الجمعيات الأهلية وتعزيز المواطنة: دراسة حالة الجمعية المصرية للنهوض بالمشارکة المجتمعية (2001-2014)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة ،مصر

المستخلص

تنطلق الدراسة من العلاقة المزودجة بين الحرکات الإجتماعية والمواطنة ومن الجدل حول مساهمة الجمعيات الأهلية فى تعزيز المواطنة بصفة عامة. کما تطرح تساؤلا رئيسيا يتمثل فى مدى سعى الجمعية المصرية للنهوض بالمشارکة المجتمعية من أجل تعزيز المواطنة فى ظلالسياق المصرى المتغير وذلک منذ نشأتها فى سنة 2001 إلى صدور الدستور المصرى الحالى فى 2014 الذى أکد على مبدأ المواطنة. من هنا يناقش القسم الأول للدراسة بلورة هذه الجمعية لرؤية للمواطنة وقسمها الثانى إهتمامها بتوفير بيئة مواتية لممارستها.

نقاط رئيسية

تنطلق الدراسة من العلاقة المزودجة بین الحرکات الإجتماعیة والمواطنة ومن الجدل حول مساهمة الجمعیات الأهلیة فى تعزیز المواطنة بصفة عامة. کما تطرح تساؤلا رئیسیا یتمثل فى مدى سعى الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة من أجل تعزیز المواطنة فى ظلالسیاق المصرى المتغیر وذلک منذ نشأتها فى سنة 2001 إلى صدور الدستور المصرى الحالى فى 2014 الذى أکد على مبدأ المواطنة. من هنا یناقش القسم الأول للدراسة بلورة هذه الجمعیة لرؤیة للمواطنة وقسمها الثانى إهتمامها بتوفیر بیئة مواتیة لممارستها.

الجمعیات الأهلیة- تعزیز المواطنة- الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة- تعزیز المواطنة فى مصر 

الكلمات الرئيسية


الجمعیات الأهلیة وتعزیز المواطنة: دراسة حالة الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة

(2001-2014)

 

 

مستخلص

تنطلق الدراسة من العلاقة المزودجة بین الحرکات الإجتماعیة والمواطنة ومن الجدل حول مساهمة الجمعیات الأهلیة فى تعزیز المواطنة بصفة عامة. کما تطرح تساؤلا رئیسیا یتمثل فى مدى سعى الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة من أجل تعزیز المواطنة فى ظلالسیاق المصرى المتغیر وذلک منذ نشأتها فى سنة 2001 إلى صدور الدستور المصرى الحالى فى 2014 الذى أکد على مبدأ المواطنة. من هنا یناقش القسم الأول للدراسة بلورة هذه الجمعیة لرؤیة للمواطنة وقسمها الثانى إهتمامها بتوفیر بیئة مواتیة لممارستها.

 

  کلمات مفتاحیة :الجمعیات الأهلیة- تعزیز المواطنة- الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة- تعزیز المواطنة فى مصر 

 مقدمة:

إن المواطنة کبناء تاریخى تبرز فى سیاق معین لکنها تزدهر فى ظل مجتمع دیمقراطى.ففى هذا الصدد، تحدث عملیة إنتقال من "الحکم المطلق إلى الحکم المقید، ومن وضع التابع إلى وضع المواطن"[1]. کما أن تطور المواطنة عبر العصور، منذ نشأتها فى المدینة الیونانیة القدیمة، یتسم بالإنتقال من المواطنة التى تتضمن المشارکة إلى المواطنة التى تتضمن الإحتجاج. ففى الواقع، کانت المواطنة القدیمة بمثابة مواطنة تتضمن المشارکة حیث أن المواطن کان یعتبر نفسه "جزء من الکل" بینما تعد المواطنة الحدیثة، التى تحتفظ بهذا البعد السابق، بمثابة مواطنة تتضمن إحتجاج حیث أن المواطن یمیل إلى أن "یجعل نفسه حارسا للمصالح العامة"[2]. هذه الأخیرة تشغل أیضا عدة فاعلین منهم المنظمات غیر الحکومیة التى تساهم فى الجدل العام الوطنى والدولى حول قضایا معینة مثل حقوق الإنسان ووضع المرأة وعمالة الأطفال والحفاظ على البیئة والتجارة المنصفة وإدارة المیاه[3]. کما أنه فى ظل العولمة بدأ الحدیث عن "مواطنة عالمیة" مازلت فى قید التشکیل[4].

بصفة عامة، هناک علاقة مزودجة بین الحرکات الإجتماعیة والمواطنة کما یوضح J. M. Barbalet. ففى الواقع، یمکن أن تعمل الحرکات الإجتماعیة على تعزیز المواطنة من ناحیة کما أن الحقوق التى یتمتع بها المواطنون یمکن أن تسهل بروز هذه الحرکات الإجتماعیة من ناحیة أخرى[5]. أما بالنسبة لتطور المواطنة، فیرى الکاتب أنها تتضح لیس فقط فى تمتع فئات أخرى من الأشخاص بحقوق المواطنین إنما أیضا فى الإعتراف بأنواع أخرى من الحقوق للمواطنین أو إضافة أبعاد أخرى للمواطنة[6].

          تنطلق الدراسة من ذلک وتأخذ فى إعتبارها تأثیر السیاق الإجتماعى والسیاسى والثقافى على مفهوم المواطنة کما أکد على لیلة[7]. فإذا کانت المواطنة مازالت تتشکل فى کل مجتمع سیاسى عربى[8]، فإن الدولة فى العالم العربى لعبت دورا فى "عرقلة نمو مفهوم المواطنة" على عکس الدولة القومیة فى أوروبا التى لعبت دورا محوریا فى دعمه[9]. کما تجدر الإشارة إلى أن هناک جدل حول مساهمة الجمعیات الأهلیة فى تعزیز المواطنة بصفة عامة والذى یترواح من التأکید على دورها الإیجابىفى هذا الصدد إلى نفى هذا الدور[10].

 من هنا تهتم الدراسة بتعزیز المواطنة فى مصر. کما یمکن التمییز بین ثلاث أنواع من الجمعیات الأهلیة فى مصر وفقا لمجال نشاطها. فهناک الجمعیات الخیریة التى تقدم الخدمات الإجتماعیة والجمعیات التنمویة التى تهتم بالتمکین والجمعیات الدفاعیة advocacy التى تدافع عن قضیة معینة[11]. تجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى التغیر الذى حدث فى خریطة الجمعیاتالأهلیة فى مصر بعد ثورة 25 ینایر 2011. فمن الناحیة الکمیة زاد عددها وبصفة خاصة فى 2013 حیث أنشئت حوالى 4600 جمعیة أهلیة جدیدة وفقا لوزارة التضامن الإجتماعى ولکن یلاحظ أن غالبیة هذه الجمعیات التى تم تسجیلها وفقا للقانون رقم 84  لسنة 2002 الخاص بالجمعیات الأهلیة تعمل فى مجال العمل الخیرى[12].

ترکز الدراسة بصفة خاصة على تجربة إحدى الجمعیات الأهلیة فى السعى من أجل تعزیز المواطنة وهى الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة التى نشأت فى مایو 2001 وحصلت فى فبرایر 2004 على الوضع القانونى وفقا للقانون رقم 84  لسنة 2002 الخاص بالجمعیات الأهلیة. یرجع إختیار هذه الجمعیة کحالة للدراسة إلى کونها أحد الجمعیات الدفاعیة[13] التى نشأت کنظیراتها الحقوقیة على ید نشطاء من الیسار أو القومیینالذین درسوا القانون أو العلوم السیاسیة. هذا بالإضافة إلى إنشغالها بدرجة کبیرة وبشکل واضح بأبعاد المواطنة.فهى تهتم، منذ تأسیسها ووفقا لمجال عملهاالذى یمیزها عن نظیراتها، بمشارکة کل اعضاء المجتمع المصرى بدون أى تمییز، أیا کان أساسه،وتهدف إلى تحقیق التمتع الکامل بحقوق المرأة والطفل ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وذلک فى إطار تمسکها بالإتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان[14].من هنا یتضح أن الفئة المستهدفة من بعض أنشطاتها تشمل المرأة  والطفل دون أن تقتصر علیهما. کما تتمثل رسالة الجمعیة  فى "تفعیل والنهوض بمشارکة جمیع قطاعات المجتمع، وکل فئاته من أجل تنمیة إنسانیة یسعى إلى تحقیقها ویتمتع بعائدها جمیع المواطنین فى المجتمع المصرى"[15].   

