نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ القانون الدولي " الزائر " في أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا.
المستخلص
نقاط رئيسية
مقدمـــة:
تَتردد حكومات الدول في الحوار مع الجماعات المسلحة المتمردة على هذه الدول وتحاربها، وسواء أكان الغرض من ذلك الحوار التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أو حين يهدف الحوار لأي اتفاق على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع المسلح، أو الاتفاق على أطر قانونية من أجل توفير وترقية الحماية لهؤلاء المدنيين.
وبالرغم مما يشوب هذا الحوار مع الجماعات المسلحة من تعقيدات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة للغاية أحيانا لا تحظي بشعبية بين الجمهور، خاصة في حالات الحوار مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لكن أوضحت التجارب العملية في بلدان وأقاليم عديدة من العالم، خاصة في السنوات الأخيرة، أن المشاركة البناءة في التفاعل مع الجماعات المسلحة يمكن أن تخلق ظروفًا مواتية للحل السلمي للنزاعات.
تُظهر العديد من التجارب سواء في أيرلندا الشمالية أو أفغانستان أو العراق أو السودان أو الفلبين أو كولومبيا، وغيرها من الدول ضرورة أن يكون هناك افتراض صريح منذ البداية بأنه من المقبول سياسياً وقانونياً - بل ومن المفيد بالفعل - إشراك جماعة مسلحة في الحوار من أجل التوصل لإنهاء النزاع المسلح العنيف.
جَليٌ أن من المستحيل صنع السلام دون التحدث مع أولئك الذين يقاتلون خلال مجموعة متنوعة من الأساليب البناءة، لتشجيع عودة أعضائها للمجتمع المدني، وتوفير مساحة للتأمل الذاتي والاستجواب، أو لإعدادهم لسلام بنّاء.
في حالات محددة قد تمارس بعض الحكومات والجماعات والمنظمات غير الحكومية - المحلية والدولية - نفوذاً على جماعة مسلحة من خلال الحياد السياسي المتصور، أو التواصل أو بناء علاقات الثقة، ويساعد ذلك على فهم ديناميكيات المجموعة ودوافعها بشكل أفضل.
الكلمات الرئيسية
تَتردد حكومات الدول في الحوار مع الجماعات المسلحة المتمردة على هذه الدول وتحاربها، وسواء أكان الغرض من ذلك الحوار التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أو حين يهدف الحوار لأي اتفاق على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع المسلح، أو الاتفاق على أطر قانونية من أجل توفير وترقية الحماية لهؤلاء المدنيين.
وبالرغم مما يشوب هذا الحوار مع الجماعات المسلحة من تعقيدات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة للغاية أحيانا لا تحظي بشعبية بين الجمهور، خاصة في حالات الحوار مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لكن أوضحت التجارب العملية في بلدان وأقاليم عديدة من العالم، خاصة في السنوات الأخيرة، أن المشاركة البناءة في التفاعل مع الجماعات المسلحة يمكن أن تخلق ظروفًا مواتية للحل السلمي للنزاعات.
تُظهر العديد من التجارب سواء في أيرلندا الشمالية أو أفغانستان أو العراق أو السودان أو الفلبين أو كولومبيا، وغيرها من الدول ضرورة أن يكون هناك افتراض صريح منذ البداية بأنه من المقبول سياسياً وقانونياً - بل ومن المفيد بالفعل - إشراك جماعة مسلحة في الحوار من أجل التوصل لإنهاء النزاع المسلح العنيف.
جَليٌ أن من المستحيل صنع السلام دون التحدث مع أولئك الذين يقاتلون خلال مجموعة متنوعة من الأساليب البناءة، لتشجيع عودة أعضائها للمجتمع المدني، وتوفير مساحة للتأمل الذاتي والاستجواب، أو لإعدادهم لسلام بنّاء.
في حالات محددة قد تمارس بعض الحكومات والجماعات والمنظمات غير الحكومية - المحلية والدولية - نفوذاً على جماعة مسلحة من خلال الحياد السياسي المتصور، أو التواصل أو بناء علاقات الثقة، ويساعد ذلك على فهم ديناميكيات المجموعة ودوافعها بشكل أفضل.
إشكالية الدراسة
بالرغم من التحول النوعي الدراماتيكي في طبيعة النزاعات المسلحة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991، و صيرورة النزاع المسلح غير الدولي النمط الغالب في معظم النزاعات المسلحة التي شهدتها الثلاثة عقود الأخيرة، و بالرغم أيضاً أن هذه النزاعات المسلحة غير الدولية كانت الجماعات المسلحة فاعلاً رئيسياً فيها، بيد أن ما برحت غالبية الدول تشكك في طبيعة النزاع السلح الذي ينشب في إقليمها، بل و تشكك أيضاً في ثمة شخصية قانونية تحوذها هذه الجماعات بموجب كلاً من القانون الدولي الإنساني، والتشريعات الوطنية لهذه الدول؛ لذلك ستتناول هذه الدراسة و تجيب عل هذه الإشكالية من خلال تناول أهم المسائل القانونية التي تثيرها مسألة جد حيوية، وهي "التواصل مع المجموعات المسلحة من غير فاعلي الدولة".
أهمية الدراسة:
تَنبع أهمية الدراسة لكونها تتناول أحدث القضايا والمسائل القانونية المرتبطة بالتواصل مع الجماعات المسلحة من غير فاعلي الدولة، سواء تعلق ذلك بمسألة مبدئية في هذا الصدد وهي مدي تمتع هذه الجماعات بالشخصية القانونية، فضلا عن كيفية وأهمية وتحديات التواصل مع هذه الجماعات، ولم تغفل الدراسة عن الاسترشاد بأحدث المراجع المختلفة التي تناولت الموضوع.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على أهم المسائل القانونية التي تهم الباحثين المعنيين بدراسة الجماعات المسلحة من غير الدول بشكل عام، فضلا عن المسائل اللصيقة بالجماعات والتي لا غناء من دراستها بواسطة الباحثين مثل المسائل الآتية:
1- ماهية الفاعلين من غير الدول.
2- ماهية الجماعات المسلحة من غير الدول وأنواعها.
3- التمييز بين الجماعات المسلحة المتمردة، والميلشيات المسلحة للدولة.
4- الباعث والهدف وكيفية التواصل مع الجماعات المسلحة من غير الدولة.
5- تحديات التواصل مع الجماعات المسلحة من غير الدولة.
ماهية الفاعلين من غير الدول:
يشمل مصطلح الجماعات المسلحة الفاعلين من غير الدول: الفوضويين والإرهابين والمتمردين وأمراء الحرب الذين يحاربون دولتهم ولا ينصاعون لأية قوانين [i]،[ii]، وتلجأ هذه الجماعات المسلحة لاستخدام القوة دون ترخيص مسبق من الدولة [iii]، ولأجل تحقيق أغراض (منافع) خاصة لهذه الجماعات مثل: الوصول للحكم، ونهب الممتلكات، وجمع الأموال، وأحياناً ما تستخدم هذه الجماعات لصالح دول أخرى تدفع لها الأموال كما هو الحال بشأن المرتزقة، فتحارب هذه الجماعات حروب الوكالة لصالح هذه الدول الأخرى[iv].
ماهية الجماعات المسلحة من غير الفاعلين للدول:
بالنظر للسياقات المتقاطعة، والطابع المتغير للنزاعات المسلحة التي لم تعد في واقع الحال تقتصر على النوعين الرئيسيين: نزاع مسلح دولي، وآخر غير دولي[v]، يصعب تحديد تعريف حاسم لمثل هذه المجموعات المسلحة[vi]، ولكن يتسم معظمها وفق كثير من الباحثين بهذه السمات المميزة لها: (1) الرغبة والقدرة على استخدام القوة المسلحة لتحقيق أغراضها؛
(2) غير مندمجة في مؤسسات الدولة الرسمية؛
(3) تحوز درجة معينة من الذاتية فيما يخص سياستها وعملياتها العسكرية ومصادرها وتنظيمها الهيكلي[vii].
أنواع المجموعات المسلحة:
في دراسة للباحث الدكتور وسيم أحمد القرشي، صَنّف عدد من أهم التنظيمات التي تعد من فئات الجماعات المسلحة من غير الفاعلين الدول، فأشار إلى المتمردين المسلحين لأنهم لا يتمتعوا بأي حقوق حيث يستخدموا السلاح بشكل غير شرعي ضد الدولة والمدنيين، ويُعدّون مُلزمين بتشريعات الدولة الداخلية المتعلقة باللجوء للقوة المسلحة، ويُعدون وفق تشريعات هذه الدول مجرمين مطلوبين للعدالة ،أما المرتزقة فقد عَدّها وسيم إنها مجموعات مسلحة غير القانونية تحارب حروب الوكالة[viii] من أجل المال ضد دولهم أو عبر الحدود، والإرهابيين بوصفهم مجموعات مسلحة من غير الفاعلين بالدولة يستخدمون القوة المسلحة بشكل أيضًا غير شرعي ضد الدول والمدنيين لأغراض سياسية أو الحصول على السلطة أو لأسباب دينية[ix].
في ذات الصدد فإن جماعات مسلحة مثل داعش يمكن أن تُوسم بأنها "جماعات مسلحة منظمة" بمقتضى القانون الدولي الانساني أو بمقتضى القانون الدولي الجنائي، ويمكن أيضا وصمها بالجماعات "الإرهابية"، بمقتضى التشريعات الداخلية للدول، والقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن وقوائمه الخاصة بالإرهاب. وتنطبق هذه الحقيقة القانونية أيضًا على الأفراد أعضاء هذه الجماعات، ويستمد وصف داعش بكونه "جماعة مسلحة منظمة"، في المعيار الذي طوره كل من: القانون الدولي الانساني، والقانون الدولي الجنائي، تأسيسيًا على عوامل عديدة: السيطرة الإقليمية، والهيكل القيادي، والاستراتيجية العسكرية[x].
