الظاهرة الحزبية في العراق الجديد -جدلية العلاقة بين الفکر والممارسة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية القانون والعلوم السياسية، جامعة الانبار، العراق.

المستخلص

إن دراسة الظاهرة الحزبية في العراق ونقدها يساعد في عملية التحول الديمقراطي، وترشيد عمل الأحزاب السياسية، وتقنين سلوکها بشکل قانوني،بوصفها المرتکز الأهم في الحياة السياسية. ويقيناً أن للفکر السياسي الذي تحمله أحزاب السلطة في عراق ما بعد العام 2003 أثر واضح في مسار العملية السياسية، وفاعليتها،وفي مجمل البناء الديمقراطي. وعليه لا مناص من دراسة العلاقة الجدلية بين الفکر السياسي والممارسة الديمقراطيةللأحزاب السياسية الرئيسة في السلطة.

نقاط رئيسية

مستخلص:

إن دراسة الظاهرة الحزبیة فی العراق ونقدها یساعد فی عملیة التحول الدیمقراطی، وترشید عمل الأحزاب السیاسیة، وتقنین سلوکها بشکل قانونی،بوصفها المرتکز الأهم فی الحیاة السیاسیة. ویقیناً أن للفکر السیاسی الذی تحمله أحزاب السلطة فی عراق ما بعد العام 2003 أثر واضح فی مسار العملیة السیاسیة، وفاعلیتها،وفی مجمل البناء الدیمقراطی. وعلیه لا مناص من دراسة العلاقة الجدلیة بین الفکر السیاسی والممارسة الدیمقراطیةللأحزاب السیاسیة الرئیسة فی السلطة.

 

کلمات مفتاحیة:

      الظاهرة – الحزبیة – التعددیة– العراق – الإسلامیة – المدنیة.

الكلمات الرئيسية


مقدمة:

لا جدال الیوم أن الحدیث عن الظاهرة الحزبیة یرتبط وظیفیاً بالحدیث عن الدیمقراطیة، فلم تعد هناک من قیمة للحدیث عن وجود أحزاب سیاسیة فی أنظمة غیر دیمقراطیة، فالعالم الیوم یتجه بخطوات متسارعة باتجاه استکمال الشروط الدیمقراطیة للحیاة السیاسیة. وفی العراق الیوم أصبحت الدیمقراطیة مثاراًلنقاش واسع ومستفیض فی الأوساط السیاسیة والاکادیمیة والشعبیة، وبات العراقیون مشغولین بالحدیث عن تجربتهم الدیمقراطیة بعد سنوات عجاف عاشوها مغیبین عن هذه التجربة، أو غائبة هی عنهم بفعل سیاسات الأنظمة السیاسیة السابقة قبل العام 2003م، والتی اتسمت بطابع فردی استئثاری استبدادی، لا یسمح بالحیاة الحزبیة التعددیة، ولا بتعددیة الرأی، مع تجریم الأحزاب والشخصیات السیاسیة التی لا تخضع للسلطة وتوجهاتها .

أهمیة البحث: تنبع اهمیة البحث من تناوله لظاهرة سیاسیة متعددة الأوجه، والتأثیرات على مختلف الصعد.ویقیناً ان دراسة الظاهرة الحزبیة یعد مطلباً أساسیاًلتأسیس حیاة سیاسیة دیمقراطیة رصینة. فالأحزاب السیاسیة على مختلف توجهاتها مثلت الحدث الأبرز فی هذه المرحلة من تاریخ العراق فی سیاق التحول من النظام الشمولی الى النظام الدیمقراطی التعددی، ومن المهم بمکان معرفة المنظومات الفکریة لهذه الاحزاب، ومدى تطابق الفکر مع الممارسة السیاسیة، وماهی الخطوات التی یجب اتباعها لتقنین الظاهرة الحزبیة وتشذیب مساراتها فی فضاء واسع من الحریة.

الاشکالیة: یسعى هذا البحث الىتحلیلالسیاقات والمسارات التی حکمت الظاهرة الحزبیة فی العراق ما بعد عام 2003م، والاشکالیات التی أنتجتها، والتی تمثلت بغیاب الممارسة الدیمقراطیة عن سلوک الأحزاب السیاسیة الرئیسة التی هیمنت على السلطة بعد عام 2003م، وهذا ما یفرض الاجابة عن جملة تساؤلات لعل فی مقدمتها :

ما هی مکانة الدیمقراطیة فی برامج تلک الاحزاب وممارساتها قبل وبعد تولیها السلطة عام 2003 م ؟

وما هی ظروف نشأة تلک الاحزاب وصلة ذلک بممارستها الدیمقراطیة سواء على الصعید التنظیمی الداخلی او على صعید السلوک السیاسی ؟

والاهم ما ولده کل ذلک من تصورات ومفاهیم خاصة للدیمقراطیة لدى تلک الاحزاب التی هیمنت على السلطة بعد عام 2003م ؟

الفرضیة: یفترض  البحث ان الأحزاب السیاسیة التی عجت بها الساحة السیاسیة فی العراق بعد 2003 م، لم تتمثل الدیمقراطیة کفلسفة وقیم وظلت تصوراتها للدیمقراطیة مقتصرة على الدیمقراطیة الأداتیة أی الدیمقراطیة کأداة للوصول الى السلطة، عزز ذلک ان الثقافة السیاسیة فی العراق للنخب والجماهیر معا لم ترتق الى مستوى تمثل الدیمقراطیة کفلسفة وممارسة فی الحیاة السیاسیة ، حیث ظلت الولاءات الطائفیة والقرابیة هی الحاکمة لسلوک الناخب منذ 2003م .

المنهجیة: سعى البحث الى إثبات فرضیته من خلال الاستعانة بالمنهج الاستقرائی مستعینةً بالمقترب التاریخی فضلا عن المقترب الوصفی التحلیلی فی رصد السلوک السیاسی لتلک الأحزاب وتشخیصه من منظور المقاربة الدیمقراطیة للظاهرة الحزبیة .

الهیکلیة: توزع البحث على مبحثین: تناول الأول الظاهرة الحزبیة فی العراق بعد 2003م من حیث النشأة والسیاقات، وتناول المبحث الثانی مأسسة الظاهرة الحزبیة ومساراتها، وذلک من خلال الترکیز على مجموعة من المحاور تتعلقبمعنى الظاهرة الحزبیة، وأسباب نشأتها فی العراق، والسمات العامة للأحزاب العراقیة بعد عام 2003م.

أولاً: الظاهرة الحزبیة بعد عام 2003م :النشأة والسیاقات

1- فی معنى الظاهرة الحزبیة:تعد الأحزاب السیاسیة واحدة من أهم مرتکزات النظام السیاسی الدیمقراطی، وهی المعبر الحقیقی عن التعددیة السیاسیة، وجوهر الحیاة الدیمقراطیة بوصفها منظومة تتضمن قیم وأفکار وأیدیولوجیات وبرامج عمل سیاسیة واقتصادیة وثقافیة. ولا یمکن بحال من الأحوال الحدیث عن أنظمة دیمقراطیة حقیقیة من غیر وجود أحزاب سیاسیة، وحریة سیاسیة لعملها. إن وجود أحزاب سیاسیة تمارس العمل السیاسی المنظم وتسعى للوصول الى السلطةفی ظل نظام دیمقراطی تعددی هی السمة الأبرز للظاهرة السیاسیة والحزبیة فی الوقت ذاته (1).

والحزب السیاسی هو تجمع أو تنظیم یضم مجموعة من الأشخاص یعتنقون المبادئ الأساسیة نفسها، أو یسود بینهم اتفاق عام حول أهداف سیاسیة معینة یعملون على تحقیقها، ویسعون إلى ضمان تأثیرهم الفعال فی إدارة الشؤون السیاسیة فی الدولـة، ویخوضون المعارک الانتخابیة على أمل الوصول للسلطة. وتؤدی الأحزاب السیاسیة فی النظم الدیمقراطیة المعاصرة دوراً مهماً وحیویاً، فهی حلقات اتصال بین الدولة والمواطنین ( بین الحاکم والمحکوم )، إذ تقوم بملء الفراغ الموجود بینهما على حد قول الفقیه الدستوری الفرنسی مارسیل بریلو(2) . ومن الناحیة النظریة یفترض بالحزب السیاسی أن لا یکتفی فقط بمحاولة الوصول الى السلطة، بل یتعین علیه ان یکون لدیه برنامج سیاسی شامل یعمل على تحویله الى واقع. وبموجب هذه الحقیقة النظریة بات لزاماً على أی حزب ان یکون مؤمناً من الناحیة الفکریة بـدوره بوصفه أداة للبناء السیاسی السلیم، والبناء الإجتماعی والثقافی، وتحقیق اقصى قدر ممکن من الرفاه الإقتصادی للجماهیر. إن الظاهرة الحزبیة ترتبط ارتباطاً لصیقاً بعملیة التحوُّل الدیمقراطیّ، إذ تسهم الأحزاب السیاسیة وظیفیاً بعملیة إعادة تکییف البیئة السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة التقلـیدیة، نحو بیئة سیاسیة حضاریة لتکون حاضنة سلیمة لبناء الدیمقراطیة. ویقیناً لایکتب النجاح لأی عملیة تحول نحو الدیمقراطیة من غیر أحزاب تؤمن بمضامین هذا التحول وتسعى لاستکمال شروطه الموضوعیة والذاتیة. وعملیة الوصول إلى السلطة لایمکن ان تتحقق مالمیکن بمقدور هذه الجماعة السیاسیة أو تلک وضع برنامج سیاسی یجسد فکرها وأیدیولوجیتها فی محاولة التاثیر فی المجال الإنتخابی(3). وعبارة الحزب السیاسی فی الإصطلاح تعبر عن القوة الفعلیة فی المجتمع والتی تتکون من مجموعة من المواطنین المؤمنین بأیدیولوجیة مشترکة : (لیبرالیة-اشتراکیة...الخ) أو بسیاسات مشترکة، ویسعون بها إلى وضع برنامجهم السیاسی موضع التطبیق. ومن هنا فالحزب یعبر عن قوة سیاسیة فعلیة فی مجتمعه، إذ یفترضأن یعبر عن تطلعات هذا المجتمع ، ولاشک أن المجتمعات الدیمقراطیة ستکون أکثر إنتاجاً للاحزاب الدیمقراطیة من غیرها من المجتمعات(4). وتنقسم الأحزاب السیاسیة الى أحزاب أیدیولوجیة وأحزاب برامج، والظاهرة الحزبیة فی دولة ما هی انعکاس لتعدد الرؤى والأفکار والأیدیولوجیات، وهذه تنتشر فی المجتمعات التی تروج فیها الأیدیولوجیات المختلفة. وهی تختلف باختلاف أنظمة الحکم، وبإختلاف الدول ومجتمعاتها وتجاربها التاریخیة (5). وتاریخیاً فإن الحزب اکتسب من الناحیة الفکریة دوراً أساسیاً بوصفه أداة للبناء السیاسی والاقتصادی الاجتماعی والثقافی. ویجسد العلاقة الجدلیة التی طبعت تاریخ الفکر بالسیاسة؛ هذا التأریخ الذی توزع بین الفکر اللیبرالی والمارکسی والقومی(6) . وهی بهذا المعنى خزانات اجتماعیة لمجموعة الأفکار السیاسیة فی منطقة من المجتمع ، هذا فضلاً عن ما تؤدیه کقناة سیاسیة تجمع هذه الأفکار فتنساب الى داخل نظام الدولة فتدیر عجلة السیاسة فی ذلک النظام(7).والظاهرة الحزبیة فی العراق قدیمة قدم دولته الحدیثة التی تأسست فی العام 1921 مع تاسیس دولته الحدیثة. وکانالعراق من أوائل الدول التی عرفت الدیمقراطیة والتعددیة الحزبیة، ولکن ولسوء حظ العراقیین إنتهت الدیمقراطیة والحیاة الحزبیة فیه مباشرةً بعید سقوط النظام الملکی فی العام 1958 على ید العسکر،وتأسیسهم العهد الجمهوری الأول.هذا التغییر المفصلی فی تاریخ العراق المعاصر الذی تفسره أسباب کثیرةأرتبطت بشکل مباشر بطبیعة الظروف السیاسیة فی تلک المرحلة، ویأتی فی مقدمتها سیطرة العسکر على مقالید الحکم، وتأسیسهم لقطیعة مع السیاسة المدنیة والتعددیة الحزبیة(8).