          تتسم الفترة التى نشأت فیها هذه الجمعیة بالأساس بمد العمل بقانون الطوارئ، الذى یطبق منذ 1981 بعد إغتیال الرئیس السادات، وبتزاید الحرکات الإحتجاجیة[16] وبصعود الإحتجاجات التى تبدو متوازیة مع عملیة التخلص تدریجیا من الإحتکار فى المجال الإعلامى[17].أما المرحلة الإنتقالیة التى تبدأ بعد ثورة 25 ینایر 2011 وتمتد حتى تولى الرئیس مرسى حکم البلاد فى یونیة 2012،  فتتسم أیضا بالإبقاء على العمل بقانون الطوارئ، بالإضافة إلى السیولة السیاسیة، وغیاب الأمن وعدم الإستقرار السیاسى والإجتماعى[18]. کما إتسمت السنة التى تولى فیها الرئیس مرسى حکم البلاد بالإستقطاب وإنتهت بتولى رئیس المحکمة الدستوریة العلیا عدلى منصور حکم البلاد بعد ثورة 30 یونیة 2013، وذلک حتى تنظیم الإنتخابات الرئاسیة فى مایو 2014 والتى أسفرت عن تولى الرئیس السیسى حکم البلاد[19]. بالإضافة إلى ذلک، یلاحظ  تزاید الممارسات القمعیة وحملات التشهیر اللتان تستهدفان منظمات حقوق الإنسان بعد ثورة 25 ینایر 2011[20] والتى بدأت مع میلادها الواقعى، ولیس القانونى، فى منتصف ثمانیناتالقرن العشرین.

          تجدر الإشارة إلى أن العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة یسمح للدول الأطراف التى تمر بظروف إستثنائیة بتعلیق إلتزامها بالوفاء ببعض الحقوق التى کرسها ومنها حریة تکوین الجمعیات[21]. کما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ناشد السلطات المصریة فى 2014 وفى إطار المراجعة الدوریة الشاملة لملف حقوق الإنسان فى مصر، بمناهضة التعذیب وبالتحقیق فى مسألة الإستخدام المبالغ فیه للقوة من قبل قوات الأمن وبإزالة القیود المفروضة على المجتمع المدنى[22].

تطرح الدراسة تساؤلا رئیسیا یتمثل فى مدى سعى الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة من أجل تعزیز المواطنةفى ظل هذا السیاق المصرى المتغیر وذلک منذ نشأتها فى سنة 2001 إلى صدور الدستور المصرى الحالى فى 2014 الذى أکد على مبدأ المواطنة.کما تطرح تساؤلات فرعیة تتمثل فى معنى المواطنة الذى بلورته هذه الجمعیة،والقیم المرتبطة بها، ومطالب هذه الجمعیة والآلیات التى تستخدمها فى هذا الصدد، وتحولاتها منذ المرحلة الإنتقالیة التى بدأت بعد ثورة 25 ینایر 2011، بالإضافةإلى حدود هذه المحاولة لتعزیز المواطنة.

یمکن التمییز بین الرؤیة اللیبرالیة والرؤیة الجمهوریة للمواطنة عند التطرق للإطار النظرى للدراسة. فالرؤیة اللیبرالیة[23] تعتبر المواطنة بمثابة وضع ولقب ومجموعة من الحقوق یتم التمتع بها وأنها تشکل إطار عام للحیاة. کما تفترض أن الجماعة السیاسیة تضم أعضاء مختلفین ویمارسون مهنا عدیدة ومترابطین بالرغم من علاقاتهم المتنوعة، وتتسم أیضا بالإنفتاح والإدماج[24]. فى المقابل، تعتبر الرؤیة الجمهوریة[25]أن المواطنة تتضمن مسئولیة أو مهمة ینبغى القیام بها، وأنها تشکل أساس حیاتنا. کما تفترض أن المواطنین مترابطین بدرجة کبیرة ومتجانسین ومنخرطین بشدة فى الحیاة السیاسیة، وبالتالى تعتبر أن الجماعة السیاسیة إقصائیة بشکل نسبى وأن المواطن هو الفاعل السیاسى الرئیسى[26].

یرتبط بهاتین الرؤیتین للمواطنة تعریفانمعینان لها. فالرؤیة اللیبرالیة ترکز على البعد القانونى فى تعریف المواطنة حیث تعتبر أن المواطن "یتمتع ببعض الحقوق التى تسمح له بالتفاعل فى المجال العام إذا رغب فى ذلک"وینبغى حمایته من "إنتهاک المواطنین والدولة لدائرة إستقلاله الذاتى"[27]. أما الرؤیة الجمهوریة، فتؤکد فى تعریفها للمواطن على عنصرى"المشارکةالمباشرة فى التداول العام حول القضایا العامة وعلى المشارکة الفعالة فى تحقیق الصالح العام"[28].

إذا کان الإنتقال من الفرد إلى المواطن یعد إشکالیة کلاسیکیة فى النظریة السیاسیة المعاصرة[29]، فإن الدراسة تتبنى تعریف للمواطنة یوضح طبیعتها المزدوجة[30]. فالمواطنة، وفقا لهذا التعریف، تشمل مجموعة من الحقوق والواجبات یحددها القانون من ناحیة، وتعبر عن الإنتماء إلى جماعة سیاسیة من ناحیة أخرى[31]. فى نفس هذا الإتجاه یتم فى الواقع النظر إلى المواطن بإعتباره لیس فقط شخص یتمتع بحقوق، إنما أیضا بإعتباره عضو فى جماعة سیاسیة[32]. من هنا یتضح أن هذا التعریف یتمیز بتحدیدهلمکونات المواطنة.  

بالإضافة إلى مفهوم "المواطنة"، هناک مفهوم أساسى آخر للدراسة وهو "التعزیز". بصفة عامة، یشیر هذا المفهوم بالأساس إلى نشر قیم وأفکار معینة والمعانى المرتبطة بها، وهذا هو التعریف الذى تتبناه الدراسة[33]. فالتعزیز یمکن أن یتم من خلال آلیات متنوعةمثل الدراسات والتقاریر وصیاغة نصوص[34] وبیانات وتنظیم ندوات ودورات تعریفیة وورش عمل.  

تنقسم الدراسة إلى قسمین أساسیین یأخذان فى الإعتبار بالتوالى المواطنة بإعتبارها فکرة وممارسة. یتناول القسم الأول بلورة هذه الجمعیة لرؤیة للمواطنة، بینما یتناول القسم الثانى إهتمامها بتوفیر بیئةمواتیة لممارسة المواطنة.   

أولا : بلورة رؤیة للمواطنة

          إنطلاقا من فکرة النهوض بالمشارکة المجتمعیة والإتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان بلورت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة تدریجیا رؤیة للمواطنة یمکن التطرق لها بالرجوع إلى مفهوم "الإطار" کما حلله Goffman. ففى هذا الصدد، تصور الکاتب أن "الإطار" هو خریطة للتفسیر "تسمح للأفراد أن یحددوا موقعهم ویدرکواأحداث تقع فى عالمهم الخاص أو فى العالم بصفة عامة ویحددوها ویعرفوها"[35]. إن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة تحاول فى الواقع التطرق إلى مفهوم المواطنة من خلال مداخلاتها العامة ومطبوعاتها من ناحیة، وتحلیل إشارة الدساتیر المصریة المختلفة، التى إعتمدت منذ 1971، لها من ناحیة أخرى.

1-   المشارکة کأساس لمفهوم المواطنة

إهتمت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة مباشرة بمفهوم المواطنة فى یونیة 2008 وذلک بعد أن أثارت مفهومى المشارکة والمشارکة المجتمعیة فى مارس 2006 فى إطار مجلة "مشارکة" التى أصدرتها فى الفترة من دیسمبر 2005 إلى مارس 2007. إتضح هذا الإهتمام بعد تعلیق إصدار هذه المجلة، والذى یمکن تفسیره بالعقبات الإدرایة و/أو المالیة، من ناحیة، وتم بالتوازى مع تمثیل مصر لمجموعة الدول الأفریقیة فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى الفترة من 2007 إلى 2010 من ناحیة أخرى.

