ملامح النظام الأکاديمي المعاصر لدراسة الإدارة العامة في أوروبا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مصر

المستخلص

سعت الدراسة إلى التعرف على بعض أهم ملامح النظام الأکاديمي لدراسة تخصص الإدارة العامة في دول أوروبا بهدف الإلمام بالتوجهات الأکاديمية العامة في هذه البقعة المهمة من العالم الغربي حيث إسهاماتها في العناية بالحقل أسوة بمدارس الإدارة العامة الأمريکية، حيث أوضحت الدراسة بعض الملامح السائدة في مدارس وجامعات دول شرق ووسط  أوروبا ، دول غرب أوروبا (المدرسة الإنجليزية ، الفرنسية ، الألمانية) ، نماذج دول شمال وجنوب أوروبا، وقد بينت الدراسة أن التجربة الأوروبية غنية ليس فقط على مستوى الممارسات الإدارية بالأجهزة الحکومية، وإنما على مستوى الحقل الأکاديمي النظري أيضاً، حيث کان للتنوع الکبير في جانب الممارسة أثره على تنوع البرامج الدراسية المعنية بدراسة الإدارة العامة، وبالرغم من ذلک تبذل العديد من المؤسسات والاتحادات والمدارس الأوروبية جهوداً عديدة في سبيل الوصول لتصميم برامج دراسية تحمل الطابع الأوروبي الخالص بما يتماشى مع روح الاتحاد وتجربته في التکامل الإقليمي على مختلف الأصعدة المؤسسية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وفي سبيل ذلک استعرضت الدراسة بعض الجهود المؤسسية المبذولة في سبيل تطوير رؤية موحدة لدراسة الإدارة العامة من منظور أوروبي، مع بيان بعض العوامل الدافعة والمعززة لهذا الاتجاه والصعوبات والمشکلات التي تواجهه، وکذلک بعض مناطق التجديد البحثي في مجال الفکر الأوروبي المعاصر لدراسة الإدارة العامة.
 

نقاط رئيسية

سعت الدراسة إلى التعرف على بعض أهم ملامح النظام الأکادیمی لدراسة تخصص الإدارة العامة فی دول أوروبا بهدف الإلمام بالتوجهات الأکادیمیة العامة فی هذه البقعة المهمة من العالم الغربی حیث إسهاماتها فی العنایة بالحقل أسوة بمدارس الإدارة العامة الأمریکیة، حیث أوضحت الدراسة بعض الملامح السائدة فی مدارس وجامعات دول شرق ووسط  أوروبا ، دول غرب أوروبا (المدرسة الإنجلیزیة ، الفرنسیة ، الألمانیة) ، نماذج دول شمال وجنوب أوروبا، وقد بینت الدراسة أن التجربة الأوروبیة غنیة لیس فقط على مستوى الممارسات الإداریة بالأجهزة الحکومیة، وإنما على مستوى الحقل الأکادیمی النظری أیضاً، حیث کان للتنوع الکبیر فی جانب الممارسة أثره على تنوع البرامج الدراسیة المعنیة بدراسة الإدارة العامة، وبالرغم من ذلک تبذل العدید من المؤسسات والاتحادات والمدارس الأوروبیة جهوداً عدیدة فی سبیل الوصول لتصمیم برامج دراسیة تحمل الطابع الأوروبی الخالص بما یتماشى مع روح الاتحاد وتجربته فی التکامل الإقلیمی على مختلف الأصعدة المؤسسیة سواء السیاسیة أو الاقتصادیة أو الاجتماعیة، وفی سبیل ذلک استعرضت الدراسة بعض الجهود المؤسسیة المبذولة فی سبیل تطویر رؤیة موحدة لدراسة الإدارة العامة من منظور أوروبی، مع بیان بعض العوامل الدافعة والمعززة لهذا الاتجاه والصعوبات والمشکلات التی تواجهه، وکذلک بعض مناطق التجدید البحثی فی مجال الفکر الأوروبی المعاصر لدراسة الإدارة العامة.

الکلمات الدالة: : نظام أکادیمی ، برامج الإدارة العامة، البرامج الدراسیة الأوروبیة الموحدة لدراسة الإدارة العامة.

الكلمات الرئيسية


ملامح النظام الأکادیمی المعاصر لدراسة الإدارة العامة فی أوروبا

 

 

 

مستلخص:

سعت الدراسة إلى التعرف على بعض أهم ملامح النظام الأکادیمی لدراسة تخصص الإدارة العامة فی دول أوروبا بهدف الإلمام بالتوجهات الأکادیمیة العامة فی هذه البقعة المهمة من العالم الغربی حیث إسهاماتها فی العنایة بالحقل أسوة بمدارس الإدارة العامة الأمریکیة، حیث أوضحت الدراسة بعض الملامح السائدة فی مدارس وجامعات دول شرق ووسط  أوروبا ، دول غرب أوروبا (المدرسة الإنجلیزیة ، الفرنسیة ، الألمانیة) ، نماذج دول شمال وجنوب أوروبا، وقد بینت الدراسة أن التجربة الأوروبیة غنیة لیس فقط على مستوى الممارسات الإداریة بالأجهزة الحکومیة، وإنما على مستوى الحقل الأکادیمی النظری أیضاً، حیث کان للتنوع الکبیر فی جانب الممارسة أثره على تنوع البرامج الدراسیة المعنیة بدراسة الإدارة العامة، وبالرغم من ذلک تبذل العدید من المؤسسات والاتحادات والمدارس الأوروبیة جهوداً عدیدة فی سبیل الوصول لتصمیم برامج دراسیة تحمل الطابع الأوروبی الخالص بما یتماشى مع روح الاتحاد وتجربته فی التکامل الإقلیمی على مختلف الأصعدة المؤسسیة سواء السیاسیة أو الاقتصادیة أو الاجتماعیة، وفی سبیل ذلک استعرضت الدراسة بعض الجهود المؤسسیة المبذولة فی سبیل تطویر رؤیة موحدة لدراسة الإدارة العامة من منظور أوروبی، مع بیان بعض العوامل الدافعة والمعززة لهذا الاتجاه والصعوبات والمشکلات التی تواجهه، وکذلک بعض مناطق التجدید البحثی فی مجال الفکر الأوروبی المعاصر لدراسة الإدارة العامة.

الکلمات الدالة: : نظام أکادیمی ، برامج الإدارة العامة، البرامج الدراسیة الأوروبیة الموحدة لدراسة الإدارة العامة.

قائمة الاختصارات Abbreviations

شبکة مدارس الإدارة العامة فی دول شرق ووسط أوروبا

Network of Institutions and Schools of PA in Central and Eastern Europe        

NISPAcee

الشبکة الأوروبیة للإدارة العامة

The European Public Administration Network                                   

EPAN

الجمعیة الأوروبیة لاعتماد وجودة برامج الإدارة العامة

The European Association for Public Administration Accreditation 

EAPAA

برامج ماجستیر الإدارة العامة الأوروبیة

European Public Administration Master's                                                

EPAMs

اتحاد برامج ماجستیر الإدارة العامة الأوروبیة

The European Master of Public Administration  consortium  

EMPA

المعهد الأوروبی للإدارة العامة

The European Institute of Public Administration                   

EIPA

شبکة برامج الإدارة العامة الأوروبیة

Thematic Network in Public Administration                                            

TNPA

الجماعة العلمیة الأوروبیة للإدارة العامة

European Group of Public Administration                                          

EGPA

مقدمة:

    تمثل الحالة الأوروبیة فی مجال دراسة الإدارة العامة نموذجاً علمیاً ثریاً و جدیراً بالدراسة والاهتمام، حیث لعبت المدارس الأوروبیة والمعاهد والکلیات المتخصصة سواء فی مجال العلوم الإداریة أو المتخصصة فی مجال العلوم الاجتماعیة بوجه عام کالعلوم السیاسیة والقانون والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع – لعبت کلها دوراً مهماً فی إرساء دعائم الحقل والاعتراف به کمجال متخصص ومستقل فی دراسة موضوعات إدارة الشأن العام والسیاسات العامة والقطاع الحکومی وذلک بالتزامن مع إسهامات المدارس الأمریکیة على امتداد الزمن والعقود السابقة من عمر الحقل، على الرغم من أن الدعوة لإنشاء علم للإدارة العامة هی دعوة أمریکیة المنشأ بالأساس على ید العالِم الکبیر(وودرو ویلسون 1887 م)، إلا أن هذا لا یمحی أو ینکر الأثر الکبیر الذی ساهمت به مدارس الإدارة العامة الأوروبیة فی تطویر الحقل لاسیما إسهامات وأفکار عالم الاجتماع الألمانی الشهیر ماکس فیبر ودراساته عن البیروقراطیة وأنماط السلطة، دراسات الفرنسی هنری فایول عن التقسیمات الإداریة وغیرهم ..، وجهود العالِم الاقتصادی الألمانی لورنز فون ستین([1]) الذی یراه البعض أنه المؤسس الفعلی لحقل الإدارة العامة فی أوروبا، إلى جانب الإسهامات المعاصرة لمدارس دول غرب أوروبا (الإنجلیزیة ، الألمانیة ، الفرنسیة).

من هنا جاءت فکرة الدراسة حیث اهتمام الباحث بدراسة بعض الملامح الرئیسیة لدراسة تخصص الإدارة العامة فی الحالة الأوروبیة من الناحیة الأکادیمیة بهدف الوقوف على درجة تطور برامج دراسة الإدارة العامة فی المدارس الأوروبیة والخریطة الانتشاریة لهذه البرامج سواء فی نماذج دول غرب أوروبا أو الشمال حیث نماذج الدول الإسکندنافیة مروراً بدول شرق ووسط أوروبا، حیث الجهود والاتجاهات الحدیثة لتطویر برامج دراسیة فی مجال الإدارة العامة التی تحمل الطابع الأوروبی الموحد تماشیاً مع سیاسات الاتحاد وفکرة التکامل الإقلیمی بالکیان الأوروبی من ناحیة، إلى جانب البرامج المحلیة المنتشرة على صعید جامعات ومدارس الدولة الواحدة من ناحیة أخرى، وطبیعة المحددات والعوامل والأسباب التی دفعت الفکر الأوروبی المعاصر للتفکیر فی هذه المسألة، والکیانات المؤسسیة الداعمة لهذا التوجه الحدیث والجهود المبذولة لتحقیق هذا الغرض، مع الوقوف على بعض نقاط ومحطات التجدید فی دراسات الحقل بالکیانات الأکادیمیة الأوروبیة من حیث المشروعات المستقبلیة والأفکار البحثیة وقضایا الممارسة الجدیدة التی تشغل فکر الأساتذة والرواد والباحثین الأوروبیین ومراکز الفکر والرأی، وکذلک التعرف على بعض التحدیات والصعوبات التی تواجه النظام الأکادیمی الأوروبی المهتم بتخصص الإدارة العامة فی سبیل توحید معاییر أوروبیة موحدة لدراسة برامج الإدارة العامة لاسیما على مستوى مرحلة الماجستیر تماشیاً مع طبیعة الوحدة الأوروبیة ومؤسسات الاتحاد.

المشکلة البحثیة

یعود الفضل فی تطور علم الإدارة العامة کتخصص علمی مستقل إلى إسهامات کل من الفکر الأمریکی والفکر الأوروبی، وبالرغم من هیمنة النموذج الأمریکی على کثیر من دراسات الإدارة العامة سواء من حیث المؤلفات أو المنشورات العلمیة أو الحرکة البحثیة إلا انه لایمکن بأی حال من الأحوال إهمال أو تجاهل إسهامات المدرسة الأوروبیة فی تطور الحقل، خاصة مع تنامی اتجاه لإنشاء برامج دراسیة أکادیمیة فی تخصص الإدارة العامة تحمل الطابع الأوروبی الخالص Europeanization of Public Administration Studying، بل والدعوة أیضاً (لتدویل) هذه البرامج سواء على مستوى الماجستیر أو الدکتوراه أو بکلمات أخرى إکسابها صفة الدولیة Internationalization وجعلها منافسة حتى للنموذج الأمریکی، وقد أثارت هذه المتغیرات شغف الباحث من حیث التساؤل حول العوامل والأسباب التی دفعت الکیان الأوروبی للتفکیر فی هذا الاتجاه وحجم الجهود المؤسسیة التی تم بذلها للعنایة بهذا التوجه مع الوقوف على بعض نقاط التجدید فی دراسة الظاهرة الإداریة وقضایا الممارسة فی الفکر الإداری الأوروبی المعاصر. 

أهداف الدراسة

تهدف الدراسة للوقوف على عدة نقاط منها:

  1. الملامح العامة لدراسة الإدارة العامة فی نماذج ومدارس الإدارة العامة فی أوروبا.
  2. محددات فکرة التوجه الأوروبی لتوحید معاییر برامج دراسة الإدارة العامة.
  3. ملامح البیئة المؤسسیة الداعمة لتوجه إنشاء برامج أوروبیة المعالِم لدراسة الشأن العام.
  4. التجدید فی الفکر الإداری البحثی الأوروبی والتحدیات المحیطة به.

عرض الدراسات السابقة

توافرت لدى الباحث بعض الدراسات التی ناقشت الحالة الأکادیمیة لحقل الإدارة العامة فی الکیان الأوروبی ویمکن الإشارة لهذه الدراسات فی إطار محورین أساسیین على النحو التالی:

المحور الأول الدراسات التی اهتمت بحالة الأنظمة الإداریة السائدة بدول شرق ووسط أوروبا ومن ثم انعکاساتها على دراسة الإدارة العامة بهذه الدول :

دراسة د. آیة ماهر ، بعنوان " تجربة دول شرق ووسط أوروبا فی إصلاح نظم الخدمة المدنیة"([2])، حیث أشارت خلالها الباحثة إلى عدد من تجارب الإصلاح والتطویر الإداری بدول شرق ووسط أوروبا البالغ عددها 13 دولة تشمل ألبانیا، البوسنة-الهرسک، بلغاریا، جمهوریة التشیک، إستونیا، جمهوریة ماکدونیا، المجر، لاتفیا، لیتوانیا، بولندا، رومانیا، سلوفاکیا وسلوفانیا، حیث لم تبدأ عملیات الإصلاح والتطویر الإداری بأنظمة هذه الدول إلا بعد 1990 حیث تحررها من الحکم السوفیتی، فی حین أن برامج الإصلاح فی دول غرب أوروبا بدأت منذ 1960 على حد وصف الباحثة، ومع هذا فإن نماذج شرق ووسط أوروبا قد احتفظت لنفسها بطابعاً ممیزاً کنتاج لفترة الحکم السوفیتی التی مرت بها وأنها لم تتأثر بالدرجة المطلوبة بالثورة العلمیة والتکنولوجیة التی حظیت بها دول غرب أوروبا، لکن على الصعید الإداری بدأت تشهد بعض التحسن من خلال تلقی الدعم من منظمة التعاون الاقتصادی (OECD) والاتحاد الأوروبی فی إطار برامج تحسین الحوکمة والإدارة الحکومیة المعروفةب  SIGMAبدول شرق ووسط أوروبا خاصة ببدایات عقد التسعینیات، أما دراسة([3]) Juraj Nemec (edt.), Europeanization in Public Administration Reformsفقد سلطت الضوء على عدد من جهود الإصلاح والتطویر الإداری المتبعة فی أجهزة الخدمة المدنیة فی عدد من دول شرق ووسط أوروبا وما لذلک من انعکاسات على حالة حقل الإدارة العامة فی هذه النماذج، والمزایا والعیوب الناتجة عن انضمام بعض هذه النماذج لعضویة الاتحاد الأوروبی فی ظل تجربة الاندماج السیاسی والإداری والاقتصادی التی تعیشها دول الاتحاد، أما دراسةKatarína Staroňová & Gyorgy Gajduschek, , Public administration education in CEE countries: Institutionalization of a discipline ([4]) فقد رسمت بدورها إطاراً تحلیلیاً ممیزاً أفاد الباحث فی استشفاف ملامح حقل الإدارة العامة فی عدد من دول شرق ووسط أوروبا مثل سلوفاکیا، سلوفینیا، المجر، إستونیا، جمهوریة التشیک.. ، وقد توصلت هی الأخرى إلى أن نماذج دراسة الإدارة العامة فی هذه الدول لم تصل بعد لمستوى النضج المطلوب على غرار النماذج السائدة بباقی دول أوروبا.

