أثرعقائد ومدرکات صانع القرار على إتجاهات السياسة الخارجية الأمريکية 1989-2009

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة العلوم التطبيقية ، البحرين

المستخلص

لقد اصبح من الضروري جداً أکثرمن اي وقت مضى تحليل السياسة الخارجية الاميريکية وتحديد اهدافها بدقة، وکذلک تحليل عملية صنع القرار السياسي الخارجي وآلياتها ومتغيراتها،وتوضيح المتغيراتوالعوامل التي تقف وراء تحديد اتجاهات وطبيعة السياسة الخارجية الاميريکية، واختيار ادوات تنفيذها، وبشکل خاص دراسة کل ما يتعلق بالمدرکات والعقائد لدى صناع القرار، وتأثيراتها في صنع وتصميم اتجاهات السياسة الخارجية الاميريکية وادواتها الاساسية.
 

نقاط رئيسية

لقد اصبح من الضروری جداً أکثرمن ای وقت مضى تحلیل السیاسة الخارجیة الامیریکیة وتحدید اهدافها بدقة، وکذلک تحلیل عملیة صنع القرار السیاسی الخارجی وآلیاتها ومتغیراتها،وتوضیح المتغیراتوالعوامل التی تقف وراء تحدید اتجاهات وطبیعة السیاسة الخارجیة الامیریکیة، واختیار ادوات تنفیذها، وبشکل خاص دراسة کل ما یتعلق بالمدرکات والعقائد لدى صناع القرار، وتأثیراتها فی صنع وتصمیم اتجاهات السیاسة الخارجیة الامیریکیة وادواتها الاساسیة.

صانع القرار-الخارجیة الأمریکیة-السیاسة الخارجیة الامیریکیة-لمدرکات والعقائد

الكلمات الرئيسية


أثرعقائد ومدرکات صانع القرار

على إتجاهات السیاسة الخارجیة الأمریکیة

1989-2009

 

 

مقدمة:

لقد اصبح من الضروری جداً أکثرمن ای وقت مضى تحلیل السیاسة الخارجیة الامیریکیة وتحدید اهدافها بدقة، وکذلک تحلیل عملیة صنع القرار السیاسی الخارجی وآلیاتها ومتغیراتها،وتوضیح المتغیراتوالعوامل التی تقف وراء تحدید اتجاهات وطبیعة السیاسة الخارجیة الامیریکیة، واختیار ادوات تنفیذها، وبشکل خاص دراسة کل ما یتعلق بالمدرکات والعقائد لدى صناع القرار، وتأثیراتها فی صنع وتصمیم اتجاهات السیاسة الخارجیة الامیریکیة وادواتها الاساسیة.

ومما لا شک فیه فان المدرکات والعقائد المؤثرة فی سلوک صانع القرار هی مسألة تتسم بالتشعب والتعقید. فهذا الموضوع یعتبر من جانب احد فروع حقل العلاقات الدولیة، ومن جانب آخر یرتبط بعدد من العلوم الاجتماعیة کعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم الادارة.

ویکتسب موضوع السیاسة الخارجیة الامیریکیة أهمیة استثنائیة لتعاظم الدور الامیریکی فی التأثیر على تفاعلات العلاقات الدولیة وخصوصاً فی مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وتلاشی معظم معالم النظام الدولی ثنائی القطبیة من جانب، ولعمق واتساع الجدل الدائر فی الاوساط الاکادیمیة حول تفسیر السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة وترتیب متغیرات التأثیر وأوزانها(کالمتغیرات البیئیة النفسیة والمجتمعیة والمؤسسیة والنسقیة) فی تحدید طبیعة السیاسة الخارجیة الامیریکیة وتحدید مساراتها والعوامل المؤثرة علیها فی إطار تفاعلات العلاقات الدولیة.

وتکمن اشکالیة العوامل المؤثرة على السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة فی تناقض معطیاتالتأصیل النظری وتقاطع الرؤى الفکریة التی افرزت هذا الجدل المحتدم فی الوقت الحاضر.إن محاولات فهم السیاسة الخارجیة لهذه الدولة العظمى ذات التأثیر الهائل على تفاعلات العلاقات الدولیة وعلى حرکة وصیرورة النظام الدولی، وماتتضمنههذه الرؤى من اقترابات مختلفة لتأشیر وتحدید التیارات الفکریة والعقائد التی تقف وراء طبیعة واتجاهات السلوک السیاسی الخارجی الامیریکی.تلک المؤثرات التی تسیطر على سلوک مراکز عملیة صنع السیاسة الخارجیة الامیریکیة وتحدد توجهاتها واختیار الادوات التنفیذیة لها. ومما زاد من تعقید هذه الاشکالیة ذلک التناقض الحاد بین الأطروحات الفکریة التی أنتجتها محاولات تحلیل السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة وهی:

1- مبادئ العمل الجماعی من جانب، وتوجهات التفرد الدولی فی السلوک السیاسی الخارجی من جانب آخر.

2- التناقض بین مبدأ العزلة التقلیدیة للرؤساء منذ الربع الاول من القرن التاسع عشر والمعروف"بمبدأ مونرو" من جانب، واتجاهات التدخلیة المفرطة التی اتسمت بها السیاسة الخارجیة الأمیریکیة منذ أحداث ایلول وحتى یومنا هذا.

3- التناقض بین المبادئ الاخلاقیة للمجتمع الأمیریکی والمرتبطة بحقوق الانسان والدیمقراطیة والحریة فی العالم من جانب، وبین تیارات الواقعیة التی ترکز على المصالح القومیة للولایات المتحدة والتی تنظر للعالم وتفاعلات العلاقات الدولیة من منظور القوة والصراع على "السیادة والسلطان" حیث یرفض الواقعیون وجود اسس واهداف مبدئیة ومثالیة تقف وراء السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة من جانب آخر.

ان اهمیة دور العقائد والمدرکات لدى صانع القرار السیاسی فی التأثیر على طبیعة وتوجهات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة یکمن فی الاشکالیة الرئیسیة التی تعبر عنها تلک الفوضى التی یعیشها النظام الدولی منذ انتهاء الحرب الباردة فی اوائل عقد التسعینات، وبشکل خاص بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وما رافقها من اتساع اللجوء الى العنف والقوة العسکریة المفرطة، وانحسار اللجوء الى اسلوب حل المنازعات والازمات الدولیة بالوسائل الدبلوماسیة.

وبناءً على ما تقدمفان الإختلاف بین محاولات فهم وتفسیر السیاسة الخارجیة الأمیریکیة ینصب على الإجابة على السؤال المرکزی التالی: ما هی الدوافع الرئیسیة التی تحرک السیاسة الخارجیة الامریکیة وتحدد مساراتها الحالیة؟هل هی الدوافع الاخلاقیة والمثالیة؟ ام إنهاعوامل الصراع الایدیولوجی والاقتصادی والثقافی؟ وتقاطع المصالح الاستراتیجیةبین الولایات المتحدة الأمریکیة وبقیة القوى الدولیة؟

 

ان هذا التساؤل المرکزی یفرز لنا مجموعة من التساؤلات الفرعیة التی ینبغی وضع اجابات واضحة ودقیقة وحاسمة لها، لکی تکون معالجة أشکالیة العوامل الحقیقیة المؤثرة على السیاسة الخارجیة قادرة على فهم ما یحصل من تفاعلات فی السیاسة الدولیة، ودور الولایات المتحدة الامیریکیة وسیاستها الخارجیة فی هذا الذی یحصل فی عالم الیوم.

وتأتی اولى هذه التساؤلات عن سبب هذا التناقض والاختلاف فی محاولات تحلیل وتفسیر السیاسة الخارجیة الامیریکیة،وما هی الافکار والعقائد الأساسیة التی تغذی وتوجه حرکتها وآلیاتها وادواتها؟ ما هو دور المبادئ الاخلاقیة فی الفعل السیاسی الخارجی للولایات المتحدة الامیریکیة؟ وهل أن عوامل الصراع الفکریوالحضاری وصراع المصالح والاستراتیجیات؟ أم أن القیم الأخلاقیة والمثل العلیا للمجتمع الأمیریکیهی المؤثرات الأکثر أهمیة فی السلوک السیاسی الخارجی لهذه الدولة العظمى؟

وفیما یتعلق بمنهاجیة التحلیل؛ فإن البحث یحاول تحلیل تأثیر البیئة الدولیة وکیفیة انتظام الوحدات الدولیة فیها بموجب امتلاکها للمقدرات، وأشکال الترابط فیما بینها،[1]مکونة النسق الدولی وعناصره کمتغیرات مستقلة تفسر خصائص السیاسة الخارجیة واتجاهاتها.

کما یحاول تحلیل عناصر البیئة الداخلیة السیاسیة والثقافیة والإجتماعیة وآلیة تأثیرها على طبیعة واتجاهات السیاسة الخارجیة لدول العالم. فالمجتمع الأمریکی یحتوی على مئات المنظمات والهیئات والجمعیات ذات الإتجاهات السیاسیة المختلفةوالتی لها وسائل اعلام خاص بها، ولها من یمثلها فی المؤسسات السیاسیة على المستوى المحلی والإتحادی، وتلعب دوراً کبیراً فی صنع التوازنات وتشکیل الإئتلافات البینیة، التی تؤثر على المستویات القاعدیة فی الإنتخابات الرئاسیة والتشریعیة، ما یؤدی الى ایجاد الرؤى الفکریة والعقائدیة والتصورات الاستراتیجیة للإدارة الأمریکیة والبیت الأبیض. هذه المحددات بجملتها تعبر عن أهم الثوابت فی علاقة البیئة الداخلیة واتجاهات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة.

کما یؤکد البحث منهاجیاً على تحلیل العناصر الشخصیة لصانع القرار کأحد المحددات المهمة فی صنع السیاسة الخارجیة، کدراسة نسقه العقیدی  Belief system، ومدرکاته السیاسیة، وکذلک منظومة القیم المرتبطة بذاته کخصائص فردیة تؤکد الإختلافات بین صناع القرار وأثرها على صنع وتنفیذ السیاسة الخارجیة، وکیفیة تفاعلها فی إطار العلاقات الدولیة. ویرى الباحث أن الخصائص الشخصیة لصناع القرار، رغم أهمیة الدور الذی تلعبه فی صیاغة توجهات السیاسة الخارجیة، غیر کافیة لوحدها حیث انها محکومة بضوابط ومحددات البیئتین الداخلیة والدولیة، الأمر الذی یجب أن یؤکد علیه منهج تحلیل المتغیرات المؤثرة على السیاسة الخارجیة.   

وتأسیسا على کل ما تقدم فان الفروض العلمیة التی یتأسس علیها هذا البحث ستکون کما هو آت:

1-                 کلما تنامت طروحات الولایات المتحدة بالتزامها بالمبادئ الاخلاقیة والمثالیة فی سیاستها الخارجیة، وبانها تخضع لدوافع تنطلق من مثل المجتمع الامریکی، ازداد التناقض وعدم الوضوح فی فهم وتفسیر السیاسة الخارجیة الامیریکیة. وکلما انصب التحلیل على التصریحات المثالیة للدبلوماسیة الناعمة فقط، وقلت محاولات التحلیل العمیق للفعل الخارجی الامیریکی، وتأثیر مدرکات وعقائد صانع القرار السیاسی الخارجی على هذا الفعل ورؤیته للمصالح الأستراتیجیة والحیویة، قلت إمکانیة تأشیر العوامل الحقیقیة المؤثرة فی طبیعة السیاسة الخارجیة وتحدید اتجاهاتها واختیار أدوات تنفیذها.

2-                 هناک علاقة ارتباط وثیقة بین عقائد ومدرکات صانع القرار، وبین الرؤى التی تتبلور بموجبها والتی تؤدی الى تبنی سیاسة خارجیة تتسق أهدافها وأدوات تنفیذها مع کیفیة إدراک صانع القرار للمصالح الحیویة والأهداف القومیة المرتبطة بها.  وعلى هذا الأساس یظهر تأثیر العوامل العقیدیة من خلال بروز شخصیات سیاسیة تلتزم بعقائدها وتحولها الى إستراتیجیات عمل یبنى علیها السلوک السیاسی الخارجی للولایات المتحدة الأمیریکیة، وبالتالی یصبح هذا الإدراک أساساً لبناء الرؤیة الأمیریکیة للنظام الدولی وللمشکلات الأقلیمیة والدولیة.

3-                 کلما ارتبطت مدرکات وعقائد النخبة السیاسیة بتأثیرات أفکار الیمین المحافظ ورؤیته لدور القوة فی العلاقات الدولیة، ازدادت توجهات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة فی الإعتماد على القوة العسکریة واستخدام العنف المادی فی معالجة مشکلات السیاسة الدولیة.

ومن هنا سترتکز هذه الدراسة على ثلاثة محاور رئیسیة اعتبرت کمداخل لتحلیل السیاسة الخارجیة الأمیریکیة ضمن الإطار المحدد أعلاه، وهی کالآتی:

المحور الأول: النسق الدولی و" النظام العالمی الجدید "؛ ویتم فیه تناول التطورات الرئیسیة التی طرأت على النظام السیاسی الدولی ابتداءً من منتصف الثمانینات، وتصورات الولایات المتحدة الأمیریکیة لما سمی بالنظام العالمی الجدید "New World OrderThe"، إبان فترة الرئیس جورج بوش فی بدایة فترة التسعینات، وأثر هذه التصورات على تحدید طبیعة السیاسة الخارجیة الأمیریکیة وتوجهاتها الرئیسیة، وذلک لارتباط موضوع N.W.O بمجمل تفاصیل مدرکات صانع القرار الأمریکی ونسقه العقیدی والمرتبط بشکل وثیق بالتوجه الأیدیولوجی للیمین المحافظ، فهو یعبر عن البیئة الدولیةالجدیدة التی کرست هذه العقائد والمدرکات.

المحور الثانی: البیئة الإجتماعیة والثقافیة والسیاسیة للولایات المتحدة الأمیریکیة، وتتم فیه دراسة تأثیر العوامل الثقافیة والإجتماعیة على الهیاکل السیاسیة وترابطها، ودور جماعات الضغط والمصالح على عملیة صنع القرار السیاسی الخارجی، وآلیات تأثیر هذه البیئة على مسارات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة.