بالنسبة لمفهومى المشارکةوالمشارکة المجتمعیة، فقد رکزت علیهما إفتتاحیة العدد الثانى من مجلة الجمعیة الذى صدر فى مارس 2006[36]. لقد إکتفت هذه الإفتتاحیة بعرض تعریفات مختلفة للمشارکة المجتمعیة دون تحدید موقفالجمعیة منها. کما یلاحظ أنها إنتقلت من الخاص إلى العام، أى من مفهوم المشارکة المجتمعیة إلى مفهوم المشارکة. عرضت أیضا هذه الإفتتاحیة لبعض أشکال المشارکةمثل "المشارکة الشکلیة الرمزیة"،و"المشارکة المباشرة فى تنفیذ برامج ومشروعات التنمیة"،و"المشارکة المباشرة والفعالة فى عملیة صنع القرارت" وأکدت على إرتباط مفهوم المشارکة بالمساواة وأهمیته لتمکین المرأة وتحسین أوضاعها. هذا بالإضافة إلى دعوة هذه الإفتتاحیة إلى تطویر السیاق القانونى والسیاسى والثقافى المصرى حتى یسمح بالنهوض بالمشارکة المجتمعیة. هذه الأخیرة، کماوضحت هذه الإفتتاحیة، یمکن قیاسها کما من خلال أعداد الناخبین ونسبهم، وأعداد النساء المرشحات وأعداد الناجحات منهن، وأعداد المسلمین والأقباط فى البرلمان على سبیل المثال. کما یمکن قیاسها کیفا، وفقا لهذه الإفتتاحیة، من خلال معرفة مدى التطور المؤسسى على مستوى المجتمع، ودرجة تنامى وعى المواطنین بأهمیة المشارکة والتواجد فى مواقع صنع القرار، ودرجة التضامن والدعم المقدم للنساء وللأقباط لدخول البرلمان، ومحتوى البرامج الإنتخابیة للمرشحین، ومدى نزاهة العملیة الإنتخابیة ووجود آلیات للمراقبة.    

یمکن إعتبار أن هذا التناول المختصر لمفهومى المشارکة والمشارکة المجتمعیة، الذى لم یتم إستکماله فى أعداد لاحقة من المجلة، بمثابة النقطة التى إنطلقت منها الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة بعد عامین تقریبا من نشره، وذلک من أجل الإهتمام مباشرة بمفهوم المواطنة وبلورة رؤیة حولها. هذا وقد قدم رئیس مجلس إدارة هذه الجمعیة فى ذلک الوقت هذه الرؤیة فى إطار ورقة عمل تم نشرها على موقعها الإلکترونى[37]. تدور هذه الرؤیة لمفهوم المواطنة حول التعریف بالمفهوم، وعلاقته بالدیمقراطیة والعدالة الإجتماعیة.

حرصت هذه الرؤیة[38] لمفهوم المواطنة على توضیحجذوره فى اللغة العربیة، والمتمثلة فى الوطن، وأکدت على إختلافه عن الدولة. فالوطن، وفقا لهذه الرؤیة، یشیر إلى المنطقة الجغرافیة التى تعیش وتتعایش فیها مجموعة معینة من الناس، والتى یتفاعل أفرادها مع بعضهم البعض على مر الزمان، بینما تعد الدولة الشکل التنفیذى والمؤسسى للوطن. من هنا أکدت هذه الرؤیة على صعوبة النظر إلى المواطن بإعتباره مجرد "فرد ینتمى إلى الوطن" حیث أنه یعد بالأساس "الوحدة الرئیسیة فى بناء الوطن، بمعنى أنه یقوم بدور فعال فى هذا الصدد".

          لکن رجعت أیضا هذه الرؤیة[39] إلى الفکر السیاسى الغربى من أجل تحلیل مفهوم المواطنة، وبصفة خاصة منظرى العقد الإجتماعى، وخصوصا جون لوک John Locke  وجان جاک روسو JeanJacques Rousseau ، وذلک مع عرض التطور الذى لحق به. لقد سمح ذلک لها بإقتراح تعریف لمفهوم المواطنة وتحدید أبعادها. فالمواطنة، وفقا لهذه الرؤیة، تشیر إلى "المشارکة الواعیة والفعالة لکل شخص دون إستثناء ودون وصایة من أى نوع فى بناء الإطار الإجتماعى والسیاسى والثقافى للدولة". کما تشمل، بالنسبة لها، مجموعة من الحقوق وهى الحق فى المشارکة فى النشاط الإقتصادى والتمتع بالثروات، والحق فى المشارکة فى الحیاة الإجتماعیة، والحق فى المشارکة الفعالة فى إتخاذ القرارت الجماعیة الملزمة وتولى المناصب العامة،بالإضافة إلى المساواة بین المواطنین أمام القانون. إنطلاقا من ذلک، أکدتهذه الرؤیة على أن المواطنة لها بعدین، وهما المشارکة فى الحکم والمساواة بین جمیع المواطنین.

          بالإضافة إلى ذلک، تطرقت هذه الرؤیة[40] لمفهوم المواطنة لعلاقتها لیس فقط بالدیمقراطیة إنما أیضا بالعدالة الإجتماعیة. فى هذا الصدد، أکدت على الإرتباط الوثیق بین المواطنة والدیمقراطیة نتیجة قیامهما على حق المواطن فى حریة التعبیر والمشارکة وإتخاذ القرار. کما إعتبرت بالتالى أن "المواطنة الدیمقراطیة" تقابلها "المواطنة فى سیاق تسلطى". یلاحظ أیضا أن هذه الرؤیة طرحت مفهوم "المواطنة الکاملة" موضحة أنها تعنى "ضرورة النظر إلى الرجل والمرأة کشرکاء فى المسئولیة وإتخاذ القرار". أما العدالة الإجتماعیة، فهى ملازمة للمواطنة وفقا لهذه الرؤیة. ففى هذا الصدد، إعتبرت هذه الرؤیة أن عوامل بروز المواطنة تتمثل فى مکافحة الفقر،والتمتع ببعض الحقوق، خصوصا الحق فى العمل، والحق فى الصحة، والحق فى الضمان الإجتماعى، والمشارکة فى الحیاة الثقافیة.

          بهذا الشکل تبلورت هذه الرؤیة الواضحة نسبیا لمفهوم المواطنة، ویمکن القول أنها تقترب من الرؤیة الجمهوریة للمواطنة حیث أنها تعتبر المشارکة هى أساس المواطنة. بالإضافة إلى ذلک، أکدت على أن المواطن یتمتع بمجموعة من الحقوق تشمل بعضها أنواع مختلفة من المشارکة. یلاحظ أن هذه الرؤیة لمفهوم المواطنة، التى لا تقصر حقوق المواطن على الحقوق السیاسیة، تأثرت ولو جزئیا بالعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة. ففى الواقع، لا یکرس هذا العهد فقط مجموعة من الحقوق لکل إنسان ویتمتع بالتالى المواطن بها بإعتباره إنسان إنما أیضا حقوق خاصة لمواطن کل دولة[41]. تشمل هذه الحقوق المشارکة فى إدارة الشئون العامة، إما مباشرة أو بواسطة ممثلین یختارون فى حریة، والتصویت والترشح فى إنتخابات نزیهة تجرى دوریا بالإقتراع العام وعلى قدم المساواة بین الناخبین وبالتصویت السرى وتضمن التعبیر الحر عن إرادة الناخبین،وتقلد الوظائف العامة فى بلده على قدم المساواة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الرؤیة لمفهوم المواطنة تنظر إلى المساواة والعدالة الإجتماعیة بإعتبارهما قیم المواطنة. فإذا کانت المساواة هى رکیزة للمواطنة فإن العدالة الإجتماعیة تسمح ببروزها وفقا لهذه الرؤیة. کما یتضح أن هذه الرؤیة تؤکد على "المواطنة الفعالة التى تتحمل المسئولیة" ولیس على "المواطنة السلبیةأو الخاضعة" اللتان تطرق لهما Jean-Pierre Worms[42]. بالإضافة إلى ذلک، تطرقت ورقة العمل التى عرضت هذه الرؤیة لمفهوم المواطنة بشکل مختصر جدا إلى الحالة المصریة قبل 2008 إنطلاقا من بعدى المواطنة کما حددتهما، ورسمت صورة سلبیة تماما لها، وذلک بالتأکید على عدم مشارکة المواطنین المصریین فى السلطة وعلى عدم تمتعهم بالمساواة أمام القانون[43]. کما تجدر الإشارة إلى أن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة نظمت فى الفترة من 2005 إلى 2006  عددا من الندوات وورش العمل بهدف فتح باب النقاش حول ضعف نسبة المشارکة فى مصر[44] والتى لم تتجاوز23% من إجمالى المقیدین فى الجداول فى ذلک الوقت[45]. کما شارک فى هذه الندوات وورش العمل مجموعة من نشطاء العمل الأهلى والسیاسى والنقابى والفنانون والأدباءوالأکادیمیون والتربویون وعلماء النفس والإجتماع والشباب[46].  

