نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
مدرس العلوم السياسية - كلية الاقتصاد والادارة - جامعة 6 أكتوبر.
المستخلص
نقاط رئيسية
مقدمـــة:
يمثل صعود القوى في النظام الدولي عملية معقدة تشتمل على تنامي مختلف مقومات القدرة والقوة الخاصة بالدولة وتفاعلها مع إرادة النظام السياسي من جهة، ومع مختلف معطيات السياقين الإقليمي والدولي لهذا الصعود، من جهة أخرى.
وقد أثبتت القوى في العديد من القارات فرضية أساسية مفادها أن النظام الدولي ليس حالة ثابتة، وإنما في حالة ديناميكية تنظمها العديد من التفاعلات بين الوحدات الدولية، حيث يغلب على هذه العلاقات طابع التداول بين القوى، فضلا عن التحول في مفهوم القوة - الانتقال من القوة العسكرية إلى الاقتصادية- وتحول تمركزها من الغرب إلى الشرق تدريجياً الأمر الذي يثبت وجود مسار انتقالي للزعامة من الدول الغربية إلى القوى الصاعدة شيئاً فشيئاً لقدرتها الكبيرة على التكيف وجذب الاستثمارات واستيعاب التقانة، مما يجعلها ذات تأثير اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية.
بدأت الهند منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين عملية مراجعة جذرية لسياستها التنموية والتحول نحو تحرير الاقتصاد، إلا أن التحول الإصلاحي الجوهري شهدته الهند بدءا من عام 1991، حيث قامت الدولة بتبني برنامج إصلاح اقتصادي شامل، جوهرة هو الالتحاق بالاقتصاد الرأسمالي المعولم.
الكلمات الرئيسية
مقدمـــة:
يمثل صعود القوى في النظام الدولي عملية معقدة تشتمل على تنامي مختلف مقومات القدرة والقوة الخاصة بالدولة وتفاعلها مع إرادة النظام السياسي من جهة، ومع مختلف معطيات السياقين الإقليمي والدولي لهذا الصعود، من جهة أخرى.
وقد أثبتت القوى في العديد من القارات فرضية أساسية مفادها أن النظام الدولي ليس حالة ثابتة، وإنما في حالة ديناميكية تنظمها العديد من التفاعلات بين الوحدات الدولية، حيث يغلب على هذه العلاقات طابع التداول بين القوى، فضلا عن التحول في مفهوم القوة - الانتقال من القوة العسكرية إلى الاقتصادية- وتحول تمركزها من الغرب إلى الشرق تدريجياً الأمر الذي يثبت وجود مسار انتقالي للزعامة من الدول الغربية إلى القوى الصاعدة شيئاً فشيئاً لقدرتها الكبيرة على التكيف وجذب الاستثمارات واستيعاب التقانة، مما يجعلها ذات تأثير اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية.
بدأت الهند منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين عملية مراجعة جذرية لسياستها التنموية والتحول نحو تحرير الاقتصاد، إلا أن التحول الإصلاحي الجوهري شهدته الهند بدءا من عام 1991، حيث قامت الدولة بتبني برنامج إصلاح اقتصادي شامل، جوهرة هو الالتحاق بالاقتصاد الرأسمالي المعولم.
ومنذ ذلك الوقت والهند حققت نجاحات اقتصادية هامة، حيث باتت أسرع اقتصادات العالم نموا منذ عام 2018 بنحو 7.3% كان من المتوقع أن يرتفع إلى 7.7% عام 2021، مع الإقرار بوجود عدد من المشكلات الجوهرية التي يتعين على الهند معالجتها.
كما تعمل الهند جاهدة على توفير قاعدة بشرية وعلمية وتقنية، ومراكز أبحاث علمية ومعاهد ومعامل متخصصة ومفاعلات نووية، وهي العناصر التي تمثل البنية الأساسية في أي برنامج نووي، فضلاً تدبير الخامات النووية اللازمة، وتوفير التمويل اللازم للبرنامج النووي، وهو ما مكنها في النهاية من امتلاك الأسلحة النووية التي كانت عاملاً قوياً في تصنيفها كقوة صاعدة.
وعليه، تناقش هذه الدراسة الصعود الهندي في النظام الاقتصادي العالمي ومدى إمكانية أن يشكل مقوما يعزز حضور الهند بعدها قوة إقليمية رئيسية في إقليم آسيا-الباسيفك، أم أنه يمكن أن يسمح بأن تحظى بموقع قوى عالمية.
اولا: إشكالية الدراسة
تعد الهند أحد الاقطاب الأسيوية الصاعدة ومن الدول الإقليمية الرئيسية التي لها دور استراتيجي في قارة آسيا، ودور استراتيجي لا يقل أهمية في إقليم آسيا–الباسفيك، وتسعى لتعزيز مكانها كإحدى القوى الرئيسية المؤثرة في تشكيل النظام الدولي وصياغة قواعده.
ومن هذا المنطلق تحاول الدراسة ان تجيب على تساؤل رئيسي وهو: هل للصعود الهندي أثر على هيكل النظام الدولي؟
ومن هذا التساؤل الرئيسي تتفرع مجموعة من التساؤلات تسعى الدراسة إلى الاجابة عليه وهي:
ثانيا: اهمية الدراسة.
تنبع الاهمية العلمية للدراسة من كون الدولة الهندية تتمتع بموقع استراتيجي هام دولياً وإقليمياً ومقومات متعددة جعلت منها قوة اقتصادية صاعدة تستحق الدراسة لمعرفة عوامل نجاحها والصعوبات التي تواجهها، أما الاهمية العملية فتنبع من أن الدول محل الدراسة بدأت تتحرك بشكل كبير نحو تحقيق دور فاعل في النظام الدولي في ظل ما تملكة من مقومات، فضلا عن إتباعها سياسات إصلاحية متنامية، مما يجعل منها قوى صاعدة.
ثالثا: أهداف الدراسة.
تهدف الدراسة بصفة أساسية إلى معرفة كيفية صعود الهند كقوى اقصادية صاعدة في النظام الدولي، في ضوء دراسة واحدة من القوى الأسيوية الصاعدة، وفي هذا الإطار تُثار مجموعة من الأهداف الفرعية التالية:
1. إلقاء الضوء على القوى الأسيوية الصاعدة.
2. دراسة أهم الخصائص التي تتمتع بها القوى الصاعدة.
3. دراسة أثر صعود الهند على ارتباطها بالاقتصاد المعولم.
رابعاَ: نظرية تحول القوة
للإجابة على التساؤلات التي تم طرحها استخدمت الدراسة " نظرية تحول القوى" لدراسة مؤشرات صعود الهند كقوة جديدة - في ظل تنامي قوتها الاقتصادية والعسكرية- في هيكل النظام الدولي وذلك باستخدام افتراضات نظرية تحول القوة وذلك من خلال دراسة حالة الصعود الهندي، وما إذا كان يمثل هذا الصعود بالفعل تحولاً في موازين القوى لمصلحة الهند، وتأثير ذلك الصعود على هيكل النظام الدولي. حيث يتميز النظام الدولي بالحركة والتغيير الدائمين لكونه يتم في بيئة دائمة الحركة والنشاط نظراً لوجود أكثر من فاعل مؤثر، لذلك احتل مفهوم القوة أهم أحد المحاور الرئيسة في حركة النظام الدولي المعاصر، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة وتحديد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في النظام الدولي.
خامسا:ًتقسيم الدراسة.
تُقسَّم الدراسة إلى ثلاثة محاور على النحو الآتي:
المحور الأول: الإطار النظري: المفاهيم الدراسة والمؤشرات، ويتناول تعريف القوى الصاعدة، والخصائص التي تتميز بها القوى الصاعدة، ثم أسباب ظهور القوى الصاعدة في النسق الدولي، المعوقات التي تواجه القوى الصاعدة.
المحور الثاني: صعود الهند: المؤشرات والتحديات، ويتناول ملامح الصعود الاقتصادي الهندي ومدى قدرته على الاستدامة، ركائز الصعود الهندي منذ التسعينيات، ودور القيادة في تزايد القوة الاقتصادية الهندية، تحديات الصعود الهندي.
المحور الثالث: التداعيات على دور الهند وهيكل النظام الدولي. يتناول تأثير صعود الهند على ارتباطها بالاقتصاد المعولم، أهم دوافع مراجعة الهند لعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
المحور الاول:الاطار النظري لمفاهيم الدراسة
1- مفهوم القوى الصاعدة.