ابتداءًمن الضروري تحديد أن المقاتلين الأجانب لا يندرجون ضمن فئة المرتزقة وفقًاً لقانون النزاعات المسلحة الدولية، ويستلزم اعتبارهم هكذا أن تتوافر الشروط التراكمية والمجتمعة التي نصت عليها المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف عام 1977.[xi]
ومع ذلك فإن تحديد أفراد الجماعة المسلحة مهم بشكل أساسي من ناحية حماية السكان المدنيين الذين لا يجوز أن يكونوا هدفًا لهجوم، في حين أنه لابد من الرجوع للمبدأ الذي بموجبه لا يعد المتمردون مقاتلين شرعيين فيمكن معاقبتهم، ويشمل ذلك المقاتلين الأجانب فقط لأنهم شاركوا في الصراع، وتبقى مسألة أن التوصيف القانوني، داخلياً أو دولياً، أو التوصيف السياسي لجماعة مسلحة على أنها إرهابية، لا علاقة له بوجود نزاع مسلح ينظمه القانون الدولي الإنساني[xii].
الميليشيات النظامية التابعة للدولة:
اُستخدِم مصطلح المليشيات لأول مرة في إعلان بروكسل عام 1874م [xiii]، غير أن هذا المصطلح تَعدّد استخدامه وبمفاهيم مختلفة، وكانت بداية استخدامه في منتصف القرن التاسع عشر، حيث استخدمته الدول التي كان لديها قوات مسلحة صغيرة وقليلة العدد مثل سويسرا [xiv]، وكوستاريكا[xv].
ولم يذكر البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977[xvi] مصطلح الميليشيات بل حاز المصطلح شهرة حين تحدث عن المجموعات والوحدات المنظمة من فرق المتطوعين النظاميين، حيث تضمنت المادة الرابعة ( أ ) من البروتوكول على فئة المتطوعين الذين يشكلون جزءًا من القوات المسلحة النظامية الحكومية، ويكون ذلك التطوع إما بناء على دعوة من القوات المسلحة النظامية للدولة، أو من تلقاء المتطوعين أنفسهم، وكانت فرق المتطوعين الأجانب مع القوات الفرنسية في الحرب العالمية الأولى قد شاركت مع الجيش الفرنسي[xvii]، فضلًا عن فرق وأفواج من المتطوعين الصينيين في الحرب الكورية مع القوات الكورية الشمالية عام 1950-1953[xviii].
لكن بخصوص وحدات الاحتياط غير النظامية التي لا تشكل جزء من القوات المسلحة النظامية فيمكن اعتبار هذه الفئة بأنها مجموعة من العسكريين الذين انتهت مدة خدمتهم النظامية والاحتياطية والذين يتشكلون أثناء النزاع المسلح في فرق ووحدات تخضع لقيادة مسئولة خاصة بها، وإن كانت تنتمي وتؤيد القوات المسلحة النظامية مثل مشاركة الحرس المدني البلجيكي في مقاومة القوة الألمانية أثناء الحرب العالمية الأولى[xix].
أيضًا هناك جبهات التحرر الوطني التي تكافح ضد المستعمر[xx]، وهنا فقد انضمت الحكومة الجزائرية المؤقتة إلى اتفاقيات جنيف، حيث تلقت وزارة الخارجية السويسرية أوراق انضمام الجزائر عن طريق وزارة الخارجية الليبية ثم قامت سويسرا بالرد على طلب الانضمام بالإيجاب في 20 سبتمبر عام 1960 بوصفها السلطة المكلفة بإدارة هذه الاتفاقيات.
كان هدف ذلك الانضمام هو الاعتراف بثورة التحرير الجزائرية طرفًا في نزاع مسلح، وتحديدًا إجبار فرنسا على الاعتراف بهذه الثورة كطرف في النزاع المسلح وقد أصدرت الحكومة المؤقتة الجزائرية العديد من التعليمات والقرارات تؤكد انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على الوضع في الجزائر[xxi].[xxii]
وبدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر رسميًا في التعاون مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بعد انضمام الأخيرة إلى اتفاقية جنيف، وظهرت آفاق التعاون بين الطرفين فيما يتعلق بقضايا القانون الدولي الإنساني، ومنها قضية مساعدة اللاجئين في الاتصال بأهاليهم الذين افترقوا عنهم نتيجة النزاع[xxiii].
الآراء المؤيدة لتمتع المجموعات بالشخصية القانونية الدولية:
يعني مصطلح "خاضع للقانون الدولي" الكيان الذي تتعلق به الحقوق والالتزامات الدولية، وعلى الرغم من هذا التعريف المبدئي الواضح فإن عدد الخاضعين الدوليين يتباين، من حيث الكم والكيف، وفقاً لاختلاف المنهجية المطبقة بشأن كل ظاهرة في الواقع. وبشكل أكثر تحديدًا تؤدي التقييمات المتنوعة القائمة على عناصر وظيفية - سواء كانت ظواهر الواقع الاجتماعية والسياسية الدولية، أم تقييم البيانات المعيارية المتعلقة بكل من هذه الظواهر المحددة - إلى استنتاجات مختلفة، ويترتب على ذلك في الواقع، وكما يرى البعض، أن الدول والمنظمات الدولية فقط هي التي تخضع لهذا القانون، في حين يرى آخرون أن الأفراد أيضا خاضعون له، وفي حالتنا هذه، المقاتلون الأجانب أيضًا[xxiv].
أيضًا، فبالرغم من إصدار ومراجعة العديد من المعاهدات الدولية المعنية بتنظيم النزاعات المسلحة غير الدولية، وبالرغم من ذلك الزخم الكبير تظل الدول فقط هي التي تملك صناعة (خلق) القانون الدولي، والأكثر من ذلك فإن القانون الدولي مُشتق من رضا من يحكمهم القانون الدولي (الدول)، ولذلك ينكر بعض الباحثين ثمة علاقة سببية بشأن إلزام القانون الدولي للفاعلين من غير الدول[xxv].
وبالرغم من أن المجموعات المسلحة لا تحوز شخصية قانونية دولية مستقلة كالتي تحوزها الدول ذات السيادة، إلا أن تظل هذه المجموعات ملتزمة بالقانون الدولي سواء الاتفاق والعرف والتشريعات الداخلية للدول المصدقة على المعاهدات الدولية ذات الصلة في بالنزاعات المسلحة، وبالرغم مما سبق فإن هذه المجموعات المسلحة قادرة على التأثير في هذه القوانين والتشريعات والصكوك السابق ذكرها وذلك التأثير يأتي تأسيسًا على نص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف عام 1949.
يرى كثير من الباحثين، أن هذه المجموعات المختلفة التي تحوز الأركان المؤهلة بصيرورتها تتمتع في الشخصية القانونية الدولية وفق القانون الدولي الإنساني حيث صدرت العديد من القرارات المنظمة الدولية، وفي الصدارة منها مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة فضلًا عن اللجان الدولية لمنظمات دولية عالمية أو إقليمية تدعو هذه المجموعات المسلحة - التي لا تعترف الدول بأهليتها لإبرام المعاهدات الدولية - بأن تقوم هذه المجموعات باحترام مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان[xxvi].
إنكار الدولة للشخصية القانونية للجماعات المسلحة:
بالرغم من التغيير الذي طرأ على مفهوم ومضمون فكرة السيادة الوطنية منذ عام 1648م وحتى الآن، إلا إن الدول ماتزال تدافع بقوة عما تعتبره ميزات وحقوق مرتبطة بنظرية السيادة الوطنية وهو ما جعل من حماية تلك السيادة إحدى التيارات الثلاث الأهم تأثيرا على تطور فكر وفقه التعاون الدولي الجنائي. فما تزال الدول تتمسك بحقها في رفض التعاون الدولي في المجال الجنائي، حين يتعارض مع مصالحها الوطنية تمسكا بأهداب السيادة التي تجعلها لا تتصرف إلا في نطاق حماية مصالحها الوطنية، ودون قبول أي تضحية بهذه السيادة [xxvii].
لقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكلاً من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقاً، والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا أن: تكييف دولة الإقليم لطبيعة النزاع على إقليمها، لا يؤثر بحال من الأحوال في تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني حين تصبح الدولة طرفاً في نزاع مسلح ضد دولة أخرى، فالحقيقة الراسخة أن الدول – ولأسباب سياسية أو لأسباب أخرى – لا تقر بوجود نزع مسلح وفق معنى المادة (2 – 1) من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال جرحى الجيوش في الميدان عام 1949م، فكما أكدت اللجنة النزاع المسلح الدولي موجود بالفعل، حين تعلن حالة الحرب لأي من أطراف النزاع بين دولتين أو أكثر من الأطراف المتعاقدة[xxviii]، وحتى إذا لم تقرها دولة من أطراف ذلك النزاع[xxix]، وقد أكدت على ذات المعنى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة[xxx].
الهدف من التواصل مع المجموعات المسلحة:
يعني التواصل مع المجموعات المسلحة تعزيز الجهود الرامية إلى احترام القانون الدولي الانساني بواسطة هذه المجموعات المسلحة وذلك من خلال وسائل مباشرة او غير مباشرة وعلى وجه الخصوص: ترقية الإدراك لدى هذه المجموعات المسلحة بموضوعات القانون الدولي الانساني والنشر والإقناع والدعم الفني وبناء القدرات لهذه المجموعات والتفاوض والحوار والدعم[xxxi].
