2015 .
کان هذا تحليل مدى کفاية الإنفاق العام على التعليم العالي فى مصر بإستخدام المؤشرات الکلية، ولکن هل ستظل الصورة على ما هى عليه إذا نظرنا إلى المؤشرات النسبية، مثل نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس أو تطور الأرقام النسبيه لمعدلات الإنفاق؟
شکل(3) تطور إجمالي الإنفاق العام على التعليم العالي فى مصر بالمليار جنيه، ومتوسط نصيب الطالب من الإنفاق بالجنيه.
المصدر: إعداد الباحثة اعتمادا على بيانات الجهاز المرکزي للتعبئة العامة والاحصاء، النشرة السنويه، أعداد مختلفة، بيانات من مرکز البحوث الاستراتيجية وزارة التعليم العالى.
تعانى الجامعات الحکومية فى مصر من إرتفاع نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس، خاصة إذا قارنا بينها وبين نفس النسبة فى دول أخرى مثل متوسط دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA، والدول ذات الدخل المتوسط الأدنىLMI، ودول OECD ، کما هو موضح فى شکل (4).
شکل(4) نسبة طلاب التعليم العالي إلى أعضاء هيئة التدريس فى مصر وبعض دول العالم
المصدر: منتدى البحوث الاقتصاديه ERF
و من جدول (1) يتضح أنه رغم زيادة الطلب على التعليم العالي العام، وتزايد حجم الانفاق العام على التعليم العالي کأرقام مطلقة حتى سنة 2012/2013- السابق الاشارة اليها- إلا أن الإنفاق العام على التعليم العالي کنسبه سواء من الناتج المحلي الإجمالي أو الإنفاق العام أو الإنفاق على التعليم کانت أخذة فى التناقص خلال الفترة الزمنية محل الدراسة.
جدول(1) تطور الإنفاق الحکومي على التعليم العالي کنسبه من إجمالي الإنفاق العام، الإنفاق على التعليم، الناتج المحلي الإجمالي
السنه |
نسبة الإنفاق الحکومي على التعليم العالي إلى إجمالي الإنفاق العام |
نسبة الإنفاق الحکومي على التعليم العالي إلى إجمالي الإنفاق على التعليم |
نسبة الإنفاق على التعليم إلى الناتج المحلي الإجمالي |
2001/2002 |
5.3% |
33.1% |
1.8% |
2003/2004 |
5.3% |
31.3% |
1.6% |
2005/2006 |
3.1% |
25.4% |
1.1% |
2007/2008 |
3.2% |
26.85% |
1% |
2009/2010 |
3% |
24.6% |
0.9% |
2011/2012 |
2.3% |
21.4% |
0.72% |
2014/2015 |
2.1% |
20.3% |
0.67% |
المصدر: الجهاز المرکزي للتعبئه العامة والاحصاء أعداد مختلفة.
و من الدلائل أيضا على عدم کفاية الإنفاق العام على التعليم العالي فى مصر، إنه رغم مجانية التعليم المعلنة إلا أن الأسر المصرية تنفق جزء ليس بالقليل من ميزانيتها على بند الدروس الخصوصية[27] ، کما هو موضح فى شکل (5)، لمعالجة عدم کفاية الإنفاق الحکومي على التعليم العالي، وللحصول على خدمات تعليمية أفضل تؤهلهم لفرص عمل أفضل[28].
و فى محاوله لعلاج مشکلة عدم الکفايه تم السماح بالتوسع فى إنشاء جامعات خاصة وأقسام بلغات أجنبية -بمصاريف خاصة- داخل المؤسسسات العامة. إلا أن هذه التجربة يشوبها أنها ستؤدى إلى عدم عدالة التعليم العالي فى مصر کما ستوضح الدراسة فى الجزء التالى.
شکل (5) نسبة الإنفاق السنوى للأسر المصرية على بنود التعليم
المصدر: الجهاز المرکزي للتعبئة العامة والاحصاء، بحث الدخل والإنفاق والاستهلاک،2011.
ب) تحليل مدى کفاءة الإنفاق العام على التعليم العالي فى مصر
المقصود بالکفاءة الوصول لنقطة لا يمکن بعدها إنتاج خريج مؤهل بتکلفة أقل أو خريج أکثر تأهيلا دون زيادة التکاليف. ويتم التفرقة عادةً بين الکفاءة الداخلية، والکفاءة الخارجية[29].
بالنسبة للمؤشر الاول فوفقاً للبيانات الرسمية لعام 2014/2015 حوالي 82% من الطلاب المقيدون فى التعليم الجامعي فى مصر مقيدون فى کليات نظرية (علوم إجتماعية وإنسانية) ، بينما 18% فقط مقيدون فى کليات عملية(علوم أساسية، زراعة، طب، هندسة). کما أن 48% من جملة المقيدون فى التعليم الجامعي فى مصر متخصصون فى مجال العلوم الاجتماعية (تجاره، حقوق) وهى مجالات ليست مطلوبة بکثرة فى سوق العمل المصري[32].
المؤشر الثاني[33](معدل العائد الخاص على التعليم العالي)[34] فى مصر هناک علاقة إيجابية بين عوائد التعليم ومستوى التعليم، فالبيانات تشير إلى أن معدل العائد الخاص على التعليم الجامعي فى مصر تساوى 8 وهو معدل أکبر من معدل العائد للحاصلين على تعليم ثانوي فقط وهو 7، ولکنه يعتبر أقل من معدل العائد على التعليم للذين يعرفون القراءة والکتابة فقط [35]11.8. ولکن المشکلة تظهر عند مقارنة معدل العائد الخاص على التعليم العالي بين مصر ودول أخرى کما هو موضح فى جدول (2).
جدول (2) معدل العائد الخاص على التعليم العالي فى مصر وبعض الدول.
الدولة |
مصر |
المغرب |
الأردن |
الأرجنتين |
معدل العائد |
8 |
9 |
9 |
16 |
تقرير التنمية البشريه، البنک الدولي، 2010.
المؤشر الثالث للکفاءة الخارجية هى معدلات البطالة بين خريجي التعليم العالي فى مصر، فنجد أن أقل معدلات للبطالة بين الحاصلين على تعليم أقل من ثانوي، ثم يليهم الحاصلين على تعليم جامعي، وأخيراً أعلى معدلات البطالة بين الحاصلين على تعليم ثانوي، فيشکل خريجوا التعليم العالي 35.5% من العاطلين عن العمل فى مصر. وهذا دليل على عدم کفاءة التعليم العالي وعدم توافق مهارات الخريجين مع متطلبات سوق العمل وبالتالى زيادة تعرضهم للبطالة.
المؤشر الأخير والأخطر للکفاءة الخارجية للتعليم العالي فى مصر هو ما کشف عنه مؤشر جودة التعليم العالمى الوارد فى تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي لعام 2015- 2016، حيث إحتلت مصر المرتبة ال139 وهو المرکز قبل الأخير فى محور جودة التعليم الأساسي الابتدائى والمرکز ال111 فى جودة التعليم العالي والتدريب، وهى مرتبة متأخرة تعکس عدم کفاءة التعليم العالي فى مصر.
