منظور حضاري إسلامي في خريطة جديدة لحقل العلاقات الدولية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

المستخلص

نشأ منظور حضاري إسلامي في العلاقات الدولية قبل ثلاثين عاما من أحضان کلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة مشتبکا مع حقل العلاقات الدولية، من داخله واعيا بمنطلقات هذا الأخير ومدارسه وجدالاته. واليوم تطل علينا خريطة لحقل العلاقات الدولية أکثر تعقيدا وتشابکا من تلک التي خبرها منظور حضاري إسلامي في بداياته الأولى؛ فتبرز اليوم إلى جوار النظريات التقليدية الوضعية الغربية المهيمنة حزم من النظريات الغربية ما بعد وضعية، وإلى جوار النظريات الغربية بتنويعاتها اجتهادات نظرية من مراکز حضارية غير غربية في الصين والهند والبرازيل، کما تبرز إلى جوار منظور حضاري إسلامي محاولات للتنظير من مرجعية إسلامية في العلاقات الدولية قدمها مسلمون وغير مسلمين ارتأت أهمية تجاوز الطرح الفقهي الإسلامي التقليدي في العلاقات الدولية إلى الکشف عما يمکن للإسلام أن يقدمه في سياق الواقع الدولي المعاصر.
وعليه، تنشغل هذه الورقة عبر ثلاثة أجزاء متتالية بإشکالية موقع منظور حضاري إسلامي من خريطة جديدة لحقل العلاقات الدولية؛ موقعه من إسهامات نظرية نقدية في الحقل، وموقعه من غيره من الأدبيات التي تقدم إسهاما نظريا غير غربي في العلاقات الدولية، وموقعه من أدبيات اهتمت بالإسهام النظري الإسلامي في العلاقات الدولية؛ ثلاث دوائر جديدة عرفها الحقل في أعوامه العشرين الأخيرة، فما دلالتها بالنسبة لمنظور حضاري إسلامي، وما موقعه منها؟  إن الإجابة على سؤال رئيس، ألا وهو "أين يسکن منظور حضاري إسلامي في العلاقات الدولية بعد أکثر من ثلاثين عاما من تدشينه؟" تسمح بلا شک بتقييم بعض مما قام بإنجازه وکيف تطور، والسؤال عما لا زال بإمکانه أن يقدمه، وعن المطلوب منه أن يقدمه في المرحلة القادمة المحملة بتحديات جديدة وأخرى متجددة.
وتواجه کل مهمة من مهمات التسکين في نطاق أي من هذه المجموعات الثلاث إشکاليات هامة تطرحها الورقة عبر أجزائها الثلاثة بحثا عن إجابة على سؤالها الرئيس.

نقاط رئيسية

مستخلص:

نشأ منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة قبل ثلاثین عاما من أحضان کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة – جامعة القاهرة مشتبکا مع حقل العلاقات الدولیة، من داخله واعیا بمنطلقات هذا الأخیر ومدارسه وجدالاته. والیوم تطل علینا خریطة لحقل العلاقات الدولیة أکثر تعقیدا وتشابکا من تلک التی خبرها منظور حضاری إسلامی فی بدایاته الأولى؛ فتبرز الیوم إلى جوار النظریات التقلیدیة الوضعیة الغربیة المهیمنة حزم من النظریات الغربیة ما بعد وضعیة، وإلى جوار النظریات الغربیة بتنویعاتها اجتهادات نظریة من مراکز حضاریة غیر غربیة فی الصین والهند والبرازیل، کما تبرز إلى جوار منظور حضاری إسلامی محاولات للتنظیر من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة قدمها مسلمون وغیر مسلمین ارتأت أهمیة تجاوز الطرح الفقهی الإسلامی التقلیدی فی العلاقات الدولیة إلى الکشف عما یمکن للإسلام أن یقدمه فی سیاق الواقع الدولی المعاصر.

وعلیه، تنشغل هذه الورقة عبر ثلاثة أجزاء متتالیة بإشکالیة موقع منظور حضاری إسلامی من خریطة جدیدة لحقل العلاقات الدولیة؛ موقعه من إسهامات نظریة نقدیة فی الحقل، وموقعه من غیره من الأدبیات التی تقدم إسهاما نظریا غیر غربی فی العلاقات الدولیة، وموقعه من أدبیات اهتمت بالإسهام النظری الإسلامی فی العلاقات الدولیة؛ ثلاث دوائر جدیدة عرفها الحقل فی أعوامه العشرین الأخیرة، فما دلالتها بالنسبة لمنظور حضاری إسلامی، وما موقعه منها؟  إن الإجابة على سؤال رئیس، ألا وهو "أین یسکن منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة بعد أکثر من ثلاثین عاما من تدشینه؟" تسمح بلا شک بتقییم بعض مما قام بإنجازه وکیف تطور، والسؤال عما لا زال بإمکانه أن یقدمه، وعن المطلوب منه أن یقدمه فی المرحلة القادمة المحملة بتحدیات جدیدة وأخرى متجددة.

وتواجه کل مهمة من مهمات التسکین فی نطاق أی من هذه المجموعات الثلاث إشکالیات هامة تطرحها الورقة عبر أجزائها الثلاثة بحثا عن إجابة على سؤالها الرئیس.

کلمات مفتاحیة:

نظریة العلاقات الدولیة- منظور حضاری إسلامی- النظریات النقدیة- تنظیر غیر غربی

الكلمات الرئيسية


مقدمة:

مرت على تدشین فکرة بناء "منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة" أعوام تتجاوز الثلاثین بقلیل. کان الإعداد لـ "مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام"–وهو العمل الجماعی المؤسس لمقولات المنظور- قد انطلق من أحضان کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة بجامعة القاهرةمنذ عام 1986 مسترشدا فی ذلک بدعوة جیله الأول؛ أ.د. حامد ربیع[i] وأ.د. منى أبو الفضل من بعده، لأهمیة الالتفات إلى  المصادر الإسلامیة کمصادر للتنظیر السیاسی، ولأهمیة التأسیس لدراسات حضاریة فی العلوم السیاسیة من منظور إسلامی[ii]

استغرق إعداد المشروع عشر سنوات، وانقسمت أجزاؤه ما بین دراسة أصول وقواعد ومناهج التعامل مع المصادر الإسلامیة عند التنظیر للعلاقات الدولیة فی الإسلام[iii]، وما بین دراسة العلاقات الدولیة سلما وحربا کما یمکن استنباطها من الأصول الإسلامیة؛ من القرآن والسنة وخبرة الخلفاء الراشدین[iv]، وما بین دراسة العلاقات الدولیة فی التاریخ الإسلامی بعصوره المتعاقبة منذ الدولة الأمویة حتى سقوط الخلافة[v]، وأخیرا -فی مرحلة لاحقة- دراسة العلاقات الدولیة فی الفکر السیاسی الإسلامی.[vi]اتخذ المشروع من منظومة القیم الإسلامیة مدخلا لتقدیم اجتهاد جدید من مرجعیة إسلامیة لفهم العلاقات الدولیة وفهم غیرها من الظواهر الاجتماعیة. [vii]

وما بین عدم الرضا عن واقع دولی تهیمن علیه حسابات القوة المادیة فیستغل الأفقر ویهمش الضعیف، وما بین عدم الرضا عن النظریات التی تقرأ هذا الواقع وتفسره وتعید إنتاجه -فتقصی وتهمش وتتحرک أسیرة نموذج معرفی علمانی وضعی یجعلها عاجزة فی کثیر من الأحیان عن أن ترى من یخالفها أو تستوعبه؛ وما بین الحاجة لاستعادة ذات حضاریة صاحبة خصوصیة معرفیة، وما بین قناعة بأن هذه الذات الحضاریة لدیها ما تقدمه نفعا للبشریة بأسرها –بل وعلیها مسئولیة أن تقدمه بحکم طبیعة رسالة الإسلام کرسالة موجهة للعالمین،وما بین عدم الرضا عما قُدم من داخل الدائرة الحضاریة الإسلامیة عن العلاقات الدولیة من رؤیة إسلامیة من قبل غیر متخصصین فی العلوم السیاسیة عموما والعلاقات الدولیة خصوصا -فجاءت کتاباتهم محمودة ولکنها عاجزة عن تجسیر الفجوة بین العلوم الشرعیة وبین علم العلاقات الدولیة المعاصر ومن ثم الاشتباک مع جدالات العلم من داخله؛ ما بین هذه الدواعی العلمیة والعملیة کلها تراوحت خلاصات دراسات مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام على نحو أکد على الحاجة إلى مشارکة حضاریة إسلامیة فی التنظیر لعلم العلاقات الدولیة، فبرزت دعوات تأسیس وبناء منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة، والذی یعرف أیضا بالمدرسة المصریة الحضاریة.[viii]

إن منظور حضاری إسلامی لا ینهض على استدعاء الإسلام أو حال المسلمین کموضوعات للدراسة فحسب، وإنما یستدعی المرجعیة الإسلامیة بالأساس کرؤیة حضاریة تحرک البحث العلمی بکافة مستویاته –بدءا من دوافع البحث مرورا بإشکالیات البحث واقترابات النظر وصولا إلى الغایات والأهداف، وتقع فی القلب من هذا کله  مسألة المراجعة للسائد والقائم فی العلم خصوصا من خلال بناء المفاهیم المقارنة. وتتجاوز أدوات بناء المنظور الحضاری الإسلامی فی العلاقات الدولیة تخصص العلاقات الدولیة بل وتخصصات العلوم السیاسیة جمیعها إلى غیرها من الحقول المعرفیة[ix]، فهذا الأمر هو من صمیم تعریف "حضاریته"؛ فهو حضاری لیس فقط لکونه ینسب نفسه إلى رؤیة للوجود والمعرفة ذات خصوصیة حضاریة، وإنما أیضا لأنه یقیم بناءه النظری بإسهامات من فروع وحقول معرفیة مختلفة تعکس طبیعة نظرته الکلیة للعلوم الاجتماعیة، کما تتجاوز أدوات بنائه الاجتهادی فقه الأحکام والمبادئ إلى الفکر والتاریخ ومداخل النظر الحضاری المختلفة القیمی والسننی والمقاصدی.[x]

إن إطلالة سریعة على سنوات عمر المنظور الثلاثین لتکشف عن عدة مراحل مر بها؛ خرج مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام (1986-1996) کمنتج معبر عما أنجزه المنظور فی أعوامه العشرة الأولى على ید أبناء جیله الثانی ممن آمنوا بالمنطلقات المعرفیة والمنهاجیة التی أرساها أبناء الجیل الأول. وفی أعوامه العشرین التالیة تنوعت منتجات المنظور وتعددت. أسهم أبناء الجیل الثانی والثالث للمنظور فی دراسة قضایا وواقع المسلمین تحت مظلة المعهد العالمی للفکر الإسلامی ومرکز الحضارة للدراسات والبحوث[xi] وبدعم مستمر من کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة ودعم بعض من مراکزها البحثیة وعلى رأسها مرکز الدراسات الحضاریة وحوار الثقافات خلال فترة رئاسة أ.د. نادیة مصطفى له. جاءت حولیة أمتى فی العالم لتحوی بین طیات أعدادها دراسات التفتت لواقع المسلمین من مشارق الأرض لمغاربها.[xii] وأسهم أبناء الجیل الثالث برعایة وإشراف من أساتذة الجیل الثانی -من خلال کم معتبر من الرسائل العلمیة- فی الکشف عن ملامح قصور نظریة العلاقات الدولیة فی فهم واستیعاب أولویات ومصالح وقضایا إسلامیة - بل وقصورها فی فهم الواقع الدولی بمختلف ظواهره- حیث استغرقت هذه النظریة مرکزیة أنجلو-أمریکیة علمانیة وضعیة حتى النخاع. [xiii]

کان مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام قبل ثلاثین عاما قد انطلق من وعی کامل بأهمیة الاشتباک مع مقولات نظریة ومداخل منهاجیة سائدة فی الحقل، اشتبکت مجلداته مع العلاقة بین القیم والعلم والواقع کما طرحتها الأدبیات الغربیة فی حقل العلاقات الدولیة[xiv]، وانشغلت دراساته بنقد مداخل التحلیل التاریخی الغربیة وبنقد تجاهل موضع الأمة الإسلامیة من النظام الدولی فی دراسات التاریخ الغربیة، کما کشفت فصوله عن قصور التحلیلات الصراعیة المادیة للعلاقات الدولیة عن استیعاب أبعاد غیر مادیة هامة للظاهرة الدولیة. [xv]

عقدت أ.د. نادیة مصطفى -تأسیسا على مخرجات المشروع- مقارنة أفقیة بین مقولات منظور حضاری إسلامی ومقولات کل من المنظورات الواقعیة واللیبرالیة والمارکسیة من حیث تصور هذه المنظورات لطبیعة محرک العلاقات الدولیة وطبیعة قضایا حقل العلاقات الدولیة وعلاقة القیم بالواقع والعلاقة بین الداخل والخارج. وقادتها المقارنة الأفقیة إلى مقارنة رأسیة بین منظور حضاری إسلامی من ناحیة وبین هذه المنظورات مجتمعة من ناحیة أخرى على نحو کشف عن تمایزات جوهریة على مستویات المعرفی والوجودی والمنهاجی بین منظور حضاری إسلامی والمنظورات الوضعیة السائدة فی الحقل. بات من الواضح أن مساحات التقاطع بین منظور حضاری إسلامی وبین المنظورات الوضعیة السائدة فی العلم تکاد تکون منعدمة؛ یجعل منظور حضاری إسلامی من موازین ثابته من القیم والمقاصد حکما ومرشدا وإطار مرجعیا للحکم على الواقع وجودته، ویؤمن بأهمیة النظرة الکلیة للظواهر الاجتماعیة فیجمع بین التفات للأبعاد المادیة والأبعاد غیر المادیة فی فهم هذا الواقع، وتشغله القضایا الثقافیة والحضاریة والأخلاقیة بقدر ما تشغله القضایا السیاسیة والعسکریة والاقتصادیة، ویرى فی التدافع محرکا للعلاقات الدولیة وفی الدعوة محرکا للعلاقات بین المسلمین وغیرهم. أما المنظورات الوضعیة على تنوعها فتجعل الواقع حکما على القیم والأخلاق حیث تستبطن کلها فهما وضعیا للقیم یؤمن بنسبیة القیم وببشریة مصدرها، تعلی هذه المنظورات من شأن المادی -العسکری أو الاقتصادی- على حساب کافة الأبعاد والعوامل الأخرى، وتجعل من الصراع وإدارته بکافة مستویاته محرکا للعلاقات الدولیة. ومن ثم قدم منظور حضاری إسلامی نفسه منذ اللحظة الأولى کمنظور صاحب مقولات ومنطلقات بدیلة ومنافسة لتلک التی تحملها المنظورات السائدة فی الحقل والمهیمنة علیه.[xvi]

اکتسب منظور حضاری إسلامی بالفعل شرعیة کوهنیة –نسبة إلى Thomas Kuhn- حیث فرضت تطورات الواقع تحدیا على المنظورات السائدة، فکشفت تطورات الواقع عن محدودیة قدرة هذه المنظورات على التفسیر والتحلیل -لیس فقط تفسیر وتحلیل ظواهر ذات صبغة إسلامیة أو حتى دینیة برزت على الساحة الدولیة، وإنما ظواهر دولیة لا حصر لها؛ ظواهر بضخامة وأهمیة نهایة الحرب الباردة ذاتها على سبیل المثال- على نحو بات یفسح مجالا أمام  المنظورات "المنافسة"و"البدیلة" للظهور[xvii]. لم تکن المسألة ضربة حظ ساقها القدر للمشتغلین بالمنظور الحضاری الإسلامی، بل کان الواقع والعلم یبرهنان على دقة ملاحظات وانتقادات رصدها الجیل المؤسس للمنظور؛ حیث استحالة استمراریة احتکار المشروع الغربی للعلمیة والموضوعیة والعالمیة، وحیث استحالة استمراریة تهمیش معین بهذا الثراء کالمعین الحضاری الإسلامی. [xviii]

دعم تطور الواقع الدولی کما دعمت تطورات نظریة العلاقات الدولیة خلال العشرین عاما الأخیرة مقولات تبناها منظور حضاری إسلامی منذ نشأته، بل ومقولات عن أهمیة التمییز بین نموذج معرفی علمانی وضعی ونموذج معرفی إسلامی سبقت نشأة المنظور بسنوات عدیدة[xix]، فلم یعد من الممکن لدارس العلاقات الدولیة ادعاء عدم أهمیة الالتفات إلى الدینی أو الحضاری أو القیمی، ولم یعد من الممکن لهذا الدارس ادعاء أن عدم الرضا المعرفی والأونطولوجی والمنهاجی عن السائد والمهیمن فی العلم هو دلیل انغلاق الطرح الإسلامی على ذاته، فغیر الراضین عن حال الواقع الدولی وعن حال العلم وعن منهاجیة البحث العلمی الوضعیة أصبحوا منتشرین من مشارق الأرض إلى مغاربها، وتستعرض هذه الورقة عبر جزئیاتها الکثیر من ملامح هذه المسألة.

ولهذا تطل علینا الیوم خریطة لحقل العلاقات الدولیة أکثر تعقیدا وتشابکا من تلک التی خبرها منظور حضاری إسلامی فی بدایاته الأولى. تبرز إلى جوار النظریات التقلیدیة الوضعیة الغربیة المهیمنة حزم من النظریات ما بعد وضعیة، وإلى جوار النظریات الغربیة اجتهادات نظریة من مراکز حضاریة غیر غربیة فی الصین والهند والبرازیل، کما تبرز إلى جوار منظور حضاری إسلامی -سبق له وأن اشتبک منفردا فی مرحلة مبکرة مع حقل العلاقات الدولیة من داخله وبوعی کامل بمنطلقات هذا الأخیر ومدارسه وجدالاته- تبرز محاولات للتنظیر من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة قدمها مسلمون وغیر مسلمین ارتأت أهمیة تجاوز الطرح الفقهی الإسلامی التقلیدی فی العلاقات الدولیة إلى الکشف عما یمکن للإسلام أن یقدمه فی سیاق الواقع الدولی المعاصر.

وعلیه، تنشغل هذه الورقة عبر ثلاثة أجزاء متتالیة بإشکالیة موقع منظور حضاری إسلامی من خریطة جدیدة لحقل العلاقات الدولیة؛ موقعه من إسهامات نظریة نقدیة فی الحقل، وموقعه من غیره من الأدبیات التی تقدم إسهاما نظریا غیر غربی فی العلاقات الدولیة، وموقعه من أدبیات اهتمت بالإسهام النظری الإسلامی فی العلاقات الدولیة؛ ثلاث دوائر جدیدة عرفها الحقل فی أعوامه العشرین الأخیرة، فما دلالتها بالنسبة لمنظور حضاری إسلامی، وما موقعه منها؟ 

لا تهدف هذه الورقة إلى عقد مقارنة بین تفاصیل هذه المقولات النظریة وبعضها البعض، فهی غایة تتجاوز إمکانیات هذه الصفحات المعدودة، وإنما تهدف هذه الورقة إلى البحث عن موضع  لمنظور حضاری إسلامی بعد تطورات هامة لحقت بخریطة هذا الحقل وغیرت من ملامحها إذ تنطلق الورقة من تصور أن التسکین هو آلیة هامة للتشغیل والتفعیل. فالإجابة على سؤال رئیس، ألا وهو "أین یسکن منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة بعد أکثر من ثلاثین عاما من تدشینه؟" تسمح بلا شک بتقییم بعض مما قام بإنجازه وکیف تطور، والسؤال عما لا زال بإمکانه أن یقدمه، وعن المطلوب منه أن یقدمه فی المرحلة القادمة المحملة بتحدیات جدیدة وأخرى متجددة.

وتواجه کل مهمة من مهمات التسکین فی نطاق أی من هذه المجموعات الثلاث إشکالیات هامة تطرحها الورقة عبر أجزائها الثلاثة التالیة -والتی ینقسم کل منها بدوره إلى عدة جزئیات- بحثا عن إجابة على سؤالها الرئیس.

