التنظيمات الإرهابية الجهادية تحولات البنية التنظيمية وقدرة الدولة على المواجهة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والإدارة، جامعة مصر للعلوم والتکنولوجيا، مصر

المستخلص

کان صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" دلالة على بدء حقبة جديدة من الإرهاب الجهادي أو ما يمکن أن نطلق عليه "التنظيمات الهجينة"، التي تجمع بين صفات المليشيات العسکرية المنظمة والتنظيمات الإرهابية، ولها هدف معلن متمثل في إقامة نوع من "الخلافة" وفقا لمفهومهم، واستراتيجية منظمة للبقاء والتمدد والنمو عسکريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، مما تطلب تغييراً في بنيتها وأساليبها لتحقيق أهدافها؛ فداعش أعلنت عن هدف محدد بعينه بعيد المدى؛ هو إقامة "دولة خلافة إسلامية"، تستند إلى اجتهادات شرعية غاية في التطرف، ما جعله أکثر من مجرد تنظيم إرهابي، على الرغم من أصوله المرتبطة بکونه فرعًا من تنظيم القاعدة في العراق، وقد هُيئت له البيئة ليتحول إلى ما هو عليه الآن.
 

نقاط رئيسية

کان صعود تنظیم الدولة الإسلامیة فی العراق والشام "داعش" دلالة على بدء حقبة جدیدة من الإرهاب الجهادی أو ما یمکن أن نطلق علیه "التنظیمات الهجینة"، التی تجمع بین صفات الملیشیات العسکریة المنظمة والتنظیمات الإرهابیة، ولها هدف معلن متمثل فی إقامة نوع من "الخلافة" وفقا لمفهومهم، واستراتیجیة منظمة للبقاء والتمدد والنمو عسکریا وسیاسیا واجتماعیا واقتصادیا، مما تطلب تغییراً فی بنیتها وأسالیبها لتحقیق أهدافها؛ فداعش أعلنت عن هدف محدد بعینه بعید المدى؛ هو إقامة "دولة خلافة إسلامیة"، تستند إلى اجتهادات شرعیة غایة فی التطرف، ما جعله أکثر من مجرد تنظیم إرهابی، على الرغم من أصوله المرتبطة بکونه فرعًا من تنظیم القاعدة فی العراق، وقد هُیئت له البیئة لیتحول إلى ما هو علیه الآن.

التنظیمات الإرهابیة الجهادیة -البنیة التنظیمیة- وقدرة الدولة على المواجهة

الكلمات الرئيسية


التنظیمات الإرهابیة الجهادیة

تحولات البنیة التنظیمیة وقدرة الدولة على المواجهة

 

 

 

 

مقدمة:

    کان صعود تنظیم الدولة الإسلامیة فی العراق والشام "داعش" دلالة على بدء حقبة جدیدة من الإرهاب الجهادی أو ما یمکن أن نطلق علیه "التنظیمات الهجینة"، التی تجمع بین صفات الملیشیات العسکریة المنظمة والتنظیمات الإرهابیة[1]، ولها هدف معلن متمثل فی إقامة نوع من "الخلافة" وفقا لمفهومهم، واستراتیجیة منظمة للبقاء والتمدد والنمو عسکریا وسیاسیا واجتماعیا واقتصادیا، مما تطلب تغییراً فی بنیتها وأسالیبها لتحقیق أهدافها؛ فداعش أعلنت عن هدف محدد بعینه بعید المدى؛ هو إقامة "دولة خلافة إسلامیة"، تستند إلى اجتهادات شرعیة غایة فی التطرف، ما جعله أکثر من مجرد تنظیم إرهابی، على الرغم من أصوله المرتبطة بکونه فرعًا من تنظیم القاعدة فی العراق[2]، وقد هُیئت له البیئة لیتحول إلى ما هو علیه الآن. لذلک ینظر إلى الإرهاب على نحو تقلیدی على أنه شکل من أشکال الصراع الداخلی غیر المتکافئ. ومع ظهور داعش وروافدها على الساحة وجب تغییر هذه النظرة، أو على الأقل إعادة النظر فیها. ففی الواقع، هناک صراع من أجل البقاء، ففی دول مثل: سوریا والعراق أضحى الأمر أکثر خطورة من مجرد مواجهة جماعات متطرفة لها مطالب سیاسیة واجتماعیة بل تحول الأمر إلى حرب من أجل حمایة أمن مواطنین فی بلدانهم المهددة بالفناء. فهی حرب على جبهتین وبطرق مختلفة من الصعب إدارتها لأنها تستلزم تحقیق الاستخدام الأمثل للموارد البشریة والمادیة. ففی البیئة الحالیة، ومع التهدید الإرهابی غیر التقلیدی، یصبح من المهم القیام بمجهود تعاونی أکبر بین أجهزة الدولة لفهم التکتیکات الإرهابیة والتقنیات والإجراءات التی تستحدثها هذه الکیانات ووضعها محل دراسة من قبل أکثر من جهة متخصصة، وعدم الاعتماد فقط على الاستخبارات التی تقوم بها الأجهزة الأمنیة المختلفة والمؤسسات الأمنیة والدفاعیة. فی هذا السیاق، سوف یتم دراسة التغیرات التی طرأت على العمل التنظیمی الإرهابی وبنیته الهیکلیة والأسالیب المحتملة للتعلم والإعداد لفهم المؤشرات التی یمکن أن تخدم أجهزة الدولة المختلفة للتعامل مع التطور الذی طرأ على هذه الجماعات الإرهابیة ووضع التدابیر اللازمة سابقًا.

فالتکیف مع البیئة المحیطة من متطلبات البقاء على قید الحیاة، وهو جوهر عملیات التطویر، لذلک تعتمد أیة مجموعة إرهابیة على التکیف، لیس فقط لزیادة فعالیتها وکفاءتها، بل من أجل البقاء على قید الحیاة وزیادة أهمیة دورها؛ ویتطلب هذا التکیف، فی المقابل، تطویر أسالیب التدریب واکتساب المهارات من ناحیة، ومن ناحیة الأخرى تغییر البیئة نفسها لکی تساعد على الوصول بهذه الجماعات إلى ما هی علیه، وهنا تمثل الانقسامات الطائفیة العمیقة، واستمرار الصراع فی سوریا، وتجمد القضیة الفلسطینیة، والغضب الذی یعتری الطائفة السنیة فی العراق جراء التغیرات التی حدثت بعد غزو العراق، عوامل مساعدة على تهیئة البیئة للجماعات الجهادیة المتطرفة على الصعید الإقلیمی والذی قد یُستغل من قبل ذوی المصالح فی تأجیج الصراعات فی المنطقة لتحقیق غایاتهم وإضعاف دول المنطقة العربیة.

أهمیة الدراسة ومنهجیة البحث:

ترجع أهمیة هذه الدراسة إلى تعقد ظاهرة الإرهاب وتنظیماته فی الوقت الراهن، والتحدیات التی یفرضها والتی تجعل من الضروری اتباع أدوات بحث وتحلیل تساعد على اتخاذ القراراتالفعالة لمواجهة هذا الخطر الذی یهدد المنطقة العربیة بل العالم أجمع بشکل لم یسبق له مثیل. من هذا المنطلق، یحاول هذا البحث إلى فَهم أسباب التغیر الذی طرأ على هذه التنظیمات الإرهابیة، من حیث الهیکل التنظیمی وأسالیب التدریب والأهداف من الأعمال المنفذة. فلم تعد هذه الجماعات الإرهابیة الجهادیة مجرد مجموعات من الأفراد لها قیادة محددة یمکن القضاء علیها بل أضحت عبارة عن تنظیمات إرهابیة معقدة من حیث البنیة الهیکلیة، وأکثر انتشارًا ولدیها مرونة فی التحرک وقدرة على اکتساب المهارات اللازمة لتنفیذ اغراضها، کما لم یعد من ضمن أهدافها، فقط، زعزعة نظام الحکم أو الحصول على حصة أکبر فیه، بل تطور الأمر إلى احتلال الأراضی ومحاولة إقامة دولة على أنقاض دول قائمة. لذلک زادت أهمیة دراسة هذا التحول الذی جد على هذه الجماعات لدرجة تکوین کیان مُصدر للإرهاب لکل إرجاء العالم تدعمه دول ذات مصالح إقلیمیة ودولیة وله قدرة على ابتکار أسالیب جدیدة لتنفیذ أعماله الإرهابیة.

لذلک، یعتمد هذا البحث على عرض بعض الدراسات التی نعتقد فی أهمیتها، والتی أعدت من قبل واحد من أهم المراکز البحثیة ومن خلال متخصصین فی مجال مکافحة الإرهاب، وهو مرکز الدراسات الاستراتیجیة بمدرید والذی یسعى من خلالها إلى تقدیم المساعدة من أجل مواجهة فعالة وجادة للقضاء على هذا الخطر العالمی. هذه الدراسات هی عبارة عن تقاریر فنیة معدة من قبل متخصصین یبدون من خلالها الرأی فی الموضوعات محل الدراسة، وهی تختلف بطبیعة الحال عن التقاریر الأمنیة أو دراسات تقدیر الموقف التی تعتمد على معلومات محددة صاغها من قبل متخصصین أیضًا لمساعدة متخذ القرار على التصرف وفقًا لما تشیر له هذه التقاریر من توصیات.

یرکز هذا البحث فی عرضه على محورین: الأول متعلق بتحلیل التغیر فی بنیة المنظمات الإرهابیة، وتقنیة اکتساب المهارات، وآلیات وأسالیب التدریب الحدیثة وإعداد الکوادر فی المنظمات الإرهابیة وفقًا للأهداف الجدیدة لهذه الجماعات وکذلک طرق تمویلها المعروفة أو المحتملة والمصادر الخارجیة والداخلیة التی تعتمد علیها فی التعلیم والتدریب والإعداد، وأسالیب التعاون فیما بین هذه التنظیمات بغرض اکتساب المعرفة التقنیة والتکنولوجیا اللازمة. أما الثانی فیتعلق بالقیود الداخلیة والخارجیة لقدرة الدولة فی مکافحة هذه الظاهرة العالمیة والنماذج المقترحة للدفاع عن نفسها وعن وجودها فی ظل عولمة الظاهرة الإرهابیة والمخاطر المتوقعة من استمرار الإرهاب.

أولاً: التغیر فی البنیة التنظیمیة للجماعات الإرهابیة الجهادیة:

تعتمد الجماعات الإرهابیة على نمطین أساسیین لبناء الهیکل التنظیمی: التنظیم الهرمی والتنظیم الشبکی (Networking Organization). کما یمکن الدمج بین النمطین إذا لزم الأمر، ویتسم الهیکل الهرمی بالتسلسل العمودی فی القیادة، والسیطرة مع وضوح أسلوب الإدارة؛ فالأوامر والتعلیمات تتدفق من أعلى إلى أسفل، ولا تتحرک بالضرورة أفقیًا عبر المنظمة. لذلک فهذه المنظمات لدیها قیادة واحدة أو إدارة علیا تمتلک رؤیة واضحة لما تسعى ویمکن التفاوض معها أو القضاء علیها إذا کان هذا ممکنًا[3].

وتتخذ هذه الجماعات العنف وسیلة لتحقیق أغراضها السیاسیة، وهی فی الغالب مرتبطة بمنظمات سیاسیة أو لها مطالب ونشاط سیاسی، وتتبنی البنیة الهرمیة فی إنشاء هیکلها التنظیمی، وهذا النمط یساعد قیادتها فی السیطرة على العنف وتوظیفه للعمل السیاسی، وخلق مساحة من المناورة للتنسیق لاتفاقات محتملة، ووقف العنف فی حالة الوصول لاتفاق یحقق اهدافها، أو ربما فرض قیود على أعمال العنف من الممکن أن تعوق تحقیق أهداف سیاسیة معینة. وهذا هو الحال فی منظمة ایتا (ETA – Euskadi Ta Askatasuna) فی إسبانیا أو الجیش الجمهوری الأیرلندی فی إیرلندا على سبیل المثال.