و فى محاولة من مصر لإصلاح جودة وکفاءة التعليم العالي تم تأسيس الهيئة القومية لجودة التعليم والاعتماد سنة 2001، کذلک أسسست الحکومة المصرية بالتعاون مع البنک الدولي مشروع تعزيز التعليم العالي(Higher education enhancement project). ومع بداية سنة 2005 نفذت مصر عدد من البرامج التعليمية المنصوص عليها بالخطة الاستراتيجية من خلال مشروعات يدعمها البنک الدولي بقروض ميسرة، وقد شملت الخطة 25 مشروعاً منها ستة مشروعات ذات أولوية هى مشروعات تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس، مشروع تطوير کليات التربية، مشروع تطوير تکنولوجيا المعلومات، مشروع تطوير الکليات التکنولوجية، مشروع توکيد الجودة والاعتماد، صندوق خدمة مشروعات تطوير التعليم العالي[36] .
ورغم تلک الجهود لم يتحقق شىء ملموس إلى الأن والدليل على ذلک ما ورد فى تقرير التنافسية العالميه من تأخر ترتيب مصر إلى المرتبة ال111 عالميا من حيث جودة التعليم العالي والتدريب.
ج) تحليل مدى عدالة الإنفاق العام على التعليم العالي العام فى مصر
يقصد بالعدالة فى السياق الحالي ضمان إتاحة فرص متکافئة للجميع للحصول على خدمات تعليمية جيدة المستوى دون أى شکل من أشکال التمييز سواء على أساس النوع أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو المنطقة أو أى أساس أخر، نجد أن التحليل والرصد الدقيق لمنظومة التعليم العالي خلال السنوات الماضية إنما يؤکد على أن هدف العدالة وإن تحقق بصورة شکلية بتوافر مجانية التعليم، إلا أنه ما زال يبدو هدفاً بعيد المنال من الناحية الفعلية. وفيما يلى عدد من الدلائل والمؤشرات التى تدعم هذا الرأى.[37]
ومن أهم تلک المؤشرات معدلات الالتحاق بين الشرائح الدخلية، معدل الالتحاق حسب المنطقه الجغرافيه، معدلات الالتحاق حسب النوع.
شکل(7) معدلات الالتحاق بالتعليم العالي حسب الشرائح الدخلية.
المصدر: منى البرادعى، مجلس السکان الدولي، 2013.
وفى محاولة من الدولة لعلاج مشکلة إنخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم لمحدودي الدخل، طورت من برامج المساعدات الدراسية السابقة مثل معاش الطفل وأضافت برنامج دعم نقدي مشروط للفقراء الذين لديهم أبناء فى مراحل التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي بشرط إستمرار ابنائهم فى التعليم وهو برنامج (تکافل) ولم يشمل ذلک الدعم الأبناء فى مرحلة التعليم الجامعي رغم أن معدلات التحاق الفقراء بالتعليم الأساسي والاعدادي 25%، 14% على التوالى وهى معدلات أفضل من معدلات التحاقهم بالتعليم الجامعي 6.1%.
السبب الثاني هو عدم کفاية الإنفاق العام على التعليم العالي السابق الاشارة إليها والتى أدت إلى تحمل الأسر بجزء[38] ليس بقليل من نفقات التعليم الجامعي رغم المجانية المزعومة کما وضحه شکل(5) السابق، لذلک تقل فرص إلتحاق الفقراء بالتعليم العالي رغم مجانيتة لعدم قدرة أسرهم على تحمل تلک النفقات. وحل هذه المشکلة يحتاج إلى دعم نقدي مباشر لهؤلاء الطلاب ليس شرط أن يکون فى صورة منح لا ترد وانما يمکن أن تأخذ شکل قروض صغيرة ميسرة.
يوضح الشکل (8) أن هناک تحيز جغرافي فى الإنفاق على التعليم العالي لصالح المناطق الحضرية (الأغنى) والعاصمة على حساب المناطق الريفية والحدودية (الأفقر) أى إن التعليم لا يحقق النمو الاحتوائي بتضمين المهمشين والمستبعدين من عملية النمو مکانياً. والمؤشر على ذلک معدلات الالتحاق بالجامعات بين فئات الشباب (18: 23). فنسبة إلتحاق الشباب لتلک الفئة العمرية بالتعليم العالي لم تتعدى 28% على مستوى الجمهورية، ولکن ترتفع إلى 70% فى القاهرة، 57% فى بورسعيد، 47% فى الاسکندرية. وتنخفض إلى 10% فى کلاً من الفيوم، البحيرة، المنيا، الأقصر[39].
شکل(8) معدلات التحاق الشباب بالتعليم العالي العام حسب المنطقة الجغرافية
المصدر: الجهاز المرکزي للتعبئة العامة والاحصاء، بحث الدخل والإنفاق والاستهلاک 2014.
ظاهرة تأنيث الفقر ظاهرة معروفة إقتصادياً، کذلک ارتفاع معدلات الأمية بين الإناث مقارنة بالذکور. ورغم ذلک کان .
جدول (3) معدلات الالتحاق بالتعليم العالي بين الاناث والذکور
|
1994 |
1995 |
1996 |
1997 |
1999 |
2005 |
2010 |
2015 |
معدلات الإلتحاق بين الإناث |
14 |
16 |
18 |
20 |
20 |
22 |
25 |
27 |
معدلات الالتحاق بين الذکور |
22 |
24 |
27 |
30 |
30 |
33 |
35 |
36 |
المصدر: وزارة التعليم العالي، مرکز البحوث والدراسات.
هناک تزايد مستمر خلال ال25 سنة السابقة فى معدلات إلتحاق الإناث بالتعليم العالي کما هو موضح فى جدول(3). فرغم إنکماش معدلات التفاوت بشکل عام على مستوى الجمهورية ولکن لا يزال التفاوت الکبير قائماً فى مناطق ريف الوجه القبلى وبين الفقراء، إذ تنخفض معدلات إلتحاق الإناث بالتعليم العالي عن معدلات إلتحاق الذکور، ويرجع هذا بشکل کبير إلى قيود الدخل.[40]
و کملخص لتوضيح مدى عدالة التعليم العالي العام فى مصر، قام د/ راجى أسعد سنة 2010 بعمل نموذج محاکاة لمعرفة تأثير عدد من المتغيرات على فرص الإلتحاق بالتعليم العالي. وذلک لفئتين أساسيتين هما الفرد الأوفر حظاً(ينتمى للخميس الأغنى، ويعيش فى محافظة حضرية ووالديه من خريجي الجامعات)، أما الفرد الأکثر حرماناً فيکون (من الخميس الأدنى للثروة، يعيش فى مناطق ريفية بالوجه القبلى وکلا والديه أميين). وکانت النتائج لافتة للنظر، فقد قدرت إحتمالية الشاب الأوفر حظاً فى مواصلة التعليم العالي بحوالى 97% مقارنة ب 9% للشاب الأکثر حرماناً.[41]
و فى نهاية هذا الجزء التحليلي للدراسة للتعرف على مدى عدالة وکفاءة وکفاية الإنفاق العام على التعليم العالي فى مصر لتحقيق النمو الاحتوائي، ثبت أن هذه الطريقه فى التمويل القائمة على المجانية قد أدت إلى حالة شديدة من عدم العدالة، عدم التکافؤ وعدم الکفاءة معاً. لذلک يجب البحث عن إستراتيجيات بديلة تستهدف الفقراء والمهمشين مباشرة للحصول على تعليم عالي کفء لإحتوائهم فى عملية النمو.
