نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
کلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة.
المستخلص
نقاط رئيسية
لاتزال العلاقة بین النمو الاقتصادی والحد من الفقر محور لجدل کبیر فی الأدبیات الاقتصادیة، فبینما ذهب البعض إلى وجود علاقة حتمیة بین الإثنین بمعنى أن تحقیق النمو الاقتصادی یؤدی إلى تحسین رفاهة الأفراد والحد من معدلات الفقر، یذهب البعض الآخر إلى أن هذه العلاقة هی علاقة مشروطة بأثر هذا النمو على توزیع الدخل، فإذا صاحب النمو الاقتصادی تغییر أو تحسین فی توزیع الدخل أدى إلى تقلیل الفقر، أما إذا لم یحدث ذلک فیکون تأثیر النمو على الفقر محدوداً.
وتعد القارة الأفریقیة مثالاً صارخاً على إشکالیة العلاقة بین النمو الاقصادی والفقر، فالمتتبع للأداء الاقتصادی للعدید من الدول الأفریقیة فی العقد الأخیر یجد أنها نجحت فی تحقیق معدلات نمو اقتصادی مرتفعة، أعلى حتى من المتوسط العالمی، بل أنها تخطت فی بعض هذه الدول العشرة فی المائة، إلا أن الفقر لایزال هو السمة السائدة فی دول القارة، فمن بین أعلى 30 دولة فی العالم من حیث معدلات الفقر (عدد السکان تحت خط الفقر)هناک 24 دولة أفریقیة. کما یقدر البنک الدولی عدد السکان تحت خط الفقر فی أفریقیا جنوب الصحراء بأکثر من 390 ملیون نسمة یشکلون أکثر من 50% من إجمالی عدد السکان فی أفریقیا جنوب الصحراء.
وتتمثل إشکالیة الدراسة فی تحلیل العلاقة بین تحقیق النمو الاقتصادی والحد من الفقر فی الدول النامیة بالتطبیق على دول حوض النیل، وذلک بهدف الاجابة على تساؤل رئیسی وهو ما إذا کان النمو الاقتصادی المتحقق فی تلک الدول هو نمو الشامل أم لا؟ وما هی محددات هذه العلاقة. وذلک باستخدام تحلیل مغلف البیانات ذو المرحلتین Two Steps Data Envelopment Analysis .
وقد خلصت الورقة إلى أن نجاح دول حوض النیل فی تحقیق معدلات نمو إقتصادی مرتفعة لم یقترن بنجاحها فی خفض معدلات الفقر أو علاج التفاوت فی توزیع الدخل. وأن العوامل الرئیسیة التی أعاقت ذلک هی تدنی مؤشرات التعلیم وارتفاع معدلات النمو السکانی.
النمو الشامل، الفقر، تحلیل مغلف البیانات، النمو الاقتصادی،حوض النیل.
الكلمات الرئيسية
تقییم فعالیة النمو الاقتصادی فی الحد من الفقر فی دول حوض النیل: دراسة تطبیقیة باستخدام تحلیل مغلف البیانات
مستخلص
لاتزال العلاقة بین النمو الاقتصادی والحد من الفقر محور لجدل کبیر فی الأدبیات الاقتصادیة، فبینما ذهب البعض إلى وجود علاقة حتمیة بین الإثنین بمعنى أن تحقیق النمو الاقتصادی یؤدی إلى تحسین رفاهة الأفراد والحد من معدلات الفقر، یذهب البعض الآخر إلى أن هذه العلاقة هی علاقة مشروطة بأثر هذا النمو على توزیع الدخل، فإذا صاحب النمو الاقتصادی تغییر أو تحسین فی توزیع الدخل أدى إلى تقلیل الفقر، أما إذا لم یحدث ذلک فیکون تأثیر النمو على الفقر محدوداً.
وتعد القارة الأفریقیة مثالاً صارخاً على إشکالیة العلاقة بین النمو الاقصادی والفقر، فالمتتبع للأداء الاقتصادی للعدید من الدول الأفریقیة فی العقد الأخیر یجد أنها نجحت فی تحقیق معدلات نمو اقتصادی مرتفعة، أعلى حتى من المتوسط العالمی، بل أنها تخطت فی بعض هذه الدول العشرة فی المائة، إلا أن الفقر لایزال هو السمة السائدة فی دول القارة، فمن بین أعلى 30 دولة فی العالم من حیث معدلات الفقر (عدد السکان تحت خط الفقر)هناک 24 دولة أفریقیة. کما یقدر البنک الدولی عدد السکان تحت خط الفقر فی أفریقیا جنوب الصحراء بأکثر من 390 ملیون نسمة یشکلون أکثر من 50% من إجمالی عدد السکان فی أفریقیا جنوب الصحراء.
وتتمثل إشکالیة الدراسة فی تحلیل العلاقة بین تحقیق النمو الاقتصادی والحد من الفقر فی الدول النامیة بالتطبیق على دول حوض النیل، وذلک بهدف الاجابة على تساؤل رئیسی وهو ما إذا کان النمو الاقتصادی المتحقق فی تلک الدول هو نمو الشامل أم لا؟ وما هی محددات هذه العلاقة. وذلک باستخدام تحلیل مغلف البیانات ذو المرحلتین Two Steps Data Envelopment Analysis .
وقد خلصت الورقة إلى أن نجاح دول حوض النیل فی تحقیق معدلات نمو إقتصادی مرتفعة لم یقترن بنجاحها فی خفض معدلات الفقر أو علاج التفاوت فی توزیع الدخل. وأن العوامل الرئیسیة التی أعاقت ذلک هی تدنی مؤشرات التعلیم وارتفاع معدلات النمو السکانی.
الکلمات المفتاحیة:النمو الشامل، الفقر، تحلیل مغلف البیانات، النمو الاقتصادی،حوض النیل.
مقدمـــة
یعد الحد من الفقر وخفض معدلاته محوراً أساسیاً فی أی سیاسة تنمویة، والذی یتطلب تحقیقه تبنی سیاسات اقتصادیة توازن بین تحقیق النمو الاقتصادی وإعادة توزیع الدخل معاً. ولاتزال العلاقة بین النمو الاقتصادی والحد من الفقر محوراً لجدل کبیر فی الأدبیات الاقتصادیة، فبینما یذهب البعض إلى وجود علاقة حتمیة بین الإثنین، بمعنى أن تحقیق النمو الاقتصادی یؤدی إلى تحسین رفاهة الافراد والحد من معدلات الفقر، یذهب البعض الاخر إلى أن هذه العلاقة هی علاقة مشروطة بأثر هذا النمو على توزیع الدخل، فإذا صاحب النمو الإقتصادی تغییر أو تحسین فی توزیع الدخل أدى إلى تقلیل الفقر، أما إذا لم یحدث ذلک فیکون تأثیر النمو على الفقر محدوداً.