  • ·    تخلی الجماعات الإرهابیة عن البنیة الهرمیة.

لکن سرعان ما أدرکت المنظمات الإرهابیة فی الشرق الأوسط أن هذا الهیکل التنظیمی لا یتماشى مع التطور فی مسرح العملیات، وأصبح أکثر عرضة للاختراق والتدمیر من قبل السلطات والأجهزة الأمنیة. حیث تمکنت أجهزة المخابرات، ومع التطور التکنولوجی الهائل، من اختراق وسائل الاتصالات بسهولة وإجراء تحلیل لروابط الإنترنت، وتمکنت من الحصول على خریطة کاملة للهیکل التنظیمی السری لأیة منظمة، مما مکنها من التخطیط بکفاءة لعملیات الاعتقال والتخلص من القادة والرؤساء ومعاونیهم، أو تتبع بعضهم وتجنیده للعمل من داخل المنظمة، وتعاون مع السلطات فی مقابل مبلغ من المال أو الوعد بحیاة أخرى آمنة له ولعائلته. وثمة خیار آخر وهو الترقب وانتظار ظهور انقسامات فی التنظیم ودعم جانب على حساب آخر وخلق صراع مؤسسی داخلی یفضی فی نهایة الأمر إلى القضاء على المنظمة نفسها.

إضافة إلى ذلک، فوجود إدارة مرکزیة أو تعلیمات دقیقة تصدر من جهة واحدة لم تعد تصلح ولم تعد لها أهمیة مع التقدم التکنولوجی، ومع تغیّر هدف هذه الجماعات الذی تبلور فی إقامة دولة الخلافة الإسلامیة التی لا سبیل لها إلى أن ترى النور سوى عن طریق حیازة الأموال، والموارد، والقوة العسکریة، فهی لم تعد تتمحور حول ایدولوجیا أو أهداف سیاسیة واضحة، لأن إقامة دولة الخلافة فی الشرق الأوسط هو مجرد البدایة لتعدیل خریطة هذه المنطقة ولیس الهدف الرئیسی. لذلک بدأت تعمل فی خلایا منفصلة، ​​هذه الخلایا المستقلة کان أمامها تحدٍ صعبٌ متمثل فی التواصل مع بعضها بعضًا، والتخطیط لهجمات متزامنة دون التعرض لخطر الاکتشاف من قبل الأجهزة الأمنیة والقوات المسلحة. لکنها استطاعت فی المقابل وبکل سهولة ومرونة التغلب على هذه المصاعب عن طریق شبکة من الخلایا تحت القیادات مترابطة مع المنظمة الأم، وشکلت تحدیًا لا یستهان به لنظام الدولة القومیة والشرطة والجیوش الوطنیة التی کان علیها أن تطور من أدائها لمواجهة هذه التغیرات.

  • § أسلوب "الذئاب المنفردة" کتکتیک تنظیمی جدید.

لقد شاهد العالم ما فعلته هذه الخلایا من أعمال خطیرة وقفت کل الأجهزة الأمنیة والاستخباراتیة ومراکز الدراسات الاستراتیجیة عاجزة عن التنبؤ بما یمکن لهذه الخلایا فعله ومتى وأین وکیف. وقد اعتمدت، فی وقت لاحق، وسیلة أخرى غیر متوقعة، وهی طریقة جدیدة ومبتکرة أطلق علیها الباحثون فی الشؤون الأمنیة ظاهرة "الذئاب المنفردة"، وهم أفراد مدربة من الصعب تحدید وقیاس نوایاهم یشکلون خطرًا کبیرًا، ولکن وقدرتهم على العمل محدودة تنحسر فی بعض الهجمات المتتابعة التی لها تأثیر کبیر إعلامیا کأحداث فرنسا مثلاً[4].

وتعتبر هذه الظاهرة من أحدث النظریات الأمنیة فی التعامل مع ملف الارهاب الدولی، وتتحدث باختصار عن وجود جماعات صغیرة العدد أو حتى أفراد یعتنقون الأفکار الجهادیة ویرتبطون ایدیولوجیا بتنظیمات متشددة على غرار القاعدة أو تنظیم الدولة الإسلامیة، ویقومون بالتخطیط لعملیات إرهابیة بصورة مستقلة ووفقًا لمقتضیات الواقع والبیئة التی یعملون فیها. وقد جاء ظهور هذه الذئاب المنفردة، وزاد خطرها، بعد مقتل زعیم القاعدة أسامة بن لادن، والذی أدی لتغیر قواعد اللعبة، مما دفع عددا ممن ینتمون للقاعدة إلى العودة إلى أوطانهم وزعزعة الاستقرار فیها، خاصة مع تغیر الوضع الجیوسیاسی، هذا بالإضافة الی تصاعد الهجمات الأمریکیة على معاقل القاعدة وطالبان فی باکستان وافغانستان، مما دفع أعضاء التنظیم للهروب الی دولهم مرة أخری وتکوین خلایا نائمة وتنفیذ عملیات إرهابیة بصورة منفردة مستغلین إمکانات بسیطة، لإحداث ضجة اعلامیة، وتحقیق أهداف تخدم التنظیم بصورة أکبر[5].

  • §      مرحلة الجهاد المفتوح وأثرها فی البیئة التنظیمیة.

وتشکل هذه الظاهرة الجدیدة جزءا من استراتیجیة الجماعات الإرهابیة فی مرحلة "الجهاد المفتوح المصدر" والتی تلت شن الولایات المتحدة "الحرب على الإرهاب" التی أدت إلى تشتت خلایا هذه المنظمة حول العالم، ولم تقض بأیة حال من الأحوال علیها، واحتاجت المنظمة لبدیل بعد أن تعقبتها الضربات الأمریکیة فی مراکز عملیاتها التقلیدیة فی أفغانستان وباکستان والیمن، وعندها ظهر مخطط جدید لتغییر البنیة الهیکلیة لهذه الجماعات یتلخص فی أن کل مسلم "یجب أن یمثل جیشا من رجل واحد". من هنا فالخبراء یقولون إن هذا هو الصراع الجدید الذی یواجه قوى الأمن حول العالم، فالمشکلة لیست فی خلایا الإرهاب التقلیدیة، والتی یتوقع عادة أن تکتشف من خلال طرق الاستخبارات التقلیدیة، بل فی الأشخاص الذین یعملون بأنفسهم بعد أن یصبحوا متشددین من خلال متابعة الخطب والمنشورات على الإنترنت, فکل المنفذین لیس لهم أی سجل أمنی، وکلهم من طبقات متعلمة میسورة، وینتمون للجیل الثالث من القاعدة، أی أن مظهرهم لا یدل على تدین أو تطرف؛ فهم لا یرتادون المساجد، بل تعلموا فی الغرب، وبعضهم ولد فیه، والأهم من کل ذلک أنهم یجیدون استخدام تقنیات متقدمة. من ثَمَّ، فإن الإرهابیین لم یعد لدیهم الحاجة للتواصل مباشرة مع قیادة المنظمة التی ینتمون إلیها، أو استخدام الهاتف المحمول الخاص به أو البرید الإلکترونی لمعرفة بالضبط ما یتعین علیهم القیام به ومتى وتحت أی ظرف من الظروف. ویکفی أن یتم الاتفاق سابقًا مع المتلقی على نوع من الإشارات الدالة على نوعیة العملیة ومکانها، وهذا ما أسمته الأجهزة الاستخباراتیة تقنیة SCA  (الإشارة، الحالة، الفعل – Signal, Condition, Action)[6].

  • §             تنظیم القاعدة: نموذجًا للتغیّر فی البنیة التنظیمیة.

یعتبر تنظیم القاعدة مثالا نموذجیًا على التطور من التنظیم الهرمی لتنظیم الشبکة مع شبکات أخرى متعددة ومتضامنة ذات طبیعة غامضة، التی تعمل من خلال التخطیط والعمل على نشر الرعب وإحداث نوع من الأضرار التی تحدث صدى إعلامیًا کبیرًا وفی الوقت نفسه تتحرک فی شکل مجموعات صغیرة یصعب على القوات النظامیة تتبعها والتعامل معها قبل ارتکاب هجومها المخطط. لقد تحول تنظیم القاعدة فی واقع الأمر من النموذج المرکزی الهرمی فی تسعینیات القرن الماضی، الذی کان مرکزه فی السودان فی بدایة الأمر ثم بعد ذلک فی أفغانستان، إلى نموذج شبکی یعطی حق امتیاز (Franchise) (العلامة التجاریة الإرهابیة)، وهو متحصن فی باکستان، للجماعات الجهادیة المحلیة فی مختلف المناطق[7].

  • § ملامح استراتیجیة داعش.

نستطیع من خلال ما سبق أن نحدد ملامح استراتیجیة داعش کاستراتیجیة تخریبیة فی المقام الأول بالمقارنة مع أیة جماعة إرهابیة أخرى، بما فی ذلک تنظیم القاعدة. فهی تسعى من خلال بنیتها الجدیدة لتدمیر المنطقة وبناء واقع جدید یحقق مصالح دولیة وإقلیمیة فی المقام الأول، فالمزج بین الاستحواذ على الأراضی وإعادة التوزیع السکانی على أساس طائفی سوف یجعلها من أخطر عوامل التهدید للاستقرار فی المنطقة والعالم من خلال استخدام الأعمال الإرهابیة[8]، وفیما یتعلق بالتمویل، فقد تم الاستیلاء على أموال البنوک فی الموصل (تقدر قیمتها بین 800 إلى 1000 ملیون دولار)[9]، وکذلک النفط، على الرغم من أنهم لا یستطیعون بیعه فی السوق الحرة، إلا أنهم تمکنوا من القیام بذلک من خلال شبکة معقدة فی السوق السوداء کانت موجودة نتیجة للحظر الذی فرضته الولایات المتحدة أثناء حکم صدام حسین. لقد تم تهیئة البیئة لتسهیل ظهور وانتشار هذه الجماعات الإرهابیة، وإذا أضیف التحالف الذی نشأ مع جماعات متضامنة مثل بوکو حرام التی مدتها بالذئاب المنفردة التی أعدت للهجوم على أهداف فی جمیع أنحاء أوروبا إنما یعکس سیناریو غایة فی الخطورة والتعقید یصعب قیاسه أو معرفة حجم تأثیره إذا لم یتم القضاء علیه فی إطار تعاونی مؤسسی مشترک، کما یشیر الجنرال بایستروس المدیر العام لمرکز الدراسات الاستراتیجیة لوزارة الدفاع الإسبانیة[10].

وهنا یجب الأخذ فی الاعتبار عامل آخر مهم عند محاولة فهم التغیر فی الهیکل التنظیمی للجماعات الإرهابیة والتغییرات التی حدثت فی قیادتها، سواء کان هذا التغیر ناتجًا عن إحلال جیل محل آخر أو من جراء العملیات الأمنیة التی تؤدی إلى القبض على عناصر هذه الجماعات أو القضاء على قادتها، فقد أدى هذا إلى إعادة ترتیب الأولویات بالنسبة إلى هذه الجماعات کما ألزمهم بالقیام بتعدیلات کبیرة فی هیکلها التنظیمی وجعله أکثر مرونة بخلق قیادات متعددة تقود مجموعات صغیرة مرتبطة بهدف واحد، ولکنها تعمل بشکل منفصل، وکذلک مراجعة توزیع مختلف الموارد والوسائل المتاحة للاستمرار فی أعمالها الإرهابیة. ومن المهم أیضا تسلیط الضوء على دور عملیات الاندماج أو التفکک داخل هذه المنظمات؛ فقد أدى هذا إلى مزید من المرونة والقدرة على المناورة والانتشار فی شبکة تکاد تغطی الشرق الأوسط وشمال إفریقیا؛ شبکة قابلة للتفعیل عندما یتطلب الأمر ذلک.