ثالثاً: إستراتيجيات بديلة لتمويل التعليم العالي فى مصر لتحقيق النمو الاحتوائي
تتفق الدراسة مع المنهج التوافقى القائم على تشارک التکاليف فهى لا تدعم إلغاء المجانية فى الوقت الحالي وإنما ترشيد الإنفاق الحکومي وإتباع مبدأ تشارک التکاليف مع القادرين، وذلک لإن إلغاء المجانية فى الوقت الحالي قد يؤدى إلى توترات سياسية وإجتماعية، وکذلک تدخل الدولة فى قطاع التعليم العالي مهم لضمان التوازن الاجتماعي، عدالة فرص الإلتحاق والمساواه الاجتماعية، لذلک فالزيادة کفاءة وعدالة وکفاية تمويل التعليم العالي فى مصر يمکن اقتراح إستراتيجيتين:
- تنويع مصادر التمويل، مع ترشيد الإنفاق العام على التعليم العالي -لعلاج مشکلتي الکفاءة والکفايه- من خلال إعطاء فرصة أکبر للجامعات الخاصة، وإتباع مبدأ تقاسم التکاليف مع القادرين فى الجامعات الحکومية.
- استهداف مباشر للطلاب محدودي الدخل بقروض صغيرة ميسرة (لعلاج مشکلة العدالة).
و تلک الاستراتيجيات هى إستراتيجيات مکملة لبعضها البعض وليست بدائل. فما يتم توفيره من أموال من تطبيق الاستراتيجيه الأولى يستخدم فى تمويل الإستراتيجية الثانية.
تنويع مصادر التمويل، مع ترشيد الإنفاق العام على التعليم العالي (لعلاج مشکلتى الکفاءة والکفايه)
ترشيد الإنفاق الحکومي على التعليم العالي: من خلال ترشيد عدد الإداريين غير الأکاديمين، تحويل معظم الموارد الجارية نحو تحسين قدرات أعضاء هيئة التدريس وربط المرتبات بالأداء، ربط التمويل الحکومي للجامعات بعدد الطلاب الملتحقين وإحتياجات کل کلية وکفاءة الأداء، تقليل التحکم المالى من قبل الدولة وترک مسئولية حوکمة التمويل للجامعات نفسها لتحسين جودتها وتحقيق کفاءتها العامة.
تنويع مصادر تمويل التعليم العالي: وذلک من خلال إعطاء فرصة أکبر للجامعات الخاصة فى المشارکة فى التعليم العالي، وإتباع مبدأ تقاسم التکاليف فى الجامعات الحکومية مع الطلاب ذوى الدخول المرتفعة.
إعطاء فرصة أکبر للجامعات الخاصه: حتى سنة 1996 لم يکن مسموح للجامعات الخاصة بالتواجد فى مصر فيما عدا الجامعة الأمريکية التى أسست منذ سنة 1919. وبداية من 1996 بدأ دور الجامعات الخاصة فى التعليم العالي فى التزايد، وزاد عددها من 5 جامعات فقط سنة 2001 إلى 19 جامعة فى 2016. ووضعت الدولة التشريعات الملائمة لزيادة الإستثمار فى التعليم الخاص. وتتمتع مؤسسات التعليم العالي الخاص بإعفاء ضريبي.[42] ورغم ذلک لم يتعدى إجمالي الطلاب الملتحقين بالتعليم العالي الخاص حوالي 4% من إجمالي عدد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي المصري کما هو موضح فى شکل (9). ويرجع ذلک إلى وجود فرصة التعليم العالي المجانى فى الجامعات الحکومية.
لذلک فالجامعات الخاصة يجب أن يزداد عددها ويزداد معدل إلتحاق الطلاب القادرين بها ليقل التکدس فى الجامعات الحکومية ويقل الطلب على التعليم العالي العام.
و رغم أهمية تواجد التعليم العالي الخاص لحل مشکلة الکفاية والکفاءة، إلا أنها تؤدى إلى تفاقم مشکلة العدالة ، بسبب حرمان الطبقات محدودة الدخل من إمکانية الإلتحاق بها -لتزيد قدرتها التنافسية فى سوق العمل- لعدم وجود قدرة على الإقتراض أو وجود منح دراسية، ومزاحمة الأغنياء لهم فى الجامعات العامة، مما تسبب فى إنخفاض کفاءة الجامعات العامة بالمؤشرات السابق الإشارة اليها. لذلک لا ننصح أن تتخلى الدولة عن دورها فى الجامعات العامة نهائياً وتترک مصير ومستقبل التعليم العالي فى مصر فى يد القطاع الخاص الذى عادة ما يبحث عن الربح وليس الصالح العام [43] والذى تحکمه قوى السوق.
شکل(9) معدلات الالتحاق بالتعليم العالي حسب نوع التعليم العالي.
المصدر: منى البرادعى، مجلس السکان الدولي،2013.
لذلک لا تقترح الدراسة إلغاء مجانية التعليم العالى کما أشارت دراسات سابقة، لأن ذلک قد يحدث العديد من المشاکل مثل:
- زيادة الإحتجاجات الجماهيرية سياسياً وإجتماعياً.
- ترک التعليم العالي فى يد قوى السوق قد يحدث فروق کبيرة فى فرص الإلتحاق، بناءً على المستوى الاجتماعي والإقتصادي.
- أن تدخل الحکومة فى قطاع التعليم العالي مهمة لضمان التوازن الاجتماعي، عدالة فرص الإلتحاق والمساواة الإجتماعية، خاصة لغير القادرين على الإلتحاق بالتعليم الخاص.
فمن المهم أن يکون تواجد التعليم العالي الخاص فى مصر جنباً إلى جنب مع تعليم عالي حکومي کفء يدعم محدودي الدخل والمتفوقين ويتقاسم التکاليف مع القادرين باتباع المنهج التوافقى المشار اليه مسبقاً.
و من کل طرق تقاسم التکاليف السابق الإشارة اليها، المطبق منها حاليا فى مصر هى کلاً من:
-إضافة مسارات خاصة بمصروفات فى الجامعات العامة، بجانب التعليم الجامعي المجاني، مثل برامج دراسية بلغات أجنبية، کما فى کلية حقوق، التجارة، والإعلام، إقتصاد ، وبرامج الساعات المعتمدة التى تم إستحداثها فى عدد من الکليات. مع العلم أن تلک البرامج لا تحمل الطالب سوى 33% من المصاريف والباقى تتحملة الدولة لتطبيق مبدأ تقاسم التکاليف.
-برامج الإنتساب (للحاصلين على مجموع منخفض عن مجموع التنسيق لکلية معينه) وهم يمثلون 23% من إجمالي طلاب التعليم العالي الحکومي.
