ردع الفاعل الجماعي: دراسة في المفهوم والسمات والإشکاليات

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

المستخلص

يُعد ردع الفاعل الجماعي أحد المفاهيم الحديثة نسبيًا، ويُشير ذلک الردع إلى الدور الذي يُمارسه تکتل أو تجمع من الدول، بهدف تعزيز الرفاهية والمصلحة العامة من خلال التهديد بشن عمل عسکري. وبهذا المعنى تتعدد وظائف الفاعل الجماعي، وأهدافه، ومميزاته، وأنماط ردعه، والأشکاليات التي تُقوض من فعالية الردع.

نقاط رئيسية

مستخلص:

یُعد ردع الفاعل الجماعی أحد المفاهیم الحدیثة نسبیًا، ویُشیر ذلک الردع إلى الدور الذی یُمارسه تکتل أو تجمع من الدول، بهدف تعزیز الرفاهیة والمصلحة العامة من خلال التهدید بشن عمل عسکری. وبهذا المعنى تتعدد وظائف الفاعل الجماعی، وأهدافه، وممیزاته، وأنماط ردعه، والأشکالیات التی تُقوض من فعالیة الردع.

کلمات مفتاحیة:

التدخل الدولی – الردع العام – الردع الموسع – القوى الکبرى – القوة العسکریة – الدفاع الشرعی الجماعی.

الكلمات الرئيسية


مقدمة:

یختلف ردع الفاعل الجماعیCollective Actor Deterrenceعن الردع بین الدول القومیة ذات السیادة، ومع تجلى هذا الردع فی الواقع المعاصر،  بات ضروریًا الوقوف على سماته وفهم أسباب تعقده. إذ یتخذ الفاعل الجماعی –فی سبیل تحقیق أهدافه- من الردع آلیة ووسیلة لوقف تصعید الصراع قبل اندلاع القتال، أو لوقفه حال اندلاعه، فضلًا عن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحد من انتهاکات حقوق الإنسان، وغیرها. وهو الأمر الذی تطلب –فی عدة حالات- اللجوء إلى بعض التدابیر بما فی ذلک التدخلات العسکریة، بهدف التأثیر فی إرادة الخصم، والحیلولة دون أفعاله غیر المرغوبة.

ورغم أهمیة ذلک النمط من الردع فی الإدارة الأمنیة الدولیة، إلا إنه لا یحظى سوى بقدرٍ ضئیلٍ من اهتمام منظری العلاقات الدولیة بشکل عام، ومنظری الردع بشکلٍ خاص. أو بعبارةٍ أخرى، رغم تجدد الاهتمام بالردع ودوره فی العلاقات الدولیة المعاصرة، إلا إن القلیل من ذلک الاهتمام تم توجیهه إلى إدارة الأمن الجماعی؛ فالأدب المزدهر حول التدخلات الدولیة، وحفظ السلام، وتدابیر السلام قلما یتطرق إلى الردع، رغم تزاید أهمیة ردع الفاعل الجماعی ودوره فی الإدارة الأمنیة[i].

إشکالیة الدراسة وأهمیتها:

تتلخص إشکالیة الدراسة فی نشأة أحد المفاهیم الحدیثة نسبیًا على صعید نظریة العلاقات الدولیة بشکلٍ عام ونظریة الردع بشکلٍ خاص إلا وهو "ردع الفاعل الجماعی"، على نحو یتطلب التعریف به، والوقوف على سماته وأنماطه، وما یثیره من إشکالیات. ویتفرع عن هذه الإشکالیة عدة تساؤلات أهمها: (1) ما المقصود بردع الفاعل الجماعی؟ (2) ما هی أبرز سمات وخصائص وأهداف وممیزات ذلک الردع؟ (3) کیف تتعدد أنماطه؟ (4) ما هی إشکالیات ذلک الردع؟

وتنبع أهمیة دراسة ردع الفاعل الجماعی من کونه مفهومًا جدیدًا تضائلت الکتابات عنه باللغة الإنجلیزیة؛ فالدراسات السابقة عن ردع الفاعل الجماعی جد محدودة، وتنحصر فی ثلاثة دراسات لمؤلفٍ واحد، هو من صک ودشن هذا المفهوم وقدمه إلی الدراسات الأکادیمیة المعنیة بنظریة الردع، وهو "باتریک مورجان" أستاذ العلوم السیاسیة بجامعة کالیفورنیا. ورغم تکرار الاستعانة بتلک الدراسات إلا أن الدراسة لم تتوقف بطبیعة الحال عندها، وسعت إلى بلورة هذا المفهوم والإضافة إلیه من خلال إستقراء مضمونه، وإبراز ملامحه من مختلف الأدبیات العربیة.

الإطار المفاهیمی للدراسة:

یتأسس الردع بشکلٍ عام على ذرع القناعة فی ذهن الخصم بأن المکاسب التی سیحصل علیها جراء بعض الأفعال لن تزید على الخسائر التی سیتکبدها[ii]، وهو محاولة المرتدع من إتخاذ مجموعة من الأفعال یراها الرادع على أنها غیر مرغوبة، من خلال التهدید بإحداث خسائر غیر محتملة[iii]. أو هو منع العمل بسبب الخوف من العواقب، أو هو حالة ناجمة عن وجود تهدید حقیقی من فعل مضاد."[iv] أو بعبارةٍ أخرى، یُعد الردع تولیفةً من إستراتیجیتین هما:تجنب الحرب والفوز بالحرب فی حالة فشل الخیار الأول[v]. والردع أیضًا هو القدرةعلى ردع الخصم عن الشر وعفی عمل عدوانی لأن التکالیف والمخاطر التی ینطوی علیها ذلک لا تبررالمنفعة المتصورة[vi].

ومن التعریفات السابقة، یتضح أننجاح الردع یتطلب تهدید کل ما یتمتع بقیمة کبرى للمرتدع، وهو ما یتطلب أیضًا فهم الخصم، وثقافته، ووضعه الإستراتیجی والسیاسی، فضلًا عن القدرة على تنفیذ التهدید وتحمل عواقبه، ودفع الطرف الآخر إلى تصدیق هذا التهدید[vii]. وتتمثل أبرز متطلبات الردع فی: المقدرة الثأریة أی القدرة على الانتقام، وإلحاق الأذى بالخصم، والتصمیم على استعمال تلک المقدرة الثأریة على نحوٍ یُؤثر فی قناعات الخصم، ویقلص من مکاسبه المتوقعة بالمقارنة بالخسائر المتکبدة[viii].

وعلیه، تنقسم الورقة البحثیة إلى خمسة نقاط رئیسة؛ یتصل أولها بتعریف الفاعل الجماعی. ویتعلق ثانیها بأبرز وظائف، وسمات، وأهداف، وممیزات ذلک الردع. ویرتبط ثالثها بأنماط ردع الفاعل الجماعی، مثل: النمط الاستبعادی، والنمط الافتعالی، ونمط المشارکة المحسوبة. وإن دار رابعها حول إشکالیات ذلک الردع.

أولًا: المقصود بردع الفاعل الجماعی:

یُقصد بردع الفاعل الجماعی ذلک الردع الذی یُمارسه تکتل أو تجمع من الدول، بهدف تعزیز الرفاهیة العامةGeneral Welfare، والمصلحة العامة، والرخاء العام، وحفظ السلام والأمن فی النظام الدولی وما یتفرع عنه من أنظمةٍ إقلیمیة، من خلال التهدید بشن عمل عسکری للحیلولة دون تبنی الخصم للأهداف السیاسیة التی یترتب علیها الصراع. ویشمل ذلک استخدام القوة عندما یفشل الردع فی مواجهة التحدیات والمخاطر، فالفاعل الجماعی لا یُهدِد بسحق المتحدی أو تدمیره الکلی، وإنما یهدف إلى تجنُب التدمیر الشامل والقتال الضاری المستمر[ix].

لا تنضم الدول أعضاء الفاعل الجماعی إلیه إلا عقب وضع قواتها العسکریة فی تأهُب، ورغم ذلک، تفضل الدول إعمال الردع على الاستخدام الفعلی للقوة العسکریة، حتى لا تضطر لخوض الحرب.وعلیه، تأملنجاح الأسالیب الدبلوماسیة، وأسالیب التسویة السلمیة (مثل: المفاوضات، والمساعی الحمیدة، والوساطة، والتحقیق، والتوفیق، والتحکیم الدولی، والمحاکم الدولیة[x])، والضغط الجماعی أولًا قبل التلفظ بالتهدیدات الرادعة أو البدء فی الاستعدادات العسکریة[xi].