يعتبر المفكرين القوة على أنها قدرة الطرف ( أ) على التأثير في (ب)، ومن بين التعريفات نجد ما يلي:
يعرف كارل دويتش القوى: على أنها القدرة على السيطرة في صراع ما، والتغلب على العوائق بحيث تعمل الدولة على توظيف عناصر القوة وتحويلها من كامنة إلى فعلية، ويكون هذا التوظيف نتيجة لإدراك الدولة لتفوقها في متغيرات القوة على حساب دولة أخرى.[i]
ويعرف توماس رونار، القوة الصاعدة بأنها "دولة، أو بشكل أكثر دقة فاعل دولي يطور موارد وقدرات متزايدة تشمل كل أبعاد القوة أو أغلبها، وبحيث يصبح هذا الفاعل قادرا بشكل متزايد على تحويل تلك الموارد والقدرات إلى قوة شاملة أو عالمية".[ii]
ويعرف العديد من المفكرين القوى الصاعد على أنها ”تلك القوى التي تشهد نسب عالية من النمو الاقتصادي وتُحسن توظيف متغيراتها في سبيل تحقيق أهدافها القطاعية ضمن نطاق معين، ومن بين هذه القوى اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة، الهند، باكستان، البرازيل، جنوب أفريقيا، دول البريكس كتكتل قاري يضم كل من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا.
مفهوم تحول القوة:
يقصد بتحول القوة فقدان الدولة المهيمنة لموقعها القيادي في النظام الدولي لصالح قادم آخر تتنامى قوته بشكل متسارع. ومن أجل حدوث تحول للقوة، يجب على الدولة الصاعدة أن تمتلك مقومات للقوة تفوق تلك التي تمتلكها الدولة المهيمنة، أو على الأقل تعادلها، وبالتالي على الدولة الصاعدة العمل على تضييق الفجوة بين مقدراتها القومية، ومقدرات الدولة المهيمنة.[iii]
مفهوم القوة الناعمة.
يعتبر المفكر الأمريكي جوزيف ناي أول من دشن مفهوم القوة الناعمة في تسعينات القرن الماضي من خلال كتابة المعنون "القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية"، حيث عرف القوة الناعمة على أنها " القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية، بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال، وهي تنشأ من جاذبية ثقافة بلد ما، ومُثله السياسة. فعندما تبدو سياستنا مشروعة في عيون الآخرين، تتسع قوتنا الناعمة.[iv]
مفهوم القوة الصلبة.
القوة الصلبة هي "القدرة على جعل الآخرين يتصرفون بطرق تتعارض مع تفضيلاتهم واستراتيجياتهم الأولية".[v]
كما تعرف القوة الصلبة على أنها استخدام القوة -التي تتألف من عناصر مادية مثل القوة العسكرية- استخداما فعلياً حقيقياً أو بالتهديد أو التهديد باستخدامها وكذلك القوة الاقتصادية لتحقيق سياسات وأهداف الدولة، كفرض عقوبات اقتصادية على دولة معينة أو تقديم معونات ومساعدات أو الحرمان من المساعدات من أجل إجبار دولة على الإذعان لسياسة الدولة التي استخدمت تلك الأدوات.[vi]
مفهوم القوة الذكية.
تعرف القوة الذكية على أنها نتاج الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة معًا وفقا لاستراتيجية محددة تجمع بينهم.
ويعرفها أرنست ويلسون على أنها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق الأهداف الفاعل بكفاءة وفعالية.[vii]
2- الخصائص التي تتميز بها القوى الصاعدة.[viii]
تتميز القوى الصاعدة بمجموعة من الخصائص يمكن إجمالها في التالي:
1- انفتاح اقتصادي متسارع ومتزايد وتوطين واسع النطاق للتكنولوجيا، ووجود نسب عالية من النمو الاقتصادي، ينطبق ذلك على الصين (7-12 %)، الهند (7-11%)، البرازيل (7%).
2- القدرة على التأثير الاقتصادي دولياً وإقليمياً.
3- التكيف مع مختلف تغيرات النسق الدولي.
4- تحقيق خطوات تنموية في مختلف المجالات، مثل مؤشرات التنمية البشرية، والاستفادة من معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة.
5- السعى للتكتل لمواجهة الهيمنة الأمريكية مثل تجمع دول البريكس.
3- أسباب ظهور القوى الصاعدة في النسق الدولي.
بعد نهاية الحرب الباردة برزت القوى الصاعدة بقوة، ويعود هذا إلى عدة أسباب أبرزها ما يلي:
سادسا: المعوقات التي تواجه القوى الصاعدة.[ix]
تجدر الاشارة أنه لا زالت القوى الصاعدة في مرحلة تحتاج الكثير من الوصفات والقراءات للعب دور بارز على المستوىين الإقليمي والدولي نظراً لعدة نقاط أبرزها ما يلي :
المحور الثاني: صعود الهند: المؤشرات والتحديات
أولا: ملامح الصعود الاقتصادي الهندي ومدى قدرته على الاستدامة
يعتبر الصعود المعاصر للهند إحدى القصص الرائعة في العقدين الماضيين، ويرمز إلى تحول القوة نحو آسيا.[x]وغالبا ما يؤرخ لبدایة الصعود الهندي المعاصر، المرتكز أساسا على البعد الاقتصادي، بعام 1991، وهو العام الذي شهد بدایة التحول الهندي نحو الانفتاح والاندماج في الاقتصادي العالمي. [xi]
ولم يكن مسار الإصلاح الاقتصادي في الهند تدريجيا وتجريبيا، بل كان مفروضا إلى درجة كبيرة من طرف المؤسسات الدولية عبر الحكومة المركزية وفق مقاربة من الأعلى نحو الأسفل. وبعد الأزمة المالية عام 1991 اعتمدت الهند على نحو متزايد مبادئ السوق الحرة وتحرير اقتصادها وتعزيز انخراطها في التجارة الدولية. بدأت هذه الإصلاحات من قبل وزير المالية الدكتور مانموهان سينغ[xii] - قبل أن يصبح رئيس للوزراء- تحت توجيهات رئيس الوزراء بي في ناراسيمها راو. وتم إلغاء الكثير من تراخيص الراج [xiii] التي تعد آلية تعود إلى فترة ما قبل الاستع مار البريطاني وتستهدف تشديد سيطرة الحكومة على إنشاء الصناعات الجديدة.
رافق هذه الاصلاحات الاقتصادية اهتمام قوي وواسع النطاق بتطوير البنية التحتية القومية مثل مشروع إنشاء شبكة من الطرق السريعة لربط المراكز الصناعية والزراعية والثقافية الرئيسية على مستوى البلاد. سُمي هذا المشروع بـ "الرباعي الذهب"،[xiv]وبدأ التخطيط له في عام 1999، وأطلقه رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري ڤاجپايي في عام 2001، [xv] واكتمل تنفيذه في عام 2012.
أفضت هذه الإصلاحات إلى تسارع معدلات النمو الاقتصادي في البلاد، التي أخذت في الارتفاع من القاع الذي بلغته عام 1990 عند معدل 1.057%، لتصل إلى نحو 8.846% عام 1999، بحسب إحصائيات البنك الدولي. وباستثناء بعض الانخفاضات الاستثنائية المرتبطة بأزمات اقتصادية إقليمية أو عالمية، مثلما حدث في الفترة بين عامي 2000 و2002، أو خلال عام 2008، فإن معدل النمو الاقتصادي السنوي في الهند ظل يتراوح بين 7% و8%، مع قدرة عالية وملحوظة على التعافي من آثار أي أزمات اقتصادية نابعة من السياقين الإقليمي والعالمي. وأضحت الهند أعلى الاقتصاديات الكبرى (التي يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي التريليون دولار سنويا) من حيث معدلات النمو الاقتصادي السنوية في عام 2018. وتشير مختلف التقديرات الاقتصادية إلى أن النمو الاقتصادي السنوي في الهند سيحافظ على معدلاته تلك خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقل.[xvi]
جراء تسارع معدلات النمو الاقتصادي الهندي تلك، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من نحو 316.7 مليار دولار في عام 1990، إلى نحو 462.1 مليار دولار في عام 2000، قبل أن يتضاعف هذا الناتج المحلي الإجمالي بضع مرات ليصل إلى نحو 2.6 تريليون دولار في عام 2017. وأضحت الهند بذلك سادس أكبر الاقتصاديات العالمية في عام 2018، فيما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنها ستتجاوز الاقتصاد البريطاني، لتحتل المركز الخامس عالميا في عام 2019.
بل إنه ووفقا لمعيار تعادل القوة الشرائية (purchasing power parity)، فإن الناتج المحلي للهند يبلغ 9.45 تريليون دولار في عام 2017، لتصبح في المرتبة الثالثة خلف كلا من الصين (23.16 تريليون دولار)، والولايات المتحدة (19.39 تريليون دولار).