و فى محاولة لحساب الموارد التى يمکن توفيرها من ترشيد مجانية التعليم العالي فى مصر بتطبيق مبدأ تشارک التکاليف ولکن بمفهومه الأوسع بحيث يتحمل کل القادرين مصروفات التعليم العالي، ويتحمل الفقراء جزء قليل منها، قام د/أشرف العربى بوضع تصور مبدئي مقترح للموارد المالية التى يمکن توفيرها فى حالة تطبيق مبدأ تشارک تکاليف التعليم العالي فى مصر مع القادرين- على أن تتفاوت نسبة المشارکة وأسلوب التمويل حسب درجة التميز الدراسي والقدرة المالية والتخصص الدقيق الذى ينتمى إليه الطالب. وذلک من خلال وضع سيناريوهان، يوضح السيناريو الأول حالة تحمل الدولة تکلفة أفقر 50% فقط من الطلاب مما کان سيوفر فى حالة تطبيقه موارد مالية للدولة تصل الى 4.2 مليار جنيه سنة 2008/2009 ترتفع لتصل الى 7.8 مليار جنية فى 2016/2017، أما السيناريو الثاني فکانت ستکتفى الدولة بتحمل تکلفة أفقر 20% فقط من الطلاب وهذا سيؤدى إلى توفير أکثر للموارد العامة المخصصه للتعليم العالي بحوالي 6.2 مليار جنية فى العام 2008/2009 تصل تدريجياً إلى 11.7 مليار جنية فى 2016/2017. وقد تم حساب هذه الموارد الموفرة على أساس أن متوسط تکلفة الطالب تبلغ 5.391 جنيه فى سنة 2008/2009 ويتم زيادتها 5% فقط سنويا خلال الفترة حتى سنة 2017[44]، لذلک ففى دراستنا إذا أردنا أن نستفيد من هذة التقديرات للموارد التى يمکن توفيرها من اتباع تلک الاستراتيجية سنة 2016/2017 فيجب وضع معدلات التضخم الجديدة فى الاعتبار، فيمکن تعديل الموارد الموفره وفقا لهذه السيناريوهات بمعدلات التضخم الجديده لسنة 2016/ 2017 والتى وصلت الى 34%[45]، فتصبح الموارد التى کان من الممکن توفيرها باستخدام السيناريو الأول سنة 2016/2017 ما يقرب من 10.4 مليار جنيه، أما تطبيق السيناريو الثانى کان قد سيوفر للدوله فى حالة تطبيقه حوالى 15.21 مليار جنيه.
رابعأً:مقترح برنامج قروض صغيرة ميسرة لطلاب التعليم العالي محدودي الدخل لتحقيق النمو الاحتوائي
إستراتيجيات البحث عن مصادر متنوعة لتمويل التعليم العالي فى مصر- السابق الإشارة اليها- بجانب ترشيد المجانيه سوف تحل کلاً من مشکلتي الکفاية والکفاءة وتوفر مزيد من الموارد لموازنة الدولة، ولکن فى نفس الوقت هذه الإستراتيجية قد تهدد وتفاقم من مشکلة العدالة وعدم المساواة ولا يتحقق النمو الاحتوائي المطلوب لتحقيق التنمية المستدامة فى مصر، لذلک فحل المشکلة يکون بإحداث توازن بين أجزاء المعادلة الثلاثة کفاءة، عدالة، کفاية، وهذا سيحتاج إلى إستراتيجية مکملة للإستراتيجية السابقة تستفيد مما سيتم توفيرة من موارد لتحقيق العدالة. وذلک بأن تستهدف الدولة المهمشين والمستبعدين من الإلتحاق بالتعليم العالي سواء( إقتصادياً، أو جغرافياً، أو حسب النوع) بشکل مباشر بقروض صغيرة، طويلة الأجل ، ميسرة، بسعر فائدة بسيط.أ
1- أهمية الإستهداف المباشر لمحدودي الدخل بدعم جانب الطلب بدلاً من جانب العرض فى التعليم العالي
هى طريقة فى ترشيد الدعم الحکومي بالإستهداف المباشر لمحدودي الدخل، وهو ما أخذته الحکومة المصرية على عاتقها فى التنفيذ خلال الفترة الحالية، لترشيد النفقات الموجهة للدعم فى معظم المجالات، بدءاً من البطاقات التموينية ومنظومة الخبز، وکروت البنزين الذکية، والدعم النقدى المشروط(برنامج تکافل)، وغير المشروط(برنامج کرامة). فبدلاً من سياسة الاستهداف الواسع للفقراء بتوفير مجانية التعليم العالي لکل الأفراد – والتى تبين إنها تفيد الأغنياء أکثر من الفقراء- يجب على الدولة أن تستهدف الفقراء مباشرة بإتباع أساليب الإستهداف الضيق[46]، بالتحول من تمويل ودعم جانب العرض (الجامعات) إلى تمويل ودعم جانب الطلب (الطلاب)، سواء بالمنح الدراسية أو القروض الميسرة أو کلاهما معاً. والذى ثبت أنه الأفضل فى التجارب الدولية السابقة.
و هذه الإستراتيجية فى دعم جانب الطلب ستحقق الکفاية، الکفاءة، العدالة فى نفس الوقت. الکفاية لإنها ستوفر الکثير من الموارد المالية التى کانت موجهة لطبقات لا تستحق الدعم. وهذه الموارد الموفرة بالإضافة إلى تنافس مجتلف المؤسسات التعليمية لجذب الطلاب الحاصلين على الدعم المباشر بتقديم أفضل المناهج والبرامج التعليمية، ستؤدى إلى زيادة الکفاءة. والعدالة ستتحقق بتمکين الغير قادرين على تحمل نفقات التعليم العالي من الإلتحاق بمؤسسات أصبحت أفضل وأکفء وليست أقل مما يحصل علية الأغنياء من تعليم فى جامعات خاصة أو مسارات خاصة داخل الجامعات العامة.
و رغم أهمية نظام المنح الدراسية کوسيلة لدعم جانب الطلب للتعليم العالي، إلا أن العديد من الدول المتقدمة مثل کندا وهولندا وبريطانيا والنمسا وبعض الدول الأسيوية وإلى حد کبير الولايات المتحدة الأمريکية، أصبحت تلجأ بشکل متزايد إلى تقديم القروض بدلاً من المنح، على إعتبار أن هذه القروض أکثر کفاءة من الناحية الإقتصادية من حيث تغطية التکلفة. وفقاً لهذا النظام تقدم الجهات المقرضة قروضاً ميسرة للطلاب عند إلتحاقهم بمؤسسات التعليم العالي. على أن يتم سداد هذا القرض بعد التخرج من الجامعة والحصول على فرصة عمل مناسبة وذلک بأسعار فائدة ميسرة تقل عن نظيرتها المفروضة من قبل البنوک التجارية[47] ولکن معظم الدراسات أکدت أن الدمج بين کلاً من المنح الدراسية والقروض الميسرة أفضل طريقة للإستهداف المباشر للطلاب الفقراء وتحقيق النمو الاحتوائي.
2- أهداف ومبادىء وأنواع قروض طلاب التعليم العالي:
أهداف قروض طلاب التعليم العالي:هناک هدفان أساسيان يأمل أى برنامج لإقراض الطلاب فى تحقيقهما معاً:
- الهدف الأول إتاحة الأموال للطلاب غير القادرين لتمکنهم من الإلتحاق بالتعليم العالي لتحقيق العدالة والمساواة وزيادة فرص الإلتحاق.
- الهدف الثاني إسترجاع جزء مما تم إنفاقه من أموال على التعليم العالي لزيادة الإيرادات وتحقيق مبدأ مشارکة التکاليف وهذا لتحقيق الکفاية والکفاءة.