 

أولا: إشکالیات التسکین فی نطاق الاتجاهات النظریة النقدیة فی حقل العلاقات الدولیة: المنهج والمنهاجیة بین التقاطع والاختلاف:

کانت خریطة الحقل عند تأسیس منظور حضاری إسلامی مشغولة بجدل منهجی ما بین السلوکیین وما بعد السلوکیین حول أدوات البحث العلمی وکیفیة دراسة الظاهرة الاجتماعیة، وبجدل موضوعی ما بین الواقعیین واللیبرالیین والمارکسیین حول موضوعات العلاقات الدولیة وأیها أولى بالاهتمام؛ الموضوعات العسکریة/ السیاسیة أم الاقتصادیة، وحول محرک العلاقات الدولیة وأیها أقدر على تحدید مسار العلاقات الدولیة؛ الصراع أم التعاون، وحول الفواعل وأیها أولى بالدراسة؛ الدولة القومیة أم الدولة القومیة وغیرها من الکیانات غیر الدولیة وعبر الدولیة أم الطبقة وتفاعلاتها؛ وغیرها من مسائل وموضوعات العلاقات الدولیة وکیفیة تفسیرها. [xx]

أما الیوم، فیعمر الحقل بالإسهامات النظریة النقدیة الغربیة إلى جوار النظریات التقلیدیة/ السائدة/ المهیمنة فی العلاقات الدولیة؛ الواقعیة واللیبرالیة والمارکسیة والتی انضمت إلیها البنائیة فی نسختها الوضعیة الإمبریقیة[xxi]. وتستخدم الأدبیات مسمیات "ما بعد الوضعیة" و"ما بعد الحداثة" و"النقدیة" للتعبیر عن ما تسمیه هذه الورقة البحثیة بالاتجاهات أو الإسهامات النظریة النقدیة فی حقل العلاقات الدولیة. تتعدد الإسهامات النظریة فی نطاق هذه الاتجاهات ما بین النسویة النقدیة، وما بعد الکولونیالیة، والمدرسة النقدیة (مدرسة فرانکفورت)، وما بعد الهیکلیة، والبنائیة النقدیة وغیرها[xxii]. ورغم هذا التنوع الواضح فی الاتجاهات النقدیة الغربیة، إلا أن مساحات التلاقی بینها تتسع؛ فتجتمع کلها على نقد للحداثة وللوضعیة وللمرکزیة الغربیة، وعلى نحو یکشف أبرز ملامح ما أضحى یعرف بالجدل فیما وراء النظریة حیث یمتد النقد الذی تقدمه هذه الإسهامات النظریة إلى الأسس المعرفیة والوجودیة والمنهاجیة التی طالما نهض علیها الإسهام النظری التقلیدی فی العلاقات الدولیة.[xxiii]

تتشارک هذه الاتجاهات النظریة الجدیدة على تنوعها فی معالم أساسیة، فتوجه النقد لمقولات وضعیة أساسیة ادعت إمکانیة فصل القیم عن العلم؛ وإمکانیة إدراک الواقع وفهمه فهما مستقلا عن من یسعى لفهمه وعن الأطر النظریة التی تقید هذا الفهم. تتشارک هذه الاتجاهات أیضا فی دعوة إلى تجدید الاهتمام بالتاریخ والفکر والاهتمام بالأبعاد الثقافیة والحضاریة والدینیة وإلى ضرورة الالتفات إلى أصوات غیر غربیة یمکن لها أن تقدم إسهاما فی العلاقات الدولیة، وإلى أهمیة تجاوز الثنائیات الحدیة فی فهم الواقع الدولی؛ الداخل والخارج، الغرب وغیر الغرب، القیم والواقع، الفرد والدولة، إلخ. وتنادی هذه الاتجاهات بالبینیة والتکامل بین الحقول المعرفیة والعلوم من أجل فهم أفضل للظواهر الاجتماعیة، وترشد إلى وجود علاقة تأثیر وتأثر متبادلة بین السلطة والقوة والمعرفة؛ فصاحب القوة ینتج معرفة تحقق له السلطة وتنتج له المزید من القوة، کما تتشارک کلها فی دعوة التغییر واستبدال الأوضاع القائمة بأوضاع أکثر إنصافا للمهمشین والمستبعدین والمقهورین فی العلاقات الدولیة على تنوع فئاتهم ، وهی منطلقات یتفاعل منظور حضاری إسلامی معها ویتفق فی کثیر منها بطبیعة الحال. [xxiv]

   تتسع من ثم رقعة المشترک بین منظور حضاری إسلامی وبین هذه الاتجاهات النقدیة الجدیدة إذا ما قورنت برقعة المشترک بین منظور حضاری إسلامی وبین النظریات التقلیدیة فی العلاقات الدولیة، لم یکن بینه وبینها مشترکا لا على صعید المضمون ولا على صعید المنهج. فإلى أی مدى یمکن القول أن منظور حضاری إٍسلامی أضحى یسکن فی نطاق ما یسمى بالاتجاهات النظریة النقدیة فی حقل العلاقات الدولیة؟

یجیب هذا الجزء من الورقة البحثیة على هذا السؤال من خلال الالتفات إلى ملمحی المنهج والمنهاجیة -عبر الجزئیتین التالیتین- وذلک على اعتبارهما ملمحین کاشفین عن حقیقة التشابه وحدوده بین الاتجاهات النظریة النقدیة الغربیة وبین منظور حضاری إسلامی یوجهون جمیعهم نقدا للنظریات التقلیدیة السائدة فی الحقل، ثم یتم الالتفات فی جزئیة ثالثة إلى ملامح ینفرد بها منظور حضاری إسلامی مقارنة بالاتجاهات النظریة النقدیة الغربیة.

 

یرشدنا مبدئیا الالتفات إلى کل من المناهج والمنهاجیة إلى مساحات تقاطع ومساحات اختلاف هامة بین منظور حضاری إسلامی وبین إسهامات نظریة نقدیة غربیة فی حقل العلاقات الدولیة. 

1)                المناهج: مساحات تقاطع هامة:

تلعب المناهج بشکل عام دورا خطیرا فی تطور العلوم؛ تماما کالفارق بین الصیدلی وعالم الصیدلة أو بین مستخدم التکنولوجیا وعالم الکمبیوتر یبدو أن المناهج فی العلوم الاجتماعیة هی التی تمیز بین من یستهلک العلم ومن ینتجه، فمن ینتج المنهج ومن قبله النظریة ینتج علما، فینتج معه زاویة نظر للواقع وأداة لتقییمه وأدوات مفاهیمیة لاستیعابه وإطارا قیمیا للتفکیر فیه، أما من یستهلک المنهج ومن قبله النظریة، فیستهلک کل هؤلاء، بل هو أقرب بمن یستورد المشکلات ویستورد الحلول لها، ومن ثم فقد ینشغل بأولویات لا تعبر عن أولویاته، وقد یستعین بأدوات فی فهم واقعه لا تخدم فهم هذا الواقع، بل وقد یقدم حلولا لا تتناسب وبیئته.

لهذا تثیر العدید من الأدبیات مسألة الحاجة إلى تطویر مناهج واقترابات ذات خصوصیة تسد -على سبیل المثال- عجز النظریات القائمة عن استیعاب الواقع غیر الغربی بأولویاته واحتیاجاته. یرصد البعض کیف أن دراسة العلاقات البینیة الآسیویة- الآسیویة من أطر منهجیة تدور فی فلک الدولة القومیة یفرغ هذه العلاقات من الکثیر من خصوصیتها، ویخبرنا البعض الآخر أن نظریات الإقلیمیة السائدة تعجز عن استیعاب الکثیر مما تحمله التجربة الآسیویة على هذا الصعید.[xxv]

فی المقابل تشیر الکثیر من الأدبیات إلى وجود تقاطع بین مناهج الاتجاهات النقدیة الغربیة الجدیدة وبین مناهج تتبناها أطروحات نظریة غیر غربیة. 

یرى Acharya Amitav-على سبیل المثال- أن الطرح البوذی فی العلاقات الدولیة یتقاطع فی فکرته الأساسیة مع الطرح البنائی فی تصوره عن الهویة؛ حیث الهویات والمصالح المختلفة تتبدل ویعاد تشکیلها من خلال تفاعلها مع بعضها البعض. یدرک Acharya إمکانیة تحفظ البعض على إسقاط مناهج حدیثة على أطروحات تقلیدیة واعتبارهم ذلک من قبیل "الخطایا المنهاجیة"، ولکنه یرى أن الوقوف عند مثل هذه التقاطعات بین رؤى معاصرة وأخرى کلاسیکیة أو تقلیدیة لیس بغریب على نظریة العلاقات الدولیة عموما، بل یجیده الواقعیون -على سبیل المثال- إجادة تامة؛ وهم من اعتادوا التلمیح إلى أن الفکر الواقعی قدیم قدم الیونانی ثوسیدایدس[xxvi]

تتردد فکرة مشابهة فی أدبیات انشغلت بالإسهام النظری الإسلامی فی العلاقات الدولیة. یؤکد  Hakam Yunus -على سبیل المثال- أن مساحات التشابه الواضحة بین الإسهام النظری الإسلامی فی العلاقات الدولیة وبین البنائیة الاجتماعیة تجعل الأخیرة هو الأقرب للإسهام الإٍسلامی من بین الإسهامات النظریة  ما بعد الوضعیة عموما، إلا أن هذا التقارب لا ینفی خصوصیة الإسهام النظری الإسلامی وتمیزه على الأقل على ثلاثة أصعدة -فی تقدیره؛ من حیث الفاعلین الأهم فی العلاقات الدولیة، ومن حیث طبیعة الدافع أو المحرک لهم، ومن حیث طبیعة العلاقة بین الفاعلین المختلفین فی العلاقات الدولیة [xxvii].  یرصد  Hamad Alruwaih  بدوره ذلک التقارب بین الطرح البنائی الاجتماعی وبین الرؤیة الإسلامیة؛ فیجد أن الرؤیة الإسلامیة یمکنها أن تتقبل النقد البنائی لفلسفة العلم وأن تتفق معه فی منطلقه الأساسی؛ ألا وهو أن کل المعرفة یتم بناؤها اجتماعیا [xxviii].

تحمل فکرة "بناء المفاهیم/ تحریر المفاهیم" التی تطرحها العدید من الدراسات النظریة ذات المرجعیة الإسلامیة[xxix] الکثیر من التشابه مع فکرة "تفکیک المفاهیم" والکشف عن التحیزات الکامنة خلفها التی تنادی بها البنائیة -خاصة فی نسختها ما بعد الوضعیة.

یعبر Amr Sabet عن هذه الفکرة بقوله أن تعریف المفاهیم هو الخطوة الأولى نحو "الفهم" حیث الفهم هو وظیفة مختلفة للعلم عن وظیفة التفسیر، فالفهم وظیفة تخدم هدف التغییر، لا هدف إبقاء الأوضاع على ما هی علیه. یتحدثSabet  على سبیل المثال عن تفکیک مفهوم الدولة القومیة الحدیثة کشفا عن دلالات قیمیة یستبطنها کخطوة أولى نحو طرح تصور إسلامی بدیل لمفهوم الدولة، تحلیله یصب بالأساس فی إمکانیة تحقیق قدر من التعایش بین إطار تحلیلی إسلامی ذی أبعاد معرفیة ووجودیة یحفظ على المسلمین منظومة قیمهم وبین نظام دولی قائم على الدول القومیة. قدم Sabet حلا لهذا التناقض بین هویة الدولة فی الداخل ومصالحها داخل النظام الدولی فی الخارج محیلا فی ذلک إلى مدخل العصبیة کمدخل تحلیلی قدمه ابن خلدون للتمییز بین الأنماط المختلفة من الدول، على نحو یعید رسم العلاقة مع الخارج غیر الإسلامی دونما تعمیم أو تنمیط وجده Sabetمسیطرا على الرؤیة الفقهیة التقلیدیة عن العلاقة بین المسلمین وغیرهم.[xxx] ومن ثم هناک تلاق واضح بین حدیث Sabet عن "الفهم" و"التفکیک" وبین صمیم مضمون المنهج ما بعد الوضعی.

أما على صعید منظور حضاری إسلامی فتبدو فکرة الاستعانة بمناهج ما بعد وضعیة مقبولة، خاصة وأن "بناء المفاهیم" یظهر کخطوة أولى حاکمة لمسعى منظور حضاری إسلامی الخروج من قید المناهج  الوضعیة الغربیة التی یراها کثیرا ما تعجز عن استیعاب معالم واقع بدیل ورؤیة بدیلة للظاهرة الاجتماعیة السیاسیة؛ خاصة فی أبعادها غیر المادیة. ربما یفسر هذا لماذا آثر أ. د. سیف الدین عبد الفتاح عند الحدیث عن المواطنة والدولة أن یبدأ بمبحث عن العلاقة "بین اللیاقة المنهجیة وفاعلیة المنهج" لیؤکد أن "من المفاهیم ما یستر الظاهرة" ولا یجلیها. یجمع تحلیل أ.د. سیف الدین عبد الفتاح بین إعادة قراءة لمفاهیم السیادة والشرعیة والحقوق –بالاستعانة بمنهج "نقدی" قائم على "قراءة المجتمع بإدراکاته ومفاهیمه وخطاباته وسیاساته وعلاقاته کنص"، وهو منهج ینسبه أ.د. سیف صراحة إلى Michel Foucault. یوظف أ.د. سیف المنهج فی ضوء فهم حضاری إسلامی لمنظومة المقاصد الشرعیة.

غایة القصد من هذه الإشارة الخاطفة إلى کتاب یحمل ما هو أعمق من هذا بکثیر هی أن تحریر المفاهیم هو الخطوة الأولى فی سبیل الخروج عن أطر منهجیة تقلیدیة والکشف عن تحیزات کامنة خلف ظواهر تبدو محایدة أو موضوعیة أو بدیهیة، وأن تحریر المفاهیم من خلال تفکیکها یبدو کمشترک منهجی هام بین تیارات مراجعة للسائد والمهیمن فی العلم على تنوع مصادرها وروافدها.[xxxi]

أما د. أمانی صالح فقد اعتبرت أن "الاستفادة من المفاهیم والاقترابات والأدوات التحلیلیة التی قدمتها العلوم الغربیة تمثل أحد المداخل المهمة للتجدید فی الفکر والعلوم الإسلامیة وفق ضوابط معینة"، وترى من الضوابط الأساسیة إدراک العلاقة بین المناهج والأدوات وبین البنیة الکلیة التی تنبع منها، مع إبداء حساسیة للتحیزات الکامنة خلف هذه المناهج والأدوات ودرجة ملاءمتها للسیاق الثقافی المراد لها دراسته. قدمت د. أمانی فی دراستها تحلیلا لکیفیة الاستفادة بالمنهج البنائی الوظیفی فی نطاق دراسات تنطلق من رؤیة حضاریة إسلامیة. [xxxii]

خلاصة هذه الجزئیة أن منظور حضاری إسلامی -یشارکه فی ذلک بعض إسهامات نظریة تستدعی المرجعیة الإسلامیة- أضحى یتقاطع بأریحیة وبساطة مع مناهج ما بعد وضعیة غربیة النشأة -وإن کان ینطلق من مناهج أصیلة مستمدة من مصادره الأصلیة من قرآن وسنة وفقه وفکر وتاریخ- متى احتاج إلى ذلک. لهذا وجب عند الحدیث عن المنهج رصد تقاطعات هامة بین منظور حضاری إسلامی وبین الاتجاهات النقدیة الجدیدة فی نظریة العلاقات الدولیة، حیث تقدم الأخیرة مداخل منهجیة  قد تخدم منظور حضاری إسلامی کما تخدم ربما غیره من منظورات حضاریة غیر غربیة، کما سبقت الإشارة.

وما کان لنا أن نرى هذا التقاطع والتشابک مع مناهج تستخدمها اتجاهات نظریة جدیدة فی العلم لولا طبیعة منظور حضاری إسلامی التی جمعت بین انفتاح کامل على حقل العلاقات الدولیة المعاصر واشتباک حقیقی مع مقولاته وبین مناهج إسلامیة أصیلة فی الوعی والنظر.

 

 

2)                المنهاجیة بین التشابه والاختلاف:

تتشابک أیضا -کما سبقت الإشارة- بعض ملامح من المقولات المنهاجیة للإسهامات النظریة النقدیة وتتداخل بشکل لافت للنظر مع مقولات منظور حضاری إسلامی؛ وهی المقولات التی ترفض التعامل مع النظریات السائدة فی العلم بوصفها محایدة وموضوعیة، وترى أن الواقع یعاد إنتاجه بفضل الأطر النظریة التی ندرسها من خلاله والتی توحی لنا بأن هذا "الواقع" هو واقع موضوعی بدیهی عالمی، بینما هو فی الأصل محمل بتحیزات لا حد لها. لا یکفی هنا حتى نفهم المنهاجیة النقدیة ما بعد الوضعیة أن نقرأ تلک الجملة الشهیرة لـ Robert Cox -والتی طالما یستعین بها النقدیون- عن النظریة التی هی "دائما من أجل شخص ما ولغرض ما"، والتی یقصد بها عادة أن النظریات السائدة فی العلاقات الدولیة إنما تخدم شبکة من المصالح مهما ادعت الحیاد؛ مصالح الأقوى، والأکثر ثراء، والغربی، والأبیض، والعلمانی، وغیرهم[xxxiii].. فلربما نحتاج أیضا لفهم المنهاجیة النقدیة ما بعد الوضعیة أن نفهم سؤالها الأهم، ألا وهو: "کیف أضحى هذا الواقع واقعا؟". نضرب مثالا فنقول أن نظریات حل المشکلات فی العلاقات الدولیة -أی النظریات التقلیدیة- ربما ستطرح سؤال "کیف نحقق السلام؟"، أو "ما هی الصعوبات التی تواجه عملیة حفظ السلام فی مکان ما؟"، أما أصحاب الإسهامات النظریة النقدیة من أصحاب نظریات الفهم فیتساءلون: "کیف أضحى هذا التعریف هو تعریفنا للسلام ابتداء؟ ومن ثم هل ما نسع لتحقیقه هو السلام حقا؟ أی المصالح یخدمها تعریفنا للسلام؟ ولصالح من یتحقق هذا السلام وعلى حساب من؟". [xxxiv]

قد یفسر لنا أ.د. عبد الوهاب المسیری هذا التقاطع أو التشابک فی المقولات المنهاجیة، فقد کان یعتبر أن صعود الإسهامات النقدیة الغربیة إنما هو دلیل على إدراک غربی متنام "لاستحالة المشروع المعرفی الوضعی الغربی"[xxxv]. یبدو الإسهام النظری النقدی الغربی أحیانا کثیرة بالفعل وکأنه یسعى للعودة إلى الفطرة البشریة التی فطر الله علیها البشر، وهی مسألة تظهر جلیة فی محاولاته کسر منظومة الثنائیات الحدیة التی کرسها التفکیر المادی الوضعی من قبیل الداخل والخارج، الرجل والمرأة، الأخلاق والسیاسة، الغربی والآخر، إلخ.. یدفعنا هذا للقول أن التقاطع بین النظری ذی المرجعیة الإسلامیة وبین النظری النقدی الغربی ربما لا یتحقق -فی تحلیله الأخیر- بفضل اقتراب إسلامی من الغربی بقدر ما یجسد عودة غربیة لطبائع الأمور، حیث یتقارب الغربی -ولو عن غیر عمد- مع مقولات إنسانیة کان قد سبق التأسیس لها قبل أکثر من 1400 عام.

لکن على الرغم من هذا التقاطع المنهاجی الظاهری بین منظور حضاری إسلامی وبین الإسهامات النظریة النقدیة الغربیة، إلا أن مساحات الاختلاف بینهم تظل واسعة، فمناطق التقاطع وبعض المشترکات لا تنفی الاختلاف المرکزی فی الرؤیة للوجود والمعرفة وللإطار المرجعی حیث  تتجاوز مصادر منظور حضاری إسلامی المرجعیة البشریة التی یستند إلیها النقدیون عند استدعائهم للقیم والأخلاق والهویة وغیرها.

فمتى سعینا إلى تحلیل هذا التقاطع وسبر أغواره تأکدت لنا ملامح الاختلاف؛ کالقول بأن اللیبرالیة تدعو للحریة والإسلام یدعو للحریة، لکن متى سألنا عن الغایات والأولویات ومنظومة القیم الضابطة للحریة والعلاقة بین القیم وبعضها البعض، إلخ.. اختلفت الإجابات باختلاف الأنساق المعرفیة والرؤى الکبرى للعالم. فأن تدعو الأدبیات النقدیة إلى أهمیة إعادة الاعتبار للقیم والأخلاق فی العلاقات الدولیة وإلى عدم کفایة منظومة القیم اللیبرالیة للتعبیر عن القیم المفتقدة فی واقع هذه العلاقات فهذه مساحة تقاطع لا شک، لکن حین نشرع فی السؤال عن مصدر هذه القیم وتعریفها وعلاقتها ببعضها البعض وعلاقتها بالواقع المتغیر نحصل على إجابات تتباین أیما تباین وتختلف أیما اختلاف ما بین الإسلامی الحضاری والنقدی الغربی.

ولهذا، فإن المناهج النقدیة -على الرغم من کل ما بها من فائدة وثراء وتنوع- لا یمکن أن تمثل بدیلا عما یقدمه منهج نظر حضاری إسلامی، نظرا لاختلاف النماذج المعرفیة ابتداء، تلک النماذج التی تسمیها أ.د. منى أبو الفضل بالنماذج المعرفیة المتقابلة[xxxvi]. ولهذا تبدو نصیحة تلقاها AdiongNassef من أستاذ له باستبدال بحثه المزمع للدکتوراة عن رؤیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة بدراسة عن ما بعد الکولونیالیة[xxxvii] کنصیحة صادمة لمن یعی تمام الوعی أن مناهج بحث نقدیة غربیة لا تعوض بحال ما یمکن لمناهج بحث إسلامیة -تستند إلى منهاجیة إسلامیة تجعل من کل من العقل والوحی مصدرا للمعرفة- أن تقدمه، حیث معاییر الفساد والصلاح، الحق والباطل، الظلم والعدل، الخیر والشر، السلم والحرب یختلفون فی منظور حضاری إسلامی عما سواه. من هنا یظل المنظور محتفظا بخصوصیته المنهجیة والمنهاجیة التی یستمدها من خصوصیة مصادره وإن التقى مع غیره فی النقد وتفکیک النصوص وتحلیل الخطابات وإعادة بناء وترکیب المفاهیم.