  • ·             تصوّر محتمل لتطور أسالیب التدریب واکتساب الخبرات فی إطار البنیة الحالیة للجماعات الإرهابیة:

بالنسبة إلى أیة منظمة إرهابیة یعد التدریب والإعداد هو النظام الذی یربط بین قدرات الأفراد والقدرة على تحقیق الأهداف. فی الوقت نفسه ووفقًا للتغیر نحو النظام الشبکی اللامرکزی الذی یتطلب الحد من الاعتماد على مصدر واحد فی نقل الخبرات والتقنیات، کان من المهم خلق وسائل تتیح التعلم لجمیع الأفراد بشکل متساوٍ مع الوضع فی الاعتبار عدم الاعتماد المفرط على المساهمات الفردیة والعمل من خلال جهاز منظم یضع برنامجًا للتعلم واکتساب المهارات لتطور عملیة التأهیل والتدریب ویضمن سلاسة التنفیذ والإشراف علیه بصورة مستقلة.

التعلم المؤسسی المنشود هو عملیة تسعى من خلالها الجماعة الإرهابیة الحصول على المعرفة التقنیة الجدیدة أو القدرات التکنولوجیة التی تمکن هذه الجماعات من اتخاذ القرارات الاستراتیجیة[11] والتخطیط التکتیکی والأنشطة التنفیذیة التی تتناسب مع البنیة المرنة الجدیدة والمساحة الجغرافیة المتسعة لمسرح عملیاتها.

  • §                المراحل الأربعة للتعلّم المؤسسی فی الجماعات الإرهابیة.

تعتمد الجماعات الإرهابیة فی التعلم المؤسسی لتأهیل العنصر البشری، على مراحل أربعة کما هو موضح فی الشکل (1) یساعدنا على فهم طریقة عمل هذه المنظمات، وقد یساهم فی تدخل أجهزة المخابرات لدول الشرق الوسط وأوروبا لکسر الحلقة فی مرحلة من المراحل وعرقلة عمل هذه الجماعات أو القضاء علیها إذا تمکنوا من التعاون فیما بینهم. فی الحقیقة هناک معلومات متاحة عن بعض الأنشطة مثل عملیات استقطاب العنصر البشری وتجنیده، أو الحصول على المعلومات وتداولها وتخزینها، وهو ما یجب أن ترکز علیه الأجهزة الأمنیة فی إعاقة عمل هذه الجماعات بالإضافة للمواجهة المسلحة المستمرة، وقد یکون هذا أکثر فاعلیة من إضاعة الوقت فی محاولات أمنیة لاختراق هذه الجماعات خاصة المحلیة منها لأنها طریقة أصعب وغیر آمنة على عمل قوات الأمن.

 

شکل (1)مراحل التعلم المؤسسی فی الجماعات الإرهابیة

  • ·      اکتساب المعرفة والخبرات:

فی ظل البنیة الجدیدة أصبح هناک نوعان من المصادر التی تعتمد علیها الجماعات الإرهابیة من أجل اکتساب المعرفة والخبرات لتأهیل وإعداد العنصر البشری:

                                                              أ‌-    مصادر خارجیة.

                                                             ب‌-  مصادر داخلیة.

یمکن إجمال المصادر الخارجیة فیما یمکن لهذه الجماعات معرفته من استخدام التقنیات الحدیثة المتوفرة على الشبکة العنکبوتیة، کذلک التعاون بین المنظمات بعضها بعضًا، واللجوء لخبراء متخصصین سواء عن طریق التعاقد أو التهدید للحصول على التقنیات الحدیثة والتکنولوجیة الخاصة ببعض الأسلحة المتطورة والدوائر الإلکترونیة، أما الداخلیة فیمکن إجمالها فی انتقال المعرفة من خلال الأفراد القدامى ذوی الخبرة، وإنشاء وحدات تدریب فی عدة مناطق مختلفة واستثمار بعض الموارد فی البحوث لتطویر الأداء.

 

شکل (2) المصادر الداخلیة والخارجیة لنقل المعرفة والخبرات

 

              أ‌-   المصادر الخارجیة

  1. المشاهدة والمراقبة:

الحصول على التعلم من خلال مراقبة عمل وأنشطة الجماعات الأخرى، سواء فی مسرح العملیات، وعن طریق النشر على وسائل التواصل المعاصرة، واستخدام التکنولوجیات الجدیدة للمعلومات والاتصالات التی تتیح تنفیذ أسالیب وتکتیکات جدیدة، ونقل مباشر للمعرفة عن غیرها من الجماعات الإرهابیة. ولیس من قبیل الصدفة، أن یشیر مدیر وکالة المخابرات المرکزیة الحالی أخیرًا، جون أوین برینان، أن التکنولوجیا الحدیثة لوسائل الإعلام وساحات التواصل الاجتماعی تعظم من خطر هذه الجماعات وتعقد عمل أجهزة الأمن. ومن الجدیر بالذکر فی هذا المقام، وعلى سبیل المثال، الدلیل الشهیر الذی أثر بشکل کبیر فی جیل کامل من الإرهابیین فی أوروبا تحدیدا، والذی صدر فی البرازیل فی ستینیات القرن الماضی، وهو "دلیل حرب العصابات فی المدن"، قدم مؤلفه کارلوس ماریجیلا المشورة بشأن بعض التفاصیل التقنیة المتعلقة بالمسائل العملیة لکیفیة إعداد الإرهابی، والنصائح والاستراتیجیات المتعددة التی تهدف للقضاء على الدولة من الداخل وشل مؤسساتها. وقد وجد هذا الدلیل فی منازل الإرهابیین فی جمیع أنحاء العالم. وبنفس الطریقة أعد تنظیم القاعدة أیضا دلیل عملیات إرهابیة واسعة النطاق. وتوجد أیضا العدید من مقاطع الفیدیو على الإنترنت بها الکثیر من المعلومات المتاحة وکان واحدا من أکثرها شهرة ذلک المقطع الذی أظهر الإرشادات التی تبین کیفیة إعداد حزام ناسف فی 27 دقیقة.

ومن المعروف أن منظمة ایتا فی إسبانیا نفذت بعض الهجمات مستفیدة من تجارب الجیش الجمهوری الأیرلندی. ومع ذلک، فیمکن السیطرة على نمو هذه الجماعات عن طریق الحد من توافر مثل هذه المعلومات وتحطیم تلک الدائرة المعرفیة المدمرة. لکن هذه المعلومات المتوفرة والتقنیات البسیطة تحتاج لمتخصصین على علم بکیفیة الاستفادة منها لصعوبة استیعابها إلا من المتخصصین، لذلک سنرى أن هذه الجماعات تسعى للتعاقد مع متخصصین سواء من دول من شرق أوروبا أو الشرق الأوسط وإفریقیا[12].

  1. التعاون البینی:

یمثل التعاون بین الجماعات الإرهابیة فی نقل الخبرات والتعلم للتقنیات والإستراتیجیات الجدیدة، والأسالیب أو الوسائل الفنیة أحد الطرق لاکتساب الخبرات. فعلى سبیل المثال، فی الماضی کان التعاون بین ایتا والجیش الجمهوری الأیرلندی واضحًا. الأمر نفسه ینطبق على تنظیم القاعدة والجماعات الإرهابیة الأخرى فی المنطقة سواء المنبثقة عنها أو التی تتبع فکرها نفسه. فهناک أدلة على تبادل معلومات وأسلحة فی بعض الحالات، وفی حالات أخرى هناک تعاون فی تقاسم المعرفة وعملیات التدریب المشترکة. ولکن هذه الروابط لیست دائما سهلة کما أنها لیست دائما فعالة ولا تخلو من الصعوبات وعدم الثقة بین الطرفین. ومن بین المعوقات أو الحواجز التی تحول دون هذا التعاون نذکر الاختلافات الثقافیة والمذهبیة والعرقیة أحیانا، ناهیک عن الاختلاف فی الأهداف، ما یُعد نقطة ضعف یجب أن تُستخدم من قبل الأجهزة الأمنیة للتقلیل من هذا المصدر کما حدث فی إسبانیا، على سبیل المثال[13].

  1. الاعتماد على الخبراء والتمویل الخارجی.

تعتمد المنظمات الإرهابیة على الخبراء الخارجیین بهدف سد الفجوة بین الحصول على المعرفة والاستفادة منها بالإضافة إلى نشرها بین وحداتها المنتشرة على مساحة جغرافیة کبیرة. یتم هذا عن طریق تحدید الشخص المناسب وتحدید موقعه، ویتم تجنید هؤلاء الناس مباشرة من قبل المنظمة، أو التعاقد مع استشاریین مدفوعی الأجر أو فی أسوأ الأحوال للابتزاز أو التهدید والأقناع لتقدیم العون أو القتل.

والأمثلة کثیرة على هذا، ففی الستینیات من القرن الماضی کان الجیش الجمهوری الأیرلندی مدرب على القتال لکن کان یواجهه مشکلة خطیرة متعلقة بنقص الأسلحة. فهو غیر قادر على الحصول علیها من داخل أیرلندا؛ فتوجه للبحث فی الخارج عن الأسلحة. ولکن لنقل الأسلحة بأمان کان لا بد من الاعتماد على خبراء یعرفون جیدا القواعد والقوانین التی تحکم التصدیر والاستیراد والاتصالات الخاصة بهذه البضائع. فتم التواصل مع أفراد متعاونین من المجتمع الأیرلندی فی الولایات المتحدة الأمریکیة. فی البدایة فشل فی أول عملیة امتلاک وشحن الأسلحة لعدم وجود خبرة کافیة فی هذا المجال. لکن تدریجیا ظهر الخبراء وأصبح الاتصال بهم أکثر استقرارا من قبل. تم إرسال السلاح "رشاش (Armalite)" الذی أصبح ذا شعبیة کبیرة بحیث صار رمزا للکفاح المسلح فی هذه الفترة. فی غضون سنوات قلیلة، أضحت هناک شبکة منظمة من الخبراء تعتمد علیهم المنظمة فی توفیر السلاح والتدرب علیه. بین عامی 1984 و1987، قام القذافی بالتبرع بکمیة من الأسلحة إلى الجیش الجمهوری الأیرلندی. فی البدایة تم اعتراض الشحنات الأولى، فی وقت لاحق، ولکن باستخدام قوارب صغیرة تم نقل الأسلحة بنجاح. کما ساهم هو نفسه فی تقدیم المال والعتاد لمنظمات متطرفة فی إفریقیا والشرق الأوسط مازالت تنفق منها على عملیاتها ضد مصالح بعض دول المنطقة والدول الأوروبیة[14].

 أمثلة أخرى من الماضی توضح أسالیب ما زالت متبعة حتى الآن مع اختلاف بسیط فی التفاصیل، تم توقیع اتفاق بین الجیش الجمهوری الأیرلندی وبین شخص یدعى ریتشارد جونسون للمساعدة فی تصمیم أجهزة تفجیر متطورة، أو عندما قامت الجماعة الطائفیة الدینیة أومو شینریکیو الیابانیة (ŌmuShinrikyō) بالتدریب مجموعة من أعضائها على الطیران فی الولایات المتحدة الأمریکیة دون اعتراض من أی جهة فی هذا البلد[15].