و نجد أن هذين الهدفين متعارضان من حيث متطلباتهم، فالهدف الأول يتطلب 1)أن تتاح فرصة الإقتراض للطلاب المؤهلين والراغبين فى الإلتحاق بالتعليم العالي بغض النظر عن جدارتهم الإئتمانية بإمتلاک الأصول 2) فترة سداد طويلة 3) دعم کبير لمواجة إحتمالات عدم السداد. أما الهدف الثاني فيتطلب 1) وضع قواعد حاسمة ورقابة فعالة ليقلل معدلات عدم السداد. 2) التأکد من وجود جدارة إئتمانية للطالب المقترض مما يمنع الفقراء من فرصتهم فى الحصول على القرض. لذلک فعملية تمويل قروض طلاب التعليم العالي عملية معقدة وصعبة فى تصميمها ووضع سياساتها. وإعلاء أياً من هذين الهدفين على الأخر سيعتمد على نوع القرض المقدم والفئة الدخلية الموجة إليها. وقد توصلت الأدبيات الاقتصادية مثل (Johnstone 2006, Usher 2005, Ziderman and Albrecht 1995 and Ziderman 2007) إلى أن نجاح برامج قروض الطلاب فى تحقيق الهدفين يتطلب الإلتزام بالمبادىء التالية:
مبادىء برامج قروض طلاب التعليم العالي: 1) الإتاحة: لکل الطلاب المستحقين والمؤهلين والراغبين فى الإلتحاق بالتعليم العالي. 2) الکفاية: أن يکون حجم القرض کافى ليغطى کل نفقات الطالب خلال مرحلة الدراسة بما يؤهله للإهتمام بالدراسة. 3) الإحتياج: بإستخدام طرق إستهداف مباشر لتحديد من هم أحق بالاستفادة وإستبعاد القادرين. 4) التدرج فى الدعم لأسعار الفائدة فيکون أقل سعر فائدة للأکثر إحتياجاً ثم بعد ذلک يرتفع سعر الفائدة مع زيادة مستويات دخل الأسر. 5) التأکد من وجود نظام مصرفى قوى للإشراک التدريجى للبنوک التجارية فى تقديم تلک القروض لتحل محل الدولة بالتدريج ومن الأفضل أن يکون هناک بنک للطلاب. 6) وجود قواعد بيانات دقيقة للتعرف على المستوى الاجتماعي للطلاب. 7) توفير ضمانات کافية من قبل الطلاب المقتدرين إقتصادياَ، ومن قبل الدولة من صندوق يتم تخصيصه لذلک لمواجهة مخاطر عدم السداد فى حالة البطالة.[48]
أنواع قروض طلاب التعليم العالي: تختلف طبيعة القروض الممنوحة من دولة لأخرى ومن برنامج لأخر. کما تختلف شروط السداد من حيث فترة السداد وحجم الأقساط، بالإضافة إلى إختلاف أسعار الفائدة، والجهة المانحة للقرض والضامنة له، وهو ما يؤثر على مدى جاذبيتها للطلاب.
و فى دراستنا سنفرق بين نوعين من القروض:
1) قروض للطلاب فى حالة إلغاء مجانية التعليم وفرض رسوم دراسية تمثل التکلفة الفعلية للإلتحاق بالمؤسسة التعليمية.(إحدى سياسات تقاسم التکاليف)
2) قروض صغيرة (Micro finance) للطلاب محدودي الدخل -سواء فى حالة إستمرار المجانية أو ترشيدها بعمل نظام المنح الدراسية للمتفوقين والفقراء- لمساعدة الطلاب محدودي الدخل فى تحمل النفقات التعليمية من (ملبس، مواصلات، أدوات مکتبية، ملازم دراسية، دورات تدريبية لتحسين المهارات فى اللغة والکمبيوتر، وغيرها). ويختلف هذان النوعان من حيث :
- الأهداف المشار اليها سابقا: فيرکز النوع الأول على تحقيق الهدف الثاني وهو تفعيل فکرة مشارکة التکاليف لزيادة الإيرادات. فى حين يرکز النوع الثاني على تحقيق الهدف الأول بمتطلباته لتمکين الفقراء والمهمشين والمستبعدين من الإلتحاق بالتعليم العالي.
- المستوى الاقتصادي للطلاب المقترضين: النوع الأول متاح لکل طلاب التعليم العالي الذين تنطبق عليهم شروط الاقتراض، أما النوع الثاني فيتاح فقط للطلاب الفقراء المستهدفين من قبل الدولة.
- من حيث حجم القرض: النوع الأول قروض متوسطة القيمة لتغطي المصاريف الدراسية وباقي المصروفات التعليمية، أما النوع الثاني فقروض صغيرة لتغطية المصاريف التعليمية المشار إليها مسبقاً.
- الجهة المانحة للقرض: النوع الأول قد تکون الدولة أو البنوک التجارية أو شرکات الأعمال، أو بنک للطلاب إن وجد. أما النوع الثاني فابالأساس تکون الدولة لزيادة مخاطر عدم السداد وعدم إقبال القطاع الخاص عليه لإنخفاض الجدارة الإئتمانية للمقترضين.
- عبء القرض من حيث فترة السداد، حجم الأقساط، فترة السماح وسعر الفائدة: فى النوع الثاني تکون ميسرة جداً، أما النوع الأول فتکون على حسب الخصائص الإقتصادية للطالب المقترض.
- الضمانات: فى النوع الأول قد تکون دخل ولى الأمر أو أصول عينية تملکها الأسرة أو الدولة للطلاب الفقراء، أما النوع الثاني فلا يوجد ضمانات لإسترداد القروض سوى المتابعة الدقيقة من قبل الدولة للمقترضين فى التأکد من حصولهم على عمل بعد التخرج.
3- تجارب دولية سابقة:
من أهم وأشهر تجارب برامج قروض طلاب التعليم العالي هى تجربة کلاً من شيلي، ماليزيا، جنوب أفريقيا، المکسيک، بنجلاديش، الولايات المتحدة، کندا، اليابان، أستراليا، کوريا الجنوبية. وفى إطار تفرقتنا بين نوعي القروض السابق الأشارة اليهم، بالنسبه للنوع الأول من القروض نذکر تجربة کلاً من شيلى، المکسيک، جنوب أفريقيا، ماليزيا. أما النوع الثاني فهى تجربة بنجلاديش.