وشهدت الساحة العراقیة فی مرحلة الإحتلال الأمریکی بروز ظاهرة الأحزاب السیاسیة، وإنتشارها، وتعدد أنوعها : (اسلامیة - لیبرالیة – شیوعیة- قومیة-اثنیة) (9). ان هذه الظاهرة التی عبرت عن تطور فکری وسیاسی جدید فی البیئة السیاسیة العراقیة، قد مهدت الطریق لمرحلة جدیدة من الحریة السیاسیة، والتعددیة الحزبیة، وتعددیة الرأی. وانهت معها عقوداً من القطیعة السیاسیة امتدت من العام 1958 حتى العام 2003 (10)

2- أسباب التعددیة الحزبیة بعد عام2003م :انتهت الحیاة الحزبیة فی العراق بشکل تام تقریباً مع عودة حزب البعث للسلطة فی العراق 1968، وظلت حکومة البعث تحافظ على تعددیة شکلیة مع بعض القوى السیاسیة وبخاصة مع الحزب الشیوعی حتى منتصف السبعینیات من القرن الماضی. ومع وصول صدام حسین لرئاسة الجمهوریة فی العام 1979 غادرت جمیع الأحزاب والشخصیات السیاسیة المعارضة العراق خوفاً من بطش السلطة. وقد إستفادت العدید من الأحزاب العراقیة المعارضة من الدعم الدولی والاقلیمی لها فی مرحلة التسعینیات حتى عام احتلال الولایات المتحدة للعراق فی العام 2003م . إذ أعادت تلک الأحزاب عملها ونشاطاتها من أجل تغییر النظام السیاسی فی العراق. لقد حمل الإحتلال معه مشروع التحول الدیمقراطی فی العراق، بالتعاون مع مجموعة من الأحزاب العراقیة المعارضة لنظام حکم صدام حسین. وشهدت الساحة العراقیة فورة سیاسیة إندفعت خلالها القوى والشخصیات إلى تشکیل أحزاب وتکتلات شبه حزبیة، حملت أسماء مختلفة لتعبر عن توق کبیر لممارسة العمل السیاسی، فی ظاهرة سیاسیة حزبیة لم یشهد لها العراق مثیلاً من قبل، ترتب علیها مجموعة من النتائج الایجابیة والسلبیة(12). ویمکن أجمال اسباب الظاهرة الحزبیة فی العراق على النحو التالی:

1-المعارضة العراقیة لنظام الحکم فی العراق؛ والتی ترتب على ضوء نشاطاتها ومؤتمراتها، وعلاقاتها الدولیة، تشکیل عدد من الأحزاب والهیاکل السیاسیة، جمعها هدف أساسی واحد هو تغییر النظام السیاسی. والملاحظة الأساسیة فیما یتعلق بهذا الموضوع هی اختلاف وتعدد الأفکار والأیدیولوجیات السیاسیة لمختلف شخصیات وقوى المعارضة، الأمر الذی نتج عنه عدد کبیر من الأحزاب والتجمعات السیاسیة یعبر کل منها، عن فکر وأیدیولوجیة محددة ومختلفة.

2-إرتبط موضوع اختلاف الفکر والأیدیولوجیا، بتنوع وتعدد مصادر التمویل، فالدول المانحة أو الراعیة کانت تفرض إشتراطات معینة، او تقدم المساعدات على أساس المنظومة القیمیة (الفکریة السیاسیة) لهذا الطرف السیاسی او ذاک(13).

3-ان تبنی الدیمقراطیة کأساس واضح للنظام السیاسی العراقی لعب دوراً واضحاً فی الإتجاه نحو التعددیة الحزبیة.ومع أن وجود أحزاب سیاسیة یمثل واحدة من اهم واجهات التحول نحو النظام الدیمقراطی ، ولکنه لیس بالضرورة أن یجسد المعنى الحقیقی للدیمقراطیة. إذ أن التعددیة الحزبیة لاقیمةکبیرة لها مالم تتضمن وجودثقافة سیاسیة تعددیة،على مستوى الفلسفة والممارسة السیاسیة(14).

4- فی الواقع إن إسقاط نظام الحزب الواحد - الذی کان یحتکر العمل السیاسی، ولایجیز التعددیة والمشارکة السیاسیة لغیر حزب البعث- قد وفرّ مساحة سیاسیة واسعة للعمل الحزبی، مما مکن أحزاباً عدة وعلى مختلف توجهاتها من الظهور العلنی، إذ استطاع عدد من الأحزاب القدیمة والمعروفة التی لم تتمکن من العمل داخل العراق أن تجد فی التغییر فرصتهها للعودة للعراق، والمباشرةبالعمل والتأثیرفی البناء الدیمقراطی، والعملیة السیاسیة، کما سارعت شخصیات من الداخل إلى الإعلان عن تشکیل العدید من الأحزاب السیاسیة بتوجهات سیاسیة وفکریة مختلفة(15).

5- ومما لاشک فیه أن اعتماد نظام التمثیل النسبی فی قانون الانتخابات أسهم فی توسیع ظاهرة التعددیة الحزبیة. فهذا النظام یسمح لکل حزب بالحصول على عدد من المقاعد بما یتناسب مع عدد الاصوات التی حصل علیها. کماأنه یضمن للأقلیات والأحزاب الصغیرة التمثیل داخل البرلمان. وهذا یأتی فی صمیم الفکرة الدیمقراطیة الداعیة الى حکم الاغلبیة السیاسة مع ضمان حقوق الأقلیة. ولکن التجربة الراهنة أثبتت أن نظام التمثیل النسبی یؤدیاتساع ظاهرة عدم الاستقـرار السیاسی، فالحکومات الإئتلافیة (التوافقیة) التی تتشکل على ضوء مایفرزه هذا النظام من من نتائجغالبا ماتکون ضعیفة، وعرضة للتفکک فی مواجهة ازمات سیاسیة لیست صعبة بالضرورة، وبخاصة فی ظل تباین مرجعیاتها الفکریة، ومواقفها من الدیمقراطیة، وفلسفتها، وهل هی غایة أم وسیلة؟(16).

6-طبیعة المجتمع الذی یمتاز بتنوع ترکیبته الدینیة والقومیة والإثنیة؛ التی انعکست فی تکوین الأحزاب والقوى السیاسیة العراقیة الحالیة، فتشکلت أحزاب على أساس الانتماءات الدینیة، أو الطائفیة أو الأثنیة أو الإیدیولوجیة (17).

3- تصنیف الاحزاب الحالیة وسماتها :

فی الواقع ان ثمة صعوبة منهجیة فی وضع إطار تصنیفی محدد للأحزاب السیاسیة فی العراق ما بعد عام 2003م، فما شهده العراق بعد هذا العام یمثل ظاهرة جدیدة على الحیاة السیاسیة فیه. ومع هذا یمکن القول إن المعطیات التی ظهرت على الساحة العراقیة فرضت أُطراً معینة للتصنیف، فهناک من حاول أن یصف الأحزاب العراقیة تبعاً لتأییدها للعملیة السیاسیة وموقفها من الإحتلال، إلى أحزاب معارضة للعملیة السیاسیة، وأحزاب مؤیدة لها، کما استدعت الإستقطابات الطائفیة تصنیفاً آخر یقسمها إلى أحزاب وقوى طائفیة، وقوى غیر طائفیة. وفرضت قوة الأحزاب وهیمنتها على المشهد السیاسی فی العراق تصنیفاً یضعها ضمن ثلاثة اتجاهات رئیسیة، الأول إسلامی والثانی قومی والثالث یضع جمیع الإتجاهات الأخرى لیبرالیة ویساریة وإشتراکیة فی سلة واحدة نظراً إلى هامشیتها فی المشهد.

وتمثل الأحزاب العراقیة الناشطة حالیاً فی عراق ما بعد سقوط النظام السابق مزیجاً من الأحزاب السیاسیة التاریخیة التی نشأت قبل الحرب العالمیة الثانیة وفی أعقابها، مثل (الحزب الشیوعی العراقی، الحزب الدیمقراطی الکردستانی، وحزب الدعوة الإسلامیة، الحزب الدیمقراطی الوطنی، الحزب الاسلامی العراقی، والإتحاد الوطنی الکردستانی)، وتلک الأحزاب والمجموعات السیاسیة التی تأسست فی المنفى بعد غزو العراق للکویت عام (1990)، والمجموعة الثالثة من الأحزاب والجماعات التی نشأت داخل العراق بعد سقوط نظام (صدام حسین)(11).

ویمکن القول أن معظم الأحزاب التی ظهرت فی مرحلة الإحتلال کانت أحزاباً بلا برامج سیاسیة حقیقیة، ولا قناعات فکریة محددة. فدوافعها الحقیقیة هی التواجد فی الساحة السیاسیة والاستفادة من الحریة السیاسیة الکبیرة التی أتیحت للعراقیین بفعل تغییر النظام السیاسی من شمولی إلى دیمقراطی. وبدا أن هذه الأحزاب هی أحزاب زعامات وشخصیات طائفیة، أکثر منها أحزاب فکریة سیاسیة  (18).