إن الاختیار من بین تلک الوسائل إنما یخضع فی الغالب الأعم من الأحوال لبعض الاعتبارات الخاصة والتی قد تختلف من حالة إلى أخرى کأهمیة النزاع، وطبیعة العلاقات السیاسیة بین أطرافه، والظروف والأوضاع الدولیة والإقلیمیة المحیطة[xii]. ومن ثم، التدخل العسکری هو الخیار الأخیر أو سلاح الملجأ الأخیر عندما یصعب تجنب الحرب. وعادة ما یبدأ الاستخدام الفعلی للقوة العسکریة بضربةٍ محدودة تُجبر الدولةعلى قبول التسویة السلمیة، لکن دون الوصول إلى التصعید الشامل الذی یصعب معه احتواء الصراع.

وتجدر الإشارة إلى أن تدخل الفاعل الجماعی عادةً ما یأتی مُتأخِرًا جدًا على نحوٍ مؤثر فی فرص منع الهجمات، والقتال الضاری، والکیفیة التی یفکر بها طرفی الصراع[xiii]. أو بعبارةٍ أخرى، یظل التدخل آخر البدائل أو الاختیارات المتاحة التی لا یتم اللجوء إلیها إلا بعد استنفاد کافة الوسائل الأخرى التی تُحترم فیها السیادة الوطنیة للدولة المستهدفة[xiv].

حیث یعتمد الخصم على هشاشة وضعف التهدیدات اللفظیة التی یهدد بها الفاعل الجماعی، فإذا ما أدرک الخصم ذلک، تجاهل کافة تلک التهدیداتواضعًا الفاعل الجماعی فی مأزق،یدفع به إلى أعمال الأداة العسکریة، ولکن بعض الأعضاء قد یُعارضون أی فعل یترتب علیه تکلفة مادیة، وقد یُعارضون التدخل العسکری،أو قد یحتاجون دلیلًا دامغًا على فاعلیة هذا التدخل وجدواه، وهو أمر لا یمکن ضمانه إلا باندلاع الحرب فعلیًا. وهو ما یتماشى مع ضرورة استنفاذ کافة أسالیب وآلیات التسویة السلمیة للصراع[xv].

وبهذا المعنى یتسع الفاعل الجماعی لیشمل: المنظمات الدولیة، ومجلس الأمن، وحلف الناتو، والمجلس الأوروبی، والاتحاد الإفریقی، ومنظمة الدول الأمریکیة، والمحادثات السداسیة مع کوریا الشمالیة، ومجموعة 5+1 التی تفاوضت مع إیران بشأن برنامجها النووی، وغیرها[xvi].

ثانیًا: وظائف وسمات ردع الفاعل الجماعی:

بالمعنى السابق الإشارة له، تتعدد وظائف الفاعل الجماعی لتشمل: منع استخدام القوة من قبل الدول أو الفاعلین من غیر الدول تحقیقًا لمصالحهم الذاتیة، والتعامل مع الصراعات بطرقٍ لا تشمل الخیار العسکری، وتحسین المناخ الذی تعمل فیه الدول، والإدارة السلمیة للنزاعات من خلال المفاوضات،وإجراء المفاوضات، وحفظ السلام،وبناء السلام، والجهود ذات الصلة. وما یُسهل کافة الجهود هو اعتماد الردع کأساسٍ لها جمیعًا[xvii].

أو بعبارةٍ أخرى، یتمثل الهدف النهائی من ردع الفاعل الجماعی فی دعم الصالح العام للنظام العالمی والأنظمة الإقلیمیة أمنیًا. وإن ظل الهدف النهائی هو الحیلولة دون الاستخدام الفعلی للقوة العسکریة، فضلًا عن الحد من انتهاکات المعاییر المجتمعیة، ووقف الانتهاکات. کما أنه خط الدفاع عن الدولة فی مواجهة العدوان بصفته مرحلة وسطى بین فکرة الدفاع الشرعی الفردی والجماعی[xviii]، وذلک عن طریق الردع الذی یجعل من القدرات القسریة رادعًا عامًا، دون الحاجة إلى إعمالها[xix].

ویقصد بالردع العام الخلفیة التی تقوم علیها إدارة السلم والأمن الدولیین، والتی یصعب رؤیتها، لکنها تعد رکنًا رکینًا فی الإدارة الأمنیة الدولیة. بید أن الردع العام الذی یُمارسه الفاعل الجماعی یستمد شرعیته من الطبیعة الجماعیة للفاعل، ومن الثِقَل النسبی له ولأعضائه فی النظام الدولی. ویمکن تعریف الرادع العام أیضًا بوصفه "الصورة الواسعةA Broad Imageمن الاستعداد للاستجابة بالقوة، مما یدفع بالخصوم إلى إدراک عدم جدوى أو ارتفاع تکلفة الهجوم أو العدوان مما یُقوِض من إمکانیة اندلاع الحرب."[xx].

أو بعبارةٍ ثالثة، یرتکز الفاعل الجماعی على التزام جمیع الدول بأن تُشارک بقواتها ضد الدولة المعتدیة فور تقریر وقوع هذا العدوان عن طریق إجراءات خاصة بذلک، بحیث تتحمل الجماعة الدولیة المنظمة مسئولیة حمایة کل عضو من أعضائها من الاعتداء. وبذلک تتلخص فکرته فی المحافظة على السلم والأمنالدولی،وهی فکرة تتکون من شقین:شق وقائی یتمثل فی إجراءات وقائیة تحول دون وقوع العدوان،وشق علاجی یتمثل فی إجراءاتٍ لاحقة لوقوع العدوان مثلعقاب المعتدی[xxi].

کما یرتکز الفاعل الجماعی على لجوء الدول فی حمایة أمنها متى تهدد لیس على قدراتها الدفاعیة الخاصة أو مساعدة حلفائها وإنما على أساسٍ من التضامن بل والتعاون الدولی المتمثل فی تنظیم دولی یرد الخصم ویردعه بالوسائل الکافیة والفعالة لتحقیق تلک الحمایة[xxii]. أو بعبارةٍ أخرى، یتأسس ردع الفاعل الجماعی على فکرة العمل الجماعی الدولی لإحباط العدوان، ومنح الدول التی تقع ضحیة لذلک الطمأنینة بأن المجتمع الدولی یهب لنجدتها، والعمل على ردع المعتدی، وإحاطته علمًا بالیقین الرادع بأن موارد ستُعبأ ضد أی سوء استعمال للقوة الوطنیة[xxiii].

ومن ثم، تتمثل ممیزات ردع الفاعل الجماعی فی سهولة التفاوض معه بالمقارنة بحکومات الدول، وما یتمتع به من فعالیة بالمقارنة بأی شکل آخر من أشکال الردع؛ فتجاهل الإشارات الرادعة لفاعل جماعی مکون من عدة دول أمر یکاد یکون مستحیلًا، وکذلک ممارسة المتحدی لردعٍ مضاد ضد کل دولة من الدول أعضاء الفاعل الجماعی. فالفاعل الجماعی یُعد هدفًا صعبًا یصعب شن هجومٍ مضادٍ ضده.ولذا سیجد المتحدی نفسه مضطرًا لقبول الضرر المحدود بل ومواجهته،بالمقارنة بالضرر الشامل[xxiv].

ویُضاف إلى ذلک، سعی الفاعل الجماعی إلى تحقیق المصلحة المشترکة، مما یُکسبه الشرعیة الضروریة واللازمة لممارسة الردع والتهدید باستخدام القوة. فتهدیدات الفاعل الجماعی أقل احتمالًا لأن تٌفجر مشکلة الاستقرار الناجمة عن الردع الکلاسیکی؛ فتهدید الدول بالردع عادة ما یُؤجج الصراع، ویُصاحبه مشکلة عدم استقرار، ولکن من الصعب أن یشن الفاعل الجماعی هجومًا دون سابق إنذار[xxv].

ویتجنب الفاعل الجماعی المعضلات الأمنیة المتأصلةفی الردع الذی تمارسه الدول فرادى، والذی یُحتمل أن یُسفر معه أی فعل فردی لحمایة الذات عن الانتقاص من أمن الآخرین. فالفاعل الجماعی لا یعمل إلا من خلال: المناقشات، والتصویت الجماعی، وبناء التوافقات. ومن ثم یمکن القول، أن ردع الفاعل الجماعی یفترض أن یکون تحسینًا محتملًاConsiderable Improvement للردع الذی تُمارسه الدول منفردةً؛ إذ یُفترض قدرته على مواجهة المتحدی على نحوٍ أفضل من خلال "القوة الجماعیة للجماعة"Collective Power of the Group [xxvi].

أن التدخل الدولی الفردی، أی التدخل الذی یتم من جانب دولة واحدة، أو حتى من جانب عددٍ محدود من الدول، یجب رفضه دومًا،ولا ینبغی قبوله بأی حال من الأحوال،حتى ولو کان ذلک بدعوى حمایة الوطنیین أو إنقاذ الرعایا.فالصحیحهو أن یتم التدخل الدولی-فی مثل تلک الحالة-بشکلٍ جماعی ومن خلال إحدى المنظمات الدولیة المعنیة.