تجربة شيلى: تطبقشيلينظامالقروضالطلابيةلتمويلالتعليمالعاليبضمانالدخل. وتکونالأولويةفيالحصولعلىهذهالقروضأولاًللأسرذاتالدخلالمنخفض،ثمبناءًعلىعددالطلابفيالأسر، وکذلکبناءًعلىمکانالإقامةللأسرة ومدىبعدهاأوقربهامنالمؤسسةالتعليميةالتييلتحقبهاالطالب. وتمتحديدسعرالفائدةعلىالقرضب1%منقيمتهعلىأنيبدأالسدادبعدالانتهاءمنالدراسة،أوبعدسنتينمنالانقطاععنها. وتکونمدةالسدادمابين10سنوات و15سنة.لاتقدمهذهالقروضللطلابفيالجامعاتالخاصة، والمعاهدالمهنية ومراکزالتدريبالتقني،فيحينتقتصرفقطعلىطلبةالجامعاتالحکومي. وبحلولعام 1987 انتقلتمسؤوليةإدارةالقروضالطلابية إلىالجامعاتذاتهاعلىاختلافأنواعها،بعدأنکانتتدارمرکزياًمنقبلوزارةالتعليمالعاليفيشيلي، وذلکنظراًلعدمکفاءةالإدارةالمرکزيةللقروض وارتفاعمعدلاتعدمالسداد والتيتقدربنحو40%. وقدتنبّهتشيليلهذهالمشکلاتفأدخلتبعضالتعديلاتعلىالنظامبحيثتضعشروطاً أکثرمرونةلسدادالقروض وزيادةفترةالسداد وتحديدالحدالأقصىللقسطالذييدفعهکلطالب وفقالدخله،کماتمإعفاءالفقراءمنالسدادمنخلالتحمّلصندوقالمنحالدراسيةلأقساطالقروضبدلاًمنهم.
تجربة المکسيک: فيالمکسيک،يعتمدنظامالقروضالطلابيةعلىمؤسستينهما: مؤسسة"المجتمعمنأجلتطويرالتعليمالعالي"( SOFES)، ومؤسسةالقروضالطلابية ( ICEES). والمؤسسةالأولىهيمؤسسةتابعةللقطاعالخاصتموَّلمنخلالقرضبالتعاونمعالبنک الدولي. وتواجههذهالمؤسسةعدةتحدياتعلىصعيدالتمويل،قدتعوقهاعنالاستمرارفيتأديةوظائفها. حيثتحتاجهذهالمؤسسة إلىتمويلدائم ومستمر– دونالاقتصارعلىقرضالبنکالدولي- کيتستطيعتقديمالقروض إلىالطلاب. وبالتاليفمنالمتوقعأنتلجأ إلىالاعتمادعلىالتمويلالخاص،إلاإنالاستثمارفيهذاالمجاليتسمبارتفاعالمخاطر وذلککنتيجةلطولفترةالسداد والتيقدتصل إلى13سنة(4سنواتمصروفاتبجانبعامواحدللسماحوثمانيةلإعادةالدفع(،إضافة إلىاختلالاتسعرالفائدةوارتفاعمعدلاتالتضخم،وهيالعواملالتيتؤدى إلىإحجامالمستثمرينعنالدخولفيهذاالمجال. أماالمؤسسةالثانية ICEES فهيمؤسسةتابعةللقطاعالعاموتعتمدفيتمويلهاعلىالموازنةالعامة. وتعانيهذهالمؤسسةمنعدمالکفاءةالإداريةوصعوبةتحصيلأقساطالقروضمنالطلاب،وبالتاليارتفاعتکلفةإدارةهذاالنظاممنالقروض[49]
تجربة جنوب أفريقيا: وفيجنوبأفريقيا،تقومهيئة National Student Financial Aid Scheme بتقديمقروضللطلبةالقادرينعلمياًوغيرقادرينمادياً،بضماندخلالطالب. ويحصلالطلابعلىهذهالقروضبناءعلىحجمالأسرة،ومدىبعدالمسکنعنالمؤسسةالتعليمية،بالإضافة إلىمستوىالدخلالسنويللأسرةوالذييشترطأنيقلعنمايعادل13ألفدولارأمريکي. ويبدأسدادالقرضعندمايتمتعيينالخريجفيعملدائمومستمرولايقلدخلهالسنويعن6345دولارأمريکي،وتتراوحقيمةالقسطبين3% و8%منالراتب. Ishengoma, 2002)) وتتباينفتراتالسدادتبعاًللظروفالخاصةبکلحالة. ويمکنأنيحصلالطالبعلىإعفاءنسبةمنقيمةالقرضفيحالاتمحددة،حيثيتمخصم40٪منقيمةالقرضالخاصبالطلابالناجحينفيکلالمقرراتبالسنةالنهائية،بينمايتمخصم20٪منالقرضبالنسبةللطلابالناجحينفينصفالمقرراتبالسنةالنهائيةلتشجيعالطلابعلىإنهاءدراستهمبتفوق. إلاأنهنظراًلانخفاضحجمالتمويلالمتاحلهذهالهيئة،فإنعددالطلبةالمستفيدينمنالقروضالتيتمنحهامازالمحدوداًللغايةولايتجاوزبأيحالمنالأحوال20٪منالراغبينفيالحصولعلىهذهالقروض.
تجربة ماليزيا:قامتالحکومة الماليزية بإصدارقانونبإنشاءالصندوقالقوميللتعليمالعالي National Higher Education Fund Corporation (NHEFC) سنة 1997،وتمتعديلهسنة 2000ووفقاًلهذاالقانون،تم إنشاءالصندوقکمؤسسةشبهمستقلةتحتإشرافوزارةالتعليمالعالي، وذلکبهدفتقديمقروضدراسيةمدعمةلطلبةمرحلةالتعليمالعاليوالجامعيللالتحاقبالمؤسساتالتعليميةالخاصة،علىأنيتماستردادهابعدتخرجالطالبوعقبحصولهعلىعمل. وفيمابعدتمتعميمهذهالقروضللطلبةالراغبينبالالتحاقبالجامعاتالحکومية،إضافة إلىمايحصلونعليهمندعم. ويتمتمويلالصندوقمنقبلوزارةالماليةبالإضافة إلىإمکانيةحصولهعلىقروضمنالبنوکسواءالعامةأوالخاصة. وکماتشيرالبياناتفقدبلغتقيمةهذهالقروضمايعادلحوالي 4 ملياردولارأمريکي،تمتخصيصهالنحو800 ألفطالبخلالالفترة1997وحتى2005،منهم635ألفطالبتقريباًفيالجامعاتالعامة، و165ألففيالجامعاتالخاصة. ومنأهمالعيوبالتييعانيمنهاهذاالصندوقعدموجودمعاييرمحددةللمستفيدينمنالقروضالتييقدمهاالصندوقوفقاًلإمکانياتهمالمادية. کماأنهناکتحيزللدراساتالجامعيةعنغيرهامنأنواعالتعليمالعاليکالدبلوماتوغيرها. بالإضافة إلىعدموجودتوازنبيننصيبکلمنالجامعاتالعامةوالخاصةمنالقروض،والأهممنهذاأنهليسهناکأسلوبدقيقلمراجعةسدادالقروض،حيثتشيرالبيانات إلىأننسبةالقروضالتيتماسترجاعهاتقدّربحوالي25% فقطمنإجماليالقروض.[50]