المحور الثالث: البیئة النفسیة لشخصیة صانع القرار وتأثیرها على السیاسة الخارجیة الأمیریکیة، ویتضمن هذا المحور دراسة أثر العقائد التی یحملها صناع القرار، ومدرکاتهم والدوافع الذاتیة التی تطبع خصائصهم الشخصیة، حیث تلعب الجوانب النفسیة کمتغیرات فردیة تتضمن مجموعة من الصفات الجسمانیة والخصائص العقلیة والوجدانیة للفرد فی ظهور العادات الأساسیة لدیه، وکذلک القیم والرؤى التی تؤثر بشکل متفاوت على الذات الإنسانیة. هذه الطبیعة قد تظهر بدرجات مختلفة منتجة تلک التمایزات بین صناع القرار فی  کیفیة تأثیرها على عملیة صنع القرار السیاسی الخارجی، وهو ما یحدد طبیعة السیاسة الخارجیة وکیفیة تعاملها مع تفاعلات العلاقات الدولیة.

 

أولاً: النسق الدولی وتصورات "النظام العالمی الجدید

ارادت الولایات المتحدة الامریکیة تصویر انسجام نهایة للحرب الباردة مع تصورات انتصار المبادئ الولسونیة التی طرحها الرئیس الامیریکی الثامن والعشرون ودرو ولسون فی بدایة القرن العشرین 1913ـ1921 وبعد أنتهاء الحرب العالمیة الاولى تحدیداً حول التنظیم الدولی وما قد یحققه من تعزیز الامن والسلم الدولیین ضمن اطار فکرة الأمن الجماعی، على الرغم من الصراع الذی کان دائراً بین الکونغرس والرئیس ولسون حول تلک الافکار.

ففی السنوات الاولى للعقد الاخیر من القرن العشرین اعترفت الولایات المتحدة وحلفاؤها ان انتصاراً کبیراً قد تحقق فی دائرة الصراع الذی استمر اکثر من نصف قرن ضد الاتحاد السوفیتی والمعسکر الشرقی. فالمسارات الایدیولوجیة للمعسکر الشیوعی، والتی ظلت متقاطعة طیلة فترة الحرب الباردة مع تصورات الفکر اللیبرالی الراسمالی، وما رافقها من هموم الجغرافیة السیاسیة المرتبطة بالتوجهات الاستراتیجیة للاتحاد السوفیتی وحلفائه قد تم التغلب علیها ودحرها، فیما صورت بعض الاوساط فی الولایات المتحدة الامریکیة هذا الإنتصار بنهایة التاریخ، حیث قال بعض الکتاب الامیریکیین بفکرة نهایة التاریخ والرجل الاخیر تعبیراً عن تفکک الاتحاد السوفییتی وحل حلف وارسو وسقوط الانظمة الشمولیة التی مثلت الحکم المرکزی والاقتصاد الموجه من قبل الدولة، فیما انتصرت الدیمقراطیات اللیبرالیة التی أرید لها أن تکون نظاماً ذو بعد عالمی یجب أن تأخذ به کل مجتمعات العالم بغض النظر عن الاختلافات فی الثقافات والعقائد ومنظومات القیم القومیة فی کل من هذه المجتمعات. وبهذا الصدد یرى فرانسیس فوکویاما أن هذا التطور الحاصل فی النظام الدولی " یشکل دلیلاً جدیداً على أن ثمة اتجاهاً أساسیاً یفرض على المجتمعات البشریة کلها نمطاً واحداً فی تطورها، یکون بمثابة تاریخ عالمی للبشریة متجهاً صوب الدیمقراطیة اللیبرالیة ".[2] فقد ارتبطت المعارضة الایدیولوجیة للمارکسیة من قبل الاستراتیجیة الامیریکیة، کقطب یقود المعسکر الرأسمالی، بالجهد التنافسی او بکلمة ادق التصارعی فی مجال التحرک الجیوبولتیکی لتحقیق الاهداف الرامیة الى الانتصار على الاتحاد السوفیتی. وتعتبر هذه الأفکار تأصیلاً نظریاً لما یمکن تسمیته بعصر الهیمنة الأمریکیة، إذا استعرنا مصطلح د. جمال السویدی، والتی ارتبطت بها أغلب، إن لم نقل کل، تصورات المحافظین الجدد والتی تضمنت کل عوامل التأثیر على توجهات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة.

 وبسرعة منقطعة النظیر بادرت امیریکا على لسان رئیسها جورج بوش فی أعقاب حرب الخلیج الثانیة، وکان ذلک فی بدایة التسعینات، حیث تزامن مع هذه الأحداث الهامة تفکک الإتحاد السوفیتی السابق، وتفرد الولایات المتحدة فی امتلاک مقومات القوة العظمى والتدخل فی کل جزء من العالم، لطرح تصوراتها عن نظام عالمی جدیدNew World Orderتتشارک الامم فیه بشکل یتجاوز حالة الاستقطاب فی الحرب الباردة، مشارکة تتأسس على التعاون والعمل الجماعی وسیادة القانون من خلال تحکیم المبادئ والمساواة والعدالة والاخلاق الدولیة التی تنبذ العنف والحرب وللجوء الى القوة المادیة. نظام یتأسس حسب التصورات الامیریکیة على تحقیق اهداف سامیة مثل انتشار الدیمقراطیة، وتطور مسارت التنمیة وتکریس السلام وخفض التسلح .[3]

ولقد تم ذلک من دون ان تطرح امیریکا من هی الوحدات الاساسیة المکونة لهذا النظام؟ وهل هناک رؤیة موحدة لدى هذه الاطراف عن المحافظة على السلم والامن الدولیین؟ وما هی وسائل وادوات التفاعل بین هذه الوحدات؟ وهل هی متفقة على تحقیق اهداف مشترکة بین القوى الفاعلة فی النظام الجدید؟

إن من أهم جوانب الإدراک لدى صانع القرار فی السیاسة الخارجیة، خصوصاً فی دولة عظمى کالولایات المتحدة،هو کیفیة بناء تصورات دقیقةعن طبیعة النظام الدولی وهیکلیته البنیویة التی تحددها متغیرات القوة وتوزیعها، والمتغیرة بشکل دائم حسب المراحل التی یمر بها النظام، وکیفیة التعامل مع هذه المتغیرات.

لقد طرحت الولایات المتحدة ما اصطلح على تسمیته بالنظام العالمی الجدید وکأن هذا النظام موجود فعلاً بموجب معطیات المرحلة ولم یتبقى الا تطبیقه والعمل به. والواقع ان هذا الامر لم یکن موجوداً الا فی تصورات الرئیس الامیریکی جورج بوش ومن بعده خلیفته بل کلینتون، دون أن یحدد أی من هذین الرئیسین الخصائص الرئیسیة لهذا النظام، کوحداته الأساسیة، ووسائل التفاعل بین هذه الوحدات، وأهداف النظام، وما هی المرجعیة الشرعیة لهذا النظام. وهل ستبقى منظمة الأمم المتحدة؟ أم سیتغیر مسارها بشکل مختلف؟. علماً بأن النظام  فی المرحلة الاولى للتکون وینتظر مشارکة من قبل القوى الدولیة الفاعلة لوضعه موضع التطبیق. ویعتبر هذا الموضوع من أهم القضایا الخلافیة فی فهم وإدراک هیکلیة البنیان الإستراتیجی للنسق الدولی لمرحلة ما بعد الإتحاد السوفیتی.[4]

ویبدو أن ما کان یدور فی ذهن قادة الولایات المتحدة لا یتعلق بنسق (system) یعبر عن منظومة متکاملة الأجزاء، محددة الأهداف، متفقة على وسائل العمل والتفاعل، وإنما بنظام (order) تسیر تفاعلاته من الأعلى الى الأسفل کنسق نازل، قمته الولایات المتحدة وقاعدته بقیة دول العالم. کما یبدو أن هذه التصورات قد أهملت متغیرات القوة والتوازن بین المصالح التی طرأت على النظام الدولی لتشمل کل الدول من قوى صاعدة وقوى إقلیمیة، وأن القوة باتت أکثر انتشاراً حیث تضاءلت الأعتبارات المرتبطة بالقوة العسکریة، وبرزت القدرات الإقتصادیة وقدرات المال وشبکات الإنتاج لتأخذ دورها فی تصمیم مفهوم جدید للقوة. هذا المفهوم هو الذی یحدد هیکلیة النظام الدولی ببنیة جدیدة ترتکز على التوزیع الفعلی للقوة على دول العالم. لذلک فإن الأمر سیکون عسیراً على الولایات المتحدة بسبب معطیات التفاعل الدولی والتغیر فی موازین القوى الدولیة. وبالرغم من ان أمیریکا باتت الدولة الاقوى الا ان القرن الحادی والعشرین افرز مجموعة من القوى الدولیة الفاعلة تمارس دورها فی تفاعلات العلاقات الدولیة بشکل قد یجعل الولایات المتحدة غیر قادرة على احتکار القرار الدولی بدون معارضة من مثل هذه القوى الکبرى. فهناک دول تحمل خصائص القوى القاریة، ویبدوانها ستمثل وحدات النظام الدولی الجدید، ففی آسیا نرى الهند والصین وروسیا الإتحادیة، وهی تحمل ثقافة مشترکة وتاریخاً مشترکاً یؤهلها للعلب دور فاعل فی العلاقات الدولیة انطلاقاً من قدراتها العسکریة ومکانتها الإقتصادیة على المستوى العالمی. وفی أوربا فهناک فرنسا التی تمثل قوة کبرى بمقدرات عسکریة واقتصادیة ودبلوماسیة کبیرة، وتحمل ثقافة وتاریخاً یؤشر نزعة استقلالیة فی السیاسة الخارجیة کما یؤکد لنا موقفها من حلف شمال الأطلسی والقیادة الأمیریکیة للعالم الغربی إبان الفترة الدیغولیة فی ستینات القرن الماضی. وقریباً فقد أصرت فرنسا على إتمام تجاربها النوویة وذلک فی عهد الرئیس جاک شیراک، رغم الرفض والإحتجاج العالمی الذی قادته الولایات المتحدة. هذا العالم الذی أعقب الحرب الباردة قد تبدو فیه الولایات المتحدة القوة الأکثر تفوقاً عما هو الحال قبل عقدین من الزمان، لکنه احتوى، الى جانب أمیریکا، على مراکز قوى کبرى تتوزع حول العالم، الأمر الذی یصبح معه من الصعب جداً على الولایات المتحدة أن تفرض نظاماً عالمیاً حسب الرؤیة الأمیریکیة، لأن القدرات الأمریکیة لن تمکنها من استخدام القوة لکی تغیر بقیة العالم. وهکذا اصبحت متغیرات القوة العسکریة، وبالخصوص التکنولوجیا النوویة للحرب، اکثر انتشاراً ولن تستطیع الولایات المتحدة استخدام هذه القوة أوالتهدید بها دون تعریض النظام الدولی لهزات عنیفة قد تنتج تغیرات جوهریة فی بنیة النظام نفسه. وحتى متغیرات القوة الاقتصادیة فقد عرفت هی الاخرى تطورات کبیرة یسهل معها ملاحظة المنافسة الاقتصادیة الشدیدة التی سوف تواجهها الولایات المتحدة الامیریکیة، رغم الاعتراف بقوة الاقتصاد الامیریکی على الصعید العالمی فی القرن الحادی والعشرین.

وهذا هو السبب الأهم فی بروز وجهة النظر القائلة بعدم اکتمال عناصر النظام الدولی احادی القطبیة کتعبیر عن النظام الدولی الجدید الذی طرحه کل من الرئیسین جورج بوش وخلفه بیل کلنتون. إن مدرکات صانع القرار الأمیریکی عن النظام الدولی لما بعد الحرب الباردة أدت الى تبلور توجهات فی السیاسة الخارجیة الأمیریکیة تنطلق من رؤیة ترى فی هذا العالم نظاماً تقوده الولایات المتحدة کقطب أوحد باعتبارها القوة العظمى الوحیدة. وهذا ما سبب تلک الفوضى فی العلاقات الدولیة وانتشار استخدام القوة العسکریة وبدون تفویضات دولیة من المنظمة العالمیة، ووسط رفض واضح وصریح للقوى الکبرى فی النظام الدولی. إن هذا الأمر جعل مراکز القوى الدولیة فی موقف المعارض للولایات المتحدة بدلاً من موقف الشرکاء الحقیقیین الذین یسعون لتحقیق أهداف مشترکة وبوسائل الشرعیة الدولیة. لقد اختلفت توجهات السیاسة الخارجیة للقوى المرکزیة فی النظام الدولی لما بعد الحرب الباردة، وانعکس ذلک على الصراعات الإقلیمیة والدولیة، حیث تعقدت هذه الصراعات بسبب المواقف المختلفة للقوى الدولیة فی قمة النظام الدولی.

وأدى الدعم المستمر من هذه القوى الدولیة للجماعات والتیارات المعارضة واللامرکزیة الى انتشار الحروب الأهلیة والنزاعات المسلحة فی مختلف مناطق العالم وبشکل خاص منطقة الشرق الأوسط. کما ازدادت التوترات بسبب بروز قوى إقلیمیة لجأت الى التحالف مع بعض القوى الدولیة کأیران وسوریا وکوریا الشمالیة التی اعتمدت على تحالفها وعلاقاتها مع روسیا الإتحادیة، وقد جاء ذلک بسبب عدم الإتفاق بین القوى المرکزیة على آلیات إدارة النظام الدولی. إن التوصیف الدقیق للنظام الدولی والذی أغفل صانع السیاسة الخارجیة الأمریکیة عن إدراکه بدقة، خصوصاً فی فترتی الرئیس جورج بوش الأب وبیل کلنتون، هو أن الولایات المتحدة ستبقى القوة الأکثر فاعلیة وتأثیراً على تفاعلات العلاقات الدولیة فی الفترة التی أعقبت الحرب الباردة حیث کان النظام الدولی ما یزال فی مرحلة التشکل، لکن اختلال موازین القوى الدولیة بین الولایات المتحدة والقوى الدولیة الصاعدة سینحسر، وأن الولایات المتحدة لن تستطیع اتخاذ القرارات الدولیة الهامة بشکل منفرد، وإن علیها العمل لوضع أسس تتفق علیها الدول التی تمثل القوى الفاعلة فی النظام الدولی. هذا الإدراک الأمیریکی غیر الدقیق وغیر الواقعی لهیکلیة النظام الدولی، وقواه الفاعلة، وآلیة التفاعل بین هذه القوى، ومتغیرات القوة العسکریة والإقتصادیة، قد ازداد تأثیرها فی فترة الرئیس جورج بوش الإبن، حیث راحت السیاسة الخارجیة الأمریکیة تتعامل مع المشکلات الدولیة والإقلیمیة فی مختلف أنحاء العالم وکأنها القوة العظمى الوحیدة والتی یمکن لها أن تفرض المعالجات التی تراها مناسبة لمصالحها ومصالح حلفائها على بقیة دول العالم. هذه السیاسة کانت تسیر فی الإتجاه المعاکس لتطور متغیرات القوة فی النظام الدولی، والتوزیع الفعلی لعناصر القوة الکلیة على وحدات النظام الدولی. وهذا ما أدى الى ذلک التقاطع الحاد بین السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة وبین السیاسات الخارجیة للقوى الدولیة الأخرى کفرنسا والإتحاد الروسی والصین، وحتى بعض الدول التی تحتل مراتب أدنى فی مقدرات القوة القومیة مثل کوریا الشمالیة وایران. ولم تستطع الولایات المتحدة من ممارسة دورها کقوة قائدة للنظام الدولی، وقد تراجع الدور الأمیریکی خلال فترة حکم الرئیس جورج بوش الإبن.