3) المزید من ملامح خصوصیة منظور حضاری إسلامی:

لیس من المبالغة القول أن القراءة فی الإسهام النظری النقدی الغربی تزید المرء إدراکا لأهمیة منظور حضاری إسلامی، إطلالة سریعة على أدبیات ما بعد العلمانیة -وهی منتج علمی یحمل کافة خصائص الاتجاهات النظریة النقدیة الجدیدة- ربما تشرح هذه الملاحظة الأخیرة بالنظر إلى اعتبارین:

الاعتبار الأول، هو أن الاتجاهات النظریة النقدیة المختلفة على تنوع محاور اهتمامها إذ تتشارک فی نقدها للنظریات السائدة والمهیمنة، وفی رفضها لمبدأ حیاد الواقع ووجوده بشکل مستقل عمن یسعى لفهمه، تتشارک أیضا کلها للأسف فی أنها تقود إلى "اللامکان". لا تجتمع الأدبیات ما بعد العلمانیة على منهج ولا تجتمع على تعریف، وإنما تجتمع على أن العلمانیة هی سمة محددة ومعرفة لحقل العلاقات الدولیة ولیست مجرد واحدة من متغیراته، وأن هناک أزمة ما تتولد عن احتکار العلمانیة لحق إنتاج المعرفة "العلمیة"[xxxviii]. عدا ذلک تقف أدبیات ما بعد العلمانیة حائرة: أحیانا تناقض ذاتها؛ تبحث عن مخرج من مرکزیة أوروبیة وعالمیة أوروبیة وعلمانیة أوروبیة فتفیق حبیسة فهم حضاری أوروبی للعالم وللدین وللعالمیة، فتعود الکتابات ما بعد العلمانیة لتنتقد الکتابات ما بعد العلمانیة[xxxix]؛ فی ظاهرة باتت هی سمت الاتجاهات النظریة النقدیة فی العلاقات الدولیة: مراجعة المراجعة، لتتباهی النظریات النقدیة بأنها self-reflexive فهی تعید تأمل ذاتها وتعید التفکیر فی کل ما تقدمه من مقولات خشیة الترویج لمسلمات لیست بالمسلمات؛ ففعلیا لا وجود للمسلمات فی التفکیر النقدی[xl]، فتنهک قواها بسبب نسبیة قیمیة لا تجد عنها محیدا بحکم بنیتها الوضعیة التی تخلو من المرجعیة الثابتة والمتجاوزة.

أما الاعتبار الثانی فنراه حاضرا حین تستغیث أدبیات ما بعد العلمانیة مطالبة بفتح الطریق أمام تعددیة حقیقیة لا تستتر خلفها أطماع فی التأسیس لعالمیة تنمیطیة، فتدعو الأدبیات إلى توسیع دائرة الاهتمام بما بعد العلمانی غیر الغربی خروجا من ضیق المخیلة الوستفالیة للتنظیم السیاسی، وتتساءل تارة عن حدود قدرة الأدیان على تجاوز مشکلات الطبقة والعنصر والقومیة على نحو ربما یقود إلى لیبرالیة دیمقراطیة أفضل، وتتساءل تارة أخرى عن إمکانیة أن یلعب الإیمان دور الرابطة الأقوى والأقدر على توحید أعضاء المجتمعات السیاسیة المختلفة حول مصلحة مشترکة، فتعود التساؤلات عادة بلا إجابة، فأغلب غیر الغربی لا زال یؤکد بدوره على أهمیة أن یلتفت الغرب إلیه وإلى مصالحه وتاریخه وفکره وإسهاماته، ولکن دون أن یبلور إجابة محددة حول طبیعة الإضافة التی یمکنه أن یقدمها ویعجز الغربی عن تقدیمها[xli].

ولهذین الاعتبارین لا یلعب منظور حضاری إسلامی دور الناصح الأمین فحسب، فهو لیس مجرد ضمیر یقظ لهذا العالم، وإنما یقدم المنظور إجابات صریحة على مشکلات معرفیة وأنطولوجیة تقف أمامها أدبیات العلاقات الدولیة -التی تبحث عن "عالمیة حقیقیة"- عاجزة، فهذه الأدبیات وإن تحدثت عن أهمیة القیم، تظل فی الغالب تدور فی حلقات مفرغة من محاولة تعریف القیم، وإن تحدثت عن غیر الغربی، لا تستطیع أن تتحدث بلسانه، فیصل بحثها إلى طریق مسدود لا یتقدم ما لم تکن هناک مشارکات حضاریة غیر غربیة جادة تستفید من مساحات الحرکة الجدیدة المفتوحة أمامها، فتخبر العالم کیف تفهم هی القیم والدین والاستعمار والسیاسة! تتجسد هنا أهمیة منظور حضاری إسلامی یقدم المنظور إجابات صریحة على مشکلات دولیة معقدة؛ ویقدم إجابات على أسئلة الأزمات الاقتصادیة العالمیة[xlii]، وعلى أسئلة العدالة الاجتماعیة[xliii]، وعلى أسئلة اللجوء والهجرة[xliv]، وعلى أسئلة الصدام والصراع بین الحضارات[xlv]، وعلى أسئلة السلم وعدالته[xlvi] وغیرها الکثیر.. ویقدم تحلیلات أعمق للسیاسة الخارجیة الأمریکیة والترکیة والإیرانیة، وأدوار الفواعل عبر القومیة وغیر الدولیة، والأبعاد الحضاریة للعملیات الدولیة، وطبیعة القیم ومصادرها[xlvii]، إلخ ... بحکم التفاته إلى أبعاد مادیة وأخرى غیر مادیة فی التحلیل یتصدى منظور حضاری إسلامی لمهمة لا یتصدى لها الکثیرون وربما لا یتصدى لها أحد من داخل الدائرة الحضاریة الإسلامیة، لیس بهذا الشکل النظری الأکادیمی المتراکم على الأقل، کما سیرد تفصیله.

یضاف إلى هذه المسألة ملاحظة هامة تتمثل فی أنه من النادر أن نجد دراسات نقدیة غربیة تستعین بمناهج بحث غیر غربیة، وذلک رغم دعوتها للاهتمام بغیر الغربی ودعوة بعضها إلى الالتفات إلى ما بالأدیان من إمکانات قیمیة وأخلاقیة قد تساعد فی حل کثیر من مشکلات الواقع الدولی المعاصر، والأندر أن نجدها تستعین بمناهج بحث من مداخل إسلامیة[xlviii]، فلم نر دراسة نقدیة غربیة تلتفت على سبیل المثال إلى ما بالمدخل المقاصدی من إمکانات لفهم وترتیب الأولویات فی التعامل مع مشکلات معاصرة کالفقر أو التدهور البیئی، أو ما بالمدخل القیمی -صاحب منظومة القیم غیر المتأرجحة المستمدة من مصدر متجاوز- من إمکانات لتحقیق عدالة عالمیة تنادی بها بعض الاتجاهات النقدیة الجدیدة. ومن ثم نحن لا نتحدث عن عملیة تلاقح علمی وأکادیمی متکافئة أو حتى متبادلة، بقدر ما نتحدث عن اتجاهات جدیدة فی العلم تتیح قنوات للمشارکة وأدوات للنظر یمکن الاستفادة منها والإضافة إلیها لمن أراد ذلک أو استطاع ذلک. القصد هو أن هذه الاتجاهات النقدیة الجدیدة قد تتحدث عن غیر الغربی، وقد تفسح له مجالا للتعبیر عن ذاته، ولکنها لا تتحدث بلسانه، ومن ثم لا تحل محله.وبقدر ما ینجح منظور حضاری إسلامی فی التعبیر عن خصوصیته والحدیث بلسانه، بقدر ما یشبع حاجة قائمة داخل الحقل، فتتحقق له الاستمراریة والبقاء.

ملاحظة أخیرة تستأهل الوقوف عندها تتمثل فی أن "النظریة القیمیة normative theory" تظهرعادة کإسهام نظری مستقل عند رسم خرائط الإسهام النظری النقدی الغربی، ویقصد بالنظریة القیمیة عادة ذلک الإسهام المتقاطع ما بین النظریة السیاسیة ونظریة العلاقات الدولیة، إسهام أمثال Michael Walzer أو Charles Beitz فی العلاقات الدولیة من أصحاب التخصص الأصیل فی النظریة السیاسة ممن التفتوا إلى إشکالیة القیم فی العلاقات الدولیة. وتمنح "النظریة القیمیة" غالبا مساحة لا تزید عن فصل من فصول عدیدة تستعرض إسهامات نظریة نقدیة من قبیل المارکسیة الجدیدة والنسویة وما بعد الاستعماریة، إلخ.. رغم أن الأصل هو أن إعادة الاعتبار للقیم وإعادة رسم العلاقة بین القیم والعلم ونقد التصور الوضعی عن العلم الخالی من القیم هو الذی سمح للنظریات النقدیة بالتواجد داخل علم العلاقات الدولیة ولیس خارجه -فهذه النظریات النقدیة کلها تحمل توجها معیاریا صریحا، وتجعل من تغییر الواقع والکشف عن التحیزات الکامنة خلفه غایة معلنة لها.[xlix] تصعب خرائط العلم بهذه الصورة مهمة تسکین منظور حضاری إسلامی، فلو رسمنا خریطة الحضاری الإسلامی لما أمکن فصل القیمی عن المقاصدی والسننی والفقهی وغیرها من مداخل النظر الحضاری، لکنه بلا شک لا یسکن فی نطاق ما أضحت خرائط العلم تسمیه بالتنظیر القیمی والمتمرکز حول جدالات نظریة لا نهائیة بین المجتمعیة communitarianism والکونیة cosmopolitanism، کلها -مهما بدا التفاوت بینها کبیرا- تنحصر فی فهم وضعی للقیم -بما فی ذلک القیم الأخلاقیة- یجعل منها منتجا بشریا نسبیا متغیرا بتغیر الواقع.

خلاصة القول مما تقدم من جزئیات ثلاثهی أن رسم خریطة لمراجعات معرفیة ووجودیة ومنهاجیة قدمها منظور حضاری إسلامی مشتبکا فیها مع مسلمات ومقولات العلم الأساسیة فی مواجهة خریطة لمراجعات معرفیة ووجودیة ومنهاجیة نقدیة غربیة لتکشف عن مساحات تلاق عدیدة تجمع الحضاری الإسلامی بإسهام نقدی غربی – اهتم بدوره بالقیمی والأخلاقی والثقافی، وبالاتصال بین الشعوب وضمانات عدالة هذا الاتصال، وبالکلیة فی التحلیل حیث کسر الحدود الفاصلة بین الداخل والخارج، وبین المادی وغیر المادی، وبین الاجتماعی والسیاسی، وبین القیمی والعلمی وغیرها من الثنائیات؛ فلیست مدرسة منظور حضاری إسلامی وحدها فی هذا الکون تبحث عن مساحات تغییر لواقع دولی غیر عادل أو عن منجى من حداثة موحشة متوحشة، لکنها ولا شک تختلف؛ اختلاف خصوصیة وتنوع، اختلاف فرضه اختلاف الرؤیة للوجود والنسق المعرفی المنبثق عنها على نحو یقود بإصرار إلى القول بأن هناک "طریقة أخرى للتفکیر فی کل شیء". بل تکمن أحد مواطن قوة منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة فی إصراره على خصوصیة طرحه فی مواجهة کل هؤلاء المتعالین الذین یدعون "عالمیة" أطروحاتهم.

ولهذا، فإن هناک کثیرا من المنطق خلف ادعاء إمکانیة تسکین منظور حضاری إسلامی فی نطاق الاتجاهات النقدیة الجدیدة فی حقل العلاقات الدولیة، فالمنظور لم یعد یغنی وحیدا خارج سرب النظریات الوضعیة، لکنه تسکین یجب أن یتأسس على وعی وإدراک لحقیقة وحدود الاختلافات بینه وبینها. 

تجدر لهذا الإشارة إلى تحفظ هام أبداه أ.د. إبراهیم البیومی غانم تجاه استخدام کلمة "نقدی" فی وصف منظور حضاری  إسلامی، فهو یرى أن صفة  "النقدی" ذات دلالة فی بنیة العلم ذاتها تشیر إلى أن هذا المنتج النقدی یتفرع بالضرورة عن نفس الأصل المعرفی الذی یتفرع عنه ما قدمه السابقون علیه حتى وإن ناقضهم أو نقدهم، أما الطرح من منظور حضاری إسلامی فهو طرح مستقل بالکلیة عن الطرح الغربی ببنیة معرفیة مستقلة وإن اشتبک مع هذا الأخیر أو انتقده فی بعض جوانبه. [l]

نأخذ هذا التحفظ الهام فی الاعتبار حین نرصد مساحات التقاطع والتشابک بین منظور حضاری إسلامی وبین إسهامات نظریة نقدیة غربیة فی حقل العلاقات الدولیة، بل ونضیف إلیه التفات إلى أعداد متزایدة من الکتابات النقدیة الغربیة أصبحت هی نفسها تؤکد أن مساحات التقاطع والتشابک بین "النقدیین" لا تجب بحال ما بین المدارس النقدیة وبعضها البعض من تمایزات تتجلى کلما زادت مقولات النقدیین تبلورا مع مرور الوقت، ومن ثم فإن الجمع بینهم تحت مسمى "النقدیة" قد یصبح هو ذاته محل مراجعة وإعادة نظر فی المستقبل القریب. [li]

 

ثانیاً: إشکالیة موقع منظور حضاری إسلامی من الإسهامات النظریة غیر الغربیة فی العلاقات الدولیة: غیر الغربی الحاضر الغائب عن خرائط العلم:

ما یزید قلیلا عن عشرة أعوام یفصلنا عن سؤال Amitav Acharya و Barry Buzan الشهیر عن سبب عدم وجود نظریة غیر غربیة فی العلاقات الدولیة .[lii]

أصبحت دراستهما فیما بعد مقدمة لکتاب محرر قدم عبر فصوله إجابات عدیدة على هذا السؤال؛ تعددت الإجابات ما بین إجابات تخص حالة العلم وتعریفه وأوضاعه وما بین إجابات تخص الواقع وقیوده ومقتضیاته.  رصد الکتاب کیف أن تعریف "النظریة" ذاته قد یختلف فی تقالید غیر غربیة عن التقالید الغربیة على نحو قد یقصی ویستبعد إسهامات غیر غربیة بحجة عدم علمیتها فی ظل سیادة تعریف غربی للنظریة حصرها منذ تأسیس حقل العلاقات الدولیة فی نطاق وضعی إمبریقی. رصد الکتاب کذلک کیف أن نظریة غیر غربیة فی العلاقات الدولیة قد تکون موجودة بالفعل، لکن لا نسمع عنها لضغوط واقعیة ومادیة؛ أبسطها هو اکتفاء الدوائر الأکادیمیة فی الداخل غیر الغربی بالنظریات الحداثیة عن الدولة القومیة والنظام الدولی، وتراجع الاهتمام بما هو دولی عموما بحکم انغلاق بعض النظم السیاسیة غیر الغربیة على ذاتها کما فی الصین على سبیل المثال، وتراجع الاهتمام بما هو نظری خصوصا بحکم محدودیة تأثیر الأکادیمیا عند اتخاذ القرارات السیاسیة ومحدودیة دورها فی صنع السیاسة الخارجیة کما فی الهند على سبیل المثال. یضاف إلى هذا ضعف الإمکانات ومحدودیة دور النشر وقلة المیزانیات المخصصة للبحث العلمی بشکل عام. أبرزت فصول الکتاب العشرة هذه الإجابات وغیرها باستعراض خبرات من الصین والهند والیابان وکوریا الجنوبیة وإندونیسیا ومن الدائرة الحضاریة الإسلامیة، وانتهى الکتاب إلى التأکید على أن غیر الغربی لدیه ما یقدمه لنظریة العلاقات الدولیة من مصادر تعبر عن خصوصیته على أصعدة مختلفة سیاسیة وعسکریة واقتصادیة ودینیة، ومن مصادر متنوعة من فکر قدیم وحدیث وخبرات سیاسیة تاریخیة ومعاصرة. [liii]

کان الکتاب بمثابة امتداد لمقولات الإسهامات النقدیة فی العلاقات الدولیة التی أولت اهتماما إلى أصوات غیر غربیة فی الحقل وأدرکت أن خلف مقولات حیاد العلم تستتر الکثیر من التحیزات لصالح الغرب الأقدر على إنتاج العلم والترویج له.  [liv]

عاد Amitav Acharya وBarry Buzan لتقییم ما تم على صعید التأسیس لإسهامات نظریة غیر غربیة بعد عشر سنوات من کتابة مقالهما. کانت المقالة الجدیدة لا زالت تحمل هدف المقالة القدیمة؛ ألا وهو تشجیع إسهامات غیر غربیة على الإسهام النظری فی حقل العلاقات الدولیة بحثا عن عالمیة حقیقة، مع إضافة دعوة خاصة للدوائر الأکادیمیة الآسیویة للمشارکة.  [lv] رصد الکاتبان اتفاق حوالی 60% من أساتذة العلاقات الدولیة حول العالم على الهیمنة الأمریکیة على الحقل، واتفاق حوالی 75% على الهیمنة الغربیة على الحقل ولکنهما رصدا کذلک تنامیا فی حالة عدم الرضا عن هذه الأوضاع، کما رصدا حصول الصینی Shiping Tang على جائزة أفضل کتاب نظری فی العلاقات الدولیة من الISA عن کتابه The Social Evolution of International Politics. بدت للباحثین بعض ملامح التغییر حاضرة، لکنهما لم یعتبرانها کافیة بحال.[lvi]

یبحث هذا الجزء فی إشکالیات تسکین منظور حضاری إسلامی فی نطاق الإسهامات النظریة غیر الغربیة، فیتساءل إلى أی مدى یفید الحدیث عن خرائط غربیة وأخرى غیر غربیة لحقل العلاقات الدولیة؟ وإلى أی مدى یسمح المشترک بین منظور حضاری إسلامی وبین إسهامات نظریة غیر غربیة فی الحقل بتسکینه معها تحت عنوان "الإسهامات النظریة غیر الغربیة"؟ وإلى أی مدى یجدی هذا التسکین ویخدم أغراض تفعیل وتشغیل منظور حضاری إسلامی؟

ینقسم هذا الجزء إلى أربع جزئیات؛ تعبر الجزئیات الثلاث الأولى عن مساحة مشترک هامة بین منظور حضاری إسلامی وبین إسهامات نظریة غیر غربیة، أما الجزئیة الرابعة فتشیر إلى إشکالیة الجمع بین إسهام نظری إسلامی وإسهامات نظریة غیر غربیة تحت مسمى الإسهامات النظریة الدینیة فی العلاقات الدولیة. ترصد الجزئیة الأولى کیف تجتمع بعض الأدبیات غیر الغربیة مع دراسات من منظور حضاری إٍسلامی على تحفظ حول إمکانیة تقسیم الإسهامات النظریة فی الحقل إلى غربیة وغیر غربیة، وترصد الجزئیة الثانیة کیف تجتمع -على الرغم من هذا- الإسهامات النظریة غیر الغربیة مع منظور حضاری إسلامی على التأکید على خصوصیة غیر الغربی وقدرته على الإضافة والتجدید فی حقل العلاقات الدولیة. أما الجزئیة الثالثة فترصد التشابه بین موضع منظور حضاری إسلامی وموضع الإسهامات النظریة غیر الغربیة من تدریس نظریة العلاقات الدولیة فی عدد من أبرز الجامعات عبر العالم. وتأتی الجزئیة الرابعة لتثیر إشکالیة تتعلق بتعریف "الدینی" وطبیعة المرجعیة الإسلامیة مقارنة بمرجعیات "دینیة" غیر غربیة.

1)                حقل العلاقات الدولیة: غربی وغیر غربی؟

نادرا ما ترسم الأدبیات خرائط حقل العلاقات الدولیة على نحو یقسمه بین غربی وغیر غربی، بل تتفق الکثیر من الأدبیات غیر الغربیة على أن تصنیف الإسهامات النظریة فی العلاقات الدولیة ما بین غربی وغیر غربی هو تصنیف به قدر من عدم الدقة. وهو تحفظ تستعرض الجزئیة التالیة علیها بعضا من ملامحه، فکیف تصنف الإسهامات النظریة غیر الغربیة ذاتها إذا؟

یخبرناBranwen Jones  أن غیر الغربی أحیانا ما یکون ملکیا أکثر من الملک فیتحدث بعلم ومفاهیم ورؤى ونظریات غربیة ویتبناها ویدافع عنها وکأنها تعبر عن واقعه ومصالحه وأولویاته وهی أبعد ما تکون عن هذا، ولهذا فهو یرى أن السؤال عن من یقول /من ینتج المعرفة لا یکفی وحده ما لم یصاحبه سؤال عن مضمون ما یقال وطبیعة المعرفة التی یتم إنتاجها. [lvii]

وبالمثل یخبرنا Amitav Acharya أن الکثیر من الأطروحات النظریة الغربیة تمتد جذورها إلى خارج الغرب الجغرافی، حتى وإن تم تجاهل هذه الجذور أو التعتیم علیها. یخبرنا عن الأصول الآسیویة لمفهوم عدم التدخل، وعن أن "مفاهیم مثل التنمیة البشریة (التحرر من الحاجة) والأمن الإنسانی (التحرر من الخوف)" تم تطویرها فی الأصل من قبل اقتصادی باکستانی (Mahbub Alhaq) واقتصادی هندی (Amartya Sen)، حتى وإن تم "الاستیلاء علیها" من قبل حکومات غربیة فیما بعد کحکومة کندا والنرویج. [lviii]

تحذر Uma Narayan کذلک من المبالغة فی التمییز بین الغرب وغیر الغرب، ینصرف تحلیلها فی جزء منه إلى قضایا المرأة، فبقدر ما تؤکد فی دراستها ذات المدخل النسوی ما بعد الاستعماری النقدی أن فی سحب وتعمیم قضایا المرأة الغربیة البیضاء على قضایا المرأة فی الثقافات المختلفة خلل کبیر، بقدر ما ترى أن المبالغة فی تمییز الحضارة الغربیة والتعامل معها من منطق "الحتمیة الحضاریة" یقود إلى خلل کبیر فی فهم قضایا المرأة کذلک، وأن هذا التمییز وظف لأغراض استعماریة فی المقام الأول على نحو یسمح بتصویر الحضارة الغربیة کحضارة متمایزة أرقى من غیرها من الحضارات، على اعتبارها صاحبة قیم الحریة واللیبرالیة والمساواة أما غیرها فلا یتشابهون معها رغم أن الحریة والمساواة لم تکن تمتد فی التطبیق فعلیا إلى غیر الغربیین، کما کانت الحضارة الغربیة تعانی من الکثیر من المشکلات التی تعانی منها الحضارات غیر الغربیة من قبیل "النظم الاجتماعیة هیرارکیة الطابع، والفوارق الاقتصادیة الکبیرة بین أفراد المجتمع، وإساءة معاملة المرأة وعدم المساواة بینها وبین الرجل". ومن ثم فهی ترى تضلیلا کبیرا فی تصویر الحضارات ککیانات منفصلة منغلقة على ذاتها حیث یحول هذا التصویر دون إدراک ما بین الحضارات من تقاطعات داخلیة کما یسمح لبعضها بتصویر نفسه على اعتباره أفضل من بعضها الآخر، ویقود إلى تشویهات فی التحلیل کأن نغفل وجود فقراء فی الغرب أو وجود مسلمین فی داخله، إلخ..[lix]

ربما لأسباب مشابهة یحذر Amitav Acharya من تصنیف الإسهامات غیر الغربیة وفق انتماءاتها القومیة أو الإقلیمیة  الجغرافیة؛ فهذا صینی وهذا هندی، وهذا روسی، إلخ.. یرى Acharya تداعیات هذا التصنیف السلبیة حاضرة حتى فی تجاهل "التنوع القومی" القائم داخل هذه المدارس، ویضرب مثالا بالمدرسة الإنجلیزیة والتی تضم Hudley Bull الأسترالی وRichard Jackson الکندی وCharles Manning جنوب الإفریقی. وللسبب نفسه یرى Acharya أن التعامل مع آسیا من داخل إطار نظریة صینیة فی العلاقات الدولیة -بقدر ما یحمل من التفات محمود لتصور مختلف عن النظام الدولی قائم على تصور هیرارکیة عالمیة تحتل فیها الصین موقع القمة دونما إکراه أو قهر، وهو التصور الکونفوشی للنظام الدولی، إلا أنه لا یجب أن یغفل ما بالطرح الآسیوی من تنوع خصوصا أطروحات کالبوذیة تحمل تصورا مختلفا عن طبیعة العلاقات الآسیویة-الآسیویة.