وهذه الأحزاب تتسم بضعف فکری، وبنیوی هیکلی، وعدم امتلاکها لقواعد جماهیریة أو شعبیة بحکم حداثتها، کما إن قیاداتها غیر معروفة على الساحة العراقیة بما فیه الکفایة لغالبیة العراقیین، فضلاً عن عدم تبلور أطـرها الفکریة، وهیاکلها التنظیمیة التی تعتبر امتدادات لتکوینات أولیة قبلیة وعشائریة وطائفیة(19). وعلیه یمکن موضوعیاً أن نضع هذه الأحزاب والقوى سیاسیة-التی شارکت بالعملیة السیاسیة،ومارست العمل السیاسی، من خلال تمثیلها بمجلس الحکم الانتقالی والجمعیة الوطنیة، وکذلک فی الحکومات المؤقتة والانتقالیة ثم مجلس النواب والحکومة الدائمة- فی خانة أحزاب طارئة أو احزاب صدفة. ومما یؤسف له أن ممارستها للعمل السیاسی اقیمت على أساس على أساس نظام الحصص (الکوتا)،مما عزز میلاً عند قادة الأحزاب العراقیة من خلال الاجتماعات التی کان یعقدونها لقاعدة المحاصصة (التوافق) کوسیلة لممارسة العمل السیاسی، وحسم القضایا، حیث أنهم عبروا فی کل الأحوال عن هذا المسار الذی یرضی جمیع الأطراف حتى لو بدرجات متفاوتة(20). وحاول هؤلاء القادة الإیهام بأن هذه القاعدة مستقاة من صمیم التجربة الدیمقراطیة وبخاصة فی البلدان التی تتسم بتعددیة مشابهة للحالة العراقیة، حیث لن یکون هناک استیلاء على السلطة، بل تداول سلمیّ دیمقراطیّ لها، وهذا ما یؤدّی إلى تقلیل العنف السیاسیّ إن لم نقل إلغاءه؛ وسبب هذا یعود الى أن الجمیع سیکون لهم حق المساهمة، والمشارکة فی العمل السیاسیّ، عن طریق الأحزاب السیاسیة، مع احترام السقوف القانونیة والدستوریة، وهذا یعنی مغادرة ظاهرة العنف السیاسی التی کانت ملازمة للحیاة السیاسة فی العراق منذ العام 1958(21). لکن الرکون–فی الحالة العراقیة- الى منهجیة التوافقات الطائفیة شوه التجربة فی العراق، واتضح جلیاًأن هذه الأحزاب لا تسیر على خط ثابت فی عملیة البناء الدیمقراطی على النحو الذی تفترضه عملیات التحدیث، والتنمیة، والعقلانیة السیاسیة. وتجلى لنا أن هذه الأحزاب فی اکثریتها تفتقد الى تقالید العمل السیاسی الدیمقراطی، ولم تکنتنضج أفکارها ورؤاها الفکریة والسیاسیة ضمن صیرورات اجتماعیة وثقافیة، بل کانت عبارة عن متبنیات شعاراتیة إرتبطت بالتغییر الفوقی الذی فرضته سلطة الاحتلال  کمحاولة لزرع الدیمقراطیة فی البیئة العراقیة.والجدیر بالملاحظة أن هذه الأحزاب لم یکن لدیها منهجیة لبناء الدولة العراقیة، فإذا نظرنا إلى العلاقة بین هذه القوى نفسها فسوف نرى إن هذه العلاقات تتمحور على  اتجاهین : الأول هو ضغط الاستحواذ على سلطات الدولة العراقیة وفق ما یتوافر لها من إمکانات مادیة، وقدرة على إثارة العنف، وخطاب مؤثر فی عواطف المواطنین . والاتجاه الثانی هو ضغط الشارع العراقی الذی یدفع القوى السیاسیة العراقیة نحو قبـول العملیة السیاسیة السلمیة فی سبیل الوصول إلى سدة الحکم فی البلاد. وإزاء هذا الوضع تشکل توازن فرید من نوعه بین القوى السیاسیة المختلفة انعکس فی علاقات تلک القوى، وفی الواقع السیاسی، ومستقبل الدیمقراطیة(22). ان تفسیر هذه الظاهرة یقودنا الى الحدیث عن المجتمع العراقی، فالعراق وکما قلنا من البلدان المتنوعة اثنیاً، وهو بذلک یمثل مجموعة من المصالح المختلفة، نتیجة لإختلاف مصالح الادیان والمذاهب والاعـراق، فکل من هذه التکوینات یسعى الى تحصیل مصالحه، وتعزیزها، والتعبیر عنهاعلنا على المستوى الرسمی والشعبی، فی الغرف المغلقة، وفی الفضاء الإعلامی الحر. فعلى المستوى السیاسی سارعت القوى السیاسیة العراقیة إلى إیجاد موطئ قدم فی المعادلة السیاسیة التی أوجدها الاحتلال عن طریق تشکیل احزاب سیاسیة تعبر عن مصالح المجموعة البشریة التی ینتمون الیها، فی تنافس کبیر وتدافع لم یعشه العراق من قبل(23). وهنا لا نرید ان نبرر ظاهرة النکوص الى احزاب وهویات فرعیة ، على حساب الهویة العراقیة السیاسیة الجامعة، بقدر ما نرید ان نتعمق فی فهم آلیات ودوافع هذه الظاهرة السیاسیة.

وقد اصبح هذا الواقع واحداً من اهم  العوامل التی أدت إلى (طوفان) الأحزاب السیاسیة فی العراق نتیجة هذا التنوع الاجتماعی، وتعدد الهویات الفرعیة (القومیة والطائفیة)، والانهماک فی تثبیتها، فی مقابل، وعلى حساب، غیاب مرجعیة قادرة على أن تجمع کل الأطیاف فی هویة عراقیة واحدة. ففی العراق هناک أربع قومیات أساسیة هی العربیة والکوردیة والترکمانیة والکلدو- آشوریة، وداخل هذه الهویات هناک هویات أخرى فرعیة مثل الکورد الفیلیین وهم الکورد الشیعة، والأیزیدیین وهم دیانة إختلفت الروایات فی فی تحدد هویتها القومیة بشکل حاسم، وطائفة الشبک بهویة خاصة، لم تحدد بشکل نهائی إلى الآن حقیقة قومیتها، أو على الأقل لم تحدد انتمائها النهائی الى الموصل بوصفها محافظة، أو اقلیم کردستان العراق . ولایختلف الحال کثیراً عند اتباع الدیانة المسیحیة الذین أخذوا بطرح أنفسهم سیاسیاً کقومیة تحت ضغط شعورهم بالتهدید من قیام دولة إسلامیة تعاملهم کمواطنین من الدرجة الثانیة (أهل الذمة)، وواقع سیاسی ضبابی من الصعوبة بمکان التنبؤ بمساراته النهائیة. وهناک مجموعة من الطوائف غیر المنسجمة فیما بینها حیث سعت کل منها إلى تشکیل کیان سیاسی أو حزب یمثلها، فتشکلت أحزاب تعبر عن هویة مرکبة (عرقیة أو دینیة)(24). ویمکن القول ان تکاثر الأحزاب فی العراق إلى الحد الذی أصبحت فیه تشکل سمة ممیزة لظاهرة اجتماعیة وسیاسیة یعود فی المقام الأول إلى طبیعة الانقسامات الداخلیة التی تعیشها تلک الأحزاب.ومن المؤکد أن هذه الاحزاب لم تقتصر على حزب سیاسی واحد دون غیره، أو توجه او تیار سیاسی بمفرده، بل ان هذه الانقسامات انعکست فی کل أشکال التنظیمات السیاسیة فی العراق على اختلاف توجهاتها، سواء کانت إسلامیة أو لیبرالیة، حدیثة أو قدیمة، کما تنطبق على الأحزاب القومیة العربیة وغیر العربیة، وهذا بدوره ینعکس فی عدم استقرار زعامتها وبناها التنظیمیة وحدة الانقسامات داخلها.

وتشیر هذه الظاهرة السلبیة التی  تشهدها الأحزاب الى عدم وجود حیاة حزبیة صحیحة، واتساع ظاهرة تعکس الصراعات حتى فی داخل الحیاة الداخلیة التی تعیشها الاحزاب. وتؤشر هذه الظاهرة، " ظاهرة الدکاکین سیاسیة"الى غیاب تام للفکر السیاسی الدیمقراطی، وتحویل الحزب من أداة للوعی، والتغییر، والتنشئة، والتنمیة السیاسیة، إلى احزاب زعامات، لدیها طموحات جامحة  للحصول على مناصب فی السلطة أو حقائب وزاریة فی الحکومة، بوصفهم أمناءً عامین لحزب ما. وتعکس هذه الانقسامات أیضاً غیاب الدیمقراطیة بأبسط صورها، داخل الأحزاب نفسها، وتشیح عن نزعة دکتاتوریة متحکمة بالقیادة الحزبیة،تحتکر صنع القرار، وتشیع خطابات دیماغوجیة،مفتقدة بذلک إلى طابع العقلانیة السیاسیة الذی یجب ان تکتسی به الحیاة الحزبیة، نظریاً وعملیاً. إن هذا الواقع قاد إلى مزید من حالات التفکک والإنشطار فی الأحزاب العراقیة، وأدى إلى ضعف التنظیم کما حدث بالنسبة إلى الحزب الشیوعی العراقی، وحزب الدعوة على سبیل المثال لا الحصر(25).

وعلیهفإن کثرة الأحزاب والحرکات الإجتماعیة شأنهاشأن کل ظاهرة تاریخیة کبرى میزتمرحلة الانتقال من الدکتاتوریة الى الدیمقراطیة، کان لابد وأن یرافقها الکثیر من السلبیات. ولعل أهم هذه السلبیات هو انتشار وتوسع واستفحال ظاهرة الاحزاب السیاسیة الطارئة او المؤقتة التی تسعى للوصول الى السلطة دون أی شروط موضوعیة لعملها. وان هذه الفورة الکبیرة والاندفاع والحماس من اجل العمل الحزبی أثر سلباً فی واقع العمل السیاسی عموماً، وترک الحیاة السیاسیة عرضة لعملیات الشد والجذب والاختلافات الأیدیولوجیة والسیاسیة للأحزاب، مع عدم وجود تشریعات مقنعة تصب فی استقرار الحیاة الحزبیة الجدیدة. وفی ظل الفوضى والإرباک وضعف مؤسسات النشر والاتصال، أضطرت هذه التشکیلات إلى التعبیر عن نفسها من خلال الشعارات والمسمیات التی اکتظت بها جدران الأبنیة، والشوارع، واهملت فی الوقت ذاته أیة اهمیة لصناعة الفکر، وتوعیة الإنسان، وبناء الدیمقراطیة .