ووفقا لبيانات البنك الدولي، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 394 دولار عام 1990، إلى نحو 1939.61 دولار عام 2017. لكن لا تزال تلك الحصة منخفضة نسبيا قياسا إلى المتوسط العالمي الذي بلغ نحو 10 آلاف و748 دولارا عام 2017.[xvii]
وفي 2018، جاء اقتصاد الهند في المرتبة السابعة كأكبر اقتصاد في العالم، بفضل النمو المتسارع وحجم الإنتاج والصادرات، لتحتل مكانة متقدمة إلى جانب الصين في قيادة اقتصاد قارة آسيا.[xviii]
وبحسب تقديرات البنك المركزي الهندي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للهند في 2018، قرابة 2.7 تريليون دولار، مقارنة مع 2.5 تريليون دولار أمريكي في العام السابق له 2017.[xix]
شكل يوضح الناتج المحلي الإجمالي للهند[xx]
ثانيا: ركائز الصعود الهندي منذ التسعينيات
تتمثل أهم ركائز النمو الاقتصادي الهندي خلال العقود الثلاثة الماضية في تحول متسارع من نمط زراعي تقليدي باتجاه اقتصاد صناعي وخدمي متطور نسبيا. ووفقا لبيانات البنك الدولي، يعد قطاع الخدمات الهندي حاليا هو الأسرع نموا على مستوى العالم، ويسهم بنحو 60% من حجم الاقتصاد الهندي، فيما يستوعب نحو 28% من القوة العاملة الهندية. أما قطاعي الصناعة والتشييد، فقد اتخذ نصيبهما من الناتج المحلي الهندي اتجاها تصاعديا منذ الاستقلال، وأخذ هذا التصاعد في التسارع بشكل ملحوظ منذ مطلع الألفية الجديدة وحتى عام 2008، حين بلغ إسهام القطاعين في الناتج المحلي الهندي نحو 31.1% من الناتج المحلي الإجمالي. واللافت للنظر أن هذا التصاعد في أهمية قطاعي الصناعة والتشييد في الهند كان معاكسا لتراجع تلك الأهمية عالميا. لكن يمكن تفسير ذلك بنجاح سياسة تشغيل الموارد القومية غير المستغلة في الهند في ظل الإصلاحات التي طبقتها البلاد واقتصاد السوق الحر الذي تبنته. ومنذ عام 2010 بدأ نصيب قطاعي الصناعة والتشييد في الناتج المحلي الإجمالي في الهند يتراجع ليقترب من المعدل العالمي. وبلغ هذا الإسهام نحو 26.5% عام 2017. وتوفر الحكومة الهندية دعما قويا للقطاع الصناعي خاصة في ظل برنامج "صنع في الهند" الذي أطلقه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عام 2014. ويستهدف هذا البرنامج أن يصبح قطاع الصناعة الهندي أكبر مستقبل للاستثمارات الخارجية المباشرة في العالم، متجاوزا كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
في المقابل، فقد تراجع إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي للهند من نحو 26.9% عام 1990، إلى نحو 15.6 عام 2017. ورغم أن هذه النسبة لا تزال أعلى كثيرا من مثيلتها في الاقتصاديات المتقدمة، والتي تبلغ نحو 1.4% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، و1.5% في دول الاتحاد الأوروبي، و1% في الولايات المتحدة. لكن الاتجاه لتطور الاقتصاد الهندي، يعكس نجاح سياسة تنويع ركائز هذا الاقتصاد، الذي لم يعد معتمدا على قطاع واحد بعينه، مما يعزز نجاح سياسات التشغيل القومي، ويقي الاقتصاد من خطر الصدمات القطاعية المستوردة.
ويعزز من قوة صعود الهند كذلك حقيقة أن نمو اقتصادها يعتمد على معدلات ادخار قومي مرتفعة، وارتقاء بمستوى القدرات البشرية المتنوعة، وتعزيز مكانة الطبقة الوسطى، مقابل اعتماد محدود نسبيا على الصادرات.
ثالثاً: القدرة على إدامة الصعود.
أما من حيث قدرة هذا النمو على الاستدامة، فإن ذلك يمكن أن يجد إجابته في استقراء العوامل التالية:
الصعود الهندي في السنوات الاخيرة جعل النخب الهندية في القيادة والمعارضة ايضا تتبنى فكرة البحث عن مكانة القوة الكبرى لبلدهم. [xxi]
سعت القيادة الهندية أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً هندياً وذلك بتوظيف إمكانيتها وقدرتها فضلا عن سعيها إلى الظهور بمظهر المدافع عن حقوق بلدان الجنوب في إطار منظمة التجارة العالمية في وجه محاولات الشمال لفرض معاييرها الخاصة بالتجارة وتبني بالتجارة وتبني بهذا الخصوص استراتيجية الاندماج الاقتصادي في التجارة العالمية.[xxii]
يعتبر"مانموهان سينغ"، مهندس عملية الإصلاح الاقتصادي في الهند هو وزير المالية الهندي في حكومة ناراسيما راو (1991 - 1996).[xxiii]
وحينما وصل "ناريندرا مودي" إلى السلطة في نيودلهي كرئيس للحكومة المركزية في الهند، كان من أول الخطوات التي حرص عليها إطلاق مبادرة "صنع في الهند"، والتي أعلن عنها في 25 سبتمبر 2014، والتي يسعى من ورائها تحويل الهند إلى دولة رائدة في تصنيع السلع عالية الجودة بالمقاييس العالمية، وبما يوفر ملايين الفرص الوظيفية"، ولتحقيق هذا الهدف ستقوم الهند بإغراء أصحاب رؤوس الأموال الأجانب لاستثمار أموالهم في البلاد، عبر تقديم حزمة من الإعفاءات الضريبية والتشريعات المزيلة للعوائق البيروقراطية".
استهدفت هذه المبادرة تنمية تجارة الهند الخارجية عبر ضخ الأموال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، من أجل تعزيز الصادرات الهندية من السلع والخدمات إلى العالم الخارجي. وبعد مرور أقل من عام على هذه المبادرة، أفادت بيانات وزارة التجارة والصناعة الهندية أن البلاد شهدت نموا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 48 في المائة أو نحو 40 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول (أكتوبر) 2014 إلى نيسان (أبريل) 2015.
القوة المادية والنفوذ السياسي ليست غايات في حد ذاتها ولكنها الوسائل التي بواسطتها تتابع مصالحها واهداف سياستها الخارجية، فعلى الرغم من التحولات التكتيكية إلا ان هناك اربعة أهداف ظلت لعقود تحفز الصعود الهندي نحو القوة الكبرى وهي كالتالي:
هذه الاهداف الاربعة مجتمعة تعطي الهند دفعا لمسألة الصعود وتحافظ على خصوصيته.[xxiv]
يعتبر صعود الصين منبین أهمالعواملالتيدفعتبالهندإلىأن تخوضمسارصعودعنطریقمراكمةمختلفأبعادوعناصرالقوة،وهذاحتىلایزداد ضعفهاأمامجارتهاوغریمتهاالتقلیدیة.[xxv]
فقد عملت الدولة على اكتشاف سياسات ومبادرات جديدة، لاستغلال القوة الصلبة والناعمة للدولة، وذلك من أجل تمدد تدريجي في مواجهة الصعود الصيني، وظهر ذلك من خلال سعي الهند إلى زيادة قدراتها العسكرية البرية والبحرية والجوية بالشكل الذي جعلها من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم.