لکل هذه الأسباب فقد رکزت استراتیجیة الأمن القومی لإدارة الرئیس باراک أوباما فی مایو 2012 لتعکس رؤیة جدیدة للإدارة الأمیریکیة تتمحور حول مواجهة تراجع نفوذ أمیریکا على الصعید العالمی، حیث ترى هذه الإستراتیجیة ضرورة العمل الدولی المشترک لإیقاف التراجع فی الدور الأمیریکی الدولی. وتؤکد على الإعتراف بأهمیة العلاقات مع القوى الصاعدة ذات التأثیر الدولی.[5]

ومن جهة أخرى فقد عکست مواقف عدد من السیاسیین الأمیریکان هذه الحقیقة، کوزیر الدفاع روبرت غیتس، والذی أکد فی مقاله أن الولایات المتحدة سوف لن تکرر سیاستها فی أفغانستان والعراق، حیث تم تغییر النظام السیاسی فی هاتین الدولتین تحت ضغط السلاح ( Under fire).[6] کذلک وزیرة الخارجیة هیلاری کلنتون، والتی رکزت على الفعل الدبلوماسی أومنهج القوة الذکیة (Smart Power Approach)، لاستعادة اولایات المتحدة لفاعلیتها الدولیة فی نظام تتعدد فیه مراکز القوى الدولیة، کما تتعدد فیه عناصر القوة الشاملة لعناصر التأثیر الدولیة الجدیدة[7]، حیث انصبت الرؤى التی طرحها هؤلاء الساسة على کیفیة التعامل مع النظام الدولی کواقع ولیس کما تریده أمیریکا أن یکون.

إن مدرکات صانع القرار السیاسی الخارجی فی الولایات المتحدة وبشکل خاص جورج بوش الأب والإبن، وبدرجة أقل بیل کلنتون لم تستطع تأشیر حقیقة هامة تعتبر أساس استراتیجیة التعامل مع النظام الدولی وهی أنه لا توجد قوة دولیة وبغض النظر عن مقدراتها العسکریة والإقتصادیة یمکنها مواجهة کل التحدیات التی تفرزها تفاعلات العلاقات الدولیة بمفردها. وهذا الأمر یفرض صیاغة استراتیجیة تشارکیة ولیس تفردیة تعتمد على آلیات التعاون الدولی فی تحقیق فاعلیة الولایات المتحدة الأمیریکیة وتعظیم دورها فی القیادة العالمیة.

وهناک جانب آخر لا یقل أهمیة عما ذکر سابقاً غاب عن عقائد ومدرکات صانع السیاسة الخارجیة الأمیریکیة، وهو تلک القدرة على ضبط معادلة التوازن بین القوة الصلبة Hard power وبین القوة الناعمة Soft power، والتی أصبحت تسمى حدیثاً بالقوة الذکیة.[8] وتتحقق  قدرة هذه الإستراتیجیة فی تحدید أفضل نقطة توازن یمکن من خلالها وضع آلیات للتوازن بین القوتین الناعمة والصلبة. هذه النقطة یمکن لنا أن نطلق علیها نقطة السرج Saddle Point  اذا أردنا استخدام لغة نظریة المباریات، والتی یمکن أن تعید للولایات المتحدة المکانة والقدرة التنافسیة والقیادیة على الصعید الدولی.

إن السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة ومنذ تولی الرئیس جورج بوش الأب منصب الرئاسة فی العام 1988 وحتى نهایة الفترة الثانیة للرئیس جورج بوش الإبن قد وضعت الإقتصاد الأمیریکی فی أزمة اقتصادیة حادة، وکساد کبیر یحاکی أزمة الثلاثینات من القرن العشرین. وقد تمثلت هذه الأزمة بعجز مالی کبیر، وارتفاع فی تکالیف الرعایةالصحیة للفرد الأمیریکی، وتدهور البنیة التحتیة التی أصبحت أقل أمناً، وأقل فاعلیة فی مواجهة التحدیات والکوارث، وتدهور فی معدلات النمو الإقتصادی. ویعتبر الإقتصاد مرتکز القوة الإستراتیجة الأمیریکیة ومحور القوة الشاملة لها کدولة عظمى، لذلک فقد رکزت الإستراتیجة الجدیدة على ضرورة انعاش الإقتصاد الأمیریکی وإعادة بناء هیکلیته بشکل کامل. کما تؤکد استراتیجیة الأمن القومی الجدیدة على أهمیة تعزیز دور المؤسسات الدولیة، واحترام هذه المؤسسات فی تحقیق أهدافها الدولیة، بما یرفع من قدرة السیاسة الخارجیة الأمیریکیة وتأثیرها فی تفاعلات العلاقات الدولیة.[9]

أما النتیجة الأخرى التی ادى الیها هذا السلوک السیاسی الخارجی الأمیریکی فهو تدنی قوة القیم والمبادئ الأمیریکیة، واستقامة الشعب الأمیریکی، وهذا أمر مرتبط بالقدرات العسکریة، والتعامل الدبلوماسی، والقطاع غیر الحکومی، وحتى المواطن العادی. إن استخدام القوة المفرطة وبشکل تفردی دون أی اعتبار لقوى ومؤسسات المجتمع الدولی، وعدم احترام الشرعیة الدولیة أو التعاون مع المنظمات الدولیة وبشکل خاص مع منظمة الأمم المتحدة، وتضییق الشراکات القائمة، وعدم البحث عن شراکات دولیة جدیدة تعمق التفاهمات والتعاون لتحقیق نجاحات دولیة، أدى الى تراجع النفوذ الأمیریکی خصوصاً فی فترتی الرئیس جورج بوش الإبن فی ظل نظام تتعدد فیه مراکز القوى الإقتصادیة والعسکریة، ما أفقد الولایات المتحدة قدرتها القیادیة وقدوتها الأخلاقیة.[10]

إن النظام الدولی الیوم ربما یکون أحادی القطبیة على صعید القوة العسکریة، وهذا ما یشیر الیه الإنفاق الأمیریکی فی الجانب العسکری اذا ما قورن بالقوى الدولیة الصاعدة، ما یعنی ان الولایات المتحدة ستبقى القوة العسکریة الأهم لفترة من الزمن، لکن هذا النظام یمتاز بالتعددیة القطبیة من حیث مراکز القوى الإقتصادیة. کما إنه یشهد صعوداً فی القوى الإقلیمیة التی لا یمکن التقلیل من دورها فی تفاعلات السیاسة الدولیة. إن عالم العلاقات الدولیة الیوم یجسد واقعاً یخرج عن سیطرة الدول القومیة ونظمها السیاسیة، فهو عابر للحدود وللقومیات. فالملیشیات المسلحة تلعب دوراً کبیراً على صعید النظام الدولی بأکمله، وتنظیم الدولة الإسلامیة والملیشیات الأخرى، والجماعات المسلحة، والشرکات متعددة الجنسیة دلیل واضح على هذا التطور فی النظام الدولی. کل هذه المستجدات ترتبط حتماً بمستقبل  نفوذ الولایات المتحدة وقدرتها على قیادة النظام الدولی ودورها عالمیاً. لذلک نرى ان الولایات المتحدة تعانی من مواجهة قوى وجماعات تفوق قدراتها قدرات کثیر من الدول القومیة. کما نرى أن اقتصادها یضعف بسبب عدم وجود شراکات وآلیات تعاونیة فی أداء دورها على الصعید الدولی، وبسبب المنافسة الحادة من قبل القوى الدولیة الصاعدة. کل ذلک یحصل بسبب عدم قدرة صانع القرار السیاسی الخارجی الأمیریکی على إدراک واقع ومعطیات النظام الدولی بشکل دقیق کما هو فی الواقع، وبسبب تبنی عقائد تفتقر الى الموازنة بین الدبلوماسیة والعمل العسکری وترجیح متغیرات القوة المادیة ووسائل العنف فی التعامل الدولی.

إن هذه المدرکات والعقائد لدى مؤسسات صنع القرار متجذرة فی التاریخ السیاسی للولایات المتحدة الأمیریکیة، فللمرة الثالثة فی القرن العشرین تعبر أمیریکا عن رؤیتها لإرساء قواعد لنظام عالمی یرتکز على قیمها السیاسیة والإقتصادیة والإجتماعیة، وتحاول تطبیقها على العالم بأجمعه. ففی الفترة التی أعقبت الحرب العالمیة الأولى حاول الرئیس وودرو ولسون بناء النظام الدولی حسب " القیم الأخلاقیة الأمیریکیة"، کما حاول فرانکلین روزفلت والرئیس هاری ترومان إعادة تشکیل النظام الدولی على النموذج الأمیریکی. ولقد وقفت أمام محاولات ولسون قیم الإنعزالیة التی أرسى قواعدها مونرو عام 1823. وواجهت ترومان النزعات المتشددة للتوسعیة الستالینیة. أما بعد الحرب الباردة فکانت معطیات انتشار القوة، وتضاؤل القدرات العسکریة أمام دور العوامل الإقتصادیة، وبروز مراکز قوى صاعدة ساهمت فی بناء هیکلیة جدیدة للنظام الدولی، هی التی عطلت صیرورة نظام دولی أحادی القطبیة تتربع أمیریکا على قمته.

ان هذا یعنی ان الولایات المتحدة بحاجة الى شرکاء یتفقون على اهداف واضحة ومشترکة، وعلى وسائل وآلیات لتنفیذ هذه الاهداف فی اطار من التعاون الدولی، وضمن اطار المنظمات الاقلیمیة والدولیة، لتحقیق تصورات النظام الدولی عن السلم والأمن والتنمیة، وهذا ما لم یحصل الى الآن بسبب عدم ادراک الولایات المتحدة لهذه الحقیقة.

ان الواقع الفعلی للسلوک السیاسی الخارجی للولایات المتحدة فی المرحلة الاولى من فترة ما بعد الحرب الباردة، ای حتى احداث 11 سبتمبر 2001، اثبت بشکل واضح وجلی ان امیریکا تسعى الى تبریر استخدام کل الوسائل من اجل تحقیق مصالحها القومیة، رغم ان هذا یعتبر امراً غیر مبرراً لدى الشعب الامیریکی نفسه. وقد واجهت السیاسة       الخارجیة الامیریکیة معارضة صریحة سواء من شرکائها الاوربیین او من الصین وروسیا الاتحادیة وبقیة دول العالم.

استراتیجیة التبریر:

وقد تفاقم الامر بعد احداث الحادی عشر من سبتمبر 2001، عندما قررت الولایات المتحدة استخدام هذا الحدث کمبرر استراتیجی یعید للسیاسة الخارجیة الامیریکیة لهجة التحدی، ومفردات التوازن والصراع والقوة. فلقد لجأت الى تبنی سیاسة خارجیة تتمحور کافة توجهاتها حول فکرة الحرب الوقائیة کوسیلة ضد کل من تقرر هی وحدها انه ضد قیمها ومصالحها. "کان هناک ایضاً احساساً قویاً، بعد التخبط فی الاتجاه والضعف تحت ادارة بل کلنتون، بانه حان الوقت لتغییر جذری فی الحالة القائمة فی الشرق الاوسط لمصلحةالولایاتالمتحدة.هنا،فانکلمنالرؤىالعقائدیةبانغزوالعراقسیشعلموجة من الاصلاح الدیموقراطی – اللیبرالی واصلاح السوق الحر الرأسمالی فی المنطقة مما یؤدی الى تجفیف " المستنقع الارهابی" الى الابد، تلاقت مع وجهات النظر العملیة المبنیة على المستقبل البعید لاسرائیل وزرع القوة الامیریکیة فی منطقة الشرق الوسط وضمان أن الموارد الاستراتیجیة کالنفط، ستتدفق بحریة للاسواق العالمیة." [11]

 ضمن هذه الرؤیة الدولیة انتجت السیاسة الخارجیة الأمیریکیة حربین الاولى ضد افغانستان والثانیة ضد العراق متقاطعة مع المنظمة الدولیة ومع اراء شرکائها الدولیین معلنة انها ستحارب کل اعدائها وفی کل مکان من العالم . وارتفعت مستویات التوتر على مستوى العالم، ومنیت القضیة الفلسطینیة بنکسة احتجت علیها کل القوى الدولیة ومن ضمنهم حلفاء الولایات المتحدة الامیریکیة کما حدث فی غزة ویحدث لحد الان. [12]

کل ذلک أدى الى تکریس السلوک السیاسی الخارجی للولایات المتحدة الأمیریکیة، المرتکز على استخدام العنف المسلح والمفرط فی التعامل مع تفاعلات العلاقات الدولیة، وبشکل منعزل عن أی غطاء شرعی أو تفویض قانونی من المنظمة العالمیة، واللجوء الى سلوکیة الفرد فی معالجة مشکلات السیاسة الدولیة عالمیاً واقلیمیاً.[13]

 

ثانیاً: البیئة الثقافیة والاجتماعیة والسیاسیة فی الولایات المتحدة الامریکیة

ظهرت الولایات المتحدة  الامیریکیة فی سیاقات تاریخیة تختلف تماماً عن ولادة الدول القومیة فی القارة الاوربیة، والتی أکسبها مؤتمر ویستفالیا Westphalia شرعیة هامة أفرزت بین ما هو سیاسی وما هو دینی، فلقد حمل البیوریتانیون القادمون الى الارض الجدیدة ( وهم من عناصر الصفوة البروتستانتیون) معتقدهم الدینی المرتکز على ثلاثیة الثروة-الدین-والقوة. والحقیقة ان عنصر الدین فی الحیاة السیاسیة الامیریکیة کان یعبر عنه بفکرة "القیم الامیریکیة"، وقد استمر ذلک لفترة طویلة وحتى العقود الاخیرة من القرن العشرین. " وبغض النظر عن الایمان الشخصی لصانعی السیاسة، فان الدین کان وما یزال جزاً أساسیاً "Integral" من السیاسة والثقافة الامیریکیتین، ولإدراک امیریکا لنفسها، وبالنتیجة، لإفرازات السیاسة والثقافة: کالسیاسة الخارجیة مثلاً. وأکثر تحدیداً، فان الدین کان له علاقة حمیمة متفردة مع الحرب والدبلوماسیة الامیریکیة". [14].

