الدبلوماسية في عصر العولمة بين الاستمرارية والتغير

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، مصر.

المستخلص

تتلخص إشکالية هذه الورقة في استکشاف تأثير التغيرات في البيئة الدولية، وخاصةً العولمة، على الدبلوماسية، من حيث دورها ووظائفها وأنماطها. وقد خلصت الورقة إلى أنّ هناک العديد من عناصر الاستمرارية في الوظيفة الدبلوماسية، ولاسيما هدفها الرئيس، ومفاهيمها الأساسية، وأسسها، والمعضلات الرئيسة التي يواجهها الدبلوماسيون، ودور البعثات الدبلوماسية. وماتزال عملية التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مکوناً أساسياً في العلاقات بين الدول. وما فتأت الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين منشغلة بالأجندة التقليدية التي ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادي.
ومع ذلک، طرأت عدة تغيرات على الوظيفة الدبلوماسية في إطار محاولتها التکيف مع البيئة الجديدة التي خلقها تسارع عملية العولمة. وتتعلق هذه التغيرات بآليات الدبلوماسية، ومجال حرکتها، وتوسيع آفاقها وزيادة تعقيدها، فضلاً عن إزالة الحواجز بين السياسة الداخلية والخارجية. وقد زادت أهمية تشابک القضايا، وبرزت قضايا جديدة على أجندة الدبلوماسية، وتنامى دور القوة الناعمة والقوة اللاصقة والقوة الحادة کأدوات للعمل الدبلوماسي. علاوة على ذلک، أفضت التغيرات الدولية إلى درجةٍ غير مسبوقة من الشفافية العالمية في إدارة الشؤون العامة؛ ما يجعل المطلب الخاص بالسرية الدبلوماسية صعب المنال، وحلول النموذج الشبکي محل النموذج الرأسي المتمحور حول الدولة في العمل الدبلوماسي.  
والأهم من ذلک، تبلورت أنماط جديدة من الدبلوماسية المعاصرة، تجمع بين عناصر الرسمية وغير الرسمية، مثل الدبلوماسية الافتراضية، والدبلوماسية الرقمية والدبلوماسية العامة الجديدة والدبلوماسية الموازية (أو الدبلوماسية ما دون مستوى الدولة) والدبلوماسية التأسيسية ودبلوماسية المدن وغيرها. کما تغير طبيعة الأنماط القائمة من العمل الدبلوماسي، مثل الدبلوماسية متعددة الأطراف، والدبلوماسية المتخصصة، وتصاعد أهمية أنماط أخرى، مثل الدبلوماسية الاقتصادية والدبلوماسية الثقافية.

نقاط رئيسية

تتلخص إشکالیة هذه الورقة فی استکشاف تأثیر التغیرات فی البیئة الدولیة، وخاصةً العولمة، على الدبلوماسیة، من حیث دورها ووظائفها وأنماطها. وقد خلصت الورقة إلى أنّ هناک العدید من عناصر الاستمراریة فی الوظیفة الدبلوماسیة، ولاسیما هدفها الرئیس، ومفاهیمها الأساسیة، وأسسها، والمعضلات الرئیسة التی یواجهها الدبلوماسیون، ودور البعثات الدبلوماسیة. وماتزال عملیة التمثیل الدبلوماسی والقنصلی مکوناً أساسیاً فی العلاقات بین الدول. وما فتأت الدبلوماسیة فی القرن الحادی والعشرین منشغلة بالأجندة التقلیدیة التی ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادی.

ومع ذلک، طرأت عدة تغیرات على الوظیفة الدبلوماسیة فی إطار محاولتها التکیف مع البیئة الجدیدة التی خلقها تسارع عملیة العولمة. وتتعلق هذه التغیرات بآلیات الدبلوماسیة، ومجال حرکتها، وتوسیع آفاقها وزیادة تعقیدها، فضلاً عن إزالة الحواجز بین السیاسة الداخلیة والخارجیة. وقد زادت أهمیة تشابک القضایا، وبرزت قضایا جدیدة على أجندة الدبلوماسیة، وتنامى دور القوة الناعمة والقوة اللاصقة والقوة الحادة کأدوات للعمل الدبلوماسی. علاوة على ذلک، أفضت التغیرات الدولیة إلى درجةٍ غیر مسبوقة من الشفافیة العالمیة فی إدارة الشؤون العامة؛ ما یجعل المطلب الخاص بالسریة الدبلوماسیة صعب المنال، وحلول النموذج الشبکی محل النموذج الرأسی المتمحور حول الدولة فی العمل الدبلوماسی.  

والأهم من ذلک، تبلورت أنماط جدیدة من الدبلوماسیة المعاصرة، تجمع بین عناصر الرسمیة وغیر الرسمیة، مثل الدبلوماسیة الافتراضیة، والدبلوماسیة الرقمیة والدبلوماسیة العامة الجدیدة والدبلوماسیة الموازیة (أو الدبلوماسیة ما دون مستوى الدولة) والدبلوماسیة التأسیسیة ودبلوماسیة المدن وغیرها. کما تغیر طبیعة الأنماط القائمة من العمل الدبلوماسی، مثل الدبلوماسیة متعددة الأطراف، والدبلوماسیة المتخصصة، وتصاعد أهمیة أنماط أخرى، مثل الدبلوماسیة الاقتصادیة والدبلوماسیة الثقافیة.

العولمة، القوة الناعمة، الدبلوماسیة، الدبلوماسیة الافتراضیة، النموذج الشبکی، الدبلوماسیة الرقمیة، الدبلوماسیة العامة الجدیدة، الدبلوماسیة الموازیة

الكلمات الرئيسية


الدبلوماسیة فی عصر العولمة بین الاستمراریة والتغیر

 

 

 

 

مستخلص:

تتلخص إشکالیة هذه الورقة فی استکشاف تأثیر التغیرات فی البیئة الدولیة، وخاصةً العولمة، على الدبلوماسیة، من حیث دورها ووظائفها وأنماطها. وقد خلصت الورقة إلى أنّ هناک العدید من عناصر الاستمراریة فی الوظیفة الدبلوماسیة، ولاسیما هدفها الرئیس، ومفاهیمها الأساسیة، وأسسها، والمعضلات الرئیسة التی یواجهها الدبلوماسیون، ودور البعثات الدبلوماسیة. وماتزال عملیة التمثیل الدبلوماسی والقنصلی مکوناً أساسیاً فی العلاقات بین الدول. وما فتأت الدبلوماسیة فی القرن الحادی والعشرین منشغلة بالأجندة التقلیدیة التی ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادی.

ومع ذلک، طرأت عدة تغیرات على الوظیفة الدبلوماسیة فی إطار محاولتها التکیف مع البیئة الجدیدة التی خلقها تسارع عملیة العولمة. وتتعلق هذه التغیرات بآلیات الدبلوماسیة، ومجال حرکتها، وتوسیع آفاقها وزیادة تعقیدها، فضلاً عن إزالة الحواجز بین السیاسة الداخلیة والخارجیة. وقد زادت أهمیة تشابک القضایا، وبرزت قضایا جدیدة على أجندة الدبلوماسیة، وتنامى دور القوة الناعمة والقوة اللاصقة والقوة الحادة کأدوات للعمل الدبلوماسی. علاوة على ذلک، أفضت التغیرات الدولیة إلى درجةٍ غیر مسبوقة من الشفافیة العالمیة فی إدارة الشؤون العامة؛ ما یجعل المطلب الخاص بالسریة الدبلوماسیة صعب المنال، وحلول النموذج الشبکی محل النموذج الرأسی المتمحور حول الدولة فی العمل الدبلوماسی.  

والأهم من ذلک، تبلورت أنماط جدیدة من الدبلوماسیة المعاصرة، تجمع بین عناصر الرسمیة وغیر الرسمیة، مثل الدبلوماسیة الافتراضیة، والدبلوماسیة الرقمیة والدبلوماسیة العامة الجدیدة والدبلوماسیة الموازیة (أو الدبلوماسیة ما دون مستوى الدولة) والدبلوماسیة التأسیسیة ودبلوماسیة المدن وغیرها. کما تغیر طبیعة الأنماط القائمة من العمل الدبلوماسی، مثل الدبلوماسیة متعددة الأطراف، والدبلوماسیة المتخصصة، وتصاعد أهمیة أنماط أخرى، مثل الدبلوماسیة الاقتصادیة والدبلوماسیة الثقافیة.

کلمات مفتاحیة :

العولمة، القوة الناعمة، الدبلوماسیة، الدبلوماسیة الافتراضیة، النموذج الشبکی، الدبلوماسیة الرقمیة، الدبلوماسیة العامة الجدیدة، الدبلوماسیة الموازیة

مقدمـــة:

أدت التغیرات الجوهریة فی البیئة الدولیة، التی یُرمز لها إجمالاً بـ"العولمة"، إلى تغییر التقالید الدبلوماسیة والمهارات المرتبطة بالوظیفة الدبلوماسیة وأدوارها وأنماطها. ومع ذلک، ظل هناک العدید من عناصر الاستمرار فی هذا الخصوص.

 وتتلخص إشکالیة هذه الدراسة فی استکشاف تأثیر التغیرات فی البیئة الدولیة، وخاصةً العولمة، على الدبلوماسیة، من حیث أدوارها ووظائفها وأنماطها. بعبارة أخرى، تحاول هذه الدراسة الإجابة عن السؤال التالی: کیف أثرت العولمة على الوظیفة الدبلوماسیة؟

ویتفرع عن هذه الإشکالیة عدة تساؤلات فرعیة أهمها: کیف یمکن للدبلوماسیة أن تتوافق مع التغیرات المتسارعة فی القرن الحادی والعشرین؟ وکیف تکون فعّالة فی مواجهة الأدوات الأخرى للسیاسة الخارجیة؟ وما هی الأنماط الجدیدة للدبلوماسیة التی أفرزتها التغیرات الدولیة؟

منهاجیة الدراسة:

من أجل معالجة إشکالیة الدراسة، یتم توظیف الإطار النظری الذّی تم تطویره فی معهد هولندا للعلاقات الدولیة (Clingendael)، بواسطة عددٍ من الباحثین، هم: برایان هوکنج، جان مِلیسّان، شون ریوردان، وبول شارب[1]. وینهض هذاْ الإطار النظری على عددٍ من المتغیرات؛ أولها- السیاق الذی تعمل فیه الدبلوماسیة، وثانیها- طبیعة الفاعلین الدولیین، وثالثها- دور الوظیفة الدبلوماسیة وأنماطها. وقد بلور الباحثون المذکورون علاقة سببیة بین المتغیر الأول ونظیره الثالث، من خلال عامل وسیط هو المتغیر الثانی؛ کما یوضحه الشکل التالی:

 

 
   

 

 

 

علاوة على ذلک، من الضروری أنْ نُجری تحلیلاً وصفیاً للوظیفة الدبلوماسیة وأدوارها. فطبقاً لـ"کولییر" Collier، فإنّ "الوصف المتأنی مرحلةً أساسیة فی کل أنواع البحوث، والاستدلال السببی [...] یعتمد علیه"[2]. کما تعتمد الدراسة على أداة المقارنة فی المقابلات التی تُجریها بین أطوار الدبلوماسیة وأنماطها وأدوارها فی الأقالیم الجغرافیة المختلفة.

وتنقسم هذه الورقة إلى ثلاثة أقسام رئیسة. یعمد القسم الأول إلى تحلیل معالم التغیر فی البیئة الدولیة، وبصفةٍ خاصة العولمة، فیما یستقرئ القسم الثانی معالم الاستمراریة والتغیر فی الوظیفة الدبلوماسیة. أمّا القسم الثالث، فیُرکز على دور الدبلوماسیة فی النظام الدولی فی عصر العولمة.

أولاً: معالم التغیر فی البیئة الدولیة:

وفقاً لـ"هنری کسینجر"[3]، أحد أهم أنصار التحلیل الواقعی، یمکن تقسیم العالم إلى أربعة دوائر: الدائرة الأولى تضم أوروبا والولایات المتحدة والیابان، حیث تسود مفاهیم الدیمقراطیة والعمل الجماعی. وتشیر الدائرة الثانیة إلى القارة الآسیویة، وفیها تتحرک الدول على أساس جیوبولیتیکی، وتعتبر الآخرین منافساً استراتیجیاً، ویحکمها المنطق "الواقعی" فی مواجهة التهدیدات الموجهة لأمنها الوطنی. أما الدائرة الثالثة، فهی الشرق الأوسط، وتُعد مجالاً للصراعات الأیدیولوجیة والعقیدیة والدینیة. وتتمثل الدائرة الرابعة فی أفریقیا، التی تسعى للتنمیة، وتواجه حروباً وصراعات ومجاعات ومشکلات أخرى عدة.