     وقد شهدت مؤسسات الدولة السابقة تعلیق یافطات تحمل عناوین لأحزاب وتنظیمات لم یألفها الشارع العراقی. وبصرف النظر عن القیمة الفعلیة لواقع التعددیة الحزبیة فی العراق، فإن من المهم بمکان فهم هذه الظاهرة على انها بمنزلة رد فعل على حالة الاختناق السیاسی التی أفرزتها عقود من سیطرة حزب واحد على السلطة، والحرمان المطلق من العمل السیاسی داخل العراق، منذ إنهاء تجربة الجبهة الوطنیة فی أواخر السبعینیات. فضلاً عن الفراغ السیاسی الذی تولد بفعل غیابسلطة مرکزیة، نتیجة للاحتلال، وما ترتب علیه من فوضى انطلقت معها الإرادات الفردیة والجمعیة لتأسیس تکتلات سیاسیه. کما کانت لأجواء الدیمقراطیة، والدعوة للإنتخابات والإمتیازات البرلمانیة دافع قوی للدخول فی ممارسة اللعبة السیاسیة من خلال تکوین الأحزاب(26).

لقد لعب الحاکم الأمریکی بول بریمر دوراً مهماً فی ظهور عناوین سیاسیة لشخصیات وکتل عدیدة لا خبرة لهم فی العمل السیاسی، فقد شجع رؤساء ووجهاء عشائر معروفة فی العراق لتشکیل تکتلات وأحزاب سیاسیة مثل عشیرتی "الجبور وال تمیم" وغیرها من العشائر، مقابل وعود بمکاسب مهمة فی الدولة العراقیة الجدیدة (طور التشکیل). وتکشف بعض المصادر عن وجود مؤسسات أمریکیة خصصت مبالغ لتمویل البعض من الأحزاب من خلال قنواتها فی العراق(27).

هذا الواقع أسهم بسیادة الإعتقادبأن فکرة التعدد الواسع للأحزاب فی العراق هی فکرة خارجیة تسعى لتحقیق هدف واحد وهو منع قیام جبهة عراقیة موسعة. ولکن هناک رأی یخالف هذا الرأی یذهب إلى الاعتقادبأنالأمریکیین کانوا على قناعة تامة بجدوى منح حریة سیاسیة واسعة لتشکیل الأحزاب، من أجل تسریع عملیة التحول من الشمولیة الى التعددیة الحزبیة من جهة، ورغبتهمبمنحإنطباع خاص عن تطبیق المبادئ المعلنة خلال الحرب على العراق حول الدیمقراطیة، وتأکید مسوغات الحرب ضد العراق واحتلاله على أرض الواقعمن جهة أخرى(28)

غیر إن الواقع یقول أن دعم تشکیل الأحزاب لم یکن حکراً على الطرف الأمیرکی وحده،بل هناک جهات إقلیمیة عربیة وإسلامیة متعددة تقدم دعماً کبیراً لبعض الأطراف العراقیة تحقیقـاً لمصالحها منها إیران وسوریا والسعودیة وترکیا، إذ ان هذه الدول عملت جاهدة على التأثیر فی توجهات الاحزاب السیاسیة، مستغلة حالة الفوضى والإرتباک التی اوجدها الاحتلال الأمریکی.

ثانیاً: الظاهرة الحزبیة بعد 2003 :التأسیس والمسارات

1- المسار القانونی للتعددیة الحزبیة:

إن هذ المسار تمثل بمجموعة القرارات والأوامر التی أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقت الى اقامة، والتی عکست بلاشک رغبتها بإقامة دیمقراطیة لیبرالیة على اساس اقتصاد السوق، وصون الحریات العامة، والحق بحریة التعبیر والاجتماع وتألیف الاحزاب السیاسیة، ومؤسسات المجتمع المدنی والانضمام لها،وحق التظاهر، والإضراب واحترام الإختلاف، وتعددیة الرأی (29). وقدساهمت هذه التشریعات التی نظمت العملیة السیاسیة فی العراق بعد عام 2003 فی تعزیز الظاهرة الحزبیة، ظاهرة تزاید عدد الأحزاب السیاسیة. أن اهم القرارات التی اصدرتها سلطة الائتلاف المدنیة هی  قانون الأحزاب والکیانات السیاسیة رقم 97 عام 2004 وقانون الانتخابات رقم 96 عام 2004، فقد أعطى قانون الأحزاب الحق لکل فرد بأن یکوِّن کیاناً سیاسیاً مؤهلاً للتنافس فی العملیة الانتخابیة إذا قدم تأییداً وتوقیعاً من (500) ناخب مؤهل، وهذا یعنی أن أی شخص بإمکانه أن یترشح للانتخابات منفرداً کان أو ضمن تکتل یحمل عنوان سیاسی(30).

 لقد حددت سلطة الائتلاف الغایة من صدور قانون (96) کما جاء فی جزئه الأول من أجل وضع إطار قانونی لانتخابات عضویة المجلس الوطنی للحکومة العراقیة الانتقالیة (التی سیتم تألیفـها بعد انتخابات کانون الثانی/ ینایر 2005)، وعرّف هذا القرار فی الفقرة (5) من الباب الثانی، قانون الأحزاب والکیانات السیاسیة، بأنه القانون الذی سیحکم الاعتراف بالکیانات السیاسیة فی العراق خلال المرحلـة الانتقالیة، وأبرز ما یمیز القانون الانتخابی فیما یتعلق بالأحزاب السیاسیة، هو اعتماده على نظام التمثیل النسبی، واعتبار العراق دائرة انتخابیة واحدة، وتحدید نظام القائمة المغلقة فی الانتخابات. فقد اعتمد القانون على نظام التمثیل النسبی ولیس نظام الأغلبیة البسیطة، حیث یسمح هذا النظام بتمثیل مختلف التیارات السیاسیة من خلال إتاحته لجمیع الکتل المتنافسة فرصة الحصول على مقعد فی البرلمان بحسب نسبة الأصوات التی یحصلون علیها، ولا یضع مجالاً واسعاًلهدر الأصوات، فکل حزب طبقاً لهذا النظام یحصل على 30 ألف صوت یحوز مقعداً فی البرلمان خلافاً لنظام الأغلبیة البسیطة، الذی یسمح للحزب الحاصل على أکبر عدد من الأصوات حتى وإن کان الفارق صوتاً واحداً بأن یشکل أغلبیة برلمانیة ویحظى بکل المقاعد(31).

واستکمالاً للقرار السابق صدرالقرار ذی الرقم( 97 )، قانون الأحزاب أو الهیئات السیاسیةصدر لیشکل جزءاً مکملاً للإطار القانونی للانتخابات کما جاء فی قسمه الأول، اعترف(القرار) الأمر فی القسم الثانی، فقرة (1) بالکیانات السیاسیة المشکلة فی العراق وعرّف الکیان السیاسی بأنه: أی منظمة أو أی حزب سیاسی یتکون من ناخبین مؤهلین یتآزرون طواعیة على أساس أفکار أو مصالح أو آراء مشترکة بهدف التعبیر عن مصالحهم، ونیل النفوذ وتمکین مندوبیهم من ترشیح أنفسهم شریطة استیفاء المنظمة على الشروط المطلوبة (رقم التسجیل من المفوضیة العلیا للانتخابات). وبذلک یکون قانون الأحزاب قد اعتبر أی کیان سیاسی مصادقاً علیه - ما عدا الأفراد- تنظیمات سیاسیة قانونیة یجوز لها إمتلاک العقارات وإبرام العقود وعدّهم متساویین أمام القانون (القسم الثالث، فقرة 1،2،3،4)، وحّرم القانون على هذه الکیانات الإرتباط مع أی قوة مسلحة أو میلیشیا أو وحدة عسکریة، کما حظر علیها الحصول على تمویل مباشر أو غیر مباشر من أی میلیشیا مسلحة (القسم الرابع فقرة 3 أ، 5)، ومع أن هذا القانون قد حدد عقوبة من یرتکب أفعالا ًمخلة بالانتخابات تتمثل بالإنذار القضائی والغرامة المالیة وتعلیق التصدیق أو سحبه، إلا أنه لم یحدد عقوبة للکیانات المرتبطة بالمیلیشیات، کما لم یحدد الجهة التی تتولى معاقبتها، وبقیت هذه المادة غیر فاعلة إذ کشفت القوائم الانتخابیة عن دخول میلیشیات بأسماء منظمات سیاسیة إلى البرلمان(32). إن واحدة من أخطر مظاهرة التجربة الحزبیة فی العراق، هی وجود ملیشیات مسلحة مرتطبة باحزاب سیاسیة. وهذه الظاهرة تعکس فی الواقع سعی بعض الأحزاب إلى تعزیز قوتها السیاسیة بقوة عسکریة، وهذا الأمر یتنافى قطعا مع مقاصد الدولة المدنیة، ودولة القانون؛ التی تحرم وجود أیة قوة عسکریة خارج سیطرتها، او تعمل بموازاة عمل الدولة. مما ینذر بخطورة تحدی سلطة الدولة، والانقاص من سیادتها على اراضیها.

إن قانون الأحزاب سعى فی قسمه الأول إلى تشجیع الکیانات السیاسیة فی إطار قانونی للوصول الى انتخابات حقیقیة نزیهة وعادلة، أما القسم الثانی فقد إختص بتعریف الکیان السیاسی، والقسم الثالث منح الحزب الشخصیة المعنویة – القانونیة، والقسم الرابع حدد بعض الضوابط الخاصة بالأحزاب، والخامس خول المفوضیة إصدار التعلیمات بهذا الشأن، والقسم السادس قضى بعدم العمل بأی نص قانونی یخالف الأحکام السابقة(33).

وبدا جلیاً ان النظام الحزبی  فی العراق یعتریه النقص بشکل جوهری، وربما یعود هذا الأمر إلى أن کثیرا من الأحزاب والقوى السیاسیة تندرج ضمن (الأحزاب الهیکلیة) التی تتکون من هیکل یشکله کادر الحزب المحدود العدد، وفی الوقت ذاته تفتقد الى قاعدة جماهیریة مؤیدة لها. ان وجود أحزاب سیاسیة قدر عددها بــ(300) لا یمثل حالة صحیة فی الحیاة السیاسیة العراقیة، لأن ممارسة نشاطها السیاسی بهذه الطریقة یتعارض مع المطلب الأساسی للتعددیة، وهو إدارة الاختلاف وتقنین الصراع.ویؤدی أیضا إلى تشتیت الأصواتالذی یحرم الکتل الکبیرة من الحصول على الأغلبیة المطلوبة لتشکیل الحکومات.ویغنی فیما یعنیه أیضاًأن تشکیل الحکومات بالمستقبل سیرتهن بآلیة التحالفات الواسعة؛ التی تستدعی الرکون إالى منهجیة التوافقیة السیاسیة، والتی هی بمعنى أدق (محاصصة حزبیة وطائفیة واثنیة)(34). وهذامما یؤخذ على  القوانین والقرارات التی اصدرتها سلطة الائتلاف المدنیة (سلطة الاحتلال) فی أنها لم تکترث للنتائج السیاسیة التی ستترتب على قاعدة المحاصصة السیاسیة. فمجلس الحکم الانتقالی عوضاً على ان یکون مرحلة انتقالیة فی الوعی الفکری السیاسی للأحزاب والنخب السیاسیة, نجده قد تحول تدریجیاً الى أداة لإنتاج مختلف ظواهر الحزبیة الضیقة فی بنیة الدولة ومؤسساتها وأسالیب عملها(35).