إن رفض فکرة التدخل الدولی الذی یأخذ شکلًا فردیًاکالحالة الأمریکیة فی العقد الماضی (فی کل من جرینادا، وبنما، وهایتی)،أو الذی یأخذ شکلًا جماعیًا محدودًا جدًا-کحالة تدخل بعض الدول فی إطار "التحالف الدولی ضد العراق"- إنما یستند إلى عدة اعتبارات منها: أن تلک الصورة من صور التدخللن تکون ممکنة عملیًا إلا بالنسبة إلى الدول الکبرى وحدها، وبالنظر إلى ما یتوافر لدیها من أسباب القوة للتدخل الفردی فی شئون الدول الصغرى[xxvii].

ویقتضی ردع الفاعل الجماعی أن یتوفر لدى الدول إیمانٌ راسخ بأن السلام أمر غیر قابل للانقسام أو التجزئة Indivisible of Peace. ولعل تولد الاعتقاد الیقینی لدى الدول بعدم تجزئة السلام لیس مجرد شعارًا یُطلق ویتردد بین الحین والآخر، بل إنه یستلزم تعهداتٍ إیجابیة من جانب الدول من قبیل حظر اللجوء إلى القوة أو التهدید بها، والتسویة السلمیةللنزاعات الدولیة.

یتوقف نجاح الفاعل الجماعی على ضرورة اتساع نطاق عضویة الدول فیه، وهو ما یمکن أن یُطلق علیه شرط عالمیة العضویة، وإذا لم یکن ممکنًا الوصول إلى العالمیة الکاملة فیجب على أقل تقدیر أن تکون العضویة فی النظام شبه عالمیة، فضلًا عن فرض جزاءاتٍ اقتصادیة وعسکریة على الدول التی تنتهک السلم والأمن الدولی،وتوقیع تلک الجزاءات یستلزم مساهمة الدول الأعضاء فی تکوین قوةٍ عسکریةٍ تُمثل الأداة التی تمد النظام بالفعالیة والتأثیر. فهناک ارتباطٌ بین عدد الدول الأعضاء وبین حجم الأداة العسکریة للفاعل الجماعی؛ فکلما اتسع نطاق العضویة کان حجم وقدرة تلک الأداة مؤثرًا فی إحداث التأثیر المطلوب، وبالتالی فی تنفیذ أهداف الفاعل الجماعی[xxviii].

ویتوقف نجاح الفاعل الجماعی أیضًا على حیادیته وموضوعیته، بمعنى تطبیق الإجراءات والتدابیر التی تُتخذ عند مخالفة الأحکام والقواعد الدولیة بغض النظر عن ماهیة الدولة المعتدیة أو الدولة المعتدى علیها. وعلیه، یتطلب الفاعل الجماعی الوسائل القسریة التی یُمکنه اللجوء إلیها فی مواجهة الدول التی تخل بالالتزامات التی یفرضها النظام، أی یجب أن تکون القوة العسکریة التی یتم بها اتخاذ التدابیر الجماعیة ضد الدولة المعتدیة من الضخامة فی عدد أفرادها وعتادها وکم وکیف الأسلحة المتاحة.

ویتفق ذلک مع الاتجاه الذی یرى أن توافر القوة العسکریة یُؤمن القدرة على صد العدوان، ومد النفوذ، مما یزید من مساحة الشعور بالأمان[xxix]. والقوة الجماعیة للنظام یُمکنها أن تُحقق الردع، وتحقق هذا مقتضاه ألا توجد دولة أو مجموعة من الدول تستحوذ على قوة عسکریة تستطیع أن تقهر القوة الجماعیة المتاحة[xxx].

وفقًا لما سبق یتمتع الفاعل الجماعی بطبیعة متمیزة جدًا، وهی الخصائص والسمات التی یمکن إجمالها على النحو التالی:

1-            الفاعل الجماعی لا یُملی على الدول ما تفعله، ولا یُملی شروطًا لکیفیة حل الصراع، ولکنه یضطلع بمهمة الإدارة الأمنیة فی صورة تحالف عالمی ضد المصادر المحتملة للعدوان[xxxi]، ومن ثم یغلب علیه سمة التعقید.

2-            تتعزز فی إطار الفاعل الجماعی مشارکة الدول الصغرى، وتعد شراکة الناتو من أجل السلامNATO Partnership for Peace[xxxii]مثالًا جیدًا على ذلک، إذ قدمت طریقة للدول غیر الأعضاء فی الناتو للانضمام لنظام إدارة الأمن فی مناطقها[xxxiii]، وذلک فی إطار توسع الناتو شرقًا وذهابه إلى خارج منطقته التقلیدیة فی أمریکا الشمالیة،وأوروبا الغربیة. کما صاغ الناتو حوار الأطلنطی– البحر المتوسط1994، ثم طرح مبادرة اسطنبول للتعاون فی عام2004[xxxiv].

3-            کلما زادت درجة مؤسسیة الفاعل الجماعی، زادت قدرته على الردع؛ فالفاعل الجماعی الذی یتألف من سبعة أعضاء یختلف عن مثیله من خمسةأعضاء وهکذا، ویظل الأمر مرتهِنًا بعدد القوى الکبرى فی کل فاعل، کما یرتهن أیضًا بقدرات کل فاعل؛ فمثلًا، یملک الناتو بنیة مؤسسیة قویة، وهیکل للقیادة، وقوات مدربة تابعة له،وعملیات تخطیط وتدریب تمیزه عن غیره[xxxv].

4-            یُفترَض بردع الفاعل الجماعی أن یکون بدیلًا عن الردع الذی تمارسه الدول کل على حدا، ولن یحدث ذلک بدون ثقة مختلف الدول والفاعلین فی الفاعل الجماعی. ومن ثم، لابد أن یمتلک القدرات الضروریة واللازمة لذلک؛ فالإکراه ضروری للإدارة الأمنیة، ولکن الإدارة الأمنیة الفاعلة هی التی تُولد الإکراه[xxxvi]. وتجدر الإشارة إلى تفاقم أزمة انعدام الثقة فی الأمم المتحدة–رغم ما تتمتع به من یدٍ علیا فی الترتیبات الأمنیة الجماعیة[xxxvii]- جراء أزمة الصومال،فی ظل العجز عن مساندة وحدات الأمم المتحدة المتأزمة؛وکذلک غیاب مراکز صنع القرار بشأن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فی البوسنة، فکل قرار أو فعل تطلب العودة إلى مجلس الأمن.

5-            لن یحصل الفاعل الجماعی على القوات المطلوبة للردع والإجبار لمواجهة کافة أنواع الصراعات، لأن ذلک یتطلب کلفة مادیة کبیرة. ومن غیر المعقول أن توظف الدول النوویة سلاحها النووی للدفاع عن أطراف أخرى غیر نوویة حال تهدید أمنها. أو بعبارةٍ أخرى، یعتمد ردع الفاعل الجماعیعلى القدرات العسکریة لبعض الدول المختارة لخوض القتال أو شن الهجمات.

6-            لا یلجأ الفاعل الجماعی إلى التهدید باستخدام الأسلحة النوویة استجابة لتهدیدٍ غیر نووی. وإن رأى البعض أن ذلک لابد وأن یتغیر، وأنه من حق الدول غیر النوویة أن تستظل بالمظلة النوویة للقوى الکبرى وردعها النووی، ولکن الدول الکبرى لم تقید نفسها بذلک الالتزام، رغم أنها وعدت بمساعدة القوى غیر النوویة حال تعرضها لهجومٍ نووی. فالفاعل الجماعیلا یُهدد بالتصعید الشامل، بل بفرض العقوباتوغیرها من التهدیدات التقلیدیة[xxxviii].

7-            تتزاید فعالیة ردع الفاعل الجماعی کلما کان الخصم ضعیفًا؛ لکن العبرة لیست بحجم القوة العسکریة المستخدمة، ولکن بکیفیة استخدامها، بجانب القدرة على استهداف المواقع الإستراتیجیة للخصم، وأماکن تمرکز قواته العسکریة، وشل قدراته على الرد أو الدفاع، وإیجاد آلیات وخطط بدیلة للقتال إذا فشل التهدید فی تحقیق الأهداف المرجوة منه.

8-            فی کل فاعل جماعی هناک قلة قلیلة تُهیمِن على صناعة القرارات،وهذا الأمر غیر مقبول لدى کثیر من الدول، بل وینال من مصداقیة الفاعل الجماعی.

9-            ردع الفاعل الجماعی لا یترتب علیه معضلة أمنیة، ولکن یظل دائمًا الخوف من تجاوز الفاعل الجماعی للمهام التی أرسل من أجلها، ومن اتساع حجم العملیات العسکریة حال البدء فیها[xxxix].