وتعد العلاقة بین النمو الاقتصادی والحد من الفقر جوهر مفهوم النمو الشامل[1] Inclusive Growth الذی نادت به مؤخراً أهداف التنمیة المستدامة فی قمة ریو 2013؛ والذی یشیر إلى تحقیق نمو اقتصادی یصاحب بتوزیع أکثر عدالة للفرص وتخفیض معدلات الفقر وتحقیق العدالة الإجتماعیة. وتعرف منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة OECD النمو الشامل بأنه النمو الاقتصادی الذی یمنح کل شرائح السکان فی المجتمع فرص المشارکة العادلة فی الإستفادة من عوائد أو منافع النمو الاقتصادی النقدیة وغیر النقدیة. کما یعرفه البنک الدولی بأنه النمو الذی یمَکن جموع السکان من المشارکة والاستفادة من عوائده ویؤدی إلى خفض معدلات الفقر، ویکون موزعاً على کافة القطاعات الاقتصادیة للدولة. (Albagoury 2016)
وتمثل القارة الأفریقیة مثالاً صارخاً على إشکالیة العلاقة بین النمو الإقتصادی والفقر، فالمتتبع للأداء الإقتصادی لدول أفریقیا جنوب الصحراء فی العقد الأخیر یجد أنها نجحت فی تحقیق معدلات نمو اقتصادی مرتفعة بلغت فی المتوسط حوالی 4.8% فی الفترة (2004-2016)، وهذا المعدل أعلى حتى من المتوسط العالمی الذی بلغ 3.8% فی نفس الفترة، بل أنه تخطى فی بعض الدول الأفریقیةالعشرة فی المائة، إلا أن الفقر لازال هو السمة السائدة فی دول القارة، فمن بین أعلى 30 دولة فی العالم من حیث معدلات الفقر (عدد السکان تحت خط الفقر) هناک 24 دولة أفریقیة. کما یقدر البنک الدولی عدد السکان تحت خط الفقر فی أفریقیا جنوب الصحراء بأکثر من 390 ملیون نسمة یشکلون أکثر من 50% من إجمالی عدد السکان فی أفریقیا جنوب الصحراء.
وتتناول هذه الورقة تحلیل العلاقة بین الفقر والنمو الاقتصادی فی أفریقیا جنوب الصحراء بالتطبیق على دول حوض النیل، فی محاولة لتحدید إذا ما ارتبط النمو الاقتصادی فی تلک الدول بتحسن فی توزیع الدخل وخفض معدلات الفقر وتحقیق ما یعرف بالنمو الشامل؛ أم خلافاً لذلک صاحب النمو تدهور فی توزیع الدخل أضعف أو حتى قلب أثر النمو فی خفض معدلات الفقر. وذلک من خلال عرض الدراسات والأدبیات النظریة والتطبیقیة التی تناولت العلاقة بینهما ثم عرض مؤشرات النمو الاقتصادی والفقر فی دول حوض النیل خلال الفترة محل الدراسة. یلی ذلک تحلیل للعلاقة بین النمو والفقر باستخدام تحلیل مغلف البیانات ذو المرحلتین حیث یتم فی المرحلة الأولى قیاس کفاءة النمو الإقتصادی فی الدول محل الدراسة ویلی ذلک تحدید أهم العومل التی تؤدی إلى تفاوت معدلات الکفاءة بین تلک الدول.
وتکمن أهمیة هذه الدراسة فی نقطتین رئیسیتین: تتمثل أولاهما فی أهمیة الموضوع فی حد ذاته خاصة فی القارة الأفریقیة والتی لایزال الفقر یشکل معضلة حقیقیة فیها بالرغم من تحسن أداء دولها الإقتصادی. أما الثانیة فتتعلق بالمنهجیة المستخدمة فی الدراسة والمتمثلة فی استخدام تحلیل مغلف البیانات ذو المرحلتین والذی تم توظیفه فی هذه الورقة فی تحلیل فعالیة النمو الاقتصادی فی الحد من الفقر، کأسلوب جدید لتناول هذه الإشکالیة، فبعکس طرق تحلیل الإنحدار العادیة والتی تعطی متوسطات عامة عن تقدیر مرونة الفقر للنمو الاقتصادییتمیز هذا الأسلوب بکونه یتیح المجال للمقارنة بین الدول محل الدراسة وتحدید الدول الأفضل أدائاً وأبرز أوجه القصور فی الدول التی لم تنجح فی استغلال النمو الاقتصادی المحقق فی الحد من الفقر، ثم فی المرحلة التالیة أسباب أو العوامل المؤدیة لهذه الإختلافات.
أولاً : العلاقة بین النمو الاقتصادی والحد من الفقر:
الإطار النظری والدراسات التطبیقیة:
ظهرت العلاقة بین النمو الاقتصادی والتغیر فی توزیع الدخل ومن ثم معدلات الفقر لأول مرة فی کتابات الاقتصادیین المنتمین إلى المدرسة النیوکلاسیکیة. فوفقاً للنظریة النیوکلاسیکیة فإن النمو الإقتصادی عبارة عن عملیة مترابطة ومتکاملة، حیث یؤدی نمو قطاع معین إلى دفع القطاعات الإقتصادیة الأخرى فی الدولة إلى النمو من خلال علاقات التشابک الأمامی والخلفی بین هذه القطاعات، وهو ما عرفه مارشال بالوفورات الخارجیة. وبذلک، فالنمو الاقتصادی یؤدی إلى نمو فئات الدخل المختلفة فی مختلف القطاعات ولیس القطاع المسئول عن النمو فقط. إلا أن بدایة دراسة العلاقة بین النمو الاقتصادی والفقر بصورة تفصیلیة کانت فی إطار ما عرف بفرضیة کوزنتز[2]. وتذهب هذه الفرضیة إلى أن النمو الاقتصادی یرتبط بالتفاوت فی توزیع الدخل ومن ثم الفقر فی علاقة على شکل حرف (U) المقلوب، حیث تتراجع عدالة توزیع الدخل فی المراحل الأولى للنمو الاقتصادی نتیجة ترکز المدخرات فی الفئات ذات الدخل الأعلى، ثم تبدأ فی التحسن عندما یرتفع معدل النمو. وهو ما یرجع أساساً إلى عاملین: الأول؛ ترکز المدخرات فی البدایة مع فئات الدخل العلیا والتی تحولها إلى أصول قابلة للاستثمار، لیتمکن هؤلاء من الاستحواذ على الحصة الأکبر من دخول تلک الأصول والممتلکات مقارنة بالفئات الأخرى. أما العامل الثانی؛ فیتمثلفی التغیر الهیکلی فی اقتصاد الدول مع تطورها وتحولها إلى الاقتصاد الصناعی حیث تنتقل العمالة من القطاعات منخفضة العائد والإنتاجیة (الزراعة) إلى قطاعات أعلى دخلاً (الصناعة). وبالتالی فآلیات السوق الحرة وإن کانت تنزع فی البدایة إلى عدم المساواة وترکز الثروات، إلى أنها ما تلبث أن تصحح هذا الوضع مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادی (السید 2015).