وتمکنت بعض القوى العراق تحت إشراف سلطة الاحتلال من إصدار قانون إدارة الدولة المؤقت للعام 2004 لیکون إطاراً للعمل السیاسی الحکومی،وتطوراً أساسیاً فی مجال الحریة السیاسیة، إذ أسهم هذا القانون فی تعزیز التعددیة الحزبیة فی العراق، حیث نصت المادة (13)، الفقرة (ج) منه على "أن الحق لحریة الاجتماع السلمی ولحریة الانتماء فی الجمعیات هو حق مضمون، کما أن الحق بتشکیل النقابات والأحزاب والانضمام الیها على وفق القانون هو حق مضمون"(36).

وفی الدستور العراقی الجدید للعام 2005 أعطت المادة (20) منه الحق للعراقیین فی المشارکة فی الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السیاسیة بما فیها حق التصویت والانتخاب والترشیح. ونصت المادة (39) من  نفس الدستور على حریة تأسیس الجمعیات والأحزاب السیاسیة والانضمام إلیها وعدم إجبار أحد على الانضمام أو الاستمرار فی عضویة أی حزب. وحددت المادة (7) کذلک شروط التعددیة السیاسیة إذ نصت على حظر أی کیان أو نهج یتبنى العنصریة أو الإرهاب أو التکفیر أو التطهیر الطائفی أو یروج لها، وتستثنی المادة حزب البعث العربی وما أسمته (البعث الصدامی) من أن یکون ضمن التعددیة السیاسیة تحت أی مسمى(37).  

نعتقد ان تطبیق هذه المادة الدستوریة المهمة بکل مدلولاتها القانونیة والسیاسیة من شأنه أن یلغی ظاهرة قیام الأحزاب على أسس مذهبیة او دینیة أو عرقیة ، أو اثنیة، او عسکریة. ویدفع بإتجاه تحول حقیقی نحو دولة مدنیة تقوم على أساس النظام الدیمقراطی اللیبرالی. ولکن الدستور ذاته یتضمن معنى خطیر فی بعض مواده، ومنها المادة (2) التی من المحتمل أن تؤسس لدولة ثیوقراطیة (دینیة) تقوم على الحق المقدس والإرادة الإلهیة التی تلغی (من الناحیة العملیة) قیام أی سلطة على أساس إرادة الشعب، وهو ما قد یترتب علیه بناء نظام سیاسی ذی أیدیولوجیا دینیة جامدة تؤدی إلى شمولیة تلغی الرأی الآخر واتجاهاتها(38).

لقد بلغ عدد الکیانات السیاسیة المسجلة فی المفوضیة العلیا للانتخابات فی کانون الثانی/ ینایر 2005 والتی تمارس بشکل أو بآخر النشاط الحزبی وتتنافس فی العملیة الانتخابیة (167) کیاناً سیاسیاً توزعوا بین حزب وحرکة وتجمع وکتلة من أصل (226) کیاناً من ضمنهم الأشخاص المستقلین، أما فی الانتخابات الثانیة فی کانون الأول/ دیسمبر 2005 فقد بلغ عدد الکیانات المسجلة (249) تنظیم من أصل (467)، علماً أن أکثر من (56) کیاناً سیاسیا ممن تنافسوا على مقاعد البرلمان فی الانتخابات الأولى لم یشارک فی الانتخابات الثانیة ولم یسجل فی قوائمها. ومن بین هذا الکم الکبیر من الأحزاب تبرز مجموعة قلیلة من الأحزاب الأساسیة أو الرئیسیة ذات التاریخ والنشاط السیاسی الملحوظ على الساحة السیاسیة العراقیة، أما العدد الأکبر فهو مجرد عناوین سیاسیة(39).

2- الممارسة السیاسیة للأحزاب الإسلامیة:

اتسمت الظاهرة الحزبیة فی العراق بظهور احزاب سیاسیة إسلامیة تمتد بجذورها الى مراحل زمنیة مختلفة، فحزب الدعوة الاسلامیة یعود تاریخ تأسیسه الى العام 1957، والحزب الإسلامی العراقی تأسس فی العام 1961، والمجلس الاعلى للثورة الإسلامیة تأسس فی ایران فی العام 1982. وهذه الأحزاب کما أکدنا سابقاً کانت محرومة من العمل السیاسی الحزبی داخل العراق. ویشیر المشهد السیاسی أیضاإلى صعود أحزاب اسلامیة أخرى تکونت من تیارات کانت داخل العراق، مثل التیار الصدری. وأبرز ما یمیز الخارطة الحزبیة بعد عام 2003 هو العدد المتزاید للأحزاب الدینیة( سنیة وشیعیة)؛ إذ بلغ عدد الکیانات السیاسیة ذات الصبغة الإسلامیة فی القوائم الانتخابیة (38) کیاناً بین تکتل وحرکة وفصائل مسلحة تحولت إلى منظمات حزبیة. وتتوزع الأحزاب الإسلامیة إلى إسلامیة سنیة وأخرى شیعیة ، وأحزاب کوردیة إسلامیة، وأخرى ترکمانیة إسلامیة(40).

وتعکس هیمنة التیار الدینی الإسلامی على الساحة السیاسیة، تحولات اجتماعیة وسیاسیة کبیرة فی العراق، إذ لم یکن لهذه التیارات مساحة للتحرک السیاسی حتى بدایة الثمانینات من العقد الماضی، ولم تجد لها متسعا للعمل والانتشار فی ظل المد الیساری (المارکسی) الذی اجتاح حتى الأماکن الدینیة (المقدسة) مثل النجف وکربلاء فی العقد الخامس والسادس والسابع من القرن الماضی(41)

وهذه الأحزاب قامت بتعبئة جماهیرها من خلال الاجتماعات الإسبوعیة، مما ترتب علیه أن أصبحت هذه الأحزاب الإسلامیة بعد عام 2003- سواء کانت سنیة أو شیعیة -أصبحت هی المعبر الوحید عن هویة الطائفة التی تمثلها مما ضاعف من رصیدها الشعبی(42). ولقد قامت الأحزاب الإسلامیة المنفیة سابقاً مثل حزب الدعوة الاسلامیة، والمجلس الأعلى العراقی الإسلامی بتکوین تحالف عرف باسم "الائتلاف العراقی الموحد" وحصل على مساندة الحوزة الدینیة ونفوذها, ورضا المرجع الأعلى السید علی السیستانی لتتمکن بذلک من إقامة تحالف واسع مع التیار الصدری, لیولد نتیجته الائتلاف العراقی الموحد الذی حصل على(140) مقعداً من مقاعد البرلمان الکلیة البالغة (275) فی انتخـابات البرلمانیة العامة فی العام 2005, وأصبح بذلک الائتلاف الحاکم(43). ففی غیاب قاعدة اقتصادیة- اجتماعیة, ذهبت الأحزاب الاسلامیة لتعبئة ناخبیها باستخدام شبکات الإعلام، والتبلیغ الدینی التی انشأتها خلال وجودها فی المنفى، واعتمد الائتلاف العراقی الموحد تعبئة ناخبیه على رمزیة السلطة الدینیة, بل واستخدم شعارات السلطة الدینیة الشیعیة ( الحوزة العلمیة ) بقیادة السید علی السیستانی. ونظراً لاعتماد هذه الوسائل القائمة على الرموز الدینیة للطائفة فی الانتخابات، فإننا أصبحنا أمام هویات دینیة، تراجعت أمامها الهویة السیاسیة الجامعة(44). إن الملاحظة الأساسیة الأولى هی أن هذه الأحزاب ومنذ عملها فی المعارضة لنظام حکم صدام حسین لم تکن تعبأ کثیراً بالمقولات الدیمقراطیة، ولم تبذل جهداً فکریاً لتأصیل المفاهیم السیاسیة المعاصرة مثل الدیمقراطیة والتعددیة الحزبیة والدولةالمدنیة. وهذا ما اکد علیه أحد رموز المعارضة العراقیة بقوله " لم یجر طرح مشروع بناء الدولة العراقیة المدنیة الدیمقراطیة فی أدبیات الاحزاب العراقیة فی المنفى طیلة سنوات المنفى، ولم تجر ایة مناقشات جادة حول الموضوع"(56).  وهذا أساساً نابع من النظریة السیاسیة لهذه الاحزاب سواء کانت نظریة سیاسیة قائمة على أصول المذاهب الفقهیة السنیة (الخلافة)، أو نظریة سیاسیة شیعیة (الولایة). ویبقى الفکر السیاسی الاسلامی محکوم بالنظریة السیاسیة الإسلامیة بشقیها السنی والشیعی التی تقف فی جوهرها موقفً غیر حاسم من الدیمقراطیة. وفی هذا الصدد یمکن الاستشهاد برأی عبد الإله بلقزیز فی اطار انتقاده لتجارب الإسلامیین فی الانتقال من المعارضة الى السلطة فی العالم العربی الى نقطتین أساسیتین(46):

1-ان تجربة الأیدیولوجیات التی سبقت الإسلامیین کاللیبرالیة والقومیة والاشتراکیة تشیر الى مقولة ان التیارات الإسلامیة حالما تدخل الى السلطة تتخلى عن مقولاتها المثالیة وتحرق أیدیولوجیاتها السیاسیة، فالأیدیولوجیة شکل من أشکال التمثیل المثالی للواقع ومن ثم فهی ستظل بعیدة عنه حتى تترجم نفسها حرفیاً فی تجربة سیاسیة مختلفة. وان المشروع السیاسی للحرکات الإسلامیة هو فوضوی فی المقام الأول، فهی تملک برنامج ثورة وهدم دون ان تملک برنامج بناء وتأسیس.