ویتبع کلٌ من هذه الدوائر قواعد فی الحرکة السیاسیة تتشابه مع المراحل الثلاث التی مرت بها أوروبا فی تطورها التاریخی منذ القرن السابع عشر. فأوروبا الآن تضم مجموعة دول اتفقت على التعامل فیما بینها على أسسٍ وقواعدٍ محددة وثابتة، ولیس هناک إمکانیة للتصادم المسلح بین دولها، بل إنّ معظم المشکلات والاختلافات بینها ذات طبیعة سیاسیة أو اقتصادیة محددة، یمکن تسویتها عن طریق المفاوضات والمساومات. بید أنّ أوروبا، فی القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرین، کانت مجموعة من الدول المتنازعة، تحکمها أیدیولوجیات مختلفة، ویجمع بینها التنافس الاستعماری. وبالتالی، کان هناک دائماً احتمالات، وإنْ لم تکن دائمة أو عالیة المستوى، للاحتکام إلى القوة المسلحة ونشوب الحرب بینها. ویُشیر کیسنجر إلى أنّ هذا النموذج هو الأقرب إلى العلاقات بین الدول الآسیویة. وکانت أوروبا، فی القرنین السابع عشر والثامن عشر، مسرحاً لصراعات أیدیولوجیة ودینیة، کلفت القارة ملایین الضحایا، ولم یکن هناک إمکانیة لحلها إلا بالقوة، حتى تم التوصل إلى تسویة شاملة فی مؤتمر وستفالیا 1648. وهذا النموذج یشبه ما یحدث فی الشرق الأوسط من صراعاتٍ دولیة ومحلیة.

وبناءً على هذا التحلیل، تتخذ الوظیفة الدبلوماسیة أدواراً مختلفة فی کل مسرح. ففی المسرح الأوروبی، یکون القانون والمفاوضات المباشرة هما الأساس. وفی المسرح الآسیوی، تلعب الدبلوماسیة دور المهدئ والموازن والموضّح للنیات؛ بمعنى التوضیح للأطراف المعنیة أنّ الطرف الآخر لا یعنی الحرب (حالة الهند وباکستان). وفی مسرح الشرق الأوسط، تصبح الدبلوماسیة مفیدة بإیجاد أفکار وصیغ للتوازن بین القوى وأفکار مبتکرة للبحث عن السلام والاستقرار[4].

وفی مقابل الرؤیة الواقعیة للعالم، تبرز فی إطار المدرسة التعددیة رؤیتان مختلفتان. فوفقاً لـ"جیمس روزیناو"[5]، یمکن تقسیم النظام العالمی إلى اثنین، أولهما یمثل النظام الدولی کما نعرفه تاریخیاً، ویُطلق علیه النظام القائم على مرکزیة الدول State-centric System، ویتضمن العلاقات بین الدول ذات السیادة، وتحکمه القواعد المعروفة التی تطورت مع القانون الدولی وقواعد الدبلوماسیة والعرف السائد فی العلاقات الدولیة. أما الثانی، فهو نظام دولی آخر منافس للأول، ویُطلق علیه النظام متعدد المراکز Multi-centric System، لیس واضحاً عدد الفاعلین فیه، ولا درجة التفاعل بینهم، ویشترک فیه، إلى جانب الدول، فاعلین من غیر الدول Non-state Actors، من منظمات دولیة وجماعات مصلحیة وتنظیمات مدنیة إلى مجموعات مسلحة وغیرها.

والرؤیة الثانیة یطرحها جوزیف نای وروبرت کیوهین[6]، ومؤداها أنّ الدولة تتحرک فی ثلاث مسارح متشابکة، الأول هو المسرح الاستراتیجی الذی یُعنى بالقضایا الجیوبولیتیکیة، والثانی هو المسرح الاقتصادی حیث القوى الفاعلة فیه لیست بالضرورة هی نفسها الفاعلة فی المسرح الأول، والثالث هو مسرح القوى السیاسیة غیر الحکومیة والتنظیمات المدنیة. ووفقاً لـ"نای"[7]، فإنّ القوة موزعة بین الدول فی نموذج یشبه مباراة شطرنج معقدة ثلاثیة الأبعاد. فی قمة الشطرنج، القوة العسکریة، وهی تنتظم فی نسق أُحادی القطبیة. وعلى اللوحة الاقتصادیة، نجد أنّ الولایات المتحدة لیست مهیمنة أو حتى إمبراطوریة؛ فهی یجب أنْ تساوم کمتساوٍ مع القوى الاقتصادیة المنافِسة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبی والصین. وفی أسفل اللوحة، حیث العلاقات عبر القومیة transnational، نجد أنّ القوة تنتشر بطریقةٍ فوضویة.

غیر أنّ أهم المتغیرات الدولیة التی أثرت على طبیعة الوظیفة الدبلوماسیة، هی العولمة، التی ترجع إلى الربع الأخیر من القرن المنصرم، والتی تُعد القوة المرکزیة الدافعة إلى قیام نظام عالمی جدید. والعولمة عملیة مرکبة، وظاهرة متعددة الأبعاد، تنعکس فی التغیرات الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة والثقافیة التی تعید تشکیل المجتمعات المعاصرة والنظام العالمی.

وفی بعدها الاقتصادی، تشیر العولمة إلى تنامی الاعتماد المتبادل المکثف بین اقتصادات العالم، والروابط المتسارعة والکثیفة بینها، وحرکیة التجارة ورأس المال. وفی بعدها السیاسی، تتجلى العولمة فی تقلیص سلطة الدولة وتمکین الأفراد. وتعکس، فی بعدها الثقافی، شبکة کثیفة ومتنامیة من الروابط الثقافیة المعقدة، ونشوء مجتمع المعرفة، وتبلور قیمٍ ومعاییر کونیة جدیدة. وفی بعدها الاجتماعی، تشیر العولمة إلى تکثیف العلاقات الاجتماعیة بین الناس عبر الکرة الأرضیة، ولاسیما عبر وسائل الاتصال الاجتماعی، حیث یتم الربط بین الأماکن البعیدة بما یعنی أنّ الحوادث المحلیة تتشکل بأحداثٍ تقع فی مناطق تبعد آلاف الأمیال، والعکس بالعکس[8].

ومن الصحیح أنّ آثار العولمة لم تظهر بشکلٍ متساو ومتوازن فی کل أنحاء العالم، لکن آثارها شکلت الإطار الذی نعیش فیه الیوم، وتتفاعل معه الوظیفة الدبلوماسیة. فأولاً- تتسم العولمة بعدة خصائص أثرت على ظاهرة الدبلوماسیة، أولها- تجاوز الحدود وتناقص قیمة الظواهر الإقلیمیة Deterritorialization؛ بمعنى أنّ التفاعلات بین البشر والشعوب والکیانات الاقتصادیة وغیرها أصبحت تتم بصرف النظر عن الحدود والمسافات بین الدول؛ فقد فقدت الحدود والإقلیم أهمیتهما، ونشأت شبکات متجاوزة القومیة وأشکال جدیدة من التنظیم الاجتماعی متجاوزة الحدود والأقالیم. أمّا خصائص العولمة الأخرى والمؤثرة فی العولمة، فتتعلق بالفوریة؛ بمعنى أنّ الظواهر الدولیة أصبحت تتم فی نفس الوقت، وکثافة التفاعلات والارتباطات بین الفاعلین الدولیین فی کافة المجالات، والتمدد الهائل للنشاطات الدولیة فی کافة المجالات، بحیث أنّ ما یحدث فی منطقة معینة قد یؤثر على المناطق الأخرى، وما یحدث فی الداخل یؤثر على الخارج وبالعکس[9]. ومن ثم، زالت الفواصل بین السیاسة الداخلیة والسیاسة الخارجیة، وأصبح الدبلوماسی یتحرک على المسرح العالمی ککل. کما انکمش دور الأیدیولوجیات لیظهر الاقتصاد باعتباره المحرک الأکبر للمصالح والتفاعلات السیاسیة، وتصاعد دور القوة الناعمة على حساب القوة الصلدة فی تنفیذ السیاسات الخارجیة للدول، وتزاید تأثیر الرأی العام وتنظیمات المجتمع المدنی فی السیاسة الخارجیة، واتسع نطاق المجال العام[10]  Public Sphere بصفة عامة. علاوة على ذلک، ظهرت قضایا جدیدة لم تکن مطروحة على أجندة السیاسة الدولیة بشکلٍ جاد فی العقود السابقة، مثل القرصنة الإلکترونیة، بل وظهرت قضایا کونیة تحتاج معالجتها إلى تضافر جهود جمیع دول العالم؛ أی تقتضی حلولاً کونیة، مثل تغیر المناخ أو الاحترار العالمی والإرهاب الدولی وغیرهما.

والأهم من ذلک، ولج فاعلون جدد من غیر الدول[11] بأعدادٍ هائلة فی الساحة العالمیة، وتصاعد تأثیرهم فی السیاسة الدولیة بما یفوق بعض أو کثیر من الدول، ونشأت قضایا جدیدة لا تستطیع الدول وحدها التعامل معها من دون التعاون مع هؤلاء الفاعلین. وبعد أن کانت الوظیفة الدبلوماسیة تعبر عن التفاعل بین الحکومات، أصبحت الآن مطالبةً بأن تتفاعل مع هؤلاء الفاعلین الجدد الذین أصبحوا مؤثرین بدرجة کبیرة؛ ما أدى إلى بلورة أنماطٍ جدیدة من الدبلوماسیة لم تکن معروفة من قبل. وقد أدت هذه التطورات إلى الیقین بأنّ الدبلوماسیة لم تعد حکراً على الدول؛ أی أنها لم تعد تحتکر تطویر أنشطة دبلوماسیة[12].

 

ثانیاً- الدبلوماسیة بین الاستمراریة والتغیر:

على الرغم من التغیرات الجوهریة فی البیئة الدولیة التی یُرمز لها إجمالاً بـ"العولمة"، والتی تُشکل الإطار الذی تعمل فیه الدبلوماسیة، إلا أنّ هناک العدید من عناصر الاستمرار فی الوظیفة الدبلوماسیة والمهارات المرتبطة بها. فمایزال العدید من المفاهیم التی استمدت من دبلوماسیة القرن التاسع عشر، والتی سجلها کیسنجر فی کتابه "عالم متجدد" الصادر فی أواخر الخمسینیات[13]، مثل توازن القوى والوفاق، صالحاً بدرجة کبیرة لدراسة طبیعة العلاقات بین الدول بعضهم البعض وبین الفاعلین الدولیین، دولاً وغیر دول، بصفةٍ عامة. فمثلاً، طُرح مفهوم الوفاق من جانب الدولة المهیمنة على النظام النظام الدولی (الولایات المتحدة) فی مواجهة دول وتنظیماتٍ إرهابیة؛ وهو ما تجلى فی تأسیس ما یسمى "تحالف الراغبین" Coalition of the Willing أثناء حرب العراق 2003، والتحالف الدولی لمواجهة الدولة الإسلامیة المزعومة/داعش. بعبارة محددة، فإنّ المفاهیم التی استخدمت فی بناء الوفاق الأوروبی، أثناء مؤتمر فیینا 1815، حیث تم صیاغة أسس وقواعد الدبلوماسیة الحدیثة، ما تزال عنصراً مهماً فی الحیاة الدبلوماسیة.