فضلا عن توطد العلاقات الهندية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا من خلال الصفقات العسكرية، وبروز إسرائيل باعتبارها مٌزوداً رئيسياً للهند بالتكنولوجيا العسكرية، ومن المتوقع أن توقع الدولتان عقداً لتطوير المعدات الدفاعية عالية التقنية، بالإضافة إلى نجاح الهند في وضع "المسبار الآلي" في مدار المريخ في سبتمبر 2014، مع انتشار العلامات التجارية الهندية حول العالم. فضلا عن تركيز خطابات "مودي"، في الداخل والخارج، على التراث الثقافي والحضاري للهند.[xxvi]
استفادت الهند من التركيبة السكانية المواتية، حيث يبلغ متوسط العمر 25 فقط- أقل بكثير من الصين 37 واليابان 45- واصبحت فئة الشباب تشكل عاملا مهما في الصعود الهندي، خاصة من حیث نسب القادرین على العمل من جانب، ومن حیث تقلیل تكلفة العمل من جانب اخر، الامر الذي يكسب الهند میزة نسبیة في هذا المجال مقارنة بالصین، وهو ما ساهم بالفعل في جذب الاستثمارات الأجنبیة، وجعل الغرب ينظر إلى الهند باعتبارها العملاق السكاني الوحيد في القرن الواحد والعشرين الذي يمكن أن يكون حليفاً وموازياً للصين من حيث الثقل.[xxvii]
حظیت بعض المجالاتبالتفضیلوالدعممنقبلالحكوماتالهندیةالمتعاقبةمنذخمسیناتالقرنالماضيمنخلالسیاسةالتعلیمالعالي"النخبویة"،(18) حيث قامت بتعليم شريحة واسعة نسبياً من نخبها في العلوم والهندسة والطب والمحاسبة والاعلام الآلي وإدارة الاعمال، وفي عام 1951 أنشأ "جواهر لال نهرو" المعاهد الهندية السبعة الأولى في التكنولوجيا، وفي خمسين عاماً تنافس مئات الآلاف من الهنود للفوز بالدخول ثم التخرج في تلك المعاهد التقنية، إضافة إلى المعاهد الهندية الستة في إدارة الاعمال، فأنتجت نخبة علمية استثنائية.[xxviii]
ظلت الهند ولفترة ليست بالقليلة تنظر إلى الكفاءات المهاجرة على انها خسارة خالصة ولكن سرعان ما تحولت هذه النظرة إلى استثمار بعيد المدي.
منذ القرن التاسع عشر وقد بدأت موجات الهجرة الهندية، واستمرت على مدار القرن العشرين، حيث بدأت تتغير نوعية هؤلاء المهاجرين، فارتفعت نسبة الذين تلقوا تعليماً عالياً، وامتلكوا مهارات مرتفعة، وفي السنوات الأخيرة أصبح الهنود من مصممي البرامج الحاسوبية، وعملوا في شركات وادي السليكون في الغرب الأمريكي، كما برعوا في قطاع الخدمات والسياحة وتجارة التجزئة.
وتوجه قسم كبير من العمالة نصف الماهرة وغير الماهرة إلى دول الخليج العربي بعد ارتفاع أسعار النفط، فتحولت الهند إلى مصنع ينتج الموهوبين الذين يتولون منصب المدير التنفيذي في الشركات العالمية الكبرى.
سعي الهنود للحصول على قدر كبير من التعليم الأكاديمي المتميز، بالإضافة إلى قدرتهم على العمل في أصعب المواقف، هي الأسباب الرئيسية وراء الاتجاه المتصاعد بالاعتماد عليهم في المناصب القيادية في الشركات العالمية الكبرى، ففي الهند ناد خاص لرؤساء الشركات العالمية التي يرأسها الهنود، ابتداء من شركة مايكروسوفت، وشركات بيبسي ودويتشه بنك، وماستركارد، وأدوبي سيستمز، ودياجو، وغلوبال فونديز....الخ.[xxix]
7. الاستمرارية السياسية.الاستمرارية السياسية. على الرغم من اختلاف الأحزاب السياسية التي شغلت السلطة في الهند، إلا أن التوافق في الآراء بشأن وضع القوة الكبرى دون تغيير، ظل يشير إلى استدامة المعتقد والمنهج الخاص باكتساب مكانة القوة الكبرى.[xxx]
رابعا: تحديات الاقتصاد الهندي وآفاقه المستقبلية.
بالرغم من أن الهند اليوم تتصور نفسها، وينظر إليها، على أنها قوة عالمية صاعدة، إلا أن مكانتها وقوتها لا تزال محل جدل، فهي بلد المتناقضات فعلى الرغم من أنها من أسرع الاقتصادیات نموا في العالم، إلا أنها اليوم تعتبر موطن أكبر عدد من الفقراء في العالم.[xxxi]
وعلى الرغم من ما تشهده الهند من استقرار مالي واقتصادي إلى حد كبير مقارنة بأوائل التسعينيات، فضلا عن اندماجها الناجح في الاقتصاد العالمي في بعض الصناعات الأكثر تقدماً مثل صناعة البرمجيات،[xxxii] وتحقيق الهند لطموحاتها بشأن استقطاب 10 مليارات دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 9% خلال السنوات العشر القادمة، إلا أن هذا الصعود يحوطه شكوك عميقة ما لم تتم المعالجة الفعالة لكثير من التحديات، وأهمها:
1. معالجة المشاكل الهيكلية التي يعاني منها اقتصادها، كتفاقم نسبة العجز المالي، وتحرير قطاع الصناعة في قوانين العمل البالية، وعرض الأصول المملوكة للدولة للبيع وتوظيف عائداتها للاستثمار في النسبة الأساسية.[xxxiii]
كذلك، إن ثروة الهند الاقتصادية مرهونة بكيفية إدارة علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، فتنامى علاقة الهند بإيران، السودان وفنزويلا لتأمين مصادر الطاقة، قد يؤثر سلباً على تدفق الاستثمارات والتكنولوجيا الأمريكية إليها.[xxxiv]
5. عجز الهند حتى الآن عن إيجاد صيغة مجتمعية يتم بها احتواء المسلمين الذين يعيشون على أراضيها ويمنع عنهم التعصب الهندوسي، كل ذلك يحول دون ظهور الهند دولة قوية مستقرة تتطلع أن يكون لها دور عالمي.[xxxvi]
6. على الرغم من معدلات النمو المتسارعة التي حققتها الهند، فإن معدلات الفقر لا تزال مرتفعة، وهذا الأمر يكشف عن ثغرة كبيرة في النموذج التنموي المعتمد، في حال إذا كان يرتكز على تحقيق معدل نمو عال أم لتحقيق التنمية. والفارق بين المفهومين شاسع. وهذا بحد ذاته يعد تحد كبير أمام الحكومات الهندية المستقبلية وهو جدير بالاهتمام والدراسة من قبل المسؤولين الهنود حيث يمكن أن يشكل تهديدًا لاستمرار تجربتها التنموية في المستقبل.[xxxvii]فالواقع يقول أن الفقر في الهند ينخفض بوتيرة بطيئة، مقارنة مع السرعة الرهيبة في النمو الاقتصادي، وتعاظم التفاوت بين الأغنياء والفقراء، فالأرقام الرسمية تشير، إلى أن نسبة الفقراء في الهند تعدت 55%، [xxxviii] في حين تشير أرقام الحكومة الهنية أن نسبتهم 29.7% من السكان يقبعون تحت مستوى الفقر وسواءًا كان هذا أو ذاك فإن النسبة تعد مرتفعة للغاية.[xxxix]
المحور الثالث: تداعيات صعود الهند على هيكل النظام الدولي
اولا: تاثير صعود الهند على ارتباطها بالاقتصاد المعولم.
ان الاعتراف بان التعولم بات السبيل الرئيس للصعود والارتقاء في مراتب القوى العالمية لا يعني أن الدول والقوى الراغبة في الصعود تتقبل العولمة كما هي وتنخرطفيهادونأيةتحفظاتعلىالعكسمنذلك،الصعود يتطلبتسييرالعولمةوٕادارةجوانبهاالمختلفة.
وتشير التجارب الحديثة للعمالقة الدینامیكیین (في إشارة إلى دول مجموعة البریكس الصاعدة) إلى أنهم یمیلون إلى التصرف بطریقة أكثر مما فعلت الدول الكبرى التقلیدیة، ویحاولون تشكیل وتوجیه العولمة بدل أن یقبلوها كعملیة لا یمكن تجنبها.[xli]ولا شك ان تعولمالقوىالصاعدة وانخراطها في الاقتصاد العالمي وتشابك علاقتها مع القوة المهيمنة (الولايات المتحدة)، جعل من استراتيجيات الاحتواء التي مورست في بنجاح ضد المنافسين السابقين (الاتحاد السوفيتي) لا يبدو انها قد تكون ناجحة في الوقت الحالي.[xlii]
منذ استقلالها والهند تتبع سياسات اقتصادية مغلقة، ولكنها بدأت في التحول نحو العولمة بعد عام 1985، تلك المحاولات كانت تبدو فاترة ومتناقضة ذاتيا، ولكنها في فترة التسعينات كانت أوسع وأعمق.
لا شك أن التفجيرات النووية التي أجرتها الهند في عام 1988 غيرت من مكانتها الاستراتيجية على المستوى الإقليمي، وجعلت القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إليها باعتبارها عنصر استقرار في المنطقة ومن الصعب تجاهلها مثلما كان الأمر في الماضي. [xliii]
كان لانهيار الاتحاد السوفيتي أثر كبير على الاقتصاد والسياسة الخارجية الهندية، فقد أجبر صناع السياسة في الهند على إجراء تغييرات جذرية في عدة مستويات، وأهمية الاتصال بالأجزاء الأخرى من العالم.