ويهدف التواصل مع الجماعات المسلحة إلى احترام قواعد هذه الجماعات للقانون الدولي الإنساني، ومن ثم نجد أن المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لا تؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع، ولا تجعل أطراف النزاع - ومنهم بالطبع المجموعات المسلحة - يستفيدوا من نص هذه المادة، من أجل تحقيق غايات تخرج عن إطار تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني وتحديدا حماية المدنيين العزل غير المنخرطين في النزاع المسلح[xxxii].
تبدو الثمرات الإيجابية للتواصل مع المجموعات المسلحة، حين تتعهد هذه المجموعات بالالتزام بتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني من خلال الاتفاقيات التي تبرمها مع أطراف أخرى سواء دولة الإقليم، أو مجموعات مسلحة أخرى منخرطة في ذات النزاع، وتتعهد حرفيا بجملة التزامات قانونية دولية، من بينها التنفيذ الصارم لقواعد القانون الدولي الانساني، والقانون الدولي لحقوق الانسان، ويُعد الاتفاق المبرم في جمهورية الكونجو الديمقراطية عام 2008م والالتزام بإنهاء العنف المسلح، وتحرير المعتقلين، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين أدلة دامغة تجسد أهمية التواصل مع المجموعات المسلحة[xxxiii].
أيضًا تكمن أهمية التواصل مع المجموعات المسلحة بواسطة المنظمات غير الحكومية تحديدًا في جعل هذه المجموعات المسلحة تجلس على طاولة التفاوض مع دولة الإقليم وبناء قدرات ومهارات هذه المجموعات المسلحة بواسطة المنظمات غير الحكومية التي تتواصل معها[xxxiv].
كذلك يهدف التواصل مع المجموعات المسلحة إلى تحسين الاحترام لقواعد القانون الدولي الإنساني وإشراكهم في المناقشات حول ذلك القانون في عديد من قضايا هذا القانون،وفى سياق مجتمعي تسود فيه مصالح الدول ذات السيادة والنظر من جانب الأخيرة لهذه المجموعات المسلحة ككيانات خطيرة مدمرة، ولن يكون مدهشًا النظر نظره الريبة لدي الدولة في أي صورة من صور تواصل مع هؤلاء الفاعلين، ولا تتولد الريبة لدي الدولة وحسب ولكن أيضًا لدي جُزء من المجتمع الدولي[xxxv].
إن شعور المجموعات المسلحة، أنها لا تمتلك القواعد الدولية المنظمة للنزاعات المسلحة، يُفضي إلى عزوفها عن تحمل مسؤوليتها في احترام قواعد القانون الدولي الإنساني[xxxvi]، لذلك من الجلي ضرورة تشجيع هذه الجماعات على إعداد قواعد السلوك الخاصة بها، وتجميع آرائها المختلفة من خلال المقابلات والتفاوض والتواصل معها، بواسطة كافة المنظمات والوكالات ذات الصلة.
يُشار في ذلك الصدد أن أحد المبادئ الأساسية السبعة التي تبنتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر: ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة بطرق محايدة ونزيهة، وهذا يؤكد أهمية التواصل مع هذه المجموعات المسلحة من خلال المنظمات الغير الحكومية؛ وترجع أهمية التواصل أيضاً مع هذه المجموعات المسلحة إلى شرح قواعد القانون الدولي الإنساني لهذه المجموعات المسلحة التي تجهل حقيقة هذه القواعد لذلك تبدو الحاجة إلى منظمات الغير الحكومية والفاعلة من غير الدول للقيام بهذه المهمة الإنسانية البارزة[xxxvii].
أيضًا من أهم بواعث التواصل مع هذه المجموعات أن احترام هذه المجموعات المسلحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، من شأنه أن يجعل لها بعضًا من الأدوار في خلق وترجمة وإنفاذ القواعد الإنسانية وتحسين انصياعهم لهذه القواعد[xxxviii].
كيفية التواصل مع المجموعات المسلحة:
تعد الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية المبادئ المركزية للعمل الإنساني الذي يهدي الى تخفيف المخاطر المحيقة بحياة المعرضين من المدنيين الذين هم في أمس الحاجة للحماية أثناء النزاع المسلح وتبنت بعد ذلك كثير من المنظمات العاملة في مجال العمل الإنساني، هذه المبادئ التي كانت تبنتها منظمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ تأسيسها في عام 1863م[xxxix].
وفي الواقع لا يمكن اعتبار "خضوع كيان ما للقانون" نتيجة فورية لـ "كونه مخاطبًا" بالقواعد، ولكنه الانعكاس القانوني لخصائص جوهرية وتكوينية وقَبل قانونية لدى هذا الكيان. فإذا كان الكيان يفتقر إلى هذه الخصائص الجوهرية والتكوينية فإن الخضوع للقانون منعدم أيضًا ويجب شرح "المخاطبة بالقواعد" بأسباب أخرى غير الخضوع للقانون الدولي. وباتباع هذا المنطق لا يمكن قبول النظرية "الوظيفية"، حتى وإن كانت سائدة، وعموما فهي مقاربة واقعية تسمح بوصف وتحديد من الذي يمكن تعريفه بالفعل خاضعًا للقانون الدولي. إذن يمكننا بالتأكيد تعريف الخاضع للقانون فقط من لديه، بقوته الذاتية، القدرة الفعلية (الحقيقية، والملموسة، والمادية وما إلى ذلك) على الالتزام بالنظام القانوني، (وليس مجرد "المخاطبة" بالقواعد) بحيث يُفعِّل حقوقه ويؤدي التزاماته[xl].
وكان مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية لمنظمة الأمم المتحدة أكد على ضرورة الالتزام بهذه المبادئ السابق ذكرها باعتبارها تحكم سلوك عمل الفاعلين الإنسانيين في مجال تقديم المساعدات الإنسانية[xli].
لقد طرح الباحثون العديد من الأفكار والدراسات التي يمكن أن تؤسس لدراسة شاملة متعدد العلوم في شأن تحفيز المجموعات المسلحة على الانصياع لمبادئ القانون الدولي الإنساني ومن هذه الأفكار: (اشتراك هذه المجموعات المسلحة في مراجعات هذه المعاهدات الدولية المعنية بالقانون الدولي الإنساني)، حتى تصبح هذه المواثيق الدولية أكثر قابلية للتطبيق في المستقبل أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية[xlii].
ويعد إعداد خطة شاملة ومنهاج موضوعي في كيفية التفاوض مع المجموعات المسلحة، أحد عوامل نجاح المنظمات غير الحكومية المتخصصة في مجال المساعدات الإنسانية في التوصل المستديم الفعال مع المجموعات المسلحة في مناطق النزاعات المسلحة الداخلية، لذلك وبالرغم من إخفاقات كثيرة نتيجة تحديات عديدة شابت معظم مجهودات التواصل لكن كانت هناك نماذج صارخة للنجاح الفعال في ذلك الصدد في أفغانستان والسودان والصومال[xliii].
ومن المهم بمكان، حتى يكون التواصل مع المجموعات المسلحة فعالا من الضروري التوسل بكافة الأدوات في هذا الشأن، كما يجب على الأطراف الخارجية التي تتواصل مع المجموعات المسلحة أن يدرك أو قدراتهم الذاتية، واحتمالية التعاون مع الشركاء وحدود تأثيرهم في كل حالة بعينها[xliv].
لذلك يري الباحث أن من شأن مفاوضات وتواصل المنظمات غير الحكومية مع المجموعات المسلحة وإقناعها بالانصياع لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني بهدف حماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية أن يفضي الى انصياع هذه المجموعات المسلحة لهذه المبادئ طالما توخت هذه المنظمات الإنسانية المبادئ السابق ذكرها.
وفى مجال حث المجموعات المسلحة على التواصل من أجل الانصياع لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني كانت أحد الدعامات الجوهرية التي تجعل استراتيجية اللجنة الدولية للصليب الأحمر فاعلاً في مجال التواصل مع أطراف النزاع المسلح أن اللجنة تضع نصب أعينها اتباع متخذي القرار بأن يتصرفوا وفق السلوك الذي يحقق مصالح الفئات الضعيفة المعرضة وبالاحترام الكامل للقواعد الانسانية الأساسية[xlv].
تحديات التواصل مع المجموعات المسلحة:
من أبرز معوقات التواصل مع المجموعات المسلحة، انعدام الرغبة لدي أطراف النزاع في الاقرار بأن حالة العنف السارية لا ترقي لأن تشكل نزاع مسلح، فضلًا عن انعدام الحافز للانصياع لقواعد القانون الدولي الإنساني، واختلال التركيب التنظيمي لهذه المجموعات المسلحة وجهلهم بقواعد القانون الدولي الإنساني [xlvi].
جلي أنه لا يمكن المقاربة بين الدول التي تقوم بإعلام وتلقين قواتها النظامية المسلحة بقواعد القانون الدولي الإنساني، وبين الجماعات المسلحة التي إما ينعدم لديها هذا الإدراك عن ذلك القانون، أو يعوزها التلقين الكبير في هذا الصدد، لذلك من المهم بمكان، توافر الوسائل والهيئات التي تقدم لهم التدريب اللازم على موضوعات القانون الدولي الانساني، لذلك يجمع الباحثين على أهمية فاعلية التواصل مع هذه المجموعات المسلحة، من أجل تعريفهم بهذه القواعد، واحترامهم لها بما يعود بالنفع على السكان المدنيين وتقليل معاناتهم نتيجة الانتهاكات التي ترتكبها هذه الجماعات المسلحة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية على وجه الخصوص[xlvii].