علاوة على ذلک، ما تزال المعضلة التی واجهت الدبلوماسیة الأوروبیة أثناء الحروب النابولیونیة (1803-1815)؛ بمعنى کیفیة التعامل مع قوة ترفض أُسس النظام الدولی وتحاول فرض رؤیتها على القوى الأخرى (الدولة المارقة Rogue State)، تواجه الدبلوماسیة فی القرن الحادی والعشرین فی مواجهة دول مثل کوریا الشمالیة وإیران. وما یزال الهدف الرئیس للدبلوماسیة یبقى کما هو؛ أی تحقیق المصلحة الوطنیة؛ أی حمایة وتعزیز أمن واستقرار الدولة ککل، ولاسیما الاهتمامات العسکریة والوضع العام للعلاقات الاقتصادیة، الذی یمثل الاهتمام الرئیس للنشاط الدبلوماسی على مدار تاریخ الدولة الحدیثة[14]. کما أنّ أساس العمل الدبلوماسی، المتمثل فی تطویر العلاقات بین الدول فی مجالاتها السیاسیة والدفاعیة والاقتصادیة والثقافیة، لایزال کما هو دون تغییر. وما تزال السفارات تقوم بدورٍ مُهم برغم کل التطورات فی الاتصالات المباشرة بین الدول، بل وتزایدت أهمیتها، خاصةً بعدما أصبح السفر إلى الخارج أکثر سهولة ویسراً؛ لدرجة أنّ أکادیمیة الدبلوماسیة الأمریکیة تطلق علیها "خط الدفاع الأول عن المصالح الأمریکیة فی الخارج"[15]. وما تزال عملیة التمثیل الدبلوماسی والقنصلی مکوناً أساسیاً فی العلاقات بین الدول. ولا تزال الدبلوماسیة فی القرن الحادی والعشرین منشغلة بالأجندة التقلیدیة التی ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادی[16].

وعلى الرغم من وجود منظمات دولیة وإقلیمیة عدیدة، إلا أنّ العلاقات الثنائیة بین الدول تکاد تحکم التفاعلات داخل هذه المنظمات لدرجة اعتبار هذا النمط من العلاقات المحور الأول والأساسی فی العلاقات الدولیة. وفی المنظمات الدولیة، تُستخدم عبارات مثل تبادل المیزات Trading Horses، کوسیلة للمساومات والاتفاقیات بین الدول داخل المحافل الدولیة.

ومع ذلک، طرأت عدة تغیرات على الوظیفة الدبلوماسیة فی إطار محاولتها التکیف مع البیئة الجدیدة التی خلقتها تسارع عملیة العولمة. وأول هذه التغیرات تتعلق بالتعریف؛ فقد قدّمت دوریة هایج للدبلوماسیة The Hague Journal of Diplomacy تعریفاً أکثر قرباً مما علیه الآن؛ حیث تُعرف الدبلوماسیة بأنّها المؤسسات والعملیات التی من خلالها تمثل الدول وغیرها نفسها ومصالحها لدى بعضها البعض[17]. کما أفرزت العولمة عدة متغیرات أثّرت تأثیراً کبیراً فی الدبلوماسیة، وأهمها- تکثیف الشبکات الاجتماعیة التی تتجاوز الحدود التقلیدیة، بما فی ذلک الحدود الجغرافیة وتلک التی تفصل السیاسة الداخلیة عن السیاسة الخارجیة، وتمدد العلاقات الاجتماعیة من التی تمثلها الأسواق المالیة إلى المجموعات الإرهابیة، وضغط الوقت والمسافة، والتطورات التکنولوجیة فی مجالی الاتصالات والمعلومات[18].

وإذا کانت ثورة الاتصالات وشبکة الإنترنت أهم آلیات العولمة، فلم تشهد الوظیفة الدبلوماسیة تکیفاً سریعاً معها. وکان هذا حال الدبلوماسیة على أی حال مع التطورات أو الثورات التکنولوجیة فی مجال الاتصالات منذ اکتشاف الطباعة، ثم ظهور الإذاعة والتلیفزیون. فقد کانت هناک تعلیمات من وزارات الخارجیة المختلفة للدبلوماسیین بعدم استخدام الإنترنت فی المراسلات المهمة أو التی لها طابع السریة. ثم تطورت الأمور لتصبح الإنترنت وسیلة أساسیة فی التراسل الدبلوماسی، سواء السری منها أو العلنی. وواجه استخدام الإنترنت مشکلة کبیرة بنشر وثائق ویکیلیکس Wiki leaks، أو القرصنة الإلکترونیة على نحو ما حصل لحواسب اللجنة الوطنیة للحزب الدیمقراطی الأمریکی، واختراق البرید الإلکترونی للعدید من المسؤولین فیها، وتسریبها إلى "ویکیلیکس"، الذی نشرها عشیة مؤتمر الحزب الدیمقراطی فی فیلادلفیا، فی 25 یولیو 2016. وهو ما أدى إلى قیام إدارة الرئیس باراک أوباما بإعادة النظر فی طبیعة التراسل الدبلوماسی من خلال الإنترنت، وتطویر وسائل الأمن الخاص به. ولعل أخطر قضایا القرصنة الإلکترونیة هو ما عرف بـ"أوراق بنما Panama Papers"، وتتلخص فی تسریب 11.5 ملیون وثیقة من شرکة "موساک فونسیکا" للخدمات القانونیة فى بنما، التی تکشف فساد 12 من قیادات العالم، وما یقارب 128 سیاسیًّا من مُختلف الدول، من روسیا وأیسلندا، إلى لیبیا وسوریا وقطر، مرورًا بمصر. ویُعد هذا التسریب الضخم أکبر عملیة تسریب تتعلق بالتهرب الضریبى وغسیل الأموال والفساد فی تاریخ الصحافة العالمیة[19]. ومن ناحیةٍ أخرى، أنشأ عدداً من الدول قسماً خاصاً فی وزارة الخارجیة بها لمتابعة الإنترنت، ولاسیما وسائل التواصل الاجتماعی، وللرد على تساؤلات المواطنین أو الأجانب، ووضع أخبار الوزارة وسیاساتها على صفحات الکترونیة متعددة باسم الوزارة. وقد أصبح کیفیة التعامل مع التطورات الحدیثة فی تکنولوجیا المعلومات والاتصالات جزءاً أساسیاً فی تدریب أعضاء السلک الدبلوماسی والقنصلی؛ إذ لا دبلوماسیة فاعلة بغیر أسالیب التواصل التکنولوجی فی تلقی المعلومات وإرسالها بشکلٍ أسهل وأشمل وأسرع.

وقد ألغت الثورة الهائلة فی مجال الاتصالات الحدود بین الدول وأغنتها عن آلیات الدبلوماسیة التقلیدیة بظهور أجهزة اخترقت الحدود الزمانیة والمکانیة؛ بحیث لم تعد المعلومة حصراً على تقاریر السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسیة وآلیاتهم التقلیدیة. ووفرت التکنولوجیا المتقدمة للدبلوماسیة الوقت، وأعفت السفراء من الحضور إلى بلدانهم لتقدیم المعلومات بشکل دوری، وبات متیسراً عقد الاجتماع مع المسؤولین من مکاتبهم عبر الأقمار الاصطناعیة فی جلسة مفتوحة بالصوت والصورة. کما أفضت التطورات فی مجالی الاتصال والتکنولوجیا إلى تبلور شکل جدید من أشکال الدبلوماسیة المعاصرة، وهو الدبلوماسیة الافتراضیة التی تستحضر جمیع السیناریوهات المحتمل وقوعها وتفترض وقوعها جمیعاً لتحدد التدابیر التی على الدبلوماسیین اتخاذها لمواجهتها[20].

کما أنّ وسائل الإعلام، بفعل الثورة التکنولوجیة والاتصالیة الهائلة، کثیرًا ما تسبق البعثات الدبلوماسیة فی إیصال الخبر وتحلیله والتعلیق علیه بخبرة ودرایة. وهنا تبرز المنافسة غیر المتساویة التی بدأت هذه الوسائل تهدد بها الدبلوماسیة الکلاسیکیة. فلم تعد وسائل الإعلام الإلکترونیة أداة لاستراتیجیات الدبلوماسیة العامة من جانب الحکومات، ولکنها الآن قادرة على تحدید السیاسة الخارجیة، وخاصة فی مواقف الأزمات. وهذا ما یُعرف بـ"تأثیر الـCNN". وهذا ینشئ ضغطاً على صانع القرار کی یستجیب لأحداث الأزمة.وهناک أیضاً "ما بعد تأثیر الـCNN". فقد أفضت التطورات التکنولوجیة، مثل تصغیر حجم الأجهزة الالکترونیة، إلى درجةٍ غیر مسبوقة من الشفافیة العالمیة فیما یتعلق بالشؤون العامة. وهذا یجعل الأفراد والمجموعات قادرین على اکتساب المعلومات مباشرة؛ ما یجعل المطلب الخاص بالسریة الدبلوماسیة خلال المفاوضات أصعب أنْ یُلبى[21].

ومن ناحیةٍ أخرى، أصبحت الدبلوماسیة تعمل فی بیئةٍ شبکیة، ولیس فی إطار النموذج الرأسی المتمحور حول الدولة. ویُقدم النموذج الشبکی رؤیةً مختلفةً تماماً عن کیفیة عمل الدبلوماسیة فی القرن الـ21. ففی هذا النموذج، یتعاون الفاعلون الحکومیون وغیر الحکومیین ورجال الأعمال لمعالجة قضیةٍ معینة. ومثال ذلک اتفاقیة حظر الألغام المضادة للأفراد والمعروفة أیضا باتفاقیة أوتاوا لعام 1997، وإنشاء نظامٍ للألماس. کما أنّ النمو الهائل للمنظمات غیر الحکومیة، والتأثیر المتنامی لحرکات الاحتجاج عبر القومیة، والنمو السریع لوسائل التواصل الاجتماعی، کل ذلک قیّد حریة الدبلوماسیة الرسمیة وقدرتها على المناورة. علاوة على ذلک، فإنّ نمو المجتمع المدنی والحرکات الاجتماعیة العالمیة ما فتأ یُغیر طبیعة الدبلوماسیة متعددة الأطراف؛ لأنّ خصائصها غیر الحکومیة یُعاد تعریفها فی ضوء المشارکة المتنامیة من جانب المنظمات غیر الحکومیة[22].

الدبلوماسیة العامة الجدیدة:

أصبح الرأی العام عنصراً هاماً فی العمل الدبلوماسی، فکثیرٌ من الموضوعات العامة فی العلاقات الثنائیة أو متعددة الأطراف تتحول إلى قضایا رأی عام. وحیث أنّ تنظیمات المجتمع المدنی ووسائل الاتصال الاجتماعی أصبحت عنصراً فعّالاً فی تشکیل السیاسات، فإنّ الدبلوماسیة علیها أن تحسب تأثیر هذه العناصر على تحرکاتها والتوصیات التی ترسل بها إلى القیادة السیاسیة فی الدولة. ومن هنا، نجد أنّ معظم الدول الکبرى قد أنشأت ادارات متخصصة للدبلوماسیة العامة؛ من أجل التفاعل مع الأفراد والمنظمات فی الدول الأخرى، والتأثیر فی الرأی العام فیها؛ بهدف خلق صورة أفضل للدولة فی الخارج، وبناء الثقة، وترویج السیاحة وفرص الاستثمار فی الدولة، وتعزیز المصالح ونشر القیم فی الدول المستهدفة. وفی بعض الدول، تحاول وزارات الخارجیة إدخال الدبلوماسیة العامة فی کل النشاط الدبلوماسی[23]. وقد حازت الدبلوماسیة العامة على اهتمام الإدارة العلیا فی وزارات الخارجیة، بل واهتمام القیادة السیاسیة، فی کثیرٍ من الدول. ویُعد ذلک مظهراً من مظاهر صعود تأثیر القوة الناعمة فی العلاقات الدولیة. وتمارس الدبلوماسیة العامة تأثیرها غیر المباشر من خلال قنوات غیر رسمیة، تشمل وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعی، ومن خلال شبکات أکثر تخصصیة مختلفة الأنواع، تمتد من روابط رجال الأعمال واتحادات العمال والجمعیات العلمیة والمؤسسات الدینیة والعلاقات التی تُنشئها الجالیات الأجنبیة فی الخارج Diasporic Relations[24].