باشرت الهند تحركات عديدة لنشر وزيادة قواتها السياسية والدبلوماسية ومن أبرز هذه التحركات:
- تسعى الهند إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية لمشاركة أكبر في عملية صنع القرار العالمي- لأنها ترى أن الروابط الإقليمية والدولية تلعب دورا هاما في سياستها الموجهة للخارج- فقد قامت بتقوية روابطها مع المنظمات الإقليمية والدولية فهي منخرطة فيها وتعمل فيها بشكل نشط وبدأت مكانتها ومركزها يزداد ويتحسن داخل هذه المنظمات خاصة منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدوليين وحركة عدم الانحياز ومجموعة العشرين ومجموعة الـ 77 ومجموعة الـ 15، والمنتدى الإقليمي الآسيوي ARF، ورابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي NAARC.
وقد اختارت الهند من أجل تعزيز قواتها على المستوى الدولي، مهام حفظ الأمن في إطار الأمم المتحدة مستعينة برصيدها في مجال عمليات حفظ السلام كمورد دبلوماسي جديد وكوسيلة لتكريس وإظهار قوتها العسكرية وتحكمها الأمني، ويتضح ذلك من خلال مساهمة الجيش الهندي كما وكيفا في مهام وبعثات الأمم المتحدة.
في عام 2012 كان عدد الهنود الذين يعملون ضمن بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلم ما يقارب 3839، مما جعلها ثالث مساهم عالمي بعد باكستان وبنجلادش.[xliv]
تضم مجموعة بريكس كل من: البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا، وتسعى إلى ضرورة إحداث تغيير في هيكلية النظام الاقتصادي العالمي وبنيته التحتية، ومحاولة خلق واقع جديد في النظام الدولي، على أن يستتبعه تغيير في موازين القوى الدولية.
تعد الهند أحد القوى البارزة في تكتل البريكس الذي يمثل تكتل سياسي في مواجهة الهيمنة الأمريكية الأحادية وحلفاءها الغربيين، وقد ارتأت الهند في الانضمام إلى تكتُّل "بريكس" محاولة من أجل وجود نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث تسعى إلى تعزيز نفوذها في العالم، وبالتحديد في الدول النامية، مع بذل مجهود دولي أكبر إزاء قضايا مثل الحدّ من التسلح والعدوان الدولي، وكذلك دعم سيادة الدول، بالإضافة إلى ضرورة دعم قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل تحقيق مستقبل أفضل للهند بشكل خاص، وتطوير نظام عالمي عادل يخلق مستقبل أفضل للعالم أجمع.
بناءً على ما سبق، يتضح أن الدول الخمس في مجموعة "بريكس" تجتمع على ضرورة استخدام التكتُّل كأداة من أجل تغيير النظام الدولي القائم، وتقديم رؤية بديلة لنظام عالمي متعدد الأقطاب يراعي المساواة والتنمية وتعزيز القانون بين الدول المختلفة.[xlv]
برزت الهند كعضو مهم في مجموعة العشرين قادرة على المساهمة والتأثير في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي والمالي العالمي، حيث إن كان لها أجندة طموحة متعددة الجوانب لقمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2016 بدءا من نشر فوائض عالمية لتطوير البنية التحتية، التنمية الشاملة، كفاءة الطاقة إلى العمل العالمي لتخفيف الإرهاب والمال الأسود، وركزت أجندة الهند الأساسية في القمة على نمو عالمي مستقر ومستدام لتوليد فرص العمل والأسواق المالية المستقرة وأنظمة التجارة العالمية لدفع البلاد باتجاه القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، إلى جانب التجارة والاستثمار.
ويجدر بالذكر أنه منذ أن تولت حكومة جديدة السلطة في الهند في عام 2014، والعلاقات بين الصين والهند إيجابية ومثمرة وذلك من خلال التبادلات رفيعة المستوى المتكررة ، لا سيما الزيارة التاريخية التي قام بها قادة البلدين، وفي عام 2015 ، عملت الصين والهند، مع شركاء بريكس الآخرين، على إطلاق بنك التنمية الجديد (NDB)، ومقره في شنغهاي ويرأسه رئيس هندي.
كما دعمت الهند كأكبر مساهم في الصين في تأسيس بنك الاستثمار الإسلامي الإيراني، وقام البلدان بتنسيق مواقفهما قبل وأثناء المؤتمر الدولي لتغير المناخ في باريس في ديسمبر 2015 ، وشاركا في المفاوضات بطريقة مسؤولة وبناءة.[xlvi]
- ركزت الهند اهتمامها على جنوب شرق آسيا لتبني سياسة الاتجاه شرقاً Look East Policy كمحطة استراتيجية في خططهما التنموية وأعادت علاقاتها مع دول شرق وجنوب شرق آسيا – التي تم إهمالها قبلا- ونتج عن ذلك نمو سريع في التجارة مع تلك الدول.
فخلال فترة التسعينات زاد الاستثمار الهندي داخل الدول الآسيوية فمن 12% من صادرات الهند إلى آسيا 1960، وارتفعت إلى 23.6% في عام 1990 ثم ارتفعت لتصل إلى 35.3% في عام 2003، وقد أصبحت الهند من هذا العام فصاعدا منطقة الجذب الأولى بالنسبة للتجارة الهندية في آسيا وبوزن مماثل بالنسبة للواردات الهندية باستثناء النفط أصبحت آسيا الشرقية مركز الثقل الجديد بالنسبة للهند تحاول جاهدة هيكلته وتوسيعه بوساطة سياسة تجارية عبر سلسلة من الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية للتبادل الحر، وتهدف الهند من هذه الاتفاقيات إلى توسيع المنافذ الهندية التي لا تزالا هامشية جدا في إقليم يشهد نمواً قوياً، ولتوازن الثقل المتنامي للصين، كما تطلع إلى إدخال القوة السكانية الثانية في العالم في اللعبة الإقليمية في مواجهة القوة الصينية المؤكدة باطراد.[xlvii]
- عمقت الهند علاقتها مع القوى الكبرى وذلك عبر الشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي.
- اعتمد قادة الهند مجموعة متنوعة من الطرق والوسائل لزيادة القوة والنفوذ والارتقاء في مراتب القوى العالمية تتراوح ما بين بناء قدراتها من خلال التوسع الاقتصادي والعسكري، وبين تزعم الدول النامية.
ويجدر بالذكر أن تحدي إدارة ترامب للنظام الاقتصادي العالمي هو الذي يقف إلى حد كبير وراء وصول الهند إلى الصين وروسيا
إن حقيقة أن الهند تمكنت من تحقيق هذا الهدف هي تكريم لاستثمار مودي الذكي في إدارة علاقات القوى الكبرى على مدى السنوات القليلة الماضية.
هذه هي فترة من الشراكات المرنة ويجب أن تكون الدبلوماسية الهندية ذكية إذا أريد الحفاظ على المصالح الهندية، وتؤكد ارتباطات مودي في مجموعة العشرين أن نيودلهي قادرة على إدارة هذه السيولة. [xlviii]
اعتمد الصعود الاقتصادي الهندي على نموذج تنموي مختلف إلى حد كبير عن دول شرق آسيا التي قامت تجاربها على الصناعة.
فقطاع الخدمات الهندي هو الذي بعث النمو الاقتصادي والصادرات وليس القطاع الصناعي نظرا لأن الأخير لم يكن جاهزا للعب هذا الدور بسبب التدابير الداخلية من جانب وعجز البنية التحتية للنقل وقلة الكهربا.
وفقا لبيانات وزارة الصناعة والتجارة ارتفع إجمالي الصادرات الهند من (البضائع والخدمات) حتى فبراير 2019 إلى 483.92 مليار دولار أمريكي بنسبة 8.73 %. (28) مقارنة بـ 252 مليار دولار أمريكي في عام 2006.[xlix]
في حين زاد إجمالي واردات الهند ما قيمته 507.6 مليار دولار من السلع من جميع أنحاء العالم في عام 2018 ، بزيادة 10.5 ٪ منذ عام 2014 وبنسبة 14.3 ٪ من 2017 إلى 2018.