المحور الثانی: الدراسات التی اهتمت بطبیعة النظام الأکادیمی السائد بدول غرب أوروبا وطرح فکرة المنظور الأوروبی الموحد لدراسة تخصص الإدارة العامة:

منها دراسة Marleen Brans & Laurien Coenen ,The Europeanization of Public Administration teaching([5]) التی ناقشت فکرة غیاب نمط موحد لبرامج دراسة الإدارة العامة بالجامعات الأوروبیة، وأن النظام الأکادیمی الأوروبی قد عانى من هذه المعضلة منذ أکثر من 25 عاماً على الرغم من الجهود التنسیقیة المشترکة بین دول الاتحاد لتحسین وتقریب الفجوات فی سیاسات التعلیم العالی، کما تناولت الدراسة بعض الجهود المؤسسیة الأوروبیة فی سبیل احتواء تلک الفجوة للتقریب بین المدارس الأوروبیة وصولاً لملامح مشروع موحد لبرامج دراسة الإدارة العامة فی أوروبا، لاسیما مشروع SOCRATES – ERASMUS ، والشبکة الأوروبیة للإدارة العامة، فی حین جاءت دراسة Jana Bertels, Geert Bouckaert, Werner Jann, "European Perspectives for Public Administration (EPPA)"([6])  ، وهی عبارة عن دراسة مسحیة إحصائیة حاول من خلالها الباحثین تحدید بعض مناطق التجدید فی حقل الإدارة العامة الأوروبی، مع تحدید بعض المشکلات والفجوات التی یعانی منها الحقل، مع محاولة لرسم صورة مستقبلیة تحمل ملامح الإدارة العامة کعلم أوروبی المعالم، أما دراسة  Tony Verheijen and Bernadette Connaughton, "Public Administration Education and  Europeanization: Prospects for The Emancipation of a Discipline? "([7]) فقد ساعدت الباحث على رسم إطاراً تحلیلیاً تاریخیاً لتطور برامج دراسة الإدارة العامة فی المدارس الأوروبیة المختلفة، المدرسة الأنجلوساکسونیة، المدرسة الفرنسیة النابلیونیة، المدرسة الألمانیة ، واتجاه دراسة التخصص فی عدد من دول شرق ووسط أوروبا، فی حین أن دراسة Shufeng Yan and Marleen  Brans, "European Approaches to MPA Education: Convergence and Divergence"([8])قد أفادت الباحث فی تسلیط الضوء على بعض الجهود المؤسسیة للنهوض بحقل الإدارة العامة على صورته الأوروبیة، بالإضافة للتطور التاریخی لدراسة هذه البرامج فی سیاق المدارس الأوروبیة على اختلاف توجهاتها ومذاهبها وخلفیاتها الدراسیة، مع التأکید على الطبیعة البینیة لحقل الإدارة العامة بالتناغم مع سائر تخصصات العلوم الاجتماعیة الأخرى خاصة العلوم السیاسیة والاقتصاد والقانون ومدرسة إدارة الأعمال وعلم النفس والاجتماع.

وقد أفاد الباحث من هذه الأدبیات والدراسات بشکل عام على النحو التالی:

  • ·         النظرة شبه الشاملة والعامة لحالة حقل الإدارة العامة فی نماذج دول الاتحاد الأوروبی.
  • ·         التمییز بین توجهات کبریات المدارس الأوروبیة من حیث الخلفیات العلمیة لتخصص دراسة الإدارة العامة فی کل من المدرسة الإنجلیزیة، الفرنسیة ، والألمانیة.
  • ·         التعرف على أبعاد بیئة الإدارة العامة فی نماذج دول شرق ووسط أوروبا وجهود التطویر المبذولة بها.
  • ·         التطور التاریخی لدراسة تخصص الإدارة العامة بالنظام الأکادیمی الأوروبی.

فی حین تتمثل مجالات الإضافة المتوقعة من هذه الدراسة لما سبقها من دراسات من خلال ما یلی:

  • ·         الإشارة لفکرة الوصول لرؤیة أو منظور أوروبی موحد لدراسة تخصص الإدارة العامة تماشیاً مع روح الاتحاد الأوروبی.
  • ·         استعراض الجهود المؤسسیة المبذولة لتحقیق رؤیة أوروبیة موحدة لدراسة تخصص الإدارة العامة.
  • ·         المشکلات التی تعتری عملیة تحقیق الهدف السابق.
  • ·         بیان بعض مناطق التجدید فی الفکر الإداری الأوروبی فیما یتصل بدراسة الموضوعات الجدیدة لدراسة الإدارة العامة.

  التساؤلات البحثیة

تنبع من المشکلة البحثیة التی رسمها البحث عدة تساؤلات بحثیة فرعیة یمکن بیانها على النحو التالی:

  1. ما هی أبرز ملامح تطور برامج دراسة الإدارة العامة فی المدارس الأوروبیة؟
  2. لماذا یتجه الفکر الأکادیمی الأوروبی لإنشاء برامج دراسیة لتخصص الإدارة العامة خالصة الطابع الأوروبی؟
  3. ما هی الجهود المؤسسیة الأوروبیة الداعمة لاتجاه توحید معالم دراسة الإدارة العامة ؟
  4. ما أبرز نقاط التجدید فی الفکر البحثی الإداری الأوروبی؟
  5. وما هی التحدیات التی تواجه فکرة توحید معاییر برامج دراسة الإدارة العامة؟

منهاجیة الدراسة

*        اعتمد الباحث فی معالجة فکرة البحث على أسلوب تحلیل المضمون الکیفی من خلال الرجوع إلى محتویات عدد من البرامج الدراسیة المتخصصة فی مجال الإدارة العامة بمدارس وجامعات عدد من دول الاتحاد الأوروبی بهدف تتبع مناطق الاستمرار والتغیر فی طبیعة الفکر الإداری الأکادیمی الأوروبی المعاصر تحدیداً فیما یتصل بطریقة تناول ودراسة موضوعات الإدارة العامة، ومن ثم الوقوف على مناطق التجدید والصعوبات التی تواجه المدارس الأوروبیة فی طریق التطویر وتوحید رؤیة مشترکة لدراسة تخصص الإدارة العامة على صعید الکیان المؤسسی الإقلیمی الأوروبی الموحد.

*        اعتمد الباحث على استخدام مصادر البیانات الثانویة والحدیثة قدر المستطاع للوقوف على الصورة الحالیة للقطاع الأکادیمی الأوروبی المتخصص فی مجال دراسات الشأن العام والحوکمة والسیاسات العامة، خاصة الدراسات المقارنة الحدیثة لبرامج الإدارة العامة فی بعض الجامعات والمدارس الأوروبیة بدول شمال وشرق ووسط وغرب أوروبا.  

تقسیم الدراسة

أولاً : تطور البرامج الأکادیمیة لدراسة الإدارة العامة فی أوروبا.

ثانیاً : خریطة الدراسة الأکادیمیة لتخصص الإدارة العامة فی المدارس الأوروبیة.

ثالثاً : فکرة الوصول لنمط أوروبی موحد لبرامج دراسة الإدارة العامة وتدویل هذه البرامج.

رابعاً: بعض الآلیات المؤسسیة الأوروبیة الداعمة لاتجاه تصمیم برامج أکادیمیة لدراسة الإدارة العامة وأدوات التنسیق المشترک بین المدارس الأوروبیة.

خامساً : بعض ملامح الاتجاهات الحدیثة فی الفکر البحثی الإداری الأوروبی.

سادساً : بعض التحدیات التی تواجه الحرکة الأوروبیة الحالیة فی مجال تطویر حقل الإدارة العامة. 

وفیما یلی تتناول الدراسة هذه الأفکار بمزید من التحلیل والعرض على النحو التالی..

 

أولاً : تطور البرامج الأکادیمیة لدراسة الإدارة العامة فی أوروبا

اقترنت البدایات الأولى للدراسة العلمیة للإدارة العامة فی القارة الأوروبیة بدراسة مفاهیم الدولة بوجه عام والعلوم السیاسیة والقانونیة بوجه خاص، إذ تم إنشاء أول برنامج لدراسة العلوم الکامیرالیة ([9]) فی بدایات القرن الثامن عشر المیلادی فی بروسیا (ألمانیا حالیاً) وکان محور الاهتمام الأساسی ینصب حول أمور تنظیم الدولة بالمفهوم الواسع للدولة ککیان قومی موحد, کما أن دراسة العلوم السیاسیة والعلوم القانونیة فی فرنسا فی القرن السابع عشر المیلادی قد لعبت دوراً مؤثراً فی التمهید لظهور تخصص الإدارة العامة کعلم نظری.

یرجع الفضل فی ظهور برامج دراسیة تعلیمیة مستقلة لدراسة الإدارة العامة فی القارة الأوروبیة تحدیداً إلى مدارس دول أوروبا الغربیة، لاسیما المملکة المتحدة وفرنسا وألمانیا الاتحادیة، حیث ظهور أول برامج دراسیة مستقلة عن العلوم والفروع المعرفیة الأخرى لدراسة الإدارة العامة وذلک منذ ما یربو على خمسة عقود من الزمان (50 عاماً) أی حقبة الستینیات تقریباً من القرن العشرین، ذلک أن حقل الإدارة العامة بطبیعة الحال هو من الحقول "الناشئة" حدیثة العهد إلى حد کبیر بالعلوم الاجتماعیة والإنسانیة إذا ما قورنت بالعلوم السیاسیة (الفلسفة الیونانیة والحضارة الأغریقیة 2300 عام) أو علم الاقتصاد (آدم سمیث 1776 م). ([10])

          ومع الارتباط التاریخی لظهور الإدارة العامة کأجهزة حکومیة مملوکة للدولة مع ظهور أول شکل من أشکالها، فقد عُدت الإدارة العامة جزءاً من علوم دراسة الدولة لاسیما العلوم السیاسیة، لذا کان من المنطقی الربط بین کلا الاتجاهین أی ربط الإدارة العامة کنشاط بالدولة، وربط علم الإدارة العامة کحقل دراسی بالعلوم السیاسیة، وفی سیاق الحالة الأوروبیة فی التاریخ المعاصر نجد أنفسنا أمام ثلاث أنماط من الأنظمة المرتبطة بنشأة الدولة، فهناک النظام الأنجلو ساکسونی ویمثله المملکة المتحدة، وهناک النظام النابلیونی وتمثله فرنسا، وهناک النظام الجرمانی وتمثلة ألمانیا الاتحادیة.([11])

أسفر التنوع فی أنماط الحکم والإدارة وفقاً لتقالید کل دولة أوروبیة عن وجود تباین کبیر فی أسالیب الإدارة العامة المتبعة داخل کل دولة أو داخل کل نموذج من هؤلاء، وبطبیعة الحال کان من المنطقی أن تتباین محتویات البرامج والمناهج التعلیمیة لدراسة موضوعات الإدارة العامة، ففی النمط الأنجلو ساکسونی (بریطانیا وأیرلندا) تأتی برامج الإدارة العامة متأثرة إلى حد کبیر بالمدرسة الاقتصادیة ومدرسة إدارة الأعمال حیث البیئة الرأسمالیة الصرفة، وفی النمط النابلیونی (فرنسا) تتأثر برامج الإدارة العامة بالعلوم السیاسیة والقانون والسیاسات الحکومیة وعلم النظم السیاسیة أو علم دراسة الحکومات، حیث ساد هذا الاتجاه فی العدید من نماذج دول غرب أوروبا ( فرنسا، أسبانیا، بلجیکا)، أما النمط الثالث (ألمانیا) تأتی برامج الإدارة العامة متأثرة بمفاهیم دولة القانون أو الدولة القویة والمدرسة القانونیة الحقوقیة التی سادت بدورها فی العدید من دول القارة الأوروبیة حتى فترة نهایة الحرب العالمیة الثانیة، حیث کانت الإدارة العامة کجهاز حکومی هی بمثابة أداة قویة وصارمة لتطبیق القانون وتنفیذ السیاسات العامة.

وبعد حقبة الحرب العالمیة الثانیة (منتصف الأربعینیات وبدایات الخمسینیات) بدأت برامج دراسة الإدارة العامة فی أوروبا فی التحول تدریجیاً من الصبغة القانونیة الجافة، إلى شکل أخرى جدید یمیل أکثر لتغلیب المدخل الإداری الاحترافی أکثر من مجرد دراستها من منظور المدخل القانونی الدستوری الرسمی المرتبط بنشأة الدولة مستفیداً فی نفس الوقت من المداخل الأخرى التی غلبت على دراسة الإدارة العامة ، کمدخل العلوم السیاسیة والقانون والاقتصاد وإدارة الأعمال وعلم النفس وعلم الاجتماع .. وغیرها من العلوم الإنسانیة والاجتماعیة، وبهذا یمکن القول أن دراسة الإدارة العامة الأوروبیة قد تحولت تدریجیاً من الطابع القانونی الرسمی إلى طابع جدید یتسم بثلاث سمات رئیسیة : ([12])

  1. الطبیعة البینیةInterdisciplinary: أی إمکانیة دراسة علم الإدارة العامة کتخصص علمی من زاویة المدخل السیاسی أو الاقتصادی أو إدارة الأعمال أو المخل النفسی السلوکی دراسة تامة على أن تکون المادة الأساسیة للدراسة أو المفهوم المحوری محل الترکیز هو مفهوم الإدارة العامة أو الجهاز الإداری نفسه کمادة أساسیة للتحلیل.
  2. التعددیة المعرفیةMultidisciplinary: حیث إمکانیة دراسة أی مجال معرفی من مجالات العلوم الاجتماعیة والإنسانیة المستقلة على أن یکون التحلیل الإداری جزءاً من مادتها أو على الأقل إحد موضوعاتها محل النقاش أو الدراسة، وبالتالی الحدیث عن تطبیقات للإدارة والسیاسات العامة فی إطار العلوم السیاسیة أو الاقتصاد أو علم النفس والاجتماع .. وغیرها.
  3. الإدارة العامة کتخصص قائم بذاته Self-Standing Specialization مندرجاً فی إحدى المدارس العلمیة کالعلوم السیاسیة أو الاقتصاد أو القانون أو إدارة الأعمال، واعتباره تخصصاً دراسیاً أکادیمیاً قائماً بذاته بکامل استقلالیته ولکن فی سیاق مدرسة علمیة أو کلیة لا تحمل بالضرورة مسمى العلوم الإداریة.