وبالنظر إلى اتساع مدى تأثیر العولمة وعمقه على الدبلوماسیة العامة؛ صکّ بعض الدارسین مصطلح الدبلوماسیة العامة الجدیدة[25] کمنتج لهذا التأثیر. والدبلوماسیة العامة الجدیدة هی أکثر من کونها أداة فنیة للسیاسة الخارجیة؛ فقد أصبحت جزءاً لا یتجزء من تغیر جسّد العلاقات الدولیة. لقد أصبحت مکون أساسی للممارسة الدبلوماسیة الکلیة، ومرتبطة بنسیج النشاط الدبلوماسی الرئیسی. وتتطلب الدبلوماسیة العامة الجدیدة مهارات وتکنیکات واتجاهات ومواقف مختلفة عما کان موجوداً فی الدبلوماسیة العامة التقلیدیة. فمن ناحیةٍ، أصبح الهدف من الدبلوماسیة العامة تشکیل الأفکار وإنشاء العلاقات مع المجتمعات الأخرى. ویُلاحظ أنّ الترکیز على تشکیل روابط مجتمعیة، أو إنشاء شبکات بین الأطراف غیر الحکومیة، والحصول على تأثیر مباشر للدولة على حکومات الدول المستهدفة ککل، من غیر إعطاء میزة أو حتى الاعتراف بالعلاقات الحکومیة البینیة. والحقیقة أنّ انعکاسات هذا التأثیر الجدید عمیقة. وقد أخذت بعض الدول هذا الاتجاه الجدید بعیداً بالترکیز على المجتمع المدنی فی الدول الأخرى. وأصبحت الدبلوماسیة العامة یمکن أنْ تکون أداة لتغییر النظام. یمکن أنْ تکون الدبلوماسیة العامة أداة ثوریة، وربما تکون حتى الأداة الثوریة المفضلة بسبب ارتفاع تکلفة الحرب والأدوات العسکریة الأخرى، فی عالمٍ یقوم على العولمة والاعتماد المتبادل. وهذا یختلف عن الدبلوماسیة العامة فی الماضی، حتى فی معظم سنوات الحرب الباردة. ومن ناحیة أخرى، أصبح التواصل، عن طریق وسائل التواصل الاجتماعی، عنصراً مهماً فی کافة المؤسسات الدبلوماسیة، سواء وزارات الخارجیة أو السفارات والقنصلیات والبعثات فی الخارج[26]. ویلاحظ أنّ بعض الوزراء والسفراء، بل رؤساء الدول والحکومات یستخدمون هذه الوسائل، مثل تویتر وغیرها، لتقدیم ملاحظات وتعلیقات یعتبرونها غیر رسمیة، ولکنها فی الواقع تعبر عن خطاب السیاسة الخارجیة، یرید المسؤول تقدیمها بشکلٍ غیر رسمی.

والواقع أنّ الذین یؤیدون استعمال الدبلوماسیین للتغریدات على تویتر یحاجّون بأنّها طریقة فعّالة للغایة یعبّرون بها عن أفکارهم وتعلیقاتهم وتقاسمها بشکلٍ مباشر مع جمهورٍ واسع، وتجاوز قنوات الاتصال العادیة عبر المؤتمرات الإعلامیة والبیانات الصحفیة[27]. ومثال ذلک، ما قام به الرئیس الإیرانی حسن روحانی على صفحته فی تویتر فی أول فترة تولیه للرئاسة بنشره رسالة مفادها أنه لا یُنکر الهولوکوست، والتی لم یعترف بها سلفه أحمدی نجاد، کمبادرة من الرئیس الجدید نحو الغرب والولایات المتحدة بالذات.

وقد اشتهر عن الرئیس الأمریکی دونالد ترامب استخدامه "تویتر" بشکلٍ مکثف، ولطالما وصفه بأنه "أمر رائع"؛ مبرراً ذلک بسماحه بالتواصل بصورةٍ مباشرة مع الشعب الأمریکی دون أى وسیط، وأنّ الإعلام الأمریکی یتصف بالکذب. ویصف ترامب فی تغریدة استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعی بأنّه "لیس رئاسیاً. إنه رئاسی معاصر". ویُتابع ترامب أکثر من 33 ملیون شخص على تویتر[28]. وقد وظّف ترامب تغریدات تویتر بسرعة کبیرة، خلال الحملة الانتخابیة الرئاسیة المثیرة للانقسام فی العام 2016؛ للرد على الاتهامات الکثیرة التی کانت توجه إلیه. وقد دأب على انتهاج هذا الأسلوب منذ أنْ فاز بالانتخابات الرئاسیة فی الثامن من نوفمبر 2016[29]. وفی هذا الخصوص، نشر ماثیو إنجرام[30] دراسة ًیتناول فیها تداعیات استخدام الرئیس ترامب المفرط لـ"تویتر"؛ حیث یقوم باستخدامه بشکل یومی، ویشیر فى تغریداته إلى القضایا القانونیة والثقافیة والأخلاقیة التى لم تتم معالجتها فی السیاسة الأمریکیة. کما یقوم فى تغریداته بالثناء على مؤیدیه، وتعزیز أجندة أعماله الإداریة، والهجوم على معارضیه من السیاسیین والإعلامیین على السواء.

على أیة حال، قد یُفضی استخدام السیاسیین لوسائل التواصل الاجتماعی إلى ثورة جدیدة توشک أن تنشب فى الساحة الإعلامیة، وفى العلاقة بین الإعلام والسلطة[31].

الدبلوماسیة الثقافیة:

تُشیر الدبلوماسیة الثقافیة إلى التأکید على أهمیة العناصر الدینیة والثقافیة ضمن العناصر المکملة للدبلوماسیة الرسمیة؛ والحرص على أن تضطلع الدبلوماسیة الدینیة والثقافیة بمزید من الأدوار فی حل المشاکل والأزمات٬ ومواجهة التعقیدات فی العلاقات الدولیة٬ وتفعیل دور الإعلام والرأی العام بهذا الصدد؛ وأهمیة بلورة دبلوماسیة دینیة تلهم الشعوب التحرک الإیجابی المشترک فی مواجهة التحدیات[32].

کذلک، غدت الدبلوماسیة الثقافیة، کأداة لتعزیز التفاهم والتعاون فی عدد من المجالات، موضوعاً أساسیاً فی تدریب الدبلوماسیین. وأصبح الدبلوماسیین مطالبون بدراسة طرق الاتصال عبر الثقافی Intercultural Communication، واستکشاف استراتیجیات جدیدة لتقویة العلاقات الثقافیة بین الدول، ومراعاة الاختلافات الثقافیة. وتتضمن الدبلوماسیة الثقافیة أولویات جدیدة من قبیل تعزیز حقوق الإنسان ونشر القیم الدیمقراطیة ونشر معاییر مثل الحوکمة فی صفوف تنظیمات المجتمع المدنی. والحقیقة أنّ ثمة تطابق، فی عالم الیوم، بین الدبلوماسیة العامة والدبلوماسیة الثقافیة؛ فالحدود بینهما تلاشت[33].

وتطرح الدبلوماسیة الثقافیة (والدینیة)، وقبلها الدبلوماسیة الموازیة مسألة فی غایة الأهمیة تتعلق بأنّ الدبلوماسیة لم تعد حکراً على الدولة أو وزیر خارجیة أو السفارات والقنصلیات التی تعتمدها الدول فی تواصلها الخارجی.

الدبلوماسیة الرقمیة:

وقد أصبحت الدبلوماسیة الرقمیة Digital Diplomacy الآن جزءاً من عمل الوزارات الخارجیة والسفارات. والدبلوماسیة الرقمیة هی مفهوم یربط بین تأثیر التطورات فی مجال تکنولوجیا الاتصالات والمعلومات والسیاسة الخارجیة والدبلوماسیة. فمثلاً، أنشأت وزارة الخارجیة الأمریکیة – أثناء ولایة هیلاری کلینتون (2009-13) لها– مبنى خاصاً للدبلوماسیة الرقمیة لمراقبة الأحداث على شبکة الإنترنت، والرد على بعض التساؤلات، وطرح بعض الأفکار على صفحة الوزارة. وقد قامت معظم السفارات بطرح صفحاتٍ خاصة بها، تجیب على تساؤلات المواطنین، وتعطیهم الحق فی تقییم عمل السفارة أو البعثة وتقییم خدماتها[34].

الدبلوماسیة الموازیة وأخواتها:

وقد تحرکت الدبلوماسیة لکی تربط بین المجتمعات لیس فقط على المستوى القومی، وإنما أیضاً على المستوى المحلی. وفی هذا الإطار، ظهرت مفاهیم الدبلوماسیة الموازیة Paradiplomacy (أو الدبلوماسیة ما دون مستوى الدولة Sub-state Diplomacy)، والدبلوماسیة التأسیسیة Protodiplomacy، ودبلوماسیة المدن وغیرها، وکلها أنماط جدیدة من الدبلوماسیة تجمع بین عناصر الرسمیة وغیر الرسمیة. وتشیر الدبلوماسیة-الموازیة، التی یراها البعض نتیجةً للعولمة وبصفةٍ خاصة  لظاهرة العولمة المحلیة Glocalization، إلى إلى انخراط الکیانات دون المستوى القومی Subnational Entities أو الوحدات ما دون الدولة Sub-state Units، مثل الولایات والمقاطعات والکانتونات والإمارات أو الأقالیم[35] إجمالاً، فی الشؤون الدولیة. وقد أصبح انخراط هذه الوحدات فی تفاعلاتٍ دبلوماسیة متنوعة مع سائر الفاعلین الدولیین (من الدول ومن اللادول) یمثل اتجاهاً طبیعیاً ومتنامیاً بوضوح فی النظام الدولی، ومقبولاً من کثیرٍ من الدول حول العالم[36].

وثمة أهداف وظیفیة وسیاسیة تحاول الوحدات دون مستوى الدولة تحقیقها من خلال دبلوماسیتها الموازیة، لعل أکثرها بروزاً هی الأهداف الاقتصادیة، التی تتضمن جذب الاستثمارات الأجنبیة والترویج للسیاحة والبحث عن أسواق لمنتجاتها وعن التکنولوجیا الحدیثة. وهناک أهداف ثقافیة واجتماعیة للدبلوماسیة الموازیة، تتمثل فی الحصول على دعم العالم الخارجی للغة الوحدة وثقافته الخاصة، والترویج لها، وإبراز تمیزها الثقافی والقومی للعالم الخارجی، وتعزیز الروابط مع الدول المتشابهة ثقافیاً معها أو مع جالیاتها فی الخارج. أمّا الدوافع السیاسیة للدبلوماسیة الموازیة، فتتعلق بتعزیز مصالح الوحدة دون مستوى الدولة فی الخارج، أو السعی لنیل الاعتراف الخارجی واکتساب الشرعیة بأنّها تمثل أمة، وإن کانت أمة بلا دولة[37]. ویلاحظ  أنّ الدبلوماسیة الموازیة قد تکون متوافقة مع السیاسة الخارجیة للحکومة المرکزیة، أو مکملة لها، أو متعارضة معها[38].

وتتعدد أبعاد الدبلوماسیة-الموازیة وتتنوع فیما بینها، ویمکن تلخیصها فی ثلاثة: مؤسسیة وسلوکیة وتفاعلیة[39]. تتضمن الأبعاد المؤسسیة کل من الهیکل التنظیمی للدبلوماسیة-الموازیة، حجم المصادر المالیة والبشریة المخصصة للشئون الخارجیة، السیاسات والاستراتیجیات الموضوعة لتوجیه النشاطات الخارجیة للوحدة دون مستوى الدولة، والتمثیل الدبلوماسی-الموازی. وتشیر الأبعاد السلوکیة إلى الزیارات والمهمات الخارجیة الرسمیة التی ترسلها أو تستقبلها الوحدة دون مستوى الدولة، بما تتضمنه من التفاوض مع الفاعلین الدولیین الآخریین، ومدى التنوع الجغرافی لها، ومنح المساعدات الأجنبیة أو استقبالها، والمشارکة فی أنشطة المنظمات والمنتدیات والمؤتمرات الدولیة. وأخیراً، تشتمل المظاهر التفاعلیة للدبلوماسیة-الموازیة على حجم وتنوع العلاقات الثنائیة ومتعددة الأطراف التی تنخرط فیها الوحدة دون مستوى الدولة مع الدول والوحدات دون مستوى الدولة الأجنبیة، بما فی ذلک الاتفاقات الدولیة الموقعة بین الوحدة دون مستوى الدولة وغیرها من الفاعلین الدولیین، ولاسیما الدول الأجنبیة والمنظمات الدولیة، بالإضافة إلى ما یعرف بـ"سیاسة الشتات". وقد أخذت الحدود تتلاشى بین الدبلوماسیة-الموازیة ودبلوماسیة الدولة.