وبالمثل تبدو فکرة الاکتفاء بتصویر الطرح الغربی على أنه هو الطرح الوستفالی للنظام الدولی محملة بأوجه القصور فی تقدیر Acharya حیث تغفل عن التنوع الغربی ذاته، فیؤکد Acharya أن الإرث الرومانی الیونانی عامر بتصورات بدیلة لنظام العالم من قبیل "المجتمع الدولی" أو "النظریة الثقافیة فی العلاقات الدولیة المستندة إلى التصور الیونانی عن مفهوم الشرف". [lx]

وإذا کانت کل هذه الدراسات لم تقدم لنا تصنیفا بدیلا عن تصنیف الغربی/ غیر الغربی، فإن  Amitav Acharya کان هو الأکثر جرأة عندما رفض تقسیم حقل العلاقات الدولیة إلى غربی وغیر غربی وفضل الحدیث عن "حقل العلاقات الدولیة العالمی  Global IR"، کحقل یجمع بین إسهامات نظریة من بؤر ثقافیة حضاریة مختلفة. [lxi]

تبدو کل هذه التحفظات هامة فی سیاق التعریف بموضع منظور حضاری إسلامی، فهو وإن کان نتاج مدرسة مصریة فی العلوم السیاسیة، إلا أنه یستعین بکتابات لعرب ومسلمین وغیر مسلمین.  وکتابات أ.د. عبد الحمید أبو سلیمان السعودی وأ.د. طه جابر علوانی العراقی أ.د. منى أبو الفضل المصریة وغیرهم کتابات تأسیسیة فی المنظور، وإسهامات البناء عدیدة شارک فیها مصطفى کمال باشا وأحمد داوود أوغلو الترکیین وعمرو ثابت الإیرانی وعلی عزت بیجوفیتش البوسنی وغیرهم..

بل یضاف إلى هذا ما تخبرنا به أ.د. منى أبو الفضل من أن مساحات المشترک بین الصحوة الأکادیمیة الإسلامیة وبین المراجعات الغربیة الذاتیة عدیدة، فالعلمانیة الوضعیة لیست صفة أصیلة لصیقة بالغرب، وإنما هی صفة طارئة، قد تتبدل وتتغیر بمرور الزمن کلما تکشف للعقل الغربی عیوب ومساوئ الحداثة المادیة. لم تکن أ.د. منى أبو الفضل فی طرحها هذا مدرکة لحجم المراجعات الذاتیة المنطلقة من الغرب نفسه للعلوم الاجتماعیة الحداثیة فحسب، وإنما کانت ترى بین المراجعات الإسلامیة وبین المراجعات الغربیة مشترکات جوهریة یمکن أن تتأسس علیها الجهود الإصلاحیة فی هذا العالم حیث یتحقق "التوازن بین الثقافات" لا "التوازن بین القوى".[lxii]

یضاف إلى ما سبق ما تحذرنا منه أ.د. نادیة مصطفى من أن الالتفات لغیر الغربی قد لا یحمل جدیدا فی ذاته، خصوصا إذا ما حرکه "نفس المنطق المادی الجغرافی المتصل بالقوة والنفوذ والدول القومیة (ولیس الأبعاد القیمیة المتصلة بالشعوب) ونفس منطق توازنات القوى وتکیفات النظام الدولی القائم (ولیس تغییره) بین القوى الغربیة وقوى جدیدة ذات خبرات حضاریة". ترى أ.د. نادیة هذا المنطق حاضرا فی ترکیز متنام على الإسهام غیر الغربی من الدائرة الآسیویة -من خلال الترکیز على الصین والیابان والهند وأندونیسیا وکوریا کما فی کتاب Acharya وBuzan على سبیل المثال- مقارنة بمناطق جغرافیة ودوائر حضاریة أخرى فی العالم غیر الغربی. [lxiii]

على أیة حال یقع التحفظ تجاه مسألة التصنیفات الحدیة فی صمیم رؤیة منظور حضاری إسلامی یتجاوز الطرح الفقهی التقلیدی القائم على تقسیم العالم إلى مسلمین وغیر مسلمین إلى تصنیفات أکثر ترکیبا وأکثر تعبیرا عن واقع دولی متشابک متداخل.

ومن ثم هناک تحفظ أصیل ومبدئی یحمله منظور حضاری إسلامی فی داخله إزاء مسألة تصنیف خرائط العلم إلى غربی وغیر غربی، وهو تحفظ یرجع فی جزء منه إلى حرص على تجنب التعمیمات، فلیس کل غربی مصلحی مادی إقصائی صراعی، ولیس کل غیر غربی منفتح على ذاته الحضاریة متحدثا باسمها، متعایشا مع الآخر، متصالحا مع التنوع والتعدد، وهو تحفظ عبرت عنه کتابات غیر غربیة عدیدة بصیاغات عدیدة کما اتضح من هذه الجزئیة.

متى أخذنا هذا التحفظ فی الاعتبار یظل هناک الکثیر مما یجمع الإسهام النظری الإسلامی بکثیر مع الإسهام النظری غیر الغربی مما یعبر عنخصوصیة غیر غربیة فی مواجهة أبرز خصائص الإسهامات النظریة الغربیة الوضعیة السائدة فی حقل العلاقات الدولیة، وهو ما تتوقف عنده بشیء من التفصیل الجزئیة التالیة.

2)         المشترک بین الإسهام النظری الإسلامی والإسهامات النظریة غیر الغربیة:

أ) أوله التفات إلى مساحات روحیة غیر مادیة تغیب عن الرؤیة العلمانیة المادیة الوضعیة بالکلیة، یرى Navnita Behera  على سبیل المثال أن مفهوم القومیة کما تعرفه نظریة العلاقات الدولیة یقف عاجزا عن استیعاب الکثیر من الدلالات اللغویة التی تحملها مفاهیم هندیة مرتبطة بالقومیة تجعل منها رابطة ذات أبعاد حسیة ، یرى Behera فی هذه المسألة تجلیا لمفهوم "العنف المعرفیepistemic violence " حیث لا تتیح المعرفة المقبولة فی العلم استیعاب أشکال ومصادر للمعرفة ذات طبیعة مغایرة من الأساس. [lxiv]

 یلفت Amitav Acharya النظر إلى أن غیر الغربی لا یمتلک وفق الرؤیة السائدة فی العلم حق الترویج لنظریاته على أنها عالمیة، فهو دائما "صاحب خصوصیة"، فطرحه لا یصلح لتنظیم العالم ولا لتشکیل العلاقات فی داخله؛ جبلت نظریة العلاقات الدولیة فی تقدیره على عدم السماح مثلا لنظریة صینیة فی العلاقات الدولیة من مرجعیة کونفوشیة بادعاء "العالمیة"، لکن أن تدعی الواقعیة أو اللیبرالیة أنهما عالمیتان صالحتان للتطبیق عبر الزمان والمکان، فهذا ما یتعامل معه حقل العلاقات الدولیة على اعتباره أمرا مقبولا بل وبدیهیا. 

یرصد Giorgio Shani کیف أن الرابطة السیخیة Khalsah Panth تعبر عن کیان صاحب سلطة معنویة ودنیویة بالنسبة للسیخ؛ کیان یضعون مصلحته فوق مصلحة الجمیع. فکان فی الأصل الاعتقاد فی أن الرابطة بین أبناء الـ Khalsah Panth هی رابطة روحیة متجاوزة للحدود الجغرافیة، لکن مع اللقاء الاستعماری أضحت القومیة تفرض نفسها على الخیال السیاسی للسیخ وأصبح السعی لتأسیس دولة ذات حدود مادیة داخل إقلیم البنجاب هدفا أسمى. تراجع أدبیات السیخ المعاصرة هذه الفکرة وتثیر إمکانیة رد السیادة لذلک المجتمع عبر القومی المسمى بالـKhalsah Panth الذی یجتمع فی الأصل حول الإیمان بکتاب مقدس[lxv].

ولیس هذا ببعید عن مفهوم الأمة الإسلامیة التی تتجلی مساحات فاعلیتها غیر المادیة وتلعب فیها الروابط غیر المحسوسة دورا کبیرا تقف الدولة القومیة عاجزة عن استیعابها والتعبیر عنها، ولهذا تبدو کتابات منظور حضاری إسلامی قادرة على تخیل وجود الأمة الإسلامیة کمستوى للتحلیل الدولی حتى فی ظل غیبة الإطار الجغرافی الجامع لها الذی قد تعبر عنه وحدة بین أراضی المسلمین.[lxvi] ونلاحظ کیف یمتد مفهوم الأمة بوجه عام لاستیعاب ذلک النمط من الأواصر الاجتماعیة الذی تعبر عنه الـ Khalsah Panth وغیرها من الروابط غیر المادیة حیث تتمایز الأمة بخصوصیة رؤیتها للعالم، ولهذا لیس من المبالغة أن نقول أن منظور حضاری إسلامی یمثل منافسا قویا لنظریات قائمة وسائدة فی العلاقات الدولیة بالفعل من حیث قدرته على الجمع بین التفات إلى الأبعاد المادیة والأبعاد غیر المادیة للوجود السیاسی الاجتماعی.

ب‌)       أیضا یتشارک منظور حضاری إسلامی فی غایته مع أطروحات غیر غربیة تسعى بتنظیرها فی العلاقات الدولیة لتجاوز منطق "تقلید الغرب" ومنطق "اللحاق بالغرب" ومنطق الانکفاء على الذات الحضاریة الأصیلة إلى "خلق مساحات بدیلة للتفکیر" فی العلاقات الدولیة.[lxvii]

یعبر Giorgio Shani عن هذا الأمر بوضوح بقوله أن المطلوب لیس هو رفض الغرب وإنما إعادة اکتشافه وإعادة تخیله، فالغرب لیس بالکیان المحدد جغرافیا، وإنما هو متخیل اجتماعی یجب إعادة التفکیر فیه.[lxviii]

ولهذا أیضا یقدم البعض النظریة الصینیة فی العلاقات الدولیة -على حداثة العهد بها- کمرشح محتمل لمنافسة الطرح الغربی "وإعادة بناء العالم بلغة ونظریة صینیة".  وحین تثیر الأدبیات مسألة  الهدف أو الغایة من طرح نظریة صینیة فی العلاقات الدولیة؛ نجد البعض یتحدث عن آفاق تأسیس نظام "إیستفالی جدید Eastphalian" وعن إمکانیة استبدال الهیمنة الغربیة بسلام صینی  Pax Sinica -وهی استراتیجیة طموحة قائمة على تأسیس نظام دولی وإقلیمی متمحور حول الصین، ونجد البعض یتحدث عن نموذج صینی أو منظور صینی فی العلاقات الدولیة مستقل قائم بذاته لکنه لیس الوحید المعبر عن الرؤى غیر الغربیة فی العلاقات الدولیة، ونجد البعض یتحدث عن أهمیة استیعاب الرؤیة النظریة الصینیة فی العلاقات الدولیة لاستیعاب أبعاد مختلفة للعلاقة بین الصین والعالم.

تختلف على أیة حال حظوظ نظریة صینیة فی العلاقات الدولیة عن حظوظ منظور حضاری إسلامی، فالنظریة الصینیة ترتبط جزئیا بصعود صینی فی هیرارکیة القوى الدولیة لیس للدول الإسلامیة نصیبا مشابها منه.  ومع هذا تتشابه کتابات عن نظریة صینیة فی العلاقات الدولیة مع کتابات عن نظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة فی التعبیر عن حالة من عدم الرضا حول درجة الانتشار التی حققتها هذه النظریة فی العلاقات الدولیة، حیث الحداثة النسبیة للنظریة وعائق اللغة وهیمنة مناهج التحلیل الواقعیة یمثلون أبرز معوقات انتشارها فی الخارج، وتمتد الشکوى إلى غیابها عن دوائر صنع القرار ومحدودیة انتشارها الأکادیمی فی الداخل الصینی.[lxix]

تتشابه من ثم غایات الإسهامات النظریة غیر الغربیة مع غایة منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة؛ تلک الأخیرة التی أبرزها أ.د. عبد الوهاب المسیری بقوله أن الغرب علیه أن یستعید حضاریته، وأن یتحول إلى "مجرد تشکیل حضاری ضمن تشکیلات أخرى کثیرة"، عندها –هکذا یرى أ. د. عبد الوهاب المسیری- یمکن  "النظر إلى الغرب بدون قلق، إذ لیس علینا قبوله بخیره وشره .. أو رفضه بقضه وقضیضه"[lxx]، دون أن ینفی هذا بحال أن تظل للنظریات الغربیة أهمیة کبرى فی فهم الغرب لذاته وفهمنا لعلاقته مع غیره من شعوب العالم. [lxxi] وهی فکرة یبرزها طرح أ.د. منى أبو الفضل کذلک، حیث ترى أن الهدف من بناء منظور حضاری لیس الدفاع عن الإسلام، وإنما بیان أن الغرب صاحب خصوصیة ثقافیة، ولیس عالمیا، وأن الانفتاح على غیر الغربی من الحضارات والثقافات هو السبیل لتجدید ثقافی یبدو العالم فی أمس الحاجة إلیه. [lxxii]

3)                الإسلامی وغیر الغربی فی خریطة تدریس نظریة العلاقات الدولیة:

امتدادا لحدیث عن إمکانیة تسکین منظور حضاری إسلامی ضمن نطاق النظریات النقدیة غیر الغربیة یبدو من المفید إلقاء نظرة سریعة على مقررات نظریة العلاقات الدولیة فی مرحلتی البکالوریوس والدراسات العلیافی عدد من الجامعات غیر العربیة فی العالم، وهی مسألةتبدو صادمة على أکثر من صعید. فمن بین ما یناهز الثلاثین مقررا تیسرت مطالعتهم لم یفرد سوى ثلاثة مقررات مساحة للتنظیر غیر الغربی. أفسح مقرر قام البروفیسیرMarco Pinfari  بتدریسه فی الجامعة الأمریکیة بالقاهرة عام 2015جزءا من أجزائه الأربعة عشر لاستعراض بعض نماذج للتنظیر غیر الغربی فی العلاقات الدولیة.  أشار المقرر إلى وجود طرح نظری إسلامی فی العلاقات الدولیة واستعان فی تقدیمه للطلبة بدراسة Amr Sabet التی سبق توثیقها فی هذه الورقة، وهو الأمر الذی وإن دل على شیء فإنما یدل على أن الکتابة باللغة الإنجلیزیة تتیح فرصة أکبر للتعریف بالإسهام الإسلامی فی العلاقات الدولیة. [lxxiii] طالعت الباحثة مقررات بکالوریوس من جامعة برلین الحرة[lxxiv]، وجامعة استرالیا الوطنیة [lxxv] وKing’s College اللندنیة[lxxvi]، وجامعة لایدن الهولندیة،[lxxvii] وجامعة أوسلو[lxxviii]، وجامعة کانکایا الترکیة[lxxix]، ومقررات دراسات علیا من جامعة وسط أوروبا (مرحلة الدکتوراة)[lxxx]، وجامعة إدینبرج (دراسات علیا)[lxxxi]،  وکلیة لندن للدراسات الاقتصادیة LSE (مرحلة الماجستیر)[lxxxii]، وغیرها التفتت جمیع مقررات نظریة العلاقات الدولیة فی هذه الجامعات إلى التطورات النظریة النقدیة فی العلاقات الدولیة ولم یشر أی من هذه المقررات إلى أیة إسهامات غیر غربیة ناهیک عن إسهامات إسلامیة. أما عن جامعة ِAlbany وجامعة جورجیا الشمالیة الأمریکیتین فاکتفیتا بتدریس الواقعیة واللیبرالیة والبنائیة الاجتماعیة ولم یتطرق مقرر أی منهما للنظریات النقدیة.[lxxxiii] وکذلک جامعة Yale  فی مرحلة الدکتوراة.[lxxxiv]

لا ینفی هذا وجود بعض مقررات مستقلة فی بعض الجامعات تتناول رؤى غیر غربیة فی العلاقات الدولیة، من قبیل مقرر تطرحه جامعة أسترالیا الوطنیة عن "التفکیر الصینی فی العلاقات الدولیة" یعود إلى الجذور الفکریة والتاریخیة للرؤیة الصینیة العلاقات الدولیة لیفهم من خلالها الرؤیة الصینیة فی الواقع المعاصر.[lxxxv]

ویخصص مقرر نظریة العلاقات الدولیة فی مرحلة الماجستیر فی جامعة Sikkim الهندیة ربع مساحته لاستعراض "کتابات هندیة فی العلاقات الدولیة" وللتطرق لمفاهیم عدم الانحیاز ومقاومة الاستعمار على اعتبارها من الإسهامات الهندیة فی هذا المجال. [lxxxvi] ویحمل مقرر جامعة Gujarat فی مرحلة الدراسات العلیا التفاتا إلى خصوصیات آسیویة على مستوى السیاسة الخارجیة والعلاقات الآسیویة الآسیویة وقضایا الأمن. [lxxxvii] کما یحمل مقرر متقدم فی نظریة العلاقات الدولیة فی جامعة جنوب آسیا التفاتا إلى نظریة المعرفة الحاکمة لحقل العلاقات الدولیة، ویعید تقییم "قراءات کلاسیکیة فی العلاقات الدولیة"، یفرد المقرر وحدة من وحداته الأربع للنظریات التقلیدیة والنقدیة الغربیة کما یخصص وحدة من وحداته الأربع لاستعراض "رؤىviews " مختلفة عن العالم من آسیا وأمریکا اللاتینیة وإفریقیا والعالم العربی، ووحدة أخیرة لدراسة قضایا تطبیقیة بالاستعانة بمداخل نظریة المختلفة.  یستعین المقرر بدراسة لـ Mustapha Kamal Pasha عن الإسلام والعلاقات الدولیة باللغة الإنجلیزیة ضمن قائمة قراءات غیر غربیة عدیدة. [lxxxviii]

وفی عدد من الجامعات البرازیلیة یغیب مقرر "نظریة العلاقات الدولیة" ولکن یتم تدریس العلاقات الدولیة من مدخل تنوع قضایاها ما بین الاقتصادی والثقافی والبیئی، إلخ ومع ترکیز على تعدد الفاعلین الدولیین. التفتت إحدى الجامعات البرازیلیة فی برنامجها إلى إشکالیات أخلاقیة وقیمیة فی العلاقات الدولیة، وأشار العدید من البرامج إلى أن الهدف من ورائها هو إعداد طالب قادر على الانخراط فی سوق العمل العالمی. [lxxxix] أما فی الجامعة الصینیة فی هونج کونج فیکتفی مقرر نظریة العلاقات الدولیة باستعراض النظریات التقلیدیة فی العلاقات الدولیة مضافا إلیها موضوعات من قبیل العولمة أو صدام الحضارات. [xc]

وببحث سریع فی مقررات نظریة العلاقات الدولیة فی الجامعات الإسرائیلیة لم تجد الباحثة مقررات مستقلة فی نظریة العلاقات الدولیة. نظرة خاطفة على محتوى مقررات "قسم العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة" بجامعة إسرائیل المفتوحة توحی بأن الاهتمام بدراسة المناطق کإفریقیا أو روسیا وبدراسة موضوعات بعینها کالإبادة الجماعیة أو الدیمقراطیة یغلب على الاهتمام بدراسة مداخل نظریة متعددة فی العلاقات الدولیة، تخلو مقررات الجامعة من مقرر نظریة العلاقات الدولیة.[xci] وبالمثل یقدم عدد من الجامعات الإسرائیلیة برامج ماجستیر متخصصة منها على سبیل المثال برامج فی الأمن والدبلوماسیة (جامعة تل أبیت)، برامج فی حقوق الإنسان والعدالة الانتقالیة (جامعة القدس العبریة)، أما جامعة Birzeit فی القدس فتطرح برنامجا للماجستیر بعنوان الدراسات الدولیة من خلال التعامل مع حقول أربعة؛ القانون والاقتصاد والسیاسة والتاریخ الدولیین. [xcii]

یختلف الوضع بطبیعة الحال فی کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة بجامعة القاهرة، حیث یتم تعریف طلبة قسم العلوم السیاسیة فی مرحلة البکالوریوس بالإسهامات النظریة غیر الغربیة ومنها الحضاری الإسلامی فی مقررات متفرقة من قبیل تطور العلاقات الدولیة (2018/2019) والثقافة فی السیاسة العالمیة (قاعة بحث اختیاریة منذ 2006)، والثقافة فی السیاسة العالمیة (مقرر اختیاری منذ 2017 فی نظام الساعات المعتمدة). وتتولى أ.د. نادیة مصطفى منذ قرابة العشرین عاما مهمة تعریف طلبة مرحلة الماجستیر فی نطاق مقرر نظریة العلاقات الدولیة بوجود منظور حضاری إسلامی مقارن مع المنظورات الأخرى فی العلاقات الدولیة، بینما یصب مقرر نظریة العلاقات الدولیة فی مرحلة الدکتوراة (منذ 2015) کل ترکیزه على المساحات النقدیة من التنظیر فی العلاقات الدولیة ویفرد جزءا مستقلا من أجزائه الخمسة لتعددیة المنظورات الحضاریة مع الترکیز على المنظور الحضاری الإسلامی کنموذج فی کل جزء من الأجزاء الخمسة. [xciii]مرة أخرى لا یبدو من المبالغة الادعاء بأن الشوط الذی قطعه منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة لم یقطعه غیره کثیرون، حتى أن خریطة العلم کما یرسمها تبدو أکثر دقة من خرائط کثیرة ترسمها الدراسة النظریة للحقل دون التفات یذکر لغیر الغربی وبتجاهل شبه کامل لطرح نظری حضاری إسلامی.