وحين تحذو المجموعات المسلحة على جزء من الشرعية السياسية نتيجة لالتزامها بالتنفيذ الجدي لقواعد القانون الدولي الانساني، تبدو الحاجة الضرورية للتواصل مع هذه المجموعات المسلحة بواسطة المنظمات المختلفة معها لضمان تحقيق المساعدة الفعالة والمحايدة، فضلا عن أن هذه الجماعات تحتاج إلى إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء ذلك النزاع المسلح الداخلي من أجل صالح السكان المدنيين الذين يعيشون في هذه الأقاليم التي تسيطر عليها هذه المجموعات المسلحة[xlviii].
في ذات السياق، فالمنظمات غير الحكومية المتخصصة، والفاعلين من غير الدولة يمكن لهم أن يستشرفوا فرص التواصل مع هذه المجموعات المسلحة اثناء النزاعات المسلحة، وهذه المنظمات المشار إليها لديها القدرة في التخفيف من مستويات العنف الممارس ضد المدنيين[xlix].
إن المجموعات المسلحة ومن بينها حركات التحرر الوطنية التي تطمح لتقرير المصير لشعوبها، غالباً ما تَنشد تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني في نزاعاتها المسلحة من أجل إسباغ الشرعية على تنظيمها وقضيتها في الساحة الدولية، وحين ينظر إليها بأنها تتصرف بمقتضى مبادئ القانون الدولي الإنساني فإن الدول ستنظر إليها بوصفها أطراف فاعلة في ذلك النزاع المسلح وتحوز أيضًا شرعية حقيقية، لذلك تكمن أهمية التواصل وتلبية مطالب مثل هذه الجماعات المسلحة من قبل المنظمات الغير الحكومية[l].
بالنظر إلى الغايات الإنسانية التي ينشدها القانون الدولي الإنساني التي تتمحور على حماية المدنيين العزل غير المنخرطين في النزاعات المسلحة وتخفيف معاناتهم حين تلحق بهم أضرار جسيمة مختلفة أثناء النزاعات المسلحة، وبالنظر أيضاً إلى التحول الدراماتيكي الذي شهدته النزاعات المسلحة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، إلى النزاعات المسلحة غير الدولية أضحت الجماعات المسلحة بأنواعها المختلفة حقيقة قانونية وواقعية في الوقت ذاته.
لذلك أصبح لزامًا على المجتمع الدولي كافة ضرورة التواصل مع هذه الجماعات من أجل تحقيق والحفاظ على المبادئ الإنسانية[li] المختلفة التي أرساها القانون الدولي الإنساني منذ ارهاصاته الأولى، وقد يحقق التواصل مع الجماعات المسلحة في حالات ليست قليلة إنهاء ذلك النزاع المسلح.
يشير بعض الباحثين إلى أن هناك خمس تحديات رئيسية، تحدد مدى فعالية التواصل مع المجموعات المسلحة، وهي:
(1) التنقل بين التواصل مع الحكومة والمجموعات المسلحة في ذات الوقت؛
(2) التصارع مع التصور السلبي لدى معظم الحكومات حول حقيقة الأدوار التي تلعبها هذه المنظمات؛
(3) التنازع الذي يحدث أحيانا بين اهتمامات المجموعات المسلحة، واهتمامات المنظمات غير الحكومية التي تهدف لضمان حماية المدنيين؛
(4) المخاطر الناجمة عن تشريعات التشريعات الداخلية للدول في مجال مكافحة الإرهاب؛
(5) الطبيعة المتشظية (الممزقة) للجماعات المسلحة[lii].
تخشي المنظمات غير الحكومية من التعامل مع المجموعات المسلحة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، أن يكون وصم هذه المجموعات بالإرهابية من جانب الدولة[liii]، يؤدي لحقيقة تتولد في أذهان هؤلاء السكان في الجزء الذي تسيطر عليه هذه المجموعات المسلحة، بأن هؤلاء المسلحين إرهابيين بالفعل، ومن جانب آخر تخشي الدول أن يفضى ذلك التعامل مع المجموعات المسلحة إلي شرعنة وجودها وإضفاء ماهية قانونية ما على كيان هذه المجموعات المسلحة، لذلك يظل التوجس من وصم الدول لهذه المجموعات المسلحة بالإرهاب العقبة الرئيسية لتحفيز هذه المجموعات المسلحة في الاندماج والإسهام في تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني[liv].
وترى الدول أيضاً أن عقد مثل هذه الاتفاقيات مع الجماعات المسلحة يتطلب الاعتراف بشرعية سلطة هذه الجماعات، الأمر الذي من شأنه إضفاء شرعية على استخدامهم القوة المسلحة، نتيجة لذلك فإن المنظرين في هذا الصدد يصطدمون بمعضلة الموازنة بين تقليل المعاناة البشرية ضحايا هذه المجموعات، وشرعنة سلطتها، واستخدامها للقوة المسلحة[lv].
وفي معظم الأحوال وكما سبق بيانه، ترى الدول أن التشريعات الداخلية المحددة لكيفية استخدام القوة المسلحة، ومن الهيئات والأشخاص المرخص لهم دستورياً وتشريعياً باستخدام هذه القوة[lvi]، هي الأداة القانونية الملائمة لمجابهة النزاعات المسلحة، وهذا يعني في ذات الوقت حظر استخدام القوة المسلحة بواسطة هذه المجموعات[lvii]، ومن ثم تنكر الدول – تأسيساً على تشريعاتها لمكافحة الإرهاب – امتداد أو تطبيق القانون الدولي الانساني على هذه المجموعات، ومن ثم لا تخضع هذه المجموعات للمسئولية وفقاً للقانون الدولي الإنساني ولكن وفقاً للتشريعات الداخلية للدول، مما يشل عقبة كبيرة تحول دون تعاون وتواصل المنظمات والوكالات المختلفة، التي تهدف لحماية حقوق المدنيين أثناء النزاع المسلح، من خلال احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، فتخشى هذه المنظمات والوكالات في ذات الوقت من الملاحقة الجنائية للدول لها بتهمة التحريض أو الدعم لهذه الجماعات الموسومة بالإرهاب من هذه الدول[lviii].
تزعم بعض الدول أحياناً، بأن تواصل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية مع المجموعات المسلحة في إقليم هذه الدولة، يعد تدخلاً في الشأن السيادي الداخلي لهذه الدولة، ومن شأن التواصل معها أيضاً على إضفاء الشرعية على هذه المجموعات، وبالرغم من ذلك فحين تعمل المنظمات الدولية الحكومية على إقليم الدولة بمقتضى عملها تحت مظلة بعثة تابعة للأمم المتحدة وفق قرار صدر من مجلس الأمن وبموجب الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة فهنا لا تستطيع الدولة أن تبرر رفضها التواصل مع هذه المجموعات المسلحة تأسيساً على سيادتها الداخلية[lix].
ونظرا لوصم العديد من الدول ذات سيادة بعض من الجماعات المسلحة التي تحاربها بالإرهاب، تخشي العديد من المنظمات غير الحكومية ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أن تتواصل مع هذه المجموعات المسلحة من أجل شرح وتوضيح القانون الدولي الإنساني لها والتأثير فيها من أجل إقناعها من الانصياع لها وتكمن خشية هذه المنظمات غير الحكومية من أن تتهمها الدول بأنها تساعد هذه المجموعات الموصومة بالإرهاب في هذه الدول[lx].
ويصل حد خشية المنظمات غير الحكومية من التواصل مع هذه المجموعات المسلحة إلى درجة عزوف هذه المنظمات عن تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين من خلال التفاوض مع هذه المجموعات المسلحة، وبسبب ذلك لقد حذرت منظمة الأمم المتحدة في حالات عديدة الدول من مغبة إطلاق هذه التوصيفات لتلك الجماعات المسلحة لتحقيق مكاسب سياسية على هذه المجموعات[lxi].
وتعد الطبيعة المتغير للنزاعات المسلحة، والتركيبة المتنوعة لهذه الجماعات المسلحة بأطيافها المختلفة، عقبة تؤود من أجل إعداد "خطط للعمل" ترقي من احترام القانون الدولي الانساني لدى هذه المجموعات المسلحة[lxii].
نماذج من تواصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع المجموعات المسلحة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية:
إن ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة بطريقة محايدة ونزيهة، تعد أحد المبادئ الأساسية السبعة التي تبنتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1965م، وهذا يعكس أهمية التواصل مع المجموعات المسلحة أثناء النزاعات الداخلية، ومن كافة الهيئات والمنظمات الفاعلة، تحقيقاً لغاية إنسانية سامية، وهي الحفاظ على وحماية الحقوق الأساسية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة[lxiii].
لقد ساهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مساهمات بارزة في مجال التواصل مع أطراف النزاع المسلح الدولية و غير الدولية أيضاً، وكانت تتفاوض وتتواصل مع كافة أطراف النزاع على قدم المساواة، من أجل حث وتشجيع أطراف النزاع على المفاوضات المباشرة بينهم، وتدليلا على ذلك فقد سبق لرئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن اجتمع بالرئيس السابق عمر البشير وأيضاً الرئيس السابق للجبهة الشعبية لتحرير السودان "جون جارانج"[lxiv]، وابدى رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر استعداد اللجنة لتسهيل اطلاق سراح المعتقلين لدي الجبهة الشعبية لتحرير السودان[lxv]، أيضًا فقد تواصلت اللجنة أثناء النزاع المسلح في غواتيمالا في عام 1954، وأعلن أطراف النزاع المسلح عن التزامهم بتطبيق المادة الثالثة المشتركة، وكانت الحكومة الغواتيمالية صدقت على اتفاقيه جنيف الأربع عام 1949.