وتمثل مجموعات المنتجات التالية أعلى قيمة بالدولار في مشتريات واردات الهند خلال عام 2018. الوقود المعدني بما في ذلك النفط: 168.6 مليار دولار أمريكي بنسبة (33.2٪)، الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة: 65 مليار دولار بنسبة (12.8 ٪)، الآلات والمعدات الكهربائية: 52.4 مليار دولار بنسبة (10.3 ٪)، الآلات بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر: 43.2 مليار دولار بنسبة (8.5 ٪)، المواد الكيميائية العضوية: 22.6 مليار دولار بنسبة (4.4 ٪)، المواد البلاستيكية: 15.2 مليار دولار بنسبة (3٪)، الحديد والصلب: 12 مليار دولار بنسبة (2.4 ٪)، الدهون الحيوانية / النباتية والزيوت والشمع: 10.2 مليار دولار بنسبة (2٪)، الأجهزة البصرية والتقنية والطبية: 9.5 مليار دولار بنسبة (1.9٪)، المواد الكيميائية غير العضوية: 7.3 مليار دولار بنسبة (1.4 ٪) من إجمالي الواردات.[l]
يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر من الأمور الحيوية بالنسبة للهند فطبقا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأونكتاد بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الهند بـ 34.4 مليار دولار 2014 أمريكي بنسبة نمو بلغت %22.1 مقارنة بـ28.2 مليار دولار أمريكي في عام 2013. وارتفعت قيمة الاستثمارات الهندية في الخارج من 1.68 مليار دولار في عام 2013 إلى ما يقارب 9.8 مليار دولار في عام 2014 بنسبة نمو سنوية وصلت إلى 487%.[li]
ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الهندي (FDI) بمقدار 3724 مليون دولار أمريكي في مارس من عام 2019.
وبلغ متوسط الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند 1343.51 مليون دولار أمريكي من عام 1995 حتى 2019 ، ووصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق بلغ 8569 مليون دولار أمريكي في أغسطس من عام 2017 وأدنى مستوى قياسي بلغ -1336 مليون دولار أمريكي في عام 1991.
ومن أبرز القطاعات التي تجذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند الاتصالات، والخدمات، والسيارات، والتجارة، والأجهزة الإلكترونية، والبرمجيات، ويأتي أغلب الاستثمار الأجنبي المباشر من دول اليابان، وسنغافورة، وهولندا.[lii]
ووفقًا للبنك الدولي، فإن الهند تعد من عشر دول جذبا الاستثمار الأجنبي المباشر حيث بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند 44.4 مليار دولار في محتلة المركز التاسع في عام 2016، وجاءت الولايات المتحدة الأميركية في المركز الأول بحجم استثمارات أجنبية مباشرة بلغت قيمتها 479.4 مليار دولار، وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة المتحدة 299.7 مليار دولار لتحتل المركز الثاني ، وجاءت الصين في المركز الثالث حيث جذبت استثمارات أجنبية بقيمة 170.6 ، بينما جاءت هولند في المركز الرابع لتجذب استثمارات أجنبية بقيمة 80.8 مليار دولار، وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في أيرلندا 79.2 مليار دولار لتحتل المركز الخامس وجذبت البرازيل استثمارًا أجنبيًا مباشرًا بقيمة 78.9 مليار دولار عام لتحتل المركز السادس، واحتلت سنغافورة المركز السابع وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر فيها 61.6 مليار دولار بينما جاءت ألمانيا في المركز الثامن حيث جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 52.5 مليار دولار، في حين جاءت فرنسا في المركز العاشر جذبت فرنسا استثمارًا أجنبيًا مباشرًا بقيمة 42.3 مليار دولار.[liii]
وطبقا لتقرير الاستثمار العالمي التابع لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الصادر في عام 2018 تم أيضا تصنيف الهند من ضمن أعلى عشر اقتصادات جذباً للاستثمارات الأجنبية على مستوى العالم طبقاً لتقرير حيث حققت تدفقات الاستثمارات الأجنبية الداخلية رقم قياسي إذ وصلت إلى 44.5 مليار دولار أمريكي لعام 2017 ، وتراجعت تدفقات الاستثمارات في الهند عام 2017 إلى 39.9 مليار دولار أمريكي عقب تيار التراجع العالمي.
وفي عام 2018 ، استمر ثبات هذا الرقم حيث شهدت الهند اتفاقيات داخلية بأكثر من 38 مليار دولار أمريكي.
واستطاعت الهند لأول مرة منذ عقدين من الزمن تلقي استثمارات أجنبية أكثر من جارتها الصين التي كانت السوق المنبعثة المفضلة تاريخياً. كما أن معدل النمو الكلي الذي تشهده الهند يرجع إلى أصولها العديدة خاصة مستواها العالي فيما يتعلق بالتخصص في الخدمات، توافر العمالة الغير مكلفة، الماهرة والتي تتحدث باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى سوق محتمل للمليارات من المواطنون. ولقد وافق مجلس الوزراء الهندي في شهر يناير من عام 2018 على عدد من التعديلات الهامة بالنسبة لسياسة الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلد وذلك من أجل تحرير وتبسيط ذات السياسة. وفي الثلاث أعوام الأخيرة، قامت الحكومة بتسهيل 87 قانون فيدرالي متعلق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدار 21 قطاع.
وفي عام 2018 ، تمثلت البلاد المستثمرة الأساسية في الهند في سنغافورة، موريشيوس، هولندا، الولايات المتحدة، اليابان، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة وقبرص. وتم توجيه الاستثمارات بشكل أساسي تجاه المواد الكيميائية، الخدمات، برمجياتو معدات الحاسب الآلي، الاتصالات، صناعة السيارات، البناء، الطاقة والمنتجات الدوائية.[liv]
أتاحت العولمة للهند فرصة للحصول على نمو اقتصادي مرتفع وسريع وعلى نفوذ سياسي أكبر مما أحدث نقلة نوعية سريعة في مكانتها في الاقتصاد والسياسة الدولية، حيث تحولت الهند إلى قوى اقتصادية عالمية رائدة، ويرجع ذلك إلى سوق الهند وعلاقتها مع القوى الغربية المتحكمة في في مؤسسات العولمة من ناحية وعلاقتها بدول الجنوب المتضامنة معها دوليا من ناحية أخرى.[lv]
ففي السنوات القادمة تحاول الهند عولمة نفسها مع 535 منغرس في الصين نفسها حاليا حيث ترى مركزها الثاني للـ Sourcing في العالم في السنوات القادمة.
وعن تأثير الهند على خارطة الطاقة العالمية فهي لا تزال غير معروفة بشكل جيد، على العكس من الصين التي اكتشف العالم في عام 2004 تأثير الصين على سوق النفط العالمي التي تمثل 8% من الاستهلاك العالمي و40%من الطلب الهامشي. ومع أقل من نصف كميات الصين تعد الهند الآن فصاعدا سادس مستهلك عالمي للنفط والثالث في التغيرات الهامشية بعد الصين والولايات المتحدة، ففي العقد الأخير ارتفع استهلاكها من النفط بما يزيد قليلا عن 6% سنويا مقابل 1.5% في الاستهلاك العالمي.
وعن قطاع الصناعات البتروكيماوية، فإن التطور السريع في للهند في الصناعات البتروكيمياوية مع أكبر مصفاة قيد البناء (20 مليون طن)، يجعل من الهند تدريجياً واحداً من الفاعلين في هذا القطاع فضلا عن تضاعف مقتنياتها في أفريقيا والاتحاد السوفيتي السابق كما في المشاريع الاستراتيجية للجر من إيران وآسيا الوسطى أو مينمار وعلى حساب سلام استراتيجي مع باكستان.[lvi]
الهند اليوم صاحبة ثاني أسرع اقتصاد نموا في العالم بعد الصين، الأمر الذي مكانها من أن تقفز من عاشر أكبر اقتصاد في العالم في عام 2005 إلى خامس اقتصاد في العالم بمعيار القدرة الشرائية (PPP)، ومن المتوقع أن يتضاعف طبقا لتصريحات رئيس وزرائها مودي في المنتدى الاقتصادي العالمي 2018، إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2025.
إن صعود الهند في الاقتصاد العالمي في مرحلة الاستدراك يأخذ بالتدريج محل صورتها التقليدية للفقر الشعبي.
فظاهريا تتوافر الشروط اللازمة لكي تحافظ الهند على مسار نموها السريع وتحظى بمكان جانب الصين كأحد الاعبين السياسين والاقتصاديين الجدد في العالم لا بد من مجابهة التحديات التي ترصدها لاحقا.
ثانيا: الصعود الاقتصادي الهندي على أولويات السياسة الخارجية.