نخلص مما تقدم رصده  فی هذه الجزئیة -وهو لیس إلا مجرد عینة بحث أقرب إلى العشوائیة- إلى أن الإسهام غیر الغربی فی العلاقات الدولیة یتعرض للتهمیش الأکادیمی بدرجة کبیرة، فهو یغیب عن معظم مقررات نظریة العلاقات الدولیة فی الجامعات الغربیة الأوروبیة والأمریکیة، وإن ظهر فهو یظهر فی شکل مستقل منفصل عن نظریة العلاقات الدولیة، ویظهر فی صورة أقرب لدراسات المناطق، على عکس الطرح الغربی الذی یستأثر بالنظریة ولا یظهر أبدا فی صورة مجرد منطقة یتم الالتفات إلیها أو فی صورة صاحب الإسهام الحضاری ذی الخصوصیة الذی یقدم رؤیته لفهم العالم، اللهم إلا فی مقررات تخرج عن الدائرة الغربیة کما هو الحال فی کلیة الاقتصاد أو جامعة جنوب آسیا وبدرجة أقل فی جامعات هندیة تمت الإشارة إلیها. وحین یظهر الطرح غیر الغربی فإنه یحمل لقب "رؤیة" ونادرا ما تتم الإشارة إلیه بوصفه نظریة أو منظور، ولم یکن الإسلامی بالاستثناء فی هذه المسألة حیث لم تتعد الإشارات الخاطفة له مسألة الإشارة إلیه على اعتباره "رؤیة" أو "طرحا" على عکس ما هو مألوف فی دوائرنا المصریة من حدیث عن "منظور" حضاری إسلامی، وعلى عکس ما أضحت تحظى به إسهامات نظریة نقدیة غربیة مثل النظریة النسویة، النظریة ما بعد الکولونیالیة، إلخ من تسمیة. یعکس المسمى فارقا فی إدراک درجة التطور النظری التی حققها منظور حضاری إسلامی وغیره من الأطروحات غیر الغربیة، حتى وإن کانت قید التأسیس والبناء مثلها فی ذلک مثل کثیر من النظریات النقدیة الغربیة، بل ومثلها فی ذلک فی واقع الأمر مثل کل نظریات العلاقات الدولیة التی لا تتوقف عملیات المراجعة وإعادة بناء مقولاتها کما هو الحال على سبیل المثال مع الواقعیة التقلیدیة والواقعیة الجدیدة.

وتتمایز المدرسة الأوروبیة إلى حد کبیر عن المدرسة الأمریکیة-الإسرائیلیة، تبدو المدرسة الأوروبیة أکثر استعدادا للقبول بفکرة تنوع المداخل النظریة وتعددها وبقبول تسکین الأطروحات النظریة النقدیة داخل حقل العلاقات الدولیة وإن غاب عنها الالتفات إلى غیر الغربی کجزء أصیل من إسهام نظری فی العلاقات الدولیة.  

4)         إشکالیة العلاقة بین منظور حضاری إسلامی وبین إسهام نظری غیر غربی ذی مرجعیة "دینیة":

على الرغم مما بینهم من مساحات تلاق کما برز من الجزئیتین الأولى والثانیة وعلى الرغم مما یجری على کلیهما من تهمیش أکادیمی، یظل من المهم التأکید على أن تسکین منظور حضاری إسلامی مع غیر الغربی لا یخلو من إشکالیات، وبالتحدید متى أردنا تسکینه مع غیر الغربی "الدینی"، فکثیر من هذه الأبعاد غیر المادیة التی تحظى بأولویة فی تحلیلات غیر غربیة مستمد فی الأصل من مرجعیات دینیة وضعیة، ومن ثم قد یشوبها کل ما یشوب منظومات القیم الوضعیة من نسبیة وتأرجح حتى وإن احتکمت إلى مرجعیة تعتبرها هی علیا ومتجاوزة، وهی مسألة بحاجة إلى قدر من التمحیص والبحث والحرص فی التعمیم بشأنها، لا یتاح لهذه الورقة المحدودة القیام بهم.

على أیة حال تبدو دراسة لـ Robert Bosco مفیدة فی تبریر الحاجة إلى التعامل مع صفة "الدینی" بقدر من الحذر والعمق فی التحلیل. یشیر Bosco إلى أن التوجه لتسکین الدین فی العلاقات الدولیة ضمن نطاق دراسات الأدیان کنطاق منفصل مستقل فی داخل العلم یحمل الکثیر من "المغالطات الاستشراقیة"، ویطرح مخرجا هاما من هذه المغالطات متمثلا فی استبدال دراسة الدین بدراسة الآثار النظریة والعملیة المختلفة لتعریفاته المتعددة.

یسحب Bosco تحلیله إلى مستوى النظام الدولی، فیتوقف على سبیل المثال عند ظهور تعبیرات من قبیل "الأدیان الکبرى فی العالم" أو "التقالید الدینیة الکبرى المنتشرة عالمیا"، یتتبع التطور التاریخی لنشأة هذه التعبیرات فیربط نشأتها بالقوى الکبرى فی فترة ما بعد الحرب العالمیة الأولى، یرى فی هذه التصنیفات إهدارا لمعنى الدین "فی سیاقات محلیة وأکثر تنوعا"[xciv]. فکرة شبیهة أثارها Cavanaugh بتأکیده أن الهندوسیة لم تحظ بصفة "الدین" إلا مع القرن التاسع عشر، بینما فی الأصل تقدم الهندوسیة رؤیة متکاملة لکافة نواحی الحیاة الهندیة بما فی ذلک الثقافة والسیاسة والاقتصاد والدین. یرى Cavanaugh أن تعریف الهندوسیة کدین کان الغرض منه هو إمکانیة قصرها على المجال الخاص حیث الدین فی أثناء الاستعمار -بل وبعده- مجاله الخاص، بینما یبقى المجال العام متاحا للحکم البریطانی والرؤیة البریطانیة. لهذا یرى Cavanaughأن تعریف "الدین" کان جزءا من لعبة سیاسیة تسمح بتشکیل دولة قومیة على النمط الحداثی فی فترة ما بعد الاستقلال، ولهذا یتحفظ الهندوس على وصف الهندوسیة بالدین لأنهم یعتبرونها أشمل من مجرد دین، ویتحفظ الصینیون على وصف الکونفوشیة بالدین للسبب نفسه، لأنهم یعتبرون أن الکونفوشیة هی رؤیة شاملة للحیاة تتجاوز فی طبیعتها إمکانیة حصرها فی المجال الخاص[xcv].

یضرب Bosco مثالا کذلک على أهمیة التعریف بما یراه ترویجا "لخطاب السلام العالمی الذی تشارک الأدیان فی صیاغته کبدیل عن خطاب الأدیان مصدر العنف والصراعات الذی یروج له أصحاب الرؤى التقلیدیة فی العلاقات الدولیة". یرى Bosco أن جمع کل ما هو دین فی سلة واحدة، حتى وإن کانت سلة تحمل عنوانا جذابا مثل "السلام العالمی" یقید حرکة الأدیان ویحرمها من حقها فی تعریف ذاتها ورسالتها والتأکید على تنوعها وتمایز مصادرها، وهی حقوق یراها أصیلة لأسباب عدیدة منها مواجهة محاولات الطرح اللیبرالی الانفراد برسم ملامح مستقبل العالم.

المسألة إذا -وفق تقدیر Bosco- لیست مجرد تعریف معنى الدین وإنما تتجاوز ذلک، فهو یعتبر أن فئة الدینی بأسرها تم بناؤها، حتى حدودها ومساحات تطبیقها هی محط أنظار وتنافس أطراف عدیدة قومیة وعبر قومیة فی مختلف مجالات العلاقات الدولیة. [xcvi] تحمل دراسة Bosco من معالم الإسهامات النظریة النقدیة الکثیر؛ لیس فقط لأن دراسته تلتفت إلى مسائل من قبیل الاستعمار والعلمانیة ولا تتعامل مع ما أفرزته من واقع من منطلق المسلمات التی لا مرد لها، وإنما لأن دراسته لا تنشغل بدراسة الظاهرة الدینیة کأمر واقع أو ظاهرة محایدة، وإنما تتساءل کیف أضحت هذه هی تعریفاتنا لما هو دینی ولحدود علاقته بما هو سیاسی أو اجتماعی.

یبدو کل ما سبق فی هذه الجزئیة هاما فی سیاق التعریف بموضع منظور حضاری إسلامی وتحدید الدور الذی یرغب فی أن یلعبه فی العلاقات الدولیة مقارنة بمنظورات غیر غربیة دینیة. فلیس کل ما یسمى بالدینی یتشابه، وهی فکرة یبرزها اعتراض Nassef Manabilang Adiongعلى القول بأن وجود تصور إسلامی فی العلاقات الدولیة یشترط بالضرورة وجود طرح مسیحی ویهودی وبوذی وهندوسی، إلخ، فخلف هذه الفکرة یکمن -فی تقدیره- منطق یفترض أن الإسلام ولابد یتشابه أو یماثل غیره من الأدیان أو حتى الأیدیولوجیات، وهو منطق معیوب فی تقدیره، یغفل ما بین "الأدیان" والمعتقدات وبعضها البعض من اختلافات وفروق جوهریة.[xcvii]

یستأهل کذلک تسکین منظور حضاری إسلامی ضمن نطاق دراسات الأدیان فی العلاقات الدولیة تحفظا بشأنه،فإذا کان الاهتمام بالأدیان فی حقل العلاقات الدولیة قد قاده إلى الانفتاح على ما یسمى بدراسات الأدیان أو محاولة تأسیس تخصص بحثی فرعی معنی بدراسة الدین والعلاقات الدولیة[xcviii]، فإن تسکین منظور حضاری إسلامی فی نطاق حقل فرعی من حقول العلاقات الدولیة معنی بالدین والعلاقات الدولیة لا یحمل مجرد خلل لأنه یسکن الإٍسلامی فی بنیة وضعیة، ولا یحمل مجرد خلل لأنه یسکن الإٍسلامی مع غیره من الأدیان دون التفات إلى خصوصیاتها، وإنما یحمل خللا لأنه لا یعبر عن قدرة منظور حضاری إسلامی -بمنطلقاته المعرفیة والوجودیة والمنهاجیة- على تقدیم إٍسهام مستقل فی کافة مساحات اهتمام العلاقات الدولیة التقلیدیة وربما أکثر. فهو لیس فرع عن أصل، بقدر ما هو شجرة قائمة بذاتها فی حقل الدراسات الدولیة، ناهیک عن دلالة مسمى الدین فی الذهنیة الغربیة العلمانیة التی تحصره فی نطاق الخاص کما یظهر من دراستی Bosco وCavanaugh، وناهیک عن خصوصیة الطرح الإسلامی المنطلق من عقیدة التوحید وهی المسألة التی ألمح إلیها Adiong. ترشد هذه الملاحظات مجتمعة إلى أهمیة التمسک بصفة "الحضاری" اللصیقة باسم المنظور، فهو لیس منظورا دینیا، وإنما هو منظور حضاری إسلامی یحمل رؤیة ذات خصوصیة للعالم.

 

خلاصة القول عبر الجزئیات الأربع السابقة أن منظور حضاری إسلامی یشترک مع إسهامات نظریة غیر غربیة أخرى فی تحفظ عام على دقة تصنیف خرائط الحقل على نحو یصنف الإسهامات النظریة فی داخله إلى غربیة وغیر غربیة تصنیفا حدیا، ویشترک منظور حضاری إسلامی مع إسهامات نظریة غیر غربیة فی الالتفات إلى أبعاد غیر مادیة للظاهرة الدولیة وفی تقدیم رؤیة منافسة للسائد والمهیمن من مقولات نظریة غربیة تقلیدیة فی الحقل، ویتقاسم معها تهمیشا نسبیا یتعرض له إسهامهم جمیعا فی الدراسة الأکادیمیة؛ حتى إذا ما قارننا نصیبهم بنصیب وحظ الإسهامات النظریة النقدیة الغربیة من هذه الدراسة. یتقاسم الإسهام النظری صاحب المرجعیة الإسلامیة عموما مع إسهام نظری غیر غربی إدراکا بأن ما لدیهم لیقدموه من إسهام نظری یستند إلى رؤیة متکاملة للعالم یفوق فی إمکانیاته ما تحمله کلمة "دینی" -فی دلالاتها العلمانیة- من إمکانات.

ومن ثم، فإن الحدیث عن تسکین فی نطاق "حقل العلاقات الدولیة العالمی Global IR" یتیح فعلیا لمنظور حضاری إسلامی مساحات حرکة تفوق ما یتیحه له التسکین فی نطاق الإسهامات النظریة غیر الغربیة من مساحات، بل وربما ما یتیحه له التسکین فی نطاق الإسهامات النظریة النقدیة عموما من مساحات، لکنها مساحة لا زالت تحت التأسیس وحتى تأسیسها قد یظل من المهم لفت الأنظار إلى مساحات التقاطع بین إسهام منظور حضاری إسلامی وبین إسهامات نظریة نقدیة غربیة وغیر غربیة.

ولکن ماذا عن غیره من الإسهامات النظریة ذات المرجعیة الإسلامیة فی العلاقات الدولیة؟ إلى أی مدى یفید منظور حضاری إسلامی تسکینه ضمن إطار مساحة بحثیة منفصلة فی الحقل تحت مسمى "الإسهامات النظریة ذات المرجعیة الإسلامیة فی حقل العلاقات الدولیة"؟ هذا هو ما یتناوله الجزء الثالث والأخیر من هذه الورقة.

 

ثالثاً: إشکالیات موضع منظور حضاری إسلامی من خریطة أدبیات الإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة:

تتنوع الأدبیات المعنیة بالبحث عن إسهام نظری ذی مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة، بعضها یأتی من مسلمین وبعضها من غیر مسلمین، وتتفاوت بطبیعة الحال من حیث درجة العمق النظری والترکیب والتفاتها إلى مساحات الجدل فیما وراء النظریة. [xcix] یستعرض هذا الجزء من الورقة عبر جزئیتین أبرز ملامح الإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة، على نحو یبرز أهم ما یمیز هذا الإسهام عن إسهام منظور حضاری إٍسلامی.

1)   الإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة: إسهام للمسلمین أم إسهام للعالمین؟

فی مجموعة أولى تأتی تلک الأدبیات التی تجد لدى طرح إسلامی نظری فی العلاقات الدولیة ما قد یفید فی تطویر حقل العلاقات الدولیة نحو تعددیة یفترض فیه أن یعبر عنها، فتطرح الأدبیات فی هذا السیاق مسألة حاجة الحقل إلى فهم أفضل للإسلام والمسلمین.

تبدو الکثیر من الدراسات التی تتناول العلاقة بین الإسلام ونظریة العلاقات الدولیة وکأنها لا زالت عالقة فی منطقة تجاوزها منظور حضاری إسلامی بمراحل. لازال الحدیث فی هذه الدراسات دائرا عن أهمیة تجاوز الرؤیة الفقهیة الإسلامیة للعلاقات الدولیة للکشف عن رؤیة قیمیة تستبطنها هذه الرؤیة الفقهیة من خلال الوقوف على تلک المبادئ العامة والقیم التی تحملها نظریة إسلامیة للعلاقات الدولیة وتستبطنها النصوص والأحکام الشرعیة. لازال الکثیرون یتصورون أن ما یمکن لنظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة أن تقدمه لا یزید عن تنظیم العلاقة بین المسلمین وغیرهم على نحو أکثر ملاءمة وطبیعة عالم تتلاقى فیه الثقافات والأدیان طوعا وکرها بحکم طبیعته العولمیة، وهو ما تجتهد هذه الجزئیة لتوضیحه.  

تبرز فی هذا السیاق محاولة محدودة الإمکانیات لـ John Turner للتأکید على أن الإسلام یقدم نظریة متکاملة فی العلاقات الدولیة تتجاوز مجرد کونه "موضوعا هاما أو شیقا للدراسة" فی العلاقات الدولیة.

قرأ Turner الطرح الإسلامی فی العلاقات الدولیة على اعتباره طرحا نظمیا یقدم تصورا نظریا عن علاقة المسلمین ببعضهم البعض وعلاقتهم بغیرهم من خلال طرح تقلیدی -یعتمد فی تقدیره على تقسیمة الدور ویستعین بمفاهیم "واقعیة" أساسیة کالقوة والحرب- وآخر إصلاحی یؤمن بأهمیة التعاون والتعایش مع غیر المسلمین ویجعل من الاجتهاد آلیة لفهم متجدد لعلاقة المسلمین بغیرهم- وثالث رادیکالی "سلفی جهادی" انتهى به الحال إلى استخدام العنف کمدخل للتغییر ولتفعیل الرؤیة الإسلامیة. وعلى الرغم من کل ما على هذه التقسیمة الثلاثیة من مآخذ، یظل من أبرز هذه المآخذ إغفال هذا الطرح بالکلیة لما یمکن أن تقدمه الرؤیة الإسلامیة للعالمین.[c]

بالمثل بدت محاولة Mohammad Abo Kazleh لنقد الرؤیة التقلیدیة للعلاقة بین المسلمین وغیرهم ولنقد تقسیمة الدور الشهیرة بحثا عن تأصیل جدید للعلاقة بین المسلمین وغیرهم وعن نظریة إسلامیة "جدیدة" فی العلاقات الدولیة [ci] کمحاولة بدائیة إذا ما قورنت بعمل العملاق أ.د. أحمد عبد الونیس –رحمة الله علیه- فی مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام والذی قدم فیه تأصیلا شرعیا لهذه المسألة خرج منه باجتهاد جدید حول الدعوة کأصل للعلاقة بین المسلمین وغیرهم[cii].

ویقدم Reza Simbar طرحا لا یحمل من الجدید الکثیر عن أهمیة الالتفات إلى التصور الإسلامی عن العالم وعن العلاقات الإسلامیة مع غیر المسلمین بدعوى تمکین الغرب من فهم وتفهم دوافع الحرکات الإسلامویة المتصادمة مع الغرب، حیث  ترغب هذه الحرکات فی إعادة تشکیل العالم وفق رؤیة تجعل للمسلمین الید العلیا وتؤمن بما یسمیه البعض بالاستثنائیة الإسلامیة، ومن ثم یدفع Simbar بأهمیة استیعاب أبعاد هذه الرؤیة ویدافع عن طرح یجعل من السلم أصلا للعلاقة بین المسلمین وغیرهم. [ciii]

أقرب إلى هذه المجموعة تأتی کتابات تجعل من الرؤیة الإسلامیة فی مسائل دولیة بعینها موضوعا للدراسة، وهی الدراسات الأکثر نسبیا؛ تنتشر الکتابات عن الرؤیة الإسلامیة للحرب المقدسة والجهاد والنسویة والأقلیات[civ].

أما دراسة Nassef Manabilang Adiong المقارنة عن الدولة من رؤیة لیبرالیة وواقعیة وبنائیة فی مواجهة الرؤیة الإسلامیة عنها وعن وظائفها فتبدو مهتمة بموضوع اهتمت به دراسات أنتجها منظور حضاری إسلامی قبل عشرین عاما، [cv] تذکر دراسته على سبیل المثال بدراسة أ.د. مصطفى منجود فی مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام عن الدولة کوحدة تعامل خارجی من منظور حضاری إسلامی[cvi]، وبرسالة د. مروة فکری للماجستیر التی قدمت قراءة مقارنة فی موضع "الدولة" من المنظورات الکبرى الغربیة ومن الاتجاهات النقدیة[cvii]. لکن دراسة Adiong لم تشر إلى أیة علاقة تجمعها بمنظور حضاری إسلامی، ولم تستعن بأیة من دراساته، واختلفت عن معظم -إن لم یکن کل دراسات هذا المنظور- من حیث الاستعانة بمناهج تحلیل ریاضی وإحصائی لتعریف الدولة تعریفا إجرائیا قام على التمییز بین مقولات الرؤى المختلفة حول مستوى التحلیل والسیادة والمواطنة والحدود الإقلیمیة.