تتسم عملیة التغییر التی مر بها حقل الإدارة العامة فی أوروبا بوجه عام بأنها عملیة تغییر "تطوریة" تراکمیة تدریجیة أکثر من کونها عملیة تغییر"ثوریة" جذریة ، فظهور أقسام مستقلة لدراسة الإدارة العامة فی أوروبا هی ظاهرة حدیثة نسبیاً بالرغم من أن دراسات الحوکمة والإدارة العامة لیست بجدیدة على المجتمع الأکادیمی الأوروبی، بید أن النظام الأکادیمی المعاصر لدراسة للإدارة العامة فی أوروبا بدأ فی النهضة فعلیاً من بعد فترة الحرب العالمیة الثانیة على النحو التالی:

  1. تم إنشاء معهد الدراسات السیاسیة فی فرنسا عام 1945م وأعقبه المدرسة الوطنیة الفرنسیة للإدارة العامة ENA ، حیث کان لنشأتها إحداث نقلة نوعیة فی أنظمة الالتحاق بالجهاز الحکومی الفرنسی وأجهزة الخدمة المدنیة الفرنسیة بوجه عام، حیث کان الانتساب لهذه المدرسة وتلقی التأهیل العلمی اللازم بها شرطاً أساسیاً لاستقطاب المورد البشری العامل بالأجهزة الحکومیة الفرنسیة إلى جانب الإلمام بالمعرفة القانونیة، هذا إلى جانب قیام معهد العلوم السیاسیة بإنشاء قسم مستقل بالإدارة العامة ذو حیثیة ومکانة بارزة، تلاه عدد کبیر من الأقسام الأخرى المتخصصة فی الإدارة العامة فی العدید من الجامعات الفرنسیة.
  2. وفی الفترة من منتصف الخمسینیات وحتى بدایة السبعینیات من القرن العشرین (1955 – 1970) تم إنشاء العدید من أقسام الإدارة العامة بعدد من الجامعات الأوروبیة تحدیداً فی کل من إیطالیا، فنلندا، ألمانیا، بلجیکا، المملکة المتحدة، ومن ثم بدأت عملیة الحد من غلواء الطابع القانونی الرسمی إلى الطابع العملی لأجهزة الخدمة المدنیة الأوروبیة من خلال تعزیز المهارات الإداریة الاحترافیة والمهنیة للعاملین بهذه الأجهزة والکیانات الحکومیة، بالتالی التحول من الطابع القانونی الذی هیمن على الأداء الإداری الأوروبی لعقود طویلة إلى الطابع المهنی الاحترافی العملی بمفاهیم الإدارة الحدیثة، وقد کان لتقریر لجنة فولتون الصادر عام 1968م بالمملکة المتحدة أثراً کبیراً للتحول فی ذلک الاتجاه بالدعوة إلى احترافیة الأداء المهنی المبنی على تعزیز قدرات العامل العلمیة والتحلیلیة.
  3. تلا ما سبق موجة جدیدة من التطور فی مستهل عقد الثمانینیات 1980م مع تأسیس برامج جدیدة مستقلة لدراسة الإدارة العامة فی کل من هولندا وأیرلندا والبرتغال، إلى جانب ذلک فقد أضفى تأسیس برامج الإدارة العامة المستقلة بالجامعات الفرنسیة والیونانیة والأسبانیة المزید من الاستقلالیة العلمیة على مجال دراسة الإدارة العامة کمجال أو حقل دراسی معترف به رسمیاً داخل الکیان الأوروبی.
  4. وبحلول منتصف الثمانینیات والتسعینیات وبدایة الألفیة الثالثة ومع موجة الإدارة العامة الجدیدة NPM بدأت برامج الإدارة العامة التقلیدیة فی تطویر فرضیاتها العلمیة بالاتجاه شیئاً فشیئاً نحو مدارس إدارة الأعمال وبرامجها الدراسیة لدمج الکثیر من فرضیاتها ومفاهیمها العلمیة وتأسیس روابط مشترکة فیما بینها وبین اتجاه الإدارة العامة لا سیما فی حالة المملکة المتحدة وأیرلندا وهولندا وفنلندا تماشیاً مع برامج الخصخصة والتحول الکامل نحو آلیات القطاع الخاص والسوق.([13])
  5. ومن الجدیر بالذکر أنه قبل بدایة الألفیة الثالثة (حقبة التسعینیات) کانت منظومة برامج دراسة الإدارة العامة تفتقر بشکل واضح للصبغة الأوروبیة المتلائمة مع جانب الوحدة الأوروبیة الناشئة ووروح الاتحاد وسیاساته ومؤسساته الموحدة، أما الآن وبعد مُضی أکثر من 25 عاماً، استجابت تقریباً نصف البرامج الدراسیة فی الجامعات الأوروبیة لهذا البُعد، وأخذت على عاتقها لدی تصمیم مقرراتها مراعاة هذا التوجه الوحدوی بعد أن کان غائباً بشکل لافت للنظر فی برامج دراسة الإدارة العامة بالمدارس الأوروبیة، مع الأخذ فی الاعتبار مراعاة بُعد الثقافة عبر القومیة فی نطاق الإقلیم الأوروبی، إلى جانب التحسین المستمر لبیئة البحث العلمی فی القارة الأوروبیة خاصة فی مجال الإدارة العامة، وتحسین مهارات البحث العلمی ومنهاجیاته لدى الباحثین والطلاب الشباب والفئات العمریة المتفاوتة من الملتحقین بهذه البرامج، کما أنها قد أولت عنایة خاصة بالمقررات المعنیة بتعلیم مناهج البحث وطرقه ومهاراته وجعلتها فی القلب من تصمیم برامجها الدراسیة سواء على مستوى البکالوریوس أو برامج الدراسات العلیا، وقد کان لجعل بیئة العمل الحکومی والوقع العملی حیث مشکلات الأجهزة الإداریة الحقیقیة بمثابة جزءاً لا یتجزأ من بنیة البرامج والمقررات، مما کان له أثر إیجابی بعض الشیء للحد من الفجوة بین النظریة والممارسة فی الفکر الإداری الأوروبی المعاصر خاصة فی ظل بیئة تتسم بالتخصص الشدید، والبحث العلمی الممنهج، على الرغم من أن تلک المعضلة لم تجد لها حلاً جذریاً بعد، على الأقل فی السیاق الأوروبی بشهادة العدید الأساتذة والخبراء.([14])

ثانیاً : خریطة الدراسة الأکادیمیة لتخصص الإدارة العامة فی المدارس الأوروبیة

تختلف مجالات اهتمام علم الإدارة العامة على صورته الأوروبیة باختلاف نموذج الدولة، ذلک أنه لاتوجد قواعد صالحة للعمل فی کل زمان ومکان، کما نستطیع أن نتلمس وجود أو اندماج تخصص الإدارة العامة فی قلب العدید من المدارس والتخصصات العلمیة سواء من إدارة أعمال أو الاقتصاد أو العلوم السیاسیة أو القانون فی قلب الحالة الأوروبیة، مما یعکس معها بقوة الطبیعة البینیة لحقل الإدارة العامة على الأقل داخل الإقلیم الأوروبی.([15])

فلقد شهد تخصص الإدارة العامة فی قارة أوروبا العدید من المسمیات المعبرة عن حالة الحقل والتغیرات التی لحقت به حیث تتباین وتتفاوت هذه المسمیات للأقسام أو حتى المدراس العلمیة المعبرة عن تخصص الإدارة العامة، بدایة من الإدارة العامةPA (Public Administration)  حیث الإدارة الحکومیة فی صورتها الکلاسیکیة کما عبر عنها نموذج ماکس فیبر، مروراً بعقد الستینیات حیث تغیر المسمى داخل الجامعات الأوروبیة لاسیما المملکة المتحدة تأثراً بتوجهات المدرسة الأمریکیة حیث تحول المسمى إلى السیاسات العامة PP (Public Policy schools) إلى جانب تغلیب لغة التحلیل الکمی والعنایة بمخرجات السیاسات العامة والبرامج الحکومیة وتأثیرات السیاسات المتبعة على المجتمع، وبعد ذلک بما یقرب من 20 عاماً أی بدایات الثمانینیات تغیر المسمى إلى PM (Public Management)  حیث الإدارة العامة الحکومیة بأسالیب القطاع الخاص أو قطاع الأعمال، ثم ظهر مفهوم الإدارة العامة الجدیدة New Public Management  (NPM) تعبیراً عن مصالح المواطن تغیر النظرة نحوه کمالک للخدمة العامة ولیس مجرد متعامل سلبی متلقی للخدمة إلى جانب تغلیب مسألة العدالة الاجتماعیة فی السیاسات، ثم تغیرت المسمیات إلى مفهوم الخدمة العامة الجدیدة أوNPS(New Public Service) فی إشارة لدور أکثر إیجابیة للمواطن حیث الاتجاه للمشارکة فی صنع السیاسات العامة وأسالیب توصیل الخدمة العامة ولیس مجرد انتظارها فی صورتها النهائیة بناءاً على طلبه والحدیث عن مفهوم القیمة العامة، وأخیراً ولیس آخراً تتحدث الأدبیات الغربیة عن مسمى جدید لدراسات الحقل فی إطار ما یعرف بمدرسة الحوکمة العامة الجدیدة أو NPG (New Public Governance) حیث تغلیب القیم اللیبرالیة الغربیة الحرة فی النشاط الإداری والعمل العام من حیث النزاهة والشفافیة واحترام حقوق الإنسان.([16])

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: الباحث.

وبتأمل السیاق الأکادیمی الأوروبی فی تخصص الإدارة العامة یلاحظ وجود أکثر من نموذج أو إطار لدراسة حقل الإدارة العامة باختلاف المدارس والتجارب الدولیة ونظرتها لنشاط الإدارة العامة على النحو التالی:

  1. المدرسة الإنجلیزیة فی الإدارة العامة (النموذج الأنجلوساکسونی Anglo-Saxon Model)
  • ·         یمثل هذه المدرسة بشکل أساسی (المملکة المتحدة / أیرلندا).
  • ·         بحلول أواخر الستینیات والسبعینیات کانت برامج الإدارة العامة فی المملکة المتحدة جزءاً من برامج العلوم السیاسیة، إلى جانب اقترابها إلى حد کبیر من حقول اجتماعیة أخرى لاسیما الاقتصاد والسیاسات الاجتماعیة ودراسات التنظیم الإداری، وإدارة الأعمال والمالیة العامة ، والقانون.
  • ·         مع تقلص حجم الاقبال الطلابی على دراسة برامج الإدارة العامة فی بریطانیا أوائل التسعینیات، تم غلق الکثیر من هذه النوعیة من البرامج لاسیما برامج الماجستیر، أما البرامج التی استمرت فی العمل فقد أُعید تصمیم بنیتها ومحتواها العلمی والدراسی بحیث أصبحت أقرب لبرامج دراسة السیاسات العامة أو برامج لدراسة إدارة الأعمال الحکومیة أو الإدارة العامة بأسلوب إدارة الأعمال وذلک کجزء من بنیة مدارس إدارة الأعمال بالجامعات البریطانیة خاصة تحت تأثیر کل من برامج الخصخصة وتأثیرات مدراس الولایات المتحدة الأمریکیة وحرکة إعادة اختراع الحکومة.
  • ·         الترکیز على دراسات نظریة الخیار العام، ودراسة الخبرة البریطانیة فی مجال الإدارة العامة الجدیدة.
  • ·         دراسة أداء کل من أجهزة الإدارة العامة على المستویین المرکزی وأداء الأجهزة المحلیة.
  • ·         العنایة بدراسة الأداء السیاسی والإداری لکیان الاتحاد الأوروبی ومؤسساته الموحدة کجزء أساسی من برامج الإدارة العامة والعلوم السیاسیة.([17])
  • ·         عادةً لا تمیل المدرسة الإنجلیزیة لإیجاد حواجز فاصلة بین تخصص الإدارة العامة فی صورتها التقلیدیة أو الإدارة العامة بمفاهیم إدارة الأعمال، حیث غالباً ما یسود بها هذا التیار الأخیر أی الإدارة العامة بمفاهیم الأعمال أو القطاع الخاص، إلى جانب بعض تأثیرات مدرسة العلوم السیاسیة والعلوم القانونیة.
  • ·         تکاد تقترب توجهات المدرسة الإنجلیزیة مع توجهات المدرسة الأمریکیة فی دراسة الإدارة العامة Traditional U.S.A type  ، حیث حقل الإدارة العامة وفقاً للمفهوم الأمریکی أکثر دینامیکیة وأکثر حیویة بمفهوم الP.M  .
  1. المدرسة الفرنسیة فی الإدارة العامة (النموذج النابلیونی Napoleonic Model)
  • ·         یمثل هذا النموذج فی بعض الدول على سبیل المثال (فرنسا / الیونان / أسبانیا / البرتغال/ إیطالیا).
  • ·         تتسم برامج دراسة الإدارة العامة فی هذا النموذج بالتأثر الکبیر بنموذج الدولة الفرنسیة بوجه عام لاسیما التطورات السیاسیة والاجتماعیة العدیدة التی مرت بها الدولة فی تاریخها حیث میراث الدولة المرکزیة القویة .
  • ·         التأثر الشدید بالقانون والعلوم القانونیة لاسیما القانون الإداری خاصة فی فترة الستینیات ثم تراجعت هذه النبرة بحلول أواخر الثمانینیات مع بروز نماذج دراسة السیاسات العامة .
  • ·         ظلت برامج دراسة الإدارة العامة فی الحالة الفرنسیة مزیجاً من نظریة القانون، نظریة الإدارة العامة الحکومیة بأسلوب إدارة الأعمال، العلوم السیاسیة، وبالتالی أصبحت من المشکلات التی تواجه المنظرین فی هذا الصدد هو صعوبة تحدید مجال دراسة الإدارة العامة، هل هی بیئة السیاسات أم السیاسات العامة نفسها أم القانون الإداری أم نظریة التنظیم الإداری بمفاهیم إدارة الأعمال خاصة بعد بروز تیار الإدارة العامة الجدیدة.([18])

 