تواصلت أيضا اللجنة الدولية للصليب الأحمر أثناء حرب الاستقلال الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي في الأعوام منذ 1954 وحتى العام 1962 وسمح للجنة من قبل المجاهدين الجزائريين بزيارة الأسري الفرنسيين المحتجزين لدى جبهة التحرير الجزائرية، أيضا في النزاع المسلح في إقليم بيافرا النيجيري في الأعوام 1967-1970، دعت اللجنة أطراف النزاع للالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، وأكد فعلا أطراف النزاع احترامهم لهذه الاتفاقيات والمادة الثالثة المشتركة لطبيعة النزاع المسلح غير الدولي.[lxvi] ونتيجة لجهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تيمور الشرقية في النزاع عام 1970، وافقت جبهة التحرير والاستقلال في تيمور الشرقية علي تحرير العسكريين البرتغاليين المحتجزين لديها بفضل جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
يرى البعض أن الوسيلة الوحيدة للتواصل مع هذه المجموعات المسلحة، يكون من خلال القانون الدولي وآلياته، وليس من منظور انطباق تشريعات دولة الإقليم التي تحارب هذه المجموعات في مثل هذه النزاعات المسلحة غير الدولية[lxvii].
وتلعب المنظمات الدولية المختلفة سواء الحكومية أو غير الحكومية دورا بارزا في التواصل مع المجموعات المسلحة، ودللت الممارسات الدولية أن التواصل مع الجماعات المسلحة لا يقتصر على كيان واحد من كيانات المجتمع الدولي، فهناك الدول، وهناك المنظمات الدولية، وأيضا المنظمات غير الحكومية خاصة المنظمات الإنسانية، فضلا عن أنصار هذه الجماعات المسلحة أنفسهم، والمقاتلين السابقين من الجماعات المسلحة الأخرى، والفاعلين ممن يحوزوا التأثير السياسي أو الأدبي على هذه الجماعات، وفي ذات الصدد فهناك العديد من الدول التي لعبت في العقدين الأخيرين أدوارا بارزة في ها الصدد، ولكن في ذات الوقت كانت تتحفظ أحيانا المجموعات المسلحة على أدوار هذه الدول التي تختلط بمصالح ذاتية لهذه الدول[lxviii]، وفي أحيان أخرى تشكلت آليات ائتلافية مستحدثة تجسد التعاون الفعال بين حكومة الإقليم وهذه المنظمات غير الحكومية بهدف التواصل مع الجماعات المسلحة أثناء النزاعات المسلحة[lxix].
وفي هذا الصدد يُعد حياد المنظمات الإغاثية غير الحكومية، والتي لا تعبر عن الدول التي أحيانا ما تنتفع من القيام بأدوار التواصل مع المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع، أحد العوامل الفعالة التي تفضي في النهاية لنجاح هذه المهام الإنسانية في المقام الأول. لذلك ففي معظم الحالات التي قامت بها الجيوش النظامية لدولة الإقليم بهذه المهمة، كانت تحظى في نهاية المطاف بالفشل، وتأتي النتائج معاكسة عند قيامها بهذه المهمة، وأفضى ذلك الإخفاق إلى عدم احترام الطرف الآخر للنزاع بقواعد القانون الدولي الإنساني.
وفي معظم الحالات تكون المجموعات المسلحة التي تهدف المنظمات الإنسانية للتواصل معها أثناء النزاع المسلح غير الدولي، غير موقعة على المواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني لأسباب عديدة بالرغم من كونها أطراف فاعلة في النزاعات المسلحة التي تحكمها وتنظمها هذه المواثيق المشار إليها، ومن ثم تضحي أهمية محاولات سد هذه الثغرة من خلال تضمين النص على التزام هذه المجموعات بالمبادئ الإنسانية الواردة في القانون الدولي الإنساني، والتي تحكم هذه النزاعات في الاتفاقيات الخاصة التي تعقد مع هذه المجموعات المسلحة[lxx].
يُعد مبدأ الحياد والثقة التي تحظى بها الأطراف الفاعلة غير الحكومية لدي المجموعات المسلحة أهم عوامل النجاح والفاعلية في التفاوض تحديدا مع هذه المجموعات ووفقا لدراسات ابستمولوجية عديدة كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة أطباء بلا حدود من أهم المنظمات والهيئات غير الحكومية في ذلك الصدد مقارنة بسائر المنظمات والهيئات الاخرى[lxxi].
يمكننا أيضاً أن ندلل على أن منظمة غير حكومية والتي تدعى نداء جنيف منذ إنشائها عام 2000م تقوم بترقية التواصل للجماعات المسلحة من أجل إنفاذ واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني خاصتها مع الحركات والمجموعات المسلحة التي تناضل من أجل تقرير المصير وأقنعت هذه المنظمة هذه الحركات المختلفة على إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني والمتعلقة باستخدام الألغام سواء كانت مع الجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية وحركة وجيش تحرير شعوب السودان SPLM\A،وجبهة تحرير مورو الإسلامية في الفلبين، ومجلس الشعوب الكردستانية في تركيا، والحكومة الإقليمية الكردستانية في العراق[lxxii].
وفي الحالات التي لا يحظى الفاعلين الدوليين الحكوميين خاصةً، قوات حفظ السلام المنتشرة في إقليم النزاع المسلح بالأهلية القانونية للتفاعل مع المجموعات المسلحة بشكل رسمي مباشر، تبرز أهمية المنظمات غير الحكومية في تحقيق هذه المهمة الضرورية لأجل تخفيف آلام الضحايا من المدنيين أثناء النزاع المسلح غير الدولي[lxxiii]، ولا تقتصر أهمية أو الباعث على التفاعل مع المجموعات المسلحة بواسطة المنظمات غير الحكومية، لأجل تخفيف معاناة السكان المدنيين ولكن أيضاً من أجل التواصل مع عمال المساعدات الإنسانية المحاصرين في مناطق النزاع المسلح المسيطر عليها من قبل المجموعات المسلحة[lxxiv].
ومن المهم بمكان، حتى يكون التواصل مع المجموعات المسلحة فعالًا من الضروري التوسل بكافة الأدوات في هذا الشأن، كما يجب على الأطراف الخارجية التي تتواصل مع المجموعات المسلحة أن تدرك قدراتهم الذاتية، واحتمالية التعاون مع الشركاء وحدود تأثيرهم في كل حالة بعينها[lxxv].
حازت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على جائزة نوبل للسلام ثلاث مرات، تكريماً لإسهاماتها البارزة في مجال العمل الانساني أثناء النزاعات المسلحة، وأيضاً الغوث الإنساني في الكوارث الطبيعية، وغيرها من أنشطة أخرى، ولكن يظل للجنة الريادة والتفرد في ذلك الصدد، نتيجة للثقة الكبيرة التي حازتها اللجنة ومنتسبيها من الجماعة الدولية كافة، بيد أننا نزعم أن مساهمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال التواصل مع كافة أطراف النزاع المسلح سواء النزاعات المسلحة الدولية، أو النزاعات المسلحة غير الدولية، يعد علامة فارقة في تاريخ اللجنة الممتد منذ عام 1864م[lxxvi].
لقد تبنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مبادئ انسانية محددة لتعزيز حماية المدنيين ضحايا النزاعات المسلحة، وتحقيقا لهذه المبادئ ما انفكت اللجنة تواصل اسهاماتها البارزة في مجال إيصال المساعدات الانسانية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، والتشديد على أهمية ترقية احترام مبادئ وقواعد القانون الدولي الانساني المختلفة وهذا ما أكده السيد "بيتر مورد" رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر[lxxvii].
إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لديها خبرة طويلة بالنزاعات المسلحة وتتمحور أساساً حول أهلية المنظمة في نشر المعرفة حول قواعد القانون الدولي الإنساني، وتدليلاً قامت وكالات منظمة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود في عام 1995م في جمهورية البوسنة والهرسك بنشر الآلاف من خبراء هذه الوكالات والمنظمات، بيد أن التعاون بين القوات المحتلة وقوات حفظ السلام الدولية والفاعلين غير الحكوميين كان ضعيفا، وبع انتهاء النزاع في هذا البلد، قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقوات العسكرية القائدة في الميدان بزيادة التركيز على تطوير التعاون "المدني العسكري" وذلك من خلال التفويضات للجنة الدولية للصليب الأحمر وأيضا من خلال وحدات التعاون العسكري[lxxviii].
وفي أفغانستان وبعد عرقلة المعونة الإنسانية للمدنيين أثناء النزاع المسلح في ذلك البلد إثر الهجوم على بعثات الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية، فرض ذلك السياق نفسه على اللجنة الدولية للصليب الأحمر على وجه الخصوص حيث تأثرت الخدمات التي تقدمها هذه الوكالات ومنها الصليب الأحمر بالتهديدات الأمنية واستراتيجيات المجموعات المسلحة التي كان من شأنها أن تشجع أو تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية[lxxix]، وفي رواندا أثناء ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية 1994م كان إيواء وغوث اللجنة الدولية للصليب الأحمر لضحايا الإبادة من قبائل "التوتسي "ثمرة ملموسة للتواصل الفعال للجنة الدولية للصليب الأحمر، وبالرغم من ذلك ونتيجة لمساهمة اللجنة في انقاذ الكثير من أفراد قبائل "التوتسي" المستهدفين بالإبادة، نظر مرتكبي الجريمة من قبائل "الهوتو" الى اللجنة الدولية باعتبارها غير محايدة[lxxx].