رسالة Adiong للدکتوراة هی دراسة وحیدة یشیر فیها صراحة إلى إسهام المعهد العالمی للفکر الإسلامی بقیادة د. إسماعیل الفاروقی -فی حینها- من أجل التأسیس معرفیا ومنهاجیا لنظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة، وهی دراسة یشیر فیها Adiong صراحة إلى دراسة أ.د. عبد الحمید أبو سلیمان عن إمکانیة التأسیس لنظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة على ضوء نقد أ.د. أبو سلیمان للنظریة التقلیدیة[cviii]، کما یشیر فیها إلى محاولات البعض تطویر إسهام نظری إسلامی فی العلاقات الدولیة یأخذ المقاصد الشرعیة والمصالح المرسلة فی اعتباره، ولم یفصل Adiong فی هذه المسألة وحتى لم یشر إلى مصدر هذه المحاولة واعتبرها مجرد محاولة ولیدة تسعى لتجاوز تلک الفجوة القائمة بین المنظور الفقهی الإسلامی وبین واقع العلاقات الدولیة مثلها فی ذلک مثل محاولات البعض الکشف عن ملامح رؤى وأطروحات إسلامیة هامة من قبیل العنایة بفکر ابن خلدون، وهو فکر اعتبره Adiong بمثابة فکر مؤسس لنظریة إسلامیة إمبریقیة فی العلاقات الدولیة. یشیر Adiong فی هذه الدراسة إلى ما بالمرجعیة الإسلامیة من ثراء معرفی ومنهاجی ربما یسمح لها بتقدیم طرح نظری ذی طبیعة مختلفة عن أدیان أخرى کثیرة.

ونلاحظ مما تقدم فی هذه الجزئیة أن الکثیر من الدراسات تتحرک فی طرحها لرؤیة نظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة دون التأسیس أو التأصیل المعرفی والنظری المطلوبین، لهذا ندعی أن معظم هذه الکتابات -إن لم یکن کلها- لم یقترب من قریب أو بعید من مستوى تعقید وتشابکیة وکلیة الطرح النظری الذی یقدمه منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة بأبعاده المعرفیة والأونطولوجیة والمنهاجیة. وبینما تجتهد هذه الدراسات لتقدم فهما لجزئیات تتعلق بالمرجعیة الإسلامیة، إلا أن هذه الدراسات لا تترابط فیما بینها ولا تتکامل فیما بینها حتى وإن تشارکت کلها فی الاهتمام بموضوع واحد. ناهیک عن أن أغلبها یتعامل مع الإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة من منطلق دوره فی تسهیل فهم الإسلام والمسلمین دون حدیث یذکر عما به من إمکانات للإسهام فی تجدید ثقافی عالمی اعتبره منظور حضاری إٍسلامی منطلقا أساسیا کما شاهدنا فی کتابات أ.د. منى أبو الفضل.

2)  الإسهام النظری الإسلامی بدیل منافس للإسهام النظری الوضعی فی العلاقات الدولیة:

فی مجموعة ثانیة تجتمع بکثافة تلک الدراسات التی تتصور أن إسهاما نظریا من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة یمکنه أن یقدم بدیلا منافسا فی العلاقات الدولیة للرؤیة العلمانیة الوضعیة السائدة والمهیمنة على الحقل.

تسکن ضمن هذه المجموعة بعض من دراسات یحویها ذلک الإصدار الهام الذی یحمل عنوان  Islam and International Relations: Contributions to Theory and Practice تتعدد من داخل هذا الإصدار الدراسات التی تحمل ضمن عنوانها اهتماما بنظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة أو رؤیة إسلامیة للعلاقات الدولیة.

یقدم Raffaele Mauriello فی مقدمة الکتاب تمهیدا هاما لأهمیة الإسهام الإسلامی فی نظریة العلاقات الدولیة[cix]،یرصد من خلاله کیف أن النظریات الأشهر فی الحقل لا زالت على تنوعها نظریات غربیة. حتى النظریة النقدیة والنظریة النسویة وما بعد الکولونیالیة وما بعد الحداثة وغیرها یجدها کلها محملة "بالسردیات الغربیة الکبرى"، ورغم اتفاقنا الجزئی مع هذه المقولة الأخیرة –فالنظریات النقدیة فی أطوارها الأجدد کثیرا ما تبذل مساع مخلصة لکسر سطوة المرکزیة الأوروبیة وعلمانیتها ویحالفها فی ذلک نجاح محدود، کما سبقت الإشارة فی الجزء الأول من هذه الورقة- إلا أننا لا نملک إلا الاتفاق مع ما ذهب إلیه Maurielloمن أن الدخول إلى ساحة النظریات المعتمدة فی مجال العلاقات الدولیة لا زال فیما یبدو حکرا على الغربیین. خطورة المسألة تتجلی فی تقدیره فی أن منظورات العلم لا توفر مجرد أدوات لتفسیر وتحلیل ظواهر مختلفة فی الواقع –والتی تکون بطبیعة الحال أدوات تتناسب وتفسیر وتحلیل ظواهر بعینها دون ظواهر أخرى ومن ثم تقود إلى المبالغة بالاعتناء بظواهر وتهمیش ظواهر أخرى، وإنما لأنها بالأساس تتحکم فی تصوراتنا حول العالم والنظام الدولی وتحدد لنا الأطر المعیاریة والإمبریقیة المقبولة، لتتحکم فیما نتخیل أنه مصدر للحقیقة ونموذج للحیاة الفضلى، ولهذا فهو یرى فی تبلور نظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة "بدیلا قویا" فی مواجهة الرؤیة الغربیة السائدة والمهیمنة بروافدها المختلفة.  ویضیف Mauriello أن قصر الاهتمام بالنظریة الإسلامیة فی العلاقات الدولیة على ثلاثیة دار السلم ودار الحرب ودار العهد لم یکن إلا منتجا لقصور العقلیة الغربیة عن استیعاب ما هو متجاوز لتصور لنظام الدولی قائم على مجموعة من الدول یحرک الصراع العلاقة فیما بینها، بینما رؤیة المسلمین لما تحمله الرؤیة الإسلامیة فی العلاقات الدولیة من إمکانات تختلف بالکلیة.[cx] لهذا یرى Mauriello أن الفصول الأولى من الکتاب الذی یشارک فی تحریره نجحت فی طرح المبادئ الإسلامیة فی العلاقات الدولیة على نحو یتجاوز مجرد مسعى أسلمة المعرفة -بمعنى تقدیم رؤیة إسلامیة منفصلة عن مسار علم العلاقات الدولیة الحدیث- وعلى نحو یتجاوز مسعى تقدیم نظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة تدعی الحدیث باسم جمیع المسلمین. وهی أفکار تتشابه إلى حد بعید مع طرح منظور حضاری إسلامی لا یدعی بحال احتکار الحدیث باسم الإسلام ولا یکتفی بمسار منفصل عن مسار العلوم الحدیثة.

إن قراءة مجموعة المبادئ العامة والقیم الإسلامیة الحاکمة للعلاقات الدولیة ما کان لیحمل جدیدا فی ذاته لولا أن نجح Mauriello فی تسکینها فی إطار یدرک أن ما تطرحه الرؤیة الإسلامیة فی نظریة العلاقات الدولیة یرقى إلى مستوى التصور البدیل عن العلاقات الدولیة فی مواجهة المنظورات الغربیة السائدة فی العلم.

      ومع ذلک تظل الدراسات المقدمة فی هذا الکتاب تحلق بوجه عام  فی مستوى أولی من الاهتمام بالإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة فی العلاقات الدولیة تجاوزه منظور حضاری إسلامی بجمعه بین الفقهی والفکری والمقاصدی والقیمی والسننی والتاریخی وجملة الحضاری. فالکرامة الإنسانیة، والإرادة الحرة، والمساواة بین البشر، والاعتراف بتعددیة الأدیان هی أسس معرفیة ینهض علیها الطرح الإسلامی وفق Ali Akbar Alikhani فی الدراسة الأولى من الکتاب، أما المبادئ الأخلاقیة الحاکمة للسلوک فهی التعایش السلمی ونبذ العدوان والالتزام بالضوابط الأخلاقیة، وبالمثل هناک أسس ضابطة للفعل والسلوک تتمثل فی الحوار بمستویاته ومنه الحوار بحثا عن المشترک ومساحات التلاقی، والوفاء بالعهود والمعاهدات، والعدالة فی رعایة حقوق الأعداء، والقصاص بقیوده الشرعیة. لیس هناک جدید فی ذاته إذا -مقارنة بما کتبه أ.د. عبد الحمید أبو سلیمان[cxi] أو أ.د. إبراهیم البیومی غانممنذ سنوات عدیدة عن المبادئ الإسلامیة فی العلاقات الدولیة[cxii]. ولعل أهم ما تحمله دراسة Alikhaniهو اشتباکها مع الواقع حیث تؤکد أن هذه الأسس والمبادئ نادرا ما تجد طریقها إلى السیاسات الخارجیة للدول الإسلامیة حیث ارتضت هذه الدول الامتثال لقواعد ومعاییر نظام دولی لم تشارک فی صیاغتها ولم تکن طرفا فاعلا عند رسم معالمها بل وتجد الکثیر منها غیر عادلة وظالمة، وأن تضمین المبادئ والقیم الإسلامیة فی داخل تلک القواعد والأطر الحاکمة للنظام الدولی لابد وأن یقود إلى نظام دولی أکثر إنسانیة وعدالة وأقل انحیازا لمصالح أقلیة على حساب مصالح الجمیع، وأن المسئولیة تقع على عاتق المسلمین فی صیاغة تطبیقات لهذه النظریة الإسلامیة. [cxiii]ومن ثم فقد خطت هذه الدراسة فعلیا خطوة للأمام مقارنة بغیرها من الدراسات التی قدمت الإسهام النظری من مرجعیة إسلامیة وکأنه طرح قاصر على العلاقة بین المسلمین وغیرهم أو طرح قاصر على تنظیم مسألة السلم والحرب.

وتضیف دراسة Ahmed Al-Dawoody  حدیثا عن إمکانیة استبدال التقسیمة التقلیدیة للدور بطرح تجدیدی قدمه الشیخ محمد أبو زهرة یدرک الطبیعة الإنسانیة للطرح الإسلامی ومن ثم یقدم إسهاما إسلامیا فی العلاقات الدولیة یتجاوز مجرد تنظیم العلاقة بین المسلمین وغیر المسلمین. [cxiv]

یبرز فی سیاق هذه المجموعة من الأدبیات فصل هام لمصطفى کمال باشا عن الرؤیة المعرفیة الإسلامیة وعمق اختلافها مع الرؤیة اللیبرالیة الحاکمة فی العلاقات الدولیة.[cxv]

وتقع ضمن هذه المجموعة أیضا دراسة لـ Shahrbanou Tadjbakhsh رصدت فی نطاقها کیف یتیح اختلاف الرؤیة الإسلامیة للعالم لهذه الرؤیة أن تولد تصورا نظریا مختلفا ومتمایزا فی العلاقات الدولیة یجمع بین المادی وغیر المادی –کما فی تحلیلات ابن خلدون، على حد تصور الباحثة. لکن وقفت Tadjbakhsh فی تحلیلها الأخیر عاجزة عن تصور مساحات وقنوات تتیح تطبیق مثل هذا التصور الإسلامی للعلاقات الدولیة، متى وجد.[cxvi]

تتکرر فکرة تقدیم المنظور الإسلامی کبدیل فی أدبیات عدیدة من مداخل دولیة متعددة منها على سبیل المثال الاقتصاد السیاسی الدولی؛ یقود البحث عما کتب عن منظور إسلامی أو نظریة إسلامیة فی العلاقات الدولیة إلى دراسة للباکستانیین Abdul Qayyum Khan  وArshad Ali Bhatti. یتصور الباحثان أن نظاما اقتصادیا إسلامیا یصلح کأساس لنظام دولی جدید. ویرصد کلاهما کیف أن على مدار أکثر من ألف عام من المضاربة والمشارکة والقرض الحسن وغیرها من الممارسات الاقتصادیة الإسلامیة لم تعرف أی من الدول التی وصلتها فتوح الإسلام فی مشارق الأرض ومغاربه ظواهر مثل الفقر أو المجاعات أو الأزمات الاقتصادیة أو المالیة، وأنه -وبعد فترة من تغییبه بفعل الاستعمار- یعود النظام الاقتصادی والبنکی الإسلامی -من خلال کتابات ومؤسسات دولیة وبنکیة ذات طابع إسلامی- لیطرح نفسه کبدیل أمام الرأسمالیة بکل ما تتسبب فیه من أزمات اقتصادیة ومالیة متکررة. یعتقد الباحثان أن قوة النظام الاقتصادی الإسلامی تسمح بتحویل الطاقات الدینیة الکامنة إلى قوة سیاسیة وشبکات من العلاقات الإسلامیة-الإسلامیة ومنطلقا للترویج لأفکار جدیدة فی التعلیم والبحث العلمی ومساحة لحوار حقیقی بین الحضارات کلها تخدم کمدخل للتأسیس "لعلاقات دولیة جدیدة". [cxvii]

طرحت رسالة Nassr Albraik  للدکتوراة فکرة مشابهة منذ عام 1986 [cxviii]، حیث طرح الرؤیة الإسلامیة کبدیل لتشکیل نظام عالمی یواجه "العنف الهیکلی والفقر المدقع والاستبداد الداخلی والتدهور البیئی" الجاثمین على أنفاس الواقع الدولی.

ومما سبق یتضح أن منظور حضاری إسلامی ینفرد ویتمیز بموقعه کمنظور إسلامی متراکب المقولات من داخل علم العلاقات الدولیة، یتمیز بسمته "الأکادیمی" من ناحیة وبسمته "المدرسی" من ناحیة أخرى حیث تتوالى الأجیال التی تقدم إسهاما نظریا فی نطاق مدرسة علمیة أکادیمیة، فتؤطر هذا الإسهام وحدة متماسکة ومترابطة من مقولات نظریة معرفیة ووجودیة ومنهاجیة. أما ما یخرج عن نطاق منظور حضاری إسلامی من کتابات تجمع بین الإسلام وبین "نظریة" العلاقات الدولیة فرغم ما یحمله أحیانا من عمق فی التناول ورغم استعانة دراسات منظور حضاری إسلامی ببعض منه، إلا أنه لا یزید عن کونه بضعا من إسهامات متفرقة، فینفرد منظور حضاری إسلامی بطابعه النظری متراکب المقولات.

وعلى الرغم من ذلک کله إلا أن أیا من هذه الکتابات -المعنیة بالرؤیة الإسلامیة أو النظریة الإسلامیة أو التنظیر الإسلامی فی العلاقات الدولیة، أیا ما کان مسماها الذی ظهرت به فی هذه الکتابات- لم یشر من قریب أو بعید إلى ما أنجزته المدرسة المصریة الحضاریة فی العلاقات الدولیة، فهم ببساطة –فی حدود ما تیسر الاطلاع علیه- لم یسمعوا عن هذه المدرسة!

لکن إذا کان منظور حضاری إسلامی لا یخسر الکثیر على صعید المضمون عندما یسکن منفصلا عن هذه الإسهامات النظریة ذات المرجعیة الإسلامیة فی الحقل، إلا أنه یخسر فی واقع الأمر الکثیر على صعید العقول والأیدی العاملة التی قد یعطی انتشارها وکثرتها دفعة کمیة وکیفیة للأمام لإسهامات المنظور ودراساته -سواء اشتبکوا مع هذه الإسهامات والدراسات بالنقد أو بالبناء. ومن ثم فإن التشبیک مع الدوائر الغربیة والعربیة-الإسلامیة المهتمة بإسهام نظری من مرجعیة إسلامیة هو أولویة هامة قد تعوض الحاجة الأکیدة لزیادة عدد المشتغلین بمنظور لدیه الکثیر من القدرات الکامنة، قد لا یمتلک الموارد البشریة والمادیة کافیة للکشف عنها. ومن ثم کانت الدعوة لتحقیق التواصل والتفاعل مع الدوائر المناظرة من أهم نتائج تقییم الخبرة بعد ثلاثة عقود من تدشینها. [cxix]

 

خاتمة:

واجه منظور حضاری إسلامی عند تدشینه سلسلة من الانتقادات المعرفیة والأنطولوجیة والنظریة، کما واجه عبر مراحل تطوره وحتى الآن سلسلة أخرى من التقییم والتقویم فی محافل علمیة عدة، داخل وخارج محضنه الأساسی کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، تفاعل المنظور مع النقد واستفاد منه. [cxx]

والیوم نجد أن رسم خرائط حقل العلاقات الدولیة - بعد أکثر من ثلاثة عقود من تدشین مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام- یوضح أن منظور حضاری إسلامی لا زال حاضرا لم یستنفد طاقاته ولم یتبوأ بعد المکانة التی یستحقها، ولکنه بلا شک قطع شوطا کبیرا على طریق البناء -ربما لا ینافسه فیه الکثیر من الأطروحات النقدیة الغربیة وغیر الغربیة والنظریة ذات المرجعیة الإسلامیة- وهو ما قد یوجه المنظور فی مرحلته القادمة إلى أولویة التعریف بنفسه فی الخارج، وأولویة التحاضن مع الدائرة العلمیة العربیة والإسلامیة لتحقیق التراکم بحثا عن مکان ومکانة یستحقهما، وعلى نحو یتصدى لعدد من التحدیات التی تواجهه.

تلفت الورقة النظر إلى أهمیة التواصل مع الخارج؛ ذلک الخارج المتعطش للسماع منا وعنا.. دون أن یعلم بوجودنا. ورغم محدودیة الدوریات ودور النشر المعنیة بنشر إسهام حضاری غیر غربی ناهیک عن إسلامی، فإن هناک مساحات جدیدة للتواصل مع الخارج یمکن الاستفادة منها. [cxxi]

لکن فی مقابل ما قد یجده منظور حضاری إسلامی من فرص، علیه أن یواجه عددا من التحدیات، نبرز اثنین من بینها:

أولها، من داخل منظور حضاری إسلامی حیثتفرض إشکالیة المنهج نفسها بقوة على إمکانیة الانتقال بمنظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة إلى مرحلة جدیدة تالیة من مراحل تطوره، حیث تظل مساحة الدراسات التی تستعین بمناهج نظر إسلامیة أصیلة من أکثر مساحات إسهام المنظور محدودیة، وذلک إذا ما قورنت بدراسات اهتمت بواقع المسلمین وقضایاهم أو دراسات اهتمت بتسکین منظور حضاری إسلامی فی نطاق العلوم السیاسیة وبالکشف عن الحاجة له فی ظل حضاریة غربیة ومرکزیة أوروبیة وعلمانیة تعیق قدرة حقل العلوم السیاسیة عموما والعلاقات الدولیة خصوصا عن استیعاب تعددیة وتنوع الواقع الاجتماعی السیاسی.

إن غیاب مناهج البحث "المیسرة" لیعد من أصعب العقبات التی تحول دون تشغیل الاتجاهات النقدیة الغربیة فی العلاقات الدولیة. یطور النقدیون الغربیون لأجل هذا مناهجهم البحثیة، استکفوا من حدیث عام عن أهمیة النظر الانعکاسی reflexivist،  بدأوا یشرحون لقرائهم المبتدئین کیف یسألون أسئلة الفهم لا أسئلة التفسیر، وکیف یجیبون علیها إجابات تتجاوز التفکیک بغرض الکشف عن التحیزات إلى الترکیب وبناء تصورات بدیلة. [cxxii] تبدو المهمة أولى بالنسبة لمنظور حضاری إسلامی، فرغم ما تحمله مناهجه من اختلاف عن المألوف فی العلم، إلا أنها مناهج مستقرة منذ مئات السنین ولیست فی مرحلة تأسیس وبناء ومراجعة.

تجدر الإشارة فی هذا السیاق إلى أن المشروع المؤسس، المشروع الأم، یختلف فی طبیعته عن مشروعات تولدت عنه وسارت فی حماه، التفتت إلى واقع المسلمین وقضایاهم فی عالم متغیر کحولیة "أمتی فی العالم" على سبیل المثال أو مشروعات انطلقت بالأساس من منطلق الرغبة فی الاشتباک مع العلم الغربی ومراجعته کما فی مجموعة ملخصات الرسائل العلمیة التی حوتها ثلاثیة مجلدات "العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة"، تلک المجلدات الضخمة التی جمعت ملخصات لمعظم –ولیس کل- ما أشرفت علیه أ.د. نادیة مصطفى من رسائل فی قسم العلوم السیاسیة بکلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة تحت مظلة منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة.[cxxiii]آثرت لذلک أ.د. نادیة مصطفى فی تحریرها للمجلدات الضخمة أن تقسم أجزاءها ما بین المفاهیم والفواعل والعملیات الدولیة واقترابات منهاجیة واتجاهات نظریة ما بعد وضعیة وما بعد واقعیة وقضایا؛ تقسیمة یألفها دارس العلاقات الدولیة بمدارسها الغربیة.

خرج العمل فی صورة جماعیة وإن لم یعمل المشارکون فیه جماعیا، غلب على الدراسات الحس الحضاری، بینما ساهمت کل الدراسات بالکشف عن تحیزات للخبرة والرؤیة المعرفیة الغربیة، أفردت بعض الدراسات فقط مساحات منفصلة للکشف عن مقولات وافتراضات منظور حضاری إسلامی مستعینة فی ذلک فی الغالب بمصادر إسلامیة ثانویة، لکن کانت محدودیة العلم بالعلوم الشرعیة عائقا أساسیا أمام البناء من مصادر أصلیة!