  1. المدرسة الألمانیة فی دراسة الإدارة العامةTraditional Teutonic Model)  )
  • ·          تتضح معالم هذه المدرسة على سبیل المثال فی دول (ألمانیا/المجر/هولندا/ سویسرا).
  • ·         قبل تطور نموذج الإدارة العامة الجدیدة NPM ، اتسمت برامج الإدارة العامة فی النموذج الألمانی بهیمنة الفکر القضائی والقانونی على کثیر من دراساتها.
  • ·         الترکیز على دراسة تاریخ البلاد، القانون العام، المؤسسات ، النظام القضائی.
  • ·         التأثر الکبیر بمدخل البیروقراطیة وأفکار ماکس فیبر ومعاییر الإدارة بالمفهوم الکلاسیکی التقلیدی.
  • ·         ساعد على ذلک سیادة نمط دولة الرفاهیة والتدخل الکبیر للدولة فی الحیاة الاقتصادیة والنشاط العام من بعد الحرب العالمیة الثانیة وحتى حقبة منتصف السبعینیات.
  • ·         الترکیز على دراسة الإدارة العامة لیس فقط من زاویة المدخل الإداری، بل مدخل العلوم السیاسیة ، علم الاجتماع ، علم النفس، إدارة الأعمال، الأخلاقیات، القانون ..إلخ.
  • ·         بعد ظهور تیار الإدارة العامة الجدیدة، سیطر المدخل الاقتصادی بشکل کبیر على دراسات الحقل فی ألمانیا حیث تأثیرات نظریات الاقتصاد اللیبرالی الحر ومفاهیم القطاع الخاص على لغة الخطاب العلمی والأکادیمی فی حقل الإدارة العامة وتأثیرات مدارس إدارة الأعمال، خاصة مع الحرکة الإصلاحیة الکبیرة التی شهدتها دول أوروبا وبرامج الخصخصة وموجة الحوکمة للأجهزة الإداریة وأعمال الحکومة.([19])
  • ·         التحول من الإدارة العامة بمفهوم ال P.A کنتاج للنموذج الکلاسیکی للإدارة کما تصوره ماکس فیبر، إلى الإدارة العامة بمفهوم ال P.M حیث الإدارة العامة بمفاهیم القطاع الخاص ولغة الاقتصاد وقطاع الأعمال والشرکات بالأسلوب الاحترافی المهنی والاقتصادی الذی یحافظ على الموارد ویحسن استثمارها بما یحقق أعلى ربحیة ممکنة، حیث تأتی دراسة الإدارة العامة فی الکثیر من الجامعات الألمانیة فی إطار مدارس علم الاقتصاد ، وبالتالی الإدارة العامة هنا بالمفهوم الاقتصادی هو المذهب المهیمن على المدرسة الألمانیة فی دراسة الإدارة العامة وأنها وفقاً لهذا المنظور لیست مجرد على اجتماعی تقلیدی بقدر ما هو علم مرتبط أکثر بالمدرسة الاقتصادیة وأقسام الاقتصاد بالجامعات الألمانیة، حیث القائمین على دراسة وتدریس العلم الإداری هنا هم اقتصادیین أکثر من کونهم إداریین أو متخصصین فی العلوم الاجتماعیة فی صورتها الفلسفیة النظریة.

 

 

  1. المدرسة الإسکندنافیة فی دراسة الإدارة العامة Scandinavian Nordic Model))
  • ·         یمثل هذا التوجه على سبیل المثال دول (فنلندا / السوید / الدنمارک / النرویج).
  • ·         تتشابه ملامح نموذج برامج الإدارة العامة فی الدول النوردیة (الإسکندنافیة) إلى حد کبیر مع ملامح النموذج الألمانی حیث تأثیر المدرسة القانونیة على دراسات الإدارة العامة منذ زمن بعید حیث میراث الدولة القویة وسیطرة لغة القانون العام والدستوری، ولکن ما عانت منه هذه الدول هو أن مدارس الإدارة العامة التی وجدت بها لم تکن بمثل مستوى القوة والرصانة کمثیلاتها الموجودة فی النماذج الأخرى، إذ أنها کانت فی بدایات إنشائها فی أوائل السبعینیات لاتعدو عن کونها مجرد مراکز لتدریب کوادر الخدمة المدنیة، ثم ما لبثت إلا أن تأثرت بتیار الإدارة العامة الجدیدة وافتراضات مدارس إدارة الأعمال.([20])
  1. اتجاه دراسة الإدارة العامة فی دول شرق ووسط أوروبا Post Communism States Model))
  • ·         تتضح بعض معالم ذلک النموذج على سبیل المثال ولیس الحصر فی کل من (المجر، سلوفینیا ، سلوفاکیا ، إستونیا ، جمهوریة التشیک).([21])
  • ·         ترجع تاریخ الدراسة العلمیة للإدارة العامة فی دول شرق ووسط أوروبا إلى ما یربو على27 عاماً (أی تقریباً فترة الثمانینیات) حیث غلبت علیها فی بدایاتها الطبیعة القانونیة والنواحی التنظیمیة الرسمیة لِبنى وهیاکل المؤسسات العامة المملوکة للدولة، غیر أن برامج الإدارة العامة بمفاهیم الأعمال ذات الصبغة اللیبرالیة الأنجلوساکسونیة (تأثیرات المدارس الأمریکیة والإنجلیزیة التی سیطرت ولا تزال تسیطر على الخط العام الحالی لبرامج دراسة الإدارة العامة) هی حدیثة العهد نسبیاً بالنظام الأکادیمی بهذه الدول حیث لم تقترب برامج دراسة الإدارة العامة من هذا الإطار فی دول شرق ووسط أوروبا إلا من فترة وجیزة بفعل تأثیر الحکم السوفیتی السابق أوائل التسعینیات حیث الاقتصاد المخطط مرکزیاً والقائم على مبادیء الاشتراکیة وسیطرة الدولة وزیادة رقعة الجهاز الحکومی المعاون للدولة فی تنفیذ سیاساتها العامة، وبالتالی کان لهذا انعکاساته على البدایات الأولى لبرامج دراسة الإدارة العامة من حیث غلبة الطابع الرسمی والقانونی على دراساتها وتأثرها بالتیار الاقتصادی الاشتراکی على مبادیء کارل مارکس الذی هیمن بدوره على کثیر من دراسات الإدارة العامة فی جامعات هذه البقعة من أوروبا، حیث لم یکن فی نفس الوقت لبرامج العلوم السیاسیة فی جامعات هذه الدول والأنظمة شعبیة کبیرة (قبل سقوط الاتحاد السوفیتی) على غرار النهج اللیبرالی مقارنة بتخصصات العلوم القانونیة ودراسات الاقتصاد الاشتراکی.([22])

ومع مطلع عقد التسعینیات من القرن العشرین، ومع سقوط الشیوعیة بدأت دول وسط وشرق أوروبا فی التکیف عملیاً مع الوضع الجدید حیث إعادة بناء مؤسساتها السیاسیة والحکومیة على أسس لیبرالیة، إلا أنها تعثرت فی بدایاتها مرات عدیدة فی سیاق الفترة الانتقالیة التی مرت بها کأی دولة إلا أنها لم تتخلص جذریاً من کثیر من الممارسات الإداریة المستندة للقوة والسلطة والنفوذ وتأکید سطوة الدولة التی تخللت أداءات بیروقراطیاتها فی فترة ما بعد سقوط الشیوعیة، غیر أن العدید من الأنظمة الأوروبیة التی تدین بالمذهب اللیبرالی الغربی قد حاولت مراراً خاصة من خلال أذرعها السیاسیة والمالیة (البنک الدولی، صندوق النقد الدولی، منظمة دول ال OECD ..) إمدادها بالمساعدات والبرامج التنمویة أملاً فی التخلص من آثار الحقبة السوفیتیة.

وبهذا وجدت أنظمة الإدارة العامة بهذه الدول أمام العدید من الخیارات والنماذج لإعادة تشکیل أجهزتها الإداریة حیث بیروقراطیات ما بعد الحقبة السوفیتیة، فکان أمامها خیار النموذج الأنجلوساکسونی، أو النموذج الفرنسی أو النموذج الألمانی، ومن ثم بدأت آثار اللیبرالیة الغربیة فی الظهور ببرامج دراسة الإدارة العامة بدول شرق ووسط أوروبا، خاصة بعد عام 1994 م حیث إنشاء (شبکة مدارس الإدارة العامة فی دول شرق ووسط أوروبا المعروفة اختصاراً باسم NISPAcee) بتمویل أجنبی ودعم من الجمعیة الأوروبیة لاعتماد وجودة برامج الإدارة العامة EAPAA ، حیث اتجهت ال NISPAcee لإقامة روابط بحثیة مشترکة مع جامعات ومعاهد الإدارة العامة بدول أوروبا الغربیة فتم عقد المؤتمرات وتبادل الخبرات فی المجال سواء فیما تعلق بالممارسات الإداریة أو خبرات التدریس والبحث العلمی، ومع هذا لاتزال حالة الأجهزة الإداریة ومستوى الأداء الإداری فی تلک الدول فی طور النمو، فلم تصل بعد لدرجة النضج الذی وصلت إلیه باقی دول غرب أوروبا على الرغم من الجهود المبذولة، وقد کان لهذا الأمر انعکاساته على حالة حقل الإدارة العامة بهذه الدول. ([23])

وعلى الرغم مما سبق، إلا أنه لا تزال العدید من برامج دراسة الإدارة العامة فی نماذج دول شرق ووسط أوروبا تتسم بالسمات التالیة: ([24])

  • ·         أنها لا تزال فی تصمیم محتواها العلمی بعیدة بعض الشیء عن التوجهات المعاصرة واللیبرالیة الغربیة الحدیثة فی دراسة الإدارة العامة بوصفهاPublic Management  إذ أنها لاتزل أقرب لنموذج الPublic Administration فی الصورة الکلاسیکیة التقلیدیة.
  • ·         تغلب علیها الصبغة الاقتصادیة والناحیة الرسمیة القانونیة ، إلى جانب بعض التأثر بالعلوم السیاسیة.
  • ·         کثیر من برامجها الدراسیة أقرب لدراسة مؤسسات الدولة من الناحیة الرسمیة والقانونیة مع ضعف التحلیل الإداری.
  • ·         برامجها أقرب للوصف "شبه إداریة – اقتصادیة" أکثر من کونها برامج إدارة عامة أو سیاسات عامة بالمفهوم اللیبرالی الأنجلو ساکسونی (الولایات المتحدة، والمدرسة البریطانیة).
  • ·         لایزال یبدو علیها بعض سمات الحقبة الاشتراکیة فی بعض الأحیان، أی ظروف وملابسات الحقبة السیاسیة التی نشأت خلالها الأنظمة السیاسیة لتلک البقعة على وجه التحدید من بقاع القارة الأوروبیة.
  • ·         لاتزال تعتمد مقرراتها على الأسلوب التقلیدی فی التدریس حیث المحاضرة التقلیدیة وغیاب التفاعل الجماعی وتبادل وجهات النظر وورش العمل وأسلوب العمل الجماعی التفاعلی فی قاعة الدراسة.(([25]
  • ·         الترکیز الکبیر على البُعد النظری مع إهمال الجانب العملی التطبیقی بعض الشیء، مما نتج عنه فجوة کبیرة بین النظریة والممارسة، وبالتالی القصور فی تلبیة احتیاجات الدارسین من الممارسین.
  • ·         ضعف توظیف لغة التحلیل الکمی الإمبریقی فی محتویات مقرراتها الدراسیة.
  • ·         تصمیم محتوى المقررات الدراسیة لایعبر بشکل واضح عن هویة محددة لحقل الإدارة العامة .
  • ·         التنوع الشدید فی محتوى البرامج الدراسیة ما بین القانون والعلوم السیاسیة والاقتصاد لا یعکس تبلوراً واضحاً لتخصص الإدارة العامة، إلى جانب أن نسبة غیر قلیلة من القائمین على العملیة التدریسیة هم من خلفیات قانونیة تعمل بالقضاء والمحاماة ومرفق العدالة أکثر من کونهم متخصصین فی العلوم الإداریة على إطلاقهم، إلى جانب نسبة متزایدة من المنتمین لمدارس الاقتصاد.
  • ·         الکثیر من البرامج الدراسیة للإدارة العامة تفتقر إلى معاییر الجودة والاعتماد الرسمیة وهذا یتضح أکثر فی بعض نماذج الجامعات الخاصة فی کل من سلوفاکیا وجمهوریة التشیک.
  • ·         وجود فجوة بین عرض الإدارة العامة من البرامج الدراسیة الأکادیمیة، وبین طلب السوق علیها خاصة من الممارسین الحکومیین.
  • ·         یبقى القول أن السمة العامة الغالبة على هذه النوعیة من البرامج فی مجموعة دول شرق أوروبا هی أنها متباینة عن بعضها البعض حتى فی نطاق الدولة الواحدة، وأنها بذلک بعیدة عن الإطار الدولی العالمی بمعاییر المدارس الأمریکیة ومدارس غرب أوروبا حیث البرامج الدراسیة ذات الصبغة اللیبرالیة صاحبة التحلیل الکمی الإداری المتقن.

ثالثاً : فکرة الوصول لنمط أوروبی موحد Europeanization لبرامج دراسة الإدارة العامة وتدویل Internationalization هذه البرامج

أسفرت تجربة التکامل والاندماج الأوروبیة عن منح دراسات الإدارة العامة الأوروبیة طابعاً خاصاً، فمع الاتجاه نحو المؤسسیة الأوروبیة والحدیث عن فکرة السیاسات الأوروبیة الموحدة وآلیات تنفیذها المشترکة، وبالرغم من أنه حتى عهد قریب لم یکن هناک ثمة نمط موحد لدراسة موضوعات الإدارة العامة فی المدارس والمعاهد الأوروبیة المعنیة بالعلوم الإداریة بفعل التنوع الکبیر فی ظروف کل دولة من دول الاتحاد الأوروبی ال 28، ومع التباین فی بنیة ووظائف أجهزة الإدارة العامة الحکومیة داخل کل دولة أو نموذج، فقد انعکست تأثیرات کل ذلک على بنیة ومحتوى برامج دراسة الإدارة العامة فی الکلیات والمعاهد الأوروبیة، ففی مسح أجراه أحد الباحثین 2014 حول أنماط البرامج الدراسیة المتخصصة فی دراسة الإدارة العامة شارکت فیه35 جامعة من 21 دولة أوروبیة مختلفة حول تصنیف تخصصات البرامج الدراسیة المعنیة بالإدارة العامة أو إدارة الشأن العام (عینة 46 برنامج دراسی ما بین الماجستیر والدکتوراه)، أمکن تبویب وتصنیف هذه البرامج وفقاً لمادتها الأساسیة أو محور تخصصها على النحو التالی:

v     برامج ترکز على طبیعة العملیة الإداریة و الإجرائیة فی القطاع الحکومی.

v     برامج ترکز على عملیة صنع وإعداد السیاسات العامة.

v     مفاهیم الخدمة العامة والسیاسات.

v     إنتاجیة القطاع الحکومی.

v     توظیف الطرق العلمیة والمنهاجیة فی حل مشکلات الجهاز الإداری.

v     الشأن أو الحیز الحکومی العام بمفهوم ال Public Domain.([26])

وعلى الرغم من ذلک هناک مساعی حثیثة نحو ما یعرف بعملیة (أوربة Europeanization) البرامج الدراسیة للإدارة العامة بوصفها برامج "أوروبیة المحتوى والمنشأ" برعایة المؤسسة المسئولة عن منح الاعتماد لتلک البرامج أی " الجمعیة الأوروبیة للإدارة العامة ".([27])