تجربة بنجلاديش: لإن الاعتماد على الفرص المجانيه للتعليم التى تقدمها الدولة فى بنجلاديش، او الاعتماد على المنح المموله من الوقف، او المنظمات الغير حکوميه، لمواصلة الطلاب تعليمهم الجامعي، غير کافيه خاصة اذا کنا نتحدث عن مجتمع معظم سکانه فقراء.[51] لذلک فمن أهم البرامج والتي تعمل منذ عام 1983- فى بنجلاديش هو برنامج قروض التعليم العالي HELP)) والذى يعمل على مساعدة الطلاب القرويين الفقراء والمتفوقين على مواصلة تعليمهم العالي (الجامعي والدراسات العليا) من خلال برنامج للقروض، وبلغ حجم القرض الذى حصل عليه هؤلاء الطلاب الفقراء المقترضون 400 دولار للطالب سنويا- اى يندرج تحت فئة القروض متناهية الصغر- وتم تحديد قيمته بناء على تقدير البنک للنفقات التى يتحملها الطالب طوال السنه الدراسية. وتغطى قيمة القرض کل تکاليف التعليم الجامعي - فى الجامعات العامة الحکومية وليس الخاصة ولا الدولية- من رسوم دراسية، رسوم الدورات، المواصلات، السکن، ومأکل وملبس منذ بدابة الدراسة وحتى الحصول على المؤهل. وتتراوح المده المحددة للتخرج من جامعات بنجلاديش العامة من ثلاثة إلى خمسة سنوات. ويحصل الطالب على القرض سنويا طالما حقق نتائج دراسية جيدة سنويا ويتوقف القرض فى حالة الرسوب. وسعر الفائدة بنک جرامين يحسب 12% على القرض وهو السعر الرسمى للاقتراض من البنک، ولکن مؤسسة جرامين کالينGK تتحمل کامل الفؤائد 12% المحسوبة على القرض طوال الفترة الدراسية للطالب، ثم يتحمل الطالب 5% سعر فائدة على القرض بدايةً من سنة تخرجه. وتتحمل المؤسسة GK ال7% الباقيه حتى انتهاء سداد القرض وهى فوائد بسيطة وليست مرکبة. ويتوقع بنک جرامين ان يکون الطالب قادر على بداية تسديد القرض بعد سنه من حصوله على المؤهل الدراسى ولمدة خمس سنوات بفائدة بسيطة ومتناقصة 5% سنويا لسداد کامل قيمة القرض. ومن أهم معوقات التجربه، ارتفاع معدلات التخلف عن السداد ، المصاريف المؤسسسية المرتفعة المتمثلة فى دعم الفائدة قبل السداد، ايضا صعوبة فکرة اثقال کاهل الفقراء بسنوات من الديون. ولکن کان هناک دراسة سابقة للبنک الدولي اکدت أن معدلات عدم السداد لمثل هذه القروض قد تنخفض إذا تولتها مؤسسة خاصة - لديها القدرة على جمع المدفوعات- وليس الدولة. لذلک فقد يمثل بنک جرامين هذه المؤسسة. انتشار البطالة بين خريجي الجامعات فى بنجلاديش يهدد التجربة بالفشل ويزيد من احتمالات عدم السداد وهذا هو اخطر واهم عائق يواجه التجربة[52].
4- هل يمکن تنفيذ برنامج لإقراض طلاب التعليم العالي فى مصر؟
مقترح إنشاء برنامج لإقراض طلاب التعليم العالي محدودي الدخل فى مصر يمکن أن يستخدم کسياسة لضمان تحقيق المساواة فى إتاحة فرص التعليم العالي ليتحقق النمو الاحتوائي. وقد قامت IFC(International finance cooperation) سنة 1998 بإعداد دراسة للتعرف على جدوى إعطاء قروض للطلاب فى مرحلة ما بعد التعليم الثانوى فى مصر، وتوصلت إلى عدم جدوى قيام برنامج قروض لطلاب التعليم ما بعد الثانوي للأسباب التالية (1)محدودية السوق (فى ظل مجانية التعليم الحالية) (2) عدم تطوير سوق الإئتمان فى مصر (3) ثقافة عدم الإرتياح لفکرة الإقتراض والإستدانة عند المصريين. (4) قصور أو قلة عدد المؤسسات الإئتمانية الاستهلاکية.
ولکن بالنظر إلى معظم الأسباب السابقة نجد أن معظمها قد تغير بمرور الوقت منذ 1998 إلى الأن کالتالى:
- فالسبب الأول الخاص بمحدودية السوق بسبب المجانية: فلو تم ترشيد المجانية کما أشارت الدراسة سابقاً بإتباع أسلوب المنح الدراسية للمستحقين من المتفوقين ومحدودى الدخل فقط فسيکون هناک طلب کافى على تلک القروض.
- أما الأسباب الثانى،الثالث والرابع : فالمؤسسات التمويلية تطورت أکثر بمرور الوقت بوجود البنوک الأجنبية، وإدخال منتجات مالية إستهلاکية جديدة فى السوق مثل قروض السيارات والقروض الشخصية والرهون العقارية وغيرها، کذلک مبادرة البنک المرکزى المصرى بتطبيق مفهوم الشمول المالى والذى يعنى "تمکين کل فرد او مؤسسة في المجتمع من ايجاد منتجات مالية مناسبة لاحتياجاته، من حسابات توفير، حسابات جارية، خدمات الدفع والتحويل، التأمين،التمويل والائتمان، وغيرها من المنتجات والخدمات المالية المختلفة." وبالفعل اتخذت مصر خطوات واضحة نحو تفعيل سياسة الشمول المالى وذلک بأن إنضمت الى التحالف الدولى للشمول المالى منذ سنة 2014، ونظمت المؤتمر الدولى التاسع له بشرم الشيخ فى سبتمبر2017 ، وکذلک أصدر البنک المرکزى قرار يلزم فيه البنوک برفع نسبة القروض الصغيرة ومتناهية الصغر بها لتصل الى 20% من محفظة القروض بشکل تدريجى، بفائده لا تزيد عن 5% يدعمها البنک المرکزى وخصص لذلک مبلغ 20 مليار جنيه[53]، والهدف من ذلک تمکين محدودى الدخل، المرأه والشباب من الحصول على ما يلزمهم من خدمات بنکية، وخاصة القروض الصغيرة، ولتشجيع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى القطاع غير الرسمى للإنضمام الى القطاع الرسمى، مما سيجعل طلاب التعليم العالى ممن سينطبق عليهم مفهوم الشمول المالى وذلک على إعتبار ان تمويل التعليم العالى لفئة الشباب من أهم المشاريع التى تستثمر فى العنصر البشرى وتحتاج الى توفير قروض صغيره ميسرة.
وهذا بالنسبة للقروض الطلابية بشکل عام، أما فکرة قروض صغيرة لطلاب التعليم العالي محدودي الدخل فمن الممکن أن نستفيد من تجارب الدول السابق الإشارة اليها – خاصةً تجربة بنجلاديش کدولة فقيرة - فى تصميم برنامج لإقراض طلاب التعليم العالي محدودي الدخل کالتالي:
مصادر التمويل: (1) عمل صندوق خاص لمنح قروض لطلاب التعليم العالي محدودي الدخل من موازنة الدولة من خلال ما سيتم توفيره من موازنة التعليم العالي بإتباع مبدأ ترشيد المجانية وتقاسم التکاليف السابق الإشارة اليه أو(2)البنوک التجارية (لمتوسطي الدخل الراغبين فى الحصول على قروض تمکنهم من إلحاق أبنائهم بمسارات التعليم الخاصة باللغات الأجنبية أو برامج الانتساب) وفقا لمبادرة الشمول المالى للبنک المرکزى.
حجم القرض ومدته: للطلاب محدودي الدخل يمکن الإسترشاد بتجربة بنک جرامين بإعطاء ما يوازى 400 دولار سنوياً لمدة أربع أو خمس أو سبع سنوات - حسب البرنامج الدراسي للطالب- .