ثالثًا: أنماط ردع الفاعل الجماعی:

یمکن تصنیف الصراعات الدولیة من زاویة حجم اهتمام الفاعل الجماعی بها ودرجة انخراطه فی معالجتها وکذلک أسلوب تلک المعالجة إلى ثلاثة أنماط؛ فهناک صراعات لا یراد للفاعل الجماعی أن یتدخل فیها على أی وجه من الوجوه، وترک تسویتها لأطرافها المباشرین تحت الرعایة المنفردة للولایات المتحدة. ومن أمثلة هذا النوع من الأزمات تلک المتعلقة بالصراع العربی-الإسرائیلی. ویُسمى هذا النمط ب"النمط الاستبعادی".

وهناک صراعاتٌ أخرى، على العکس، یُقحم فیها الفاعل الجماعی إقحامًا، ویُطلق على ذلک "النمط الافتعالی". وأبرز نماذج هذا النوع من الأزمات هو ما یُعرف بأزمة "لوکیربی" بین لیبیا والدول الغربیة وخاصة الولایات المتحدة الأمریکیة، وبین هاذین النمطین المتطرفین والنادرین فی نفس الوقت یوجد نمطٌ آخر، وهو النمط الغالب، ویُطلق علیه "نمط المشارکة المحسوبة" حیث یتحدد دور الفاعل الجماعی وفقًا للإرادة السیاسیة الدولیة، وبخاصة إرادة الدول الکبرى. وعلیه، یتراوح ذلک الدور بین التدخل الشکلی من ناحیة، والتورط والانغماس الکامل من ناحیةٍ أخرى.

یعد نمط المشارکة المحسوبة هو النمط الذائع لأن الأزمات التی یُراد استبعاد الأمم المتحدة من الضلوع فیها أو تلک التی یُراد إقحامها فیها على نحو مفتعل هی أزماتٌ نادرة. وقد تعین على الأمم المتحدة أن تُناقش عددًا کبیرًا من الأزمات بعد حرب الخلیج، لکن الدور الذی لعبته فی کل منها، تراوحت أهمیته وفاعلیته کثیرًا بین حالةٍ وأخرى[xl]. ویتخذ هذا النمط أشکالًا عدة، تتراوح جمیعها بین نوعین من أنواع الردع؛ أولهما، التهدید العسکری المباشر، وتهدید دولة ما باستخدام القوة العسکریة بشکل عسکری حاسم، وثانیهما الأمن الجماعی، بمعنى أن یُعلِن الفاعل الجماعی أن الدولة المُهدَدَة بالقوة العسکریة باتت تحت مظلته الأمنیة، وأنه ملتزم بالدفاع عنها وحمایتها[xli].

 وبین هذا وذاک، تتفرع نماذج عدة، یمکن إجمالها على النحو التالی:

1-   نموذج الهیمنة الدولیة:The international- Hegemony Model

لا یشمل نموذج الهیمنة الاستخدام الفعلی للقوة العسکریة فحسب من خلال التدخل المباشر، کما حدث فی الصومال، وساحل العاج، ولیبیا، ومالی. ولکنه یشمل کذلک بناء القواعد العسکریة، والتعاون الأمنی، والتدریبات العسکریة، وإرسال المستشارین، وبعثات المهام الخاصة، وزیادة شبکة الإمدادات اللوجیستیة والعسکریة. ومن ثم یعکس هذا النموذج، وجود دولة واحدة مهیمنة على سواء فی مستوى اتخاذ القرار أو القدرات اللوجستیة[xlii].

ففی بعض الحالات، تنخرط العسکریة الأمریکیة فی حربٍ سریة من خلال مراکز لتدریب الحلفاء من الأفارقة، أو استخدام الطائرات بدون طیار لاستهداف مقاتلی الشباب المجتهدین فی الصومال، أو جماعة بوکوحرام فی نیجیریا، أو تنظیم القاعدة فی بلاد المغرب الإسلامی. وفی حالات أخرى تنخرط الولایات المتحدة فی بناء المرافق الأساسیة، وتوفیر الخدمات اللازمة فی کثیر من الدول الإفریقیة. ومن أبرز القواعد الأمریکیة فی إفریقیا قاعدة لومونیة فی جیبوتی، بالإضافة إلى قاعدة النیجر الخاصة بالطائرات بدون طیار، والتی أعلن عنها فی فبرایر 2013، وثمة قواعد أو مراکز تستخدمها الولایات المتحدة فی عنتیبی بأوغندا، وواجادجو فی بورکینافاسو وبعض مناطق کینیا، وإثیوبیا[xliii].

2-   نموذج الائتلاف الدولی:The Coalition Model

یُشیر هذا النموذج إلى تکتلٍ دولی من عدد من الدول التی تتدخل قسریًا فی الصراع تحت غطاءٍ من الأمم المتحدة أو بدونه، ومن أمثلة هذا النموذج: حرب العراق، والتحالف الدولی ضد داعش؛ ففی إطار الأخیر على سبیل المثال، تمت عملیة المکافحة دون صیاغة وثیقة لتشکیل ذلک التحالف،وتحدید مهامه، وأهدافه،وأدواته. مما یُثیر عدة أسئلة من قبیل:ما هی الالتزامات الدولیة الواجب على الدول الأعضاء التقید بها؟ وما هی التکلفة التی ستتکبدهاتلک الدول جراء عضویتها فی ذلک التحالف؟وما هی الأدوات التی سوف تقوم تلک الدول باستخدامها أو توظیفها فی أداء واجباتها ومسئولیاتها؟وما هو العائد الذی ستحصل علیه من عضویتها؟

رغم أن داعش تنظیم إرهابیدولی النطاق -على الأقل بمعیار تعدد جنسیات ضحایاهوانتمائهم إلى بلاد عربیة،وأخرى أوروبیة أو أمریکیة- فإن الولایات المتحدة -التی تولت عملیة قیادة بناء التحالف الدولی- لم تتواصل مع بعض الدول التی کان یجب أن تکون داخل ذلک التحالف بحکم کونها قوى عالمیة أو دولیة کبرى،مثل: روسیا الاتحادیة،أوالصین الشعبیة،أو قوى إقلیمیة هامة أخرى[xliv].

3-   نموذج المیلیشیات: The Militia Model

تتطلب قرارات الفاعل الجماعی توافق آراء أعضائه ومواردهم المالیة، والمساهمة فی القوى القسریة عند الضرورة، على النحو الذی تحدده هیئة صنع القرار، ومن أمثلة ذلک النموذج حلف الناتو. فقد هدف الحلف فی فترة الحرب الباردة إلی حمایة أعضائه من خلال ردع الهجمات علیهم. وعلیه، لم یکن علیه أی التزام لحفظ السلام والأمن فی أی مکان آخر، لکنه على المستوى غیر الرسمی، کان مهتمًا بأمن بعض الدول غیر الأعضاء مثل: السوید، ویوغوسلافیا، ولذا حاول الدفاع عنها.

وفی أعقاب نهایة الحرب الباردة، أعلن الحلف عن استعداده لاستخدام القوة العسکریة لحفظ السلام والأمن فی أی مکان فی أوروبا، وهذا هو ما فعله فی البوسنة وکوسوفو ومقدونیا. فأی خرق لنظام للأمن الجماعی یُحَوِل الدول الأعضاء إلى فاعل جماعی رادع. فقد تطور دور حلف الناتو حتى صار منوطًا بالسلم والأمن الدولیین،بما یمتلکه من قدرات، وما تملکه الدول الکبرى القائدة فیه من قدرات عسکریة سواء للردع أو التدخل.

فقد اتسع دور الحلف وأضاف إلى نفسه أدوارًا ووظائف جدیدة منها استعراض القوةProjecting Powerلحمایة الدول غیر الأعضاء. وقبیل البوسنة تزایدت النقاشات والجدالات حول دور الناتو واستخدامه للقوة العسکریة لحمایة الدول غیر الأعضاء،وتداعیات ذلک على دوره وفعالیته. وفی الأمم المتحدة، رفضت المنظمة التدخل العسکری لحمایة بعثات حفظ السلام أو لدعم جهودها لوقف القتال[xlv]. فعلى الرغم من العدوان الصربی، وما مارسه من أعمال إبادة وتطهیر عرقی، فإن إطار الأمم المتحدة لم تعتمد على الأسالیب العسکریة، واکتفت بالأسالیب السیاسیة والاقتصادیة، بعد أن اقتصر دور القوات الدولیة على مهام حفظ السلام، ولیس وقف الحرب[xlvi].