2-   تحلیل الإشارة إلى المواطنة فى الدساتیر المصریة

إنطلاقا من هذه الرؤیة للمواطنة التى تجعل المشارکة أساسا لها إهتمت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة منذ سنة 2008 بتحلیل الدستور الصادر فى سنة 1971 والمعدل فى مایو 1980، وفى مایو 2005 وفى مارس 2007 ثم الدستور الصادر فى سنة 2012 بعد ثورة 25 ینایر 2011 والدستور الصادر فى سنة 2014 بعد ثورة 30 یونیة 2013. بصفة عامة، یعکس تعریف المواطن فى الدستور "الصورة التى تختار الجماعة السیاسیة أن تعرف بها نفسها"[47]. فى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن أرسطو أکد على أن المواطن هو فاعل سیاسى قادر على المداولات[48] ولاحظ أن صورته تختلف بالضرورة وفقا للدساتیر[49]. لقد حرصت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة على تحلیل هذه الدساتیر الثلاثة من أجل التعبیر عن مطالبها المختلفة والتى تؤکد على تکریس مبدأ المواطنة. کما إختارت من أجل تحقیق هذا الهدف آلیات عمل إختلفت وفقا للسیاق. 

ففى المقام الأول، تطلب الأمر الإنتظار حتى یتم إعداد ورقة العمل التى بلورت رؤیة للمواطنة وذلک من أجل تحلیل بإیجاز الدستور الصادر فى سنة 1971 وتعدیلاته بناء علیها. یعکس ذلک تردد هذه الجمعیة فى إبداء رأیها بخصوص هذا الموضوع فى السنوات الأولى التى أعقبت حصولها على وضع قانونى وفقا لقانون یضیق على حریة تکوین الجمعیات، والتى تم فیها تنظیمالإستفتاءات الخاصة بالتعدیلات الدستوریة فى سنة 2005 وفى سنة 2007 والتى أثارت جدلا عاما.

فى هذا الصدد، تؤکد ورقة العمل السابقة[50] على أن هذا الدستور یقوم على التمییز لأنه یعترف فقط بحقوق لبعض المواطنین المصریین ویتعارض بالتالى مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. تنتقد هذه الورقة بصفة خاصة المادة الثانیة من هذا الدستور التى تنص على أن "الإسلام دین الدولة،واللغة العربیة لغتها الرسمیة، ومبادئ الشریعة الإسلامیة المصدر الرئیسى للتشریع". بهذا الشکل، أیدت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى 2008 النداء الخاص بتعدیل المادة الثانیة من هذا الدستور، والذى صدر فى مارس 2007 عن مرکز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ووقعت علیه شخصیات عامة، ثم قدم إلى رئیس الجمهوریة ورئیس مجلس الشعب ومجلس الشورى[51]. کما تجدر الإشارة إلى أن هذه الجمعیة إکتفت أیضا بالتندید، فى إطار تقاریرها الصادرة فى ذلک الوقت، بطریقة تنظیم الحریات العامة فى دستور 1971[52].

          فى المقام الثانى، أصبحت مطالب الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة صریحة منذ المرحلة الإنتقالیة التى أعقبت ثورة 25 ینایر 2011 وبدأت فى الإنضمام إلى منظمات أخرى خاصة بحقوق الإنسان من أجل صیاغة مطالبها الخاصة بالدستور المصرى والتعبیر عنها بشکل جماعى. لقد تم ذلک بالتوازى مع زیادة الممارسات القمعیة وحملات التشهیر اللتین إتخذتا من هذه المنظمات هدفا لهما. فى هذا الصدد، لجأت هذه الجمعیة إلى آلیتین، وهما :  البیانات المشترکة التى صدرت منذ ثورة 25 ینایر 2011 والمشارکة، بعد ثورة 30 یونیة 2013، فى صیاغة ورقة تم تقدیمها إلى لجنة الحقوق والحریات وهى لجنة فرعیة للجنة الخمسین التى تولت مهمة صیاغة الدستور الجدید.

          ففى الواقع، أصدر "منتدى المنظمات غیر الحکومیة المستقلة"، الذى ضم ثلاثة عشر منظمة منها هذه الجمعیة، بعد رحیل الرئیس مبارک فى فبرایر 2011 بیان لا یحیى فیه فقط الثورة، إنما یوصى فیه أیضا بصیاغة دستور جدید. هذا الأخیر، وفقا لهذا البیان، علیه بصفة خاصة إقامة دولة مدنیة لکل المواطنین ترتکز على مبادئ المساواة والنزاهة وضمان حریة الدین والإعتقاد لکل المواطنین بالإضافة إلى التاکید على سمو الإتفاقیات الدولیة لحقوق الإنسان على التشریع المصرى[53].

          کما إنضمت هذه الجمعیة إلى ثلاثة وعشرین منظمة أخرى فى نوفمبر 2012 من أجل إصدار بیان بعنوان "لا لدستور إعادة إنتاج الإستبداد السیاسى والدینى"[54]. ففى إطاره، أدانت هذه المنظمات فى الواقع دستور 2012 الذى صدر بعد إنتخاب الرئیس مرسى معلنة رفضها "لمضمونه ولفلسفته". کما أکدت على أن مسودة هذا الدستور لا تعبر عن "المجتمع المصرى بتعددیته الثقافیة والدینیة والعرقیة والسیاسیة، وتتنصل من قیم و أهداف ثورة 25 ینایر، کما أنها تهدر قیم المواطنة والمساواة والحریة وحقوق الإنسان".

          هذا بالإضافة إلى أن هذه الجمعیة أصبحت فى 2013 عضوة فى "اللجنة الشعبیة للمشارکة فى صیاغة الدستور"[55] التى تأسست فى 2012 وضمت عددا کبیرا من منظمات حقوق الإنسان، وأحزاب وقوى سیاسیة وشخصیات عامة. نظمت هذه اللجنة "مؤتمرات شعبیة" فى المحافطات المصریة هدفت بشکل أساسى إلى توعیة الناس بأهمیة المشارکة فى صیاغة الدستور. کما بلورت، فى سبتمبر 2013، مطالبها فى هذا الصدد وذلک بالرجوع إلى المواثیق الدولیة لحقوق الإنسان، والدساتیر المصریة السابقة والصادرة منذ 1923، وإقتراحات مؤسسات المجتمع المدنى، وبصفة خاصة منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسویة، والأحزاب السیاسیة، بالإضافة إلى التجارب الدستوریة الدولیة والإقلیمیة. تتعلق هذه المطالب بضمان حقوق المرأة، وحقوق الطفل، والحریات الدینیة وحریة تکوین الجمعیات من ناحیة، والأخذ فى الإعتبار قضایا الأقلیات الدینیة والثقافیة عند صیاغة الدستور الجدید من ناحیة أخرى. لقد شارک رئیس مجلس إدارة هذه الجمعیة فى أعمال "لجنة الحقوق والحریات" بإعتباره ممثل لجمعیته وممثل "للجنة الشعبیة للمشارکة فى صیاغة الدستور" وعرض هذه المطالب. کما إنضمت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة إلى تحالف یضم بعض مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السیاسیة والذى أصدر، فى نوفمبر 2013، بیان یطالب بتوفیر الحد الأدنى من المساواة وحقوق المرأة فى الدستور المصرى الجدید[56].

          یلاحظأن دستور 2014 إحتفظ بالمادة الثانیة الواردة فى الدساتیر السابقة علیه[57]. کما تجدر الإشارة إلى أنه تأثر جزئیا بالتعدیلات الدستوریة التى تمت فى 2007، وبصفة خاصة التعدیل فى المادة الأولى لدستور 1971 والذى جعل "المواطنة" بدلا من "تحالف قوى الشعب العاملة" الأساس الذى یقوم علیه النظام الدیمقراطى. من هنا أکد دستور 2014 فى مادته الأولى على أن مصر "نظامها جمهورى دیمقراطى، یقوم على أساس المواطنة وسیادة القانون". کما أنه کرس حقوق أکثر من الدساتیر السابقة علیه مثل الحق فى الجنسیة لمن یولد لأب مصرى أو لأم مصریة، وحق المتهم فى الصمت، وحق الإنسان فى التبرع بأعضاء جسده فى حیاته أو بعد مماته بموجب موافقة أو وصیة موثقة، والحق فى الثقافة لکل مواطن[58].هذا بالإضافة إلى التأکید على ضرورة إلتزام الدولة المصریة بإحترام الإتفاقیات الدولیة لحقوق الإنسان التى صدقت علیها وإعطائها قوة القانون بعد نشرها فى الجریدة الرسمیة[59].