ویختلف مفهوم الدبلوماسیة-الموازیة عن "الدبلوماسیة-التأسسیة" Protodiplomacy؛ والتی تستخدم لوصف مبادرات الوحدة دون مستوى الدولة وأنشطتها الخارجیة، وروابطها السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة بالدول الأجنبیة التی تتضمن رسالة انفصالیة بشکل أو بآخر وبدرجات متباینة[40]. بعبارة محددة، تحمل "الدبلوماسیة- التأسسیة" رسائل استقلالیة من جانب الوحدة دون مستوى الدولة إلى الساحة الدولیة، وترادف السعی "الخارجی" لتحقیق الاستقلال. وهی بهذا المعنى ذات وجهین: فهی تسعى إلى الحلول محل دبلوماسیة الدولة التی تنتمی إلیها الوحدة حالیاً[41]، من ناحیة، وتمثل الأساس الذی ستبنى علیه دبلوماسیة الدولة الجدیدة من ناحیة أخرى. کأنّ "الدبلوماسیة-التأسسیة" هی دبلوماسیة سنوات ما قبل الاستقلال. بعبارة أخرى، ویسعى هذا النشاط إلى محاکاة السلوک الدبلوماسی من أجل دعم شرعیة الهیئة المُمثِلة (الوحدة دون مستوى الدولة)؛ حیث تسعى الدبلوماسیة التأسیسیة لکسب الشرعیة الدولیة للوحدة أو الشعب الممثل له. ولذلک، فهی تتعلق بالأنشطة المرتبطة بالترویج والاعتراف الثقافی والوطنی. وفی هذه الحالة، تستخدم حکومة الوحدة دون مستوى الدولة تفاعلاتها الخارجیة وسیلة لنیل الاعتراف الدولی، وتمهید الطریق للانفصال من خلال إعداد الرأی العام العالمی، واکتساب أصدقاء یکونون مستعدین للاعتراف باستقلالها فی مرحلة مبکرة. کما تعتبر ممثلیاتها أو بعثاتها أو مکاتبها فی الخارج مشروع سفارات أو قنصلیات لدولة محتملة ذات سیادة[42]. وفی بعض الحالات المحدودة، تعامل الدول المستقبلة بعثات الوحدة دون مستوى الدولة لدیها مثلما تعامل السفارات، کما کان حالة الممثلیة العامة لمقاطعة کیبیک فی فرنسا فی الستینیات والسبعینیات من القرن المنصرم[43]. من أجل ذلک، یُطلق على الدبلوماسیة-التأسسیة" Protodiplomacy أحیاناً مسمى "الدبلوماسیة الانفصالیة". وهناک أمثلة على أقالیم تنتهج أو انتهجت هذا النمط من الدبلوماسیة، منها بعض الجمهوریات الأثنیة فی روسیا (الشیشان)، وإقلیم کوسوفا قبل إعلانه الاستقلال فی فبرایر 2008 واعتراف بعض الدول به دولة مستقلة، ومقاطعة کیبیک فی کندا، وإقلیم کتالونیا فی اسبانیا، وإقلیم اسکتلندا فی المملکة المتحدة، وإقلیمی دونیتسک ولوهانسک فی أوکرانیا.

ویمکن أنْ تُطبق "الدبلوماسیة-التأسیسیة" على الجهود الدبلوماسیة التی تتابعها أشباه الدول Quasi States، مثل إقلیم کردستان-العراق، وجمهوریة ترانسنیستریا فی مولدوفا، وإقلیمی أبخازیا وأوسیتیا الجنوبیة فی جورجیا، وإقلیم ناجورنی کاراباخ (الذی أعلن استقلاله عن أذربیجان من دون أن یحظى باعتراف أی دولة)، وإقلیمی أرض الصومال وبونتلاند فی الصومال[44]. وهناک وحدات دون مستوى الدولة تتضمن تفاعلاتها الدولیة مزیجاً من الدبلوماسیة-الموازیة ونظیرتها الانفصالیة، مثل جمهوریة تتارستان فی روسیا. کأن الحدود أو الفواصل بین النمطین لیست دائماً واضحة[45]. وهناک عدة متغیرات تفسر التحول من الدبلوماسیة الموازیة إلى "الدبلوماسیة التأسیسیة" Protodiplomacy، وهی: القومیة، والهیکلی الداخلی (درجة الاستقلال الإقلیمی، الإطار الدستوری، نمط العلاقات الحکومیة البینیة)، والعامل الخارجی (هیکل النظام الدولی، دور الدول الإقلیمیة أو الکبرى)[46].

على الرغم من تنامی انتشار ظاهرة الدبلوماسیة الموازیة وزیادة مناعتها وعدم قابلیتها للارتداد. وعلى الرغم من أنّها أصبحت حقیقةً من حقائق الحیاة الدولیة. وعلى الرغم من اضطراد اتجاهات التطبیع معها. وعلى الرغم من أنّ الأدبیات السابقة أسهمت فی بلورة أُطرٍ نظریة متعددة لدراسة الظاهرة، بل وتکوین نظریة متماسکة حولها[47]؛ فإنّ الدبلوماسیة الموازیة لم تدخل بعد ضمن التیار الرئیسی فی العلاقات الدولیة نظریةً وممارسةً. وبقدر ما أرى فی المستقبل المنظور، فإنّ الدبلوماسیة الموازیة تتجه لتکون حقلاً فرعیاً بازغاً فی العلاقات الدولیة، وسوف تزداد أهمیتها فی السنوات القادمة، وسوف یتم تکریسها ضمن التیار الرئیسی فی للدراسات الدبلوماسیة والعلاقات الدولیة والتنظیم الدولی[48].

الدبلوماسیة المتخصصة:

وکان من نتائج التحرک السریع نحو الاعتماد المتبادل والعولمة أن أصبحت القضایا التی تتعامل بها الدبلوماسیة متعددة ومتنوعة ذات تخصصات علمیة. ومن هنا، بدأ ظهور ما یسمى بالأنظمة Regimes المختلفة فی المجالات العلمیة والبیئیة المتنوعة. فظهر ما یسمى بنظام التعامل بالنسبة للبحار والمحیطات، ونظام التعامل بالنسبة للتحویلات المالیة، أو أنظمة إنتاج الدواء. ولم تعد الدبلوماسیة فی إطارها السیاسی قادرة على التعامل مع کل هذه القضایا. ومن هنا، ظهرت الدبلوماسیة المتخصصة. ویشیر جوزیف نای، وهو دبلوماسی أمریکی، إلى أن خمس الدبلوماسیین الأمریکیین العاملین فی الخارج فقط من وزارة الخارجیة. أما الآخرون، فمن وکالات ووزارات أخرى. وبالتالی، فإن القضیة الأساسیة أمام  العمل الدبلوماسی هی التنسیق بین هذه الوکالات، والتأکد من عدم تحول ممثلیها إلى وکلاء مستقلین، بحیث یعوق التنسیق الشامل بین هذه المکاتب و الوکالات فی اطار السیاسة العامة للدولة[49].

الدبلوماسیة الاقتصادیة:

لم یعد مفهوم الدبلوماسیة یقتصر على إدارة العلاقات السیاسیة بین الدول فحسب، بل اتسع لیشمل مجالات عدة، أهمها العلاقات الاقتصادیة والثقافیة.

ففی ظل التغیر فی طبیعة النظام الدولی وبیئة الأعمال، والتداخل المباشر والتأثیر المتبادل بین السیاسة والاقتصاد، وتزاید أهمیة الأخیر کونه المحرک الأول للعولمة، تزایدت أهمیة الدبلوماسیة الاقتصادیة بالنسبة لجهاز الخدمة الخارجیة. ومن الصحیح أنّ الدبلوماسیة الاقتصادیة لیست جدیدة، حیث ظهرتفیالولایاتالمتحدةفیفترةالرئیسالأمریکی ثیودور روزفلت(1901-1909)، وسُمیتآنذاکبدبلوماسیة الدولار، إلا أنّ العولمة ساهمت فی تصاعد أهمیتها[50]، بل وغدت أحد أعمدة السیاسة الخارجیة لأی دولة. بل ویرى أحد الدبلوماسیین السابقین أنّ "الدبلوماسیة الاقتصادیة والتکنولوجیة تتزعمان الدبلوماسیة العالمیة خاصة فی ظل سیادة نظام العولمة٬ إذ لم تعد أغلبیة المفاوضات ذات طابع سیاسی. وتخلت الدبلوماسیة السیاسیة عن دورها لفائدة الدبلوماسیة الاقتصادیة والتقنیة"[51].

وقد أصبحت الدبلوماسیة الاقتصادیة ودبلوماسیة الأعمال Economic and Business Diplomacy موضوعاً أساسیاً فی تدریب موظفی جهاز الخدمة الخارجیة فی معظم الأکادیمیات الدبلوماسیة فی العالم[52]. وأحیاناً یُطلق علیها الدبلوماسیة التجاریة Commercial Diplomacy؛ لأنّها دبلوماسیة بذراعٍ تجاری. وتُشیر الدبلوماسیة الاقتصادیة إلى استخدام الأدوات الاقتصادیة للدولة لتحقیق المصالح القومیة، وتُشیر أحیاناً إلى فن خدمة الأمن الاقتصادی والمصالح الاستراتیجیة للدولة باستخدام الأدوات الاقتصادیة؛ وهی مصممة للتأثیر فی سیاسات الحکومات الأجنبیة والمنظمات الدولیة وقراراتها التی تؤثر فی التجارة والاستثمار. وهناک وجهان للدبلوماسیة الاقتصادیة، هما- تعزیز العلاقات الدولیة بدفع الاقتصاد، وتعزیز الاقتصاد بالعلاقات الخارجیة. وتهدف الدبلوماسیة الاقتصادیة إلى تعزیز تجارة الدولة الخارجیة: زیادة معدلات وحجم التبادلات التجاریة وتنمیة الصادرات، والترویج للمصالح الاقتصادیة وتمکین أعمال/شرکات الدولة فی الأسواق الخارجیة، وجذب الاستثمارات الأجنبیة والتکنولوجیا وتشجیع السیاحة، وتعزیز النمو الاقتصادی ودعم جهود التنمیة الاقتصادیة، وبناء علاقات اقتصادیة مع الکتل الاقتصادیة الدولیة/ بناء التحالفات الاقتصادیة، ومعالجة الصراعات الاقتصادیة[53].

ویُطلق على الدبلوماسیین الاقتصادیین أحیاناً "مستشارون تجاریون"، یمکن أنْ یُوصفون بأنّهم مسهلواْ أعمال أو مبادرون فی مجال الأعمال. ومطلوبٌ منهم أن یمهدواْ الطریق لشرکات بلدانهم فی الخارج، ومهمتهم تذهب أبعد من مجرد التشبیک networking. فهم فی حاجة إلى التفکیر وفقاً لاستراتیجیة الشرکة، أو على الأقل یجب أن یکون لدیهم تفکیر معمق عن الصادرات والاستثمار وأنماط الدخول إلى الأسواق وأسعار الصرف وتحلیل الأسواق...إلخ. وهذاْ یعنی معرفة قویة بالأعمال الدولیة.

توسیع آفاق الدبلوماسیة:

ومن أهم الأثار الناجمة عن العولمة هو توسیع آفاق الدبلوماسیة، وزیادة تعقیدها. فأولاً، أدت العولمة إلى إزالة الحواجز بین السیاسة الداخلیة والخارجیة؛ بشکلٍ یجعل الوظیفة الدبلوماسیة تتحرک على المسرحین الداخلی والخارجی فی نفس الوقت[54]. فمعظم القضایا الخارجیة فی عصر العولمة أصبحت لها أبعاد داخلیة، ولها مؤیدین ومعارضین من الداخل. وثانیاً، زادت أهمیة تشابک القضایا issue linkages؛ فمثلاً قضیة تغیر المناخ لها مضامین تتعلق بحقوق الإنسان، وسیاسة الأمن الإقلیمی لها مضامین تتعلق بالدیمقراطیة، والحوکمة له مضامین تتعلق بالسلام والاستقرار[55]. وثالثاً، برزت قضایا جدیدة على أجندة الدبلوماسیة مع العولمة، مثل تغیر المناخ وانتشار الأمراض والأوبئة والتشابکیة المتزایدة فی الاقتصاد الدولی، وأزمة اللاجئین، والإرهاب والجریمة الدولیة، والإقلیمیة...إلخ. ورابعاً، جعلت العولمة جزءاً کبیراً من السکان مهتماً بالممارسات الدبلوماسیة ومنخرطاً فیها[56].