عمل الجمیع متأثرین بـ"منهاجیة" منظور حضاری إسلامی، فتأثر الجمیع بالرؤیة المعرفیة الإسلامیة؛ بتکاملیة أبعاد التحلیل ومستویاته وبرفض إمکانیة الفصل بین القیم والواقع وباستحضار منطق القراءتین –حیث لا تعارض بین العقل والوحی، وغیرها من سمات وخصائص کبرى للرؤیة المعرفیة الإسلامیة، أما "المناهج" –اقترابات البحث ذاتها- فجاء معظمها –إن لم یکن کلها- غربی غیر ذی خصوصیة إسلامیة. فدرست الدولة القومیة والأحلاف والقوة والحرب العادلة ودرس التغیر فی النظام الدولی والتغیر فی السیاسة الخارجیة وغیرها من المسائل بخطوات "منهجیة" مستمد أغلبها من المناهج الغربیة. لیس هذا نقدا بقدر ما هو ملاحظة بدیهیة فی ضوء ما سبقت الإشارة إلیه من أن هذه الدراسات کانت تتحرک بدافع الاشتباک مع أطروحات نظریة غربیة بکل ما تنتجه هذه الأخیرة من أدوات للفهم والنظر على مستوى المفاهیم ومناهج البحث وإشکالیات الدراسة والنظریات، لتؤصل للحاجة إلى منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة لا تعبر المنظورات الحضاریة الغربیة السائدة عن أولویاته واحتیاجاته وإمکانیاته. إن الکشف عن ملامح حضاریة العلم الغربی، ومن ثم المشارکة بجد فی هدم أسطورة عالمیة المفاهیم وعالمیة النظریات وعالمیة العلم من رؤیة إسلامیة لبالإنجاز الکبیر الذی قدمه أبناء "الجیل الثالث" من أبناء منظور حضاری إسلامی.

لکن على الرغم من أهمیة هذا الإنجاز الکبیر، إلا أن أحدا من الباحثین  فی المجلدات الثلاثة لم یستعن بـ "مناهج البناء" من منظور حضاری إسلامی إلا فیما ندر، فلم یخبرنا أحد هؤلاء الباحثین کیف تفکک المفاهیم ویعاد ترکیبها وفق منهج إسلامی، ولم یخبرنا أحدهم کیف نتعامل مع خلاف فقهی حول مسائل العلاقات الدولیة وقضایاها، ولم یخبرنا أحدهم أی خلاف فقهی یعتد به أو کیف نقرأ السیرة أو متى نحتکم إلى الخبرة التاریخیة الإسلامیة؟ وغیرها الکثیر.. وتظل هذه مهمة ضخمة ملقاة على عاتق أبناء الجیل الثالث والرابع فی مراحل قادمة من تطویر منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة، شریطة أن یرکزوا على مناهج البناء والتوظیف دون أن یتجاوزوا الخیط الفاصل بین دراسات إسلامیة (فی موضوعات دولیة) وبین منظور حضاری إسلامی للعلاقات الدولیة.

من هنا تتجلى أهمیة إضافیة للتشبیک مع الدائرة العربیة والإسلامیة حیث قد یستفید المنظور من ثراء التخصصات وتنوعها.

ثانی التحدیات، ما یرتبط باستمرار انتماء المنظور إلى حقل العلاقات الدولیة تحدیدا وهو الأمر الذی قد یحول دون الکشف عما یحمل من إمکانیات فی العلوم السیاسیة والعلوم الاجتماعیة -کما ارتأى له کل المشارکین فی تأسیسه أن یکون. فلا زال المنظور -فی داخل کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة على الأقل- منتسبا إلى حقل العلاقات الدولیة مهما تشعبت اهتماماته، ومهما شغلته مراجعات مفهوم الدولة القومیة أو المواطنة أو الحزبیة أو المصلحة الوطنیة ومهما شغلته قضایا الداخل الإسلامی فی مناطق مختلفة من العالم. ومن ثم یواجه المنظور تحدی إعادة ترتیب هذا المجهود الضخم الذی تم إنجازه على مدار السنوات تحت عنوان "منظور حضاری إسلامی فی العلوم السیاسیة" –یحتفظ بإنجاز أساسی، ألا وهو أنه یأتی مشتبکا مع العلوم السیاسیة ومقولاتها الأساسیة من داخلها لا من خارجها.

ویرتبط بهذه المسألة بالضرورة الحاجة إلى تقدیم منظور حضاری إسلامی فی العلوم السیاسیة للطلبة فی مرحلة البکالوریوس من خلال مقرر دراسی کامل مستقل ومنفصل –ولو اختیاری- یجعل من مقررات مبادئ العلوم السیاسیة ونظریة العلاقات الدولیة والنظریة السیاسیة متطلبات مسبقة له بحیث یتاح للطلبة التمییز بین دراسة العلوم السیاسیة من مداخل وضعیة وبین دراستها من مداخل غیر وضعیة. فلا جدوى من حدیث عن تعددیة فی مناهج دراسة وتدریس العلوم السیاسیة من دون اقتسام حقیقی للموارد أو الفرص.  ناهیک عن أن قصر تدریس تفاصیل منظور حضاری إسلامی على مرحلة الدراسات العلیا یعنی قطیعة بین کل من لا یستکمل دراساته العلیا وبین المنظور، ومن ثم یحرم الطالب من أبسط حقوقه فی التعرف على ما بالعلم من تنوع وتعدد. 

          أخیرا نقول: لیس من الإنصاف القول بأن منظور حضاری إسلامی هو منظور منفصل عن العلم، أو أن مراحل تطور منظور حضاری إسلامی جاءت منبتة الصلة عن مراحل تطور منظورات سائدة وأخرى نقدیة فی علم العلاقات الدولیة أو أنه منظور استعلائی یسیر غیر ملتفت لخبرات بشریة غربیة وغیر غربیة -فهو فی واقع الأمر یستمد الکثیر من مشروعیته من الالتفات إلى هذه الخبرات والاشتباک معها- أو أنه منظور جامد لم یمر بمراحل تطور عبر أجیاله، لکن من الإنصاف أن نقول أن منظور حضاری إسلامی هو منظور ذو خصوصیة علیه أن یستمر فی الدفاع عنها ضمن أولویات مرحلته القادمة.

 

[1] راجع فی هذا الصدد:
- سیف الدین عبد الفتاح: إسهامات حامد ربیع فی دراسة التراث السیاسی الإسلامی، فی حسن نافعة وعمرو حمزاوی (محرران): تراث ربیع بین کفاحیة العالم ومقتضیات المنهج، أعمال ندوة احتفالیة حامد ربیع، قسم العلوم السیاسیة، جامعة القاهرة، 2003، الجزء الأول
-سیف الدین عبد الفتاح: إسهامات حامد ربیع فی دراسة التراث السیاسی الإسلامی، فی حسن نافعة وعمرو حمزاوی (محرران): تراث ربیع بین کفاحیة العالم ومقتضیات المنهج، أعمال ندوة احتفالیة حامد ربیع، قسم العلوم السیاسیة، جامعة القاهرة، 2003، الجزء الثانی
[1] راجع على سبیل المثال:
منى أبو الفضل ونادیة مصطفى، مقدمة التحریر، فی: منى أبو الفضل ونادیة مصطفى (تحریر السلسلة)، سلسلة التأصیل النظری للدراسات الحضاریة، (القاهرة: برنامج الدراسات الحضاریة وحوار الثقافات، دمشق: دار الفکر، 2008)
[1]أحمد عبد الونیس، سیف الدین عبد الفتاح، وعبد العزیز صقر، المداخل المنهاجیة للبحث فی العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: نادیة محمود مصطفى (إشراف وتحریر)، مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، (القاهرة: المعهد العالمی للفکر الإسلامی، 1996)،  الجزء الثالث
[1] - مصطفى منجود، الدولة الإسلامیة وحدة التعامل الخارجی فی الإسلام، فی: المرجع السابق، الجزء الرابع.
- أحمد عبد الونیس، الأصول العامة للعلاقات الدولیة فی الإسلام وقت السلم، فی: المرجع السابق، الجزء الخامس.
- عبد العزیز صقر، العلاقات الدولیة فی الإسلام وقت الحرب: دراسة للقواعد المنظمة لسیر القتال، فی: المرجع السابق، الجزء السادس.
[1] - نادیة محمود مصطفى، مدخل منهاجی لدراسة تطور وضع ودور العالم الإسلامی فی النظام الدولی، فی: المرجع السابق، الجزء السابع.
- علا أبو زید، الدولة الأمویة.. دولة الفتوحات )41- 132هـ، 661- 750م( من استئناف الدولة الأمویة القوى والمؤثر لحرکة فتوحات الراشدین إلى بلوغ المد الفتحی حدوده الطبیعیة فی المشرق والمغرب، فی: المرجع السابق، الجزء الثامن.
- علا أبو زید، الدولة العباسیة من التخلی عن سیاسات الفتح إلى السقوط )132- 656هـ، 750- 1258م(، فی: المرجع السابق، الجزء التاسع.
- نادیة محمود مصطفى، العصر المملوکی من تصفیة الوجود الصلیبی إلى بدایة الهجمة الأوروبیة الثانیة )642- 923هـ، 1258- 1517م(، فی: المرجع السابق، الجزء العاشر.
- نادیة مصطفى: العصر العثمانی من القوة والهیمنة إلى بدایة المسألة الشرقیة، فی: المرجع السابق، الجزء الحادی عشر.
- ودودة بدران: وضع الدول الإسلامیة فی النظام الدولی فی أعقاب سقوط الخلافة (1924-1991)، فی: المرجع السابق، الجزء الثانی عشر.
[1]أما بخصوص الفکر السیاسی فراجع: - نادیة مصطفى: العلاقاتالدولیة فی الفکر السیاسی الإسلامی: الإشکالیات المنهاجیة وخریطة النماذج الفکریة ومنظومة المفاهیم، (القاهرة: مرکز الحضارة للدراسات السیاسیة ودار السلام للطباعة والنشر والتوزیع، 2013)
[1]- سیف الدین عبد الفتاح، مدخل القیم إطار مرجعی لدراسة العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: المرجع السابق، الجزء الثانی
[1] لأهداف ومنطلقات ومنهاجیة مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، انظر:
- نادیة محمود مصطفى: المقدمة العامة للمشروع، فی: نادیة محمود مصطفى (إشراف وتحریر)، مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام ، مرجع سابق، الجزء الأول
- ودودة بدران، دراسة العلاقات الدولیة فی الأدبیات الغربیة ومشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: المرجع السابق
-  سیف الدین عبد الفتاح، مدخل القیم إطار مرجعی لدراسة العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: المرجع السابق، الجزء الثانی.
ولمزید من التفاصیل حول الدوافع المعرفیة (خصوصیة النموذج المعرفی الإسلامی)، والدوافع العلمیة (مراجعة حالة العلم والمشارکة فی مواجهة أزمته)، والدوافع العملیة (خدمة دواعی التغییر العالمی) لبناء منظور حضاری إسلامی فی العلاقات الدولیة، انظر:
- نادیة محمود مصطفى، "إشکالیات البحث والتدریس فی علم العلاقات الدولیة من منظور حضاری مقارن"، فی: أحمد فؤاد باشا وآخرون، المنهاجیة الإسلامیة، (القاهرة: المعهد العالمی للفکر الإسلامی ودار السلام للطباعة والنشر والتوزیع والترجمة، 2010)، الجزء الثانی، صص 826-861
[1] نادیة محمود مصطفى، "العلاقات الدولیة فی الإسلام: نحو تأصیل من منظور الفقه الحضاری"، المسلم المعاصر، السنة الرابعة والثلاثون، العدد 133-134، (القاهرة: جمعیة المسلم المعاصر، 2009)، ص 129
[1] حول معنى المنهجیة والمنهاجیة الإسلامیة فی العلوم وأهمیتها راجع:
-          فتحی حسن ملکاوی، المنهاج والمنهاجیة: طبیعة المفهوم وأهمیته والمفاهیم والمصطلحات ذات العلاقة، فی: أحمد فؤاد باشا وآخرون، مرجع سابق، صص 29-68
راجع أیضا حول منهاجیة منظور حضاری إسلامی:
  -  سیف الدین عبد الفتاح، مدخل القیم إطار مرجعی لدراسة العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: نادیة محمود مصطفى (إشراف وتحریر)،  مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، مرجع سابق، الجزء الثانی.
- أحمد عبد الونیس، سیف الدین عبد الفتاح، وعبد العزیز صقر، المداخل المنهاجیة للبحث فی العلاقات الدولیة فی الإسلام، فی: مرجع سابق، الجزء الثالث.
[1]وهو الاسم الذی أصبح یحمله المرکز منذ عام 2018
[1]أمتى فی العالم، حولیة قضایا العالم الإسلامی، (القاهرة: مرکز الحضارة للدراسات السیاسیة)، ومن بین أعدادها:
العدد الأول (1998): رکَّز على قضیة "الأمة والعولمة"
العدد الثانی (1999): "العلاقات البینیة داخل الأمة"
العدد الثالث والرابع (2000/ 2001): عدد خاص تحت عنوان "الأمة فی قرن"
العدد الخامس (2001/2002): "تداعیات الیوم الأمریکی: الحادی عشر من سبتمبر على أمة الإسلام"
العدد السادس (2005): "الحرب على العراق وتداعیاتها على الأمة"
العدد السابع (2007): "الإصلاح فی الأمة بین الداخل والخارج"
العدد الثامن (2008): "الأمة ومشروع النهوض الحضاری: حال الأمة 2008" 
العدد التاسع (2009): "غزة بین الحصار والعدوان: قراءة فی الدلالات الحضاریة"
العدد العاشر (2010): "الحالة الثقافیة للعالم الإسلامی"
العدد الحادی عشر (2011-2012): "الثورة المصریة والتغییر الحضاری والمجتمعی"
العدد الثانی عشر (2012-2014( : "عامان من تحولات الثورة المصریة"
العدد الثالث عشر (2017): "المشروع الحضاری الإسلامی: الأزمة والمخرج"
[1] راجع حول ملخص لبعض من الرسائل التی أشرفت علیها أ.د. نادیة مصطفى -وهی من أهم رواد المنظور فی جیله الثانی:
نادیة محمود مصطفى (تحریر)، العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة، (القاهرة: مرکز الحضارة للدراسات السیاسیة، 2016)
[1]راجع دراسة مختصرة حول هذه المسألة:
-          ودودة بدران،"دراسة العلاقات الدولیة فی الأدبیات الغربیة ومشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام"، فی: نادیة مصطفى وسیف الدین عبد الفتاح (تحریر)، العلاقات الدولیة بین الأصول الإسلامیة وبین خبرة التاریخ الإسلامی، أعمال ندوة مناقشة مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، (مرکز البحوث والدراسات السیاسیة، جامعة القاهرة: القاهرة، 2000)، المجلد الأول
راجع أیضا:
-          "سیف الدین عبد الفتاح، مدخل القیم: إطار مرجعی لدراسة العلاقات الدولیة فی الإسلام"، فی: نادیة محمود مصطفى (إشراف وتحریر)، مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، مرجع سابق
[1]نادیة محمود مصطفى، مدخل منهاجی لدراسة تطور وضع ودور العالم الإسلامی فی النظام الدولی، فی: المرجع السابق، الجزء السابع.
[1] راجع فی هذا الصدد: نادیة مصطفى، إشکالیات البحث والتدریس فی علم العلاقات الدولیة من منظور حضاری مقارن، مرجع سابق، صص 876- 898
[1] وذلک حسب تصور شهیر لـ Thomas Kuhn فی:
Thomas S. Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, International Encyclopedia of Unified Science Volume 2, Number 2, (London and Chicago: The University of Chicago Press, 1970), 2nd ed., pp. 92-136
[1]انظر صفحة "المنظور الحضاری الإسلامی" على موقع مرکز الحضارة للدراسات والبحوث:
www.hadaracenter.com
[1]راجع على سبیل المثال ترجمة حدیثة لدراسة للدکتور إسماعیل راجی الفاروقی نشرها المعهد العالمی للفکر الإسلامی بکوالالمبور فی عام  2198: إسماعیل راجی الفاروقی، التوحید: مضامینه على الفکر والحیاة، السید عمر (ترجمة)، (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2014)، صص 93-107
[1]راجع على سبیل المثال:
نادیة محمود مصطفى، مسار علم العلاقات الدولیة بین جدال المنظورات الکبرى واختلاف النماذج المعرفیة، فی: نادیة محمود مصطفى (تحریر)، العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة، مرجع سابق، صص 60-70
Steve Smith, “‘The Self-Images of a Discipline: A Genealogy of International Relations Theory”, in Ken Booth and Steve Smith (eds.), International Relations theory today, (Cambridge, Polity Press, 1995), pp. 1-37
[1]لشرح إشکالیة العلاقة بین البنائیة الوضعیة والبنائیة ما بعد الوضعیة انظر على سبیل المثال:
Hannes Peltonen, “A tale of two cognitions: The Evolution of Social Constructivism in International Relations”,Brasília , Vol.60, no.1, 2017, link: http://www.scielo.br/ scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0034-73292017000100214
[1]راجع على سبیل المثال:
Stephen Mcglinchey, Rosie Walters and Christian Scheipflug, Getting started with International Relations Theory, in: Stephen Mcglinchey, Rosie Walters and Christian Scheipflug (eds), International Relations Theory, (Bristol, e-IR publications, 2017), p. 2
نهض تقسیم الکتاب على اعتبار کل هذه الاتجاهات النظریة النقدیة بمثابة نظریات مستقرة فی حقل العلاقات الدولیة إلى جوار النظریات التقلیدیة الواقعیة واللیبرالیة وغیرهما، وأفرد مساحة منفصلة لما أسماه بنظریات "فی طور التوسع أو النشأة" مثل النظریة الخضراء ونظریة الأمننة والعدالة العالمیة والجغرافیا النقدیة والرؤى الآسیویة، إلخ..
[1] راجع على سبیل المثال:
Miguel de Larrinaga, "Disciplining the Self-image of the Discipline: IR Metatheory and the Political", Paper presented at the 2007 International Studies Association Annual Convention, (Chicago, Illinois: February 28-March 3), allacademic.com
[1]نادیة محمود مصطفى، مسار علم العلاقات الدولیة بین جدال المنظورات الکبرى واختلاف النماذج المعرفیة، مرجع سابق، صص 122-163
[1]Navnita Chadha Behera, “Re-imagining IR in India”, International Relations of the Asia-Pacific, Vol. 7, 2007, pp.  350-355
[1]Amitav Acharya, “Dialogue and Discovery: In Search of International Relations Theory beyond the West”, Millenium, 39 (3), 2011,, p. 636
[1] Hakam Junus and Natassha Chrysanti, “The Islamic Perspective in International Relations”,International Journal of Humanities and Social Sciences, Vol. 9, No.10, 2015
[1]Hamad Alruwaih, Islamic Agents, Structure, and International Relations: Ontology as Faith, Durham theses, Durham University, 2014. Available at Durham E-Theses Online: http://etheses.dur.ac.uk/10581/,
[1]راجع على سبیل المثال:
سیف الدین عبد الفتاح، د. علی جمعة، بناء المفاهیم: دراسة معرفیة ونماذج تطبیقیة، (القاهرة: المعهد العالمی للفکر الإسلامی، دار السلام للطباعة والنشر والتوزیع والترجمة، 2008)
سیف الدین عبد الفتاح، بناء المفاهیم الإسلامیة السیاسیة: ضرورة منهجیة، فی: الطیب زین العابدین (محرر)، المنهجیة الإسلامیة فی العلوم السلوکیة، (واشنطن: المعهد العالمی للفکر الإسلامی، 1992)
 
[1]Amr S. Sabet, “The Islamic Paradigm of Nations: Towards a Neo-classical Approach”, Religion, State and Society, Vol. 31, No. 2, 2003, pp. 181-198.
[1] سیف الدین عبد الفتاح، الزحف غیر المقدس: تأمیم الدولة للدین، (بیروت: الشبکة العربیة للأبحاث والنشر، 2016)،  صص 9-79
[1] راجع أیضا فی هذا الصدد:
أمانی صالح، منهجیة التجدید من خلال الاستفادة من بعض الاقترابات والمفاهیم والأدوات الغربیة: نموذج لتوظیف الاقتراب البنائی الوظیفی، فی: أحمد فؤاد باشا وآخرون، المنهجیة الإسلامیة، (القاهرة: المعهد العالمی للفکر الإسلامی ودار السلام للطباعة والنشر والتوزیع والترجمة، 2010)، صص 754-790
[1]Sankaran Krishna, “A Postcolonial Racial/ Spatial Order”, in: Alexander Anievas, Nivi Manchanda and Robbie Shilliam (eds.), Race and Racism in International Relations: Confronting the Global Colour Line, (Routledge, 2015), p. 139, 140
[1]راجع فی هذا الصدد على سبیل المثال:
Columba Peoples and Nick Vaughan Williams, Critical Security Studies: an Introduction, (New York: Routledge, 2015), pp. 4-7
[1]عبد الوهاب المسیری، فقه التحیز، فی عبد الوهاب المسیری (تحریر)، إشکالیة التحیز:رؤیة معرفیة ودعوة للاجتهاد، (فیرجینیا: المعهد العالمی للفکر الإسلامی، 1996 (نسخة منقحة ومزیدة)، الجزء الأول، ص 72، 73
[1]راجع فی هذا الصدد: نادیة مصطفى، إشکالیات البحث والتدریس، مرجع سابق، صص 831-833
[1] Nassef Manabilang Adiong, International Relations and IR (Introduction), in: Nassef Manabilang Adiong (ed.), International Relations and Islam: Diverse Perspectives, Cambridge Scholars Publishing, 2013, p. 4
[1]Luca Mavelli and Fabio Petito (eds.), “The Postsecular in International Relations: an overview”, Review of International Studies, Cambridge Journals, 28 (5), pp. 930-933
[1] راجع على سبیل المثال فهم Eva Bellin لمعنى الإیمان:
Eva Bellin, Faith in Politics: New Trends in the Study of Religion and Politics, Review Article, World Politics, Vol. 60, January 2008, pp. 315–347
راجع أیضا نقد Adrian Pabst لطرح Habermas المؤسس لتعبیر "ما بعد العلمانیة":
Adrian Bapst, “The secularism of post-secularity: religion, realism, and the revival of grand theory in IR”, International Studies, 38, , 2012, pp. 995–1017
[1]راجع دراسة هامة حول مساوئ النسبیة فی المنطق النقدی:
Branwen Gruffydd Jones, From Eurocentrism to Epistemological Internationalism: Power, Knowledge and Objectivity in International Relations, paper presented at: Theorizing Ontology, Annual Conference of the International Association for Critical Realism, University of Cambridge, August 2004
 