2-ان عقود طویلة من القمع والتهمیش والعمل السری قد عملت على ترسیخ تصورات خاطئة للدیمقراطیة فی أذهان الکثیر من کوادر الأحزاب السیاسیة الإسلامیة العراقیة،  وهو ما یظهر من تصریحات وسلوکیات هذه القیادات. فکثیرا ما نجد انها تختزل الدیمقراطیة بالانتخابات(الدیمقراطیة الأداتیة)، کما ان بعضها ظل یعمل بعقلیة وبخطابات وشعارات المعارضة والمظلومیة حتى بعد سنوات من تربعها على السلطة، وتظهر الدیمقراطیة فی تصریحات واقوال کوادرها وقیاداتها على انها غایة بحد ذاتها(47) . ومن هنا ظلت مسألة وصول الإسلامیین الى السلطة -سواء بطریقة دیمقراطیة أو بغیرها- تثیر مخاوف کبیرة فی الداخل والخارج.وتنبع هذه المخاوف من احتمالة انقلاب الإسلامین على الدیمقراطیة، وعدم تمکن من تجاوز محددات التراث التقلیدی حول مسائل تتعلق بحریة الاعتقاد، والفکر، والموقف من غیر المسلمین، ومفهوم المواطنة، ووضع المرأة والمعارضة الفکریة والسیاسیة خارج إطار الاسلام، وحریة الانسان فی تغییر معتقده وکیفیة التوفیق بینها وبین حکم الردة وغیرها من المسائل(48).ومن ناحیة ثانیة ان سوء الفهم الذی یسود أوساط الإسلامیین إزاء بعض المفاهیم المرتبطة بالممارسة الدیمقراطیة من شأنه ان یعیق ظهور ثقافة دیمقراطیة حقیقیة.إن الشکل الوحید لتجلی علاقة الاکثریة والأقلیة الذی یعرفه الکثیر من المثقفین الإسلامیین هو الأکثریة الإسلامیة، والأقلیات المسیحیة والیهودیة، او الأکثریة الشیعیة والأقلیة السنیة او العکس. غیر ان الدیمقراطیة فی جوهرها لا تعنی الاکثریة الدینیة او العرقیة او الطائفیة ، بل تعنی الأکثریة السیاسیة،وإن وحدات المشارکة الاساسیة فی اتخاذ القرار هم المواطنون بالمعنى السیاسی لا الطائفی.ولهذا السبب ترفض بعض الدول وجود أحزاب تقوم على أسس طائفیة لأن ذلک یحول مفاهیم الأغلبیة والأقلیة السیاسیة الى أغلبیة وأقلیة طائفیة(49).

ینطلق تمثل الاسلامیین للدیمقراطیة من تصور اداتی لها أی کأداة للوصول الى السلطة مع رفضها کفلسفة وقیم تقوم على التسامح والتعددیة الفکریة ،  إن هذا التصور الإجرائی للدیمقراطیة هو الذی یدفع بالإسلامیین إلى طرحها على أنها غایة بحد ذاتها ولیست وسیلة کما یجری اختزالها بالممارسة الانتخابیة وبصنادیق الاقتراع بدل أن تکون وسیلة للمراقبة والشفافیة والوصول إلى الحکم الصالح . الأمر الذی عمق من ظاهرة الفساد المالی والإداری

وأنتج دیمقراطیة طوائفیة وعرقیة تحکم توازناتها من الخارج وتشکل بیئة خصبة للفساد والفوضى الأمنیة والسیاسیة .

   والواقع أن الدیمقراطیة فی جوهرها هی وسیلة ولیست غایة بحد ذاتها، فهی وسیلة تهدف إلى تحقیق الحکم الصالح او الرشید وتنجز الدیمقراطیة کأداة للوصول إلى الحکم الصالح مهمتها بما توفره من وسائل المراقبة والشفافیة والمسائلة إلا إن الدیمقراطیة لا یمکنها تحقیق مهمتها بمعزل عن الإرادة السیاسیة الصادقة فهی کمنظومة وآلیات یمکن للمفسدین ان یعطلوا مفعولها أو یحرکوه بالاتجاه المعاکس وإفساد الدیمقراطیة والذی هو اشد خطرا على الشعوب من الدیکتاتوریة لما یتضمنه من شرعنة الفساد واستدامته .

وعلیه فإننا نؤید الرأی القائل إن الأحزاب السیاسیة القائمة على أساس أصولی دینی فی الوسطین (السنی والشیعی) على حد سواء لعبت دورا أساسیا فی زیادة حدة الاستقطاب الطائفی داخل المجتمع، کما تصرفت هذه الأحزاب بعقلیة المکونات التی تدعی تمثیلها، ولیس بعقلیة من شرعیة احتکار السلطة دیمقراطیاً، وهو ما یؤدی بالنتیجة الى استبداد الطائفة الواحدة او استبداد ممثلیها بمبدأ الاغلبیة السیاسیة التی هی فی حقیقتها أغلبیة طائفیة، وهو ما قد یؤدی الى جعل الطائفیة السیاسیة منهجیة حکم مستقبلاً (50).

3- الممارسة السیاسیة للأحزاب المدنیة

والسمة الأخرى التی طبعت المشهد السیاسی فی العراق تحت الاحتلال وبعده، هی وجود أحزاب کثیرة مدنیة تزعم تبنیها للقیم والمفاهیم الدیمقراطیة فی ظاهرة ملفته جداً . منها أحزاب ترفع شعارات علمانیة ولیبرالیة وقومیة وعراقیة. هذه الأحزاب وعلى الرغم من اتساع عددها مقارنة بالأحزاب الدینیة الإسلامیة، إلا أن هذا العدد لا یقابله أداء سیاسی قوی ومؤثر فی توجیه الأحداث وصوغ ملامح المشهد الحزبی فی العراق، ذلک أن هذه التنظیمات ضعیفة بمعظمها ولیس لدیها رصید شعبی أو امتداد تنظیمی أو میلیشیات مسلحة تضمن لها موقعاً مؤثراً فی الخارطة السیاسیة العراقیة.

ولم تستطع هذه القوى أن تواجه قضیتین أساسیتین، القضیة الأولى: هیمنة الأحزاب الإسلامیة وما ترکته من استقطابات طائفیة، وخصوصاً بعد أن تقاسمت مؤسسات الدولة فیما بینها، مما سمح لها بتوسیع نفوذها على حساب التیارات الوسطیة. والقضیة الثانیة:هجرة وانقسام الطبقة الوسطى العراقیة التی تمثل الرکیزة الأساسیة لأحزاب الوسط بوصف الأخیرة التعبیر السیاسی الأبرز لهذه الطبقات، والتی ذابت وتفتت بسبب اضطراب قاعدتها المعیشیة وتعطیل هیاکل الصناعة والتجارة الوطنیة خلال عقد التسعینات من القرن الماضی، ولم تسمح التغییرات السریعة التی رافقت العملیة الانتقالیة بأن تأخذ الطبقات الوسطى مداها، کما حال دون تمکن التیارات الممثلة لهذه الفئات من أن تجمع صفوفها وتستقطب جماهیرها(51).

وما زاد من صعوبة مواجهة هذین التحدیین أن هذه الأحزاب فی معظمها صغیرة ومشتتة وغیر قادرة على إقامة تحالفات فیما بینها وتنسیق جهودها إزاء الأحداث المتسارعة، بسبب الصراعات والتناحرات بین الأطراف التی تشکل هذا التیار. فعندما اجتمعت هذه القوى فی کردستان قبل الانتخابات  البرلمانیة الثانیة فی العام 2008 بهدف الاتفاق على تأجیلها (وهذا مثال واحد على غیاب القدرة على التنسیق) تراجعت معظم الکتل عن اتفاقها، مما جعل القوى التی أصرت على التأجیل معزولة وفی موقف ضعیف(52).

والأمر الآخر الجدیر بالملاحظة هو أنه لم یعد هناک حدود وحواجز واضحة بین الأحزاب الوسطیة إذ لم تعد الخلافات بینها أیدیولوجیة بقدر ما هی صراع على الزعامة، والمشکلة الرئیسیة التی تعانی منها الأحزاب الوسطیة فی المرحلة الحالیة من التاریخ السیاسی للعراق، هی أنها غیر مصنفة على أساس الهویات (دینیة أو عرقیة) وهو فی مقدمة العوامل التیأدت إلى انحسار دور الأحزاب العلمانیة واللیبرالیة(53). ذلک أن طبیعة المرحلة ومناخ الاستقطابات الطائفیة والإثنیة الذی هیأت له الأحزاب الممثلة للمذاهب والقومیات، قد حتمت على أی حزب لکی یکون فاعلاً ومؤثراً فی التشکیل الجمعی للرأی العام؛ وبالتالی لدیه الفرصة فی الوصول إلى مراکز صنع القرار، أن یتخذ له هویة طائفیة. وتمثل جبهة الحوار الوطنی التی یترأسها صالح المطلک نموذجا للتنظیم السیاسی الذی تحول من حزب لیبرالی ممثل لکل القومیات والمذاهب إلى حزب ذی هویة طائفیة. إذ لم یتعامل الناخب فی العراق مع هذا الحزب إلا بوصفه حزباً(سنیاً) ونسبة الأصوات التی حصل علیها فی الانتخابات البرلمانیة الثانیة جاءت معظمها من المحافظات السنیة. وهکذا تجری عملیة التصنیف للأحزاب والتنظیمات(54). وتفسر بعض الزعامات السیاسیة غیاب تأثیر التیار الوسطی بأنه نتیجة التأثیر الأمیرکی الذی فسح المجال أمام الأحزاب الاسلامیة (أحزاب الطوائف) المتناحرة، سواء کانت سنیة أم شیعیة ولم یعطِ الفرصة نفسها للأحزاب اللیبرالیة.

ویفسر بعضهم ظاهرة ظهور أحزاب الطائفة  بوجود إرادات إقلیمیة أیضاً ترید لنظام الحکم فی العراق أن تکون له هویة طائفیة مرکبة تتمثل بالنخب السیاسیة الطائفیة التی وجدت مصلحتها فی نظام المحاصصة. ومن هنا فإن الإنقسامات الطائفیة قد انعکست بدورها فی فکر وسلوک التیارات الوسطیة أیضاً، وکانت واحدة من أسباب الانشقاقات التی تعرضت لها هذه التیارات. فعلى سبیل المثال انقسم أعضاء الحزب اللیبرالی الواحد تبعاً لطوائفهم لیؤسسوا حزباً جدیداً، ویطرح المشهد الحزبی نموذجین لهذا النوع من الانشقاق، الأول، ما تعرض له حزب المؤتمر الوطنی الذی انشق عنه مثال الآلوسی (وهو سنی) لیشکل حزب الأمة العراقیة، والثانی، الحزب الوطنی الدیمقراطی، الذی انفصلت قیاداته من الشیعة فی تنظیم جدید أطلق علیه "الحزب الوطنی الدیمقراطی الأول"(55).

   ان الأحزاب السیاسیة على مختلف تسمیاتها وتصنیفاتها الأیدیولوجیة تعانی من ضعف جلی فی تأسیس فکرة الدولة الشرعیة، وفکرة الوطنیة العراقیة؛ مما جعل من آلیة "المحاصصة" کما ظهرت فی أول تشکیل "شرعی" لإدارة "مجلس الحکم " نتیجة حتمیة لهذا الضعف وفی هذا یکمل أحد الأسباب الجوهریة لنفسیة المؤامرة والمغامرة فی نشاط أغلب الحرکات السیاسیة المعاصرة. وعندما نتأمل تجربة ما بعد نظام صدام, فأننا نقف أمام ضعف إدراک السیاسی والتاریخی لماهیة الوطنیة العراقیة  وحقیقتها من جانب القوى والأحزاب السیاسیة المکونة "لمجلس حکم الانتقالی". من هنا جاء انتشار وتوسع وترسخ الحزبیة والعرقیة والقومیة الضیقة والجهویة والطائفیة فی کل ما تقوله وتفعله ویعبر هذا السلوک عن انغماسها العمیق فی بقایا ومکونات البنیة التقلیدیة(56).  وکما ذکر کل من مانسفیلد وسیندر, فان الدیمقراطیة الناشئة وبمؤسسات هشة وشرعیة ضعیفة وبغیاب قاعدة قانونیة رصینة لعمل الاحزاب السیاسیة، وقیام غالبیة الأحزاب على اساس التعددیة الحزبیة بمعنى قبول الاخر بل بمعنى ان تعبر عن توجهات دینیة رادیکالیة،هذا کله  قد یقود الى الحرب. وفی حالة العراق ما بعد عام 2003, ان النزاعات المسماة بالحرب الاهلیة التی اندلعت بعد انتخابات عام 2005بسبب ان النظام الانتخابی قد استخدم فی ظل غیاب مؤسسات فاعلة, وهذا ما حول الاختلافات الطائفیة الى انقسامات سیاسیة(57).