لقد ساهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأدوار بارزة ومساهمات متفردة في مجال التواصل مع المجموعات المسلحة في مختلف النزاعات المسلحة غير الدولية وتبوأت القمة في ذلك الصدد نظرا للمبادئ الأساسية التي ما فتئت تتشبث بها هذه المنظمة، مما أكسبها ثقة كافة أطراف النزاع المسلح[lxxxi].
القانون الدولي العرفي كأساس لإلزام المجموعات المسلحة:
تعد نظرية القانون الدولي العرفي أحد الأسس القانونية لتأصيل مدى التزام المجموعات المسلحة بقواعد القانون الدولي الإنساني، ووفقا لهذه النظرية فإن الحقوق والالتزامات الدولية تشكل جزءاً من القانون الدولي العرفي، وهذه الحقوق والالتزامات الدولية تلزم هذه المجموعات، من خلال القانون العرفي سواء برضاهم أم دون رضاهم، وبغض النظر عن أية أفعال قامت بها دولة الإقليم[lxxxii]، وقد أسست غرفة الاستئناف للمحكمة الدولية الخاصة لسيراليون، قرارها القضائي على ذات التأصيل، حيث أكدت أن: (المجموعات المسلحة ملزمة بالانصياع للالتزامات الواردة في نص المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جينيف باعتبار المادة كاشفة عن القانون الدولي العرفي[lxxxiii].
الاتفاقيات الخاصة التي تعقدها المجموعات المسلحة:
تعد الاتفاقيات الخاصة التي تكون حين تصبح الجماعات المسلحة أحد أطراف الاتفاقيات الخاصة المعنية باحترام وتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، تصبح هذه الاتفاقيات مصدرًا قانونيًا للالتزامات التي تقع على عاتق المجموعات المسلحة، ولا يجوز تطبيق هذه الاتفاقيات إذا أبرمت بالمخالفة للقواعد الدولية العرفية للقانون الدولي الإنساني ذات الحجية للكافة[lxxxiv].
وبالرغم من أن المجموعات المسلحة لا تستطيع بصفة رسمية أن تصبح أطرافاً لمعاهدات القانون الدولي الإنساني إلا أنها تستطيع أن تعقد اتفاقيات دولية مع الدول والمنظمات الدولية، ويطلق بعض الباحثين على هذه الاتفاقيات الخاصة بالاتفاقيات الهجين "Hybrid Treaties"، بوصفها تنعقد بين كيانات من جانب والدول والمنظمات الدولية (ذات الأهلية لخلق القانون)، كما تستطيع هذه الجماعات أن تقوم بعقد الاتفاقيات بينها وتدليلًا على ذلك حين تتعدد الجماعات المسلحة المعارضة للدولة[lxxxv].
لقد اعتبرت اللجنة الدولية لمجلس الأمن للتحقيق في دارفور في الجرائم الجسيمة المرتكبة في دارفور، أن الاتفاقيات الخاصة التي تعقدها المجموعات المسلحة تعد اتفاقيات دولية، ويمكن النظر اليها بوصفها معاهدات دولية تمنح حقوق وتفرض التزامات دولية، ولكن ذلك مرتهن بسيطرة هذه المجموعات المسلحة بدرجة كافية على جزء من اقليم الدولية، ويجب الوضع في الاعتبار ايضا أن الحكومة السودانية، وكافة اطراف النزاع في دارفور، أقرو بأن النزاع المسلح في دارفور هو نزاع مسلح داخلي، وقد أبرمت عددا من هذه الجماعات اتفاقيات دولية مع الحكومة السودانية[lxxxvi].
وفي صدد تعهد هذه المجموعات بقواعد القانون الدولي الإنساني وتضمينها لهذه القواعد في الاتفاقيات الخاصة التي تعقدها، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت في العام 1992م قد أكدت على أن هذه الاتفاقيات المشابهة لمحتوى المادة الثالثة المشتركة تجحف بالمركز القانوني لأطراف النزاع أو القانون الدولي للنزاعات المسلحة الساري[lxxxvii]، وبالرغم من أن الاتفاقيات الخاصة التي تعقدها هذه المجموعات المسلحة لا تشكل "معاهدات" بمقتضى أحكام اتفاقيات فيينا لقانون المعاهدات الدولية[lxxxviii]، وبالرغم من ذلك تظل هذه الاتفاقيات الخاصة تحوز قوة قانونية على المستوى الدولي.
إعلانات الجماعات المسلحة الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني:
بمقتضى الإعلانات الانفرادية الرسمية التي تصدر عن الجماعات المسلحة أثناء نزاعاتها المسلحة غير الدولية التزامها بقواعد القانون الدولي الإنساني أحد الأسس القانونية التي يكاد يجمع عليها الباحثون في شأن مدى التزام هذه الجماعات بقواعد القانون الدولي الإنساني، وحين تقوم هذه الجماعات بالإعلان عن التزامها باتفاقيات جينيف والملاحق التالية لها، فإنها تكون ملتزمة بتنفيذها[lxxxix]، وأحيانًا تحقق هذه الإعلانات التي تصدر عن المجموعات المسلحة غرضًا كاشفًا ومؤكدًا في ذات الوقت التزاماتها بمقتضى القانون الدولي التعاهدي أو العرفي[xc]، وسواء صدرت هذه الإعلانات مكتوبة أو غير مكتوبة، وحتى في الحالات التي لا تتضمنها المعاهدات ذات الصلة[xci]، وبغض النظر عن موقف الطرف الآخر للنزاع، وتقوم الجماعات المسلحة بإصدار هذه الإعلانات الانفرادية بالالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني في أشكال عديدة[xcii]، فقد تصدرها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو هيئات منظمة الأمم المتحدة أو إلى المودعين لاتفاقيات جينيف، ولقد درجت العديد من الجماعات المسلحة بمختلف أطيافها على الالتزام بهذه القواعد، وتدليلاً على ذلك فقد أعلنت جبهة FARC في السلفادور تعهدها بإنفاذ المادة المشتركة لاتفاقيات جينيف عام 1949م، فضلاً عن البروتوكول الثاني لهذه الاتفاقيات عام 1977م، كما قدمت ذات الجبهة اعتذاراً علنياً لكل ضحايا العنف المسلح الذي ارتكبته عام 2016[xciii].
وبغض النظر عن إقرار المجموعات المسلحة بقواعد القانون الدولي الانساني، فقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن ذلك القانون يطبق على كافة أطراف النزاع طالما تحققت عتبة (threshold) لتحقق النزاع المسلح غير الدولي، وكانت اللجنة قد أكدت أن قواعد القانون الدولي الإنساني تنطبق على كافة المقاتلين الأجانب وبغض النظر عن جنسياتهم[xciv].
وبالرغم من اندثار حركات الكفاح المسلح للشعوب لتقرير مصيرها، بعد نيل معظم دول العالم استقلالها، فإن المثال الذي يعد صارخاً في ذلك الصدد، الإعلان الانفرادي الذي أعلنته جبهة البوليساريو الممثلة لشعب الصحراء الغربية في عام 2015م والذي التزمت بمقتضاه بقواعد القانون الإنساني الدولي[xcv].
وبصدد مرجعية هذه الإعلانات الانفرادية الخاصة التي تصدر عن المجموعات المسلحة، فقد اقترحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصدد إصدارها هذه الإعلانات أن تُضمن في مواثيق السلوك التي تشتمل على قواعد القانون الإنساني الدولي كخطوة تالية منطقية[xcvi].
ويعد ميثاق السلوك العسكري الذي تصدره هذه المجموعات المسلحة، إعلانًا انفراديًا رسميًا تلتزم بموجبه هذه الجماعات المسلحة بقواعد القانون الدولي الانساني[xcvii]، ويشار في ذات الصدد أنه قد ندرت مثل هذه الإعلانات التي تصدر عن هذه الجماعات أثناء النزاعات المسلحة، وكانت جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية قد أعلنت التزامها بقواعد القانون الدولي الإنساني في 20 يوليو عام 2015 [xcviii].
خاتمة:
أكدت التجارب العملية في بلدان وأقاليم عديدة من العالم وفي السنوات الأخيرة أن المشاركة البناءة في التفاعل مع الجماعات المسلحة يمكن أن تخلق ظروفًا مواتية للحل السلمي للنزاعات، فلا يوجد صراع مسلح غير قابل للحل مهما كام دمويا أو قديما أو صعبا، فالبل الصبر والمثابرة والقيادة السياسية الحكيمة قبل كل شيء، يمكن تجاوز كل الصراعات حتى وإن تكرر فشل محاولات سابقة لإحلال السلام.
تُظهر العديد من التجارب الدولية، ضرورة أن يكون هناك افتراض صريح منذ البداية بأنه من المقبول سياسياً وقانونياً - بل ومن المفيد بالفعل- إشراك جماعة مسلحة من أجل التوصل لإنهاء النزاع المسلح العنيف؛ لذلك فلا مشاحة أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لإطالة أمد النزاعات المسلحة الداخلية إخفاق الأطراف المتحاربة في التفاوض، بداءة من أجل إبرام اتفاق سلام نهائي ينهي الحرب المستعرة بين هذه الأطراف.