ولابد لنا ونحن نتعرض لتحلیل عوامل البیئة الاجتماعیة والسیاسیة للمجتمع الأمیریکی ومرکباتها، من الاشارة الى ان هذا المجتمع یعبر عن بیئة دینامیکیة بالغة الترکیب فی مجال السیاسة، حیث تعمل فیها مئات المنظمات والهیئات والجمعیات التی تمثل تیارات سیاسیة مختلفة وتعبر عن کیانات عرقیة واثنیة متعددة. کما یعبر فیها عن دیانات ونزعات مذهبیة کثیرة. وهذه المنظمات والجمعیات لها وسائل اعلام خاصة بها، کما ان لها ممثلوها فی مختلف المؤسسات التشریعیة، والهیئات القضائیة والمجالس البلدیة محلیاً واتحادیاً وبالتالی فإن هذه التعددیات تنعکس على القرارات التی تتخذها هذه المؤسسات سواءً أکان ذلک على المستوى  القومی أو الدولی،[15] مما لا یدع مجالاً لاختزال الواقع السیاسی والاجتماعی فی الولایات المتحدة الى ثنائیة الحزبین القائمین وهما الحزب الدیمقراطی والحزب الجمهوری، او حتى ثنائیة اللیبرالیین والمحافظین. کما ان هذه المنظمات والجمعیات تربطها شبکة معقدة من التحالفات فیما بینها مبنیة على اساس التداخل فی الافکار والرؤى البینیة وتقارب بعض المفاهیم المشترکة، والفرز بین ما هو استراتیجی وما هو مرحلی فی العمل السیاسی مما قد یغیر توجهات التیارات التقلیدیة القائمة ومؤسساتها الحزبیة. ان هذه المتغیرات المتحرکة وهذا العدد الکبیر من الهیئات والکیانات قد یؤدی الى تغییر فی التوازنات رغم استقرارها النسبی لفترة طویلة من الزمن.

ان الحزبین الکبیرین الجمهوری والدیموقراطی یعبران عن کیانات تنظیمیة کلیة على المستوى القومی( الاتحادی)، وهی تعبر عن التوازنات التقلیدیة والتی تضم مجمل العوامل والحراکات التفصیلیة فی الواقع السیاسی والاجتماعی الامیریکی، الا أن بعض الاحزاب الکبرى وحسب ما یراها المجتمع الامیریکی من وجهة نظر " القیم الدینیة والاخلاقیة الامیریکیة" قد تساعد على حصول مثل هذه التغیرات وبشکل حاد ومؤثر، وکما حصل فی حالة صعود الیمین المحافظ فی الساحة السیاسیة استناداً الى قاعدته الدینیة ومؤسسته الاعلامیة، حیث تمکن من التاثیر الفاعل على توجهات الادارة الامیرکیة ورؤیتها عن النظام الدولی والسیاسة الدولیة ومنذ عقد السبعینات وحتى وقتنا الحاضر. فلقد استثمر الیمین المحافظ فکرة " الانحدار الاخلاقی فی المجتمع " والذی تسببت به سیطرة التیارات اللیبرالیة التی تمجد الحریة الفردیة مما ادى الى فساد المجتمع بحسب طروحات الوسائل الاعلامیة والمؤسسات الکنسیة للیمین المحافظ. فلقد لعبت المدارس الخاصة والکنائس والجامعات، کذلک مراکز البحوث والدراسات الاستراتیجیة، ووسائل الاعلام على المستوى المحلی، ولجان الکونکرس والمنظمات السیاسیة فی عاصمة الولایات المتحدة دوراً هاماً من خلال العمل الدؤوب والمستمر والذی ادى الى صعود الیمین المحافظ فی نهایة عقد السبعینات،[16]. ولقد تغلغل تیار الیمین الدینی والسیاسی فی أغلب المؤسسات البحثیة والتی ترفد الادارة الامیریکیة بالرؤى الفکریة والتصورات الاستراتیجیة. کما لجأ الى تشکیل الجماعات الضاغطة للعمل فی الکونغرس والمؤسسات الحکومیة وخصوصاً فی الادارة الامیریکیة والبیت الابیض. ومن بین أهم هذه المؤسسات الاستراتیجیة وجماعات الضغط یمکن ان نذکر معهد المبادرات الامیریکیة "" American Enterprise Institute، والتجمع المحافظ" Conservative Caucus"، والتحالف من أجل القیم التقلیدیة " Tradition values Coalition".[17]. ولقد لعبت هذه المؤسسات دوراً فاعلاً ومؤثراً فی تنظیم المؤتمرات ودعم الدعایة الانتخابیة للمرشحین للرئاسة فی الولایات المتحدة الامریکیة.

ولابد لنا من فهم الواقع السیاسی للمجتمع الامیریکی والذی یعتبر البیئة المحددة لتوجهات السیاسة الخارجیة الامیریکیة لاحتوائها على عوامل التأثیر المباشرة على الانتخابات الرئاسیة والتشریعیة وبالتالی على الرؤى الاستراتیجیة والقرارات المعبرة عنها فی السلوک السیاسی الخارجی الامیریکی. وترتبط عوامل الواقع السیاسی بشکل کبیر بالبرامج الانتخابیة للحزبین والتی تستند بشکل حتمی الى اتجاهات القیم الدینیة والاخلاقیة للمجتمع الامیریکی.

من هنا فان متطلبات فهم هذا الواقع السیاسی تتمثل بتصور دقیق للبنیة الثقافیة لهذا المجتمع والتی تلعب دوراً کبیراً فی تحدید توجهات الساحة السیاسیة فی الولایات المتحدة الامیریکیة، وتفاعلات عناصرها وتیاراتها المختلفة. ویبدو بجلاء من دراسة الاطار الثقافی للمجتمع الأمیریکی انه یستند الى قاعدة بروتستانتیة أصولیة واسعة ومنظمة تهیمن ایدیولوجیاً على البیئة الثقافیة للمجتمع الامیریکی. کما ترتبط هذه الهیمنة الایدیولوجیة بقاعدة اخرى لا تقل عنها اتساعاً الا وهی " قاعدة القیم الاخلاقیة الامیریکیة".وتعتبر هذه الثنائیة الایدیولوجیة المهیمنة العنصر المتحکم فی تحدید طبیعة التوجهات العامة للواقع السیاسی لمجتمع الولایات المتحدة الامیریکیة. هذه الحقیقة هی أهم ثوابت العلاقة بین البیئة الثقافیة واتجاهات الوسط السیاسی فی الولایات المتحدة الامیریکیة بشکل عام، واتجاهات السیاسة الخارجیة الامیریکیة بصورة خاصة لما لها من ارتباطات عمیقة فی منظومة القیم " الدینیة والاخلاقیة" للشعب الامیریکی.

هذه البیئة الثقافیة والبنیة الاجتماعیة السیاسیة ادت الى تطور موقف الیمین الدینی من مسألة السلطة تفاعلات القوى السیاسیة فی المجتمع الامیریکی. وقد تجسد هذا الموقف بانه تجاوز موضوع الاهتمام بالقیم الاخلاقیة اتساقاً مع الأصولیة البروتستانتیة الى التحرک سیاسیاً من خلال التأثیر على المستوى القاعدی فردیاً ومؤسساتیاً. وقد أخذ الیمین الدینی الذی یعتبر تطوراً للاصولیة البروتستانتیة یمتد بتطوراته الى السیاسة الخارجیة الامیریکیة أثناء فترة الحرب العالمیة الاولى وفترة ما بین الحربین العالمیتین، ویعتبر دخول امیریکا الحرب ضد المانیا انتصاراً للمسیحیة الامیریکیة وقیمها الاصولیة البروتستانتیة. ومن هنا بدأ الیمین المسیحی ومنذ انتهاء الحرب العالمیة الثانیة فی وضع هذه القیم موضع التنفیذ، " ان الدین حیوی للسیاسة الامیریکیة لان العدید من الامیریکین یؤمنون به، ویؤمنون فضلاً عن ذلک بوجوب تطبیق الدین على السیاسة والسیاسات، بما فیها السیاسات الدولیة والسیاسة الخارجیة."[18]. هذا الحراک کان لابد له من ان یؤدی الى دمج الیمین ببعدیه الدینی والسیاسی حیث اصبحت مجموعة القیم الدینیة والاخلاقیة من أهم محددات التوجهات السیاسیة للمجتمع من خلال ذلک الانتشار القاعدی فی الاوساط السیاسیة للولایات المتحدة الامیریکیة. وبالطبع فلابد وأن ینتج عن هذا التحرک تغییراً هاماً فی اتجاهات المستویات القاعدیة باتجاه القیم الاصولیة ومن ضمنها النظرة الى الانسان والمجتمع والعالم، "ان الایمان الدینی ساعد على خلق الوطنیة الامیریکیة، کما انه ساعد على تکون شعور بالعالمیة". [19] وقد دفع هذا التطور النوعی فی تحرک الیمین وما نتج عنه من تأثیرات على المستوى القاعدی الى تطور البرامج الانتخابیة للحزبین باتجاه الاتساق مع التغیرات الحاصلة فی اتجاهات الکتل الانتخابیة ورؤیتها للشؤون السیاسیة الداخلیة والخارجیة. الامر الذی امتد تأثیره الى اتجاهات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة، حیث بدأ تأثیر هذه التغیرات بشکل ملفت للنظر فی تعمیق الایمان باستخدام القوة العسکریة خاصة فیما یتعلق بالسلوک السیاسی الخارجی واختیار أدوات تنفیذ أهداف السیاسة الخارجیة الامیریکیة. ویرى بعض المؤرخین ان صعود الیمین المحافظ یعود الى فترة السیناتور جوزیف مکارثی حیث اشتدت الحملة فی أمیریکا ضد الحرکات الشیوعیة أو ای توجه فکری یتقاطع مع تصوراته الیمینیة المحافظة.

ولقد کان لهذه التطورات أثراً کبیراً فی محاصرة الأتجاه اللیبرالی والذی تمیز بالواقعیة والعملیة والذی عرف فی الاوساط السیاسیة والاجتماعیة بالمسیحیة الجدیدة "New Christian".[20]

 هذه المسارات والتطورات الفکریة والقیمیة کان لابد لها من اطر مؤسسیة تنظمها من أجل تحقیقها وتجسیدها عملیاً فی واقع العمل السیاسی فی الولایات المتحدة. فلقد بدأت الکیانات والجمعیات الأصولیة المرتبطة بحرکة الیمین الدینی باتباع سیاسات ائتلافیة وتکوین التحالفات وروابط ذات بعد "دینی-سیاسی"، أخذ بالتأثیر على سیاسة الولایات المتحدة بشکل متزاید خلال الربع الاخیر من القرن العشرین، لیس على المستوى الداخلی فحسب، وانما امتد الى التأثیر على السیاسة الخارجیة الامیریکیة بشکل فاعل. ویمکن أن نشیر الى ظهور هذه التأثیرات أثناء حکم الرئیس الامیریکی رونالد ریغان الذی تبنى رؤى الیمین الدینی فیما یخص الشؤون الداخلیة والقضایا الخارجیة، مما جعله یحظى بدعم الکثیر من الساسة والاوساط الثقافیة ممن یتبنون التوجهات المتشددة والمحافظة.

و فی ادارة الرئیس جورج بوش الاب مثال واضح لامتداد تأثیرات الیمین الدینی، وسیطرته القاعدیة على الکتل الانتخابیة، وعلى اتجاهات الادارة الامیریکیة فی تبنی اتجاهات جعلت من الدین عاملاً اساسیاً فی تحدید طبیعة السیاسة الخارجیة الامریکیة. ان علینا لفت الانتباه الى الاساس الاجتماعی والقاعدة الاقتصادیة التی تصف لنا الادارة الامیریکیة للرئیس جورج بوش الأب بأنها ذات طبیعة بروتستانتیة تبنت مصالح طبقة اقتصادیة تعمل فی قطاع النفط حصراً. لقد سحب المسیحیون الصهاینة تأییدهم من الرئیس جورج بوش ووزیر خارجیته جیمس بیکر عندما حاولا أن یجدا حلاً للقضیة الفلسطینیة یحقق المصالح الحیویة الأمیریکیة فی المنطقة ویحاول أن یتلمس سلاماً یرضى به الفلسطینیون ویجعل المنطقة أکثر استقراراً، " لقد رفض الصهاینة المسیحیون تأیید بوش وبیکر فی محاولتهم باستعمال النصر على العراق بدایة عملیة سلام فی الشرق الاوسط، کانت ستحجم بشکل کبیر الطموحات الاسرائیلیة، وبشکل اجمالی، فان جورج بوش الأب لم یرض أحداً وقد دفع الثمن فی صنادیق الاقتراع عام 1992".[21].

وقد أثبت الصهاینة المسیحیون أنهم قوة یتوقف فوز أی مرشح فی الانتخابات الرئاسیة أو البرلمانیة على تأییدها، الامر الذی انعکس على البرامج الانتخابیة باتجاه تبنی المواقف المتشددة التی ینادی بها الیمین الدینی، " کان خروج المحافظین المسیحیین من معسکر بوش الاب تعبیراً عن قوتهم ککتلة متماسکة عند التصویت، وهذه القوة لم یستطع المرشحون الجمهوریون المستقبلیون تجاهلها."[22]. ولقد تعلم جورج بوش الإبن هذا الدرس حیث اعتمد بشکل کبیر على الیمین الدینی فی حملاته الأنتخابیة، " وقد تمکن الحزب الجمهوری من احتواء الیمین الدینی والیمین السیاسی، ویعتبر قضیة الاعتماد على هذا العامل الحاسم هی اساس نجاح الرئیس جورج بوش الابن، خصوصاً فی الولایات الجنوبیة"[23].

وتعتبر هذه الکیانات بصیغتها الأئتلافیة والتحالفیة والتی تربطها روابط من طبیعة دینیةـ سیاسیة، من اهم ادوات التأثیر فی الحیاة السیاسیة الامیریکیة حیث انها استندت الى استراتیجیات للعمل فی الوسط السیاسی تعتمد على مستویات من الحرکة یمکن تلخیصها بالآتی:

1-     اعتماد استرتیجیة دفاعیة تحقق حمایة الأفکار والقیم من ای تأثیرات تضعف من فاعلیتها.

2-     الانتقال الى مواقف هجومیة تهدف الى تجدید التوجهات اللاهوتیة للحیاة الامیریکیة.