هناک أیضاً نموذج لویس Lewis عام 1954، والذی یرى أن العلاقة بین النمو الاقتصادی وتوزیع الدخل تمر بمرحلتین (بافتراض وجود قطاعین قطاع زراعی تقلیدی وقطاع صناعی متقدم)، تتسم المرحلة الأولى بإرتفاع التفاوت فی توزیع الدخل لبقاء أجور العمالة ثابتة، فی حین ترتفع أرباح الرأسمالیین نتیجة انتقال العمالة من قطاع الزراعة إلى قطاع الصناعة بنفس الأجر. أما المرحلة الثانیة للنمو الاقتصادی فتتسم بانخفاض التفاوت فی توزیع الدخل نتیجة ارتفاع أجور العمالة، بسبب انخفاض عرض العمل فی القطاع التقلیدی، وبالتالی انخفاض أرباح الرأسمالیین، ومن ثم تنخفض معدلات النمو الاقتصادی، إلا أن التقدم التکنولوجی یؤدی مرة أخرى إلى زیادة الأرباح رغم ارتفاع الأجور، وبالتالی یستمر النمو، ومن ثم، یتحسن توزیع الدخل وینخفض الفقر. (Kanbur 2000)
على صعید آخر، ذهبت العدید من الکتابات الاقتصادیة إلى أن المحدد الرئیسی للعلاقة بین النموالاقتصادی والحد من الفقر هو الهیکل القطاعی لهذا النمو. فأثر نمو القطاعات الاقتصادیة بالدول النامیة على معدلات الفقر فی هذه الدول لیس متماثلاً، بل إن هذا الأثر یعتمد على مساهمة هذا القطاع فی التشغیل والإعالة وعلى إمکانیة انتقال العمالة من القطاعات الأخرى إلیه، وبالتالی إستفادة عدد أکبر من الأفراد من هذا النمو وتحقیق خفض أکبر لمعدلات الفقر. (Suryahadi 2009)
هناک أیضاً نظریة التساقط Trickle downالتی سادت کتابات التنمیة الاقتصادیة فی الخمسینیات والستینات، وهی تشیر إلى ضرورة تبنی الدول الساعیة إلى تحقیق التنمیة الاقتصادیة لنماذج نمو اقتصادی تنتقل ثمارها من الطبقات الغنیة إلى الطبقات الفقیرة فی المجتمع من خلال زیادة إنفاق واستثمار الطبقات الغنیة التی تستفید من النمو أولا. وبذلک فإن العلاقة بین النمو الاقتصادی والفقر –وفقاً لهذا التحلیل- هی علاقة غیر مباشرة، إلا أن عدم حدوث الأثر أو هذا الانتقال یؤدی إلى اتساع الفجوة بین الاغنیاء والفقراء ویخلف نموذجا للنمو یتسم بالتفاوت الشدید فی توزیع الدخل وتنامی الفقر فی الدولة وهو ما اطلق علیه مصطلح النمو البائس[3] (Bhagwati 1988).
ومع تزاید الاهتمام العالمی بقضیة الفقر، ظهر مفهوم النمو المحابی للفقراء[4] ، والذی یشیر إلى ذلک النمو الاقتصادی الذی یحسن من وضع الفقراء أو الذی یستفید منه الفقراء بصورة تفوق استفادة غیر الفقراء، وبالتالی فهو النمو الذی یصاحب بتوزیع أفضل للدخل (علی 2009). وهنا تجدر التفرقة بین النمو الاقتصادی المحابی للفقراء فی صورتیه المطلقة والنسبیة. فالنمو المحابی للفقراء بشکل مطلق یعنی النمو الاقتصادی الذی یحقق استفادة مطلقة أعلى للفئات الفقیرة. أما النسبی فهو النمو الاقتصادی الذی یجعل دخول الفئات الفقیرة تنمو بشکل أسرع من الفئات الأخرى فی المجتمع بمعنى أنه یستهدف أساساً هذه الفئات.
ومؤخراً ظهر مفهوم أکثر شمولاً للنمو الاقتصادی وهو النمو الاقتصادی الشامل (أو الاحتوائی) والذی یتعدى قضیة الفقر والمساواة فی توزیع الدخال لیشمل غیرها من قضایا المساواة والحد من التفاوت بین فئات المجتمع المختلفة سواء وفقاً للنوع أو أو الهویة أو العرق...إلخ. بالاضافة إلى الأبعاد الجتماعیة مثل تحسن مؤشرات التعلیم والصحة، وکذلک البعد الخاص بالحفاظ على البیئة، بصورة تساعد فی النهایة إلى تحقیق نمو مستدام (Lundstrom 2009).
وبشکل عام یمکن القول أن مع تأکید معظم الدراسات الاقتصادیة إلى أن النمو الاقتصادی یساعد فی الحد من الفقر، فإن الاختلاف مازال قائماً حول حجم هذا التأثیر ومحدداته. وفی هذا الإطار یمکن تقسیم أثر النمو الاقتصادی على الحد من الفقر إلى تأثیرین منفصلین: الأول هو الأثر المباشر للنمو على متوسط دخل الفرد فی الدولة وبالتالی على معدلات الفقر، فیما یطلق علیه أثر النمو Growth Effect. والثانی:هو أثره غیر المباشر من خلال أثر النمو الاقتصادی على هیکل توزیع الدخل فی الدولة وهو ما یطلق علیه أثر التوزیع (Missehorn 2006). وهو ما یمکن توضیحه بالشکل التالی:
و یوضح الشکل التالی أنه مع ارتفاع متوسط الدخل أو الدخل النسبی ینتقل منحنى توزیع الدخل أفقیاً من (أ) إلى (ب) مما یترتب علیه انخفاض معدلات الفقر بالجزء الموضح فی الشکل، أما إذا ما اقترن هذا النمو بتحسن فی توزیع الدخل فبالإضافة إلى انتقال المنحنى أفقیاً فإن شکل التوزیع یختلف لیأخذ شکل المنحنى (ج) مؤدیاً إلى خفض أکبر فی معدلات الفقر.