إن الانتهاکات الواسعة والجسیمة لحقوق الإنسان فی إقلیم کوسوفو -وعلى رأسها جرائم "التطهیر العرقی"- استدعت التدخل المنفرد من جانب حلف الأطلنطی. وبالرغم من أن معظم دول العالم وشعوبه قد رحبت بهذا التدخل لوضع نهایة للجرائم البشعة التی ارتکبتها قوات الأمن الیوغوسلافیة، والجیش، والشرطة، والمیلیشیات المسلحة، فإنه قد أثار إشکالیة مدى مشروعیته، لأن تدخل حلف الأطلنطی تم خارج الأمم المتحدة المنوط بها مسئولیة حفظ السلم والأمن الدولیین[xlvii].

4-   نموذج الحفل:The Concert Model

بموجب هذا النموذج، یُشکل عددٌ قلیل من الدول المهیمنة ائتلافًا یهدف إلى إدارة الأمن الدولی، على أساس قدراته القسریة الکبیرة، ویتخذ الأعضاء القرارات بتوافق الآراء، ومن أمثلته: المحادثات الکوریة والإیرانیة.

وقعت إیران ودول5+1الدول الخمس دائمة العضویة فی مجلس الأمن وألمانیافی14یولیو2015 الاتفاق النهائی الخاص بالملف النووی الإیرانی بعد مفاوضات استغرقت أکثر من عامین.وبعد أن توصل الطرفان إلى اتفاقٍ مرحلیٍ فی24نوفمبر2013، یقضی بتجدید بعض أنشطة إیران النوویة خاصة فی مجال التخصیب مقابل رفعٍ محدودٍ لبعض العقوبات، تبعه مفاوضات الجولة العاشرة بین إیران ومجموعة دول 5+1 التی عقدت فی فیینا خلال شهر نوفمبر 2014، وأسفرت عن تمدید فترة الاتفاق المبدئی الموقع بین الجانبین للمرة الثانیة لمدة ستة أشهر أخرى حتى 30 یونیو 2015[xlviii].

وتبع ذلک اتفاق فی2 إبریل2015،أُطلق علیه اتفاق الإطار العام لخطة عمل شاملة ومشترکة کمسودة لصیاغة الاتفاق النهائی.بعد مفاوضات شاقةخصوصًا فیما یتعلق بالتسلیح،خاصة الصواریخ البالیستیة التی اتفق على تجمیدها لفترة ثمانی سنوات.وکذا أسلوب التفتیش على المواقع العسکریة، وأنشطة إیران فی الأبحاث النوویةخاصة تطویر وحدات الطرد المرکزی المتقدمة وتقییدها لمدة15عامًا حتى تم الإعلان عن الاتفاق النهائی فی مقر الوکالة الدولیة للأمم المتحدة بفیینا فی14یولیو2015.والمفترض أن یخضع هذا الاتفاق لموافقاتٍ لاحقة من هیئاتٍ سیاسیةٍ وبرلمانیةخاصة فی الولایات المتحدة، قد تستغرق وقتًا قد یصل فی أقصاه إلى ثلاثة أشهر[xlix].

5-   نموذج الدولة:The State Model

یُقصد به إنشاء ممثل غیر حکومی بشکل دائم أو مؤقت یشبه الدولة؛ بمعنى امتلاک الفاعل الجماعی لقدراتٍ قسریة مرکزیة، تُضفى علیه صفة الاستقلالیة عن الدول الأعضاء فیما یتصل بالقوات المتدخلة وأسلوب عملها. ومن التعریف یمکن القول، أن هذا النموذج لا یتواجد على أرض الواقع، لأن الفاعل الجماعی -بما فی ذلک الأمم المتحدة- یعتمد على الدول الأعضاء فیما یتصل بالتمویل، ومصادره، والقوات المتدخلة، وغیرها[l].

وقد سبق وأن أُثیر اقتراح یُتیح للأمم المتحدة قواتٍ عسکریةٍ خاصةٍ للتدخلات العسکریة الصغیرة، وتعبئة الموارد العسکریة بشکلٍ متکرر حسب الحاجة، وهو الاقتراح الذی لم یتم تنفیذه أو الآخذ به. ففی عام1990،ولأول مرة منذ عقود دار الجدال حول منح الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام أو التدخلات الوقائیة ولکن لم یتحقق شیئًا من ذلک،ولم تبدی الدول أی اهتمام، ولکن على النقیض أسس الاتحاد الأوروبی قواته التدخلیة الخاصة من أجل البوسنة لمدة عام، وتم تأسیسها بقوات مستقلة. فالفاعل الجماعی لن یمتلک قواته الخاصة فی الأجل القریب[li].

یتضح من النماذج السابقة، تباین فعالیة الفاعل الجماعی من حالةٍ إلى أخرى، واختلاف کیفیة ونمط تدخل الفاعل الجماعی من صراعٍ إلى آخر. کما یتبین دلالة الاستخدام الفعلی للقوة العسکریة على مصداقیة التهدیدات الرادعة. کما تعکس تلک النماذج أیضًا الدور الطاغی للقوى الکبرى لاسیما الولایات المتحدة على الإدارة الأمنیة الجماعیة، ومن ثم ردع الفاعل الجماعی. أو بعبارة أخرى، تسییس المنظمات الدولیة المعنیة والمنوطة بحفظ السلم والأمن الدولیین، وهو ما یتصل بمصادر تمویل الفاعل الجماعی، وما یُتاح له من موارد، وقدرات، وإمکانات.

رابعًا: الإشکالیات التی تُقوض ردع الفاعل الجماعی:

فی ضوء النماذج السابقة یُمکن تلمس عددٍ من الإشکالیات التی تعترض ردع الفاعل الجماعی، والتی تتراوح بین صعوبة معرفة الأطراف الحقیقیة للخصم،وتقویض المصداقیة، وغیرها، وذلک على النحو التالی:

تتمثل الإشکالیة الأولی فی صعوبة معرفة الأطراف الحقیقیة للصراع؛ فالردع الفعال، على سبیل المثال، یقتضی بأن یحدد الرادع بوضوح أطراف الصراع، والسلوک غیر المقبول، وأن یعلن عن التزامه بمعاقبة الانتهاکات، وأن یکون لدیه الوسائل الکفیلة بإنکار أهداف المنافس ومعاقبته على التجاوز وإبداء العزم على القیام بذلک، وغالبًا لا یلبی الفاعل الجماعی تلک المتطلبات[lii]. فمع تعقد الصراعات الدولیة، وتسارع وتیرتها، قد یحاط الصراع بغموضٍ، یُقوض من إمکانات الردع وسبله، على نحو یصعب معه تحدید الأطراف المتصارعة ابتداءً، بل وقد یصعب تحدید أیهم المسئول عن تصاعد الصراع وتأججه، على نحو یستحیل معه معرفة جدوى التدخلات العسکریة.

وتتمثل الإشکالیة الثانیة فی "المصداقیة"؛ إذ یُعانی الفاعل الجماعی من إشکالیة مصداقیة کبرى، ذلک أن هدفه الأساسی هو الحل السلمی للصراعات، والحیلولة دون استخدام مختلف الدول للقوة العسکریة والردع والإجبار،ولکن الفاعل الجماعی له تاریخ متواضع فی ممارسة الردع بالمقارنة بالدول القومیة. کما تعود إشکالیة المصداقیة جزئیًا أیضًا إلى التناقض فی الرسائل الرادعة التی یصدرها الفاعل الجماعی، بفعل اختلاف وجهات نظر الدول الأعضاء فی کیفیة التعامل مع الصراع أو الأزمة، وهذا التناقض لابد وأن یظهر فی التصریحات الرسمیة، والتصویت، وغیرها.

ناهیک عن ارتباط التهدیدات الراهنة ومصداقیتها بالتهدیدات السابقة،ومدى قدرة الفاعل الجماعی على تنفیذها، ومن ثم النظر فی تاریخ کل فاعل أمر هام للحکم على مصداقیته[liii]. إن الردع الجماعی ما هو إلا شکلٌ من أشکال "الردع الموسع" و"التحالفات" التی تتخذ أشکالًا عدة منها: المشارکة التامة، والمشارکة المتأخرة، والمشارکة المحدودة، وعدم المشارکة، وإهمال بعض الحالات الخطیرة الأخرى. إذ یصعب تحقیق الاتساق فی الاستجابات الدولیة للمشاکل الأمنیة، مما ینال من مصداقیة التهدید[liv]. ویقصد بالردع الموسع الوعد الصریح أوالضمنی الذی یقدمه فاعل أو دولةٌ إلى دولةٍ أو أکثر من الدول لکی توظف قواتها الرادعة ضد الابتزازأوالتهدید أوالعدوان من أطرافٍ ثالثة[lv].

أما الإشکالیة الثالثة فتتصل وهدف وطبیعة الفاعل الجماعی نفسه؛ إن لجوء الدول إلى الردع أو إلى التهدید باستخدام القوة هو أمر شائع بین الدول فی العلاقات الدولیة، ولکن على النقیض من ذلک، لجوء الفاعل الجماعی إلى التهدید باستخدام القوة یتناقض مع الهدف الأساسی الذی أُنشئ هذا الفاعل من أجله وهو حفظ السلم والأمن الدولیین.