3-     إعادة تأثیر ما یسمى بالاخلاق المستمدة من الکتاب المقدس على اهتمامات العمل الوطنی.

4-     أن یکون تحقیق هذه المستویات من الحرکة عن طریق البرامج التی تعتمدها الاحزاب السیاسیة.

ومن المهم ان نذکر بهذا الصدد المؤسسات التی تمثل هذه التحالفات والائتلافات مثل منظمة الاغلبیة الاخلاقیة "Moral majority collection  " ومجلس بحوث الاسرة " Family research council "، ومنظمة الائتلاف المسیحی "Christian "coalition ، والتی أسسها "بات روبرتسون" وهو من قیادات الیمین الدینی، وغیرها من الائتلافات التی ضمت أعداداً کبیرة من التجمعات الاصولیة فی المجتمع الامیریکی. ولقد عملت هذه المنظمات الاصولیة بفاعلیة کبیرة فی الاوساط السیاسیة ومنذ العقد السابع من القرن الماضی وهی تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً فی الحیاة السیاسیة للولایات المتحدة وذلک من خلال تحرکها القاعدی مستخدمة برامج الکنیسة المرئیة وتطور القنوات التلفزیونیة التی احتلت المرکز الاول فی وسائل الاعلام الامیریکیة. وقد أخذ القساوسة الواعظون یظهرون فی محاضرات وعظیة مؤثرة من خلال الکنیسة ورؤاها حول القیم الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة یشاهدها ملایین المواطنین الامیریکان،  " حسب أحدث الاحصاءات لWorld value survey 2005 – 2008  فان 36% من الامیریکیین یحضرون مراسیم الکنیسة اسبوعیاً مقارنة ب4% من النرویجیین والسویدیین"[24]. کما بدأ الیمین الدینی بخلق شبکة من المصالح وبوسائل شتى مع المؤسسات الاجتماعیة المختلفة. وعلى کل هذه التطورات تم بناء قاعدة انتخابیة مؤثرة فی عملیة التصویت الذی سهل لها المشارکة بدرجة أو باخرى فی ادارة السیاسة الداخلیة والخارجیة الأمیریکیة، " ان اقل بقلیل من ثلث الامیریکیین یعتبرون أن السیاسی غیر المؤمن بالله غیر مؤهل لوظیفة عامة، مقارنة ب4% من السویدیین و9% من الفلندیین. ویقول 58% من الامیریکان أن الله مهم جداً فی حیاتهم"[25].

تأثیر جماعات المصالح: الآیباک نموذجاً:

على ضوء هذه الخلفیة یمکننا استعراض بعض السیاسات العملیة فی اطار الشؤون الدولیة، حیث أصبحت السیاسة الخارجیة الامیریکیة تنسق مع المسارات الفکریة الیمینیة. وقد بلور الرئیس بوش الابن هذه السیاسات فی لقائه مع لجنة یهود امیریکا " American Committee"Jewish عام 3/5/2001م، حیث طرح رؤیته للأهمیة القصوى للقیم الدینیة فی السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة. إضافة الى تمجیده لدور اللجنة الفاعل فی إصدار قانون الحریة الدینیة. وقد أکد الرئیس بوش الابن أن من أهم أولویات السیاسة الخارجیة هو أمن إسرائیل. وقد طرح الاسانید الدینیة للتدلیل على ذلک حیث ذکر ان شعب الدولة الیهودیة هم أبناء النبی إبراهیم علیه السلام. ومن أهم ما تمخض عنه هذا اللقاء هو اعتماد ذات التوجهات الدینیة المتحققة فی السیاسة الداخلیة للبلاد کی تکون مبادیء موجهة فی السیاسة الخارجیة الامیریکیة.

ان من المهم تحلیل دور لجنة الشؤون العامة الامیریکیة الاسرائیلیة "A.I.P.A.C"

American Israeli Foreign Affairs Committee، فی تحدید ملامح السیاسة الخارجیة الامیریکیة لما لها من دور فاعل على عملیة صنع القرار السیاسی الخارجی.

ویعرف الکاتبان الامیریکیان John J. Mearsheimer and Stephen M.Wolt فی مؤلفهم اللوبی الأسرائیلی والسیاسة الخارجیة الامیریکیة [26] اللوبی الصهیونی " بأنه باختصار شدید هو الائتلافات الواسعة والفضفاضة من الأفراد والمؤسسات التی تعمل بفاعلیة لصیاغة السیاسة الخارجیة بالاتجاه المؤید لاسرائیل" [27]ویرى الکاتبان أن جماعات الضغط الضخمة تسببت فی دمار منطقة الشرق الاوسط، وأصابت اسرائیل نفسها باضرار بالغة، وتهدد بمستقبل محفوف بالمخاطر نتیجة السیاسات الاسرائیلیة والدعم اللا محدود للسیاسة الامیریکیة لهذه السیاسات.[28]. ونلاحظ انه فی العدوان الاسرائیلی الاخیر ( یونیو 2014 ) على قطاع غزة والذی ادین من قبل الکثیر من القوى الدولیة کفرنسا، وبریطانیا، ودول امیریکا اللاتینیة، یؤکد الرئیس الامیریکی باراک اوباما أمام الایباک اهتمام الولایات المتحدة بامن اسرائیل وضرورة الاعتراف بها کدولة یهودیة ذات حدود آمنة ومحصنة ویمکن الدفاع عنها، ویصف حماس بانها منظمة ارهابیة، حیث یؤکد ان القدس ستبقى عاصمة موحدة لاسرائیل. کما یؤکد الرئیس الامیریکی ان شراکتهم مع اسرائیل هی شراکة مصالح، وقیم، وما یهدد اسرائیل یهدد امیریکا. وان امیریکا ملتزمة بضمان کفاءة القدرة العسکریة لاسرائیل، دون الالتفات الى حجم الدمار الذی سببته العملیات العسکریة الاسرائیلیة فی غزة وقتل الالاف من المدینین أغلبهم من النساء والأطفال والمدنیین، الامر الذی ادانه المجتمع الدولی. [29]

وتعتبر Aipac احدى تنظیمات جماعات الضغط التی تمثل مصالح المؤسسة الصهیونیة والدولة الیهودیة بشکل خاص، ولهذه اللجنة دورواسع یؤدى من خلال شبکة واسعة من العلاقات هائلة التأثیر على القرار السیاسی فی امیریکا على الصعید الداخلی، وعلى صعید العلاقات الدولیة بشکل خاص، وتعبر هذه الشبکة من العلاقات عن الدعم الاقتصادی والسیاسی والمعنوی الکبیر للمؤسسات والشرکات الاقتصادیة. کما أن رجال الاعمال الیهود الامیریکان المتصهینین الذین یقدمون الدعم لاسرائیل بغض النظر عن قواعد القانون الدولی المعبرة عن منع العدوان والتوسع والاحتلال وارتکاب جرائم ضد الانسانیة.لیس هذا فحسب، وإنما تعمل الآیباک، وهی المنظمة القائدة لکل تشکیلات اللوبی الصهیونی ومؤسساته الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة على منع ظهور أیة منظمة أو هیئة عربیة أو اسلامیة فی الولایات المتحدة الأمیریکیة تحاول إیجاد توازن لنفوذ وسطوة هذا اللوبی، وتعطیل دور مجلس العلاقات الأمیریکیة الإسلامیة مثال واضح على هذه السیاسة. [30] کما إنها تحول دون إتخاذ أی موقف موضوعی للسیاسة الخارجیة الأمیریکیة فی الشرق الأوسط، وبهذا فهی تعطل أی دور یمکن أن تقوم به أمیریکا کقوة عظمى لحل مشکلات الشرق الأوسط، حیث تواجه الولایات المتحدة حالات إنتقاد حادة لعدم بذلها أیة جهود سیاسیة أو دبلوماسیة لدفع عملیة السلام العربیة الإسرائیلیة، ولقیامها بالحرب ضد العراق باعتباره خطئاً تاریخیاً. فاللوبی الإسرائیلی وأداته الرئیسیة (Aipac) یحول دون إجراء أی نقاش حقیقی داخل أمیریکا ودوائرها السیاسیة، وعلى سبیل المثال ولیس الحصر، أین یجب أن تقف أمیریکا فی الصراع العربی الصهیونی ومنذ أکثر من نصف قرن؟[31]

إن الإنتخابات الرئاسیة أو النیابیة فی الولایات المتحدة لیست مجرد انتخابات لاختیار مرشحین لموقع الرئاسة الأمیریکیة أو لعضویة الکونغرس فحسب، وإنما هی اختیار یقوم به الشعب الأمیریکی لیعید تعریف وتوصیف الدور الأمیریکی، وتحدید مسارات السیاسة الخارجیة فی حقبة تاریخیة معینة، معبرة بذلک عن اتجاهات الرأی العام الأمیریکی حیال المشکلات الإقلیمیة والدولیة. ولهذا فإن تأثیر العوامل الفکریة والعقیدیة التی یستخدمها اللوبی الإسرائیلی ویعمل على بروز شخصیات سیاسیة تلتزم بها وتحولها الى استراتیجیات عمل فی السیاسة الخارجیة، تعتمد على القوة المادیة والعنف، من خلال توظیف الانتخابات ، إنما تستلب فرصة الولایات المتحدة فی صیاغة إحساس جدید لخلق اتجاهات جدیدة فی السیاسة الخارجیة الأمیریکیة.

لقد تعمق تأثیر الیمین المحافظ على السیاسة الخارجیة الأمیریکیة منذ وصول الرئیس George W. Bush ، فمنذ حملته الإنتخابیة صرح بأنه یرید تجدید القوات المسلحة الأمریکیة، وذلک فی خطابه الذی ألقاه فی سیتادیل فی العام 1999، مؤکداً أن على القوة الوحیدة المتبقیة أن تنشر قواتها فی جمیع أنحاء العالم.[32]

لقد جسد الرئیس Bush الإبن مشکلات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة والمتجسدة بالتفرد والعنف، ما أنتج عدم احترام عملیات حفظ السلام ومهمات التحشید الدولی لمعالجة مشکلات السیاسة الدولیة. فهو لم یر حاجة لکل هذه المعالجات، ویرى أن الغرض من القوات المسلة هو خوض حروب الولایات المتحدة والإنتصار فیها.[33]

هذا الخطاب تمت صیاغته من قبل من یسمّون بالصقور، وهم مجموعة المسؤولین المحافظین السابقین فی مجالس الأمن لقومی حیث کانوا یشکلون حکومة ظل  إبّان عهد الرئیس Clinton، والذین وجدوا مواقعهم لاحقاً فی إدارة الرئیس George W. Bush.[34]

إن من الضروری القول أن فی الولایات المتحدة تتنافس جماعات المصالح وتکافح من أجل صیاغة الادراک العام للمصلحة القومیة العلیا الأمیریکیة وکیفیة النظر الیها من وجهة نظر هذه الجماعات، ومن ثم إقناع المشرعین والرؤساء الأمیریکان لتبنی السیاسات الملائمة لهذا الادراک.

ویجسد James Madison in Federalist No. 10 تأثیر جماعات المصالح المتعددة فی صیاغة الجوانب المختلفة للسیاسة الخارجیة الامیریکیة، بضمنها قرارات الحرب،[35]. وتعتقد القوى السیاسیة المؤیدة لاسرائیل بانهم یعززون السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة بما یخدم المصالح الحیویة الامیریکیة مثلما تخدم المصالح القومیة الاسرائیلیة، المصدر السابق [36]

ویمکن القول ان دور اللوبی الصهیونی الذی تعتبر لجنة الشؤون العامة الامیریکیة الاسرائیلیة Aipac جزءاً هاماً وفاعلاً منه أصبح من الامور الواضحة والبدیهیة والتی تشیر الیها الکثیر من الادلة، والتی تخضع لها السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة بشکل کبیر.[37] ویؤکد الفریق الرکن رعد مجید الحمدانی أن القادة والضباط المهمون فی القوات الأمیریکیة قد خضعوا مکرهین لتلک السیاسة، وأن الجمیع یعلم قوة التأثیر الصهیونی فی صنع القرار الأمیریکی فی کل ما یتعلق بقضایا الشرق الأوسط. ویضیف " أن السیاسة الأمیریکیة واستراتیجیتها فی العراق جعلت منه بحراً هائجاً من الفوضى بإثارتها النعرات العرقیة والطائفیة،....وجعلت من العراق میداناً لتجمیع قوى الإرهاب المختلفة....لقد فقد العراقیون أمنهم، ثم فقدوا الثقة بالسیاسة الأمیریکیة وما أنتجته من سیاسات محلیة هشة وضعیفة.[38]  ویتم کل ذلک دون الاخذ بنظر الاعتبار اتجاهات الرأی العام الدولی ممثلاً بوحداته الاساسیة وهی الدول، وکذلک المنظمات الدولیة التی دائماً ما تدین سیاسة الدعم المطلق من قبل امیریکا على صعیدی السیاسة الدخلیة والخارجیة للصهیونیة واسرائیل. إن ما حصل فی العراق دلیل واضح على تأثیر إسرائیل واستخدامها للسیاسة الخارجیة الأمیریکیة لتنفیذ مخططاتها فی منطقة الشرق الأوسط.

علماً بأن أیة جهة تتعرض للوبی الصهیونی، ودعم الولایات المتحدة اللا محدود لاسرائیل، أو للسیاسة الاسرائیلیة نفسها فانها تتعرض لردود أفعال قاسیة، [39]ولنا فی الانتهاکات الاسرائیلیة فی قطاع غزة حیث تتسبب هذه السیاسة فی ادانات دولیة واسعة النطاق لکونها تتقاطع مع حقوق الانسان وقواعد القانون الدولی والاعراف والقیم التی یجب ان تحترمها الدول فی نزاعاتها.[40]علماً بأن الدعم الامیریکی الواسع وغیر المشروط لاسرائیل نادراً ما یکون موضع تشکیک[41].