[1]Ibid
[1] راجع على سبیل المثال:
Tariq Alrifai, Islamic Finance and the New Financial System: An Ethical Approach to Preventing Future Financial Crises, (Singapore: Wiley, 2015)
[1]راجع على سبیل المثال: نادیة محمود مصطفى، العدالة والدیمقراطیة: التغییر العالمی من منظور نقدی حضاری إسلامی، (بیروت: الشبکة العربیة للأبحاث والنشر، 2015)
[1] أحمد شوقی بدوی، الاقتصاد السیاسی الدولی للسیاسیات الأوروبیة تجاه الهجرة غیر الشرعیة (2014-2015)، نادیة مصطفى وأمیرة أبو سمرة (إشراف)، رسالة ماجستیر، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، جامعة القاهرة، 2018
[1] راجع على سبیل المثال:
نادیة محمود مصطفى وسیف الدین عبد الفتاح (تنسیق علمی وإشراف)، وسام الضوینی (مراجعة)، أزمات حوار الثقافات والأدیان، فی سلسلة ندوات الموسم الثقافی (5)، (القاهرة: مرکز الدراسات الحضاریة وحوار الثقافات، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، 2010)
Nadia M. Mostafa, Arab Islamic Debates on Dialogue and Conflict between Cultures, in: Bjorn Hettne (ed.), Human values and Global Governance, Studies in Development, Security and Culture, Vol. 2, (New York: Palgrave Macmillan, 2008)
[1]Nadia M. Mustafa, "The missing Logic in the Discourse of Peace and Violence in Islam, (in): Abdul Aziz Said, Mohammed Abu- Nemer, Meena Sharify- Funk (eds.), Contemporary Islam: Dynamic not Static,  (London and New York: Routledge, 2006)
[1]راجع على التوالی کلا من:
-         أمانی غانم، الفواعل الدینیة عبر القومیة: الحرکات السیاسیة الإسلامیة نموذجا، فی: نادیة مصطفى (تحریر)، العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة، مرجع سابق، صص 743-845
-         شیماء بهاء الدین، النخب والتغیر فی السیاسة الخارجیة والجوار الحضاری: مفاهیم مقارنة، فی: المرجع السابق، صص 332-458
-         سماح عبد الصبور، القوة الذکیة فی السیاسات الخارجیة للدول: بین النظریة والتطبیق، فی: المرجع السابق، صص 264-330
-         فاطمة أبو زید، العملیات الدولیة فی منظورات مقارنة، فی: المرجع السابق، صص 999-1103
-         أمیرة أبو سمرة، البعد المعیاری لاستخدام القوة العسکریة فی العلاقات الدولیة، فی: المرجع السابق، صص 1628-1732
[1] وقد تکون دراسة Robert Cox عن الاستعانة بإسهام ابن خلدون فی فهم التغییر فی النظام العالمی بمثابة الاستثناء الذی یثبت القاعدة:
Robert Cox, “Towards a Post-hegemonic Conceptualization of World Order: Reflections on the Relevancy of Ibn Khaldun”, in: James Rosenau and Ernst-Otto Czempiel, Governance without Government: Order and Change in World Politics, 1992, pp. 132-157
[1] راجع على سبیل المثال کیف وجدت  Molly Cochan فی إثارة الإشکالیات المعرفیة سبیلا لتطویر وتعمیق مقولات النظریة القیمیة المنحصرة فی مساحة الجدل الأونطولوجی ما بین الکونیین والمجتمعیین حول أیهما أولى بالالتفات إلیه: حقوق الفرد داخل الدولة أم حقوق الفرد المنتمی للإنسانیة:
Molly Cochan, Normative Theory in International Relations: a Pragmatic Approach, Preface, (Cambridge: Cambridge University Press, 1999), p.xv -xx
[1]إبراهیم البیومی غانم، تعقیب على أوراق العمل، فی: نادیة مصطفى وماجدة إبراهیم (تحریر)، إشکالیات تفعیل وتطبیق المنظور الحضاری الإسلامی فی البحوث وقضایا العلاقات الدولیة، أعمال الحلقة النقاشیة 18 سبتمبر 2018، تاریخ النشر على موقع مرکز الحضارة للدراسات 28 ینایر 2019، صص 131-131
الرابط الإلکترونی:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1842:2019-01-28-15-57-36&catid=419&Itemid=558
[1] Faye Donnelly, “Critical Security Studies and Alternative Dialogues for Peace: Reconstructing ‘Language Barriers’ and ‘Talking Points’”, in: Oliver P. Richmond, Sandra Pogodda and Jasmin Ramovic (eds.), The Palgrave Handbook of Disciplinary and Regional Approaches to Peace, ( New York: Palgrave Macmillan, 2016),  P. 275, 276
[1]Amitav Acharya and Barry Buzan, Why Is There No Non-Western International Relations Theory? An Introduction, International Relations of the Asia-Pacific, Vol. 7 No. 3, 2007, pp. 287-312
سیصبح المقال فیما بعد مقدمة لکتاب محرر:
Amitav Acharya and Barry Buzan (eds. ), Non-Western International Relations Theory: Perspectives on and beyond Asia, (London: Routledge, 2010)
[1]Ibid
 
[1]راجع فی هذا الصدد ملخص لأبرز مقولات الکتاب قدمه المحرران فی مقالهما عام 2017:
Amitav Acharya and Barry Buzan, “Why is there no Non-Western IR Theory? Ten Years on”, International Relations of the Asia-Pacific, Volume 0, 2017, p. 2
[1]Ibid, pp. 1–30
[1]Ibid, p. 7, 8
[1]Branwen Gruffydd Jones, op cit, p. 8
[1] Amitav Acharya, “Dialogue and Discovery: In Search of International Relations Theory beyond the West”, op cit, p. 621,622
[1]Uma Narayan, Essence of Culture and a Sense of History: A feminist critique of cultural essentialism, Hypatia, 13, 1998, pp. 86-106
[1]Ibid, p. 628
[1]Amitav Acharya and Barry Buzan,“Why is there no Non-Western IR Theory? Ten Years on”, op cit, p. 7
[1]راجع فی هذا الخصوص على سبیل المثال:
Mona Abul-Fadl, Where East meets West: Appropriating the Islamic Encounter for a Spiritual-Cultural Revival, (London, Washington: The International Institute of Islamic Thought, 1992), pp 16, 17
[1]نادیة مصطفى، مسار علم العلاقات الدولیة بین جدال المنظورات الکبرى واختلاف النماذج المعرفیة، مرجع سابق، ص 146
[1] راجع على سبیل المثال حول نقد لعدم التفات التصور الغربی السائد للدولة القومیة للأبعاد الروحیة غیر المادیة:
Navnita Chadha Behera, op cit, p.  351
[1]Giorgio Shani, “Toward a Post-Western IR: The Umma, Khalsa Panth and Critical International Relations Theory”, International Studies Review, 10, 2008, p. 730
[1] راجع على سبیل المثال: أمانی صالح، توظیف المفاهیم الحضاریة فی التحلیل السیاسی: الأمة کمستوى للتحلیل، فی: منى أبو الفضل ونادیة مصطفى (تحریر السلسلة)، سلسلة التأصیل النظری للدراسات الحضاریة، (القاهرة: برنامج الدراسات الحضاریة وحوار الثقافات، دمشق: دار الفکر،2008)، الجزء الخامس
[1] Navnita Behera, op cit, p. 359
[1] Giorgio Shani, op cit, p. 724
[1]Gunther Hellann, “International Relations as a Field of Study”, International Encyclopedia of Political Science, 2011, pp. 11-16
[1] عبد الوهاب المسیری، مرجع سابق، ص 104
[1]Amitav Acharya, “Dialogue and Discovery: In Search of International Relations Theory beyond the West”, op cit, p. 622
[1] راجع فی هذا الخصوص:
Mona Abul-Fadl, Where East meets West: The West on the Agenda of the Islamic Revival, Islamization of Knowledge Series, No. 10, (Virginia: The International Institute of Islamic Thought, 1992)
[1]رابط توصیف المقرر
http://schools.aucegypt.edu/huss/pols/outlines/Documents/Spring2015_Syllabi/PS5203_Pinfari.pdf
[1] رابط توصیف المقرر:
http://www.fubis.org/2_prog/term_3/B-Track/3_18_int_relations.html
[1] رابط المقرر:
https://programsandcourses.anu.edu.au/course/POLS3017
[1] رابط المقرر:
https://www.kcl.ac.uk/study/courses-data/modules/4/international-relations-theory-4ssw1006.aspx
[1] رابط المقرر:
https://studiegids.leidenuniv.nl/en/courses/show/65535
[1] رابط المقرر:
https://www.uio.no/studier/emner/sv/statsvitenskap/STV4224/index.html
[1] رابط المقرر:
http://psi303.cankaya.edu.tr/course.php?page=Syllabus
[1]رابط مقررات العلاقات الدولیة بالجامعة:
https://www.ceu.edu/unit/ir
[1]رابط المقرر:
http://www.drps.ed.ac.uk/15-16/dpt/cxpgsp11156.htm
[1] رابط المقرر:
https://www.postgrad.com/london-school-of-economics-and-political-science-university-of-london-international-relations-international-relations-theory/course/329353/
[1]رابط کلیة Rockefellerمقرر:
رابط مقرر ولایة جورجیا الشمالیة الأمریکیة:
https://ung.edu/political-science-international-affairs/_uploads/files/syllabi/2016-fall/Syllabus-16Fa-POLS_7011-OLA-Greathouse.pdf
[1]رابط المقرر:
http://www.nunomonteiro.org/wp-content/uploads/Syllabus-IR-Field-Seminar-NPM10.pdf
[1]رابط المقرر:
https://anu.campusconcourse.com/view_syllabus?course_id=2151
[1] رابط المقرر:
[1]رابط مقررات الجامعة:
http://www.cug.ac.in/academic_programmes/school_of_international_studies/c_sis_ipg.php
[1]وهی دراسة تطرح إشکالیات معرفیة فی نظریة العلاقات الدولیة:
Mustapha Kamal Pasha (2017), Islam and International Relations: Fractured Worlds, Taylor and Francis, April (eBook).
رابط المقرر:
http://www.sau.int/pdf/1.Advanced%20Theory%20of%20International%20Relations.pdf
[1]رابط برامج العلاقات الدولیة فی عدد من الجامعات البرازیلیة:
https://www.bachelorstudies.com/Bachelor/International-Relations/Brazil/
[1]رابط المقرر:
http://www.summer.cuhk.edu.hk/2017/12/18/glbs3101-theories-and-practices-of-international-relations/
[1] موقع جامعة إسرائیل المفتوحة:
https://www-e.openu.ac.il/academic/studies-toward-degree.html
[1] رابط برامج الماجستیر المطروحة من قبل الجامعات الإسرائیلیة:
https://www.mastersportal.com/studies/173458/international-studies.html
[1]وهو مقرر أشرف بمشارکة أستاذتی أ.د. نادیة مصطفى فی تدریسه وتطویر محتواه منذ العام الجامعی 2014/ 2015
[1] Ibid, p. 106
[1] William T. Cavanaugh, The Myth of Religious Violence, in: Andrew Murphy (ed.), Religion and Violence, (Blackwell Publishing Ltd., 2011), p. 28
[1]Robert M. Bosco, “Persistent Orientalisms: The Concept of Religion in International Relations”, Journal of International Relations and Development, 12, 2019, pp. 90-106
[1] Nassef Manabilang Adiong, International Relations and IR (Introduction),op cit, p. 3-10
[1] Nassef Manabilang Adiong, Religion, International Relations, and ‘Philippine IR’, Southeast Asia Research Centre Working Paper Series, No. 180, 2016, pp. 1-15
[1]لم تلتفت هذه الورقة إلى أدبیات تتناول إشکالیة الدین ونظریة العلاقات الدولیة بوجه عام مثل:
Jack Snyder (ed.), Religion and International Relations Theory, Religion, Culture and Public Life Series, (Columbia University Press, 2011)
ولم تلتفت إلى أدبیات تنتشر بطول حقل العلاقات الدولیة وعرضه تعبر عن صدمتها من بقاء الإسلام -والدین عموما- على قید الحیاة کفاعل مؤثر رغم کل نبؤات نظریات الحداثة والعلمنة بحتمیة زواله؛ مثله فی ذلک مثل غیره من الولاءات والانتماءات الأولیة أو البدائیة التی حکم علیها التنویر الأوروبی بالزوال متى تطورت المجتمعات وعرفت طریقها إلى الحداثة. راجع على سبیل المثال:
Gilles Kepel, The Revenge of God: The Resurgence of Islam, Christianity, and Judaism in the Modern World,  Alan Braley (translation), (Cambridge, 1994)
صبت الورقة جل ترکیزها فی هذا الجزء على أدبیات ادعت أن المرجعیة الإسلامیة یمکن لها أن تقدم إسهاما نظریا فی العلاقات الدولیة. ولم تستعن فی هذا الجزء سوى بمصادر مکتوبة باللغة الإنجلیزیة، حیث اعتبرت أن المکتوب باللغة الإنجلیزیة عن هذه المسألة عموما وعن منظور حضاری إسلامی خصوصا هو مؤشر على قدر ما حققه المنظور من انتشار فیما وراء العالم العربی بلغة یفهمها معظم المشتغلین بنظریة العلاقات الدولیة على مستوى العالم.  لا ینفی هذا بحال أن منظور حضاری إٍسلامی أصبح له مریدوه من داخل الدائرة الأکادیمیة العربیة خاصة فی دول المغرب العربی، والسودان، وعدد من دول الخلیج العربی. راجع على سبیل المثال:
محمد الدیب، فی: نادیة مصطفى وماجدة إبراهیم (تحریر)، إشکالیات تفعیل وتطبیق المنظور الحضاری الإسلامی فی البحوث وقضایا العلاقات الدولیة، أعمال الحلقة النقاشیة 18 سبتمبر 2018، تاریخ النشر على موقع مرکز الحضارة للدراسات 28 ینایر 2019، صص 182-185
الرابط الإلکترونی:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1842:2019-01-28-15-57-36&catid=419&Itemid=558
[1]راجع:
-          John Turner, "Islam as a Theory of International Relations?", e-IR, 2009
-          John Turner, “Uncovering an Islamic Paradigm of International Relations”, in: Christopher Flood, Stephen Hutchings, Galina Miazbevich and Henri Nickels (eds.), Political and Cultural Representations of Muslims, pp 11-23
[1]Mohammad Abo-Kazleh, Rethinking International Relations Theory in Islam: Toward a more adequate approach, Alternatives: The Turkish Journal of International Relations, Vol. 5, no. 4, 2006, pp 41-57
[1] أحمد عبد الونیس، الأساس الشرعی والمبادئ الحاکمة للعلاقات الخارجیة للدولة الإسلامیة، فی: نادیة مصطفى وسیف الدین عبد الفتاح (تحریرمرجع سابق
[1] Reza Simbar, "The Changing Role of Islam in International Relations", Journal of International and Area Studies, Vol. 15, No. 2, 2008, pp. 55-68
[1] راجع على سبیل المثال:
-          Dina Abdelkader, Nassef Manabilang and Raffaele Mauriello, Islam and International Relations: Contributions to Theory and Practice, (New York, London: Palgrave Macmillan,2016)
-          Nassef Manabilang Adiong(ed.),International Relations and Islam: Diverse Perspectives, (Newcastle, UK: Cambridge Scholars Publishing, 2013)
[1]Nassef Manabilang Adiong, “Nation-State in IR and Islam”, Journal of Islamic State Practices in International Law, Volume 9, Number 1, Summer 2013, pp. 1-17
[1] مصطفى منجود، الدولة الإسلامیة وحدة التعامل الخارجی فی الإسلام، فی: نادیة محمود مصطفى (إشراف وتحریر)، مشروع العلاقات الدولیة فی الإسلام، مرجع سابق
[1] مروة فکری، التحولات العالمیة والدولة القومیة: دراسة نظریة، فی: نادیة محمود مصطفى (تحریر)، العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة، مرحع سابق، صص 460-544
[1]دراسة أ.د. عبد الحمید أبو سلیمان:
Abdulhamid Abusulayman, ‘Towards an Islamic Theory of International Relations: New Directions for Methodology and Thought’, (Washington: The International Institute of Islamic Thought, 1987)
دراسة Nassef Adiong المشار إلیها:
Nassef Manabilang Adiong, Possibility of Islamic Theory of International Relations, link: http://web.isanet.org/Web/Conferences/HKU2017-s/Archive/1ddc8830-ef98-41e3-84da-d2e6f4feac5f.pdf
[1]Raffaele Mauriello, “Towards an Islamic Contribution to International Relations Theory: Setting the Stage”, in: Deina Abdelkader, Nassef Manabilang Adiong and Raffaele Mauriello (eds.), Islam and International Relations: Contributions to Theory and Practice, (Palgrave Macmillan, 2016), pp. 1-6
[1]Ibid, p. 2
[1] عبد الحمید أبو سلیمان، النظریة الإسلامیة للعلاقات الدولیة، اتجاهات جدیدة للفکر والمنهجیة الإسلامیة، (المعهد العالمی للفکر الإسلامی، 1993)
وهی ترجمة لدراسة باللغة الإنجلیزیة:
Abdulhamid Abusulayman, op cit
[1]إبراهیم البیومی غانم، "المبادئ العامة للنظریة الإسلامیة فی العلاقات الدولیة"، مجلة المسلم المعاصر، العدد 100، السنة الخامسة والعشرون، ربیع الأول، 1422هـ
[1] Ali Akbar Alikhani, Fundamentals of Islam in International Relations, in: Deina Abdelkader, Nassef Manabilang Adiong and Raffaele Mauriello (eds.), op cit, pp. 7-24
[1]Ahmed Al-Dawoody, From Tripartite Division to Universal Humanism: Alternative Islamic Global International Relations in: Deina Abdelkader, Nassef Manabilang Adiong and Raffaele Mauriello (eds.), Ibid, pp. 104- 106
[1] Mustapha Kamal Pasha, Liberalism, Islam and International Relations, in: Branwen Gruffydd Jones (ed.), Decolonizing International Relations, (Rowman and Littlefield Publishers, 2006), pp. 65-88
[1]Shahrbanou Tadjbakhsh, “International Relations Theory and the Islamic Worldview,” in: Amitav Acharya and Barry Buzan(eds.), Non-Western International Relations Theory: Perspectives on and beyond Asia, (NY: Routledge, 2010), pp. 174-189
[1]Abdul Qayyum Khan and Arshad Ali Bhatti, Islamic Banking and Finance: A New Paradigm in International Relations, Journal of Islamic Business and Management, 2018, 8(1), 85-97
[1]Nasser Ahmed Albraik, Islam and World Order: Foundations and Values, Doctoral Thesis, The Faculty of the College of Public and International Affairs of The American University, Washington, 1986
[1]نادیة مصطفى وماجدة إبراهیم (تحریر)، إشکالیات تفعیل وتطبیق المنظور الحضاری الإسلامی فی البحوث وقضایا العلاقات الدولیة، مرجع سابق
[1]انظر التفاصیل فی: نادیة محمود مصطفى، مسار علم العلاقات الدولیة بین جدال المنظورات الکبرى واختلاف النماذج المعرفیة، مرجع سابق، صص 253-259
[1]- تتیح سلسلة Culture and Religion in International Relations من تحریر Yosef Lapid والصادرة عن Springer مساحة هامة للتواصل مع العالم. تضم السلسلة بالفعل کتابا عن إشکالیات تواجد المسلمین فی النظم اللیبرالیة تحت عنوان:  Why the West Fears Islam، وکتبا أخرى أشارت إلى أهمیة الالتفات إلى ما یمکن أن یسهم به غیر الغربیین والمسلمون من بینهم فی العلاقات الدولیة واقعا وتنظیرا، من بین هذه الکتب:Pilgrimage, Politics and International Relations و Civilizational Dialogue and World Order وReason, Culture and Religion: The Metaphysics of World Politics.[1] تدعو السلسلة عموما إلى قبول التنوع الثقافی والدینی وترحب بمدخلاته من أجل الوصول إلى نظام عالمی أکثر عدالة وسلاما وحقل علاقات دولیة أکثر تعبیرا عن تنوع شعوب العالم.
- تتیح کذلک دار النشر Gerlach Press بالشراکة مع المرکز البحثی Co-Iris المعنی بدراسات الإسلام والعلاقات الدولیة فرصة للنشر فی إطار سلسلة Islam and International Relations Theory. نشرت السلسلة کتابها الأول وتتنوع مجالات اهتمامها بین التطبیقی والنظری.
- وتتیح دوریات مثل Alternatives الترکیة، وSouth African Journal of International Relations جنوب الإفریقیة و International Relations of the Asia Pacific وغیرها من الدوریات غیر الغربیة فرصا متفاوتة للإسهام الحضاری من خارج الدائرة العلمیة الغربیة.
- تتیح أیضا سلسلة Routledge Studies in Religion and Politics فرصة هامة للتواصل من خلال مدخل نظریة العلاقات الدولیة مع الخارج.
[1] راجع على سبیل المثال:
Gilberto Cavalho Oliveira, Reconstructive Methodology and Critical International Relations, Contexto Internacional, Vol. 40 (1), Jan/Apr 2018, pp. 9-28
[1]نادیة محمود مصطفى (تحریر)، العلاقات الدولیة فی عالم متغیر: منظورات ومداخل مقارنة، مرجع سابق