إن ردع الفاعل الجماعی هو امتدادٌ وأداةٌ لدعم القانون والنظام الدولیین، واستمرارٌ لتطور القواعد عبر الوطنیة، والدولیة، والمحلیة للسلوک الملائم.وقد أخذ هذا النمط من خصائص الردع الذی تمارسه الدول بما فی ذلک: أعبائه، وقیوده، ومشروعیته. وبالتالی، یُهیمن الحذر علیه. وقد یصعب تأسیسه ابتداءً؛ فعدید منالأعضاءسوفیکونونحذرینمن تدشین سابقة دولیة، وقد تتحالف بعض دوله مع أحد طرفی النزاع، وبالتالی یعرقلون تهدیده أو إنفاذ التهدید ضده[lvi].

ومن الأمثلة على ذلک موقف روسیا من التحالف الدولی ضد داعش؛ فقد لعبت روسیا الدور الأساسی فی تغییر مسار السیاسة الأمریکیة تجاه سوریا من مسار الحرب والضربات العسکریة القویة جویًا وصاروخیًا إلى مسار تخلی سوریا عن مخزونها من الأسلحة الکیمیائیة، وانضمامها إلى منظمة حظر تلک الأسلحة.ولن یکون مقبولًا من جانب روسیا والصین أن تؤدی الحرب ضد داعش إلى تدمیر الحلیف السوری،أو دفعه ثمنًا غالیًا طوال سنوات تلک الحرب أو المکافحة[lvii].

أما الإشکالیة الرابعة فترتبط بفعالیة هذا النمط من الردع؛ فمع تعقد المشهد الدولی، وتغیر مصادر التهدید، وتعدد الفاعلین الدولیین، یسهل على الفاعل الجماعی ردع الصراع الدولی بالمقارنة بالتهدید بالصدام العسکری، بالمقارنة بالعنف بین الدول، بالمقارنة بالأنشطة الإرهابیة. ویستخلص من ذلک أن الهدف الأساسی المناط بالفاعل الجماعی هو ردع الصراعات الدولیة بین الدول دون غیرها[lviii]. ومن ثم یتأجج الجدل عند التعاطی مع انتهاکات حقوق الإنسان، وکیفیة التصدی للحروب الأهلیة، وکیفیة التعامل مع تعسف الحکومات ضد مواطنیها.

ناهیک عن عدم الاتفاق على ما إذا کان الردع خیارًا ینبغی استخدامه ابتداءً؟ وهل یکون بدیلًا لفشل خطواتٍ أخرى؟ أم یکون الملاذ الأخیر؟ وفی بعض الأحیان، یفتقر الاعتراف بوجود المشکلة ابتداءً إلى توافق الآراء؛ وعلیه، یصعب وضعها على جدول الأعمال الدولی کما کان الحال مع رواندا. إن تعزیز فرص النجاح، یتطلب الردع فی مراحل مبکرة من الصراع النامی، قبل أن یتصاعد الموقف، غیر أن ردع الفاعل الجماعی نادرًا ما یکون فی الوقت المناسب، وعادة ما یکون هناکتأخیر فی تقریر ما یجب فعله، لأن الأعضاء لا یوافقون على توصیف طبیعة المشکلة وما ینبغی القیام به أولًا.

فضلًا عن تفضیل الفاعل الجماعی لأشکالٍ تدخلیة غیر عسکریة، بما یحقق مصالح أعضائه، ویقلل فی الوقت نفسه التکلفة المرتفعة المصاحبة للتدخل العسکری، والانتقادات الدولیة الواسعة[lix]. فعلى الرغم من شیوع ربط التدخل الخارجی بالاستخدام الإکراهی للأدوات الاقتصادیة أو للقوة العسکریة من قبل أطراف خارجیة ضد دولة معینة، فإن المفهوم فعلیًا أکثر اتساعًا من هذا التحدید والقصر سواء من حیث آلیاته وصوره، أو فاعلیه وأطرافه؛ فمفهوم التدخل الخارجی یقدم إطارًا شاملًا لفکرة تأثیر الخارجی فی الداخلی، وهو ما یثیر قضایا متعددة مثل: تراجع السیادة المطلقة للدول، وتزاید انتشار القوة کمیًا وکیفیًا لاسیما إلى الفاعلین من غیر الدول، وتنامی الاعتماد المتبادل، وتزاید انکشاف الدول للعالم الخارجی[lx].

وتتصل الإشکالیة الخامسة بهیمنة الولایات المتحدة –بجانب دولٍ أخرى- على الفاعل الجماعی؛ مع ملاحظة أن الأمم المتحدة لا تملک قدرة عسکریة ذاتیة تُمکنها من التدخل لاعتباراتٍ إنسانیة. إذ تعانی القوات العسکریة التی یمکن لمجلس الأمن استخدامها للقیام بعملیات القمع لمواجهة العدوان من قصورٍ شدید؛ فالأعضاء - طبقًا لمیثاق الأمم المتحدة فی المادتین الثالثة والخمسین والرابعة والخمسین- یلتزمون فقط بتزوید مجلس الأمن بالقوة المسلحة والمساعدات والتسهیلات فی الحدود المتفق علیها فی اتفاقیاتٍ خاصة تُبرم بینها وبین المجلس[lxi].

ولذلک، فهی تسند تلک المهمة عادةً إلى دولٍ بعینها أو إلى مجموعة من الدول، وهنا تکمن خطورة الوضع. فإن التفویض یجب أن یکون واضحًا ومحددًا، ویخضع تنفیذه لرقابة فعالة ومتصلة من جانب مجلس الأمن. ولکن الواقع غیر ذلک، فمن ناحیة، تتجاوز بعض الدول صلاحیات التفویض والتدخل غبر الانفراد بالتسویة أحیانًا، والتدخل دون تفویض من الأمم المتحدة أو الإحجام عن التدخل أحیان أخرى[lxii]. ومن ناحیةٍ أخرى، یخضع مجلس الأمن لنفوذ الدول الکبرى، ویتخذ قراراته على أسسٍ انتقائیة من جانب، کما أن تفویضه لبعض الدول بالتدخل العسکری نیابة عنه یکون عادةً فی صیغة العموم دون حدودٍ واضحة. کما أن تنفیذه یتم بعیدًا عن الرقابة الفعلیة للمنظمة، الأمر الذی یسمح للدول المعنیة بالتوسع فی تفسیر مضمون التفویض بما یُحقق مصالحها القومیة.

ومن الأمثلة على ذلک قرار التدخل العسکری فی الصومال الذی وإن أتى تحت مظلة الأمم المتحدة، إلا إنه ترک مهمة تنفیذ هذا القرار -فی المرحلة الأولى منه- لبعض الدول بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة، دون رقابةٍ فعلیة من جانب المجلس، مما أبعد هذا القرار کثیرًا عن إطار الشرعیة الدولیة، کما حدث فی حالاتٍ أخرى مثل: حرب الخلیج الثانیة أو البوسنة والهرسک[lxiii].

ویُشیر ذلک إلى إشکالیةٍ ازدواجیة المعاییر المهیمنة على معالجة الأزمات والصراعات الدولیة، تحت شعاراتٍ دولیةٍ إنسانیة، تُشرعن من التدخلات العسکریة[lxiv]. ففی قضیة البوسنة، فرض مجلس الأمن حظرًا على مبیعات الأسلحة والمعدات الحربیة على الأطراف المتنازعة، على الرغم من عدم امتلاک المسلمین لها، ولکن فی حالة حرب الخلیج الثانیة، أستصدر مجلس الأمن قرارًا یُجیز للتحالف الدولی التدخل العسکری[lxv]، وهکذا تتجلى المفارقات بین حالة وأخرى.

فمن المرجَح أن یستمر الدور الأمریکی کمهندس رئیس فی الإدارة الأمنیة فی المستقبل، فقد إکتسبت الولایات المتحدة خبراتٍ قتالیة بالمقارنة بأی دولة أخرى تقریبًا، وأنفقت بقدر ما تنفق دول العالم مجتمعةً على البحث والتطویر العسکری، وتستمر فی إنفاق مبالغ ضخمة على لتطویر وتدریب وتأهیل قواتها المسلحة.

بید أن الولایات المتحدة تُواجه إشکالیةً کبرى؛ فعادةً ما یتم تدریب القوات العسکریة على متطلبات الدفاع القومی. ونتیجةً لذلک، لم تکن الولایات المتحدة راغبةً فی الانضمام إلى العملیات متعددة الأطراف التی ستسفر عن مواجهاتٍ کبرى. فعلى مدار العقد الماضی، أظهرت الولایات المتحدة عدم رغبتها فی وضع قواتها تحت تصرف الفاعل الجماعی، وتهربت من المشارکة فی حالاتٍ بعینها، وادعت -فی بعض الأحیان- أنها ستتصرف من جانبٍ واحد -إذا لزم الأمر- نیابةً عن أمنها الوطنی دون موافقة المجتمع الدولی[lxvi].