لماذا هذا التشدد تجاه من یحاول التعرض للوبی الاسرائیلی ؟ هذا السؤال یطرحه الکاتبان  میرشمایر وستیفن والت ویجیبان علیه بأن السبب هوضغوط جماعات المصالح التی تسیطر على العملیات السیاسیة، ولذلک فمن الصعوبة الحدیث بشکل صریح عن اللوبی الاسرائیلی، ولأن اللوبی نفسه یتحدى من یحاول طرح أن الدعم الامیریکی لاسرائیل  کبیر وأنه قد یکون ضاراً بالمصلحة الأمیریکیة. [42]

ویجب ملاحظة ان هذه التأثیرات العمیقة والمؤثرة فی القرار السیاسی الخارجی الامیریکی من قبل Aipac لا یأتی من القدرات التأثیریة لهذه المنظمة على الصعد الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة فحسب، وانما أیضاً من طبیعة البیئة الثقافیة للمجتمع الامیریکی، والعقیدة الدینیة الاصولیة البروتستانتیة السائدة والمهیمنة فیه، حیث تمثل سنداً ایدیولوجیاً وثقافیاً تؤطره تنظیمات واسعة الانتشار من الیمین الدینی، الذی یطلق علیه أیضاً " الصهیونیة المسیحیة" او"الاصولیة المسیحیة" کما یمکن تسمیته ایضاً بالاصولیة الانجیلیة. وهذا الاتجاه المسیحی یدعو الى التمسک بنصوص الکتاب المقدس "Bibl"، والرجوع الى تعالیم السید المسیح، والعمل على العودة للحکم الالفی للسید المسیح، حیث یرون ان عاصمة هذا الحکم هی مدینة القدس فی فلسطین المحتلة. [43]ویجب الاشارة الى ان الصهیونیة المسیحیة تختلف عن الصهیونیة الیهودیة التی تدعو الى عودة الیهود الى ما یسمى جبل صهیون فی أرض فلسطین. وقد نشأت الصهیونیة المسیحیة منذ أکثر من ثلاثمائة عام وتوسعت فی أوربا، وقد کان البیوریتانیون " وهم العناصر البروتستانتیة " والذین وصلوا الى الولایات المتحدة یحملون هذه المعتقدات حول الدین والمجتمع. [44]وهذا "ما جعل القارة الجدیدة متحررة من مفاهیم ویستفالیا"، والتی اختفت بموجبها سیطرة الدین على السیاسة وخصوصاً اعتباره اساساً هاماً للسیاسة الخارجیة للدول، عام 1948م.

ویرى المحلل السیاسی Robert Trice  أن أغلب الجماعات الیهودیة المکونة لهذا للوبی الاسرائیلی فی الولایات المتحدة تتصف بالأعداد الکبیرة، وبکوادرها المدربة جیداً، وذات مقدرة مالیة کبیرة فی المجتمع، وأن وجود عدد کبیر من هذه المنظمات على المستویین المحلی والقومی یوضح المقدرة الفائقة التی یمتلکها اللوبی الصهیونی على التعبئة والحشد وبشکل منسق خصوصاً على المستوى الاتحادی عند بروز أیة قضیة مهمة فی السیاسة الخارجیة الامریکیة. إن اهم معنى لهذا الترکیب هو أن الولایات المتحدة الأمیریکیة واسرائیل ترتکز الى ثقافة یهودیة – مسیحیة مشترکة، وترتبط بروابط غیر رسمیة مختلفة ومتعددة.[45]

وتجسد حرکة المحافظین الجدد هذه الأفکار والمعتقدات، والمحافظون الجدد حرکة یمینیة تعد جزءً من الحیاة الثقافیة والسیاسیة الأمیریکیة وخصوصاً منذ العام 1970. وقد جلبت الانتباه بشکل خاص بعد أحداث  11 سبتمبر. وقد برز المحافظون الجدد بشکل واضح فی صیاغة السیاسة الخارجیة التفردیة "Unilateralist" لادارة الرئیس Jorge W. Bosh ، وبشکل خاص فی القرار المتعلق بغزو العراق فی مارت 2003.[46]

 

ثالثاً: البیئة النفسیة لشخصیة صانع القرار وأثرها على السیاسة الخارجیة الأمیریکیة

یتبین من اشارتنا للملامح الاساسیة للبیئة الثقافیة والسیاسیة الامیریکیة العوامل التی هیأت ومنذ نهایة عقد السبعینات من القرن العشرین للصعود اللافت للیمین الدینی وهیمنته على البنى القاعدیة للانتخابات التشریعیة والرئاسیة، وخصوصاً اثناء حملة الرئیس المیریکی رونالد ریغان الانتخابیة وتحت شعار ولادة المسیحیین مرة أخرى    "The born again Christian"، حیث یمیز الیمین الدینی نفسه بانه طرف الخیر، وأن کل الدیانات الاخرى، ومن ضمنهم المسیحیون الذین لا یعتنقون مبادئ الیمین الدینی فی امیریکا، ( کالمسیحیون الشرقیون مثلاً) هم طرف الشر، ویرون انهم المختارون والموعودون، " ان الامریکیین قد تعرضوا تقریباً لنفس التغیرات الاجتماعیة والثقافیة التی تعرض لها الاوربیین. لقد أصبحوا أغنى، وازدادت معرفتهم العلمیة، کما أنهم معرضین لنفس التحلیل النفسی والاباحیة، وربما أکثر من الاوربیین. ولکن البروتستانتیة فی أمیریکا لم تعانی أبداً من الانحدار الذی عانته فی أوربا. بل على العکس فان الله " God " ما زال من عدة أوجه على نفس العظمة فی أمیریکا کما کان قبل اربعین عاماً. وخیر دلیل على ذلک هو عشرات الملایین من المصلین الذین یأمون الکنائس الامیریکیة یوم الاحد". [47]

  ومما ساعد على صعود الیمین الدینی هذا أن برزت فی هذه الفترة بالذات مجموعة من الاستراتیجیین الامیریکان قاموا بأدلجة المفاهیم الدینیة سیاسیاً، واستراتیجیاً، ومن هؤلاء روبرت تیکر وصموئیل هنتنغتون، حیث قاموا بتحویل المفاهیم والقیم الدینیة الاصولیة الى ایدیولوجیا سیاسیة متجسدة بفکرة "صراع الحضارات"، " الناس یدافعون عن أنفسهم على صعید الاصول، الدین، اللغة، التاریخ، القیم، العادات، والمؤسسات، أنهم یحددون هویتهم کجماعة ثقافیة: قبائل، جماعات اثنیة"عرقیة"، ومجتمعات دینیة، أمم"قومیات"، وعلى المستوى الاوسع الحضارات. والناس تستخدم السیاسة لیس لتحقیق مصالحهم فحسب، ولکن للدفاع عن هویاتهم أیضاً. نحن نعرف من نکون فقط عندما نعرف من لا نکون، وغالباً فقط عندما نعرف ضد من نحن؟ ". [48]

الدوافع الذاتیة:

 لقد اعتبر الامیریکیون أن قیمهم ونمط حیاتهم أمراً یجب ان یتعلمه العالم أجمع، " بالنسبة للأمیریکیین، فإن اعلانهم للأستقلال والدستور لیس فقط الاساس لقانونیة النظام السیاسی فی قارة أمیریکا الشمالیة، لکنها تجسید لقیم عالمیة لها دلالتها للجنس البشری، والتی ذهبت الى ما وراء حدود الولایات المتحدة ...حیث یذکر ریغان أن الولایات المتحدة هی مدینة مشعة فوق رابیة.[49] وهذه الرؤیة هی التی تحدد السیاسة الخارجیة الامیریکیة بشکل عام، حیث ترى الادارة الامیریکیة نفسها حاملة مشعل الحضارة، وانها تسعى لتقدیم هذه المبادئ للانسانیة للاحتذاء بها متجاهلة قیم وثقافات الشعوب الاخرى.

هذا التحول ادى الى تصاعد تأثیر الیمین الدینی على الحرکة السیاسیة الخارجیة الامیرکیة من خلال التأثیر على الحزبین الرئیسیین فی الساحة السیاسیة ودون تمییز. فلقد تبنى الدیمقراطیون والجمهوریون طروحات الیمین الدینی على حد سواء. وبرز المستشارون المقربون من کارتر الدیمقراطی ومن ریغان الجمهوری من رموز الیمین الدینی امثال جیری فولویل مؤسس منظمة الاغلبیة الاخلاقیة سابقة الذکر. وقد استطاعت حرکة الیمین الدینی ان تجمع بین سیاسی الیمین المحافظ وایدیولوجیا الیمین الدینی من اجل توحید الرؤى والتوجهات من جهة، وتنسیق الممارسات والخطط السیاسیة والتی تم من خلالها المزج بین ما هو سیاسی وما هو دینی، بهدف احداث تغییر جذری فی السیاسة الامیریکیة،" ان التفرد البروتستانتی Protestant exceptionalism ساعد على نمو التفرد الامیریکی والذی أدى الى ایمان ثابت بامیریکا کأمة مختارة وبالامیریکان کشعب مختار. وتداعیات هذه الفکرة على السیاسة الخارجیة واضحة. فتحت فکرة الوطنیة فان الأمیریکان یعتقدون انهم یستجیبون لنداء من الاعلى، وانهم ینفذون مشیئة الرب، وانهم تجسید لارادته، وکأمة الرب المختارة، فان الولایات المتحدة یجب تکون على حق". [50]

وقد نجح المحافظون الجدد والى درجة کبیرة فی تجسید المسارات الفکریة والنظریة للاصولیة الدینیة بشکل ممارسات وسیاسات عملیة، ظهر منها على صعید السیاسة الخارجیة الایمان بالقوة العسکریة، خاصة فیما یتعلق بالقضایا التی تهم مصالح الولایات المتحدة فی المناطق الهامة من العالم عموماً ومنطقة الشرق الاوسط ومنها منطقة الخلیج العربی بشکل خاص.

ومما یمکن تأشیره أن بعد حرب الخلیج الاولى - الحرب العراقیة الایرانیة – وتحت حجة أن صدام حسین قد خرج من هذه الحرب وهو یمتلک القوة والخبرة، بدأ فریق صناعة السیاسة الخارجیة فی واشنطن یصور أن هذه الحقیقة تعبر عن خطر حقیقی بالنسبة للغرب، وبدأ الدفاع بشدة عن ما یسمى بالحرب الإستباقیة Doctrine of pre -  emption وهی أن تضرب أولاً لتجنب المخاطر المحتملة. ولقد ضم هذا الفریق دیک تشینی وزیر الدفاع ونائبه بول وولفویتز Paul Wolfowitz ، ولیفی لیبی Lewis Libby وهو أیضاً من کبار موظفی وزارة الدفاع فی حینها، وریتشارد بیرل Richard Perle وهو من کبار المثقفین فی فترة الحرب الباردة، مع مجموعة أخرى من أعضاء هذا الفریق الذین أخذوا یتبنون الإتجاه الیمینی والاستراتیجیة الواقعیة فی ربط المصالح القومیة بالقوة الشاملة.[51] لقد أصبح هذا التیار الیمینی ما یطلق علیهم بالمحافظین الجدد. ومن المهم الذکر فی هذا السیاق من تطور السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة، أنه فی عام 1992  وفی نهایة فترة رئاسة جورج بوش الأب، طرح وولفویتز ورقته فی " السیاسة الدفاعیة للولایات المتحدة "، والتی فصل فیها تصوراته عن کیفیة استخدام الإستراتیجیة الإستباقیة، والتی دافع فیها بشدة، أمام دعوات مکاسب تعزیز السلام بعد الحرب الباردة وما أفرزته من مشاعر کره وعداء، عن ضرورة محافظة الولایات المتحدة على التفوق فی القوة العسکریة فی کل من أوربا وآسیا، وأن تحافظ على القوة الضاربة التی یجب أن تکون جاهزة لأی هجوم استباقی ضد القوى التی تقف بالضد من سیاسة استکمال اشتراطات النظام الدولی أحادی القطبیة والتی تشمل ایران وسوریا ولیبیا وکوریا والعراق، وقد نشرت کوثیقة رسمیة ابان فترة دیک تشینی وزیراً للدفاع تحت عنوان: “Defense strategy for the 1990s “

ویذکر جون کیغان[52] فی کتابه "حرب العراق"، أن الرئیس بیل کلینتون لم یشارک المحافظین الجدد آراءهم فی الحرب الإستباقیة وسیاسة الإیمان بالقوة العسکریة واستخدامها فی تفاعلات ىالعلاقات الدولیة، إلا أن هؤلاء ظلوا یبثون أفکارهم من خلال النشرات الدوریة، Weekly standard and Commentary , وهی المطبوعات الرئیسیة للفکر الیهودی فی أمیریکا. [53]

أن الدعم اللامحدود للمحافظین الجدد لساسة اسرائیل المتشددین والذین یطالبون باسرائیل الکبرى، الدولة القویة وبحدود آمنة ومعترف بها من قبل الفلسطینیین، جعلت التیار اللیبرالی فی أوربا ینظر الى آراء المحافظین الجدد کموقف غیر نزیه وغیر عادل، وهذا ما انعکس على موقف التیارات اللیبرالیة الیساریة، بشکل خاص على موقفهم من سیاسة المحافظین الجدد بصورة عامة.

الخصوصیة الأمریکیة:

لقد حاولت شخصیات ورموز المحافظین الجدد تمسکهم بفکرة الخصوصیة الأمیریکیة،   “ American particularity “، وهی فکرة قدیمة فی السیاسة الخارجیة الأمیریکیة، والتی تفضی الى حق الأمیریکیین فی التصرف أو "العمل بشکل انفرادی: Unilaterally"،الأمر الذی یرى فیه الأوربیون ما یصفونه " بالغرور السیاسی: Political egotism" وهذا یذکرهم برؤیة رونالد ریغان عن " المدینة فوق الرابیة:”City on the hill . وهی نفس الفکرة التی عبر عنها المحافظون الجدد "باللحظة الأمیریکیة: The American moment "، وربما أیضاً تلک اللحظة التی عبر عنها الرئیس المثالی وودرو ویلسون، Woodrow Wilson  إبان طرحه لمشروع عصبة الأمم فی مؤتمر الصلح فی فرسای، عشیة الحرب العالمیة الأولى.

هذه السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة وما ارتکزت الیه من أفکار فی التفوق الأمیریکی کانت سبباً حقیقیاً لتلک المعارضة الحکومیة لبعض الدول الأوربیة، رغم التحالف الأوروبی الأمیریکی، کفرنسا وألمانیا والتی یمکن اعتبارها منصة للمعارضة الأوروبیة لسیاسة التفرد الأمیریکی فی التعامل مع الشؤون الدولیة، ویمکن اعتبار الرئیس الفرنسی السابق جاک شیراک والمستشار الألمانی غیرهارد شرویدر نموذجاً لهذا الواقع.

ویلاحظ ان فی الولایات المتحدة الامیریکیة "ولد المجتمع والدین فی آن واحد" بحسب صیغة Jean Pierre Fichou[54]وهی فکرة ترتکز الى تحلیل التاریخ الامیریکی بشکل دقیق. فلأن المهاجرین الجدد کانوا من البروتستانت، فقد کانوا قوة غالبة فی المجتمع الامیریکی بحیث سادت کنیستهم وساد مذهبهم. وتشکل هذه الفکرة فی رأینا حجر الزاویة فی حسم الجدل الدائر حول الاساس النظری او العقائدی الذی یقف وراء حرکة السیاسة الخارجیة الامیریکیة وخصائصها الحالیة کتوجهاتها واهدافها وادوات تنفیذها.