ثانیا : الإهتمام بتوفیر بیئة مواتیة لممارسة المواطنة

       إذا کانت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة بلورت تدریجیا رؤیة للمواطنة فإنها تهتم بتوفیر بیئة مواتیة لممارسة المواطنة. یمکن التطرق لذلک من خلال مفهوم التعبئة کما عرفه François Chazel. فى هذا الصدد أکد الکاتب على أن هذا المفهوم یشیر بالأساس إلى "خلق إلتزامات وتعریفات جدیدة وأحیانا تفعیل "المنسى" منها من ناحیة، وإلى تجمع لفاعلینعلى هذا الأساس وفى إطار حرکة إجتماعیة تتولى مهمة تعزیز وأحیانا "إستعادة" أهداف جماعیة، وقد تضطر إلى الدخول فى مواجهة مباشرة وعنیفة مع السلطات من ناحیة أخرى"[60]. بهذا المعنى تراقب الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة منذ نشأتها الإنتخابات والإستفتاءاتمن أجل ضمان نزاهتها،کما راقبت المظاهرات التى إندلعت فى 30 یونیة 2013 وأدت إلى رحیل الرئیس مرسى،وذلک من أجل ضمان إحترام هذا الحق فى التظاهر السلمى من ناحیة. کما تعمل على نشر الوعى بحقوق الإنسان من ناحیة أخرى.

1-   من مراقبة الإنتخابات والإستفتاءات إلى مراقبة المظاهرات

تراقب الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة الإنتخابات والإستفتاءات فى إطار برنامج "تنمیة الدیمقراطیة" الذى أسسته منذ نشاتها[61]. ففى الواقع، یهدف هذا البرنامج إلى خلق مناخ ملائم لمشارکة المواطنین المصریین. فى هذا الصدد یمکن النظر إلى الإنتخابات والإستفتاءات بإعتبارهما "مناسبات متاحة أو مفروضة على الفرد تمکنه من أن یعیش مواطنته، وینظر إلى نفسه کمواطن ویکون عنده وعى بإنتمائه إلى المجتمع"[62]. إذا کانت هذه الجمعیة تهتم بشکل غیر دورى بمتابعة إنتخابات النقابات المهنیة والعمالیة، وإنتخابات نادى القضاه والإنتخابات المحلیة، فإنها ترکز خصوصا على الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة[63]. ففى الواقع، تهدف هذه الجمعیة من مراقبة هذه الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة، سواء بشکل فردى أو جماعى، إلى ضمان نزاهتها.

     إذا کانت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة منذ نشأتها قد أختارت أن تراقب الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة بشکل فردى، فإنها فضلت أن تنضم إلى نظیراتها منذ 2010 من أجل مراقبة هذه الإنتخابات بشکل جماعى[64]. لقد سمح ذلک للمراقبین المختلفین بتبادل الخبرات والممارسات الجیدة فى هذا المجال وترکیز مهمة کل منظمة من المنظمات المتحالفة على محافظات مصریة معینة. کما إنضمت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة، التى أسست منذ نشأتها برنامج "المساواة فى النوع" الذى یهدف إلى مناهضة التمییز ضد المرأة المصریة، إلى منظمة "نظرة للدرسات النسویة " من أجل مراقبة الإنتخابات التشریعیة التى نظمت فى 2010، وإکتفت بتبادل المعلومات مع "الإئتلاف المستقل لمراقبة الإنتخابات التشریعیة 2010"[65].

     لکن إنضمت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى 2011 إلى "الإئتلاف المستقل لمراقبة الإنتخابات"[66]، الذى ضم منظمات حقوق الإنسان، من أجل مراقبة الإنتخابات التى تم تنظیمها فى المرحلة الإنتقالیة التى أعقبت ثورة 25 ینایر 2011. إن إختیار هذه الجمعیة المشارکة بدرجة أکبر فى المراقبة الجماعیة للإنتخاباتسمح لها بتبادل وجهات النظر مع نظیراتها حول السیاق السیاسى والقانونىللإنتخابات الذى تغیر بعد ثورة 25 ینایر 2011[67]. لکن یمکن القول أن هذا الإختیار یرجع إلى تزاید الممارسات القمعیة وحملات التشهیر اللتان تستهدفان منظمات حقوق الإنسان بصفة عامة.

     یلاحظ أنه عندما تقوم الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة بصفة عامة بمراقبة هذه الإنتخابات والإستفتاءات[68]، سواء بشکل فردى أو جماعى، فإنها تبدأ بإصدار نداء یهدف إلى تکوین مجموعة من المراقبین. یستتبع ذلک تنظیمها، بالتعاون مع نظیراتها، لدورات تهدف إلى تدریب هؤلاء المراقبین على الرصد وکتابة البیانات والتقاریر. فهناک إذن آلیتان یتم تفضیلهما فى هذا الصدد، وهما البیانات والتقاریر، سواء الفردیة أو الجماعیة، والتى یتم إصدارها فى فترة إنعقاد الإنتخابات وبعدها. ففى إطارهما، یتم التندید بالإنتهاکات والتى یمکن أن تترواح من إغلاق لجان التصویت إلى العنف والتزویر مرورا بمنع المراقبین من دخول هذه اللجان بالرغم من حصولهم على تصریحات مسبقة وبصعوبة للقیام بذلک. کما تتطرق لنسبة المشارکة، والقانون الذى یتم العمل به وتنتهى بتوصیات تهدف إلى ضمان نزاهةالإنتخابات.

     بالإضافة إلى هاتین الآلیتین، لجأت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة إلى آلیة ثالثة بعد ثورة 30 یونیة 2013، وهى تنظیم الندوات وورش العمل من أجل النقاش حول إصلاح القوانین التى یتم العمل بها والتى تطرقت لها فى إطار بیاناتها وتقاریرها السابقة. دارت بالتالى النقاشات خصوصا بین فاعلین من المجتمع المدنى وممثلین عن الأحزاب السیاسیة فى 2014 حول قانون الأحزاب السیاسیة، وحقوق المرأة بین الدستور والقانون، وقانون الجمعیات الأهلیة وأیضا فى 2015 حول قانون الإنتخاب[69].

      إذا کانت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة تراقبالإنتخابات والإستفتاءات من أجل ضمان نزاهتها، فإنها لم تهتم بمراقبة المظاهرات، التى برزت قبل ثورة 25 ینایر 2011 وإزدادت منذ المرحلة الإنتقالیة التى أعقبتها، إلا فى 30 یونیة 2013. بعبارة أخرى، لم تکتفى هذه الجمعیة فى هذه المرحلة بمجرد متابعة المظاهرات والتى کانت تسمح لها بإستکمال تقاریرها حول "حالة الدیمقراطیة"[70] التى تصدرها منذ نشأتها. لکنها إختارت أن تقوم بمراقبة مظاهرات 30 یونیة 2013الحاشدة وذلک من أجل ضمان إحترام هذا الحق. فى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن فکر المواطنة یطرح تساؤلا حول مسألة عدم طاعة المواطن وتتراوح التحلیلات فى هذا الموضوع من التأکید على واجب الولاء إلى التشدید على حق المقاومة أو عدم الطاعة[71].

     لقد أعلنت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة قبل 30 یونیة 2013 تأییدها للمظاهرات التى کانت متوقعة بعد النداء الذى أصدرته حرکة تمرد والذى هدف إلى "سحب الثقة من الرئیس مرسى". إتضح ذلک من خلال بیانین أحدهما فردى والثانى جماعى[72]. فقد أصدرت البیان الأول فى 16 یونیة 2013 بعنوان "دفاعا عن مشروعیة الحق فى التظاهر السلمى" وأعلنت فیه أنها ستقوم بمراقبة هذه المظاهرات فىالمحافظات المصریة. فعلى غرار مراقبة الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة، أصدرت فى الیوم التالى نداء یهدف إلى تکوین مجموعة من المراقبین من أجل مراقبة هذه المظاهرات. أما البیان الثانى، فقد أصدرته خمسة وعشرین منظمة حقوق إنسان تشمل هذه الجمعیة، لیلة إندلاع هذه المظاهرات، بعنوان "حمایة للحقوق وللحریات ولبناء مصر دیمقراطیة". ففى إطاره، أعلنت هذه المنظمات "تضامنها وتأییدها الکامل للمطالب المشروعة للمتظاهرین" ودعت کل الأطراف المعنیة إلى نبذ العنف. هذا بالإضافة إلى أن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة أصدرت فى إطار مراقبتها لهذه المظاهرات ثلاثة بیانات تصف مسارها وتندد بأعمال العنف[73]. کما أصدرت نداء فى أول یولیة 2013 یوصى بالإستمرار فى التحقیق حول أعمال العنف ویناشد الرئیس مرسى بالتنازل عن السلطة "حفظا لدماء المصریین ونزولا على رغبة الجماهیر فى جمیع المیادین"[74]. تجدر الإشارة إلى أنها ناشدت أیضا أطرافها "بإحترام سلمیة المظاهرات وعدم اللجوء لإستخدام العنف" فىنفس البیان السابق[75].من هنا یمکن القول أنهذه الجمعیة إلتزمت بالحیاد فى رصد الإنتهاکات بالرغم من تأییدها لمطالب المتظاهرین. کما یلاحظ أنها حرصت على الإنضمام إلى خمسة عشر منظمة حقوق إنسان بهدف المطالبة فى 2016 بتعدیل قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 "حتى یتوافق مع الدستور المصرى وإلتزامات مصر الدولیة"[76].    