ارتكزت سياسة الهند الخارجية في العقود الأولى التي أعقبت فجر استقلالها، على مبادئ عدم الانحياز، ودورها الريادي لدول العالم النامي، مستثمرة في ذلك عراقتها الديمقراطية، وامتثال قادتها السياسيين لقيم العدل المثالية. الأمر الذي تجلى بقوة في مقاومتها للتقسيم الشائع آنذاك للعالم إلى كتلة شرقية وأخرى غربية، ونضالها من أجل إعادة التوزيع العادل للثروة عالمياً وحصول الدول الفقيرة على المساعدات الاقتصادية.[lvii]
وقد كشفت مراجعة السياسة الخارجية الهندية منذ تولي "ناريندرا مودي" السلطة في مايو 2014 عن تطلعات عالمية تستهدف تنويع شركاء الهند، والانخراط في عملية إعادة هيكلة النظام الدولي، وعدم الاكتفاء بعلاقات التحالف مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وهو ما عبر عنه "مودي" في كلمته أمام "حوار شانغريلا"" -الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة في يونيو 2018- بتركيزه على دور الهند كحلقة وصل بين المحيطين الهندي والهادي ومركز عالمي للتجارة والتكنولوجيا والتنمية.
وقد تمثلت أهم دوافع مراجعة الهند لعلاقاتها مع الولايات المتحدة فيما يلي:
2- سعى الهند للتقارب مع روسيا لاستعادة القدرة على المناورة في علاقاتها الخارجية عبر تعزيز العلاقات مع روسيا لتصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بحيث تصبح روسيا الموازن الاستراتيجي لعلاقات الهند مع الولايات المتحدة، وهو ما يتسبب في توتر العلاقات بين الهند والولايات المتحدة بسبب سعي الأخيرة لفرض سياسات معاقبة روسيا على حلفائها في القارة الآسيوية.
وتجدر الإشارة، أن الاحتفاء الهندي بزيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى الهند، في أكتوبر 2018، وتوقيع أكثر من 20 اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي كان بمثابة رسالة إلى الولايات المتحدة بعدم قبول فرض الوصاية على سياسات الهند الخارجية. فضلا عن التعاقدات العسكرية، حيث توافقت الدولتان على زيادة التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة، وإبرام اتفاق للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا.
3- إصرار الهند على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران رغم العقوبات الأمريكية، بسبب سعيها للاستفادة من فرص الاستثمار والتعاون مع إيران. وتعتبر الهند العقوبات الأمريكية فرصة لن تتكرر لتحقيق مكاسب من التعاون الاقتصادي مع إيران نتيجة لتراجع المنافسة وإحجام الدول الأخرى عن الانخراط في علاقات اقتصادية مع إيران خوفًا من العقوبات الأمريكية، وهو ما يفسر سعي الهند لرفع مستويات التبادل التجاري مع إيران، والاستثمار في ميناء تشابهار الهندي، فضلًا عن التعاون العسكري والأمني بين الدولتين لتحجيم تأثيرات عدم الاستقرار في أفغانستان.
4- تتبع الهند سياسات واقعية مرنة -على مدار فترة تولي رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" للسلطة- تقوم على تحقيق المصالح مع التحرر من القيود الأيديولوجية والتزامات التحالفات، ويرتبط ذلك بالرؤية القومية للحزب الحاكم في الهند "بهارتيا جاناتا" التي تنطلق من رؤية قومية للمصالح الهندية تركز على المكاسب المباشرة في العلاقات الخارجية، وتجنب تحمل تكلفة دون تحقيق عوائد، بالتوازي مع التطلع لشغل مكانة "القوة المركزية" في جنوب آسيا، والتحول إلى قوة عالمية ضمن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.[lviii]
5- تركيز رئيس الوزراء الهندي على كيفية حسم الانتخابات التشريعية وانتخابات الولايات التي اكتملت مراحلها خلال شهري أبريل ومايو 2019 والتي كانت تعد بمثابة "مخاض عسير" لحزب بهارتيا جاناتا الحاكم، نظرا ًلتصاعد الانتقادات لتردي أداء الاقتصاد الهندي، وتصاعد معدلات البطالة، فضلا عن انتشار الاضطرابات وعدم الاستقرار في بعض الولايات الهندية.
وفي مواجهة هذه الضغوط، تسعى حكومة "مودي" لخلق أكثر من 10 ملايين وظيفة خلال العام، وهو ما يدفعه للتركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا وإيران، ومحاولة احتواء التصعيد مع الصين، بالإضافة إلى مقاومة الضغوط الأمريكية لرفع الرسوم الجمركية على الصادرات الأمريكية لحماية القطاع الصناعي الهندي، وهو ما يرتبط بالاستمرار في اتباع سياسة "اصنع في الهند" التي اتبعتها حكومة "مودي" لتشجيع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الصناعة والخدمات بهدف خلق المزيد من فرص العمل.[lix]
وعلى الرغم من التباعد النسبي في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، إلا أن معادلات المصالح بينهما سوف تدفعهما للحفاظ على علاقات التحالف خوفًا من تهديدات التمدد الإقليمي للصين في المحيط الهندي، وهو ما يتصل بتبني الولايات المتحدة سياسة شديدة المرونة تجاه الهند تسمح للأخيرة بتنويع شركائها، والتقارب مع روسيا وإيران دون أن يمتد ذلك لإحداث تحولات جذرية في توجهات الهند تجاه الصين وسياستها التوسعية في جنوب آسيا. [lx]
فمن المرجح أن يواصل جو بايدن النظر إلى الهند كحليف رئيسي في صد الصين. يذكر أنه على مدار السنوات القليلة الماضية، كان هناك إدراك داخل واشنطن بشأن السلوك العدواني للصين،[lxi] وهناك إجماع إلى حد ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على كون الصين منافساً استراتيجياً، ومصدر تهديد حقيقي.[lxii]
خاتمة الدراسة
من العرض السابق يتضح أن الصعود المتواصل للهند للحاق بركب القوى الاقتصادية الكبرى والتقارب في علاقاتها مع الصين محفوف بالمخاطر، ويلقي عليها أعباء كبيرة حيث بدأ الصعود مع إصلاحات التسعينات، وتراجع بشدة في أعقاب أزمة 2008، وما كاد يعاود الصعود مع توجهات ناريندرا مودي التحفيزية، حتى صدمته جائحة كورونا، بمعنى بقاء الهند بلداً كبيراً لكن دون أن يشارك في قيادة الاقتصاد العالمي، ودون أن تكون الهند ذلك العملاق القائم على مزيج النمو السريع والديمقراطية، القريب من الغرب، والمغاير للنظام الصيني الشمولي.
فعلى الرغم من محاولة صعود الهند، وازدياد ثروتها الاقتصادية، وطموحها العالمي، كلها عوامل ترشحها للاضطلاع بدور أكثر فاعلية في الشأن العالمي، بافتراض استمرار التحسن، ولكن لا يزال الوقت مبكرا لعد الهند قوى كبرى، فلا يزال أمامها عقود طويلة للتغلب على التحديات الداخلية والإقليمية التي تحيط بها.
ويجب على الهند في الفترة القادمة العمل على إعادة توجيه سياستها الصناعية نحو تقليل الحواجز التجارية وزيادة الاندماج في سلاسل التوريد العالمية، ومعاملة جميع الشركات على قدم المساواة، كما تحتاج عملية صنع السياسات نفسها إلى التحسين، حتى تتمكن الحكومة من إنشاء بيئة اقتصادية مستقرة تنعش التصنيع والصادرات.
[i] خضر عطوان، القوى العالمية والتوازنات الإقليمية (الأردن : دار أسامة للنشر والتوزيع،2009)، ص14-16.
[ii]Thomas Renard (2010), "G20: Towards A New World Order", Studia Diplomatic, Vol. 13, No. 2, p5.
[iii]A. F. K. Organski, The Powr Transition in: James N. Rosenau, ed., Political Foreign Policy (New York: The Free Press of Glencoe, 1961), pp. 371-372.
[iv] أسامة فاروق مخيمر، التمدد الحضاري.. رهانات عرنة القوة الناعمة لتعزيز الصعود الهندي، مجلة السياسة الدولية، العدد 217، يوليو 2019، ص 25.
[v]Joseph S Nye (2011), The Future of Power, New York: Public Affairs, 1st ed, p11.
[vi] صفاء حسين على، استراتيجية القوة الذكية وأثارها في السياسة الخارجية الصينية، مجلة الجامعة العراقية، العدد 47، ج3، ص 365.
[vii]Ernest J. Wilson, III, “Hard Power, Soft Power, Smart Power”, Annals of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 616, Public Diplomacy in a Changing World (Mar., 2008), pp. 110-124, Published by: Sage Publications, Inc. in association with the American Academy of Political and Social Science, Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/25097997, p. 116.
[viii]Lauren M. Phillips (2008), ‘’International relations in 2030: The transformative power of large developing countries’’, Discussion Paper, Bonn: Deutsches Institut fur Entwicklungspolitik, p. 18.
[ix]جارش عادل، القوى الصاعدة: دراسة في أبرز المضامين والدلالات، على الرابط التالي:
https://democraticac.de/?p=38993
[x]Oliver Stuenkel (2012), "India's National Interests and Diplomatic Activism: Towards Global Leadership?", in: India: The Next Superpower? IDEAS Reports, London, LSE IDEAS, p. 34.