یبدو واضحاً من خلال تحلیل مرتکزات السیاسة الخارجیة الامیریکیة (الفکریة والسیاسیة) سقوطها فی اتجاهات العنف والتعصب، التی تضمنتها عقائد ومدرکات النخبة السیاسیة ومن بینهم صناع القرار فی السیاسة الخارجیة. فلقد أسهمت بعض المقولات الفکریة کمقولة صموئیل هنتنغتون  حول صدام الحضارات فی صناعة بعض العقائد التی تؤمن بحتمیة المواجهة بین حضارة الغرب وباقی حضارات العالم، وبالتالی فقد لعبت دوراً أساسیاً فی التأثیر على طبیعة المدرکات وعلى البیئة النفسیة للنخبة السیاسیة وبالتالی التأثیر فی قراراتهم التی تحدد کیفیة التعامل مع تفاعلات العلاقات الدولیة. و تعتبر التصریحات الافتراضیة لاطروحة هنتنغتون حول "صراع الحضارات" والتی ترى ان السیاسة الدولیة تتجه نحو بلورة هیکلیة للنظام السیاسی الدولی تتأسس على الحضارات المختلفة التی تجمع الکیانات الدولیة فی عالم الیوم، وأن ما سیحدد حراک السیاسة الدولیة هو الاختلاف أو التقاطع فی العقائد والقیم وأنماط الحیاة لکل من هذه الحضارات ویحدد الحضارة الکونفوشیوسیة والسلافیة الارثوذوکسیة والهندیة مع الترکیز على الصدام الحضاری بین الحضارة الاسلامیة والحضارة المسیحیة الغربیة. وهو یرى ان المواجهات الکبرى ستتم على مستوى الثقافات المختلفة والتی تنتمی الیها مجامیع من دول العالم مکونة هذه الکتل الحضاریة المتصارعة. حیث یعطی هنتنغتون صورة لطبیعة الحضارة " بان التاریخ الانسانی هو تاریخ حضارات، وان من المستحیل تصور أی تطور للانسانیة من غیر هذا المعنى " [55]. ویبدو ان هنتنغتون قد استعار الانقسام الایدیولوجی  الذی کان سائداً ابان الحرب الباردة، لیضع صیاغة تتناسب مع معطیات فترة مابعد الحرب الباردة لتعبرعن عوامل الصراع فی العلاقات الدولیة فی المرحلة الجدیدة. ومن الواضح هنا ان الدولة القومیة باعتبارها العنصر الاساسی فی النظام السیاسی الدولی، ستظل اللاعب الاهم فی التفاعل الدولی.

ومن خلال أنتماء هذه الدول الى الحضارات المتصارعة ستظهر الطبیعة الحضاریة کجوهر للصراع بین هذه الدول. وتضع اطروحة هنتنغتون الغرب ـ المسیحی فی مواجهة باقی دول العالم، ویحاول تصویر الیة الصراع على ان التفاعلات التصارعیة ستحددها استجابات وردود افعال الدول الممثلة للحضارات غیر الغربیة على القوى الغربیة. ویضع فی مقابلة حضارة الغرب ویوزع حضارات العالم الرئیسیة بالمفهوم المعاصر:"الحضارة الکونفوشوسیة "الصینیة"، والیابانیة، الهندیة، الاسلامیة، الارثوذوکسیة، والحضارة الغربیة التی تتضمن أوربا وامیریکا الشمالیة وامیریکا الجنوبیة، وبعض الدول التی کونها المستوطنون الاوربیون کاسترالیا ونیوزلندة، ویعرف هذا الغرب کمعنى اصطلاحی بأنه الغرب المسیحی، والافریقیة کحضارة "محتملة" ولیست بشکل منسجم لوجود الحضارة الاسلامیة فی شمال افریقیا، وحضارة اثیوبیا"بحد ذاتها"، وبعض حضارات المستوطنین الاوربیین. وهو یرى ان الدین یحتوی على الخصائص التعریفیة للحضارات، ویستند فی ذلک الى کریستوفر داوسون "Christopher Dowson" الذی یؤکد فی کتابه: Dynamic of world history "ان الدیانات الکبرى هی المرتکزات التی تستند علیها الحضارات الکبرى".[56]مما تقدم یلاحظ أن صموئیل هنتنغتون یتنقل بین استخدام معاییر مختلفة عند حدیثه عن الحضارات والثقافات فی مختلف انحاء العالم، فهو یستخدم منطقاً جغرافیاً ( الشرق والغرب ) فی حدیثه عن الحضارة الغربیة، وعندما یتحدث عن الحضارات السلافیة والهندیة فان حدیثه یتأطر بمنظور قومی أوعرقی، وحینما یتحدث عن الحضارة الاسلامیة والمسیحیة وحتى الکونفوشیوسیة فانه یتحدث بمنظور سوسیولوجی عقیدی، فکیف یمکن تصنیف الحضارات دون الاستناد الى معیار واحد ومحدد یمکن ان یلجأ الیه فی عملیة التصنیف هذه؟ ان هذا یؤکد وبشکل قاطع ان رؤیة هنتنغتون لموضوعة صدام الحضارات هی فکرة ایدیولوجیة سیاسیة فی المقام الاول، وقد استخدمت لتعطی التبریرات اللازمة لممارسات السیاسة الخارجیة الامیریکیة، خاصة وان هنتنغتون من الأکادیمیین الذین لایمکن ان تغیب عنهم هذه الجوانب الفکریة والعلمیة. لکن الأمر الأکثر خطورة فی التصورات التی یطرحها هنتغتون هو الاحکام التعسفیة وغیر الدقیقة عن الحضارة الاسلامیة واصفاً ایاها بالدمویة واللادیمقراطیة وعدم الاندماج. [57]ولا یرجع هنتنغتون هذه الخصائص للاصولیین والمتطرفین من الاسلامیین بل الى جوهر الاسلام کدین وعقیدة وحضارة.[58]

 وترى الاطروحة من خلال کل ما تقدم حتمیة الصدام بین الکتل الحضاریة فی العالم، حیث ان الاختلافات الثقافیة والحضاریة اکثر حدة من الاختلاف الایدیولوجی والسیاسی وتقاطع المصالح. ولا یفلح اخیراً فی تقدیم الدلیل الواضح على ان الاختلافات الثقافیة والتنوع الحضاری هی حالات تؤدی وبحتمیة مطلقة الى العداءات والحروب، والصدامات بین الامم. ولقد عملت هذه المقولات على إیجاد بنى عقائدیة ارتبطت بالعنف والقوة وطبعت إدراک النخب السیاسیة عن المصالح الحیویة لأمیریکا ومرتکزات الأمن القومی والتفوق العالمی بطابعها المبنی على حتمیة الحرب مع الآخر. وکذلک غمتدت بتأثیراتها الى الجوانب النفسیة لصانع القرار خصوصاً الجوانب الوجدانیةحیث یتم تحدید من معنا؟ ومن ضدنا؟ وکیف یجب أن نواجه أعداءنا؟. وبالتالی فقد تنامى التیار الداعی الى تجهیز الولایات المتحدة بقدرات عسکریة هائلة لاستخدامها کأدوات رئیسیة فی السیاسة الخارجیة من أجل أن تضمن أمیرکا قیادتها للعالم.

ان التساؤل الذی یمکن طرحه فی هذا الصدد هو لماذا لا یمکن التعایش بین هذه الحضارات والثقافات المختلفة؟ ولماذا یختزل هنتنغتون العلاقة بین حضارة الغرب المسیحی وبین کل الحضارات والثقافات الأخرى بحتمیة الصراع؟ الا تتسع الرؤیة الإنسانیة لتکبر " عباءة النشاط التفکیری" إذا استعرنا تعبیر إدوارد دی بونو، لتحوی أنماطاً متعددة من التفکیر الأیجابی أو الأبداعی؟ حیث یرى بونو أن التفکیر النقدی Critical thinking قد یکون خطیراً جداً، وأن الإعتقاد المبنی على الفهم الخاطئ لکبار مفکری الإغریق والذی مفاده أن التفکیر مبنی على التحاور والمناظرات الجدلیة حیث یسعى کل طرف للتغلب على الآخر بأی وسیلة، قد آذى کثیراً التفکیر الغربی الذی بنی على مفاهیم النقاش والجدل، وأهمل الإبداع والإبتکار، وأصبح صورة من صور "فکر رد الفعل" الذی ینتظر دائماً الفعل.[59]  وهنا تبرز الحاجة  ل" فکر الفعل" Action of thinking ، حیث یستحدث دی بونو تعبیر الفاعلیة الفکریة التی تنأى بالتفکیر عن مجرد وجهات نظر متصارعة بین الآراء المختلفة.[60]

ویمکن القول ان اطروحة صدام الحضارات ستظل تنتج الاستقطابات الدولیة لموازنة قدرات الغرب التکنولوجیة والتسلیحیة ولمواجة توجهات العنف والقهر فی سیاساته الخارجیة ضد الحضارة الاسلامیة خصوصاً وحضارات"باقی العالم" عموماً. بل ان مثل هذه الاطروحات التی تکثر فی اوساط الیمین المتطرف الدینی والسیاسی فی الولایات المتحدة، وبشکل خاص لدى المحافظین الجدد والذی نجده لدى فریق الرئیس السابق جورج بوش فی الادارة الامیریکیة ستعید أنتاج الحملات الصلیبیة والحروب الاستعماریة المؤطرة بافکار التفوق ونعت الاخرین بعناصر الشر واحتکار قیم الخیر والعدل، وهذا ما سینتج هو الاخر تعمیقاً للعنف المضاد، وشمولیة على مستوى العالم للاستقطاب المبنی على اساس "الغرب وکل العالم" او امیریکا وکل العالم. ان من الخطأ الفادح بالنسبة للغرب ـ المسیحی العمل على أنتاج نموذج فی السیاسة الدولیة قائم على تأصیل عقائدی ونفسی وسلوکی لدى کل کتل الطرف الاخر الذی یقع خارج الغرب یدفع للاقتناع بصعوبة تعایش هذا الغرب مع الحضارات الأنسانیة الاخرى بشکل سلمی.[61]

ولقد برزت اطروحة "صدام الحضارات" بعد احداث الحادی عشر من ایلول / سبتمبر الى واجهة الفکر الاستراتیجی للولایات المتحدة، ودلیلا لحرکة الولایات المتحدة الامیریکیة فی السیاسة الدولیة، واصبحت قوة الدفع الرئیسیة للغرب فی التعامل مع الآخر فی لشؤون الدولیة، فلقد غدت محوراً لمنظومة التحلیل الاستراتیجی فی رؤیتها للمستقبل. ان هذه الاطروحة جاءت اساساً من مسلمات مسبقة آمنت بها الاستراتیجیة الامیریکیة منذ زمن بعید، ولم تکن الا محاولة للتأصیل فی مجال الاستراتیجیة والسیاسة الدولیة یصلح للرؤیة الغربیة بقیادة الولایات المتحدة الامیریکیة، وبشکل خاص فیما یتعلق بمنطقة الشرق الاوسط والحضارة الاسلامیة السائدة فیه، وتحدید مسارات للعلاقات الدولیة مستقبلاً. انها فرضیة موضوعة من منطلقات فکریة مسبقة Postulate. فعندما یعرض الرئیس الأمیریکی السابق ریتشارد نیکسون فی کتابه الأخیر " انتهاز الفرصة" صورة للعالم الإسلامی سلبیة الملامح، عدائیة من خلال العناصر التی تتشکل منها، لیقرر بعد ذلک أنه لیس لأیة أمة فی العالم صورة سلبیة فی الضمیر الأمیریکی مثل صورة العالم الإسلامی. إن هذا الخطاب الإعلامی والسیاسی لا یعبر إلا عن هواجس ومخاوف فی مکونات الشخصیة الغربیة التی یشکل جزءً کبیراً منها إمتلاک العرب للنفط وصراعهم مع اسرائیل، ورفض الهیمنة الإمبریالیة الغربیة التی تعانی منها المجتمعات الإسلامیة. إن الحقیقة الأکثر عقلانیة ومنطقیة هی أن لا یقبل العقل الغربی تسرب مثل هذه المخاوف غیر المبررة الى خطابه السیاسی والإعلامی.[62]ومهما یکن من امر فقد عجزت اطروحة صدام الحضارات وکل طروحات الیمین المتطرف رغم کل تأثیراتها على السیاسة الخارجیة والاستراتیجیة الامیریکیة ان تنتقل من مجال الرؤى الافتراضیة الى واقع الحقائق المقنعة لمختلف دول العالم. فلقد اصبحت اغلب الاوساط الفکریة والسیاسیة تمیز بوضوح کبیر الفرق بین واقع الأنساق الفکریة الافتراضی وبین واقع الحقائق المثبتة اجتماعیاً وسیاسیاً فی مسارات التاریخ.

الخاتمة

تتضح من خلال محاورالبحث طبیعة العلاقة الوثیقة بین الفکر الدینیالأصولی کأحد المعتقدات الأساسیة فی المجتمع الأمیریکی، والیمین السیاسی (المحافظون الجدد)، حیث تتشکل أحد المؤثرات الشدیدة القوة فی التأثیر على اتجاهات وطبیعة السیاسة الخارجیة الأمیریکیة. ورغم وجود معارضة جادة من قبل بعض التیارات السیاسیة والشخصیات الهامة فی الواقع السیاسی للولایات المتحدة الأ أن هذا التأثیر الذی یرتکز الى شبکة من المؤسسات التی تهیمن على وسائل الإعلام بمختلف مستویاتها المحلیة والإتحادیة، کما تهیمن على الکونکرس والبیت الأبیض، ولذلک فلا أحد یستطیع أن یتعرض بالنقد أو إبداء الرأی فیما یتعلق بالضغوط القویة التی تؤثر على اتجاهات السیاسةالخارجیة الأمیریکیة ومواقفها من قضایا الحرب واستخدام العنف وبما یحقق المصالح الإستراتیجیة لأمیریکا وفق الرؤیة التی تفرزها هذه العقائد والمدرکات.