2-   نشر الوعى بحقوق الإنسان

یمکن القول أنه إذا کانت مراقبة هذه الإنتخابات والإستفتاءات التى تهدف إلى ضمان نزاهتها ومراقبة هذه المظاهرات التى تهدف إلى ضمان إحترام هذا الحق من الممکن أن تسمحا بتوفیر بیئة مواتیة لممارسة المواطنة على المدى القصیر، فإن نشر الوعى بحقوق الإنسان من الممکن أن یسمح بتحقیق  ذلک على المدى الطویل. فى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الأدبیات الخاصة بحقوق الإنسان إهتمت بالإستراتیجیات التى تهدف إلى وقف إنتهاکها[77]. هذه الإستراتیجیات تتمثل فى التدخل العسکرى، والسیاسات الإقتصادیة التى تشمل التجارة، والإستثمار، والمعونة والعقوبات، والقانون الدولى ونشر المعلومات حول إنتهاکات حقوق الإنسان[78]. لکن یمکن أن تتبع المنظمات غیر الحکومیة هذه الإستراتیجیة الأخیرة کما یمکنها أن تعمل على نشر الوعى بحقوق الإنسان من أجل ضمان إحترامها. یمکن القول أنه من الممکن أن یؤدى هذا الوعى، فى المقام الأول، إلى معرفة المواطنین بالحقوق الوطنیة والدولیة التى یتمتعون بها بصفتهم مواطنین أو بإعتبار کل منهم إنسان. کما أنه من الممکن أن تسمح هذه المعرفة، فى المقام الثانى، بممارسة المواطنین لهذه الحقوق وحرصهم على إحترامها بل ومطالبتهم بأن یتم الإعتراف بها وحمایتها بشکل أفضل.إذا کانت الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة تقوم برصدإنتهاکات حقوق الإنسان وتنشرها من خلال مطبوعاتها وموقعها الإلکترونى[79]، فإنها تعمل منذ نشأتها على التوعیة بحقوق الإنسان. فى هذا الصدد، تفضل هذه الجمعیة ثلاث آلیاتتتمثل فى : تخصیص باب عن حقوق الإنسان فى مجلتها "مشارکة"، وتأسیس "نوادى" و"معسکراتصیفیة خاصة بحقوق الإنسان" تستهدف طلاب المدارس، وتنظیم صالون ثقافى مفتوح للجمهور.

ففى المقام الأول، خصصت هذه الجمعیة باب بعنوان "إعرف حقک" فى ثلاث أعداد من مجلتها "مشارکة"، التى صدرت فى الفترة 2005-2006، تتطرق فیه لحق معین کما کرسته الإعلانات والإتفاقیات الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان بالمقارنة بالدستور وبالقوانین المصریة[80]. کما یلاحظ أن هذه المقارنة للنصوص الوطنیة والدولیة ترکز على مضمون الحقوق والظروف والقیود المفروضة علىممارستها فى مصر. فى هذا الصدد، تم التطرق لثلاث حقوق، وهى بالتوالىالحق فى الإنتخاب والترشح، والحق فى التعلیم والحق فى تداول المعلومات.

فى المقام الثانى، تهتم هذه الجمعیة، فى إطار برنامجها الخاص "بتعلیم حقوق الإنسان" الذى أسسته منذ نشأتها، بطلاب المدارس بصفة خاصة وتتعاون مع وزارة التعلیم من أجل تنفیذ برامجها التى تستهدفهم[81]وذلک بدعم من مؤسسة فورد[82]. ففى هذا الصدد، أسست "نوادى" و"معسکرات صیفیة" خاصة بحقوق الإنسان[83]. إذا کانت هذه "النوادى" قد تم تأسیسها داخل المدارس لتضم طلاب مهتمین بتعلم حقوق الإنسان والنقاش حولها خلال السنة الدراسیة، فإن "المعسکرات الصیفیة" تضم المنتمین إلى "نوادى" مختلفة حتى یتبادلوا خلال الأجازة الصیفیة المعارف الخاصة بحقوق الإنسان ووجهات النظر المختلفة حولها والخبرات المکتسبة فى إدارة "النوادى"[84]. تجدر الإشارة أن هذه الجمعیة تنفذ هذا البرنامج، الذى إستمر بعد ثورة 25 ینایر 2011، فى 125 مدرسة وأن أعداد الطلاب فى هذه النوادى تترواح من 17 إلى 60 طالب[85]. فعلى سبیل المثال بلغ عدد أعضاء النادى فى مدرسة الغد المشرق (بنین-إدراة عین شمس) 17 طالب وفى مدرسة النهضة (بنات-إدراة عین شمس) 17 طالبة وفى مدرسة مصر (بنین- إدراة عین شمس) 33 طالب وفى مدرسة إبن سینا (بنات-إدراة الزاویة الحمراء) 48 طالبة وفى مدرسة الحریة (بنین-إدراة عین شمس) 60 طالب وفى مدرسة محمد فرید (بنات-إدراة الزاویة الحمراء) 60 طالبة[86].  

فى المقام الثالث، تنظم هذه الجمعیة، منذ 2008 وبعد تعلیق مجلتها "مشارکة"، صالون ثقافى[87] مفتوح للجمهور یسمح بتبادل وجهات النظر حول موضوع محدد، وذلک فى إطار برنامجها الخاص "بتعلیم حقوق الإنسان". بالرغم من ذلک، تم عقد ثلاث جلسات فقط لهذا الصالون الثقافى وشارک فیها طلاب مدارس، ومدرسون، ومناضلو حقوق الإنسان وأعضاء مجلس إدارة هذه الجمعیة. ففى الواقع، عقدت الجلستین الأولى والثانیةللصالون فى 2008 بعد تأسیسه مباشرة وناقشت بالتوالى موضوعى تعلیم حقوق الإنسان والعنف فى المدارس. لکن تم عقد الجلسة الثالثة للصالون فى2015، وذلک لمناقشةموضوع العنف فى المدارس وبصفة خاصة بعد ثورة 25 ینایر 2011. یلاحظ أن تعلیق هذا الصالون الثقافى فى الفترة من 2009 إلى 2014 تزامن مع إنشغال هذه الجمعیة بدرجة أکبر بتأسیس "النوادى" و"المعسکرات الصیفیة" الخاصة بحقوق الإنسان" من ناحیة، وإنغماسها بدرجة أکبر فى الشبکة الخاصة بمنظمات حقوق الإنسان من ناحیة أخرى.

 

 

الخاتمة

          یمکن القول إن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة حاولت الإسهام فى تعزیز المواطنة فى مصر على مستوى الفکرة والممارسة وذلک من خلال بلورتها تدریجیا لرؤیة للمواطنة وإهتمامها بتوفیر بیئة مواتیة لممارستها. ففى المقام الأول، یتضح ذلک فى بلورتها منذ 2008 لرؤیة واضحة نسبیا لمفهوم المواطنة، نشرتها على موقعها الإلکترونى، تجعل من المشارکة أساسا للمواطنة وتعتبر المساواة والعدالة الإجتماعیة قیمها وتعترف بحقوق معینة للمواطنین. کما إنطلقت من هذه الرؤیة إلى تحلیل إشارة کل من دستور 1971 وتعدیلاته ودستورى 2012 و2014 للمواطنة. أدى ذلک إلى صیاغتها لمجموعة من المطالب تؤکد على أهمیة تکریس هذا المبدأ فى الدستور المصرى. فى المقام الثانى، تراقب هذه الجمعیة، منذ نشأتها، بشکل فردى وجماعى، الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة من أجل ضمان نزاهتها. کما إهتمت بمراقبة المظاهرت التى إندلعت فى 30 یونیة 2013وذلک من أجل ضمان إحترام هذا الحق. بالإضافة إلى ذلک، تعمل هذه الجمعیة على نشر الوعى بحقوق الإنسان منذ نشأتها. یمکن القول أن هذه المراقبات ونشر هذا الوعى من الممکن أن یسمحا بتوفیر بیئة مواتیة لممارسة المواطنة بالتوالى على المدى القصیر والطویل.