لمن يعطى القرض: للطلاب ذوى الدخل المحدود وتکون الألية للتعرف على ذلک (1) الاسترشاد بقواعد البيانات الخاصة ببرنامج تکافل للدعم النقدى الممنوح لطلاب ما قبل التعليم العالي (2) أو إستمارة بحث إجتماعى للطالب بالإستعانة ببعض المؤشرات مثل أن يکون الطالب حاصل على تعليم إعدادى وثانوى عام وليس خاص، المنطقة السکنية للطالب، عدد أفراد الأسرة، متوسط دخل الأسره...........وغيرها.
من يکون الضامن: الحکومة بشکل اساسي من خلال صندوق مخصص لذلک.
شروط إستمرار الحصول على القرض: سيحصل الطالب على القرض سنوياً طالما حقق نتائج دراسية جيدة ويتوقف القرض فى حالة الرسوب.
عملية سداد القرض: فى البداية يعطى الخريج فترة سماح ثلاثة سنوات کحد أقصى بعد التخرج – فترة التجنيد للرجال- ثم يبدأ بعدها فى سداد الأقساط. ويبدأ حساب الفوائد مع الإستعانة بتجربة جنوب أفريقيا بعمل خصومات على حسب التفوق الدراسى. ويمکن أن يبدأ السداد قبل ذلک إذا حصل على عمل والمؤشر على ذلک التأمين على الموظف.
نوع القرض: يفضل أن يکون (Income contingent loan) قروض فرق الدخل کما فى تجربة شيلى ، فتکون قيمة القسط وعدد الأقساط معتمدة على معدل الدخل الذى سيحصل علية الطالب بعد التخرج، وفى هذة الحالة إما يدفع المبلغ بأقساط ثابتة لا تتعدى 5% کما فى شيلى، أو أقساط تصاعدية أو کضريبة ثابتة على الدخل کما فى أستراليا، ولکن هذا النوع من القروض يحتاج إلى تسجيل دقيق وقواعد بيانات کفء وشاملة للمتابعة الجيدة للخريج المقترض ودخله.
ما قد يواجه التجربة من معوقات وحلول مبدئية:
- إرتفاع معدلات عدم السداد ، لإرتفاع معدلات البطالة الحالية بين خريجي التعليم العالي، والتى قد تتغير إذا تم الأخذ بالإستراتيجيات السابقة لزيادة کفاءة التعليم العالي لتخريج خريج متوافق مع سوق العمل.
- الحاجه إلى عدد کبير من الموظفين لمتابعة القروض وتوظف الخريجين ودخولهم ، والحل أن يستخدم جزء من الجهاز الإدارى المترهل والبطالة المقنعة المتواجده داخل الجامعات.
- ضرورة وجود قواعد بيانات دقيقة لم تکتمل حتى الأن لربط کل الوزارات والهيئات والمؤسسات فى الدولة. والحل أن يتم الاعتماد مبدئياً على قواعد بيانات برنامج تکافل لمعرفة الاسر الأکثر إحتياجاً.
- عدم قدرة بنوک القطاع العام فى المتابعة الدقيقة لتلک القروض لإنها ليست مهمتها الوحيدة لذلک يکون الحل فى إنشاءبنک للطلاب فى مصر کما حدث فى العديد من الدول.
خامساً: خاتمة الدراسة :
ليسهم التعليم العالي فى تحقيق النمو الاحتوائي والتنمية المستدامة فى أى دولة، يجب أن يستند على طريقة للتمويل تحقق الکفاية، الکفاءة والعدالة. وبالنسبة لطريقة تمويل التعليم العالي الحالية فى مصر القائمة على المجانية -المدعومة
من موازنة الدولة- فوجد أنها لا تحقق الکفاية ولا الکفاءة ولا العدالة.
لذلک حاولت الدراسة وضع استراتيجيات بديلة لصانع القرار لتمويل التعليم العالي ليصبح أکثر کفاءة وکفاية وعدالة ليضمن إستدامة عملية التنمية وإحتوائها لکل المهمشين والمستبعدين، وذلک من خلال استراتيجيتين مکملتين لبعضهم البعض، الاستراتيجية الأولى تنويع مصادر التمويل، مع ترشيد الإنفاق العام على التعليم العالي، من خلال إعطاء فرصة أکبر للجامعات الخاصة، وإتباع مبدأ تقاسم التکاليف. وتلک الاستراتيجية ستؤدى إلى توفير جزء کبير من موازنة الدولة المخصصة للانفاق على التعليم العالي- لتحل بذلک مشکلتى الکفاية والکفاءة- من خلال ترشيد مجانية التعليم العالي لغير المستحقين بأن تتاح أمامهم فرصة أکبر فى التعليم العالي الخاص بزيادة عدد الجامعات الخاصة، أو بقائهم فى الجامعات الحکومية مع مشارکتهم التکاليف من خلال مسارات خاصة . وأن تظل المجانية الکاملة للفقراء والمتفوقين فقط. والاستراتيجية الثانية وهى استراتيجية مکملة للاستراتيجية الاولى تقوم على استخدام ما تم توفيره من أموال ناتجة عن ترشيد المجانية فى تقديم برنامج دعم مباشر للطلاب محدودى الدخل بمنحهم قروض صغيرة ميسرة تمکنهم من تغطية نفقاتهم خلال سنوات الدراسة، ويتم تصميم ذلک البرنامج بالاستفادة من تجارب الدول السابقة فى برامج إقراض طلاب التعليم العالي مثل تجربة شيلى، ماليزيا، المکسيک، جنوب أفريقيا، بنجلاديش. بأن تکون قروض صغيرة لا تتعدى ال400 دولار سنوياً، تکون قروض بشروط ميسرة وفترة سماح کافية للبحث والعثور عل عمل، تقدم لغير القادرين فقط من خلال الاستفادة من قواعد بيانات برنامج الدعم النقدى المشروط تکافل، أن تکون الدولة هى الضامن لتلک القروض من خلال إنشاءصندوق مخصص لدعم تلک القروض يتبع الدولة، محاولة إنشاء بنک للطلبة، محاولة رفع معدلات السداد من خلال المتابعة الجيدة للخريجين والقروض وذلک بالاستفادة من العدد الکبير من الموظفين الاداريين الموجودين بالجامعات.
لذلک توصى الدراسة بتنفيذ الاستراتيجيتين لإحداث بعض التغيرات فى نظام التمويل الحالي للتعليم الجامعي ولکن مع مراعاة التالي: أن اى محاولة لترشيد المجانية بتقاسم التکاليف يجب أن تتم بشکل تدريجي، أن تتحمل الدولة التکلفة الکاملة للطلبة غير القادرين، أن يتم توفير منح دراسية مجانية للطلاب المتفوقين، يتحمل الطالب الراسب مصاريفه الدراسية کاملة، أن تتناسب الرسوم الدراسية الجديدة لتنفيذ مبدأ تقاسم التکاليف مع التکلفة الفعلية لتعليم جيد المستوى ومؤهل لسوق العمل التنافسي وأن تتفاوت الرسوم الدراسية حسب التخصص لتعطي الافضلية للکليات والمعاهد العملية وفى التخصصات التى يحتاجها سوق العمل.