کما یتضح أیضاً أن التهیئة للإنتخابات وعملیات التصویت والتعبئة الإنتخابیة على المستوى الإتحادی وعلى مستوى الولایات، وعلى صعید الإنتخابات الرئاسیة أو انتخابات الکونغرس، اعلامیاً وسیاسیاً ومالیاً تلعب دوراً کبیراً فی تبنی الشخصیات السیاسیة المرشحة للحکم لأفکارالیمین الدینی وتوجهات الیمین المحافظ من خلال الوعود والبرامج الإنتخابیة والتی تکون اساساً لرسم مسارات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة وتحدید طبیعتها.

ومن کل ما تقدم یبدو واضحاً أن اطروحات الیمین المتطرف تقف وراء غطائها الحضاری کنهایة التاریخ وصدام الحضارات انما هو انتاج لقاعدة بروتستانتیة أصولیة واسعة ومنظمة تهیمن آیدیولوجیاً على الإتجاهات الثقافیة لمجتمع الولایات المتحدة، وتلتقی بتأثیرها مع " منظومة القیم الأخلاقیة الأمیریکیة ".

وهنا یمکن تأکید أن الأطروحات الأمیریکیة التی ترکز على الدوافع الأخلاقیةوالمثالیة للسیاسة الخارجیة تساهم فی تعطیل إدراک العوامل العمیقة التی توجه بالفعل السلوک السیاسی الخارجی للولایات المتحدة، وتضلل محاولات فهم وتفسیر الدور الدولی لأمیریکا وأدوات العنف المرتبطة به، وکما هو واضح من تصریحات الرئیس جورج بوش الأب بعد حرب الخلیج الثانیة حول النظام العالمی الجدید N.W.O.

کما یمکن تأکید دور العقائد والمدرکات النابعة من أفکار الیمین الدینی ومؤسساته الرسمیة المتمثلة بالشخصیات السیاسیة من المحافظین الجدد فی ارتفاع مستویات اللجوء الى القوة فی تنفیذ السیاسة الخارجیة الأمیریکیة، وکما هو واضح فی التقریر الإستراتیجی لبول وولفویتز کمثال ذات دلالات عمیقة فی فهم المحرکات الأساسیة لسیاسة الولایات المتحدة إبان فترة الرئیس جورج بوش الإبن.

إن السلوک السیاسی الخارجی للولایات المتحدة الأمیریکیة النابع من عقیدة الهیمنة الإمبراطوریة وعدم اعتبار مواقف الدول الأخرى والمنظمات الدولیة، وتجاهل أحکام واشتراطات القانون الدولی، وفرض وصایتها على الکثیر من الشؤون الدولیة، والإصرار علىسیسة التفرد، سیزید من عداء دول العالم وحضاراته وثقافاته للولایات المتحدة الأمیریکیة، وسیعید إنتاج الإستقطاب الدولی والتکتل السیاسة الأمیریکیة، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط، ویجعل من هذه الدولة العظمى قوة تتصف باللا عدل واللا توافق وبالمیل الى الحرب والعنف غیر المبررین.

لقد تأثرت السیاسة الخارجیة الأمیریکة فی میدان السیاسة الدولیة بهذه الحقائق والمتغیرات التاریخیة، وحاولت منذ بدایة عقد التسعینات فی القرن المنصرم إحداث توازنات إقلیمیة جدیدة فی أنحاء العالم لتأمین مصالحها الحیویة. کما زادت من تدخلاتها العسکریة والسیاسیة بشکل مباشر فی مختلف الصراعات والنزاعات الإقلیمیة تأکیداً لحضورها الفاعل وتأثیرها على تفاعلات العلاقات الدولیة. ولقد جعلت الولایات المتحدة من نفسها مرکزاً لکافة العلاقات السیاسیة والدبلوماسیة والأمنیة والثقافیة والإقتصادیة لدول العالم، وذلک من خلال بناء علاقات تحقق المصالح الأمیریکیة وتجعل من أمیریکا مرکز الفاعلیة فی العلاقات الدولیة.

ومن خلال ماتقدم یتبدى بوضوح الاساس الایدیولوجی الذی ترتکز علیه السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الامیریکیة. انها حزمة من العوامل الحضاریة والثقافیة والفکریة تنطلق من منطلق ضرورة بناء مرتکزات النظام الراسمالی اللیبرالی للعلاقات الاقتصادیة الدولیة الجدیدة بعد انتهاء الحرب الباردة. وتستند هذه الحزم الاجتماعیة ـ والاقتصادیة على المستویات التکنولوجیة المتقدمة والقدرات التسلیحیة المتطورة للدول الغربیة بقیادة الولایات المتحدة الامیریکیة. وتستخدم فی فترة ما بعد الحرب الباردة الامکانات العسکریة المریعة لتنفیذ مخطط الدول الراسمالیة اللیبرالیة فی السیطرة على الاقتصاد العالمی وبشکل خاص فی منطقة الشرق الاوسط حیث المواد الخام والثروات والاسواق ومنابع الطاقة، من خلال دعوات الحرب على الارهاب والجماعات المسلحة والعنف والتطرف وجرائم الحرب والعنصریة وغیرها من المصطلحات التی استخدمت فی فترة ما بعد الحرب الباردة کادوات ثقافیة وفکریة وسیاسیة لتبرر التدخلیة واللجوء الى العنف فی العلاقات الدولیة، والتفردیة فی القرارات الدولیة، وعدم احترام حقوق الامم وتطلعاتها فی العیش الکریم والرفاهیة وعدم إعارة أی قدر من الإهتمام للمنظمات الدولیة التی هی رکیزة الأمن الجماعی وضمان السلم والامن الدولیین،فی تفاعلات العلاقات الدولیة، هذه الدعوات النابعة من عقائد صناع القرار ومدرکاتهم والمفسرة لکل توجهات السیاسة الخارجیة الأمیریکیة.

 

 

هوامش الدراسة
 
- [1] محمد سلمان طایع، تداعیات الحرب الإسرائیلیة اللبنانیة على مستقبل الشرق الأوسط، البیئة الدولیة قبل اندلاع الحرب الإسرائیلیة اللبنانیة – قراءة فی خرطة الواقع الدولی – أعمال المؤتمر السنوی " العشرون " للبحوث السیاسیة 5-7 دیسمبر 2008 ص40
[2]- فوکویاما، فرانسیس نهایة التاریخ وخاتم البشر،ترجمة حسین أحمد أمین، مرکز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1993، ص61.
[3]-Address Before a Joint Session of Congress (September 11, 1990), George H. W. Bush.  Available at:  http://millercenter.org/president/bush/speeches/speech-3425.
[4]- د. جمال سند السویدی، آفاق العصر الأمریکی " السیادة والنفوذ فی النظام العالمی الجدید " ، مرکز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتیجیة، النسخة الإلکترونیة، ابو ظبی، 2014 ص102
5- The National Security Strategy of the United State of America, September 2002, p2, p44, available at: http://www.whitehouse.gov/sites/default/files/rss_viewer/national_security_strategy.pdf
 
[6]-Robert M. Gates, Helping Others Defend Themselves, The Future of U.S Security Assistance, Foreign Affairs, May 1, 2010. URL: https://www.foreignaffairs.com/articls/2010-05-01/helping-others-defend-themselfes
                                                                                                                                                                                      
[7]-Hillary Rodham Clinton,Leading ThroughCivilian Power,Redefining American Diplomacy and Development, Foreign Affairs, Monday, Nov 1, 2010. URL: https://www.foregnaffairs.com/articles/north-america/2010-11-01/leading-through-civilian-power
[8]- عمرو عبد العاطی، تحولات النظام الدولی ومستقبل الهیمنة الأمریکیة، یمکن الحصول علیه من الرابط:http://bohothe.blogspot.com/2010_12_01_archive.htm
 
[9]- The National strategy, Op. Cit. p40
-[10]محمد سلمان طایع مرجع سبق ذکره، ص79
[11]- JASON BURCKE “The 9/11 War”, Penguin Books, U.K, 2011, P.107.
[12]-کابی خوری، تقاریر المراکز البحثیة، Oxford Research Group, Three connected conflicts-Iraq-Afghanistan and Pakistan,،
المستقبل العربی، السنة الثانیة والثلاثون، العدد 374 ، أبریل 2010، ص 190
 
[13]- بیتر فالنستین، " تسویة الصراعات، الحرب والسلام والنظام العالمی" ترجمة د. سعد فیصل السعد ومحمد محمود دبور، المرکز العلمی للدراسات السیاسیة، مطبعة الجامعة الأردنیة، عمان، 2006، ص416، انظر کذلک: محمد بوبوش، الموقف الأمیریکی من القانون الدولی،المستقبل العربی، السنة الثلاثون، العدد341 ،یولیو 2007 ، ص31
[14]- ANDREW Preston, “Sword of the spirit, shield of faith”, Religion in American war and diplomacy, Anchor Books Edition U.S.A, 2012, P4
[15]-أحمد بن محمدالعیسى، عوامل نجاح الیمین المحافظ فی الولایات المتحدة الامیریکیة، صحیفة الریاض، السعودیة ، 17 دیسمبر   2002 . یمکن الحصول علیها من: http://www.alriyadh.com/24237
[16]- مرکز الاهرام للدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، التقریر الاسترتیجی العربی، 2011/ 2012م ،1 ینایر  2013م، الناشر: مرکز الاهرام للدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، القاهرة، ص2 ، یمکن الحصول علیه من:  http://acpss.ahram.org.eg/OtherEsdarat.aspx?Arch=24
[17]-أحمد بن محمد2002، 2P الرابطhttp://www.alriyadh.com/2833
[18]- JASON BURCKE P9
[19]-   Bureau of Diplomatic Security, History of the Bureau of Diplomatic Security of the United States Department of State, Printed October 2011 Global Publishing Solutions First Edition, P. 121.Available at: http://www.state.gov/documents/organization/176702.pdf
 
[20]-التقریر الاستراتیجی P2
[21]-JASON BURCKEP607
[22]- JASON BURCKE,P 608
[23]- Walter Russell Mead,”God's Country” Foreign Affairs , September/October 2006, P6, Available on: https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2006-09-01/gods-country
[24]- NIAL Ferguson,”Civilization”, The west and The rest, Penguin Books, U.S.A, 2012, P266
[25]-  IbidP.267
[26]- John J. Mearsheimerand Stephen M.Walt, The Israel Lobby and U.S Foreign Policy, Penguin Books, SUA, 2007.P.
 
[27]-Ibid, P.112.
[28]- Ibid, P.113
[29]-  ستیفن والت،المحاضر بجامعة هارفارد، "حرب العراق خطأ تاریخی" على الرابط  :                                                               http://www.alhadath-yemen.com/news/1360/#.VeacRPmqpHw
 أنظر کذلک:   President Barak :Remarks As Prepared for Delivery at AIPAC Annual Meeting
[30]- IPT NewsJuly 30, 2010
"CAIR – Suspected and Supported by the Federal Government"
Available at:http://www.investigativeproject.org/2082/cair-suspected-and-supported-by-the-federal
 
[31]- أحمد حسین الیامی:نیویورک:"المستشار السابق للأمن القومی الأمریکی یتهم أنصار (إسرائیل) بممارسة "الماکارثیة" فی السیاسة
صحیفة الریاض، شؤون دولیة، السبت 17رمضان 1428هـ - 29سبتمبر 2007م - العدد 14341، یمکن الحصول علیها من:
 
[32]- مایکل غوردون، والجنرال برنارد تراینور، "کوبرا II"، ترجمة أمینالأیوبی، الدار العربیة للعلوم – ناشرون ش.م.لبیروت 2007، ص32
[33]- نفس المصدرص32
[34]- نفس المصدر ص32
[35]- John J. Mearsheimerand Stephen M. Walt, Op, Cit, P 111
[36]- Ibid,P. 112
[37]- رعد مجید الحمدانی، " قبل أن یغادرنا التاریخ "، الدار العربیة للعلوم – ناشرون، الطبعة الأولى، بیروت، لبنان، 2007، ص17
[38]- نفس المصدر ص27
[39]- John J. Mearsheime,OPCitP. VII.
[40]- Aurelia Mañé Estrada, U.S. Middle East Policy: It's More than AIPAC, Revista de EstudiosInternacionalesMediterráneos - REIM - Nº 3 -, septiembre-diciembre, 2007.Available at:  https://repositorio.uam.es/xmlui/bitstream/handle/10486/670106/REIM_3_6.pdf
[41]- John J. Mearsheimerand Stephen M. Walt, Op, Cit .P9      
[42]- John J. Mearsheimerand Stephen M. Walt, Op, Cit .P11                                                        
[43]- حسین ’’ محمدعلی‘‘ فواز ، تساؤلات حول’’الیمین الجدید‘‘ فی الولایات المتحدة، الأول من ابریل/ نیسان 2004م،ص 4. یمکن الحصول علیها من:http://www.mafhoum.com/press7/190C39.htm
[44]- التقریر الاستراتیجی، مصدر سبق ذکره، صفحة 1/8
[45]- John J. Mearsheimer, P141
[46]- IbidP128 – 129                                                                                                                   
[47]- NIALL FURGUSON, P273
[48]- Samuel P. Huntington ”The Clash of civilizations” and the remaking of  world order،, Free Press, U.K, 2002, P21
[49]- Francis Fukuyama, State Building, Governance and world order in the twenty-first century, Profile Books,  Great Britain, 2004, P154
[50]- Andrew Preston, P13
[51]- Hans G. Morgenthau, Politics among Nations, The Struggle For Power and Peace, McGrao - Hell Education, Seventh Edition, 19, 4, 2005, P.113.
[52]- John Keegan, "The Iraq war": the 21 days conflict and its aftermath, PIMLICO Edition, Great Britain, 2005 P96
[53]- Keegan, P96
[54]سمیر مرقص، "هیمنة الأصولیة البروتستانتیة على السیاسة الأمیریکیة"، للإطلاع الرابط التالی: http://www.maaber.org/issue_october04/lookout5.htm
52- Huntington, P40
53 - Huntington, P45
[57]محمد سعدی، سلسلة اطروحات الدکتوراه، مرکز دراسات الوحدة العربیة، مستقبل العلاقات الدولیة من صراع الحضارات الى أنسنة الحضارة وثقافة السلام، بیروت. 2006م، ص22،
[58]نفس المصدر ص23
[59]- د. إدوارد دی بونو، "قبعات التفکیر الست"، ترجمة د. شریف محسن، شرکة نهضة مصر للطباعة وللنشر والتوزیع، الجیزة، مایو 2010 ص28
[60]- نفس المصدر، ص47
[61]-محمد عابد الجابری، "مسألة الهویة، العروبة والإسلام، والغرب"، مرکز دراسات الوحدة العربیةن سلسلة الثقافة القومیة (27)، قضایا الفکر العربی (3)، بیروت 1997 ص26 - 28
[62]-محمد عابد الجابری، نفس المصدر ص179 -181