مع التباین الکبیر فیما بین الأنظمة الأوروبیة سواء من حیث طبیعة البرامج الدراسیة العلمیة المتخصصة فی مجال الإدارة العامة أو من حیث طبیعة الممارسات الإداریة التی تتم داخل الأجهزة الحکومیة الأوروبیة على أرض الواقع، ومع الجهود التی یبذلها الاتحاد الأوروبی لتوحید سیاسات دوله الأعضاء والمناخ الإداری داخل أنظمة هذه الدول فی ظل تفاوت الخلفیات الثقافیة والحضاریة والاجتماعیة لدول الاتحاد، حیث أن بعضها یصطبغ بالصبغة القانونیة، والبعض الآخر بالصبغة الإداریة الرسمیة، والبعض الآخر ملتزم بالتوجه اللیبرالی نحو قیم الحوکمة، مع کل هذه الشواهد والملابسات خاصة مع مطلع التسعینیات بدأ الفکر الأکادیمی الأوروبی المعنی بتخصص الإدارة العامة فی التفکیر جلیاً بشأن توحید معاییر تدریس وتعلیم مجال الإدارة العامة لتتماشى مع سیاق الوحدة الأوروبیة ، وهو ما تبلور بشکل أوضح مع قیام الجمعیة الأوروبیة للإدارة العامة بمنح الاعتماد وشهادات الجودة للبرامج الدراسیة الأکادیمیة بالمعاییر الأوروبیة الجدیدة الموحدة فی عدد من جامعات ومدارس أوروبا بوجه عام مع بدایات تأسیس الجمعیة عام 1999 م.([28])

یکاد یتفق رواد المدارس الأوروبیة حول إیجاد نوع من التوازن بین مسألة دراسة برامج الإدارة العامة على مستوى الماجستیر والدکتوراه من منظور أوروبی فی السیاق القومی الإقلیمی الموحد، وفی نفس الوقت عدم إهمال العامل الوطنی فی تزوید الخریجین بالمعارف الوطنیة المتخصصة حسب حالة کل دولة لتؤهلهم لشغل الوظائف بالقطاع الحکومی بالدول التی ینتمون إلیها، فعلى سبیل المثال یلاحظ أن تخصص الإدارة العامة فی فرنسا إنما یأتی عبر کلیات القانون والحقوق وبعض کلیات العلوم السیاسیة ومدارس العلوم الاجتماعیة، ویختلف الوضع عنه فی هولندا حیث ینفرد تخصص الإدارة العامة بمدارس ومعاهد وکلیات متخصصة ومستقلة بذاتها وفی بعض الأحیان تقترن مع تخصص العلوم السیاسیة، أما فی دول وسط وشرق أوروبا نجد أنه عادة ما یندرج تخصص الإدارة العامة فی سیاق مدارس وکلیات الاقتصاد تأثراً بالحقبة الاشتراکیة التی مرت بها عدد من هذه الأنظمة حیث فترات الأنظمة الاقتصادیة مرکزیة التخطیط، فی حین أنه تشیر خبرة المملکة المتحدة فی دراسة المجال إلى أن البیت الرئیسی لتخصص الإدارة العامة إنما یأتی فی إطار مدارس إدارة الأعمال، هذا تقریبا هو حال أکثر من 191 برنامج دراسی حالیاً على المسرح الأوروبی على مستوى الماجستیر والدکتوراه، فهی إما تنتمی لبیت العلوم السیاسیة أو إدارة الأعمال والأقتصاد أو العلوم القانونیة، وذلک بحسب خلفیة البیئة المحلیة التی یصطبغ بها المجتمع وذلک على مدار آخر 25 عام من عمر الحقل فی الحالة الأوروبیة على وجه الخصوص.([29])

ومن أمثلة برامج ماجستیر الإدارة العامة الأوروبیة EPAMs ، برنامج ماجستیر السیاسات الأوروبیة بمعهد دراسات الحوکمة بالجامعة الکاثولیکیة بمدینة لیفین، بلجیکا، والمصنفة الثالثة على مستوى أوروبا من حیث أفضل المعاهد الأوروبیة المتخصصة فی دراسات الإدارة العامة لعام 2015م، حیث رُوعِی فی تصمیم البرنامج أن یعکس الطابع الأوروبی من خلال حزمة المقررات والمحتوى العلمی الموجه للدارسین، حیث یضم عدداً من المقررات الأساسیة والاختیاریة: ([30])

جدول یبین طبیعة موضوعات المقررات برنامج ماجستیر السیاسات الأوروبیة بمعهد دراسات الحوکمة بالجامعة الکاثولیکیة، بلجیکا

المقررات الإجباریة الأساسیة

المقررات الاختیاریة

  1. الإدارة العامة الأوروبیة المقارنة
  2. نماذج محاکاة الإدارة المقارنة
  3. الأبعاد الاقتصادیة والسیاسیة لتجربة الاندماج الأوروبی الموحد
  4. الإدارة العامة المقارنة بمفاهیم القطاع الخاص فی أوروبا
  5. السیاسات الأوروبیة وصنع القرار: (کورس متقدم)
  6. السیاسات العامة المقارنة فی أوروبا

 

  1. المؤسسات الإقلیمیة: السیاسة والسیاسات.
  2. القانون الدستوری للاتحاد الأوروبی
  3. قوانین الأمن الاجتماعی الأوروبی.
  4. تاریخ تجربة الاندماج الأوروبی
  5. الأبعاد الإداریة للاندماج الأوروبی
  6. الأبعاد السیاسیة للاندماج الأوروبی
  7. النظم الفیدرالیة المقارنة
  8. إدارة الصراع والأمن الأوروبی
  9. آلیة حل المشکلات السیاسیة فی المجتمعات المنقسمة ثقافیاً
  10. نظام الحمایة القضائیة فی الاتحاد الأوروبی
  11. نماذج مشکلات مختارة من القانون الدولی ومنظماته
  12. التطورات المعاصرة لتجربة الاتحاد الأوروبی
  13. التغیرات السیاسیة فی بیئة دول وسط وشرق أوروبا
  14. جماعات الضغط فی الاتحاد الأوروبی
  15. الفلسفة السیاسیة والاجتماعیة
  16. قاعة بحث
  17. التطور الإنسانی للشباب والطفولة الأوروبیة
  18. فلسفة القانون
  19. بیئة السیاسة الدولیة والتنمیة المستدامة

 

المصدر: الجدول من تصمیم الباحث، أما مصدر المحتوى الموقع الإلکترونی لمعهد دراسات الحوکمة بالجامعة الکاثولیکیة ببلجیکا:

 Catholic University Leuven, Belgium, Public Governance Institute, Master in European Politics and Policies.

 

والسؤال الآن الذی یتبادر إلى الذهن، هو أنه لماذا تسعی المؤسسات الجامعیة والأکادیمیة الأوروبیة صاحبة برامج وتخصصات الإدارة العامة إلى تعمیق البُعد الأوروبی فی سیاق برامجها الدراسیة وذلک بالرغم من أن دراسة الإدارة العامة والحوکمة لیست بالجدیدة على المجتمع الأکادیمی الأوروبی، لعل مرد ذلک کما وضحت الأدبیات إلى ما یلی:

  1. تزاید أعداد الملتحقین بهذه البرامج خاصة من فئات الشباب من کل أنحاء أوروبا بل ومن کل أنحاء العالم ، ومن ثم الرغبة فی نشر مذهب أوروبی موحد الطابع فی دراسة الإدارة العامة وآلیات إعداد السیاسات العامة خاصة فی ظل تجارب التکامل الإقلیمی والحدیث عن فکرة تطویر سیاسات عامة دولیة موحدة.([31])
  2. الانفتاح الکبیر الذی یسود بین دول الاتحاد الأعضاء، ومن ثم زیادة أعداد الملتحقین بالعمل فی الأجهزة الحکومیة ذات الطابع العمومی، سواء تلک الأجهزة على مستوى الدولة الواحدة، أو تلک الأجهزة المسئولة عن صناعة وتنفیذ السیاسات على المستوى الإقلیمی الموحد بین دول الاتحاد، فمع حریة الانتقال والحق فی ممارسة العمل وشغل الوظائف العامة والتقدم لها أصبحت احتمالات قبول العمالة الأوروبیة الوافدة من دول الاتحاد الأقران کبیرة فی الالتحاق بالوظائف العامة فی نطاق الدولة العضو خاصة فی ظل السعی الحثیث لکل دولة فی جذب واستیعاب أکبر قدر ممکن من الکفاءات داخل أنظمتها الوطنیة بغض النظر عن معیار الجنسیة.([32])
  3. أهمیة اکتساب الفئات الملتحقة بالعمل الحکومی أکبر قدر ممکن من المعرفة العلمیة المتخصصة فی مجال الإدارة العامة خاصة تلک المعرفة المشبعة بالفکر الأوروبی الاتحادی ذو الطابع الخالص تماشیاً مع الوضع السیاسی والاقتصادی والاجتماعی فی ظل حرکة الاندماج والتکامل الإقلیمی، ومع شیوع فکر وقیم الحوکمة بین دول الاتحاد.([33])
  4. زیادة عدد المشروعات والشراکات التعاونیة بین دول الاتحاد وبعضها البعض مما یستدعی انتقال أفراد عبر الحدود وبالتالی زیادة حاجتهم لفهم طرق وآلیات العمل الإداری للمؤسسات والقواعد الحاکمة للنشاط العام، ومن ثم زیادة استعداد الخبرات والکفاءات الفردیة – سواء الوطنیة أو الوافدة - لمرشحی الخدمة المدنیة للعمل لیس على مستوى المحلی والإقلیمی بل وعلى المستوى الدولی أیضاً .
  5. زیادة الرغبة فی تعمیق بُعد المواطنة لیس فقط على نطاق الدولة الواحدة بل على نطاق الإقلیم الأوروبی ککل وبالتالی المواطن عضو جهاز الخدمة المدنیة لیس بوصفه موظفاً أو مواطناً فرنسیاً أو ألمانیاً بل مواطن أو موظف عام "أوروبی" لیکتسب بذلک مفهوم المواطنة بُعداً جدیداً فی وصفه، وهو ما یستدعی بطبیعة الحال ضرورة تعزیز الطابع الثقافی والتراثی المتنوع والمتباین مع الاختلاف فی الثقافات والشعوب الأوروبیة المتباینة فی تاریخها ولغاتها وعاداتها وتقالید دولها المحلیة والتراثیة.

ومع الجهود الأوروبیة الحکومیة المبذولة للتکامل على مختلف الأصعدة والمستویات من حیث حرکة توحید السیاسات والإجراءات الحکومیة، وجدت الأمور مؤخراً طریقها للحراک فی اتجاه مغایر، حیث الحدیث عن إمکانیة توحید أو على الأقل المقاربة بین برامج دراسة الإدارة العامة فی شکل برامج دراسیة مصممة لهذا الغرض - سواء کان على مستوى الماجستیر أو الدکتوراه أو حتى لنیل درجة البکالوریوس - بما یعکس سیاسة الاتحاد الأوروبی ومؤسساته، حیث أصبح التوجه الأوروبی المعاصر یدور حول إیجاد نوع من التکامل والتناغم المعرفی والدراسی فی النظام الأکادیمی لدراسة الإدارة العامة، فی صورة برامج أوروبیة الطابع خالصة المعالم، بحیث تعکس الأداء الأوروبی الإداری الموحد أو الممکن توحیده على الأقل داخل المؤسسات الحکومیة الأوروبیة وصولاً لإمکانیة تعمیمه أو وصوله لدرجة العالمیة لیمثل نموذجاً دولیاً معتمداً على مستوى دول العالم أجمع بل ومنافساً للأسلوب أو النمط الأمریکی وذلک على حد تعبیر الکثیر من أساتذة ورواد الحقل بالجامعات الأوروبیة.([34])

 وهذا یفتح الباب أمام تسلیط بعض الضوء على بعض الجهود المؤسسیة الأوروبیة الداعمة فی هذا المجال وهو ما یتضح من خلال السیاق التالی..

رابعاً: بعض الآلیات المؤسسیة الأوروبیة الداعمة لاتجاه تصمیم برامج أکادیمیة لدراسة الإدارة العامة وأدوات التنسیق المشترک بین المدارس الأوروبیة

تزخر البیئة الأکادیمیة الأوروبیة بالعدید من المقومات المؤسسیة الداعمة لاتجاه تقریب الرؤى والنماذج البحثیة الأوروبیة فیما یتعلق بالدراسة العلمیة لتخصص الإدارة العامة من منظور أوروبی، وکخطوة عملیة لتحقیق هذا الهدف، أفادت الجهود الأوروبیة الداعمة لهذا الاتجاه من وجود العدید من الکیانات المؤسسیة القادرة على تحقیق ذلک على النحو التالی:

  1. صدور العدید من الإعلانات الأوروبیة الإقلیمیة الداعمة لاتجاه لتوحید سیاسات التعلیم العالی فی دول الاتحاد بوجه عام منها على سبیل المثال: ([35])
  • ·         إعلان السوربون Sorbonne 2002 م:

والذی هدف إلى ضرورة إیجاد سیاسات تناغمیة موحدة ومتسقة مع بعضها البعض داخل الکیان الأوروبی الموحد فیما یتصل بسیاسات التعلیم العالی الأوروبی بالجامعات المعاهد والمؤسسات الأکادیمیة بوجه عام لتکون قادرة على الوصول لأعلى درجات التمیز والقدرة على المنافسة خاصة مع النظام الجامعی المتبع فی کلیات ومعاهد الولایات المتحدة الأمریکیة سواء على مستوى البکالوریوس أو برامج الماجستیر أو برامج الدکتوراه.

  • ·         إعلان Bologna 2002 م:

والذی سار على نفس درب إعلان السوربون، حیث التأکید على نفس النهج الوحدوی للتنسیق بین سیاسات التعلیم العالی بالجامعات الأوروبیة بهدف تعزیز مجالات التعاون المشترک بین مختلف المؤسسات الجامعیة القائمة على إدارة منظومة التعلیم العالی الأوروبی من حیث المحتوى العلمی للبرامج الدارسیة، برامج التدریب ورفع الکفاءة المهنیة، زیادة معدلات الحراک الطلابی للدارسین بل والقائمین بالتدریس فی شتى الجامعات الأوروبیة.

  • ·         إعلان براج Prague:

الذی دعا لرسم خطط تنفیذیة ترجمة التوصیات الواردة بالإعلانات سالفة البیان ووضعها موضع التنفیذ والتطبیق الفعال على أرض الواقع، من حیث تطویر البرامج التعلیمیة الحالیة وتعزیز مجال الابتکار المعرفی وتطویر البنى التحتیة لمرفق التعلیم الجامعی، بحیث تصبح الجامعات الأوروبیة بمثابة مرجعیة عالمیة من حیث معاییر الجودة وأسوة لجمیع جامعات العالم فی المستقبل القریب.