|
|
أما فیما یتعلق بالدراسات التطبیقیة، فقد اتفق معظمها على وجود أثر معنوی للنمو الإقتصادی على الفقر وإن تباینت قوة هذا الأثر بإختلاف الحالات المدروسة. وقد اعتمدت هذه الدراسات فی تقدیرها للعلاقة بین معدلات الفقر والنمو الاقتصادی على تحلیل الانحدار وذلک لتقدیر ما یعرف بمرونة الفقر للنمو الاقتصادی؛ بمعنى التغیر الذی یطرأ على معدلات الفقر کنتیجة للتغیر فی معدلات النمو الاقتصادی فی الدول محل الدراسة بـ 1%. ففی دراسة (Adams 2004)، حاول الباحث تقدیر أثر النمو الإقتصادی على الفقر فی الدول النامیة، وذلک بالتطبیق على 60 دولة نامیة. من خلال تحلیل الانحدار لتقدیر مرونة الفقر للتغیر فی الناتج المحلی الاجمالی.وقد وجدت الدراسة أن النمو الإقتصادی کان له أثر معنوی على تقلیل معدلات الفقر فی الدول محل الدراسة، حیث بلغت مرونة الفقر - بعد تحیید أثر عدالة توزیع الدخل- حوالی (- 2.79) بمعنى أن نمو الناتج المحلی الإجمالی بـ 10% یؤدی إلى انخفاض معدلات الفقر بحوالی 28%. فی حین قدرت دراسة (Bruno 1998) مرونة الفقر للنمو الاقتصادی بحوالی (- 2.12) أی أن تحقیق نمو اقتصادی 10% یؤدی إلى خفض معدلات الفقر بحوالی 21.2%، وذلک باستخدام بیانات عشرین دولة نامیة للفترة (1984-1993). وفی تقریر للبنک الدولی (World Bank 2002) عن إمکانیة تخفیض معدلات الفقر اتساقاً مع الأهداف الانمائیة، کشفت الدراسة إلى أن تخفیض معدلات الفقر من 23% إلى 14% یستلزم رفع معدل نمو نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی فی الدول النامیة إلى حوالی 3.6% سنویاً بواقع 70% زیادة إجمالیة للفترة من 2000 إلى 2015.
هناک أیضاً دراستا (اللیثی 2006) و (بورجونیون 2005) عن تفسیر النمو الاقتصادی فی مصر وتحدید مصادره وربطه بمعدلات الفقر فی الفترة من 1990 إلى 2004، وذلک فی محاولة لتحدید ما إذا ارتبط النمو الاقتصادی بتحسن فی توزیع الدخل بحیث أدى کلاهما معاً إلى خفض معدلات الفقر بصورة معنویة، أم خلافاً لذلک صاحب النمو تدهور فی توزیع الدخل. فقد خلصت الدراستان إلى أن الحد من الفقر یستلزم المزج بین سیاسات تحقیق النمو الاقتصادی وسیاسات إعادة توزیع الدخل، وبما یتناسب مع خصوصیات کل دولة ومصادر النمو الاقتصادی فیها. فالنمو الاقتصادی والحد من الفقر وإعادة توزیع الدخل هی أهداف غیر متعارضة ویمکن تحقیق التوازن بینها من خلال السیاسات الضریبیة وبرامج الدعم وإعادة توزیع الأصول بین کل من النمو الاقتصادی وعدالة توزیع الدخل.
أما عن الدراسات التی تناولت العلاقة بین النمو الاقتصادی والفقر فی أفریقیا،ففی دراسة (Khan 1999) عن العلاقة بین النمو والفقر فی جنوب أفریقیا، أکد الباحث على أن المحدد الرئیسی لقوة العلاقة بین النمو الاقتصادی والفقر هو الهیکل القطاعی لهذا النمو، فنمو القطاع الزراعی وقطاع الخدمات أکثر ارتباطاً بتقلیل الفقر من نمو قطاع الصناعة.
أما فی دراسة (Fosu 2008) عن أثر النمو الاقتصادی على معدلات الفقر فی أفریقیا جنوب الصحراء ومقارنته بالدول غیر الأفریقیة فی الفترة (1977-2004) إستناداً إلى بیانات 85 دولة: 24 دولة أفریقیة و61 غیر أفریقیة. توصل الباحث أن النمو الاقتصادی یؤدی إلى انخفاض معدلات الفقر إلا أن قوة هذا التأثیر تختلف من دولة إلى أخرى وفقاً لعاملین: مستوى التفاوت فی توزیع الدخل، ومستوى الدخل فی بدایة الفترة. حیث یقل تأثیر النمو الاقتصادی على الفقر کلما ارتفعت مستویات التفاوت فی توزیع الدخل. کذلک یکون تأثیر النمو أکبر فی الدول ذات مستویات الدخل الأعلى. وبمقارنة مرونة الفقر للنمو الاقتصادی فی الدول الأفریقیة وغیر الأفریقیة وجد الباحث أنها أقل فی أفریقیا حیث بلغت فی المتوسط (-1.1) فقط فی الدول الأفریقیة مقارنة بحوالی (-3) فی الدول غیر الأفریقیة. کذلک أشار الباحث إلى وجود تفاوتات کبیرة فی مرونة النمو الاقتصادی بین الدول الأفریقیة محل الدراسة حیث تراوحت هذه المرونة من (-0.63) إلى (-1.41) وقد أرجع الباحث هذا التفاوت إلى إختلاف مستویات التفاوت فی توزیع الدخل بین تلک الدول.
وفی دراسة (Fosu, 2008)بالتطبیق على بیانات الریف والحضر فی 16 دولة أفریقیة خلال الفترة (1990-2000) ، قدر الباحث مرونة النمو الاقتصادی للفقر بما یتراوح بین (-0.02،) إلى (-0.68). وأن المحدد الرئیسی لهذه المرونة هو أیضاً مستوى التفاوت فی توزیع الدخل، حیث وجد الباحث أن ارتفاع قیمة معامل جینی بنقطة مئویة واحدة یؤدی إلى انخفاض فعالیة النمو الاقتصای فی الحد من الفقر بحوالی 1.9 نقطة مئویة.
ثانیاً: مؤشرات النمو الاقتصادی والفقر فی دول حوض النیل:
یضم إقلیم حوض النیل إحدى عشر دولة تغطی مساحة 3.135 ملیون کم2. هذه الدول هی: مصر، السودان، جنوب السودان، بوروندی، الکونغو الدیموقراطیة، إریتریا، إثیوبیا، رواندا، أوغندا وتنزانیا.