[xi]Baldev Raj Nayar (2006), India’s Globalization: evaluating the Economic Consequences, Policy studies, Washington: Est-West Center, pp. 10-23.
[xii]الدكتور مانموهان سينغ هو رئيس وزراء الهند الثالث عشر، هو خبير اقتصادي تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد وكامبردج ويعزى إليه الفضل في تشكيل إصلاحات الرعاية الاجتماعية والاقتصادية في الهند، لمزيد من التفاصيل انظر الرابط التالي:
https://www.indiatoday.in/manmohan-singh
[xiii]ترخيص الراج مصطلح يستخدم لوصف تنظيم القطاع الخاص في الهند في الفترة من 1947 وحتى أوائل التسعينيات. كان الترخيص Raj ناجحًا إلى حد كبير في الخمسينيات وما بعده ، لكنه أدى في النهاية إلى انخفاض معدلات النمو والاستثمار، انظر الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=8e6oBm5epRw
[xiv]أتال بيهاري ڤاجپايي ، أول رئيس وزراء للهند، ينتمي إلى حزب ديني، هو من أسسه. ويُنسب إليه تحويل الهند إلى الهندوسية السياسية (هندوتڤا)، بما في ذلك تطبيق الشريعة الهندوسية، انظر الرابط التالي:
https://www.mapsofindia.com/who-is.../atal-bihari-vajpayee.html
[xv]India - Economic Growth and Development
https://www.tutor2u.net/economics/reference/india-economic-growth-and-development
[xvi]India trade statistics
https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/IND
[xvii]Francesca Beausang, 2012, Globalization and the BRICs: Why the BRICs Will Not Rule the World for Long, New York, Palgrave Macmillan, p. 42.
[xviii]محمد فرحات، بالأرقام.. الهند تنافس الكبار في الاقتصاد العالمي، 2019، على الرابط التالي:
https://al-ain.com/article/numbers-india-competing-global-economy
[xix]المرجع السابق.
قاعدة بيانات البنك الدولي، معطيات الناتج المحلي الاجمالي للهند، على الرابط التالي: [xx]
https://ar.tradingeconomics.com/india/gdp
[xxi]India's surprising economic miracle". The Economist. 30 September 2010, Retrieved 2010-09-30.
https://www-economist-com.translate.goog/leaders/2010/09/30/indias
[xxii]Maharashtra » Maharashtra Economic Development Council". medcindia.com. Retrieved 2014-04-12.
[xxiii]India continues on its remarkable economic growth journey https://www.worldfinance.com/markets/india-continues-on-its-remarkable-economic-growth-journey
[xxiv]John D. Ciorciari, (2011), “India’s Approach to Great-Power Status", the fletcher forum of world affairs, vol.35, No. 1p. 61.
[xxv]https://www.noonpost.com/content/18727
[xxvi]John D. Ciorciari, Op. Cit, p. 63.
[xxviii]Devika Sharma and Jason Miklian (2016), India’s global foreign policy engagements – a new paradigm? Oslo: The Norwegian Peacebuilding Resource Centre, February.
[xxix]https://drive.google.com/file/d/1P5pNejWvecHcw5HvMZhiBPL55NH6cwiA/view?usp=drivesdk
[xxx]Chris Ogden (2011), “International ‘aspirations’ of a rising power”, in: David Scott (ed.), Handbook of India’s International Relations, UK: Routledge, p. 10.
[xxxiii]India's Strong Economy Continues to Lead Global Growth https://www.imf.org/en/News/Articles/2018/08/07/NA080818-India-Strong-Economy-Continues-to-Lead-Global-Growth
[xxxiv]Harish Wankhede, (March 2012) "Globalisation, Society and Inequalities", in: Nicholas Kitchen (ed.), India: The Next Superpower? IDEAS Reports, (London: LSE IDEAS, p. 39.
[xxxvi]حسن الرشيدي، هل تستطيع الهند ان تكون قوة عالمية، مجلة البيان، العدد 2022، على الرابط التالي:
[xxxvii]Will India be the engine of growth for the global economy in future? http://www.tpci.in/blogs/will-india-be-the-engine-of-growth-for-the-global-economy-in-future/
[xxxviii] عنأدبياتالمقارنةبينالصعودالصينيوالهندى:
Edward Friedman and Bruce Gilley (eds.) (2005), Asia’s Giants: Comparing China and India, New York: Palgrave Macmillan,; Jairam Ramesh, (2005), Making Sense of Chindia: Reflections on China and India ,New Delhi, India Research Press; David Smith, (2007), The Dragon and the Elephant: China, India and the New World Order, London, Profile Books, Pete Engardio, ed2007), Chindia: How China and India are Revolutionizing Global Business, New York: McGraw Hill, Robyn Meredith, (2008), The Elephant and the Dragon: The Rise of India and China and What It Means for All of Us (New York, W.W. Norton & Co., George J. Gilboy and Eric Higginbotham , (2012), Chinese and Indian Strategic Behavior: Growing Power and Alarm , New York, Cambridge University Press.
[xxxix]Role of India in the global economy
https://m.economictimes.com/role-of-india-in-the-global-economy/articleshow/193898.cms
[xl] مصباح قطب، لماذا لا يقود التفوق التكنولوجي الهندي الاقتصاد العالمي؟، ديسمبر 2021، على الرابط التالي:
https://www.alroeya.com/60-65/2258878-
انظر: السياسة الخارجية للهند بين عامي (1991-1998)، على الرابط التالي: [xli]
https://www.gktoday.in/gk/indias-foreign-policy-between-1991-and-1998
[xliii]India's trade: full list of exports, imports and partner countries, Look:
https://www.theguardian.com/news/datablog/2013/feb/22/cameron-india-trade-exports-imports-partners
[xliv]World Investment Report 2015 - Reforming International Investment Governance, Look:
https://unctad.org/en/pages/PublicationWebflyer.aspx?publicationid=1245
[xlv]Cedric de Coning, Thomas Mandrup and Liselotte Odgaard (eds), (2015), The BRICS and coexistence: an alternative vision of world order, New York, Routledge, p 220.
[xlvi]India and G20: How India can reshape world economic and financial order, Look: https://www.brookings.edu/opinions/india-and-g20-how-india-can-reshape-world-economic-and-financial-order/
[xlvii]جان جزيف بوالو (مؤلف)، صباح ممدوح كعدان (مترجم)، (2011) ، الاقتصاد الهندي (دمشق: منشورات الهيئة العامة للكتاب السوري(، ص108.
[xlviii]India at the 2018 G20 Summit: Modi's Outreach, Look: https://thediplomat.com/2018/12/india-at-the-2018-g20-summit-modis-outreach/
[xlix]https://tradingeconomics com/india/foreign-direct-investment
[l]Yan Yunxiang) 2002(“Managed Globalization: state power and cultural transition in China”, in: Peter Berger and Samuel Huntington (eds.), Many Globalizations: Cultural Diversity in the Contemporary World, Oxford, Oxford University Press, p. 20.
[li]Harold James) 2008), “The Rise of the BRICs and the new logic in international politics”, The International Economy, p. 41.
[lii]Ashley J. Tellis) 2010(,"Strategic Asia: Continuing Succes with Continuing Risks", in: Ashley J. Tellis, Andrew Marble and Travis Tanner, Asia’s Rising Power and America’s continued purpose (Seattle and Washington D.C). Strategic Asia -11, p. 110.
[liii]https://data.worldbank.org/indicato
[lv]Rudra P. Pradhan, (2010), “Globalization in India: With special reference to 1990s”, Journal of Economics and International Finance, Vol. 2, No. 5, p. 76.
[lvi]جان جزيف بوالو ، مرجع سابق، ص 128.
[lvii]Shalendra D. Sharm )2009(, China and India in the Age of Globalization, Cambridge University Press, p. 104.
[lviii]Sean Kay (2004), “Globalization, Power, and Security”, Security Dialogue, Vol. 35, No. 1, p. 15.
[lix]Fareed Zakaria )2008(, The post-American world, New York, London, W. W. Norton & Company Ltd, p. 153.
[lxi] براكريتي غوبتا، العلاقات الأميركية ـ الهندية في عهد بايدن: تحديات حقوقية وتعزيز التعاون التجاري، جريدة الشرق الأوسط، ديسمبر 2020، على الرابط التالي:
https://aawsat.com/home/article/2679411/
[lxii] فاروق طيفور، الدول الصاعدة وعالم ما بعد الهيمنة الامريكية، مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد 14، العدد 2، سبتمبر 2021. ص 395.