وعلیه یمکن القول، أن الأدبیات التی تهتم بتحلیل دور العامل الخارجی فی الصراعات یسیطر علیها مجموعة من التصورات المسبقة، التی تحول دون تقدیم تحلیل موضوعی لأدوار الأطراف الخارجیة، والتحولات التی تطرأ علیها کما تکشف عنها الخبرات العملیة. حیث یمکن القول أن هناک تصور مسیطر على تلک الأدبیات؛ یتمثل فی التعامل مع المنظمات الإقلیمیة والدولیة على أنها مرادف لإرادات الدول الأقوى فیها، وبالتالی لا جدوى من التعامل معها ککیانات مستقلة، ویُفضل هذا التیار التعامل مع الدول کطرفٍ خارجیٍ رئیسیٍ یُحدد مسار الصراع[lxvii].

وترتبط الإشکالیة السادسة بتداعیات ردع الفاعل الجماعی على استقلال الدول وسیادتها؛ ففی ظل تعدد التهدیدات الأمنیة، یُعَد الردع نوعًا من القوة القسریة التی تتراوح بین الضغوط غیر العسکریة إلى استخدام القوة العسکریة تحت مظلة المجتمع الدولی. بید أن بعض الدول ترى أن أی إجبار من قبل المجتمع الدولی یُشکل سابقةً خطیرة تُهدد السیادة والاستقلال الذاتی.

إن الإکراه الدولی لدولةٍ ما یُضعف استقلالیتها، مما یحد من حریتها فی العمل، أو کما هو الحال مع العراق فی حرب الخلیج، یحرمها من ثمار الاستقلال الذاتی. فهو یضرب استقلالیة الدولة عندما یتدخل المجتمع بالقوة أو یهدد بها على خلفیة ظرف داخلی یهدد السلم والأمن الدولیین.وإذا أسفر التدخل عن تغییر النظام، فإن الاستقلال الذاتی للدولة یزداد تهددًا.

الخاتمة:

إن الفاعل الجماعی لا یجعل الردع أولویة له؛ فیلجأ أولًا إلى خطواتٍ غیر قسریة مثل: تقصی الحقائق، والمفاوضات، والوساطة. على نحو یجعل ردع الفاعل الجماعی ضعیفًا بل ومتأخرًا. وعندما یفشل الردع، وتصبح القوة ضروریة، یکون الأوان قد فات، وتدهورت الأوضاع بشکل کبیر وصولًا لحافة الهاویة، مما یجعل فرص فشل الردع مرتفعة بشکل غیر مقبول.

فمن الصعب على الفاعل الجماعی أن یهیئ الظروف المناسبة لاستخدام القوة استخدامًا فعالًا؛ فالحکومات تبطئ فی إرسال المساهمات العسکریة، ولکنها تسرع فی سحبها للحد من التکالیف والأعباء الأخرى وتجنب وقوع إصابات، الأمر الذی یتطلب قواعد واضحة للمشارکة، وسلسلة قیادة واضحة، وتوفیر القوات المدربة والمجهزة بشکل مناسب لفترةٍ طویلة.

إن إحدى الافتراضات الأساسیة التی یقوم علیها ردع الفاعل الجماعی هی وجود مجتمع دولی، ووجود جماعة دولیة، أو بشکلٍ أدق، مجتمع عالمی، یضع معاییرً هامة یتوقع من الأعضاء أن یلتزموا بها، ویساعد فی ذلک القوة النسبیة للدول الغربیة، وصعود العولمة، وتنامی ظاهرة الاعتماد المتبادل. ومن نتائج ذلک، إدارة النظم الدولیة من خلال المنظمات الحکومیة الدولیة، والمنظمات عبر الوطنیة، والمنظمات غیر الحکومیة على الصعیدین العالمی والإقلیمی.

تحتاج إدارة الأمن الدولیإلى الردع والقدرة على إنفاذ القانون؛فمن الناحیة المثالیة، یساعد الفاعل الجماعی على إنشاء مجتمع تقوم فیه معاییر السلوک السلیم بالحد من التحدیات الأمنیة بطرقٍ عدیدة، ولکن أهمها هو تجسید، وأحیانًا تطبیق، الردع والهجوم على نحوٍ فعال. ویُعزز ذلک من المصداقیة بفعل توفیر البدیل للدول التی تعتمد على نفسها لتحقیق أمنها.

ولکن المشکلة تکمن فی أن ردع الفاعل الجماعی لا یزال فکرة غامضة دون حدودٍ قانونیة واضحة. ومن ثم، فهویُفسح المجال لتجاوزاتٍ عدیدة ترجع إلى إساءة استخدام السلطة التقدیریة للدول فی إتخاذ قرار التدخل من عدمه. فإن التجربة التاریخیة تکشف عن أن الدول الکبرى، قد استغلت فکرة التدخل الإنسانی لتبریر تدخلها فی الشئون الداخلیة لدولٍ أخرى تحقیقًا لمصالحها القومیة. فقد کانت هناک دوافع قویة أخرى للتدخل ترتبط بالمصالح القومیة وبالتوازنات الدولیة عمومًا، وهکذا أصبحت الإدارة الأمنیة الدولیة تتم على أسسٍ انتقائیة، وتتخذ ستارًا للتنافس بین الدول القویة على الصعیدین العالمی والاقلیمى.