فیما یتعلق بالناتج المحلی الإجمالی، فتحتل مصر المرتبة الأولى من حیث نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی والذی بلغ عام 2016 حوالی 3436 دولار ، یلیها السودان 2682 دولار. أما أقل دول حوض النیل فقد کانت الکونغو الدیموقراطیة وبورندی حیث بلغ نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی حوالی 512 دولار و251 دولار. أما فیما یتعلق بالنمو الاقتصادی فقد حققت إثیوبیا أعلى معدلات النمو فی نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی الحقیقی والذی بلغ حوالی 7.6% عام 2017 ، یلیها تنزانیا بحوالی 3.86% فی نفس العام، ثم رواندا وکینیا ومصر والتی حققت معدل نمو حقیقی بلغ 3.53% و2.26% و2.19% على التوالی. فی حین حققت کلا من بوروندی وجنوب السودان معدل نمو سالب وذلک کما یتبین من الشکل رقم (3).
شکل رقم (2): نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی فی دول حوض النیل لعام 2017 (دولار)
شکل رقم (3):معدل نمو نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی فی دول حوض النیل لعام2017
|
ویساهم قطاع الزراعة فی إنتاج أکثر من 20% من الناتج المحلی الإجمالی لدول حوض النیل مجتمعة، إلا أن هذه النسبة تتفاوت من دولة إلى أخرى داخل الإقلیم. حیث یساهم قطاع الزراعة بقرابةـ 40% من الناتج المحلی الإجمالی فی رواندا وإثیوبیا، وأکثر من الثلث فی السودان ورواندا وکینیا وتنزانیا، وحوالی الربع فی أوغندا، و حوالی 11% فقط فی مصر.
شکل رقم (4): توزیع الناتج المحلی الإجمالی على القطاعات الاقتصادیة الرئیسیة لعام 2016(%)
|
ویعد الفقر سمة رئیسیة فی أغلب دول حوض النیل حیث یعیش أکثر من 40% من سکان حوض النیل تحت خط الفقر الوطنی، وتتجاوز نسبة الفقراء هذا المعدل فی ستة من دول الإقلیم، بل أنها تتجاوزـ 60% فی ثلاث دول: الکونغو الدیموقراطیة وإریتریا وبوروندی. وتزداد حدة الفقر فی المناطق الریفیة عن مناطق الحضر، حیث تصل نسبة السکان تحت خط الفقر فی المناطق الریفیة فی کل من بوروندی والکونغو الدیموقراطیة إلى 81.3% و 87.7% على التوالی. (Akol 2016)
أما توزیع الدخل، فتعانی دول حوض النیل من ارتفاع نسبی فی معدلات التفاوت فی توزیع الدخل، حیث تتخطى قیمة معامل جینی 40% فی أربع دول هی: کینیا، ورواندا، وأوغندا، و الکونغو الدیموقراطیة[5].
شکل رقم (5): نسبة السکان تحت خط الفقر الوطنی فی دول حوض النیل (%)
|
ولتقییم الفقر فی دول حوض النیل بصورة أکثر شمولاً یمکن الإستناد إلى دلیل الفقر متعدد الأبعاد[6]، والذی یتعدى مستوى الدخل لیتضمن مؤشرات أخرى أکثر شمولاً تغطی ثلاث أبعاد رئیسیة هی مستوى المعیشة والتعلیم والصحة. وبالنظر إلى قیمة هذا المؤشر فی دول حوض النیل[7] فی الشکل رقم (6)، یلاحظ اتساق التوزیع العام للفقراء فی دول حوض النیل باستخدام هذا المؤشر على بالرغم من اختلاف مستویات الفقر مقارنة بالمستویات المناظرة وفقاً لمؤشرات الفقر التقلیدیة مثل نسبة السکان تحت خط الفقر. وبتحلیل أبعاد هذا المؤشر یلاحظ أن المصدر الرئیسی للفقر متعدد الأبعاد فی تلک الدول (الشکل رقم 7) هو الفقر أو الحرمان فی البعد المتعلق بمستوى المعیشة باستثناء مصر والتی یشکل بعدی الصحة والتعلیم المکون الرئیسی فیه.
شکل رقم (6): دلیل الفقر متعدد الأبعاد فی دول حوض النیل
|
شکل رقم (7): مکونات دلیل الفقر متعدد الأبعاد فی دول حوض النیل
|
ثالثاً: تحلیل العلاقة بین النمو الاقتصادی والفقر فی دول حوض النیل باستخدام تحلیل مغلف البیانات:
تعتمد هذه الورقة على أسلوب تحلیل مغلف البیانات فی تقییم فاعلیة النمو الاقتصادی فی الحد من الفقر. وهو من الأسالیب الریاضیة التی تستخدم تقلیدیاً فی مجال الاقتصاد الجزئی فی تقییم الکفاءة الإنتاجیة للوحدات الإنتاجیة أو وحدات اتخاذ القرار المختلفة. إلا أنه استخدامه امتد مؤخراً إلى موضوعات الاقتصاد الکلی لیشمل موضوعات اقتصادیة جدیدة تتعلق بالتحلیل الاقتصاد الکلی موضوعات تقییم وتحلیل الانتاجیة؛ وتقییم أثر التغیر التکنولوجی علیها مثل دراستی (Fare 1994)، (Kruger 2000). أو فی مجال تقییم السیاسات الاقتصادیة سواء على المستوى الإقتصادی أو الإجتماعی أو البیئی. ومن أبرز الدراسات فی هذا الصدد دراسة (C. Lovell 1995 a)، حیث استخدمت الدراسة تحلیل مغلف البیانات لتحلیل الأداء الاقتصادی الکل لستة عشر دولة من دول أمریکا الجنوبیة خلال الفترة (1980-1991) باستخدام المؤشرات التالیة:
معدل نمو الناتج المحلی الاجمالی معدل التضخم ومعدل البطالة الفائض أو العجز فی المیزان التجاری. وقد خلصت الدراسة إلى أن المکسیک والأرجنتین وبنما کانت الأفضل أداءاً بینما کانت الأورجوای وبرجوای فی المرتبة الأخیرة. فی دراسة أخرى لنفس الباحث بالتطبیق على دول OECD، وجدت الدراسة أن إضافة مؤشرات إضافیة لتعکس الکفاءة البیئیة (معدل اانبعاثات غاز الکربون، بجانب الکفاءة الاقتصادیة والاجتماعیة تؤثر بشکل کبیر على ترتیب الدول وفقاً لتحلیل مغلف البیانات. ففیما یتعلق بالکفاءة الاقتصادیة والإجتماعیة کانت السوید وسویسرا وألمانیا هی الأفضل أداءاً بینما کانت البرتغال وأسبانیا وإیطالیا هی الأقل أو الأسوأ أداءاً، أما بعد إضافة مؤشرات الکفاءة البیئیة فقد تصدرت کلاً من کندا والسوید والبرتغال الترتیب، أما الأقل أداءاً فکانت هولندا وبلجیکا والمملکة المتحدة (C. Lovell 1995 b).