لقد ترکز اهتمام الائتلاف العراقی الموحد، الذی هیمنت علیه القوى والأحزاب الإسلامیة الشیعیة، على فکرة حکم الاغلبیة البسیطة (خلافاً لفکرة التوافقیة القائمة على المشارکة الموسعة)، وفکرة أسلمة النظام السیاسی، مما ولد مخاوف عدیدة من الأطراف السیاسیة المختلفة. وبالمقابل ترکز اهتمام قوى القائمة العراقیة على الدفاع عن حقوق (المکون السنی) بخطاب سیاسی صنف على انه (خطاب طائفة) ولیس خطاب وطن، خطاب وممارسة سیاسیة تأسست فی ظل غیاب الإطار السیاسی الجامع الذی یحتکم الیه الجمیع. وکان یمکن للدستور العراقی ان یکون إطاراً جامعاً لو فعلت مواده جمیعها.وأبدت الأقلیات الدینیة (المسیحیون- الصابئة- الأزیدیون) ذعرها من اشتداد النزعات الاسلامیة المحافظة، وأبدت خشیتها على حریتها فی ممارسة الشعائر الدینیة وحریة المعتقد، فضلاً عن مخاوف ناجمة عن إرساء الفیدرالیة. فالسنّة فی البصرة تخشى التهمیش نتیجة الفدرالیة کونهم أقلیة فی تلک المحافظة، بینما یبدی العرب والترکمان والأشورییون، الخشیة نفسها فی کرکوک، فی حال أدراجها فی الفدرالیة الکوردیة(58). وعلى أثر التباینات فی الآراء ووجهات النظر بین الأحزاب والقوى السیاسیة الفاعلة تعثرت العملیة السیاسیة والدستور ، ومسار التحولات الدیمقراطیة (59).

  کان یمکن للدیمقراطیة التوافقیة ان تکون أداة سلیمة فی إدارة الاختلاف والتنوع، فتسمح للجمیع بالمشارکة السیاسیة فی السلطة أو المعارضة، وتمنح الأقلیة السیاسیة حق الــ(فیتو) ، مع إیجاد ضمانة تمنع الفائز من الاستبداد أو احتکار القرار أو الاستئثار بالسلطة لصالحه او لصالح فئته(60).  ولکن فی الممارسة السیاسیة العملیة لم تعمل الدیمقراطیة التوافقیة، لأن الثقافة السیاسیة ( ثقافة الطائفة والمکون) مثلت عائق وتحدی کبیر فی عجلة عمل هذه النوع من الدیمقراطیات(61).

الخاتمة: الظاهرة الحزبیة فی العراق ظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام کونها مثلت سمة ممیزة للحیاة السیاسیة فی العراق الجدید، عراق ما بعدعام 2003 وما ارتبط بهذا التاریخ من تغییرات جذریة فی النظام السیاسی، والحیاة العامة. والملاحظة الأساسیة التی نسجلها فی خاتمة هذا البحث ان ظهور أحزاب سیاسیة کثیرة لا یعبر بالضرورة عن مدى نجاح التحول الدیمقراطی فی العراق، مع أن وجود الأحزاب ضرورة حتمیة لأی نظام دیمقراطی. فالأحزاب فی العراق فی أکثرها غیر دیمقراطیة، ولیس لها تاریخ سیاسی دیمقراطی، ولا تؤمن بالأساس بالفکر السیاسی اللیبرالی، وما دفعها للقبول بالعمل السیاسی تحت الرعایة الامریکیة هی الرغبة فی الوصول الى السلطة لیس ایمانا مطلقا (باللعبة) الدیمقراطیة واشتراطاتها الموضوعیة ودلالاتها الفلسفیة، بقدر ما کان (تقیة) سیاسیة، وبراغماتیة کبیرة فی التماشی مع الخارطة السیاسیة التی صممها الأمریکیون للعراق الجدید.ونعتقد ان هناک اشواطا کبیرة یجب على المؤمنین بالنهج الدیمقراطی السیر فیها حتى یعدلوا المسار المتعثر للدیمقراطیة فی ظل  هذا الواقع المتناقض، والمشوه بنیویا. وفی هذا السبیل یتوجب تقدیم معالجات جادة لأحدث تحول حقیقی باتجاه الدیمقراطیة.

ویأتی فی مقدمة المعالجات تعدیل قانون الأحزاب السیاسیة  الذی رسخ قاعدة المحاصصة الطائفیة؛ إذ أن بقاء القانون على حاله سیدیم حالة اللاستقرار السیاسی، ویعیق عملیة التنمیة والتحدیث السیاسی، فالعراق بحاجة فعلیة لوضع مرتکزات الدولة المدنیة، دولة المواطنة، لا دولة الطوائف والعرقیات والأدیان. فعلى سبیل المثال ان حصول بعض الاحزاب على مصادر تمویل من غیر معرفة مصدرها یثیر الشکوک باحتمالیة تبعیتها الى الخارج. الأمر الذی من الممکن أن تدیم حالة النفوذ الخارجی فی القرار السیاسی، مما ینعکس فی مفهوم السیادة الوطنیة. ومن هنا لابد للقانون من أن یشدد عل الشفافیة فی مسألة تمویل الأحزاب لنشاطاتها بالطلب من الأحزاب بالکشف عن مصادرها المالیة بشکل سنوی. ویجب على مجلس النواب العراقی ان یعید النظر بمتطلبات تأسیس (حزب سیاسی)، فبمجرد تقدیم طلب لإنشاء حزب معضد بتواقیع (500) شخص مع تزکیة من هیئة المساءلة والعدالة تمنح الاجازة الرسمیة، وخوض التنافس الانتخابی ومزاولة کل النشاطات السیاسیة وغیرها. ان هذه السهولة تمثل واحدة من اهم أسباب انتشار الأحزاب السیاسیة على المستوى الأفقی، وعلى الرغم من ان بعض المتخصصین یعتقد انها تمثل وجها للحریات السیاسیة التی ینص علیها الدستور الجدید، إلا أن البعض الآخر یذهب الى خلاف ذلک لأنها تصیب الحیاة السیاسة بالترهل والفوضى، خاصة مع بروز ظاهرة ما یسمى بــ(بالدکاکین السیاسیة) التی تهدف الى مجرد الوصول الى السلطة، او الحصول على مکاسب مالیة وغیرها دون ان یکون لها أسس تنظیمیة، او أنها تنشئ طبقا للتصنیفات الأیدیولوجیة والبرامجیة للأحزاب السیاسیة. کذلک نرى وجوب أن یضمن التعدیل القادم تحریم قیام احزاب سیاسیة على أسس دینیة وطائفیة وعرقیة، لما لها من تداعیات سلبیة على واقع وحدة العراق، والسلم الأهلی، والطمأنینة الاجتماعیة. کما یتطلب تجریم ای حزب یشکل ملیشیا عسکریة او تنظیمات ارهابیة تتعاطى العنف للوصول الى مکاسب سیاسیة.

ان فهم ظاهرة الاحزاب السیاسیة فی العراق یستدعی تطویر النخب السیاسیة لوعیها السیاسی، ووعی الجماهیرعن طریق تهیئة البیئة الملائمة لنجاح تجربة الدیمقراطیة. وهذا یتطلب تعمیق القیم الدیمقراطیة عند الکوادر الحزبیة وتدریبها على ذلک، وکذلک یجب وضع النظام الداخلی على هذه الأسس وکیفیة تبادل الأدوار والمناصب والمراکز فی عملیة ادارة الحزب وممارسة السلطة فیه. ان الأحزاب السیاسیة ذاتها مطالبة بتحول القیم الدیمقراطیة الى ثقافة مجتمعیة عن طریق تنویر وتوعیة الجماهیر بمختلف الوسائل الإعلامیة والتدریبیة والثقافیة، وبقاء العراق بلا ثقافة دیمقراطیة شعبیة یعنی إبقاء واحد من أصعب التحدیات التی تعیق التحول الدیمقراطی، وهو التحدی الثقافی.ففی العدید من التجارب الدیمقراطیة، تتطلب الدیمقراطیة بیئة موضوعیة قادرة على استیعابها، وخاصة الثقافیة منها. ویجب أن تمارس الأحزاب السیاسیة  العراقیة عدداً من الأدوار السیاسیة، وأن لا یختزل دورها فی الموسم الانتخابی فقط، لأن هذا الاختزال یشوه العملیة الدیمقراطیة ویحولها الى أداة اجرائیة فقط، أو وسیلة للوصول الى السلطة بدل أن تکون فلسفة تحکم سیر العملیة السیاسیة. فالأحزاب السیاسیة العراقیة الراهنة یمکن وصفها بأنها أحزاب موسمیة، تنشط فی الموسم الانتخابی فقط، وتغلق أبوابها فیما عدا ذلک، باستثناء تلک التی تحکمها الأیدیولوجیة التی تستمر بتغذیة أفرادها بثقافة رادیکالیة بعیدة عن الدیمقراطیة، وتکرس النزعة الدکتاتوریة فی نفوس أتباعها، وتعزز من الثقافة التقلیدیة التی تمثل تحدی حقیقی للثقافة الدیمقراطیة.  ومن المهم بمکان ان لا تقتصر عملیة ترسیخ البیئة الدیمقراطیة على عاتق النخب السیاسیة المعارضة فقط بل یتطلب ایضا من النخب الحاکمة(الحکومة) العمل بجد على تعزیز هذه البیئة بالتشدید على عدم خرق الدستور او محاربة التحول الدیمقراطی، والإستئثار بالسلطة والتشبث بها عن طریق التحایل على الاطر القانونیة. ان تجربة فتیة مثل التجربة العراقیة من المحتمل ان یتم التحایل علیها وحرفها عن مسارها، فی ظل قصور الثقافة السیاسیة وعدم تشریع القوانین ذات العلاقة، وارث الاستبداد الکبیر، ضعف الرقابة البرلمانیة والجماهیریة، وبالتالی فإن مسؤولیة انجاح التجربة الدیمقراطیة هی مسؤولیة الجمیع.