   ومن هنا، أصبح من المهم أنْ ندرس الدبلوماسیة لیست فقط أفضل الطرق للمفاوضات مع الطرف الآخر، وإنما أیضاً أن تدرس ماذا سیحدث فی الداخل حالة الوصول لاتفاقیة، وخصوصا السؤال الرئیسی: من سیدفع الثمن ومن سیستفید ومن سیسیطر داخلیا؟[57] وتدخل قضایا متعددة فی هذا الاطار المتشابک مع  السیاسات الداخلیة سواء قضایا العمالة  فی الخارج أو قضایا النقل البحری والجوی أو القضایا المرتبطة بتسهیلات السفر والسیاحة.

 

ثالثاً- الدبلوماسیة والنظام الدولی فی عصر العولمة:

إنّ الرؤیة الدبلوماسیة للنظام الدولی، والتی تقترب من الممارسة أکثر من التنظیر، ترى النظام الدولی ذی مستویاتٍ أربع: المستوى الثنائی بین الدول، المستوى الإقلیمی، مستوى المنظمات والنظم regimes الدولیة، ثم المجتمع الدولی ککل.

وینظم النظام الدولی عدة مستویات من القواعد والقوانین، بعضها جزء من القوانین والقواعد الوطنیة المحلیة، وبعضها قواعد دولیة عامة، وبعضها قواعد خاصة، وهناک حالات لیس لها قواعد إلى الآن. کذلک، فإنّ النظام الدولی یحمل فی داخله أیضاً إطاراً مختلفاً لتوزیع القوى. ومن ثم، یکون على الممثل الدبلوماسی أن یتحرک ما بین المجالین: النظام القانونی وإطار توزیع القوى؛ کی یحقق أهداف دولته خلال المفاوضات والمساومات والتفاهمات[58].

أ‌.    العلاقات الثنائیة:

ثمة نوعان من الموضوعات التی تحرک الدبلوماسیة فی القرن الحادی والعشرین، أولهما یتعلق بالأجندة التقلیدیة التی ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادی. وثانیهما یتصل بالأجندة الجدیدة، التی تتبنى قضایا أصبحت ذات أهمیة کبیرة، ومنها قضایا المناخ ومکافحة الجریمة والإرهاب والتعاون التکنولوجی وغیرها[59].

وسواء أخذنا بالتقسیم الذی عرضه کیسنجر، أو أخذنا بالتقسیم الذی قدمه نای، فإنّ التحرک الدبلوماسی فی کل دائرة لابد وأن یأخذ فی اعتباره احتیاجات واهتمامات الدولة التی یعمل بها الدبلوماسی. فالمجتمعات، کما یقول کینسجر، "توجد فی التاریخ قبل أن توجد فی الجغرافیا"[60]. وهذا یعنی أنّ الإطار التاریخی للمجتمع والسیاق السیاسی والجیوبولیتیکی للدولة یحدد اهتماماتها وانتماءاتها وقیمها وأهدافها.

وطبقاً لتقسیم کیسنجر لدول العالم، فإنّ التعاون مع دول الدائرة الأولى (أوروبا والولایات المتحدة والیابان)، یمکن أن یرتکز على تحکیم القانون الدولی من ناحیة، والمنطق الاقتصادی البراجماتی من ناحیة أخرى. کما یجب أن یستفید من مجالات التحرک فی المجتمع المفتوح للاتصال، لیس فقط بالمؤسسات الحکومیة وإنما أیضا بالمجتمع ککل. کذلک یکون من المهم تفهم الصراعات داخل الحکومات والإدارات، سواء کان بسبب التنافس على الأدوار، أو الصراع بین المؤسسات البیروقراطیة التی تشترک فی صنع السیاسة الخارجیة. ویجدر بالدبلوماسیة أنْ تکون حساسة للصراعات الناشئة والاتجاهات العدائیة بین دول ومجتمعات الدائرة الثانیة (دول آسیا).کذلک یکون من المهم تفهم النظام السیاسی الداخلی، وطبیعة الصراع بین القوى السیاسیة داخل الإطار السیاسی والبیروقراطی بمعنى الصراع بین مؤسسات بیروقراطیة داخل الحکومة نفسها.

وفی التعامل مع الشرق الأوسط، الدائرة الثالثة، فإنّ القضیة المحوریة کانت دائماً الصراع العربی-الإسرائیلی. وکان هناک تصور لدى الغرب أنّ الدبلوماسیة فی الشرق الأوسط هی دبلوماسیة القضیة الواحدة؛ فالدبلوماسی لابد أن یتحدث عن هذه القضیة فی کل مجال. بید أنّ التطورات الأخیرة أدت الى تعدد بنود الصراع فی منطقة الشرق الأوسط، سواء الصراعات الداخلیة فی عددٍ من الدول العربیة، أو المشکلات المتعلقة بالمیاه الإقلیمیة واکتشافات الغاز والبترول، إلى المشکلات الاقتصادیة والأزمات المختلفة التی تواجه هذه المجتمعات. وفی أفریقیا (الدائرة الرابعة فی تقسیم کیسنجر)، تکون قضیة التنمیة، وحل مشاکل الفقر والمرض أهم محور لتحرک الدبلوماسی، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادی والسیاسی[61].

لکن فی إدارة العلاقات الثنائیة، تظهر أربعة ملاحظات مهمة تتعلق بتطور مفهوم القوة فی العلاقات الدولیة. أولها- أنّ مفهوم القوة قد تحرک من استخدام المقدرات العسکریة والاقتصادیة، أو القوة الصلدة، إلى استخدام القوة الناعمة Soft Power. ویعتمد هذا النمط من القوة على القدرات الدبلوماسیة والثقافیة والإعلامیة التی تمتلکها الدولة، وعدالة أو شرعیة السیاسات الخارجیة التی تتابعها، وجاذبیة النموذج (الاقتصادی أو السیاسی) الذی تطرحه، وقدرتها على الاندماج الدولی، وصنع صورة دولیة إیجابیة لذاتها کمثال یحتذى فی مجالات التنمیة الاقتصادیة والتقدم التکنولوجی والعمل الإنسانی، ودعم الشرعیة الدولیة.وثمة اعتراف واسع النطاق بین الدارسین والممارسین على السواء بتزاید أهمیة وفعّالیة عناصر القوة الناعمة على حساب أدوات القوة الصلدة فی تحقیق أهداف الدولة، وفی تنفیذ السیاسات الخارجیة للدول فی العالم بشکلٍ عام[62]. وهنا یکون دور الدبلوماسی فی تحدید عناصر القوة الناعمة لدولته، واستخدامها أفضل استخدام من خلال الأطر الثقافیة والحضاریة، مرتبطة بالتعاون الاقتصادی والتکنولوجی. ویأخذ الدبلوماسی فی الحسبان أنّ القسم الأکبر من إمکانیات القوة الناعمة لیست تحت سیطرة الحکومة أو من إنتاجها، وإنما من إنتاج المجتمع المدنی[63].

ویتصل بمفهوم القوة الناعمة مفهومان على قدرٍ کبیر من الأهمیة، وهما- القوة اللاصقة والقوة الحادة. وفی ظل تصاعد أهمیة القوة الناعمة فی عالم الیوم، قدّم البعض مفهوم "القوة اللاصقة Sticky Power" أو قوة الجذب/الانجذاب الاقتصادی. والعلاقة بین القوة الناعمة ونظیرتها اللاصقة واضحةٌ بالدلیل؛ فالقوة الاقتصادیة تتشکل جزئیاً من جاذبیة وإمکانیة تصدیر المبادئ الاقتصادیة[64]. أمّا القوة الحادة Sharp Power، فیقصد بها، طبقاً لـ"کریستوفر ووکر وجیسیکا لودویج"، "الاستخدام الخادع للمعلومات والأنباء لتحقیق أغراض عدوانیة"[65]. وترتبط القوة الحادة أیضاً بالقوة الناعمة؛ فالأخیرة تتحول إلى قوة حادة لو استخدمت الخداع. ویلجأ الدبلوماسیون ووسائل الإعلام، فی الدول الدیمقراطیة والتسلطیة وبصفةٍ خاصة الأخیرة، لمتابعة أهداف السیاسة الخارجیة.

وثانی هذه الملاحظات تتصل بأنّ طبیعة العلاقات بین الدول الکبرى والصغرى تعکس عدم توازن القوى بینها. وهنا تأتی مشکلة أنّ الدول الکبرى قد لا تُطبق قواعد القانون الدولی والدبلوماسی بنفس التفسیر الذی تتبناه الدول الصغرى والمتوسطة. وهنا، تکمن أهمیة أنْ تتعامل الدبلوماسیة من منطقة تشابک الموضوعات Issue Linkage، بمعنى أن الموضوعات التی تکون للدول الصغرى فیها وزن کبیر یمکن أن تکون أداة فی مرحلة المساومات والمفاوضات (مثال ذلک اهتمام الدول الکبرى بتصویت الدول الصغرى فی المنظمات الدولیة فی قضایا اقتصادیة مهمة). ثالثها- أنّ مجال الدبلوماسیة فی التحرک هو فی المساحة الواقعة بین النظام القانونی الدولی والإطار الدولی لتوزیع القوى؛ ما یعنی أنّ الدول الصغرى یمکنها أن تمارس أدواراً أکبر من وزنها العسکری أو الاقتصادی فی قضایا مرتبطة بالأجندة الجدیدة أو القدیمة عندما یکون لها قدرة على المساومة والمفاوضة. رابعها- أنّ العلاقات الدولیة بین الدول فی النهایة علاقات بین مجتمعات. وإذا استطاعت الدبلوماسیة أن تطور من مفهوم تشابک المجتمعات Social Linkage، فإنها تجعل من تحقیق أهدافها أقل صعوبة.

کما أنّ ثورة الإعلام والاتصال أدت إلى استباق وسائل الإعلام العالمیة السفارات فی نقل المعلومات والأحداث والتطورات فی مختلف بلاد العالم٬ وفی استضافة أکبر الخبراء لتحلیلها والتعلیق علیها وفی عرض خلفیاتها التاریخیة بحیث لو وقع انقلاب عسکری مثلا فی دولة افریقیة أو لاتینیة٬ فإنّ وسائل الإعلام تنقل ذلک فوراً وتعلق علیه ولا یبقى لسفارة الدولة المقیمة فی عاصمة دولة الانقلاب إلا أن تضیف جوانب ربما تمس تأثیر هذا الحدث فی علاقة البلدین، ویعنی هذا أنّ جانباً من مهام السفارة المحددة فی معاهدة فیینا للعلاقات الدبلوماسیة لعام ٬1961 وهو إحاطة بلدها بالتطورات والأحداث٬ قد تقلص إلى حدٍ کبیر. وأدت کذلک ثورة الاتصال إلى التأثیر على دور السفارة المنتمیة إلى إحدى بؤر الصراع٬ ما أدى إلى تشابک التعاملات الدولیة ووجود قنوات موازیة للعمل الدبلوماسی، منها مثلا الدبلوماسیة الشعبیة من خلال مؤسسات المجتمع المدنی والوفود البرلمانیة[66].

ب‌.                        العلاقات الإقلیمیة:

یتضمن الإطار الإقلیمی ثلاث مستویات من الأنظمة الإقلیمیة:

   أولاً- النظام الإقلیمی فی إطار منظمة إقلیمیة، کالجامعة العربیة أو مجلس التعاون الخلیجی أو الاتحاد الأوروبی ومنظمة الدول الأمریکیة وغیرها، أو تجمعات إقلیمیة جدیدة تنشأ علی أساس وجود مصالح مشترکة بین مجموعة من الدول تقع فی قارات مختلفة، مثل تجمع المحیط الهندی، والأبک APEC، ومجموعة البریکس BRICS. ویترکز دور المنظمات الإقلیمیة الأساسی فی خلق منبرٍ لمناقشة القضایا الإقلیمیة والعالمیة، وإیجاد إطارٍ للتنسیق بینها وبین أعضائها، وفی تعزیز التعاون السیاسى والأمنى بین دول القارة.

ثانیاً- فی الإطار الاقلیمی أیضاً هناک إطار لتوزیع القوى بین الدول المختلفة؛ وهو ما یجعل الإطار الإقلیمی ینقسم إلى تجمعات منظمة أو غیر منظمة أو غیر مرتبة بین مجموعات من الدول للحفاظ على مصالحها فی مواجهة محاولة الهیمنة من جانب طرف من الأطراف، وتتغیر التحالفات بتغیر الظروف وتغیر القضایا.