فی بعض الحالات، تتعاون دول معینة مع الجماعات المسلحة لتحقیق مصالحها، کما هو الحال بالنسبة لحزب الله مع إیران وسوریا والجیش الجمهوری الأیرلندی مع لیبیا أثناء حکم القذافی. کما اتهمت تونس أخیرًا ترکیا بالتعاون مع داعش[16] لکن من الصعب الخوض فی هذا الأمر خصوصًا عندما یکون الموضوع متعلق بالبحث العلمی فمن الناحیة الأکادیمیة التعرض لمثل هذه الموضوعات کالخوض فی الرمال المتحرکة.

مما یثیر القلق أیضًا، ویحفز أجهزة الأمن فی البلدان المتأثرة بظاهرة الإرهاب الخطیرة، على التعاون الوثیق ظهور حالات تثیر قلقًا خاصًا یرتبط بهذا الموضوع؛ حیث وُجد أعضاء سابقون فی القوات المسلحة وقوات أمن الدولة الإسبانیة تتعاون مع الإرهابیین. کان هذا هو الحال مع محمد سعید محمد، رئیس خلیة داعش التی تم تفکیکها فی سبتمبر 2014 فی ملیلیة والناضور بالتعاون مع القوات المغربیة فی مجموعة عمل مشترکة. وکان شقیق محمد، ویدعى زکریا سعید محمد قد خدم فی الجیش الإسبانی بین عامی 2007 و2010 فی سلاح المهندسین (اللواء الثامن مهندسین بمنطقة ملیلیة). أضف إلى ذلک وجود عدد من الأشخاص تم القبض علیهم خلال 2015 و2016 بلغ عددهم 46 شخصًا من المتعاونین مع الإرهابین عن طریق تمریر معلومات ذات أهمیة کبیرة عن الأجهزة الأمنیة[17].

  1. المعرفة التقنیة والتکنولوجیة:

توافقا مع التغیر فی طبیعة العملیات التی تقوم بها المنظمات الإرهابیة وکذلک التغیر فی البنیة الهیکلیة نحو المرونة والتحرک فی أعداد صغیرة مدربة على القیام بالأعمال الإرهابیة أصبح اکتساب المعرفة العملیة على استخدام تکنولوجیا الأنظمة الإلکترونیة، وبعض الأسلحة المحددة للقیام بمثل هذه الأعمال السریعة هی أسرع وسیلة لزیادة القدرات الوظیفیة للمجموعة إرهابیة، ولکن هذا لیس بالعمل الیسیر، بل یعتمد على خصائص التکنولوجیا المطلوبة، وقد لا تتوافر لمجموعة إرهابیة معینة کل المعرفة اللازمة لتطویر عملیاتها. إن الثغرات فی هذا الصدد تزید من مخاطر واحتمالات الفشل. ونتیجة لذلک قد تضطر المجموعة الإرهابیة إلى اللجوء إلى معلومات إضافیة من مصادر أخرى لاستکمال معارفهم أو المساعدة على ابتکار شیء تفاجئ به الأجهزة الأمنیة[18].

وقد تجعل رعایة بعض الدول لبعض المجموعات الإرهابیة أو الملیشیات المسلحة هذه الوسیلة ناجحة خاصة فی حالة حزب الله فی لبنان والجیش الجمهوری الأیرلندی، ومع ذلک، فإن هناک صعوبة شدیدة فی الحصول على أسلحة معینة وتطویرها لأغراض إرهابیة، من ناحیة أخرى ساعد هذا على بطبیعة الحال على الاعتماد على التطویر الداخلی للقدرات على تصنیع الأسلحة أو تعدیلها. ومن الأمثلة على هذا المروحیات البریطانیة التی کانت تشکل مصدر ازعاج وخطر دائم لنجاح العملیات الإرهابیة للجیش الجمهوری الأیرلندی حتى حاول فی إطار جهوده الرامیة إلى حل هذه المشکلة إنشاء فریق للبحوث الخاصة لتطویر الأسلحة فی الولایات المتحدة الأمریکیة من أجل التعلم واکتساب الخبرات لإنتاج صواریخ خاصة بهم تستطیع مواجهة الطائرات المروحیة. مثال آخر متعلق بتطور العبوات الناسفة. بدأ الجیش الجمهوری الأیرلندی استخدام المتفجرات المصنوعة من بعض المسامیر، المتفجرات البلاستیکیة وفتیل لإشعال القنبلة. وبحلول عام 1991 کانت القنابل بالفعل متطورة ومعقدة أکثر من ذلک بکثیر وشملت تفجیرًا عن بعد وذلک لتجنب الکشف عن الفاعل من قبل السلطات وتم هذا التطویر فی البلد سابق الذکر، وربما نقلت هذه الخبرات عن طریق وسطاء لمناطق أخرى من العالم[19].

ولیس بغریب مع وجود مثل هذه التجارب السابقة أن یتم ذلک مع الجماعات الإرهابیة فی الشرق الأوسط وشمال إفریقیا، فالخبراء من جمیع أنحاء العالم منهم من یبیع نفسه من أجل المال أو له نفس التوجهات الرادیکالیة المماثلة لتوجهات هذه الجماعات أو مهدد منها. وهناک من الدول التی لدیها خططها ومصالحها فی مناطق متفرقة من العالم تستخدم هذه الجماعات والحرکات لتنفیذ مآربها مرة مهیّئةً البیئة لها لتنشط ومرة أخرى میسرة لها الحصول على ما تحتاجه من إمکانیات لتحقق اغراضها.

  ب‌-           المصادر الداخلیة:

  1. الاستفادة من المعرفة والخبرات الداخلیة ونقصد بها:

المعرفة المنظمة الموروثة من قیاداتها وعناصرها الأصلیة. هذا النوع من المعرفة أمر بالغ الأهمیة فی تطور التنظیم الإرهابی ویوفر سبیلًا للتعلم من الخبرات المتراکمة للمجموعة الإرهابیة. لکن مع نمو المجموعة واتساع الرقعة الجغرافیة بات الأمر یتطلب نوعًا من تنظیم عملیة التدوین والتوزیع على العنصر البشری المدرب على عمل الخلایا الإرهابیة، لهذا بدأ الإعداد لعناصر تم نقل خبرات إلیها فی بعض الدول الأوروبیة والأسیویة لتغطیة الحاجة من القادرین على توظیف المعرفة من خلال الخبرة العملیة، وللتغلب على اتساع مسرح العملیات وتنوعه.

وکانت هذه المعرفة الأساسیة، على سبیل المثال لا الحصر، مدونة وتنقل بشکل علمی لتعظیم قدرات الجیش الجمهوری الأیرلندی وقد حدث الشیء نفسه مع غیرها من المیلیشیات من الاعتماد على الخبرة المکتسبة وإعادة توزیعها من قبل المؤسسین لحزب الله والخبرات المکتسبة فی الحرب السوفیاتیة الأفغانیة التی کتبها أسامة بن لادن ومازال یتم تداولها والاستفادة منها من قبل داعش وتوابعها حتى الآن فی محاربة الجیوش النظامیة[20].

  1. التعلم من التجارب السابقة:

یمکن للمجموعات الإرهابیة تحسین مهاراتها وتحدید السبل لتحقیق نتائج أفضل، وتعظیم قیمة جهودهم التدمیریة ویحدث هذا عادة بشکل تلقائی ولیس عن طریق التخطیط، وبتطبیق نظام الدروس المستفادة من التجربة والخطأ بالإضافة إلى القدرة على تخزین المعلومات وتداولها ومن تراکم الخبرة یتم تطویر الأداء على مستوى کل خلیة من الخلایا الإرهابیة. ومن أمثلة الاستفادة من الخبرة فی مسرح العملیات أو ما یطلق علیه أمنیا الخبرة المباشرة المیدانیة، ففی الماضی قام الجیش الجمهوری الأیرلندی بتصحیح أوجه القصور فی أجهزتهم المتفجرة لجعلها أقل خطرا على أفراد المجموعة الإرهابیة بعد أن فقد حوالی 120 عضوا بسبب قلة خبراتهم بالعبوات المتفجرة وتلاعبهم بها فی بعض الأحیان دون العلم بأخطارها وعدم دقتها. فعلى الرغم من أن عملیة صنع قنابل یمکن أن توصف بالبسیطة، وهامش الخطأ فیها صغیرا جدا، لکن هناک خصائص للمواد المکونة لها غیر معروفة للجمیع[21].

مثال آخر عن التطور الناتج من التجارب وتطویر الأداء، هو المقاومة الشیشانیة التی تحولت من تکتیکات حرب العصابات إلى التکتیکات الإرهابیة للتغلب على نقطة الضعف المرتبطة بقلة عدد عناصرها البشریة. فتعلم الإرهابیون الشیشان من عملیة احتجاز الرهائن فی مسرح دوبروفکا عام 2002 حیث استخدمت قوات مکافحة الإرهاب الروسیة الغاز الذی جعل الجمیع یفقد وعیه وتم اقتحام المسرح، لذلک کان أول شیء فعلوه فی مدرسة بیسلان 2004 هو کسر النوافذ لتقلیل أثار الغاز وهنا یجب وضع هذا فی الاعتبار فی مکافحة مثل هذه الجرائم من قبل الجهات المختصة[22].

  1. تمویل البحث والتطویر الداخلی:

من غیر المألوف أن تخصص جماعة إرهابیة جزءًا من مواردها لدعم بحوث تطویر أنشطتها وابتکار أسالیب جدیدة وتحسینها، لکن مع تطور البنیة الخاصة بهذه الجماعات ولا سیما تلک المدعومة من الخارج أو من قبل دول معینة، قد تکون قادرة على تخصیص موارد لبحوث التطویر تشمل بناء أسلحة جدیدة أو تحسین أسالیب قتالیة. ویکفی النظر فی تطویر أسالیب الخداع للأجهزة الأمنیة فی الأحداث الأخیرة فی فرنسا، أو عدم التمکن من توقع الهجوم على المواقع العسکریة والأمنیة فی سیناء. وقد یقوم خبراء من داخل المنظمة أو أفراد یتم التعاقد معهم هم ضباط سابقون من دول فی الشرق الوسط مثل العراق أو سوریا أو دول أوروبا الشرقیة. ففی الماضی القریب هناک أمثلة على هذا، فعلى سبیل المثال، من المعروف أن المجموعة الإرهابیة أومو شینریکیو المتطرفة الیابانیة قامت بسلسلة من الاختبارات التجریبیة مع الأسلحة البیولوجیة والکیمیائیة. وبالمثل، استثمر الجیش الجمهوری الأیرلندی جهودا کبیرة لتطویر وتصنیع أسلحة خاصة بهم للتخفیف من ندرة الأسلحة وصعوبة الحصول علیها. کان حزب الله مثلا یفضل الاستثمار فی تطویر القدرات الاستخباراتیة وتجنید العناصر للتعاون معه. ومن الواضح من الدراسات الأمنیة أن الجماعات الإرهابیة تفضل التطویر من الداخل وعدم الاعتماد على المستشارین أو الخبراء من الخارج إلا فی أضیق الحدود، وهذا یمکن تفسیره فی إطار تجنب المخاطر المحتملة أو لکونهم من التابعین أو المتعاونین مع قوات الأمن للدول المکافحة للإرهاب[23].

  • ·        معالجة المعلومات:

یوجد الکثیر من المعلومات عن المصادر المحتملة للتعلم والتطویر فی ظل البنیة الجدیدة للجماعات الإرهابیة، بینما لا یوجد معلومات کافیة عن کیفیة معالجة هذه المعلومات وتشفیرها وطرحها على عدد کبیر من العناصر البشریة فی بعض الأحیان من دول مختلفة بل منهم من لا یتحدث العربیة لکی یتمُ العمل بفاعلیة وفی التوقیت المناسب. فعامل الوقت مهم والقدرة على استیعاب المعلومات فی غضون فترة زمنیة قصیرة هو واحد من مفاتیح عملیة التعلم فی ظل بنیة هیکلیة لامرکزیة.