          تجدر الإشارة إلى أن الآلیات التى تستخدمها الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة من أجل تعزیز المواطنة تختلف وفقا للسیاق. فى هذا الصدد، یمکن الإشارة إلى مقولةEhrard Friedberg الذى یؤکد أنه "عندما یقیم اعضاء منظمة معینة تفاعلات مستمرة مع فاعلین آخرین یعملون فى نفس "السیاق" بهدف مواجهة الفرص والتحدیات التى یدرکونها، فإنهم یجعلونها منفتحة فى الواقع بشکل إنتقائى على "سیاقها" الذى یشکلونه ویؤسسونه فى نفس الوقت"[88].

          ففى الواقع، ترددت هذه الجمعیة فى السنوات الأولى اللاحقة على حصولها على وضع قانونى وفقا لقانون یضیق على حریة تکوین الجمعیات فى تحلیل الإشارة إلى المواطنة فى الدستور المصرى الصادر فى 1971 وتعدیلاته. بالرغم من ذلک، أصدرت فى هذه الفترة مجلتها "مشارکة" وأسست بموافقة وزارة التعلیم "النوادى" و"المعسکرات الصیفیة" الخاصة بحقوق الإنسان التى إستهدفت طلاب المدارس. لکنها نشرت فى 2008 على موقعها الإلکترونى، بعد تعلیق إصدار مجلتها لأسباب إداریة و/أو مالیة وفى الوقت الذى أصبحت فیه مصر عضوة فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ورقة عمل تعرض فیها لرؤیتها للمواطنة.

          إذا کانت هذه الجمعیة قد إنضمت إلى الشبکة الخاصة بمنظمات حقوق الإنسان خصوصا فى 2010، فإنها لم تشترک مع نظیراتها فى صیاغةمطالبها الخاصة بالدستور المصرى ثم التعبیر عنها وفى مراقبة إلانتخابات إلا فى المرحلة الإنتقالیة التى أعقبت ثورة 25 ینایر 2011 . لقد قامت بذلک فى الوقت الذى تزایدت فیه الممارسات القمعیة وحملات التشهیر اللتان إستهدفتاهذه المنظمات ومع تغیر السیاق السیاسى والقانونى الذى تنظم فیه الإنتخابات. کما یلاحظ أن مطالبها اصبحت صریحة فى ذلک الوقت. بالإضافة إلى البیانات والتقاریر الفردیة، شارکت فى إصدار بیانات وتقاریر جماعیة بعد ثورة 25 ینایر 2011 وعرضت فى أکتوبر 2013 على لجنة الحقوق والحریات المطالب الخاصة بالدستور الجدید التى بلورتها "اللجنة الشعبیة للمشارکة فى صیاغة الدستور" التى تتمتع بعضویتها. إذا کانت هذه الجمعیة قد أشادت بالمشارکة مع نظیراتها بقیام ثورة 25 ینایر2011، فإنها أیدت وراقبت المظاهرات التى إندلعت فى 30 یونیة 2013. کما أنها لم تنظم ندوات وورش عمل تناقش إصلاح التشریعات التى یتم العمل بها إلا بعد ثورة 30 یونیة 2013. هذا بالإضافة إلى أنها إستأنفت جلسات صالونها الثقافى فى 2015  والذى کان قد تم تعلیقه بعد تأسیسه بفترة وجیزة. الجدیر بالذکر أن هذه الجمعیة أعلنت فى بیان مشترک، أصدرته مع واحد وعشرین منظمة حقوق إنسان وحزب سیاسى وشخصیات عامة، "رفضها التام" لقانون الجمعیات الأهلیة الجدید الذى وافق علیه البرلمان المصرى فى نوفمبر 2016 مع مناشدة الرئیس السیسى بعدم التصدیق علیه نظرا لتناقضه مع الدستور المصرى وإلتزامات مصرالدولیة[89].     

تجدر الإشارة إلى ملاحظتین بخصوص سعى الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة من أجل تعزیز المواطنة فى مصر فى الفترة من 2001 إلى 2014. ففى المقام الأول، لم تتطرق الرؤیة التى بلورتها هذه الجمعیة للمواطنة إلى واجبات المواطن وصفاته المعنویة بالرغم من أهمیتهما. یمکن القول أن حقوق المواطن ترتبط بواجبته، کما أن صفاته المعنویة تمیزه عن نظیره العضو فى جماعة سیاسیة أخرى[90]. فى المقام الثانى، ترکز هذه الجمعیة فى إطار برنامجها الخاص "بتنمیة الدیمقراطیة" فى الواقع على شکلین من المشارکة، وهما ممارسة حق التصویت فى الإنتخابات والإستفتاءات الوطنیة، وذلک منذ نشأتها، وحق التظاهر السلمى، وذلک عندما إندلعت مظاهرات 30 یونیة 2013. یمکن القول أن رؤیة هذه الجمعیة لهذا البرنامج تحتاج إلى مراجعة وذلک لأنها تتخطى الأنشطة التى تم تنظیمها فى إطاره، ولأن تقریرها الخاص "بحالة الدیمقراطیة" یقترب جدا فى بعض الأحیان من تقریر یرصد إنتهاکات حقوق الإنسان فى مصر[91]. ففى الواقع، یصعب اختزال الدیمقراطیة ومشارکة المواطن فى الحیاة السیاسیة فى هذین الشکلین من المشارکة[92]من ناحیة،وفى حقوق الإنسان من ناحیة أخرى.