إن التفاوض مع الجماعات المسلحة المتمردة ليس موضوع تسامح أو تناسي الماضي بل هو مسألة تمسك بموقف واقعي حيال المستقبل. إنه وجهة نظر أخلاقية تقوم على أحاسيس إنسانية تضع إنقاذ الأرواح وحقن الدماء على قمة الأولويات.
[i]Dr Waseem Ahmad Quershi, Applicability of International humanitarian Law to Non-State Actors, Santa Clara Journal of International Law, Vol.17, Issue 1 PP5-6.
[ii] Noemi Gal-Or, Observations on the Desirability of an Enhanced International Legal Status of the Non-State ActFirst published with: Actor Dynamics in International Law: From Law Taking to Law Making? Math Noortmann, and Cedric. Ryngaert (eds.) dershot, Ashgate - Non-State Actors in International Law, Politics and Governance Series, 2010.
[iii] Vladyslav Lanovoy , The Use of Force by Non-State Actors and the Limits of Attribution of Conduct, European journal of International Law, Vol 28, No 2 - 2017.
[iv] Kevin G. Collins Kevin America's Mercenaries: War- June 2006 - https://www.researchgate.net/publication/235137254_America's_Mercenaries_War_by_Proxy.
[v] في بعض الحالات يرقى الدعم المقدم من الدولة الأجنبية إلى الجماعة (الجماعات) المسلحة من غير الدول إلى شكل من أشكال السيطرة، وهذه الحالة عالجتها تحديدا المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة، التي قبلت أن حالة ما تأخذ بعدًا دوليًّا عندما تتدخل دولة أخرى في نزاع مسلح غير دولي قائم من قَبل عبر ممارسة مستوى محدد من السيطرة على جماعة أو أكثر من الجماعات المسلحة التي كانت طرفًا في النزاع، وهنا يندلع نزاع مسلح دولي بين الدولة المتدخلة ودولة الإقليم، وكانت تلك هي الحال في الحرب اليوغوسلافية 1992-1995.
أنظر: تعليقات على اتفاقيات جينيف لعام 1949، تعليق على اتفاقية جينيف الاولي – اتفاقية تحسين حالة الجرحى والمرضي في القوات المسلحة في الميدان اللجنة الدولية للصليب الأحمر – النسخة العربية – عام 2017 – ص 96.
[vi] يعد المثال الأبرز في التناول القانوني لماهية الجماعات المسلحة من غير الدول عند بدئ العملية العسكرية التي أطلقتها دول حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في أكتوبر عام 2001 في أفغانستان ، حيث صنفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر النزاع على أنه نزاع مسلح غير دولي دائر بين الحكومة الأفغانية الجديدة المدعومة من دول حلف شمال الأطلسي من جهة، ونظام طالبان وجماعات مسلحة أخرى من غير الدول من جهة أخرى ، حيث ألقي انخراط مجموعات مسلحة أخري داعمة لطالبان بظلال كثيفة علي تناول اللجنة الدولية للصليب الأحمر لطبيعة النزاع المسلح في هذا البلد .
See e.g., ICRC, International Humanitarian Law, and the Challenges of Contemporary Armed Conflicts, 2007, p. 7, and International Humanitarian Law and the Challenges of Contemporary Armed Conflicts, 2011, p. 10.
[vii] Rob Grace, Briefing Note: Frontline Negotiations with Non-State Armed Groups, Report from Harvard University, Swedish International Development Cooperation Agency, Advanced Training Program on Humanitarian Action Published on 07 Jul 2016, PP 2.
[viii] Tarik Solmaz, Non-State-Led Proxy Warfare: The Missing Link in the Proxy Wars Debate, Small Wars Journal -2022.
[ix] Dr. Waseem Ahmad Qureshy, Applicability of International Humanitarian Law to Non-State Actors, Santa Clara Journal of International Law, Volume 17 | Issue 1 Article 2, 2-Feb-2019, pp 10.
[x]Agnes Callamard, Toward International Human Rights Law Applied to Armed Groups: SIM Peter Baehr lecture, Netherlands Quarterly of Human Rights. 2018 Vol.37 (1) 85-100.
[xi]https://casebook.icrc.org/glossary/mercenaries How does law Protect in War, ICRC, Online Case Book.
[xii] Salvo Licciardello, Foreign fighters: soggetti di diritto internazionale, in Il mondo dell'intelligence, sezione nel sito del Sistema di informazione per lasicurezza della Repubblica, giugno 2016: www.sicurezzanazionale.gov.it.
[xiii]https://ihl-databases.icrc.org/ihl/INTRO/135.
[xiv]https://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.php?country_id=switzerland.
[xv]قامت كوستاريكا في عام 1949 بحل جيشها الوطني، ومهد ذلك القرار لتأسيس نظام حكم مدني للحياة السياسية في هذه البلد، وعلى المستوي مثل قرار الحل حقبة جديدة من الدبلوماسية وصبغ إرادة الدولة السياسية بالنزوع نحو السلم والمصداقية أمام العالم، كما أظهر القرار إمكانية أن تعيش دولة دون جيش ودون قوات مسلحة، واستطاعت كوستاريكا من خلال ذلك أن تستثمر ذلك في تطوير مجتمعي عظيم. https://ar.unesco.org/dataset/209
[xvi] GenevaConventions and their additional protocols
https://www.law.cornell.edu/wex/geneva_conventions_and_their_additional_protocols
https://encyclopedia.1914-1918-online.net/article/legion_etrangere ,
Version 1.0|Last updated 04 March 2019.
[xviii]China’s Intervention in the Korean War Revisited September 2015Diplomatic History 40(5): dhv051 DOI:10.1093/dh/dhv051
,https://www.researchgate.net/publication/282437412_China's_Intervention_in_the_Korean_War_Revisited.
[xx] حرب تحرير وطني: تفهم طبيعة حرب التحرير الوطني وتكييف ما إذا كانت تعد نزاعا مسلحا دوليا أم هي نزاع مسلح داخلي، وتعد هذه الحرب بالضرورة نزاعا مسلحا دوليا لأنها تشن ضد الاحتلال الأجنبي، وتشهد عمليات قتل واسعة بسبب المعاملة بالمثل، كما أن أحد أطرافها كيان قانوني له وحدات وفصائل متورطة في قتال للوصول إلي حق تقرير المصير.
أنظر: الدكتور عمر سعد الله، موسوعة القانون الدولي الإنساني المعاصر، المجلد الثاني، دار هومة، الجزائر، 2014، ص 109.
[xxi]Francoise Perret and Francois Bugnion, Between insurgents and government: the International Committee of the Red Cross’s action in the Algerian War (1954–1962)- Volume 93 Number 883 September 2011 - International Review of Red Cross. pp33-56.
[xxii] الدكتور: عبد القادر حوبه، انضمام الحكومة الجزائرية المؤقتة لاتفاقيات جينيف لعام 1949 وآثاره على صعيد القانون الدولي، مجلة العلوم القانونية والسياسية،2010، ص 5.
[xxiii] لقد أنكرت فرنسا حتى عام 1999 أن القتال في الجزائر كانت نزاعا مسلحا، وظلت لمدة خمسة أعوام بعد اندلاع الثورة الجزائرية تنكر صلاحية المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جينيف للتطبيق على حربها الاستعمارية في الجزائر (1954 – 1962) حيث أشارت إلى أن حملتها العسكرية هناك كانت فقط "عمليات لحفظ النظام". أنظر Yearbook Of International Humanitarian Law, Asser Press, 2017, PP53
[xxiv] Salvo Licciardello, op.cit.pp3 .
[xxv]Lt Col Tim Rutherford, Australian Army PP 3.
[xxvi]Report of the Special Rapporteur on Extrajudicial, Summary or Arbitrary Execution.
[xxvii] محمود شريف بسيوني، مدخل لدراسة القانون الجنائي الدولي، ماهيته، نطاقه، تطبيقه، حاضره، مستقبله، دار الشروق القاهرة 2007، صفحة 28.
[xxviii] إعلان الحرب هو عمل سيادي انفرادي تدخل بمقتضاه دولة في حرب مع دولة أخري وذلك بناء على قرار يتخذ في الأنظمة الديمقراطية من قبل السلطة التنفيذية وبموافقة البرلمان. أما على مستوي القانون الدولي فقد كان “إعلان الحرب " يعرق وفقا اتفاقية لاهاي الخاصة بانطلاق الاعمال العدائية والصادرة في 18أكتوبر 1907، بوصفه إنذارا رسميا واضحا يجب أن يسبق الحرب، تعلم بمقتضاه دولة ما دولة أخري أن حالة السلم بينهما انتهت وأن الحرب قد انطلقت. وفي هذا الإطار كان اعلان الحرب يمثل ركنا جوهريا لإضفاء الشرعية على الحروب التي كانت تشن في بداية القرن العشرين، ولتطبيق قواعد القانون الدولي الخاص بالحرب. غلا أنه على المستوي العملي، ومع منتصف القرن العشرين، تجاهلت العديد من الدول هذا الإجراء عند دخولها في مواجهات فيما بينها حتى أصبح إجراء إعلان الحرب مهجورا اليوم. راجع في ذلك تدليلا: الفصل 77 من دستور الجمهورية التونسية، عام 2014.
[xxix] المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جينيف عام 1949: (علاوة علي الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدهما بحالة الحرب، تنطبق الاتفاقية أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة، وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفا في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقي مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة، كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقتها).
-The updated Commentary on the First Geneva Convention – a new tool for generating respect for international humanitarian law, International Review of the Red Cross (2015), 97 (900), 1209–1226.The evolution of warfare doi:10.1017/S181638311600045X.