ثالثاً- فی الإطار الاقلیمی أیضاً، ینشأ ما یسمى بالمجتمع الاقلیمی الذی یضم منظمات غیر حکومیة وشرکات کبرى ومؤسسات إعلامیة وشبکات مصالح، یمکنها التأثیر على السیاسات الداخلیة والخارجیة للدول. وهناک أیضاً التنظیمات غیر المشروعة التی تستخدم القوة المسلحة أو العنف والإرهاب.

ویکون على الدبلوماسیة أن تأخذ فی اعتبارها هذه المستویات الثلاث من توزیع القوى والأدوار  فی الإطار الاقلیمی، وأنْ تحدد أهدافها وفقا لما یمکن تحقیقه فی هذا الإطار. وقد أدى إنشاء المنظمات الإقلیمیة بکثافة فی العقدین الماضیین إلى تزاید الضغوط على الوظیفة الدبلوماسیة، وأصبحت المنظمات الإقلیمیة تمثل مجالاً مهماً ومؤثراً فی السیاسات الإقلیمیة.

ت‌.                        المنظمات الدولیة:

فی عام 2005، تحدث سفیر الولایات المتحدة السابق فی الأمم المتحدة، جون بولتون، وذکر أنّ الأمم المتحدة کمنظمة لا وجود لها، إنما هی مقر تجتمع فیه الدول، لتقرر ماذا ترید عمله. أی أنّ المنظمة لیس لها دور مستقل، وأنها تلعب الدور الذی یراه الأعضاء. ومن ناحیة أخرى، ظهر من یدافع عن الأمم المتحدة، ویعطی أمثلة على أنّ لها دوراً مستقلاً، بعیداً عن عن تحالفات الدول الأعضاء وصراعاتها.

ومن هذین الجانبین المتناقضین یمکن تحدید الدور الحقیقی للأمم المتحدة. ویمکن القول أنّ الأمم المتحدة أصبح لها دور حقیقی فی المجتمع الدولی، فهی تمثل المجتمع الدولی بشکل عام، وما تعبر عنه قراراتها الصادرة من الجمعیة العامة أو مجلس الأمن یمثل الانجازات الرئیسیة فی المجتمع الدولی. فالأمم المتحدة تلعب أدوارا ثلاثة: فهی فاعل دولی Actor، ومنبر للحوار الدولی، ومصدر Source للقوة والمعلومات وللحضور بالنسبة للدول الصغیرة والمتوسطة. بعبارة أخرى، تقوم الأمم المتحدة بدورٍ جوهری فی النظام الدولی – لیس فقط فی الإطار السیاسی متمثلاً فی مجلس الأمن والجمعیة العامة، التی تمثل منبراً محوریاً لرؤساء الدول فی افتتاح الجمعیة العامة فی کل عام فی سبتمبر، حیث تتبارى رؤساء الدول و وزراء الخارجیة على تقدیم إطارٍ عام  لسیاستهم والدعوة للأفکار والمبادرات الإقلیمیة والدولیة. وأیضاً تلعب الأمم المتحدة دوراً جوهریاً فی المجالات المختلفة للحیاة الدولیة والاقتصادیة والثقافیة والاجتماعیة والمناخیة والعلمیة؛ فمؤتمرات الأمم المتحدة المختلفة فی شتى المجالات من البیئة وحقوق المرأة إلى التنمیة، تمثل زخماً عالمیاً للتحرک نحو أهدافٍ دولیة مشترکة. کما أنّ وکالاتها المتخصصة تلعب دوراً جوهریا فی تطویر التعاون بین الدول فی المجالات السابق ذکرها.

ورغم ذلک، فإنّ هناک فجوة کبیرة بین الأمم المتحدة کإطار فلسفی وقانونی وضع فی المیثاق وتطور بالبیانات المختلفة التی صدرت عن الاجتماع الدولی، والدور الحقیقی الذی تلعبه المنظمة الدولیة، حیث تجد هناک کثیر من الانتقادات للممارسة وعدم الفعالیة.

ث‌.              التحرک الدولی خارج الأمم المتحدة:

تتحرک الدول فی ثلاث مجالات خارج إطار الأمم المتحدة. أولها- فی المفاوضات التی تجد الدول الکبرى أنها تستطیع أن تمارسها لتحقیق أهداف تتوازى مع أهداف الأمم المتحدة، ومنها مفاوضات الدول الخمس دائمة العضویة فی مجلس الأمن زائد ألمانیا (5+1) مع إیران، ومفاوضات الدول الست مع کوریا الشمالیة وغیرها؛ للوصول الى اتفاقیات حول الحد من انتشار الأسلحة النوویة.

      وثانیها- تحرک الدول الکبرى لتحقیق أهداف لا یکون هناک اتفاق علیها فی مجلس الأمن. ومن ذلک تحرک الولایات المتحدة ضد العراق عام 2003 فی إطار ما أسماه الرئیس الامریکی حینذاک – تحالف الراغبین  Alliance of the Willing.

      وثالثها- الاتفاقات المبرمة بین الدول الکبرى المنتجة للتکنولوجیا العسکریة المتطورة لمنع تصدیرها إلى الدول الأخرى. ومثال ذلک نظام تقیید تکنولوجیا الصواریخ The missile technology control regime عام 1987، وهو اتفاق بین ثلاثین دولة على عدم تصدیر تکنولوجیا الصواریخ، وتبعه اتفاق دولی  The international code  على هذا عام 2002 اتفقت علیه 119 دولة[67].

خاتمة:

عمدت هذه الورقة إلى استقراء تأثیر التغیرات فی البیئة الدولیة، وخاصةً العولمة، على الدبلوماسیة، من حیث دورها ووظائفها وأنماطها.

وقد خلص الباحث إلى أنّ هناک العدید من عناصر الاستمرار فی الوظیفة الدبلوماسیة، ولاسیما هدفها الرئیس، ومفاهیمها الأساسیة، وأسسها، والمعضلات الدبلوماسیة التی تواجه الدول، ودور البعثات الدبلوماسیة. وماتزال عملیة التمثیل الدبلوماسی والقنصلی مکوناً أساسیاً فی العلاقات بین الدول. وما فتأت الدبلوماسیة، فی القرن الحادی والعشرین، منشغلة بالأجندة التقلیدیة التی ترتکز على الأمن والتجارة والتعاون الاقتصادی.

ومع ذلک، طرأت عدة تغیرات على الوظیفة الدبلوماسیة فی إطار محاولتها التکیف مع البیئة الجدیدة التی خلقتها عملیة العولمة بأبعادها المختلفة. وتتعلق هذه التغیرات بآلیات الدبلوماسیة، ومجال حرکتها، وآفاقها ودرجة تعقیدها، وإزالة الحواجز بین السیاسة الداخلیة والسیاسة الخارجیة. علاوة على ذلک، زادت أهمیة تشابک القضایا، وبرزت قضایا جدیدة على أجندة الدبلوماسیة، وتنامى دور القوة الناعمة والقوة اللاصقة والقوة الحادة کأدوات للعمل الدبلوماسی.

وقد أفضت التغیرات الدولیة إلى درجةٍ غیر مسبوقة من الشفافیة فی إدارة الشؤون العامة؛ ما یجعل المطلب الخاص بالسریة الدبلوماسیة صعب المنال. کما أفضت هذه التغیرات إلى حلول النموذج الشبکی محل النموذج الرأسی المتمحور حول الدولة فی العمل الدبلوماسی.

والأهم من ذلک، تبلورت أنماط جدیدة من الدبلوماسیة المعاصرة، تجمع بین عناصر الرسمیة وغیر الرسمیة، مثل الدبلوماسیة الافتراضیة، والدبلوماسیة الرقمیة، والدبلوماسیة العامة الجدیدة، والدبلوماسیة الموازیة (أو الدبلوماسیة ما دون مستوى الدولة) والدبلوماسیة التأسیسیة ودبلوماسیة المدن وغیرها. کما تغیرت طبیعة الأنماط القائمة من العمل الدبلوماسی، مثل الدبلوماسیة متعددة الأطراف، والدبلوماسیة المتخصصة، وتصاعدت أهمیة أنماطٍ أخرى، مثل الدبلوماسیة الاقتصادیة والدبلوماسیة الثقافیة.

 

 