  1. تعزیز برامج الدراسة الأوروبیة المقارنة للإدارة العامة:

استجابة لما سبق، شرعت العدید من البرامج الدراسیة الأوروبیة المنتشرة فی جمیع أنحاء أوروبا وجامعاتها وبرامجها الأکادیمیة المتخصصة فی الإدارة العامة فی العنایة بصورة کثیفة بمقررات الإدارة العامة المقارنة الأوروبیة، بل وجعلت منها مقررات أصیلة ذات طبیعة إجباریة فی العدید من برامج ماجستیر الإدارة العامة ولیس على مستوى برامج الدکتوراه فحسب، إلى جانب تدریس آلیات اتخاذ القرار الأوروبیة الموحدة، وأسالیب إدارة مؤسسات الاتحاد الأوروبی وآلیات وطرق عملها، لیس هذا فحسب، بل وتطرقت المؤسسات الجامعیة الأوروبیة لفکرة إنشاء شبکة أو اتحاد مشترک فیما بینها یجمع ما بین هذه المؤسسات والأقسام والمعاهد العلمیة المتخصصة فی برامج الإدارة العامة بهدف تبادل المعلومات والخبرات والمعارف والبحوث والطاقات البحثیة الشابة والمؤلفات والدوریات والبعثات والمؤتمرات والندوات وکافة الأنشطة الأکادیمیة والفکریة والبحثیة والعلمیة ذات الصلة ببرامج دراسة الإدارة العامة، حیث لعبة المفوضیة الأوروبیة دوراً بارزاً فی هذه المسألة.([36])

  1. تعزیز البُعد الأوروبی فی دراسة الإدارة العامة (Europeanization of PA Programs) من خلال استثمار جهود وأنشطة برنامج SOCRATES – ERASMUS  لنشر برامج ماجستیر الإدارة العامة الأوروبیة فی النطاق الإقلیمی عبر دول الاتحاد الأوروبی:
  • ·         یشیر البرنامج الفرعی الأول SOCRATES إلى کونه نافذة مفتوحة لتطویر الأنشطة العلمیة والأکادیمیة داخل وعبر الجامعات الأوروبیة .
  • ·         بینما یشیر البرنامج الفرعی الثانی من هذا المشروع ERASMUS([37]) إلى کونه برنامجاً للتبادل الطلابی والبعثات العلمیة کنافذة لتعزیز البعد الأوروبی فی البرامج الدراسیة الأکادیمیة، وهو فی الواقع تم إطلاقه بدءاً من عام 1987 م بهدف إتاحة فرص التعلیم واکتساب ثقافات الدول عبر إقلیم أوروبا شاملاً دول الاتحاد الأوروبی الأعضاء ودول شرق أوروبا، بالإضافة إلى کل من أیسلندا، إمارة لختنشتاین، النرویج , ومن الجدیر بالذکر أن برنامج ERASMUS یستحوز على أکثر من55% من إجمالی التمویل الموجه للمشروع ککل (SOCRATES – ERASMUS) والبالغ 920 ملیون یورو ما بین أعوام 1995 – 1999 م .
  1. تدویل برامج دراسة الإدارة العامة الأوروبیة خارج نطاق الاتحاد الأوروبی على مستوى العالم Internationalization of European PA Programs)) من خلال استغلال إمکانیات برنامج  ERASMUS - MUNDUS :
  • ·         یهدف هذا البرنامج إلى تعزیز مجالات التعاون والحراک العلمی فی برامج التعلیم العالی الأوروبیة مع کل دول العالم بما یجعل من منظومة التعلیم العالی الأوروبیة بمثابة مرکزاً للتمیر التعلیمی والعلمی على مستوى العالم بالمنافسة مع القوى العالمیة، حیث تمتد أذرع هذا البرنامج إلى کل من دول العالم الثالث بهدف تنمیة وتطویر القدرات والطاقات البشریة بهدف التبادل الثقافی والمعلوماتی وإشاعة ثقافة الحوار عبر الحضارات بین مختلف الشعوب والجنسیات الأوروبیة وغیر الأوروبیة.
  • ·         تجری وقائع وفعالیات هذا المشروع بدعم مادی وفنی من مجلس دول الاتحاد الأوروبی والبرلمان الأوروبی الموحد بمیزانیة مخصصة لهذا الغرض (بلغ قدرها 300 ملیون یورو فی 2008 م).([38])
  • ·         یغطی هذا المشروع عدة بقاع من العالم بما فی ذلک الولایات المتحدة الأمریکیة وکندا، ودول الاتحاد السوفیتی السابق، ومجموعة دول غرب البلقان ومنغولیا، إلى جانب مجموعة دول حوض البحر الأبیض المتوسط من شرکاء الاتحاد الأوروبی من منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب عدد من دول أمریکا اللاتینیة، وأسترالیا والیابان وبعض النماذج الآسیویة.
  • ·         ومقارنة بمشروع SOCRATES - ERASMUS، فإن المشارکین ببرامج وأنشطة مشروع ال ERASMUS MUNDUS هم أعضاء من مختلف المؤسسات التعلیمیة من شتى دول العالم ، وهذا یعنی أن دائرة التعاون فی نشر الفکر الإداری الأوروبی لیست قاصرة على النطاق الإقلیمی لدول الاتحاد فحسب بل ممتدة لتشمل مؤسسات ومعاهد وجامعات خارج نطاق الکیان الأوروبی برمته.
  1. شبکة برامج الإدارة العامة الأوروبیةThematic Network in Public Administration (TNPA)([39])

أ‌-                   تضم هذه الشبکة فی عضویتها أکثر من 122 من المؤسسات الأکادیمیة والمعاهد الأوروبیة المتخصصة فی برامج الإدارة العامة سواء على مستوى البکالوریوس أو الدراسات العلیا، وهی تسعى باستمرار لزیادة أعضائها تحقیقاً للغرض الذی أنشات من أجله کخطوة نحو تدویل برامج الإدارة العامة الأوروبیة، فهی تراعی فی نفس الوقت ضم الجامعات ذات التخصصات الأصیلة فی مجال الإدارة العامة بحیث تکون هذه الشبکة ممثلة للقارة الأوروبیة قدر المستطاع فی تخصص الإدارة العامة، وتحقیقاً لذلک لجأت الشبکة لإبرام عدد من التشبیکات مع کیانات مشابهة ومناظرة على المستوى الإقلیمی مثل شبکة معاهد الإدارة العامة بدول وسط وشرق أوروبا NISPAcee. ([40])

ب‌-                 تعمل الشبکة کمحور ارتکاز أو قاعدة تنطلق منها المبادرات الساعیة لتعزیز البعد الأوروبی فی مجال دراسة الإدارة العامة وتنفیذ المشروعات العلمیة والأنشطة المتصلة بهذا الغرض تحت إشرافها ورعایتها مثل مشروعات برنامج SOCRATES  - ERASMUS .

ج‌-             تمثل الشبکة وعاءاً کبیراً ومرکزاً لتبادل الآراء ووجهات النظر فیما بین المؤسسات الأکادیمیة الأوروبیة المتخصصة فی مجال الإدارة العامة حیث مناقشة التحدیات والصعوبات التی تواجه الحقل من جهة، وکذا مناقشة المشکلات العملیة الحیة التی تشوب بعض أداءات أنظمة الإدارة العامة الحکومیة بأجهزة الخدمة المدنیة الأوروبیة من ثم اقتراح الحلول لها واقتراح خطط وبرامج الإصلاح والتطویر الإداری.

د‌-               العمل على تعزیز جانب المعرفة العلمیة المتخصصة فی مجال الإدارة الحکومیة لدى المسئولین الحکومیین الملتحقین بالبرامج الدراسیة المتخصصة فی الإدارة العامة.

هـ- قامت الشبکة بتنفیذ العدید من المشروعات العملیة المحققة لأهدافها على النحو التالی :

  • · فمثلاً أول مشروع تبنته الشبکة کان بعنوان (تعزیز البعد الأوروبی فی البرامج الأکادیمیة لدراسة الإدارة العامة فیما بین 1997 – 2000 م) بهدف الوقوف على حالة العلم فی صورته الأوروبیة تعزیزاً لروح الإدارة الحکومیة الأوروبیة به مع إمکانیة الوصول لملامح موحدة ومعاییر لتوحید الصورة العامة للحقل على النطاق الأوروبی بما فی ذلک دول شروق ووسط وغرب أوروبا.
  • · مشروع (أسلوب بناء الشبکات الموحدة کإستراتیجیة لتعزیز البعد الأوروبی فی برامج دراسة الإدارة العامة) بهدف تصمیم نظام یتیح البیانات والمعلومات بشکل مقارن عن مجمل أجهزة الإدارة العامة الأوروبیة.
  • ·  عقد شراکات بین الجامعات وأقسام الإدارة العامة، تبادل المعلومات والدراسات والطلاب، تعزیز الصلات والروابط مع الشبکات الأخرى المناظرة خاصة تلک فی شرق ووسط أوروبا (NISPAcee) والجماعة العلمیة الأوروبیة للإدارة العامة (EGPA).
  • ·  تقدیم الدعم الفنی للجمعیة الأوروبیة لاعتماد وجودة برامج الإدارة العامة (EAPAA) بهدف توحید وضبط معاییر الجودة والتمیز للبرامج الدراسیة على اختلاف مستویاتها.
  • · مد روابط الصلة والتعاون المشترک بین الجامعات الأوروبیة والکلیات المتخصصة فی العلوم الإداریة، ومعاهد التدریب الإداری للعاملین الحکومیین على المستویین المحلی والإقلیمی.
  • ·  بحث عقد شراکات علمیة أکادیمیة وتبادل خبرات مع دول عبر الأطلنطی، ودول حوض البحر المتوسط .
  • · الاشتراک فی النقاش حول تطویر المقررات والمناهج العلمیة الرئیسیة التی سوف یتم الاعتماد علیها لتعکس البعد الأوروبی فی البرامج الدراسیة الموجهة للفئات المختلفة من الدارسین مثل برنامج الماجستیر الأوروبی للإدارة العامة EMPA  الذی یضم فی هیکله أکثر من جامعة مشترکة فیه سواء بأساتذة أو مقررات ، على رأسها جامعة لایدن  Leiden ، روتردام  Rotterdam، بودابست Budapest ، سبیر Speyer ، لیفربول Liverpool ، فاسا Vaasa ، تارتو Tartu .
  • · بناء النماذج الدراسیة والتعلیمیة المشترکة لتعزیز الانتاج الأوروبی العلمی المشترک فی محتوى برامج دراسة الإدارة العامة.
  • · تأسیس درجات علمیة مشترکة بین أکثر من جامعة أو معهد علمی فی أکثر من دولة أوروبیة لنیل الماجستیر والدکتوراه فی تخصص الإدارة العامة الأوروبیة.
  • · تنظیم برامج تدریبیة مشترکة بین اکثر من جهة أو دولة أو جامعة تضم متخصصین من الأساتذة الأکادیمیین والممارسین للعمل العام والنشاط الحکومی داخل المعسکرات الصیفیة وورش العمل والمؤتمرات الدولیة لمناقشة ما یستجد من مسائل وقضایا نظریة وعملیة تتعلق بجانب التخصص.([41])
  1. اتحاد برامج ماجستیر الإدارة العامة الأوروبیة EMPA([42])

یعد هذا الکیان المؤسسی أحد أهم الکیانات العلمیة المسئولة عن برامج التبادل الطلابی والبعثات المتخصصة بدرجة ماجستیر الإدارة العامة والدراسات المقارنة فی أوروبا، بالإضافة للعدید من الشراکات مع برامج مماثلة فی نطاق إقلیم دول حوض البحر المتوسط.

  1. المعهد الأوروبی للإدارة العامة The European Institute of Public Administration (EIPA)

جاء إنشاء المعهد الأوروبی للإدارة العامة فی مدینة ماتریخت عام 1981 م لیکون واحداً من أکبر المراکز الفکریة الأوروبیة Think Tank المتخصصة فی دراسة مشکلات الإدارة العامة فی دول أوروبا بفروعه المنتشرة فی کل من لکسمبرج وبرشلونة، کأحد جهود تدعیم فکرة التکامل والاندماج الأوروبی ومرکزاً من مراکز التمیز الفکری فی المجال الإداری، حیث تقوم رسالة المعهد([43]) على مد ید العون الفنی والعلمی لدول الاتحاد الأوروبی لتدعیم وصقل وتنمیة القدرات الإداریة للعاملین الحکومیین الأوروبیین بأجهزة الخدمة المدنیة بدول الاتحاد قاطبة بل والدول الأخرى غیر الأوروبیة التی تربطها صلات وعلاقات تعاون مع الاتحاد الأوروبی، ویقوم المعهد برسم خطط تدریبیة لتدریب الکوادر الحکومیة الأوروبیة إلى جانب عقد المؤتمرات الدولیة والندوات وورش العمل وبرامج التعلم الإلکترونی، ویحظى المعهد بدعم کبیر من المفوضیة الأوروبیة، کما تمول أنشطته وبرامجه من الموازنة العامة للاتحاد الأوروبی.([44])

  1. الجماعة الأوروبیة للإدارة العامة EGPA ([45])
  • · وهی إحدى الکیانات الأوروبیة المعنیة بتطویر حقل الإدارة العامة لیس فقط على مستوى أوروبا بل تطویر الحقل على صعید عالمی وذلک بالتعاون مع المعهد الدولی للعلوم الإداریة (IIAS) فی بروکسل – بلجیکا، بالإضافة للاهتمامات البحثیة المتعلقة ببنیة أجهزة الإدارة العامة الأوروبیة وحالة القطاع العام الأوروبی.
  • · تعمل على تقییم جهود وبرامج الإصلاح الأوروبی بشکل مقارن بین دول الاتحاد، مسائل الحوکمة والشفافیة ومکافحة الفساد الإداری ومشکلات الأجهزة الإداریة الأوروبیة بوجه عام.([46])
  1. الجمعیة الأوروبیة لجودة واعتماد برامج الإدارة العامة EAPAA ([47])

أنشأت الجمعیة عام 1999م على غرار الاتحاد الوطنی الأمریکی لمدارس الإدارة والشئون العامة بالولایات المتحدة ((NASPAA, USA وذلک بهدف منح شهادات الجودة والاعتماد الأوروبیة لبرامج الإدارة العامة بدول الاتحاد الأعضاء مع تعزیز البعد الابتکاری فی المقررات الدراسیة وتطویر المناهج الجامعیة المتخصصة فی دراسة الإدارة العامة فی أوروبا.