هناک أیضاً دراسة (Golany 1997)، وفیها استخدم الباحث DEA لمقارنة الأداء الکلی لدول G-7، وذلک من کلا الجانبین الإقتصادی والإجتماعی. وقد تمثلت المدخلات فی: الاستثمار المحلی والانفاق الحکومی الحقیقی (بعد استبعاد الانفاق على الدفاع والتعلیم) والمدفوعات المتعلقة ببرامج الضمان الاجتماعی وذلک کنسب من الناتج المحلی الاجمالی الحقیقی، أما المخرجات فکانت معدل نمو نصیب الفرد من الناتج المحلی الاجمالی الحقیقی، معدل وفیات الاطفال الرضع، ومعدل الالتحاق بالتعلیم الثانوی. وذلک باستخدام نموذج تحلیل مغلف البیانات لاقتصادیات الحجم المتغیرة، وقد خلصت الدراسة إلى الدول ذات اقنصادیات الحجم المتزایدة تمیل إلى تحقیق معدلات نمو طویلة الأجل لکلا من الناتج المحلی الاجمالی والمؤشرات الإجتماعیة، بعکس الدول ذات اقتصادیات الحجم المتناقصة.
وفی دراسة (Labaj 2014) لتقییم عملیة تحقیق النمو الاقتصادی والرفاهة الاقتصادیة وفیها استخدم أسلوب تحلیل البیانات فی تقییم العلاقة بین عناصر الإنتاج المستخدمة فی العملیة الإنتاجیة والمتمثلة فی رأس المال والعمل وما یترتب على هذا الإنتاج من مخرجات تتمثل فی نمو الناتج المحلی الإجمالی، أما الرفاهة فاستخدم لتقییمها الأبعاد البیئیة متمثلة فی معدل انبعاث الغاز والأبعاد الاجتماعیة ومتمثلة فی معامل جینی لقیاس التفاوت فی توزیع الدخل وذلک لتقییم الکفاءة الاقتصادیة والبیئیة والاجتماعیة للنشاط الاقتصادی فی 30 دولة أوروبیة باستخدام بیانات عام 2010.
وفی هذه الورقة یعتمد الباحث على أسلوب تحلیل مغلف الببیانات فی تقییم البعد الاجتماعی فی فاعلیة النمو الاقتصادی باعتباره المخرج الرئیسی للنشاط الاقتصادی وذلک من خلال استخدام هذا النمو کمدخل والفقر وتفاوت توزیع الدخل کمخرجات نهائیة. وتتمیز هذه الطریقة فی التحلی عن الطرق التقلیدیة (تحلیل اللانحدار بصوره المختلفة) فی إمکانیة استخدامها فی المقارنة بین الوحدات فنتائج التحلی هی أساساً نتائج نسبیة بمعنى أن الدولة الأفضل فی العلاقة بین النمو والفقر لیست الأفضل مطلقاً وإنما هی الأفضل نسبیاً مقارنة بالدول الأخرى المتضمنة فی التحلیل وهو ما یعطی مجالاً لدراسة تجارب هذه الدول وتحلیل السیاسات التی من خلالها استطاعات تحقیق تلک النتیجة أو بمعنى آخر استخدامها کوحدة مرجعیة تسعى باقی الوحدات للوصول إلیها. کذلک یمتاز هذا الإسلوب فی کونه یوضح أسباب التفاوت فی الأداء بین الوحدات المتضمنة فی التحلیل من خلال مرحلته الثانیة والمتمثلة فی نموذج توبت. وبذلک فبینما تعطی طرق الانحدار التقلیدیة تقدیراً لمرونة الفقر للنمو الاقتصادی فإن إسلوب تحلیل مغلف البیانات -فی هذا السیاق- یعطی تقییماً (وإن کان نسبیاً) للسیاسات الإقتصادیة الکلیة للدولة ومدى نجاحها فی ترجمة نموها الاقتصادی فی صورة خفض لمعدلات الفقر بالفعل أم لا ومقارنة هذا الأداء بالدول محل الدراسة.
1) تحلیل مغلف البیانات:
ظهر أسلوب تحلیل مغلف البیانات Data Envelopment Analysis لأول مرة فی عام 1978 على ید ثلاثة باحثین قاموا بصیاغة النموذج الأساسی لتحلیل مغلف البیانات، وهم: رودز وکوبر وتشارنس، وهو النموذج الذی عرف فیما بعد باسم CCR نسبة إلى الثلاثة باحثین: (Charness-Cooper-Rhodes). ویعرف هذا الأسلوب على أنه طریقة ریاضیة تستخدم البرمجة الخطیة لقیاس الکفاءة النسبیة لعدد من الوحدات الإنتاجیة المتماثلة (وحدات اتخاذ القرار Decision Making Units DMU) من خلال تحدید المزیج الأمثل لمجموعة المدخلات والمخرجات بناء على الأداء الفعلی لها (Cooper 2011).وفی إطار هذا التعریف یجدر الإشارة إلى النقاط التالیة:
أ) تعرف وحدات اتخاذ القرار DMUs بأنها مجموعة من الوحدات الإنتاجیة التی تعمل فی ذات المجال أو تقوم بذات الوظیفة، وتستخدم نفس المدخلات والمخرجات.
ب) الکفاءة المشار إلیها هی الکفاءة الفنیة والتی تقتصر فقط على نسبة المخرجات للمدخلات دون أن تضع فی الاعتبار أی عوامل أخرى تؤثر فی الکفاءة الکلیة، مثل الأسعار أو التکالیف. وبذلک یمکن صیاغة الکفاءة ریاضیًّا على النحو التالی:
الکفاءة = المخرجات ÷ المدخلات
ت) أن تحلیل مغلف البیانات یقیس کفاءة الوحدة الإنتاجیة نسبة إلى کفاءة وحدة إنتاجیة مماثلة أخرى بهدف تقدیر منحنى کفاءة Efficiency Frontier یغلف کل وحدات اتخاذ القرار، بحیث تکون الوحدات التی تقع على هذا المنحنى هی الوحدات التی تتمتع بأقصى کفاءة ممکنة.