 
[i] Patrick Morgan, "Collective-Actor Deterrence" In: T.V. Paul, Patrick Morgan, & James J. Wirtz (eds.), Complex Deterrence Strategy in the Global Age (United States: The University of Chicago Press, 2009), pp. 158-162.
[ii]James J. Wirtz, "Deterring the Weak: Problems and Prospects", Proliferation Papers, Security Studies Center (IFRI), Fall 2012, pp. 7-8.
[iii] Samuel S. G. WU, "To Attack or Not to Attack: A Theory and Empirical Assessment or Extended Immediate Deterrence", Journal of Conflict Resolution, Vol. 34, No. 3, September 1990, pp. 531-552.
[iv]James Blackwell, "Deterrence at the Operational Level of War", Strategic Studies Quarterly, Summer 2011, p. 31.
[v]Richard K. Betts, "The Lost Logic of Deterrence: What the Strategy That Won The Cold War Can-and Can't-Do Now", Foreign Affairs, No. 92, March, April 2013, https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2013-02-11/lost-logic-deterrence, Retrieved December 2017.
[vi] John Mearsheimer,Conventional Deterrence (United States: Cornell University Press, 2017), p. 14.
[vii]Colin S. Gray, "Gaining Compliance: The Theory of Deterrence and its Modern Application", Comparative Strategy, Vol. 29, No. 3, 2010, pp. 278-279.
[viii] إسماعیل صبری مقلد، العلاقات السیاسیة الدولیة دراسة فی الأصول والنظریات (القاهرة: المکتبة الأکادیمیة، 2010)، ص ص. 514–515.
[ix] Patrick Morgan, Deterrence Now (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), pp. 172-173.
[x]صالح یحی الشاعری، تسویة النزاعات الدولیة سلمیًا(القاهرة: مکتبة مدبولی، 2006)، ص ص. 26-27، أحمد عبد الونیس، أحمد الرشیدی، محمد شوقی عبد العال، مذکرات فی القانون الدولی العام (جامعة القاهرة: کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، 2007)، ص ص. 198-199، عبد النبی أحمد عبد الله النقراط، الأمم المتحدة والنظام العالمی الجدید، رسالة­­­­­­­­ ماجستیر، السودان، جامعة درمان السودانیة، 2005، ص. 114
[xi]Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 174-176.
[xii] أحمد عبد الونیس، أحمد الرشیدی، محمد شوقی عبد العال، مرجع سبق ذکره، ص. 195.
[xiii] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 188.
[xiv]أحمد الرشیدی، "حق التدخل الدولی: هل یعنی إعادة النظر فی مفهوم سیادة الدولة؟"،سلسلة مفاهیم، المرکز الدولی للدراسات المستقبلیة والإستراتیجیة، العدد 8، السنة الأولى، أغسطس 2005، ص. 33.
[xv] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 184-185.
[xvi] Patrick Morgan, "The State of Deterrence in International Politics Today", Contemporary Security Policy, Vol. 33, No. 1, 2012, pp. 94-96.
[xvii] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 176.                                     
[xviii] محمد یونس یحی الصائغ، "نزع أسلحة الدولة کوسیلة لتحقیق الأمن الجماعی"، مجلة الرافدین للحقوق، کلیة الحقوق، جامعة الموصل، العراق، 2009، ص. 153.
[xix] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, pp. 158-159.
[xx] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 175-176.
[xxi] نشأت الهلالی، "الأمن الجماعی"، سلسلة مفاهیم، المرکز الدولی للدراسات المستقبلیة والإستراتیجیة، العدد 9، السنة الأولى، سبتمبر 2005، ص. 10.
[xxii] إبراهیم أحمد إلیاس، "الأمن الجماعی فی التنظیم الدولی المعاصر"، المجلة المصریة للقانون الدولی، العدد 69، 2013، ص. 402؛ إبراهیم العنانی، "حرب الشرق أوسط ونظام الأمن الجماعی"، مجلة العلوم القانونیة والاقتصادیة، یولیو 1974، ص. 607.
[xxiii] نواری أحمد، "الأمن الجماعی قمع العدوان"، مجلة دراسات وأبحاث، جامعة الجلفة، الجزائر، 2013، ص. 166؛ سعد حقی توفیق، مبادئالعلاقات الدولیة (عمان: دار الأوائل، 2006)، ص. 344.
[xxiv] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 189.
[xxv] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, p. 164.
[xxvi] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 174.
[xxvii] أحمد الرشیدی، مرجع سبق ذکره، ص. 33.
[xxviii]نشأت الهلالی، مرجع سبق ذکره، ص ص. 11-14.
[xxix]الخلیج العربی، "مفهوم الأمن الجماعی"، الخلیج العربی، العراق، العدد 374، 2009، ص. 198.
[xxx]نشأت الهلالی، مرجع سبق ذکره، ص. 14.
[xxxi]أمجد سلمى عبد الله، الأمم المتحدة والأمن الجماعی بعد إنتهاء الحرب الباردة، رسالة ماجستیر، الجامعة الأردنیة، کلیة الدراسات العلیا، الأردن، 2002، ص. 17.
[xxxii] قام حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة، وتحدیدًا فی عام 1991، بتأسیس مجلس تعاون شمالی الأطلسی کوسیلة للتواصل مع الدول التی کانت فی ما مضى أعضاء فی حلف وارسو، بالإضافة إلى الدول الجدیدة التی قامت على أنقاض انهیار الاتحاد السوفییتی. أما "الشراکة من أجل السلام" فهی منظمة تابعة لحلف شمال الأطلسی،تهدف إلى خلق الثقة بین الناتو ودولٍ أخرى فی أوروبا وجمهوریات الاتحاد السوفیتی السابق، تتکون من 22 دولة، وهی مبادرة أمریکیة تم تنفیذها بعد اقتراح فی اجتماع لوزراء الدفاع لحلف شمال الأطلسی فی ألمانیا فی 20-21 أکتوبر 1993، وأطلقت رسمیًا فی 10-11 ینایر 1994 فی قمة فی بروکسل لتضم بذلک عددًا أکبر من الشرکاء، بالإضافة إلى تشکیلةٍ واسعةٍ من عملیات التعاون الدفاعی کتبادلیة التشغیل والإصلاحات الدفاعیة. ولمزیدٍ من التفاصیل انظر:
روبرت اف. سیمونـز، "عشر سنوات على تأسیس مجلس الشراکة الأوروبیة الأطلسیة: وجهة نظر شخصیة"، مجلة حلف الناتو، صیف 2007.
[xxxiii] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 174.
[xxxiv]مصطفى علوی، "القرن الأسیوی؟ مستقبل هیکل القوة فی النظام الدولی فی القرن 21"، ملحق تحولات إستراتیجیة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 50، العدد 200، إبریل 2015، ص. 6.
[xxxv]أیمن إبراهیم الدسوقی، "معضلات الأمن الجماعی فی مجلس التعاون الخلیجی"، مجلة سیاسات عربیة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، قطر، سبتمبر 2014، ص. 54.
[xxxvi] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 177-178.
[xxxvii] العربی بلحاج، "صیانة السلم والأمن الدولیین فی إطار الأمم المتحدة"، دراسات قانونیة، مرکز البصیرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلیمیة، الجزائر، أغسطس 2012، ص. 70.
[xxxviii]یستثنى من ذلک تهدید دول المحور باستخدام القوة الشاملة فی الحرب العالمیة الثانیة.
[xxxix] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 177-178.
[xl] محمد شوقی، حسن نافعة، التنظیم الدولی (القاهرة: قسم العلوم السیاسیة بکلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة جامعة القاهرة)، ص ص. 409-414.
[xli] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 177-178.
[xlii] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, p. 164.   
[xliii] حمدی عبد الرحمن، "صراعات الهیمنة: الصیغ الأمنیة الجدیدة فی إفریقیا"، السیاسة الدولیة، المجلد 49، العدد 197، یولیو 2014، ص. 13.
[xliv] مصطفى علوی، "الحرب على داعش تفاعلات إقلیمیة ودولیة"، السیاسة الدولیة، المجلد 50، العدد 199، ینایر 2015، ص ص. 93-97.
[xlv] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 193.
[xlvi]نادیة محمود مصطفى، "العالم الثالث فی النظام الدولی لما بعد الحرب الباردة: خریطة أنماط الصراعات وأدوات التدخلات الخارجیة 1991-2011"، مجلة الغدیر، سبتمبر 2012، ص ص. 11-12.
[xlvii] سمعان بطرس فرج الله، جدلیة القوة والقانون فی العلاقات الدولیة المعاصرة (القاهرة: مکتبة الشروق الدولیة، 2008)، ص ص. 318 – 319.
[xlviii] أشرف محمد کشک، "استعادة التوازن: المفاوضات النوویة وإمکانیة تحقیق انفراج عربی–إیرانی"، ملحق تحولات إستراتیجیة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 50، العدد 199، ینایر 2015، ص. 25.
[xlix]یسری أبو شادی، "رؤیة تقییمیة لمضمون الاتفاق على برنامج إیران النووی"، السیاسة الدولیة، المجلد 50، العدد 202، أکتوبر 2015، ص. 130.
[l]Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, pp. 158-182.
[li] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 194.
[lii] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, pp. 161-165.
[liii] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, pp. 176-177.
[liv] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, pp. 170-171.
[lv]Olivier Debouzy, Nuclear Deterrence-the Permanent and the Changing, La Revue Geopolitique, November 2009, https://www.diploweb.com/spip.php?page=spipdf&spipdf=spipdf_article&id_article=524&nom_fichier=article_524Retrieved November 2017.
[lvi] Patrick Morgan, The State of Deterrence in International Politics Today, Op.cit, pp. 94-96.
[lvii] مصطفى علوی، مرجع سبق ذکره، ص ص. 93-97.
[lviii] Patrick Morgan, Deterrence Now, Op.cit, p. 187.
[lix] خدیجة عرفة محمد، "من العسکرة للحصار: أشکال وأدوات التدخل الخارجی فی شئون الدول"، ملحق اتجاهات نظریة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 49، العدد 195، ینایر 2014، ص. 23.
[lx]على جلال معوض، "القابلیة للانکشاف: العوامل الداخلیة والخارجیة الدافعة للتدخل فی العلاقات الدولیة"، ملحق اتجاهات نظریة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 49، العدد 195، ینایر 2014، ص. 11.
[lxi] بن محی الدین براهیم، "تطور مفهوم الأمن الجماعی فی ضوء القانون الدولی العام"، مجلة الحکمة، مؤسسة کنوز الحکمة للنشر والتوزیع، الجزائر، یونیو 2013، ص. 240.
[lxii] محمد أحمد المقداد، "واقع الأمن الجماعی فی ظل سیاسات التدخل الدولی: العراق حالة دراسیة"، دراسات العلوم الإنسانیة والاجتماعیة، الأدرن، 2005، ص. 346.
[lxiii] سمعان بطرس فرج الله،مرجع سبق ذکره، ص ص. 340-341.
[lxiv]رغدة البهی، "الشرعنة الأخلاقیة للقوة العسکریة: الحرب العادلة نموذجًا"، ملحق اتجاهات نظریة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 52، العدد 209، یولیو 2017، ص ص. 16-17.
[lxv] أمجد سلمی عبد الله السنید، الأمم المتحدة والأمن الجماعی بعد انتهاء الحرب الباردة، رسالة ماجستیر، الجامعة الأردنیة، کلیة الدراسات العلیا، الأردن، 2002، ص ص. 43-44.
[lxvi] Patrick Morgan, Collective-Actor Deterrence, Op.cit, p. 166.
[lxvii] إیمان رجب، "حدود التأثیر: الأطراف الخارجیة وأنماط التدخل فی الصراعات الداخلیة"، ملحق اتجاهات نظریة، ملحق مجلة السیاسة الدولیة، المجلد 49 عدد 195، ینایر 2014، ص. 29.