10. الشبکة الأوروبیة للإدارة العامةEPAN ([48])

  • ·         تهتم الشبکة بفکرة المدارس الصیفیة Summer Schools من خلال تنظیم عدد من برامج التدریب الصیفی للطلاب والباحثین من مختلف الدول الأوروبیة حول طرق وأسالیب إعداد الدراسات المقارنة.
  • ·         دراسة الأنماط الإداریة السائدة بحکومات الدول الأوروبیة على نحو مقارن.
  • ·         تعزیز فکرة التعلم بالمشکلات PBL (Problems Based Learning) .
  • ·         منهاجیات البحث العلمی الحدیثة بحقل الإدارة العامة.
  • ·         تکنولوجیا المعلومات الإداریة وغیرها ..([49])

 

خامساً : بعض الاتجاهات الحدیثة فی الفکر البحثی الإداری الأوروبی

  1.  تسعى المدارس الأوروبیة لتطویر نفسها اولاً بأول حیث مواکبة الحرکة البحثیة باستمرار لکل ما هو جدید من ممارسات إداریة فی البیئة الأوروبیة، خاصة فی ظل سیاسات الاندماج والتکامل الإقلیمی سیاسیاً واقتصادیاً واجتماعیاً بل ومن الناحیة العلمیة أیضاً، صحیح أن دراسة الإدارة العامة بالمدارس الأوروبیة لیست بالجدیدة على الرغم من أن حقل الإدارة العامة بها یعد حقلاً ناشئاً إذا ما قورن بعلوم اجتماعیة أخرى، لکن توحید معاییر الدراسة لهذا الحقل فی صورة مقررات وبرامج دراسیة تحمی بین جنباتها الصورة الأوروبیة هی من أبرز التغیرات التی شهدها هذا الحقل فی خلال العقد الأخیر بالمدارس الأوروبیة، حیث أصبح مجال الاهتمام الحالی هو البحث عن أسلوب موحد لدراسة الإدارة العامة على مستوى الکیان الأوروبی الموحد، لیس هذا فحسب بل محاولة تدویل هذا الأسلوب فی صورة برنامج دولی أکادیمی منافس حتى للجامعات الأمریکیة ومدارس الإدارة العامة بها.([50])
  2. کان للتغیرات الکبیرة التی شهدتها البِنى المؤسسیة الحکومیة فی قطاع عریض من دول الاتحاد الأوروبی أثرها على تغییر ملامح الأنظمة التعلیمیة والبرامج الدراسیة الأکادیمیة للإدارة والسیاسات العامة، فمع الاتجاه نحو تقلیل عوارض البیروقراطیة التقلیدیة والحد من المرکزیة المفرطة وحرکة تبسیط الإجراءات الحکومیة فی ظل برامج الإصلاح والتطویر الإداری الأوروبیة، والانفتاح المتبادل بین المؤسسات الحکومیة فی نطاق البلد الواحد ومع تغلیب قوى السوق، کان لهذه التغیرات آثارها على بنیة وتصمیم محتویات البرامج الدراسیة الموجهة لدراسة الإدارة العامة فی مراحل البکالوریوس والدراسات العلیا على حد سواء، حیث الاتجاه للترکیز على مفاهیم أکثر معاصرةً وحداثةً مثلاً: الترکیز على النتائج والأهداف (مفاهیم الإدارة بالأهداف والإدارة بالنتائج) والعملیات أکثر من العنایة المفرطة بمسائل الخرائط التنظیمیة والهیاکل، الانتقال من نموذج (البیروقراطیة) إلى نموذج (الحوکمة)، الانتقال من قیم المعیاریة والتعمیم والنماذج المقولبة إلى تشجیع الاختلاف والتمایز والإفادة منه خاصة الثقافات والتعددیة وقبول الآخر، الانتقال من أسلوب المحاضر التقلیدی إلى أسلوب التفاعلیة التشارکیة الجماعیة ونمط العمل الجماعی داخل الأنساق الجامعیة، تنامی المقررات والبرامج الدراسیة داخل الجامعات الأوروبیة عاماً تلو الآخر، استیعاب ثقافات أکثر وحرکة طلابیة أکبر من شتى بقاع العالم أجمع، تطعیم البرامج الدراسیة للإدارة العامة بالطابع البینی وإیجاد مساحات مشترکة للدراسة متقاطعة مع تخصصات علمیة أخرى.([51])
  3. مسألة تحقیق الاستقلالیة المنهاجیة للحقل: صحیح أن حقل الإدارة العامة یتمتع بطبیعة بینیة بین سائر الحقول المعرفیة الأخرى کالعلوم السیاسیة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والتاریخ والقانون، لکن تظهر حاجة المجتمع الإدارة العامة الأکادیمی الأوروبی للسعی لتحقیق الاستقلالیة المنهاجیة لحقل الإدارة العامة عن الحقول المعرفیة الأخرى خاصة فی المنهاجیات التی یستخدمها، أملاً فی تطویر منهاجیات وأدوات واقترابات بحثیة خاصة بحقل الإدارة العامة وحده.
  4. التأکید على أهمیة الدراسة المقارنة للإدارة العامة على الأقل فی نطاق المحیط الأوروبی، ومن ثم الانتقال من مجرد مفهوم الإدارة العامة فی أوروبا (والذی یرکز بالأساس على تطبیق المعرفة العلمیة العامة فی مجال الإدارة العامة على الأجهزة الحکومیة فی دول الاتحاد کلٍ على حدة) إلى نطاق مفهوم أوسع هو الإدارة العامة الأوروبیة (الذی یأخذ فی الحسبان الطابع الأوروبی الخاص وإسباغه على محتوى الحقل العلمی لإکسابه طابعاً أوروبیاً خالصاً مع الاتجاه لتدویل هذا المذهب خارج نطاق الاتحاد الأوروبی)، وفی کلا الحالتین فإن تعمیق جانب الدراسات المقارنة للإدارة العامة هو أمر لامفر منه سواء لتطویر الحقل بشکل عام أو حتى لتطویر نموذج أوروبی لدراسة الإدارة العامة.([52])   
  5. الاتجاه أکثر لتعزیز مسألة التکامل المنهاجی فی التعامل مع موضوعات الإدارة العامة، لاسیما الجمع بین الأسلوبین الکمی والکیفی فی التحلیل الإداری للمشکلات والقضایا العامة فی الممارسة.
  6. الترکیز على دراسة موضوعات بعینها ووضعها محل دائرة البحث وخریطة الاهتمام الأکادیمی کقضایا الأمن الإقلیمی للاتحاد، سبُل مواجهة الإرهاب الدولی والتطرف الفکری لاسیما فی ظل الاعتداءات والهجمات الإرهابیة التی تعرضت ولاتزال تتعرض لها بعض الدول الأوروبیة، مسألة التغیرات المناخیة وتبعاتها الاجتماعیة، التلوث البیئی، التغیرات السکانیة والدیمغرافیة، الهجرات غیر الشرعیة، أزمات اللاجئین، مکافحة الفقر..، ومن ثم محاولة تفسیر ووضع حلول وتصورات منطقیة واقعیة لمعالجة هذه القضایا لیس فقط من منظور الإدارة العامة بل من منظور حقول معرفیة أخرى تحقیقاً للتکامل المنهاجی دون التأثیر على استقلالیة الحقل.([53])
  7. مسألة تطویر المفاهیم النظریة فی الممارسات الحکومیة مع الربط بینها وبین نظریات علم الاجتماع ونظریات العلوم السیاسیة (فکرة الرشادة فی عمل الإدارة العامة، المؤسسیة، ما بعد البنائیة الوظیفیة ..) مع التأکید على ضرورة التوقف عن استعارة نظریات أو افتراضات أو مقولات من حقول أخرى (کتیار مضاد لفکرة البینیة)، ومن ثم الاعتماد علیها کأساس لتفسیر الظواهر الإداریة والاکتفاء بذلک دون تطویر نظریات إدارة عامة خالصة الطابع، مع التمهل فی نفس الوقت بالسعی الحثیث خلف المفاهیم الجدیدة فی مجال الممارسات الإداریة، فالواقع العملی یشیر لضرورة الوقوف على الکثیر من الفروض السائدة حالیاً فی مجال الممارسة الإداریة ومن ثم القیام باختبارها أملاً فی تطویر نظریات جدیدة أو على الأقل التحقق من صحة "نظریات" قائمة فی انتظار إثبات صحتها أو حتى خطئها وقدرتها على تفسیر الواقع الحالی أکثر من مجرد الانشغال الدائم بالبحث عن مفاهیم قد تبدو فی ظاهرها أنها "جدیدة" . ([54])
  8. بحث مسألة تقریب الفجوة بن النظریة والممارسة فی مجال الإدارة العامة، هی من نقاط الاستمرار والتغیر فی الفکر الإداری الأوروبی المعاصر، مع التمییز بین البرامج الدراسیة الموجهة لفئات الممارسین من الملتحقین بها من رواد العمل الحکومی عن تلک البرامج الدراسیة التی یلتحق بها الشباب الأوروبی حدیث التخرج الراغب فی استکمال بنیانه المعرفی والأکادیمی فی مجال الإدارة العامة خاصة فیما یتصل ببرامج الماجستیر المهنی.([55])
  9. ومن الجدیر بالذکر أن مع التفاوت بین أنظمة الخدمة المدنیة العاملة داخل دول الاتحاد الأوروبی من حیث أسالیب شغل الوظائف العامة وأسالیب التدریب والاختیار والتعیین، فقد کان لهذه التفاوتات انعکاساتها على أسالیب تصمیم البرامج الدراسیة المخصصة لتدریب کوادر الخدمة المدنیة الأوروبیة؛ ولهذا السبب عادة ما یتم التمییز بین 3 أنماط مختلفة من برامج الماجستیر المهنی تحدیداً بجامعات ومدارس دول غرب أوروبا على النحو التالی:
  • ·         الفئة الأولى: الموجهة لخریجین بکالوریوس العلوم الإداریة أوالعلوم الأخرى المناظرة لها، حیث الشریحة الطلابیة المنتمیة لها تتراوح أعمارها ما بین 21 أو 22 عاماً من الدارسین حدیثی التخرج ممن لم یشغلو بعد أی مناصب أو وظائف حکومیة عامة.
  • ·         الفئة الثانیة: برامج ماجستیر الإدارة العامة الموجهة للعاملین الذین هم تقریباً فی منتصف حیاتهم المهنیة ممن أمضوا عدداً من سنوات العمل بالقطاع الحکومی، وتتراوح أعمارهم تقریباً ما بین 30 - 34 عاماً، وهم عادة یحصلون على درجات علمیة فی تخصصات أخرى کالقانون أو الاقتصاد أو العلوم السیاسیة وفی نفس الوقت لدیهم الرغبة فی الالتحاق ببرامج ماجستیر الإدارة العامة لتعزیز قدراتهم الوظیفیة.
  • ·         الفئة الثالثة: برامج الماجستیر المهنیة الموجهة لشریحة الدارسین ممن تقترب أعمارهم من ال 40 عاماً أو یزید ، وهذه الفئة عادة من شاغلی الوظائف القیادیة الحکومیة ذات الطبیعة الإشرافیة التنفیذیة الکبرى أو حتى مؤهلین لشغلها.([56])

10. المزج بین المفاهیم النظریة ودراسة الحالات العملیة Case Study approach فی دراسة الموضوعات وتصمیم البرامج الدراسیة هی من المسائل الأساسیة لضبط معاییر الجودة التعلیمیة فی محتوى المقررات الأوروبیة.

سادساً : بعض التحدیات التی تواجه النظام الأکادیمی الأوروبی فی حقل الإدارة العامة 

على الرغم من کل تلک الجهود المبذولة والرؤى والاتجاهات المتصاعدة فی اتجاه التطویر المستمر لمجال الإدارة العامة فی الصعید الأوروبی، إلا أنه توجد العدید من التحدیات التی قد تعیق بدرجة ما أو بأخرى جهود التطویر منها على سبیل المثال:

  1. التحدی الأول یکمن فی مسألة "مدى جاذبیة تخصص الإدارة العامة للدارسین خاصة فئة الشباب" والتساؤل حول مدى قدرة البرامج الحالیة على جذب أکبر قدر ممکن من قطاع الشباب الأوروبی من الدارسین أو من الممارسین للانخراط فی برامج دراسة الإدارة العامة سواء على مستوى الماجستیر أو الدکتوراه، خاصة من العناصر الشابة الموهوبة، ذلک أن شریحة کبیر من الشباب الأوروبی قد لایجد بالضرورة فی الوظیفة العامة (باستثناء الوضع الوظیفی بأجهزة الخدمة المدنیة بالدول الإسکندنافیة) نفس درجة الجاذبیة أو الامتیاز المادی والمعنوی الذی ربما یصادفه بفرص عمل القطاع الخاص لاسیما فی ظل البیئة الرأسمالیة الصناعیة والتکنولوجیة الأوروبیة المعاصرة والشرکات العملاقة متعددة الجنسیات عابرة النشاط دولیاً ، حیث الدینامیکیة والإیقاع السریع فی الترقی وتنمیة واکتساب المهارات الجدیدة وتطویر الأفکار والمرونة الوظیفیة وفرص الترقی السریع فی السلم الوظیفی المعتمد على معیار الکفاءة ، لذا یکمن التحدی هنا أمام القائمین على تصمیم البرامج الأوروبیة الجدیدة لدراسة الإدارة العامة بمراحلها المختلفة فی:
  • ·         جذب العناصر الشابة الموهوبة.
  • ·         إعداد هذه الکوادر الشابة للحیاة العملیة بالقطاع الحکومی إعداداً محکماً.
  • ·         إقناع القطاع الحکومی بجدوى الاستعانة بهذه العناصر المدربة والمؤهلة تاهیلاً علمیاً ناضجاً لتکون نواة لجهاز حکومی بیروقراطی قوی على مستوى دول الاتحاد.
  1. وجود ثمة انقسامات فی الرأی ووجهات النظر حول سُبُل تطویر حقل الإدارة العامة وأسالیب التدریس، وآلیات تصمیم المقررات الدراسیة بالمناهج والبرامج، فبعض الأساتذة الأوروبیین یجدون أن الملاذ الأول لتطویر الحقل هو یکون بالاستقلالیة المنهاجیة والموضعیة للحقل دون سائر المجالات المعرفیة الأخرى من العلوم الاجتماعیة، بینما یرى البعض الآخر أن الحل یکمن فی التعددیة المنهاجیة والسمة البینیة للحقل والتکامل مع العلوم الاجتماعیة الأخرى لاسیما القانون والعلوم السیاسیة والاقتصاد، بینما یرى الغالبیة العظمى أن النجاح الحقیقی فی تطویر حقل الإدارة العامة الأوروبیة إنما یکمن فی تقریب الفجوة بین النظریة والواقع أو الممارسة بحیث تکون البرامج الدراسیة ملائمة لقطاع الممارسین للعمل الحکومی.
  2. مسألة التعددیة الثقافیة واللغویة الکبیرة على مستوى دول الاتحاد (أکثر من 23 لغة أوروبیة)، حیث العشرات من المدارس العلمیة المتخصصة فی العلوم الإداریة أو تلک التی تدمج تخصص الإدارة العامة ضمن تخصصات معرفیة أخرى، مع الأخذ فی الاعتبار أن هناک بعض البرامج الدراسیة التی تُدرس بلغات غیر الإنجلیزیة لاسیما فی المدارس الألمانیة مما یمثل عائقاً أمام الشریحة الطلابیة الوافدة من الدول غیر الناطقة بهذه اللغة ومن ثم تقلیل فرص الإفادة من هذه البرامج أمام قطاع من الشباب والباحثین، لکن أمام هذا توجد برامج أخرى تدرس بالإنجلیزیة باعتبارها أکثر اللغات انتشاراً وملائمة للعدید من الجنسیات الوافدة عبر دول الاتحاد الأوروبی أو الوافدة من خارج نطاق الاتحاد.([57])

 

 

الخاتمة والتوصیات

أ - نتائج الدراسة:

  • ·         یتضح مما سبق أن دراسة الإدارة العامة داخل القارة الأوروبیة تجد صداها فی العدید من البؤر والمدارس، فهناک مدارس دول غرب أوروبا حیث المدرسة الإنجلیزیة والفرنسیة والألمانیة، حیث یمثل تیار دول غرب أوروبا القاطرة الأساسیة التی تقود دراسات الحقل، یتبعها على نفس النهج مدارس دول شمال أوروبا حیث نماذج الدول الإسکندنافیة، دول جنوب أوروبا، بینما تدل ملامح التجربة أن أضعف حلقاتها یکمن فی دول ونماذج شرق ووسط أوروبا خاصة الأنظمة حدیثة العهد بالاستقلال عن الاتحاد السوفیتی السابق وحدیثة العهد بالالتحاق بمنظومة الاتحاد الأوروبی.
  • ·         بینت الدراسة وجود بعض البوادر والمؤشرات الجادة على المضی قدماً فی طریق إیجاد أو إنشاء برامج دراسیة أکادیمیة للإدارة العامة تحمل بین طیاتها الطابع الأوروبی بما یعکس روح التکامل الإقلیمی لدول الاتحاد وذلک بالرغم من التنوع الکبیر فی دراسة الإدارة والشأن العام على اختلاف مسمیات التخصص من مدرسة لأخرى ومن جامعة لأخرى ومن دولة لأخرى.
  • ·          مع الجهود الأوروبیة الحثیثة المبذولة لتوحید السیاسات والممارسات السیاسیة والإداریة والاقتصادیة بین دول الاتحاد الأعضاء وبالرغم من الاتفاق على العدید من السیاسات الأوروبیة المشترکة اقتصادیاً وسیاسیاً واجتماعیاً إلا أن هناک ثمة اختلاف فی الکثیر من ملامح الممارسات الإداریة الفردیة والمتبعة داخل نطاق الدولة الواحدة حیث کان لهذا الأمر انعکاساته على اختلاف أنماط دراسة وتدریس علم الإدارة العامة داخل الأنظمة الأکادیمیة السائدة فی البلدان الأوروبیة، وعلى الرغم من کل هذا فإن هذه الظروف والحیثیات لم تمنع فی نفس الوقت النداءات والدعوات لإیجاد معاییر موحدة لدراسة الإدارة العامة على صورتها الأوروبیة الموحدة، صحیح أن هذه المعاییر لم تکتمل بعد لکن أول لبنة فی طریق بنائها کان تشجیع الدراسات المقارنة للإدارة العامة على الصعید الأوروبی داخل دول الاتحاد أملاً فی التوصل لصورة موحدة للإدارة العامة الأوروبیة فی صورتها النظریة والعملیة (الممارسة) وأملاً فی المنافسة بهذا النموذج فی السیاق الدولی لاسیما مع النموذج الأمریکی.
  • ·         والسؤال الآن الذی یتبادر إلى ذهن الباحث ویختتم به دراسته هو: أن هل بإمکان هذه الجهود أن تقود فی نهایة المطاف للاقتراب بدرجة ما أو بأخرى لصیاغة "نظریة" عامة تحکم حقل الإدارة العامة وممارساته؟، هذا هو ما نأمله سواء آجلاً أو عاجلاً کجماعة علمیة مهتمة بدراسة الإدارة العامة.

ب- بعض التوصیات:

  • ·         یوصی الباحث الأنظمة الأکادیمیة القائمة على دراسة الإدارة العامة فی السیاق العربی والإقلیمی بمحاولة الإفادة من الممارسة الأوروبیة فی هذا الخصوص حیث إمکانیة تطویر نموذج عربی مشترک لدراسة الإدارة العامة على صورتها العربیة کخطوة على طریق تحقیق الاندماج العربی الموحد أقله على الصعید العلمی والثقافی وتبادل الخبرات.
  • ·         کما یوصی الباحث بأهمیة الإفادة من البرامج التبادل الطلابی والثقافی التی تبذلها مؤسسات الاتحاد مع العدید من الدول والبرامج لاسیما دول حوض البحر المتوسط, بهدف مد جسور الصلة وتبادل الخبرات عبر الإقلیمیة بما یساعد على تطویر اتجاه الدراسات المقارنة للإدارة العامة.
  • ·         دراسة معاییر الاعتماد والجودة الأوروبیة المعتمدة من الجمعیة الأوروبیة لجودة واعتماد برامج ماجستیر الإدارة العامة EAPAA حیث الإفادة من آلیاتها ومعاییرها بما یساعد على تطویر محتوى البرامج الوطنیة والمحلیة المعنیة بتخصص الإدارة العامة.

ج‌-   توصیات ببحوث مستقبلیة فی نفس الإطار:

  • ·         دراسة التجارب الدولیة والإقلیمیة فی دراسة وتدریس تخصص الإدارة العامة باستکمال ما قام به بتتبع خبرات وتجارب أکادیمیة أخرى لأنظمة أکادیمیة متخصصة فی مجال الإدارة العامة مثل الحالة الآسیویة حیث محاولة تتبع ملامح النظام الأکادیمی لدرایة الإدارة العامة فی الجامعات الآسیویة لاسیما المدرسة الیابانیة، والصین، ومالیزیا ، وکوریا الجنوبیة.
  • ·         تتبع حالة الحقل فی نماذج دول أمریکا اللاتینیة, وأسترالیا وأمریکا الوسطى، وهذا أملاً فی تغطیة أکبر حیز ممکن من تجارب دراسة الإدارة العامة عبر العدید من القارات والدول والأنظمة المختلفة أملاً فی تطویر الحقل من باستخدام أدوات المقارنة واتباع المنهج أو الأسلوب المقارن، وکذلک المدخل الأیکولوجی فی دراسة الإدارة العامة. 

 

 

 

 
هوامش الدراسة
([1]) لورنز فون ستین Lorenz Von Stien  (18 نوفمبر 1815 م – 23 سبتمبر 1890 م ) عالم اقتصاد ألمانی الجنسیة ، تخصص أیضاً فی علم الإدارة العامة وعلم الاجتماع، عمل مستشاراً لأمبراطور الیابان خلال فترة حکم المیجی، له العدید من الآراء السیاسیة التی أثرت فی حکم الیابان بالقرن التاسع عشر، کما عمل أستاذاً للاقتصاد السیاسی بجامعة فیینا منذ عام 1855 – 1885 م أرسى خلالها دعائم علم الإدارة العامة فی أوروبا متأثراً بدراسة علم المالیة العامة ، تشابهت أفکاره مع بعض جوانب الفکر المارکسی لکنها خلت من الطابع الثوری ، تبنی المنطق الجدلی الهیجلی فی دراسته للإدارة العامة والاقتصاد.
[2]))د. آیة ماهر، " تجربة دول شرق ووسط أوروبا فی إصلاح نظم الخدمة المدنیة"، مؤتمر إصلاح الخدمة المدنیة فی مصر، شرکاء فی التنمیة Partners In Development (PID) ، فندق ماریوت – القاهرة، 22 یونیو 2008.
([3]( Juraj Nemec (edt.) , Europeanization in Public Administration Reforms, Selected Revised Papers from the 23rd NISPAcee Annual Conference, Tbilisi, Georgia, May 21–23, 2015.                                                
([4]) Katarína Staroňová & Gyorgy Gajduschek, (2016), Public administration education in CEE countries: Institutionalization of a discipline, Policy and Society, 35:4,pp. 351-370.                                                  
([5]) Marleen Brans & Laurien Coenen ,(2016), The Europeanization of Public Administration teaching, Policy and Society, 35:4,pp.333-349.                                                                                                             
([6])) Jana Bertels, Geert Bouckaert, Werner Jann, "European Perspectives for Public Administration (EPPA)", Paper to be presented at the Stand-alone Session on "European Perspectives for Public Administration", EGPA Annual Conference 2016, Utrecht, the Netherlands, 22 - 26 August 2016.         
([7]) Tony Verheijen and Bernadette Connaughton, "Public Administration Education and Europeanization: Prospects for The Emancipation of a Discipline? ",Public Administration, Vol. 81 No. 4, (2003),pp.834-836.                                                                                                                                                                
([8]) Shufeng Yan and Marleen  Brans, "European Approaches to MPA Education: Convergence and Divergence", Chinese Public Administration Review, Volume 3· Numbers 1/2 · March/June 2005,pp.43 -56.                                                                                                                                              
([9]) العلوم الکامیرالیة Cameralism: مجموعة العلوم المعنیة بفن إدارة الدولة وتسییر شئونها العامة من خلال البیروقراطیة الحکومیة وأجهزتها المملوکة للدولة، حیث ضمت هذه النوعیة من العلوم 3 أنواع أساسیة من المعارف هی علم السیاسات العامة والمالیة العامة والاقتصاد ولکن لیس بالمعنى المتطور المعروف حالیاً عن هذه العلوم والمعارف، ظهرت للمرة الأولى فی الجامعات البروسیة (الألمانیة) عام 1727 م على ید الملک فریدیریک ویلیام الأول بهدف تحسین إدارة شئون الدولة.
([10]) Tony Verheijen and Bernadette Connaughton,Op.cit.
([11]) Ibid.
([12](Shufeng Yan and Marleen  Brans, "European Approaches to MPA Education: Convergence and Divergence", Chinese Public Administration Review, Volume 3 · Numbers 1/2 · March/June 2005, p.44.                                                                                                                                                         
([13])Tony Verheijen and Bernadette Connaughton,Op.cit, pp.836-838.
([14])Marleen Brans & Laurien Coenen," The Europeanization of Public Administration teaching ", Policy and Society, Vol . 35, No. 4,(2016) ,p. 348.                                                                                             
([15]) لمزید من التوضیح یمکن الرجوع لدراسة :
Gyorgy Hajnal, "Public Administratiom Education in Europe" Continuity or reorientation?" Teaching Public Administration,Vol.33, No. (2), 2015, pp. 95 -114.                                         
([16] (Jana Bertels, Geert Bouckaert, Werner Jann, "European Perspectives for Public Administration (EPPA)", Paper to be presented at the Stand-alone Session on "European Perspectives for Public Administration", EGPA Annual Conference 2016, Utrecht, the Netherlands, 22 - 26 August 2016, p.1.
([17] (Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.45.                                                      
([18]) Ibid.
([19]) Edoardo Ongaro, Sandra Van Thiel, Andrew Massey, Jon Pierre, and Hellmut Wollmann ," Public Administration and Public Management Research in Europe: Traditions and Trends" , in :E.Ongaro and S.Van Thiel (eds.), The Palgrave Handbook of Public Administration and Public Management in Europe, (England:springer, 2017), pp.4- 7.                                                                                              
([20]) Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.45.
([21]) تمت عملیة انضمام هذه الدول لعضویة الاتحاد الأوروبی عام 2004 م .
([22]) Katarína Staroňová & Gyorgy Gajduschek, "Public administration education in CEE countries: Institutionalization of a discipline", Policy and Society, Vol.35, No.4, (2016), pp.351.
([23])Polonca Kovac, Tina Jukic, " Declarations and Reality of Europeanized Public Administration in Eastern Europe: Journals Content Analysis in Slovenia and Crotia", Transylvanian Review of  Administrative Sciences, No. 50 E/2017, pp.128 -129.                                                               
([24] (Katarína Staroňová & Gyorgy Gajduschek, Op.cit , pp.364 – 366.
([25]) Alina Georgiana," Profiroiu, Lecturer and Student Perspective Regarding Teaching Public Administration in Romania", Transylvanian Review of Administrative Sciences, Special Issue,(2017),p.142.            
([26]) Marleen Brans & Laurien Coenen, Op.cit, p.340.   
([27])Ibid, pp.335- 336.                                                                                                                                       
([28])Tony Verheijen and Bernadette Connaughton, Op.cit, p.833.                                                                
([29] (Marleen Brans & Laurien Coenen, Op.cit,p.334.
([30])Catholic University Leuven, Belgium, Public Governance Institute, Master in European Politics and Policies.                                                                                                                                                         
([31]) Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.46.                                                                                      
([32]) Tony Verheijen and Bernadette Connaughton,Op.cit, p.841.                                                                  
([33])Ivan Kopric , "Governance and Administrative Education in South Eastern Europe: Genuine  Development, Conditionality, and Hesitations", HKJU-CCPA, vol.13,No.1,2013,  pp.32-33.                   
([34]) Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.43.
([35])Ibid, p.47.                                                                                                                                                
([36]) Ibid.
([37]) The Erasmus Program : European Region Action Scheme for the Mobility of University Students
([38]) Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.49.
([39]  (Ibid, p.47.   
([40])  NISPAcee: Network of Institutions and Schools of PA in Central and Eastern Europe
([41]) Shufeng Yan and Marleen  Brans,Op.cit, p.48.
([42])  EMPA: The European Master of Public Administration  consortium
([43])                        لمزید من التفاصیل حول أنشطة المعهد یمکن الرجوع للتقریر السنوی الصادر فی 2015 :
European Institute of Public Administration, Annual Report 2015.                                                         
([44])  الموقع الرسمی للمعهد الأوروبی للإدارة العامة :                                                                           
http://www.eipa.eu/en/pages/display/&tid=2
([45]) EGPA : European Group of Public Administration
([46]) EGPA Annual Conference, "Governance of Public Sector Organizations, Understanding the transformation of European public administration, changing arrangements for coordination and collaboration", Milano, Italy,  30 August – 1 September, 2017.                                                               
([47]) EAPAA: The European Association for Public Administration Accreditation
([48]) EPAN :The European Public Administration Network
([49]) Marleen Brans & Laurien Coenen, Op.cit, p.337. 
([50])                                                                                                          راجع فی ذلک دراسة :
Ani Matei and Lucica Mate  Procedia," Internationalization of master programmes in public Administration:An EU-US comparative study", Social and Behavioral Sciences,Vol. 83, (2013),pp.734 – 738.
([51]) Peter bogason and marleen brans, " Training and Teaching :making public administration                   
Teaching and theory relevant", European Political Science, Vol.7, 2008,p.89.                                          
([52](Dion Curry, Steven Van de Walle, Stefanie Gadella, Public As an Academic Discipline:Trends and Changes in the COCOPS Academic Survey of European Public Administration Scholars , COCOPS,   February  2014, pp.28-29.                                                                                                                       
([53]( Christopher Pollit, Future Trends in European public Administration and Management: An Outside(In Perspective, COCOPS, April  2014, pp.5-9 .                                                                                            
([54])Frans-Bauke van der Meer,  Arthur Ringeling ," An Education Strategy for Practitioners in Public Administration Master’s Programs", Journal of Public Affairs Education (JPAE),No.1,(2016), pp.78 –79.
([55])Ibid.
([56])Christoph Reichard, "Academic executive programs in public administration and management: Some variety across Europe", Teaching Public Administration, Vol. 35(1), (2017), pp.127 -129.                      
([57])Jana Bertels, Geert Bouckaert, Werner Jann, "European Perspectives for Public Administration (EPPA)", Paper to be presented at the Stand-alone Session on "European Perspectives for Public Administration", EGPA Annual Conference 2016, Utrecht, the Netherlands, 22 - 26 August 2016, p.11