  • ·             التوزیع وتداول المعلومات:

إن الحصول على المعلومات ضروری ولکنه لیس کافیًا للتعلم المنتظم. لذلک ینبغی أن یتم تفسیر هذه المعلومات وفقا لرؤیة وأهداف الجماعة وتوزیعها وتخزینها بشکل صحیح لتحقیق هذا الغرض. فمع الزیادة فی المرونة هناک زیادة وتعقید فی الإجراءات المتعلقة بالأنواع مختلفة من المعرفة المطلوبة للتدریب والإعداد من خلال التوزیع الفعال لما یجب القیام به داخل المنظمة وتوابعها.

ویتم الاحتفاظ بالمعارف المهمة والمتعلقة بالإعداد والتدریب فی شکل مادی، سواء الوثائق والخطط أو التعلیمات على الأجهزة التکنولوجیة التی یمکن توزیعها بسهولة نسبیة. وهذا قد یسهل عمل الأجهزة الأمنیة فی اختراق هذه الأجهزة والحصول على المعلومات اللازمة. وفی هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن توافر الموارد على شبکة الإنترنت مثل کتب التی تصف بالتفصیل وصفات عن کیفیة إعداد أنواع مختلفة من المفرقعات واقتراحات حول کیفیة الحصول على المواد الکیمیائیة اللازمة لتصنیع المفرقعات أو بعض المهارات لکیفیة عمل القرصنة الإلکترونیة، هذا کله ومنذ فترة طویلة یسبب قلقًا للأجهزة الأمنیة التی تخطو للأسف متأخرة بضعة خطوات خلف هذه المنظمات.

ومع ذلک، فهناک صعوبات کبیرة لدى هذه الجماعات ناتجة عن عدم توافر القدرة على نقل الخبرات التی تتطلب وقتًا طویلًا من التدریب نتیجة لکفاءة أجهزة الأمن فی القضاء على معسکرات التدریب ونقل الخبرات بشکل مباشر. فالمعلومات التی یتم ترویجها على وحدات الجماعة الإرهابیة قد تعلم الإرهابی خصائص السلاح الذی سوف یقوم باستخدامه لکنها لن تتیح له الفرصة للتدرب على استخدامه فی الظروف المختلفة والتعامل معه بکفاءة وهذه من نقاط الضعف التی یجب الترکیز علیها لإجهاض ما یمکن إجهاضه من الإعمال الإرهابیة أی الترکیز على کسر حلقة التدریب وفرص الاستفادة من التراکم المعرفی الإجرامی.

وللتوضیح نعطی مثالًا من الخبرات الماضیة وحالة تطور الخلایا الإرهابیة واتباع اللامرکزیة فی الأداء على حد سواء، وبالنسبة لایتا أو الجیش الجمهوری الأیرلندی، فی بعض الأحیان یتم زرع الخلایا المتخصصة للقیام بالمهام التکتیکیة أو اللوجستیة ویقوم کل عضو من الأعضاء بالسیطرة على منطقة عملیات معینة. ولکن عندما تقوم الأجهزة الأمنیة بالقبض على عضو وتصفیته، تتحول الخلیة لخلیة غیر مکتملة تعرقل تنفیذ مهام أو أهداف باقی الأعضاء، وتصبح غیر قادرة على تلقی مساعدات جدیدة أو دعم من قیادة. لهذا أجبرت الجماعات الإرهابیة أفرادها على التدرب بشکل یمکن أن نسمیه "الأفراد متعددة المهام"، أی تلک التی لا یقتصر عملها على أداء مهمة واحدة بل القیام بعدة مهام فی الوقت نفسه، وبالتالی تکون مکتفیة ذاتیًا، أصبحت الخلایا أکثر استقلالیة وأقل اعتمادا على الهیئة المرکزیة حتى عندما کان لدیهم خسائر غیر متوقعة. لذلک کان للجیش الجمهوری الأیرلندی برنامج تدریبی لمدة عامین من أجل تعلیم أعضائه المهارات ذات الصلة بالمهام المتعددة. وکان برنامجًا مکثفًا للتدریب على المهام المتعددة بما فی ذلک اختیار السلاح، وجمع المعلومات عن الهدف بل وتحدید طرق التنفیذ. لذلک یجب على الأجهزة الأمنیة التنبه لهذا التحول والتطور السریع والبدء فی التفکیر فی کیفیة التعامل معه بل محاولة إجهاضه؛ فهناک خلایا فی منطقة الشرق الوسط بدأت فی القیام بمثل هذا التطویر فی الاداء خاصة فی سیناء[24].

  • ·    التخزین واسترجاع المعلومات الخاصة بالتعلم:

لوحظ قیام الجماعات الإرهابیة بتخزین المعلومات للتأکد من إمکانیة الوصول إلیها فی المستقبل. ومن بین المعلومات المخزنة عادة ما تشمل:

  • الطقوس والرموز: ثقافة المجموعة تلعب دورا هاما فی تحدید أنشطتها وأیدیولوجیتها.
  • الهیکل التنظیمی للجماعة.
  • المبادئ التوجیهیة المعمول بها: دلیل الإعداد الخاص بالعملیات والإجراءات التی یجب إتباعها فی العملیات مشترکة.

هذه العملیة تعد من أخطر العملیات بالنسبة للجماعة الإرهابیة، والأنفع بالنسبة لأجهزة الأمن حیث تستطیع معرفة الکثیر من المعلومات. ونود هنا أن نشیر إلى أهمیة الاعتماد على خبراء فی هذا المجال والاستثمار فیهم لأنهم یستطیعون تجنیب القوات الأمنیة الکثیر من الخسائر، ووأد العملیات الإرهابیة قبل حدوثها أو التقلیل منها على أقل تقدیر، فمنذ أن تمکنت قوات الأمن الإسبانیة من القبض على بعض العناصر فی مدن مختلفة، وعن طریق المعلومات التی حصلوا علیها من أجهزة الحواسب تم إحباط العدید من العملیات کما حدث من قبل مع هذا النوع من المعلومات والسجلات التی وجدت وکان لها دور هام جدا فی مکافحة منظمة ایتا. منذ وقت قریب حاولوا تخزین المعلومات الحساسة فی السحابة الإلکترونیة ولکن سرعان ما اکتشفوا سهولة اختراقها من جهاز الشرطة الجنائیة، لذلک فی الآونة الأخیرة أصبح من المألوف استخدام عبارة " بدون تخزین" - "بدون مخاطر" هی الأسلوب الجدید المعتمد لدیهم[25].

ثانیا: القیود الداخلیة والخارجیة على الدولة القومیة: الدولة والعولمة وظاهرة الإرهاب:

وفقا للنظریات الکلاسیکیة، هناک ثلاث أرکان أساسیة یجب توافرها لدى أیة دولة هی: الأرض أو الإقلیم والشعب وحکومة فعالة أی تتمتع بالسلطة التی تمکنها من القیام بوظائفها، ومن المعلوم أن توافر الأرض والشعب دون وجود حکومة فعالة قویة فی أدائها لوظائفها ینتج عنه دولة فاشلة تنعکس على العنصرین الآخرین فتتحول منطقة من العالم إلى مساحة من الفشل هذه المساحة هی الأرض الخصبة للمطامع والمصالح سواء الداخلیة أو الخارجیة، فهی تتحول لتربه خصبة لنمو الإرهاب سوء بما یتوفر فیها من عوامل مغذیة له أو ما یضاف لها من مغذیات صناعیة من أصحاب المصالح والمطامع.

"فی المجال الأمنی ​​، وهم (الدول) یکافحون للحفاظ على احتکار استخدام القوة، وتوفیر الأمن من التهدیدات الخارجیة والداخلیة، ومراقبة الحدود والأراضی، وضمان النظام العام وتوفیر الحمایة من الجرائم. فی المجال السیاسی، فإنها تفتقر إلى المؤسسات الشرعیة الحاکمة التی توفر الضوابط على السلطة السیاسیة، وحمایة الحقوق والحریات الأساسیة، ومساءلة القادة، وتقدیم العدالة النزیهة والإدارة الفعالة، والسماح بمشارکة فی الحکم. فی المجال الاقتصادی، فإنها تجهد لتنفیذ السیاسات الأساسیة للاقتصاد الکلی والمالیة وعدم وجود مناخ قانونی وتنظیمی یؤدی إلى ریادة الأعمال، والمؤسسات الخاصة، التجارة الحرة، وإدارة الموارد الطبیعیة بکفاءة، تشجیع الاستثمار الأجنبی والنمو الاقتصادی. وأخیرا، إنهم غیر قادرین أو غیر راغبین فی تلبیة الاحتیاجات الأساسیة لسکانها من خلال الاستثمارات فی مجالات الصحة والتعلیم والخدمات الاجتماعیة الأخرى"[26]

ففی الدول ذات البنیة المؤسسیة المضطربة یوجد هناک دوائر بدیلة متغلغلة فی ثنایا الدولة وموازیة لمؤسساتها الرسمیة بدرجات متفاوتة، على الرغم من أنه یفترض فی الدولة، التی تعتبر الإطار المنظم والمحافظ على المجتمع، أن تتمتع بکامل السیطرة على أراضیها وعلى العنصر البشری الذی یقطن هذه الأرض وتقدیم الخدمات التی یحتاجها کافة. وهنا لا نقصد لامرکزیة السلطة مثل الفدرالیة، ولکن نقصد بالدوائر البدیلة تلک الأنشطة التی یقوم بها بعض الجماعات البشریة داخل الدولة لإدارة مصالحهم أو للقیام بدور الدولة فی تقدیم الاحتیاجات بشکل یجعلها متاحة فقط لشریحة من المجتمع وهی القادرة على الحصول علیها، لدرجة إقامة مؤسسات موازیة لمؤسسات الدولة، یصل بعضها إلى درجة من الشرعیة کتلک التی تتمتع بها مؤسسات الدولة نفسها.

هذا النوع من الدول یصلح لکی یکون بیئة منتجة للإرهاب فعندما ینحصر دور مؤسسات الدولة فی محاربة الإرهاب عسکریًا وأمنیًا، ولا ننقص من أهمیتهما على الإطلاق، وکذلک الاعتقاد بإمکانیة القضاء على الإرهاب عن طریقهما فقط، وإغفال العوامل الأساسیة ونقاط الضعف فی مؤسسات الدولة، التی هی کل لا یتجزأ، فهذا هو الخطأ الأکبر. فالاستبداد والقهر والجهل الناتج عن القصور فی العملیة التعلمیة، على سبیل المثال لا الحصر، یعد نوعًا من الإرهاب، أی الإرهاب الذی ینتج عن القصور فی أداء الدولة. هذا النوع المسکوت عنه هو أحد أهم الأسباب فی إنتاج الإرهاب الأسود المدمر. هذه العلاقة الوثیقة بین قصور الدولة فی القیام بکامل مهامها، التی لا تخفى على أحد، ینطوی على تقصیر فی حق المجتمع تقصیرًا یولد العنف تجاه المجتمع من قبل الدولة الراعیة لمصالحة من ناحیة و من ناحیة أخرى عنف بین فئاته المختلفة ناتج عن سوء توزیع الخدمات وتلبیة المصالح بشکل انتقائی فتنتشر ثقافة العنف کما حدث فی العراق وسوریا، على سبیل المثال، وربما یمتد لدول أخرى غیر مدرکة لأهمیة تواجد الدولة بصفتها راعیة لمصالح المجتمع ولا سیما للفئات الأکثر احتیاجًا، وإنها لیست شرکة فی منظومة العولمة التی حاولت وما زالت تسعى لتحویل الدولة لفرع من شرکة عالمیة لإدارة هذا العالم. فالدولة الحدیثة کان لها دائما أهمیة نسبیة وسلطة فیها لا تتأثر بوجود دول أخرى، لکن مع مرور الوقت دخلت فی صراع خفی مع شرکات لها قوة تفوق قوتها فی إطار ما یسمى بالعولمة، أی فرض نموذج سیاسی واقتصادی وثقافی واجتماعی واحد دون الوضع فی الاعتبار تفاوت الإمکانیات وتعدد الاحتیاجات.