[1]Brian Hocking, Jan Melissen, Shaun Riordan and Paul Sharp, Futures for Diplomacy: Integrative Diplomacy in the 21st Century (Netherlands: Netherlands Institute of International Relations ‘Clingendael’, 2012).
[2]David Collier, “Understanding Process Tracing,” Political Science & Politics 44, no. 4 (2011): 824.
[3]Henry A. Kissinger, Does America Need a Foreign Policy? Toward a Diplomacy for the 21st Century (New York: Simon & Schuster, 2001), 19-25.
[4]G.R. Berridge, Diplomacy: Theory and Practice (New York: Palgrave Macmillan 2010), 33-9.
[5]James N. Rosenau, Turbulence in World Politics: A Theory of Change and Continuity (Princeton: Princeton University Press, 1990), 44-7.
[6]Robert Koehane, and Joseph Nye Jr., Power and Interdependence, (New York: Pearson, 2012), 5-9.
[7]Joseph S. Nye, Jr., "Soft Power and American Foreign Policy", Political Science Quarterly Volume 119 Number 2 (2004), pp. 262-4.
[8]Thomas Friedman, The Lexus and the Olive Tree (New York, NY: Farrar, Straus and Giroux, 1999), 10-11.
[9]Antony McGrew, "Globalization of Global Politics," in Globalization of World Politics. ed. John Baylis and Steve Smith, (New York: Oxford University Press, 1997), 18-20.
[10]Daniele Caramani (ed.), Comparative Politics (New York: Oxford University Press, 2011), 126.
[11] ومن أهم هؤلاء الفاعلین الشرکات متعدیة الجنسیة التی تمارس نفوذاً هائلاً فی السیاسة الدولیة؛ حیث تتجاوز القیمة السوقیة market capitalization لبعضها الناتج المحلی الإجمالی لعددٍ من الدول. وقد ظهر مفهوم جدید یجمع هذه الکیانات العملاقة فی إطار طبقة رأسمالیة دولیة international Capital Class. انظر:
 Akin Iwilade, February 25, 2010 (7:03 p.m.), "The Impact of Globalisation on Diplomacy,"  akiniwilade.blog, February 25, 2010, https://akiniwilade.wordpress.com/?s=diplomacy.
وهناک المنظمات الدولیة الحکومیة منها وغیر الحکومیة، التی تزاید عددها بشکلٍ کبیر فی العقدین الأخیرین، لیصل إلى أکثر من 50 ألف منظمة. وهناک الإعلام الدولی الذی أصبح قوة مؤثرة وفعّالة فی العلاقات الدولیة، وعنصراً مهماً فی حسابات الدبلوماسیة. وقد انتشرت التنظیمات غیر المشروعة التی تستخدم العنف فی العقدین الماضیین، مثل التنظیمات الدینیة الرادیکالیة وجماعات الجریمة المنظمة وشرکات الأمن الخاصة. ضف إلى ذلک، أصبح الحضور الدولی وانخراط الکیانات دون المستوى الوطنی Sub-national Entities، مثل الولایات أو المقاطعات أو الکانتونات أو الإمارات أو الأقالیم، فی العلاقات الدولیة أمراً شائعاً فی عالم یقوم على الاعتماد المتبادل والعولمة، على الرغم من وجود اعتقادٍ کان سائداً بین الدارسین حتى عهدٍ قریب مؤداه أنّ انتهاج هذه الکیانات أنشطة دولیة أو خارجیة هی فکرة خطیرة مستهجنة أو غیر واقعیة. انظر:
 Ayman El-Dessouki, “Paradiplomacy: The International Agency of Regional Governments- A Comparative Study of Some Regions” (Unpublished PhD Dissertation, Cairo University, 2008), p. 12.
[12]Naim Dedushaj, “Between Public Diplomacy and Paradiplomacy: Establishing Kosova's Diplomatic Apparatus,” International Conference “Foreign Ministries: Adaptation to a Changing World,” June 14, 2007, www.diplomacy.edu/Conferences/MFA2007/papers/ dedushaj.pdf, accessed March 20, 2016; David Criekemans, " Regional Sub-State Diplomacy from a Comparative Perspective: Quebec, Scotland, Bavaria, Catalonia, Wallonia and Flanders", The Hague Journal of Diplomacy, Volume 5, Issue 1-2 (2010), pp. 37 – 64.
[13] Henry Kissinger, A World Restored: Metternich, Castlereagh and the Problems of Peace, 1812-1922 (Boston: Houghton Mifflin, 1957).
[14] James T. McHugh, "Paradiplomacy, Protodiplomacy and the Foreign Policy Aspirations of Quebec and other Canadian Provinces," Canadian Foreign Policy Journal 21, no. 3 (July 2015): 8.
[15] American Academy of Diplomacy, First line of Defence: Ambassadors, Embassies, and American Interests Abroad (Washington, DC: American Academy of Diplomacy, 2000).
[16] Koehane and Nye, Power and interdependence, 3.
[17] Stuart Murray, Paul Sharp, Geoffrey Wiseman, David Criekemans, Jan Melissen, "The Present and Future of Diplomacy and Diplomatic Studies," International Studies Review 13, no. 4 (December 2011): 709–28.
[18] Brian Bocking, "Rethinking the New Public Diplomacy", in The New Public Diplomacy: Soft Power in International Relations, edited by Jan Melissen, 28-29. New York, N.Y: Palgrave Macmillan.
[19] The International Consortium of Investigative Journalists, The Panama Papers, APRIL 3, 2016, accessed July 6, 2017,  https://panamapapers.icij.org/
[20] عبد الهادی بوطالب، مسار الدبلوماسیة العالمیة ودبلوماسیة القرن الواحد والعشرین (الدار البیضاء: دار الثقافة، 2004)، ص ص 22-35.
[21] Bocking, "Rethinking New Public Diplomacy," 30-1.
[22] Jan Melissen, " The New Public Diplomacy: Between Theory and Practice", in The New Public Diplomacy: Soft Power in International Relations, edited by Jan Melissen, 24. New York, N.Y: Palgrave Macmillan; Bocking, "Rethinking New Public Diplomacy," 30-32.
[23]Paul Sharp, " Revolutionary States, Outlaw Regimes and the Techniques of Public Diplomacy," in The New Public Diplomacy: Soft Power in International Relations, edited by Jan Melissen, 106-108 (New York, N.Y: Palgrave Macmillan, 2005); Dedushaj, Between Public Diplomacy and Paradiplomacy.
[24] Melissen, "New Public Diplomacy," 3-16.
[25] یرى جان مِلیسان Jan Melissen أنّ الدبلوماسیة العامة الجدیدة هیمنت علیها الدبلوماسیة العامة الأمریکیة بعد أحداث 11 سبتمبر، وتمیزت بتأکیدٍ أقوى على الأمن الدولی والعلاقة بین الغرب والعالم الإسلامی. انظر المجلد الذّی حرّره مِلیسان:
Jan Melissen (editor), The New Public Diplomacy: Soft Power in International Relations, New York, N.Y.: Palgrave Macmillan, 2005.
[26]Melissen, "New Public Diplomacy," 8-11, 22; Alan K. Henrikson, "What Can Public Diplomacy Achieve?," Discussion Papers in Diplomacy, Netherlands Institute of International Relations ‘Clingendael’ 2006, 8-11.
[27]جیفری کمب، "ترامب وهجمات تویتر"، الاتحاد، 13/1/2017.
[28]  بی بی سی عربی، "ترامب: أنا رئیس عصری"، 2 یولیو 2017، http://www.bbc.com/arabic/world-40472628.
[29]جیفری کمب، "ترامب وهجمات تویتر"، الاتحاد، 13/1/2017.
[30] Mathew Ingram, "The 140-character President," Columbia Journalism Review, Fall 2017. Accessed Oct. 24, 2017. https://www.cjr.org/special_report/trump-twitter-tweets-president.php.
[31] جمیل مطر، "أزهى عصور الکذب"، الشروق، 15 فبرایر 2017.
[32] Joseph S. Nye, Jr., "Soft Power and American Foreign Policy", Political Science Quarterly Volume 119 Number 2 (2004);
 عبدالحق عزوزی، "العولمة والدبلوماسیة الموازیة"، الاتحاد، 14 دیسمبر 2010.
[33]Melissen, " The New Public Diplomacy: Between Theory and Practice", pp. 21-22.
[34] Clingendael: Netherlands Institute of International Relations (with Egmont: Royal Institute of International Relations), Digital Diplomacy: Tomorrow’s Practice, Scoping seminar, Brussels, December 11, 2014.
[35]  یستخدم مصطلح "الأقالیم" فی هذه الدراسة غالباً بدیلاً لمصطلحی: الکیانات دون المستوى القومی، والوحدات ما دون الدولة. ویشیر المصطلح هنا إلى الأقالیم دون مستوى الدولة Micro-regions، ولیس إلى الأقالیم فوق مستوى الدولة Macro-regions.
[36] Miguel Santos Neves, "Paradiplomacy, Knowledge Regions and the Consolidation of Soft Power," JANUS.NET e-journal of International Relations 1, No. 1 (Autumn 2010): 12, 18, 24.
[37] Alexander S. Kuznetsov, Theory and Practice of Paradiplomacy: Subnational Governments in International Affairs, (London & New York: Routledge, 2015).
[38] Ivo D. Duchacek, "Perforated Sovereignties: Towards a Typology of New Actors in International Relations," in: Hans Michelmann and Panayotis Soldatos (eds.), Federalism and International Relations: The Role of Subnational Units (Oxford: Clarendon Press, 1990), 16-25; Francisco Aldecoa and Michael Keating, Introduction, in: Francisco Aldecoa and Michael Keating (eds.), Paradiplomacy in Action: The Foreign Relations of Subnational Governments (London: Frank Cass, 1999),vii-x.
[39] Ayman El-Dessouki, Paradiplomacy: The International Agency of Regional Governments- A Comparative Study of Some Regions, Ph. D. Dissertation, Cairo University, 2008, 45-56; David Criekemans, " Regional Sub-State Diplomacy from a Comparative Perspective: Quebec, Scotland, Bavaria, Catalonia, Wallonia and Flanders", The Hague Journal of Diplomacy, Volume 5, Issue 1-2 (2010), 37 – 64.
[40] Duchacek, "Perforated Sovereignties," 27.
[41] Stelios Stavridis and Romain Pasquier, “Linking levels: Re-examining the European Union´s Multi-level Para-diplomacy in a Globalized World,” Paper presented at 3rd GARNET Annual Conference, Bordeaux: 17-20 September 2008.
[42] McHugh, "Paradiplomacy, Protodiplomacy," 7; Martin Lubin, “Perforated Sovereignties in the Americas: The Canada-US Border andthe International Outreach Activities of Quebec,” London Journal Of Canadian Studies, vol. 19 ( 2003/4), p. 22; Michael Keating, “Paradiplomacy and Regional Networking,” Paper presented at Forum of Federations: An International Federalism, Hanover: October 2000.
[43] Duchacek, "Perforated Sovereignties," 27.
[44]Cornago, Paradiplomacy and Protodiplomacy.
[45] Ramón Lohmar Sainz de Vicuňa, "Catalan Paradiplomacy, Secessionism and State Sovereignty: The Effects of the 2006 Statute of Autonomy and the Artur Mas Government on Catalan Paradiplomacy" (Master Thesis, Leiden University, 2015): 10, 41, 48; John W. Slocum, "A Sovereign State within Russia? The External Relations of the Republic of Tatarstan," Global Society: Journal of Interdisciplinary International Relations, vol.13, no. 1(1999), pp. 68, 70; Gulnaz Sharafutdinova, “Paradiplomacy in the Russian Regions: Tatarstan's Search for Statehood, ” Europe-Asia Studies, vol. 55, no. 4 (2003), pp. 616-18, 623-26; Ian Bache and James Mitchell, "Globalisation and UK Regions: The Prospects for Constituent Diplomacy," Paper presented at the European Consortium for Political Research/ ECPR Joint Sessions of Workshops, no. 23, 26-31 March 1999.
[46] McHugh, "Paradiplomacy, Protodiplomacy," 7; Ramón Lohmar Sainz de Vicuňa, "Catalan Paradiplomacy, Secessionism and State Sovereignty: The Effects of the 2006 Statute of Autonomy and the Artur Mas Government on Catalan Paradiplomacy" (Master Thesis, Leiden University, 2015): 41, 48.
[47] Kuznetsov, Theory and Practice of Paradiplomacy.
[48]هناک بعض الدراسات التی تقدم الدبلوماسیة الموازیة کونها استثمار مستقبلی لبعض التنظیمات الإقلیمیة کی تظل ملائمة. انظر:
Ario Bimo Utomo. 2017. "ASEAN After 50: Mainstreaming Paradiplomacy in ASEAN", http://asc.fisipol.ugm.ac.id/asean-50-mainstreaming-paradiplomacy-asean/
[49] Keohane and Nye, Power & Interdependence, 15.
[50] أمیرة البربری، "الدبلوماسیة الصاعدة: ورشة عمل دور الدبلوماسیة الاقتصادیة فی إدارة العلاقات الدولیة"، السیاسة الدولیة، 29 مایو 2014، تاریخ الاطلاع: 11 أکتوبر 2016، http://www.siyassa.org.eg/News/3744.aspx.
[51] بوطالب، مسار الدبلوماسیة العالمیة، ص ص 23-7.
[52] See, for example: “Economic diplomacy and international business”, Brussels Diplomatic Academy, www.vub.ac.be_sites_vub_files_en_BDA_Brochure-BDA-A4-v5 (accessed 30 Nov. 2014); “Diplomatic Training and Courses 2014”, Clingendael Academy, https___interactivepdf.uniflip.com_2_81727_321521_pub_document (accessed 30 Nov. 2014); “Vienna School of International Studies/ École des Hautes Études Internationales de Vienne 2015-16”, Diplomatic Academy of Vienna, https___www.da-vienna.ac.at_jart_prj3_diplomatische_akademie_data_uploads_broschuere_Broschuere_2015-16_DAImage_2015-16 (accessed 30 Nov. 2014).
[53]Sadık ÜNAY, " Economic Diplomacy for Competitiveness: Globalization and Turkey’s New Foreign Policy", PERCEPTIONS, Autumn - Winter 2010, Volume XV, Number 3-4, pp. 21-25; Geza Feketekuty, "Professionalizing Training in Commercial Diplomacy and Building an Institutional Training Capacity in Disadvantaged Countries", Institute for Trade & Commercial Diplomacy, 2014, http://www.commercialdiplomacy.org/articles_news/articles_professionalizing_training.htm.
[54]Neves, "Paradiplomacy, Knowledge Regions," 28.
[55] Akin Iwilade, The Impact of Globalisation on Diplomacy,  akiniwilade.blog, January 21, 2010.
[56] Joseph S. Nye, Jr., "Soft Power and American Foreign Policy", Political Science Quarterly Volume 119 Number 2 (2004), p. 264.
[57] Keohane and Nye, Power and Independence, 39-46.
[58] Iver B. Neumann, Globalisation and Diplomacy, Norweigen Institute of International Affairs, no. 724, 2007.
[59] Keohane and Nye, Power and Interdependence, 3; "A new national partnership," Speech by Secretary of state A. Kissenger at Los Angelos, January 24, 1975. News release, Department of State, Bureau of Public Affairs , Office of Media Services, 1.
[60] Kissenger, A World Restored, 25.
[61] Iwilade, The Impact of Globalisation on Diplomacy.
[62]Joseph Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics ( New York: Public Affairs, 2004); ---, The Powers to Lead (London: Oxford University Press, 2008).
[63] ایمان رجب، "القوة المنافسة:مداخل تحلیل الفاعلین العنیفین من غیر الدول فی المراحل الانتقالیة"؛ خالد حنفی، "اتجاهات نظریة فی تحلیل السیاسة الدولیة"، ملحق مجلة السیاسة الدولیة،عدد ابریل 2013، ص11؛
Joseph Nye, Jr., "Soft Power and American Foreign Policy", 266.
[64] Hocking, "Rethinking the New Public Diplomacy," 34.
[65] Christopher Walker and Jessica Ludwig, "From ‘Soft Power’ to ‘Sharp Power’: Rising Authoritarian Influence in the Democratic World," in Sharp Power: Rising Authoritarian Influence, Juan Pablo Cardenal et al. (Washington, DC: National Endowment for Democracy, 2017).
[66] لبابة عاشور، التطور التاریخى للدبلوماسیة ودور العولمة (الرباط: کلیة الحقوق سلا، 2013).
[67]Balaam, David N, Bradford Dillman; Introduction to International Political Economy, 5th Edition.