ث) یقوم هذا التحلیل على مفهوم أمثلیة باریتو Pareto Optimality التی تنص على أن: أی وحدة اتخاذ قرار تکون غیر کفء إذا استطاعت وحدة أخرى إنتاج نفس کمیة المخرجات بکمیة مدخلات أقل وبدون استخدام أی مورد إضافی.
ولتحلیل مغلف البیانات نموذجان رئیسیان: الأول هو النموذج الأساسی للتحلیل الذی وضعه تشارنس وکوبر ورودز، وسمی تیمنًا بهم وهو نموذج اقتصادیات الحجم الثابتة (نموذج CCR)، والذی یفترض أن التغیر فی کمیة المدخلات التی تستخدمها الوحدة غیر الکفء یؤثر تأثیراً ثابتاً فی کمیة المخرجات التی تقدمها، بمعنى أن وحدات إتخاذ القرار تعمل وفقاً لخاصیة ثبات العائد على الإنتاج للحجم. والثانی هو نموذج اقتصادیات الحجم المتغیرة الذی صاغه بانکر وتشارنس وکوبر ویسمى نموذج BCC وقد ظهر عام 1984، أی بعد نموذج CCR بست سنوات. وبعکس النموذج الأصلی الذی یفترض ثبات العائد للحجم، فإن نموذج BCC یمیز بین نوعین من الکفاءة هما الکفاءة الفنیة والکفاءة الحجمیة. وعند مقارنة مؤشر الکفاءة فی نموذجCCR ومؤشر الکفاءة فی نموذج BCC لنفس الوحدة ووجود اختلاف بینهما فإن ذلک یعنی أن هذه الوحدة غیر کفء من حیث الحجم، أما إذا تساوى المؤشران فهذا یعنی أن الوحدة تحت التقییم تتمیز بثبات العائد للحجم. وتتمالمقارنةبیننموذجی CCR و BCC للتعرفعلىمصادرعدمالکفاءة فیالوحداتالإداریةغیرالکفء، هلهیراجعةإلىعدمکفاءةالعملیاتالداخلیةفی هذهالوحداتأمأنهاراجعةإلىالظروفالمحیطةبعملتلکالوحداتأم راجعةإلىالاثنینمعًا. ولهذاالغرضیتمالمقارنةبینمقیاسالکفاءةالناتجمنکلا النموذجین، فمقیاسالکفاءةالناتجمننموذج BCCیعبر عن الکفاءة الفنیة أو التقنیة الصافیة، أما مقیاسالکفاءةالناتجمننموذج CCRفیعبرعنالکفاءةالکلیة.
ویمکن إجراء هذا التحلیل إما من وجهة المدخلات ویصبح تعریف الوحدة الأکثر کفاءة هی الوحدة التی تنتج حجمًا معینًا من المخرجات بأقل کمیة مدخلات ممکنة، أو من وجهة المخرجات، حیث تصبح الوحدة الأکثر کفاءة هی تلک التی تنتج أکبر حجم ممکن من المخرجات بکمیة معینة من المدخلات.
أما أسلوب تحلیل الکفاءة ذو المرحلتین –والمستخدم فی هذه الورقة- فیمزج بین الطرق المعلمیة واللامعلمیة، حیث یعتمد هذا الأسلوب على تحلیل الکفاءة فی البدایة بأسلوب تحلیل مغلف البیانات، ثم تحلیل انحدار مؤشر الکفاءة الذی تم حسابه على مجموعة من المتغیرات الخارجیة لمعرفة أسباب أو عوامل التفاوت فی الکفاءة وذلک باستخدام نموذج توبت وهو ما یعرف کذلک بنموذج انحدار المتغیر التابع المحدود censored dependent variable regression.
2) البیانات المستخدمة:
لتحلیل فعالیة النمو الاقتصادی فی خفض معدلات الفقر وتحسین توزیع الدخل سیتم استخدام نموذج تحلیل مغلف البیانات ذی التوجیه الاستخدامی وعوائد الحجم المتغیر وذلک لطبیعة البیانات المستخدمة فی هذه الدراسة، فتأثیر تغیر النمو الاقتصادی لا یؤدی إلى تأثیر مساوٍ فی معدلات الفقر وتفاوت توزیع الدخل وإنما إلى معدلات مختلفة قد تکون متزایدة أو متناقصة مما یجعل نموذج العائد المتغیر أکثر مناسبة لطبیعة الدراسة.
فیما یتعلق بالمدخلات والمخرجات التی تم اختیارها فی هذا التحلیل: فیمثل معدل النمو الاقتصادی المدخل الرئیسی، أما المخرجات فتتمثل فی المؤشرات الخاصة بالفقر وتفاوت توزیع الدخل وذلک على النحو التالی:
المدخلات |
المخرجات |
نصیب الفرد من الناتج المحلی الإجمالی الحقیقی |
-مؤشر الفقر متعدد الأبعاد -معامل جینی |
3) نتائج التحلیل:
باستخدام تحلیل مغلف البیانات للعلاقة ،عن طریق www.deaos.com ، یتبین أن دولة بوروندی هیأکثر الدول التی یتناسب فیها معدل النمو أو الأداء الاقتصادی ومعدلات الفقر حیث تعانی الدولة من معدلات نمو اقتصادیة متدنیة للغایة (أقل من الواحد الصحیح) مع معدلات فقر مرتفعة، بینما باقی دول حوض النیل والتی حققت أداءاً اقتصادیاً أفضل، لم ینتج عن هذا الأداء فیها تحسناً نظیراً فی معدلات الفقر أو فی مستویات التفاوت فی توزیع الدخل.وهو ما یدل على وجود إشکالیة حقیقیة فی العلاقة بین قدرة هذه الدول على استغلال ما تحققه من معدلات نمو اقتصادی فی الحد من الفقر. مما یدل على وجود فجوة حقیقیة بین معدلات النمو الاقتصادی أو الأداء الاقتصادی المتحققة فی تلک الدول ومستویات الفقر فیها. أی أن النمو الاقتصادی المتحقق لم یستغل بصورة حقیقیة أو فعالة فی الحد من الفقر فی تلک الدول.
من اعداد الباحث من مخرجات تحلیل مغلف البیانات باستخدام DEA online software
وتتمثل المرحلة التالیة فی منهج الدراسة فی تحلیل العوامل المفسرة لتباین فعالیة النمو الاقتصادی فی الحد من الفقر فی دول حوض النیل بإستخدام نموذج الانحدار المحدود Censored Regression Analysis وذلک بتطبیق Tobit Regression [8] لإختبار مدى تأثیر العوامل التالیة على فعالیة النمو الاقصادی:
أ) معدل التضخم: فالتضخم یؤثر بصورة مباشرة على معدلات الفقر لما یخلفه من أثر على الدخل الحقیقی والقوى الشرائیة للافراد.