"فالدول الفاشلة الیوم، مثل أفغانستان وسیرالیون، والصومال، غیر قادرة على ممارسة السلطة داخل حدودها، ولا یوجد سیطرة للحکومة على الأرض. هذا الوضع یعتبر أمرًا مقلقًا للنظام العالمی، وخاصة لنظام دولی یعول حقًا على قدرة الدولة على السیطرة على أراضیها وممارسة السلطة فی حدودها"[27]

والقانون الدولی العام کما هو معروف غیر ملزم فلا توجد دولة یمکن أن تجبر دولًا على احترام القانون الدولی العام، یجب أن یتم هذا بمحض إرادتها، فالقانون الدولی العام هو مجموعة من القواعد القانونیة التی تهدف لتنظیم العلاقات بین الدول ومنظمات المجتمع الدولیّ کالمنظمات الدولیّة مثلًا، وفی الواقع لا توجد آلیات للضغط أو الإکراه یمکن استخدامها وقت اللزوم. باختصار، القانون الدولی طوعی، ولکن لیس تماما بمعنى أنه یطبق فقط على الدول الضعیفة عسکریا والتی یمکن أن یشکل ضدها تحالف من مجموعة من الدول لإجبارها على الخضوع لرغابتهم التی یعطونها الطابع الدولی.

فنحن نعیش فی عالم یتجه نحو العولمة اقتصادیا، والتجانس الثقافی، وعلى نحو متزاید التجانس الاجتماعی، ولکنه منظم بطریقة عشوائیة لأنه فی طریقه لهذا لا یوفر بدیلًا للدولة ویدمر الهویة والحس الوطنی والأهم الدولة ذاتها، بل یسعى لإدارة العالم بأسلوب الشرکة بالربح والخسارة بدءً من طرح تساؤل غایة فی الخطورة: هل تعلیم الجمیع بالتکلفة نفسها مجزٍ أم یجب توفیره لفئة معینة فقط ینتظر منها أن تنتج ما یعوض المستثمر فیها؟

"ولذلک، فإن نقطة البدایة فی هذا البحث قد تبدو غایة فی التناقض الأساسی الناجم عن ظاهرة العولمة، أی التناقض بین آلیات السوق والمجتمع المدنی (الذی یسعى للتطویر نحو العالمیة) وبین المقاومة والمعارضة من قبل الدول (التی تسعى لتظل وطنیة)"[28]

یجب علینا إذن تجاوز الجدل حول الوطنیة والعولمة والسعی لإیجاد صیغة عالمیة تشرک الجمیع ولا تستثنی أحدًا، فنحن جمیعا فی احتیاج لبعضنا بعضًا لمواجهة المخاطر والتهدیدات والتحدیات الجدیدة التی تفرضها التحولات الناتجة عن حالة التطور السریع الذی یصعب إیقافه أو حتى ابطأه، وکذلک الدول بمؤسساتها التی لا غنى عنها غیر قادرة على مواجهة هذا کله وحدها بل هناک احتیاج کبیر للتعاون فی إطار دولی، لأنه السبیل الوحید للقضاء على الإرهاب. التعاون المقصود یشمل جمیع القطاعات ولیس العسکری أو الأمنی فقط.

حقیقة الأمر هذه الورقة لیست مخصصة لعرض آثار العولمة على قدرة الدولة فی مواجهة التحدیات التی تفرضها الظاهرة الإرهابیة، لکن نعتقد أنه من المناسب وفی حدود ما هو متاح التعبیر عن بعض التغییرات التی أحدثتها للتدلیل على القیود المتزایدة على قدرة الدولة ومؤسساتها والعملیة الممنهجة لإجبارها على القیام بدور، وفی القوت نفسه سواء عن قصد أو بدون، وضع الکثیر من المعوقات فی طریق القیام بهذا الدور الحیوی.

تتحدث بعض الدول من ذوی المصالح الدولیة عن الإدارة العالمیة الناتجة عن إرادة عالمیة لتحقیق السلام وکأداة لاتخاذ قرارات من أطراف متعددة على المستوى التنظیمی والإداری (غیر السیاسی) ویتوقعون حدوث ذلک فی ظل عدم وجود حکومة عالمیة معترف بها ومعبرة عن الجمیع دون استثناء[29]. وهنا نعتقد أن هذا الحل التعاونی أو المشترک الذی یراد له أن یکون رسمیًا لا یجب أن یجعلنا نغفل عن أهمیة الدولة التقلیدیة الحدیثة وأهمیة تواجدها لمواجهة التهدیدات النابعة منها والموجهة إلیها من داخل ومن خارج حدودها.

تلک الدولة التی یطلب منها القیام بدور هی ذاتها التی توضع فی مواجهة مع حدود مادیة یصعب السیطرة علیها، وسماء معرفیة مفتوحة نتیجة لتطور وسائل النقل والاتصالات التی أصبحت أرخص وأسرع وأوجدت مجالًا اجتماعیًا عالمی یربط بین الناس. هویات جدیدة تصنع وتظهر على الساحة منها الدینیة المذهبیة أو العرقیة القدیمة التی تکسبها البیئة المضطربة والمصالح الإقلیمیة والدولیة قوة. النظرة إلى العالم تتسع نحو مفاهیم اجتماعیة وثقافیة ودینیة جدیدة على هذه المنطقة من العالم، یولد من رحمها مجتمع له سلسلة من التصورات المستحدثة عن هویته التی سوف تستدعی بلا شک تغیر فی جغرافیة المنطقة وهو عبء لا تتحمله أیة دولة من دول منطقة الشرق الأوسط، حتى مصر، وهی الدولة الأقدم والأقوى اجتماعیا وثقافیا وعسکریًا، إذ تعانی بشکل لم یسبق له مثیل من جراء هذه الحرب المفتعلة والتی تأخذ شکلًا من أشکال الإرهاب المدمر للشعوب والدول بطبیعة الحال. 

أما على المستوى الاقتصادی کمثال آخر، تقرر أن على الدول (رسمیًا) أن تتبع نموذجًا اقتصادیًا مؤسسًا على مناهج اللیبرالیة الجدیدة، مع وضع المنافسة والقدرة التنافسیة کرکائز أساسیة لهذا النظام الذی یجب على الدولة، التی تقدم فیه خدمات عامة وتوفر الحمایة والأمن، أن تنافس شرکات عالمیة سمح لها أن تنافس الدولة فی وظائفها. فی هذا النموذج، هناک دول تصنف على أنها دول رابحة ودول خاسرة لا تحقق أرباحًا. وبالإضافة لذلک، یتم تنشیط جهات غیر رسمیة أی غیر حکومیة وتمکینها للحصول على النفوذ والسلطة والقدرة على استخدام آلیات الدولة من احتکار بعض الخدمات والتعاون فیما بینها لتحدید سیاسات دولة أو مجموعة من الدول لصالحها هی. هذا یمکن تفسیره فقط فی إطار خلق نوع من عدم التکافؤ وعدم المساواة، أو على الأقل، کما یشیر ریتشارد هیججوت (Richard Higgot) أنه یمکن إدراکه کنوع من اللامساواة الکاملة حتى من الناحیة السیاسیة أیضا[30].

تأتی فی هذا السیاق العولمة الاقتصادیة لتطرح تساؤلًا مهمًا للمناقشة على المستوى السیاسی حول الدور الذی ینبغی للدولة الوطنیة القیام به فی هذا العالم الذی یزداد ترابطا عشوائیا وغیر منتظم. فالاتجاه فی السنوات الأخیرة یظهر أنه على الرغم من وجود اختلافات فی مواقف الدول من ظاهرة العولمة وتأثیرها على قدرة الدولة فی مواجهة التحدیات وعلى رأسها الإرهاب، هناک إجماع على أن النموذج الرأسمالی اللیبرالی الجدید یسعى إلى أن یکون هناک "الکثیر من سوق فی مقابل القلیل من الدولة"[31]. فکیف لقوى السوق أن تواجه الإرهاب؟ کیف تواجه الإرهاب الشرکات العابرة للقارات؟ هل ستقضی على الجهل والأفکار الرادیکالیة من خلال تفعیل التعلیم المتمیز ونشر الثقافة أو الحفاظ على التراث الإنسانی الذی یدعم هویة الفرد ویشکل انتماءاته؟

فی نهایة المطاف التوجه نحو القریة الکونیة قد یقضی على الدولة الوطنیة ویتغلب علیها، فعلى الرغم من تراجع دورها لا تزال قویة فیما یتعلق بالنواحی الأمنیة والعسکریة، وهشة بشکل یدعو للقلق فیما یتعلق بالتعلیم الذی یفضی لتناغم مجتمعی ویرتقی بالعنصر البشری أخلاقیًا وعلمیًا وکذلک الثقافة والخدمات العامة، فالخصخصة قد عرضت هذه الخدمات للتدهور وهی هامة دون شک للقضاء على البیئة التی تنتج الإرهاب[32] حتى العنف لم یعد حکرا على الدولة فی کثیر من الأماکن فی العالم، والاستمرار فی خصخصة خدمات کتعلیم والثقافة والأمن فی المستقبل القریب وجعلها خاضعة لقوانین السوق أخطر على البشریة من العنف والدمار الذی یولده الإرهاب.

بشکل عام، فأن الخصخصة التدریجیة للأمن تمثل تحدیًا لنموذج الدولة الوطنیة. ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة المرتبطة بالعولمة تتماشى مع التغییرات التی تحدثها والدول لیست فی مأمن منها."[33]

هذا الاتجاه المتزاید نحو الخصخصة، وبیع ممتلکات الدولة، وإخضاعها لقوى السوق، وفقدان والدولة الوطنیة الحدیثة لخصائصها، وتزامن هذا مع تزاید القوة التنافسیة المتنامیة لکیانات کونیة غیر حکومیة للقیام بما کانت تقوم به الدولة وقد یمتلکها الأفراد أو عبارة عن شرکات متعددة الجنسیات أو جماعات الضغط السیاسیة والجماعات الإرهابیة کل هؤلاء یشکلون أشکالًا جدیدة مما کان موجودًا فی الحقبة الاستعماریة أو یمکن القول إنها الأدوات الجدیدة للسیطرة لکن مع قدرة متزایدة على التأثیر وعلى استخدام القوة الصلبة منها أو الناعمة لتحقیق أهدافهم بشکل لم یسبق له مثیل[34].

نجد هنا أن الأشکال الجدیدة للإرهاب، والتی لها طابع غیر متجانس إنما تکشف عن الوجه الأخر للعولمة، أی هی من سلبیاتها التی یجب أن تقف الدولة على حلول لها وبالتعاون مع دول أخرى. فالإرهاب یستخدم الآلیات والتقنیات الحدیثة المتاحة فی ظل العولمة لتحقیق أهدافه، فالعولمة تفکک الدولة وتجعلها غیر قادرة على الوفاء بالتزاماتها، نتیجة للمنافسة التی تحدثنا عنها فیما سبق، والإرهاب لأسباب أخرى أیضا یحارب الدولیة الوطنیة ویسعى لتفکیکها. تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الإرهاب فی الوقت الراهن نشأ فی بیئة محلیة لکن أصوله وأسبابه أو ما ینتج عنه له تأثیر کونی أو دولی. والدلیل على هذا أن الجماعات الإرهابیة، خاصة المصنفة على أنها إسلامیة، منتشرة فی أکثر من مکان فی العالم وتنفذ مخططاتها فی اثنین أو أکثر من الدول وفی الوقت نفسه[35].