 
 
 
 
هوامش الدراسة
1-للمزید ینظر موریس دوفرجیه، علم اجتماع السیاسیة، ترجمة سلیم حداد،(بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع، ط1،1991)،ص ص 309-3016.
2-نقلا عن : عبد الغنی بسیونی عبد الله, الوسیط فی النظم السیاسیة والقانون الدستوری ,(القاهرة، مطابع السعدنی,2004)، ص324.
3-نقلاً عن : حافظ علوان حمادی ، المدخل الى علم السیاسیة ، بغداد: کلیة العلوم السیاسیة ، جامعة بغداد ، )1999، ص149-150 .
4-أحمد ثابت، التعددیة السیاسیة فی الوطن العربی: تحول مفید وآفاق قائمة، مجلة المستقبل العربی، ( بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربیة، العدد (155)، 1/1992م، ص 144 .
5-المصدر نفسه، ص 145 .
6-رمزی الشاعر، الأیدیولوجیة وأثرها فی الأنظمة السیاسیة المعاصرة، (القاھرة: دار النهضة،1979)، ص104.
7-ینظر فی هذا :...........، انتخابات البرلمان العراقی فی (7 / 3 / 2010)، مجلة شؤون عراقیة،(عمان: مرکز العراق للدراسات الاستراتیجیة، العدد 1، کانون الثانی 2010)، ص15 .
8-للمزید ینظر: لیث عبد الحسن  الزبیدی، ثورة 14 تموز، (بغداد: دار الرشید للنشر، 1979).
9-حسنین توفیق إبراهیم، عبد الجبار أحمد عبد الله، التحولات الدیمقراطیة فی العراق القیود والفرص، مجلة دراسات عراقیة،(دبی: مرکز الخلیج للأبحاث، العدد 3 ، 2005)، ص30.
10-بتول هلیل الموسوی، التعددیة الحزبیة فی العراق وأفاقها المستقبلیة، مجلة العرب والمستقبل،(بغداد: مرکز دراسات وبحوث الوطن العربی، الجامعة المستنصریة، العدد11، 2005)، ص125 .
11- إبراهیم أنور، العراق من الاستبداد إلى الدیمقراطیة،(القاهرة: مرکز المحروسة للنشر، 2010)، ص15 .
12-ستار جبار علای، خضر عباس عطوان، العراق قراءة  لوضع الدولة ولعلاقاتها المستقبلیة، مجلة دراسات استراتیجیة، أبو ظبی، مرکز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتیجیة، 2006)، ص9 .
13-للمزید ینظر: عزیز قادر الصامنجی، قطار المعارة العراقیة من بیروت 1991 الى بغداد 2003،(بغداد: دار الحکمة، 2009)، ص 26.
14- عامر حسن فیاض، بناء الدولة المدنیة وشقاء التحول الدیمقراطی فی العراق المعاصر، مجلة فکر حر، (بغداد: الجمعیة العراقیة للعلوم السیاسیة،العدد 5،2008)، ص21 .
15- نغم محمد صالح، مستقبل النظام الحزبی فی العراق، مجلة العلوم السیاسیة، (بغداد: کلیة العلوم السیاسیة، جامعة بغداد، العدد 41، تموز-کانون الأول 2010م )ص295.
16-حیدر أدهم الطائی، مظاهر قانونیة للطائفیة فی العراق ، مجلة شؤون مشرقیة ،(بیروت: مرکز دراسات المشرق العربی العدد 1 ، صیف 2008م)، ص145.
17-أسماء جمیل وفالح عبد الجبار، الأحزاب السیاسیة فی العراق، مرکز دراسات عراقیة، تاریخ الدخول: 24/3/2017http://www.iraqstudies.com/featured7a.html
18-همام لؤی عبد المحسن، العلمانیة والأحزاب السیاسیة المعاصرة فی العراق،(بغداد: رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة العلوم السیاسیة، جامعة النهرین، 2008، ص84 .
19-حسنین توفیق إبراهیم، عبد الجبار أحمد عبد الله، مرجعسابق، ص31 .
20- للمزید حول موضوعة الأحزاب العراقیة بعد 2003 ینظر : خلیل مخیف الربیعی، الازدواجیة فی سلوک الأحزاب السیاسیة (العلاقة بین الدیمقراطیة والدیکتاتوریة)، مجلة مدارک، (بغداد: مرکز مدارک للبحوث والدراسات، بغداد، العدد 2،شباط 2006)، ص30 .
22-اسماء جمیل وفالح عبد الجبار، ، مصدر سابق.
23-سحر حربی عبد الأمیر، انتخابات الجمعیة الوطنیة التأسیسیة العراقیة 30 کانون الثانی 2005م،(بغداد: رسالة ماجستیر، مقدمة الى کلیة العلوم السیاسیة، جامعة بغداد، 2008م)، ص 120.
24-نغم محمد صالح، مصدر سابق، ص295.
25-أسماء جمیل وفالح عبد الجبار، مصدر سابق.
26-المصدر نفسه.
27-أسماء جمیل، تطور الأحزاب السیاسیة فی العراق، مجلة مدارک،(بغداد: مرکز مدارک للبحوث والدراسات، العدد السابع، 2007م)،ص 185.
28-أحمد عبد الجبار عبد الله، واقع ومستقبل الخیار الدیمقراطی والدستوری فی العراق- فی التحولات الدیمقراطیة فی العراق، القیود والفرص، مجلة دراسات عراقیة،(دبی: مرکز الخلیج للأبحاث، ط1، 2005)، ص129.
29-اسماء جمیل وفالح عبد الجبار، الأحزاب السیاسیة فی العراق، مصدر سابق.
30-للمزید ینظر، فراس السودانی، ، العراق-مستقبل بدستور غامض-نقد قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالیة، ( عمان: دار عمار للنشر والتوزیع، 2005 ).
31- حازم علی الشــمری، الاســتحقاق الانتخابی للمرحلة المؤقتة للعراق 28 حزیران 2004م–  30 کانون الثانی 2005 وموقف القوى السیاسیة والحزبیة منه، مجلة العلوم السیاسیة،(بغداد: کلیة العلوم السیاسیة، جامعة بغداد ، العدد 32، شباط 2006م)، ص98.
32-ینظر: أسماء جمیل وفالح عبد الجبار،الاحزاب السیاسیة فی العراق، مصدر سابق.
 33-سحر حربی عبد الأمیر، مصدر سابق، ص 120.
34- المصدر نفسه، ص121.
35- فراس کورکیس عزیز، الخیار الدیمقراطی فی العراق: مابین الرؤیة الأمریکیة والرؤیة الوطنیة،(بغداد: رسالة ماجستیر غیر منشورة، مقدمة إلى کلیة العلوم السیاسیة جامعة بغداد، 2008م)، ص82.
36-ینظر الفقرة (ج) من المادة (13)، من قانون أدارة الدولة العراقیة للمرحلة الانتقالیة،فی فراس السودانی، مصدر سابق، ص ص 33-37.
37-ینظر:د. منذر الفضل، مشکلات الدستور العراقی،(أربیل: دار آراس للطباعة والنشر، 2010) ، ص311.
38--ناثان براون، ملاحظات تحلیلیة حول الدستور، فی مجموعة باحثین، مأزق الدستور،(بغداد:ترجمة واصدار معهد الدراسات الاستراتیجیة، ط1، 2006)،  ص ص32- 34.
39-أسماء جمیل وفالح عبد الجبار، الأحزاب السیاسیة فی العراق، مصدر سابق.
40-ینظر:د. ولید الراوی، الوجیز فی الاحزاب والحرکات السیاسیة الدینیة العراقیة،5/9/2012انترنت:
www.algardenia.com
41- المصدر نفسه.
42-محمد زکی، اعادة بناء العراق،(بغداد: دار ومکتبة البصائر للطباعة والنشر والتوزیع والاعلام، 2012)، ص ص193- 194.
43-ینظر: الانتخابات العامة فی العراق، 2005، موقع المفوضیة العلیا المستقلة للانتخابات، 23/1/2017
www.ihec.iq
44-دای یامار، تاریخ الاحزاب الاسلامیة فی العراق ، ترجمة فلاح حسن،(بغداد: دار الحکمة، ب.ت)، ص179.
45-المصدر نفسه، ص 197.
46-نقلا عن إبراهیم غرایبة، فی مجموعة باحثین، الحقوق والحریات العامة،(عمان: مرکز دراسات الأمة، 2002)، ص ص 133-124.
47- محمد عبد الجبار الشبوط، دور الأحزاب الأساسیة فی اعادة بناء الدولة- العراق انموذجا، مجلة حوار الفکر، (بغداد: المعهد العراقی لحوار الفکر، العدد 16،آذار،2011)،ص41.
48-للتفصیلینظر :عبد الاله بلقزیز ، الإسلام والسیاسة ، دور الحرکة الإسلامیة فی صراع المجال السیاسی، (بیروت ، المرکز الثقافی العربی ط1 ، 2001)، ص37.
49-ابراهیم غرایبة،مصدرسابق،ص185.
50-أحمد علی محمد، ظاهرة الطائفیة فی العراق،(بغداد: رسالة دکتوراه غیر منشورة، جامعة بغداد، کلیة العلوم السیاسیة، 2008)، ص 351. وینظر أیضا: (مجموعة باحثین ، الفساد والحکم الصالح فی البلاد العربیة (بیروت : مرکز دراسات الوحدة العربیة ،2004)، ص466.
 
51-ینظر: میثم الجنابی، فلسفة الهویة الوطنیة،(بغداد: دار میزوبوتامیا،ط1، 2012) ص ص 36-37.
52-المصدر نفسه، 39-40.
53-المصدر نفسه، ص41.
54-للمزید ینظر:.......الأحزاب السیاسیة فی العراق، مرکز الرافدین، دون تاریخ، انترنت:www.alrafedein.com
55-المصدر نفسه.
56-میثم الجنابی، مصدر سابق، ص ص 42-43 .
57-دای یامار، مصدر سابق، ص ص 200-201.
58-للمزید ینظر: محمد صبری عبد المنعم، الوحدة الوطنیة والنظام السیاسی العراقی: دراسة فی المعوقات والحلول، (بغداد: رسالة ماجستیر غیر منشورة، مقدمة الى کلیة العلوم السیاسیة – جامعة بغداد، 2007م)، ص 125.
59- حسن لطیف ، موسوعة الاحزاب العراقیة ,(بیروت: مؤسسة العارف للمطبوعات، 2007)، ص 183.
60-یاسین سعد محمد البکری ، إشکالیات الدیمقراطیة التوافقیة وانعکاساتها على التجربة العراقیة ، مجلة المستنصریة للدراسات العربیة والدولیة(بغداد: مرکز المستنصریة للدراسات العربیة والدولیة ،الجامعة المستنصریة العدد 27، أیلول 2009)،ص72.
61-المصدر نفسه، ص73.