هوامش الدراسة
[1] محمد منصور، المواطنة والهویة فى عالم متغیر (القاهرة : مکتبة الأنجلو المصریة، 2016)، ص. 35.
[2]Philippe Moreau Defarges, "Vers une citoyenneté mondiale?", Cahiers français,nº 316, septembre-octobre 2003, p 41.
[3]Ibid., p. 42 et p. 44.
[4]على لیلة، المجتمع المدنى العربى- قضایا المواطنة وحقوق الإنسان (القاهرة : مکتبة الأنجلو المصریة، 2013)، ص.73.
[5]J. M. Barbalet, Citizenship - rights, struggle and class inequality (Great Britain :J. W. Arrowsmith Ltd., Bristol, 1988), p. 97. 
[6] Ibid., p. 98-99.
[7] على لیلة، مرجع سابق، ص. 78. 
[8]ChokriMemni,"Le concept de citoyenneté dans un contexte arabo-islamique", Mediterranean journal of humanrights, vol. 3, nº 2,1999, p. 390.  
[9]على لیلة، مرجع سابق، ص. 80. 
[10]Martine Barthélémy, "Vie associative et citoyenneté", Cahiers français, nº 316,2003, p. 79.
[11] على الدین هلال، النظام السیاسى المصرى بین إرث الماضى وآفاق المستقبل – 1981-2010 ، (القاهرة : الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2010)، ص. 416-418. 
[12] أمانى قندیل، "المجتمع المدنى فى الصراع المجتمعى"، الدیمقراطیة، العدد 51، یولیو 2013، ص.100-101.
[13] على الدین هلال، مرجع سابق، ص. 422.
[14]أنظر  فى هذا الصدد الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة: http://www.mosharka.org (تم الدخول علیه فى الفترة من یولیة 2015 إلى أغسطس 2017).
[15]أنظر  فى هذا الصدد غلاف العدد الأول من مجلة "مشارکة" الصادر عن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى دیسمبر 2005 والذى حددت فیه رسالتها.
[16] وحید عبد المجید، ""نهایة الإهانة" - ثورة 25 ینایر ضد "النظام الهش" فى مصر"، السیاسة الدولیة، العدد 184، أبریل  2011، ص. 64. 
[17]Sarah Ben Néfissa, "Introduction-Mobilisations et révolutions dans les pays de la méditerranée arabe à l’heure de « l’hybridation » du politique - Egypte, Liban, Maroc, Tunisie", Tiers Monde, hors série, 2011, p. 11.
[18] على الدین هلال، "خبرة التاریخ : تطور المؤسسات السیاسیة 1952-2013" فى :  على الدین هلال، مى  مجیب ومازن حسن، عودة الدولة – تطور النظام السیاسى فى مصر بعد 30 یونیو (القاهرة : الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2015)، ص. 36.
[19] المرجع السابق، ص. 38-39.
[20]أنظر  فى هذا الصدد : أمانى قندیل، مرجع سابق، ص. 101-102. هذا بالإضافة إلى التقاریر السنویة عن حالة حقوق الإنسان فى العالم الصادرة عن منظمة العفو الدولیة منذ 2011.    
[21]أنظر  فى هذا الصدد المادة الرابعة من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة.
[22]معلومات تم الحصول علیها من تقریر منظمة العفو الدولیة عن حالة حقوق الإنسان فى العالم الصادر فى 2014-2015 والذى تم الحصول علیها فى أغسطس 2015 من موقعها الإلکترونى : http://www.amnesty.org
[23] Michael Walzer and Jean-Claude Monod, "Communauté, citoyenneté et jouissance des droits", Esprit, n° 230/231, mars-avril 1997, p. 128.
[24]Ibid
[25] Ibid.
[26] Ibid.
[27] Mamadou Bella Baldé, Démocratie et éducation à la citoyenneté en Afrique) Paris : L’Harmattan, 2008(, p. 98-99.
[28] Ibid.
[29] Jean Leca, "Individualisme et citoyenneté "dans  :PierreBirnbaum et Jean Leca)sous la direction de(,Sur l’individualisme- théories et méthodes) Paris : Presses de la Fondation nationale des sciences politiques, 1991(, p. 161.        
[30] Patrick Hassenteufel, "L’Etat providence ou les métamorphoses de la citoyenneté", L’année sociologique, vol. 46, n° 1, 1996, p. 129.
[31]Ibid.
[32]Pierre Rosanvallon, La société des égaux) Paris : Seuil, 2011(, p. 55.
[33] عزت سعید البرعى، حمایة حقوق الإنسان فى ظل التنظیم الدولىالإقلیمى (القاهرة : دون مکان نشر، 1985)، ص. 43-44.   
[34] المرجع السابق.
[35] François Chazel, "La place du politique dans les mobilisations contestataires : une découverte progressive "dans : François Chazel(sous la direction de), Action collective et mouvements sociaux(Paris : Presses universitaires de France, 1993), p. 157.
[36]أنظر فى هذا الصددإفتتاحیة العدد الثانى من مجلة "مشارکة" الصادر عن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى مارس 2006.
[37]أنظر فى هذا الصدد ورقة العمل بعنوان "المواطنة... و الحالة المصریة" التى أعدها مجدى عبد الحمید بلال (رئیس مجلس إدارة الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة) فى 18 یونیة 2008 والتى تم الحصول علیها من موقعها الإلکترونى.
[38] المصدر السابق.
[39] المصدر السابق.
[40] المصدر السابق.
[41]أنظرفى هذا الصدد المادة الخامسة والعشرین من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة.
[42]Jean-Pierre Worms, "Reconquérir la citoyenneté pour reconstruire l’Etat", Esprit, nº 207 (12),1994, p. 120.
[43]أنظرفى هذا الصدد ورقة العمل السابق ذکرها.
[44]أنظرفى هذا الصدد العدد الأول والثانى والثالث من مجلة "مشارکة" الذین تم إصدارهم بالتوالى فى دیسمبر 2005 ومارس 2006 ویونیة 2006بالإضافة الى الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[45]أنظرفى هذا الصددالعدد الثانى من مجلة "مشارکة" ص. 7-9.
[46]أنظر فى هذا الصدد العدد الاول من مجلة "مشارکة" ص.3-6 والعدد الثانى ص.4-8 والعدد الثالث ص.6-8. 
[47] Marie Gaille, Le citoyen) Paris : Flammarion, 1998) p. 12.   
[48] Crystal Cordell Paris, “Ancient, modern and post-national democracy : deliberation and citizenship” in : Geoffrey C. KellowNevenLeddy (editior), On civic republicanism – ancient lessons for politics (Canada : University of Toronto press, 2016), p. 90. 
[49] Marie Gaille, Op.cit., p. 15.
[50]أنظرورقة العمل السابق ذکرها.
[51] هذا النداء منشور فى : مرکز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان، وطن  بلا مواطنین! – التغیرات الدستوریة فى المیزان (القاهرة : مرکز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2007)، ص. 279-288.
[52] معلومة تم الحصول علیها من ورقة العمل السابق ذکرها.
[53] هذا البیان تم الحصول علیه من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[54] هذا البیان منشور فى العدد الثالث والستین من دوریة رواق عربى الصادرة عن مرکز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فى 2012 ص. 193. 
[55]تم الحصول على المعلومات الخاصة بهذه اللجنةمن الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة. 
[56] تم الحصول على هذه المعلومات منالموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[57] Nathalie Bernard- Maugiron, "La constitution égyptienne de 2014 est-elle révolutionnaire ?", La revue des droits de l’homme, n° 6, 2014,  p. 9 et p. 11. 
[58]Ibid.,p.3-4. 
[59] Ibid., p. 3 et p. 7. 
[60] François Chazel, "La mobilisation politique -  problèmes et dimensions", Revue française de science politique,vol. XXV, n° 3, 1975, p. 516.
[61] معلومة تم الحصول علیها من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[62] René Rémond, "Etre citoyen partout", dans  :BertrandBadie et Pascal Perrineau)sous la direction de(,Le citoyen -  mélanges offerts à Alain Lancelot)Paris : Presses de la Fondation nationale des sciences politiques, 2000(, p. 48.  
[63]أنظر فى هذا الصدد الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة الذى یرصد أنشطتها المختلفة.
[64] معلومة تم الحصول علیها من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[65]المصدر السابق.
[66]المصدر السابق.
[67] بخصوص هذا السیاق أنظر  على سبیل المثال :
 Clément Steuer, "Introduction",Egypte-monde arabe, nº 10- 3esérie- Les élections de la révolution (2011-2012), 2013 p. 8.
[68]أنظر فى هذا الصدد المعلومات، والبیانات والتقاریر المنشورة على الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة. 
[69] معلومات تم الحصول علیها من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[70]أنظر فى هذا الصدد تقاریر "حالة الدیمقراطیة" الصادرة عن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة والمنشورة على موقعها الإلکترونى. 
[71] Marie Gaille, Op.cit., p. 39-41.
[72] تم الحصول على هذین البیانین من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[73] تم الحصول على هذه البیانات الثلاثة من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة. 
[74] تم الحصول على هذا النداء من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[75] تم الحصول على هذا النداء من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[76] معلومة تم الحصول علیها من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[77] Emilie M. Hafner-Burton, “A social science of human rights”, The journal of peace research,vol. 51 (2), 2014,p.276 -282.
[78]Ibid.
[79] تجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن مرکز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان یصدر منذ 2008 تقریر سنوى عن حالة حقوق الإنسان فى العالم العربى ویعتمد فى إعداده على البیانات التى تجمعها منظمات حقوق الإنسان ومنها الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.     
[80]أنظر فى هذا الصدد الأعداد الثلاثة الأولى لمجلة "مشارکة" الصادرة عن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة بالتوالى فى دیسمبر 2005، ومارس 2006 ویونیة 2006 والمنشورة على موقعها الإلکترونى. 
[81] تم الحصول على هذه المعلومات من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[82] المصدر السابق.
[83]أنظر فى هذا الصدد العدد الرابع من مجلة "مشارکة" الذى اصدرته الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى مارس 2007 وموقعها الإلکترونى.
[84]تم الحصول على هذه المعلومات من العدد الرابع لمجلة "مشارکة" الذى أصدرته الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة فى مارس 2007.
[85]تم الحصول على هذه المعلومات من الموقع الإلکترونى للجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة.
[86] المصدر السابق.
[87] المصدر السابق.
[88]EhrardFriedberg, "Organisation et action collective" dansFrançois Chazel)sous la direction de(, Action collective et mouvements sociaux (Paris : Presses universitaires de France, 1993), p. 235-236.
[89] معلومة تم الحصول علیها من جریدة المصرى الیوم الصادرة فى 3 دیسمبر 2016 وبوابة الأهرام بتاریخ 12 دیسمبر 2016.
[90] Fred Constant, La citoyenneté(Paris : Montchrestien, 2000), p. 27-33.
[91]أنظرفى هذا الصدد تقاریر "حالة الدیمقراطیة" الصادرة عن الجمعیة المصریة للنهوض بالمشارکة المجتمعیة والمنشورة على موقعها الإلکترونى.
[92]Ibid.,p.31-32.