ب) درجة الانفتاح التجاری: حیث یؤثر الانفتاح الاقتصادی على الفقر من خلال تأثیره على مستویات الدخول ویفترض أن یکون هذا التأثیر موجباً بسبب ما یرتبط بالانفتاح الاقتصادی فی الأدبیات الاقتصادیة من نقل التکنولوجیا وزیادة الاستثمارات وبالتالی ارتفاع الإنتاجیة وتولید فرص توظیف جدیدة. إلا أنها على الجانب الآخر تؤثر على توزیع الدخول فی الدولة. ویختلف هذا الأثر إیجاباً أو سلباً بطبیعة الهیکل الاقتصادی للدولة ومدى قدرتها على التکیف مع الانفتاح الاقتصادی وقدرة عوامل الإنتاج على الانتقال من نشاط إنتاجی إلى آخر.
ت) معدل الالتحاق بالتعلیم الابتدائی: حیث یمکن التعلیم الأفراد من الاستفادة من النمو الاقتصادی والانتقال إلى القطاعات الاقتصادیة الأکثر دخلاً وبالتالی الحد من الفقر.
ث) معدل نمو القیمة المضافة لقطاع الزراعة: تتسم الدول الأفریقیة عادة بوجود ارتباط عضوی بین قطاع الزراعة والفقر فی الدولة، بمعنى أن قطاع الزراعة هو أکثر القطاعات ارتباطاً بالفقراء ونموه هو الأکثر تأثیراً على معدلات الفقر فی تلک الدول، وبالتالی یفترض أن یکون اتجاه العلاقة بین الطرفین سالباً.
ج) معدل نمو السکان: یعد ارتفاع معدل النمو السکانی من أهم معوقات النمو الاقتصادی فی الدول النامیة. فعادة ما تمتص الزیادة السکانیة عوائد النمو الاقتصادی المحقق وبالتالی تحد من تأثیره على معدلات الفقر والتنمیة فی الدولة.
من خلال تحلیل أثر هذه العوامل على مؤشر الکفاءة (فاعلیة النمو الاقتصادی فی الحد من الفقر) باستخدام انحدار توبت جاء النموذج على الشکل التالی:
Efficiency =
-369.62 + 7.085 inf + 77.62 pop + 1.08 unemp – 0.86 trade + 1.53 enroll
(-4.04) (2.51) (3.83) (2.12) (-2.19) (4.81)
یتبین من النموذج: أن العامل الأکثر تأثیراً على هذه الفاعلیة هو عامل التعلیم (enroll)، ویمکن تفسیر ذلک فی ضوء أن ارتفاع معدلات التعلیم تمکن العمالة فی هذه الدول من التکیف مع التغیرات الهیکلیة الاقتصادیة المرتبطة بالنمو الاقتصادی من خلال قدرتها على الانتقال من القطاعات الأقل نمواً أو تطوراً إلى القطاعات الأکثر نمواً وتطوراً. وکذلک قدرتهم على تطویر القطاعات التی یعملون فیها ورفع إنتاجیتها، وتحدیثها مما یترتب علیه نمو هذه القطاعات وتولیدها لدخل أکبر. أما العامل الثانی الذی یحد من فاعلیة النمو الاقتصادی، فهو ارتفاع معدلات النمو السکانی (pop) فی دول الإقلیم والتی تحد من النمو الاقتصادی الحقیقی وقدرته على علاج مشکلة الفقر فی تلک الدول.
خاتمة:
تناولت هذه الورقة تحلیل العلاقة بین الفقر والنمو الاقتصادی فی أفریقیا جنوب الصحراء بالتطبیق على دول حوض النیل ، فی محاولة لتحدید إذا ما ارتبط النمو الاقتصادی فی تلک الدول بتحسن فی توزیع الدخل وخفض معدلات الفقر وتحقیق ما یعرف بالنمو الشامل؛ أم خلافاً لذلک صاحب النمو تدهور فی توزیع الدخل أضعف أو حتى قلب أثر النمو فی خفض معدلات الفقر. وذلک من خلال عرض الدراسات والأدبیات النظریة والتطبیقیة التی تناولت العلاقة بینهما ثم عرض لأهم ملامح الاداء الاقتصادی لدول حوض النیل خلال الفترة محل الدراسة. وبعدها تحلیل للعلاقة بین النمو والفقر باستخدام تحلیل مغلف البیانات ثم تحدید أهم محددات هذه العلاقة.
وقد خلصت هذه الورقة إلى وجود إشکالیة حقیقیة فی العلاقة بین قدرة هذه الدول على استغلال ما تحققه من معدلات نمو اقتصادی فی الحد من الفقر فبوروندی والوحیدة التی تتناسب بها معدلات النمو الاقتصادی مع معدلات الفقر یکاد یکون نموها الاقتصادی صفر (أقل من واحد فی المائة) بمعنى أنها الدولة التی ینخفض فیها معدل النمو الاقتصادی للغایة ومعه ترتفع معدلات الفقر وهو الأمر المنطقی أو المتوقع، أما الدول التی حققت معدلات نمو مرتفعة فلم تقترن بمعدلات فقر وتفاوت فی توزیع الدخل منحفضة. مما یدل على وجود فجوة حقیقیة بین معدلات النمو الاقتصادی أو الأداء الاقتصادی المحققة فی تلک الدول ومستویات الفقر فیها. أی أن النمو الاقتصادی المتحقق لم یستغل بصورة حقیقیة أو فعالة فی الحد من الفقر فی تلک الدول. وقد تبین أن العامل الأکثر تأثیراً على هذه الفاعلیة هو عامل التعلیم، ویمکن تفسیر ذلک فی ضوء أن ارتفاع معدلات التعلیم تمکن العمالة فی هذه الدول للتکیف مع التغیرات الهیکلیة الاقتصادیة المرتبطة بالنمو الاقتصادی من خلال قدرتها على الانتقال من القطاعات الأقل نمواً أو تطوراً إلى القطاعات الأکثر نمواً وتطوراً. وکذلک قدرتهم على تطویر القطاعات التی یعملوا فیه ورفع إنتاجیتها وتحدیثها مما یترتب علیه نمو هذه القطاعات وتولیدها لدخل أکبر. أما العامل الثانی الذی یحد من فاعلیة النمو الاقتصادی، فهو ارتفاع معدلات النمو السکانی فی دول الإقلیم والتی تحد من النمو الاقتصادی الحقیقی وقدرته على علاج مشکلة الفقر فی تلک الدول.