تغیرت بالمثل الحروب شأنها فی ذلک شأن الإرهاب، فلم تعد الجیوش النظامیة هی الفاعل والأکفأ لخوض الحروب الجدیدة. فالصراعات العسکریة لم تعد بین جیشین نظامیین أو من خلال وکلاء بل أضحت أکثر تعقیدا فأصبح هناک متمردون ضد الدولة ومیلشیات وجماعات مسلحة وخلایا إرهابیة نائمة ومستیقظة کلها تستخدم کأداة لسیاسة عالمیة تسعى عن طریق تفکیک الدول لخلق واقع جدید یخدم مصالحها مستعینة بالإرهاب المنهجی وبخلق هویات تبحث عن حکمًا ذاتیًا.

أما الحروب بالوکالة والتی تستخدم فیها قوتان متصارعتان أطرافًا ثالثة لا ترتبط بأی دولة فقد ساعدت على انتشار الإرهاب الدولی حیث إنه الأمثل، فهو أکثر حریة ولا یخضع لأیة قوانین بل یستطیع فعل أی شیء فی أی مکان. وقد خلق هذا حلولًا للنزاعات الحدودیة الجدیدة فأعطى الفرصة لتنظیم ما للاعتداء على الدولة المراد تعدیل حدودها تحت مظلة أیدیولوجیة أو عرقیة على سبیل المثال، الدولة الإسلامیة وغیرها من الجماعات الأکثر أو الأقل تنظیما تقوم بهذا وسیناء نموذج لهذا النوع الجدید من النزعات[36].

تستخدم هذه المجموعات قواعد العولمة وتستفید من أدواتها وآلیاتها وتکمن قوتها فی القدرة على تفتیت الدول والتأثیر فی اقتصادها وإضعافها عن طریق إمکانیة تولید مساحات فارغة من السلطة من ثَمَّ إفشال الدولة نفسها، وزرع بذور التطرف فی غیاب المؤسسات الفعالة فی الإدارة والتنظیم فی البلدان التی تعانی من الإرهاب[37].

الخاتمة:

عرضت هذه الورقة البحثیة الترابط بین الخطر الذی تشکله بعض الجماعات الإرهابیة من خلال تطویر أدائهم وقدرتهم على التعلم، حتى من أخطائهم. کما یوضح هذا العمل کیف أن عملیات التعلم واکتساب الخبرات لیست بسیطة على الإطلاق فمن الأمثلة التی تم عرضها تلاحظ مساحة العلاقات التی یمکن أن تمتلکها هذه الجماعات مع دول أو مؤسسات لها مصالح فی وجودها. فعملیة الإعداد لیست بسیطة لا للجماعات الإرهابیة فی محاولة للقیام بها، ولا للمحللین الذین یکرسون جهودهم لفهم لها. لذلک هناک مجموعة الملاحظات التی یمکن استنتاجها من عرض أسلوب هذه الجماعات فی اکتساب الخبرات والتکیف مع التغیرات وتمثل نقاط ضعف یمکن الاستفادة منها:

  • ·      صعوبة فی العملیة الإجرائیة وتوزیع المعلومات على نطاق واسع فی نطاق التنظیم الذی وسع من نطاق عملیاته وبین الحفاظ على السریة اللازمة.
  • ·      صعوبة فی إحداث توازن بین أهمیة المهارات الفردیة والتنظیمیة والتعامل مع نوعیة جدیدة من الأفراد المرتزقة من عدة دول یصعب التنسیق بینهم.
  • ·      صعوبة فی استیعاب کل القدرات الاستراتیجیة والتکتیکیة والوظیفیة نتیجة للتوسع فی نطاق العملیات.
  • ·      صعوبة فی التحکم فی التدریب الاستراتیجی على مستوى المجموعة الإرهابیة وتعزیز هذا التدریب التکتیکی على مستوى الخلایا المنتشرة فی مناطق متعددة.

لذلک فإن فهم العوامل التی تساهم فی التعلم من المنظمات الإرهابیة وتحدید الصعوبات التی تواجه تلک الجماعات أمر بالغ الأهمیة فی محاولة تکثیف الجهود لتقویض أو هزیمة هذه الجماعات الإرهابیة.

تستخدم کل مجموعة إرهابیة أشکالًا مختلفة من التعلم والاستراتیجیات والتدابیر لذلک یجب أخذها بعین الاعتبار لنجاح عملیة المکافحة، ومن هنا فإن تحلیل بنیة وتنظیم الجماعات الإرهابیة من خلال أسالیب التعلم وکیفیة اکتساب الخبرات وشبکة العلاقات التی تستفید من وجودها یعتبر مفیدًا

لعدة أسباب:

أولًا: لأنه یساعدنا على فهم التغیرات فی سلوک المنظمة، لأن معرفة کیف یمکن تغییر الأسالیب التی یستخدمها الإرهابیون أمر ضروری فی مکافحة الإرهاب، ویسمح لصناع السیاسة الاستجابة بشکل مناسب لهذه المشکلة.

ثانیًا: على المستوى العملی، وهو بمثابة دعم إضافی ومکمل للمعلومات اللازمة لتحلیل أنماط سلوک هذه الجماعات سوف یساعد الاستخبارات للتکهن بخطط هذه الجماعات وشبکة علاقاتها الدولیة والإقلیمیة.

ثالثًا: إن هذه المعرفة عن الجماعات الإرهابیة سوف تساعد المحللین على توقع التغیرات فی التکتیک والقدرات الوظیفیة لهذه المجموعات، مما یجعل من الممکن تصمیم خطة استباقیة بدلًا من أسلوب رد الفعل فی مجال مکافحة الإرهاب.

أما فیما یتعلق بقدرة الدولة الوطنیة على المواجهة فمن الملاحظ أن الدولة أمام هذه التحدیات أصبحت فاعلًا مستنفدًا فی معالجة العملیات الإرهابیة الدولیة من هذا النوع، وهی عملیات غالبا ما تبدأ خارج حدودها وتهدف للقضاء علیها کنظام اجتماعی لخلق نظام أو إطار اخر غیر واضح المعالم، مع ذلک فإن تأثیراتها الرئیسیة على الداخل إذ تؤثر على الاقتصاد من ثَمَّ على الامکانیات التی کان یجب أن تتجه إلى التنمیة والرفاهیة، وهی وظائف الدولة الرئیسیة[38].

فی نهایة الأمر، تم خلق حرکات التمرد والمیلیشیات والجماعات الإرهابیة لاستخدامها کآلیات للتأثیر على سیاسة واقتصاد بعض البلدان وعلى الدول فی الشرق الأوسط وشمال إفریقیا مواجهة هذا على ترابها الوطنی أو خارج حدودها ودحض محاولات السیطرة والإکراه والتأثیر على مستقبلها مادیا ومعنویا. فکیف یمکن لهذه البلدان أن تواجه هذه الحرب الجدیدة؟

فی حقیقة الأمر، تواجه دول المنطقة حزمة من المشاکل الداخلیة مثل الفساد بأنواعه والخلل فی التمثیل العادل لفئات المجتمع وکذلک التمثیل الطائفی والحزبی والعرقی والاتجار بالسلاح والمخدرات والإرهاب، وعدم قدرة الدول على حل هذه المشاکل غالبا ما یکون له آثار عمیقة لیس فقط على عمل مؤسسات الدولة التی تفقد القدرة على أداء مهامها بل تمتد لتشمل أیضا زیادة فرص الاستقطاب وخلق بیئة للتطرف، وفی نهایة الأمر درجة أکبر من الطائفیة والرادیکالیة.

یکمن الحل فی التحول المؤسسی أی عملیة ممتدة منظمة لرفع کفاءة المؤسسات، وقضاء على عوامل خمولها، وهی الوسیلة للحل الأمثل الرسمی للمشاکل الداخلیة. وسوف تکون عملیة معقدة لکونها بطیئة وعویصة. لکن یمکن أن یساهم فی الإسراع من وتیرتها قصر مدة السیاسیین فی الحکم وتداول السلطة مع توسیع دوائر المشارکة بشکل تدریجی. فی دول مثل سوریا ولیبیا لا بد من دعم القوة الأمنیة المسیطرة للابتعاد عن خطر فقدان الهیمنة السیاسیة، وجعل التحول قائمًا من داخل النظام. فمن خلال مؤسسات دولة فعالة یمکن خلق مساحات للتوافق.

من الناحیة الأمنیة أصبحت الدول مهددة بشکل کبیر جدًا إلا فی حالة إذا تم التنسیق والتعاون فیما بینها، والعمل على تطویر مؤسساتها دون استثناء أی منها، بالإضافة لتفعیلها ورفع کفاءة الجهات المعلوماتیة والاستخباراتیة، وبالرغم من کبر حجم التحدی یجب تسلیط الضوء على الآثار السلبیة للعولمة والأوضاع غیر المتکافئة التی تفرضها على الدولة ومؤسساتها:

  • ·فعلى الرغم من ان عملیة العولمة الاقتصادیة تسیر بوتیرة أسرع من نظیرتها السیاسیة إلا أنه هناک تصور معین لإضعاف السیادة السیاسیة فی مقابل السلطة الاقتصادیة.
  • · عدم المساواة الاقتصادیة والاجتماعیة فی تزاید (على الرغم من السعی الدائم محاربة الفقر وتقدیم المساعدات).

التحدیات الرئیسیة أمام أجهزة الدولة هو العمل بتنسیق وتناغم تام القضاء على البیئة الحاضنة للإرهاب لم یتم عن طریق الجهات الاستخباراتیة والقوات المسلحة والأمنیة التی لها دور رئیسی وهام لکن قضایا التعلیم والثقافة والدین ودوره فی خلق مجتمع متناغم لها الأهمیة نفسها.

على المستوى الدولی هناک ضرورة لتبادل المعلومات مع الدول الأخرى والتعاون الوثیق المؤسسی الرسمی. فمن الضروری إعادة النظر فی دور اجهزة الأمن والعمل على تبادل المعلومات وإشراک جمیع مؤسسات الدولة فی مکافحة الإرهاب، فهذا بالفعل هو الاتجاه الذی ینبغی أن ندعمه.

والسؤال الذی یطرح نفسه هنا هو: هل یتمکن عالمنا من أن یقف ویصمد بین هذه القوى المتفاوتة؟ یتساءل المرء کم من الوقت تستطیع أن تُحکم دولة تحت هذا الکم من الضغوط والقیود التی فرضتها العولمة التی تخللت جمیع مجالات الحیاة البشریة، وهل یجب أن تکون هناک إرادة سیاسیة حاسمة لاتخاذ قرار بشأن هذا الجانب الخفی من العولمة. الدولة القومیة فی عصر العولمة لا تستطیع محاربة الإرهاب وحدها، على الأقل بکفاءة. وإذا کنا نرید مواصلة عملیة العولمة، فمن الضروری طرح أدوات وآلیات مشروعة وممکنة لمعالجة القضایا التی تحد من دور الدولة التی حتى الآن لا یمکن أن تقوم بحلها إلا بمساعدة جهات من مؤسسة العولمة. وإذ کان هناک مؤسسة للعولمة لماذا لا یوجد شکل من أشکال الحکومة العالمیة، أو على الأقل، الفیدرالیة العالمیة لأننا فی حاجة لتحقیق الأمن الذی هو سمة من سمات السیادة التی هی خاصیة أساسیة من خصائص الدول.

 

 

 

 

 

 

المراجع الأجنبیة:

  • Alonso, Rogelio. El Terrorismo Yihadista: Una Amenaza Híbrida, Cuadernos de Pensamiento Político, Fundación para el Análisis y los Estudios Sociales (Faes). enero-marzo 2015.
  • AyuelaAzcárate, Francisco Javier y Aznar Fernández-Montesinos, Federico. El trampantojo del terrorismo yihadista. Documento de Análisis30/2016, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 4 de mayo de 2016.
  • Berenguer Hernández, Francisco Javier. Faluya, nudo gordiano del Estado Islámico. Documento de Análisis 40/2016, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 09 de junio 2016.
  • Berenguer Hernández, Francisco Javier. La Guerra Contra Estado Islámico y el Factor Tiempo.Documento de Análisis16/2015, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 17 de marzo de 2015.
  • Blanco, Pablo Cañete. ¿Confrontar la Informalidad o Ser Parte de Ella? La Lucha Contra el Terror y los Límites Formales del Estado. Documento Marco 32/2015, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 15 de diciembre 2015.
  • Carlos Alvarado y Castro, Daniel Araya y otros. El Terrorismo: ¿Actor o Fuerza Internacional?. Revista RELACIONES INTERNACIONALES 83 Escuela de Relaciones Internacionales. Universidad Nacional, enero-junio de 2012 Costa Rica.
  • Hansen Lewis, Jamie y Saphiro, Jacob N. "Understanding the Daesh Economy." Perspectives on Terrorism, Terrorism Research Initiative (TRI), headquartered in Vienna (Austria), and the Center for Terrorism and Security Studies (CTSS), at the Lowell Campus of the University of Massachusetts Volume 9, Issue 4,August 2015 (United States).
  • Higgott, Richard. Multilateralism and the Limits of Global Governance. Working Paper, Coventry. Centre for the Study of Globalisation and Regionalisation (CSGR), University of Warwick, Coventry, CV4 7AL, United Kingdom. May 2004. URL: http://www.csgr.org
  • Kilci, Muammer. Terrorism and Globalization. sitio web de Academia.edu. s/fhttp://www.academia.edu/1636060/Terrorism_and_Globalization (15 de septiembre de 2016 – 12:35).
  • Laborie Iglesias, Mario. La privatización de la seguridad. Las empresas militares y de seguridad privadas en el entorno estratégico actual. Madrid: Ministerio de Defensa. Secretaría General Técnica (Gobierno de España), 2012.
  • Levi, Lucio. "Global governance and its limitations. In "European democracy and cosmopolitan democracy, de Daniele Archibugi and Guido Montani. The AltieroSpinelli Institute for Federalist Studies,Ventotene Italia:  2011.
  • Rotberg, Robert I. "Failed States in a World of Terror". Foreign Affairs, July-August 2002 v81 i4.
  • Somiedo, Juan Pablo. La Estructura y la Organización de los Grupos Terroristas Bajo la Óptica del Aprendizaje Organizacional. Documento Marco 24/2015, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 02 de octubre 2015.
  • Somiedo, Juan Pablo. Una Aproximación al Análisis de Riesgos Adversarios (ARS) Aplicado a la Lucha Contraterrorismo. Documento de Opinión 05/2014, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 04 de enero de 2014.
  • Stewart, Patrick. Weak States and Global Threats: Assessing Evidence of "Spillovers". Center for Global Development, Washington D.C. (USA) 2006.
  • Weiss, Thomas G., D. ConorSeyle, and Kelsey Coolidge. The Rise of Non-State Actors in Global Governance. Opportunities and Limitations: One Earth Future Foundation, Denver (Colorado, United States) 2013.

 

المراجع العربیة:

  • ·         أحمد الرشیدی، "إشکالیات الجدل الدولی حول مفهوم الإرهاب"، السیاسة الدولیة، عدد 204 أبریل 2016، ص ص 110-113.
  • ·         إسماعیل الإسکندرانی، الحرب فی سیناء: مکافحة إرهاب أم تحوّلات استراتیجیة فی التعاون والعداء؟

سلسلة: تحلیل سیاساتینایر 2014، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، الدّوحة، قطر 2014.

  • ·         عبد الباری عطوان، الدولة الإسلامیة: الجذور، التوحش، المستقبل. الطبعة الأولى 2015، دار الساقی بیروت لبنان 2015.
  • ·         جورج قرم، انفجار المشرق العربی: من تأمیم قناة السویس إلى غزو العراق 1956-2006. ترجمة د. محمد على مقلد، الطبعة الأولى 2006، دار الفارابی بیروت 2006.
  • ·         فواز جرجس، "فی "جحر الأرنب": بحثًا عن تاریخ داعش"، المستقبل العربی، أبریل 2016، العدد 446، السنة 38. مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت 2016.
  • ·         لینا الخطیب." استراتیجیة تنظیم الدولة الإسلامیة: باقیة وتتمدد". مرکز کارنجی للشرق الأوسط – مؤسسة کارنجی للسلام الدولی، دراسة، 29 یونیو 2015. http://carnegie-mec.org/2015/06/29/ar-pub-60542 (17/9/2016- 13:08)
  • ·         معتز محی الدین عبد الحمید، الإرهاب وتجدید الفکر الأمنی، الطبعة الأولى 2014، دار زهران للنشر والتوزیع، المملکة الهاشمیة الأردنیة 2014.

 

 

هوامش الدراسة
[1] Alonso, Rogelio. El Terrorismo Yihadista: Una Amenaza Híbrida, Cuadernos de Pensamiento Político, Fundación para el Análisis y los Estudios Sociales (Faes). Enero – Marzo 2015, pp. 61-80.
[2]لینا الخطیب." استراتیجیة تنظیم الدولة الإسلامیة: باقیة وتتمدد". مرکز کارنجی للشرق الأوسط – مؤسسة کارنجی للسلام الدولی، دراسة، 29 یونیو 2015. ص ص 1-4.
[3]Somiedo, Juan Pablo. La Estructura y la Organización de los Grupos Terroristas Bajo la Óptica del Aprendizaje Organizacional. Documento Marco 24/2015, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 02 de octubre 2015, pp 4-6.
[4]المصدر نفسه، ص 5.
[5] المصدر نفسه، ص 3.
[6]المصدر نفسه، ص 6.
[7]المصدر نفسه، ص 6.
[8]فواز جرجس، "فی "جحر الأرنب": بحثًا عن تاریخ داعش"، المستقبل العربی، أبریل 2016، العدد 446، السنة 38. مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت 2016. ص ص 33-51.
[9]Somiedo, Juan Pablo. p, 6.
[10]المصدر نفسه، ص 6.
[11]Blanco, Pablo Cañete, ¿Confrontar la Informalidad o Ser Parte de Ella? La Lucha Contra el Terror y los Límites Formales del Estado, Documento Marco 32/2015, Instituto Español de Estudios Estratégicos, ieee.es. Madrid 15 de diciembre 2015, pp. 2-3.
[12]Somiedo, Juan Pablo, La Estructura y la Organización de los Grupos Terroristas Bajo la Óptica del Aprendizaje Organizacional., pp. 7-10.
[13]نفس المصدر، ص 9.
[14]نفس المصدر، ص 10.
[15] نفس المصدر، ص 11.
[16]المصدر نفسه، ص 11.
13/09/2016 – 11:45.
[18]Carlos Alvarado y Castro, Daniel Araya y otros. El Terrorismo: ¿Actor o Fuerza Internacional?. Revista RELACIONES INTERNACIONALES 83 Escuela de Relaciones Internacionales. Universidad Nacional, Costa Rica enero-junio de 2012. pp. 243-260.
[19]Somiedo, Juan Pablo., p. 12.
[20]المصدر نفسه، ص 13.
[21]المصدر نفسه، ص 13.
[22]المصدر نفسه، ص ص، 13-14.
[23] المصدر نفسه، ص 15.
[24] المصدر نفسه، ص 17.
[25] المصدر نفسه، ص ص، 17-18.
[26]Stewart, Patrick. Weak States and Global Threats: Assessing Evidence of "Spillovers". Center for Global Development, Washington D.C. USA, 2006. pp. 7-8.
[27]Rotberg, Robert I. "Failed States in a World of Terror". Foreign Affairs, July-August 2002 v81 i4 p127.
[28]Levi, Lucio. "Global governance and its limitations. In "European democracy and cosmopolitan democracy, de Daniele Archibugi and Guido Montani, 159-186 – (160). The AltieroSpinelli Institute for Federalist Studies, Ventotene Italia: 2011.
[29]Weiss, Thomas G., D. ConorSeyle, and Kelsey Coolidge. The Rise of Non-State Actors in Global Governance. Opportunities and Limitations. Denver (Colorado, EstadosUnidos): One Earth Future Foundation, 2013. pp. 6-7.
[30]Higgott, Richard. Multilateralism and the Limits of Global Governance. Working Paper, Coventry. Centre for the Study of Globalisation and Regionalisation (CSGR), University of Warwick, Coventry, CV4 7AL, United Kingdom. May 2004. pp. 8-12. URL: http://www.csgr.org
[31]Kilci, Muammer. Terrorism and Globalization. sitio web de Academia.edu. s/fhttp://www.academia.edu/1636060/Terrorism_and_Globalization (15 de septiembre de 2016 – 12:35).
[32]Blanco, Pablo Cañete, pp. 8-9.
[33]Laborie Iglesias, Mario. La privatización de la seguridad. Las empresas militares y de seguridad privadas en el entorno estratégico actual. Madrid: Ministerio de Defensa. Secretaría General Técnica (Gobierno de España), 2012.p. 31.
[34]Blanco, Pablo Cañete, p. 6.
[35]کما هو حال فی حالة الدولة الإسلامیة، التی تحتل أجزاء من العراق وسوریا. تنظیم القاعدة فی بلاد المغرب الإسلامی، والتی تطور عملیاتها فی مالی والجزائر وحتى فی تونس. تنظیم القاعدة فی شبه الجزیرة العربیة، التی تقوم بعملیات بین الیمن والمملکة العربیة السعودیة؛ تنظیم القاعدة المرکزی بین أفغانستان وباکستان. حرکة الشباب، تقوم بعملیات المیدانیة فی الصومال، ولکنها تعمل أیضا فی کینیا. إلخ.
[36]على الرغم من أن الدولة الإسلامیة التی لها تأثیر هام هناک أیضًا العدید من المتمردین وجماعات إرهابیة فی مناطق متعددة، نیجیریا (بوکو حرام) ومالی (أنصار الدین)، الخ. حتى فی الصراع السوری، مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة: قوى الهیمنة العالمیة (الولایات المتحدة وروسیا) والإقلیمیة (إیران والسعودیة) والمیلیشیات (ألویة الدولة الشیعة أو أمراء الحرب)، الإرهاب العالمی التقلیدی لتنظیم القاعدة (مع شرکتها التابعة جبهة النصرة)، والهویات الإقلیمیة (الأکراد) أو الجیش السوری الحر.
[37]Hansen Lewis, Jamie y Saphiro, Jacob N. "Understanding the Daesh Economy." Perspectives on Terrorism, Terrorism Research Initiative (TRI), headquartered in Vienna (Austria), and the Center for Terrorism and Security Studies (CTSS), at the Lowell Campus of the University of Massachusetts (United States).Volume 9, Issue 4,August 2015. pp. 142-155. 
[38]Blanco, Pablo Cañete, p. 14.