[xxx] Prosecutor v. Dusk Tadic aka "Dule" (Decision on the Defense Motion for Interlocutory Appeal on Jurisdiction), International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia (ICTY), Appeals Chamber, 2 October 1995, IT-94-1.
[xxxi]Annyssa Bellal - The Responsibility of Armed Non-State Actors in Armed Conflicts, 21 June 2022, UN Web TV.
[xxxii]يُستمد التزام الجماعات المسلحة من غير الدول من عديد المواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني ، وتعد المادة 3 المشتركة الملزمة لجميع أطراف أحد أهم المراجع المهمة في هذا الصدد ، حيث تنص علي وجوب التزامها بأن تحترم" الضمانات التي تنص عليها هذه المادة "، وإضافة إلى ذلك، يجب على هذه الجماعات "أن تكفل احترام" المادة 3 المشتركة من جانب أعضائها ومن جانب الأفراد أو الجماعات التي تتصرف نيابةً عنها ، وينبني ذلك على اشتراط أن تكون الجماعات المسلحة منظمة وخاضعة لقيادة مسؤولة يجب عليها كفالة احترام القانون الإنساني. كما يشكل هذا الأمر جزءًا من القانون الدولي العرفي.
انظر: تعليق على اتفاقيات جينيف الاولي، مرجع سابق، ص40.
[xxxiii] Act of Engagement Democratic Republic of the Congo, 2008.
[xxxiv]Victor Gervais - Saskia van Genugten, Stabilizing the Contemporary Middle East and North Africa: Regional Actors and New Approaches (Middle East Today) 1st ed. 2020 Edition, pp 98.
[xxxv]Annyssa Bellal, Welcome on Board: Improving Respect for International Humanitarian Law through the Engagement of Armed Non-State Actors, Chapter 2, pp 48.
[xxxvi]Sandesh Sivakumaran, Binding armed opposition groups, International & comparative Law Quarterly 55 (2), 369-394, 2006 pp369-394.
[xxxvii] Noelle Higgins, Regulating the Use of Force in Wars of National Liberation: The Need for a New Regime, A Study of the South Moluccas and Aceh, Series: International Humanitarian Law Series, Volume: 28, pp5.
[xxxvii]Ezequiel Heffes -How Focusing on Non-State Actors can change the IHL Narrative, pp1.
[xxxix]Gabriel Gil, SIT Study Abroad, spring 2019, Humanitarian Negotiations and Humanitarian Principles: The Interaction Between Humanitarian Negotiations for access and Organizations ability to adhere to humanitarian Principles, PP12.
[xl] Salvo Licciardello, op.cit. pp33.
[xli]Gabriel Gil, op.cit. pp44.
[xlii]Andrew Clapham The Accountability of Armed Groups under Human Rights Law, pp 42.
[xliii] Ashly Jonathan Clemants, Humanitarian Negotiations with Armed Groups: The Frontlines of Diplomacy, 1st Edition pp 43.
[xliv] Andrew MacLeod, op.cit, pp 35.
[xlv] IFRC strategy 2020: saving lives, changing minds INTERNATIONAL FEDERATION OF RED CROSS AND RED CRESCENT SOCIETIES (IFRC).
[xlv] Salla Turunen, Humanitarian Diplomacy: Challenges and Strategies for Negotiating with Non-State Armed Groups, November 10, 2020.
[xlvii]Annyssa Bellal, Welcome on Board: Improving Respect for International Humanitarian Law through the Engagement of Armed Non-State Actors, Chapter 2, PP44.
[xlviii]Andrew Macleod Claud Humanitarian Engagement with Non-state Armed Groups -Catham House, 2016 - pp 18 .
[xlix] Andrew Macleod, op.cit. - pp 19.
[xlix]NOELLE Higgins The Regulation of Armed Non-State Actors: Promoting the Application of the Laws of War to Conflicts Involving National Liberation Movements, (2009) 17(1) Human Rights Brief 12,November 29, 2014.
[li] راجع الاستخدام الاول لمصطلح "الاعتبارات الأولية للإنسانية"، والذي استندت عليه محكمة العدل الدولية في قضية "مضيق كٍورفو" في 15 ديسمبر عام 1949م.
CORFU CH. ANNEL CASE - ASSESSMENT OF AMOUNT OF COMPENSATIONJudgment of 15 December 1949, www.icj-cij.org
[lii] Rob Grace, op. cit.pp4.
[liii]Noelle Higgins, International Law and Wars of National Liberation, PP5.
[lv]Dr. Waseem Ahmad Qureshim, Applicability of International Humanitarian Law to Non-State Actors, Santa Clara Journal of International Law, Volume 17 | Issue 1 Article 2, 2-Feb-2019, PP6.
[lvi] احتكار الدولة للقوات المسلحة أحد مقومات سيادة الدولة وأحد الأسس التي يقوم عليها وجودها واستمرارها. وهو امتلاك الدولة بصفة حصرية وانفرادية وفي غياب أي منافس لها من أية جهة كانت، للسلطة التامة والحصرية لإحداث قوات مسلحة تتبع الدولة وتتمثل في الجيش وفي كل تنظيم آخر لحمل السلاح مثل الحرس الوطني والشرطة. راجع الفصل 17، 18 من دستور الجمهورية التونسية الحالي، في معجم ألفاظ وعبارات دستور الجمهورية التونسية، تحرير البروفيسور رافع بن عاشور، جامعة قرطاج التونسية، ومؤسسة كونراد أديناور، عام 2016، صفحة 273-274.
[lvii] Dr. Waseem Ahmad Qureshi, Applicability of International Humanitarian Law to Non-State Actors, Santa Clara Journal of International Law, Volume 17 | Issue 1 Article 2, 2-Feb-2019, pp 19.
[lviii] United States of America, Holder v. Humanitarian Law Project, how does Law protect in war, 21 June 2010 https://casebook.icrc.org/case-study/united-states-america-holder-v-humanitarian-law-project .
[lix] David P. Forsythe, The ICRC: a unique humanitarian protagonist, International Review of Red Cross, Volume 89 Number 865 March 2007, pp64.
[lx] Claudia Hofmann and Ulrich Schneckener, Engaging non-state armed actors in state and peace building: options and strategies, International Review of Red Cross, Volume 93 Number 883 September 2011.
[lxi] المقاتلون الإرهابيون الأجانب دليل لمعاهد التدريب القضائي في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الإصدار الأول 2021.
[lxii] Annyssa Bellal, Welcome on Board: Improving Respect for International Humanitarian Law through the Engagement of Armed Non-State Actors, Chapter 2, PP55.
[lxiii] The Seven Fundamental Principles, International Federation of Red Cross. https://www.ifrc.org/who-we-are/vision-and-mission/the-seven-fundamental-principles/.
[lxv] Noelle Higgins op.cit. pp 5.
[lxvi] Luis Lema, Torture in Algeria. The report that was to change everything 19-08-2005 Article, Le Temps,
https://www.icrc.org/en/doc/resources/documents/article/other/algeria-history-190805.htm.
[lxvii] M. SASSOLI "The Implementation of HIL: Current and Inherent Challenges, 10 yearbooks of Intl.H. Law 45.63 (2007) (- pp 63.
[lxviii] لعبت نيجيريا وجنوب أفريقيا والهند وإندونيسيا وماليزيا والمملكة السعودية وتركيا وقطر دورا توسيطا مع الجماعات المسلحة في دول معينة وتعد النرويج وسويسرا أبرز الدول التي وثقت الجماعات المسلحة بحيادها ونزاهتها في جهودها لتحقيق السلام والوساطة بين هذه الجماعات ودولة الإقليم.
[lxix]Andrew MacLeod, Claudia Hofmann, Ben Saul, Joshua Webb and Charu Lata Hogg, Humanitarian Engagement with Non-state Armed Groups, April 2016, PP33.
[lxx] Joint Statement by independent United Nations human rights experts* on human rights responsibilities of armed non-State actors, UN Office of High Commissioner, 25 February 2021.
[lxxi] Rony Brauman, https://www.cambridge.org/core/journals/international-review-of-the-red-cross/issue/08FAD4DDCC1CF922590E9F39A5DE73D1?pageNum=2 , International Review of the Red Cross (2002).
[lxxii] Noelle Higgins, op.cit. pp 3.
[lxxiii] Victor Gervais - Saskia Stabilizing the Contemporary Middle East and North Africa Regional Actors and New Approaches (Middle East Today) 1st ed. 2020 Edition, pp 114.
[lxxiv]Andrew MacLeod, Claudia Hofmann, Ben Saul, Joshua Webb and Charu Lata Hogg, op.cit. 31.
[lxxv] Andrew MacLeod, op.cit. pp 35.
[lxxvi]Hugo Slim, Humanitarian Ethics and Humanitarian Effectiveness: How Are They Related? Presentation to OCHA Policy Seminar Series New York, 17 April 2013 , Rony Brauman, Médecins Sans Frontiers and The ICRC: Matters of Principles, Intl Review of The Red Cross 94, No 888 (2012).
[lxxvii] ICRC President Peter Maurer address, SIPRI Forum on Peace and Development, Stockholm, 14 May 2019, The contribution of humanitarian action to peace,https://www.icrc.org/en/document/where-humantiarian-action-meets-peace-building.
THE GENEVA CONVENTIONS AT 70: OUR ONGOING CONTRIBUTION TO THEIR IMPLEMENTATION, 12 August 2019, BY PROFESSOR MARCO SASSÒLI, DIRECTOR OF THE GENEVA ACADEMY.
The ICRC head of policy, Dr Hugo Slim, gave a speech at the 5th Singapore Red Cross Humanitarian Conference on the theme of partnerships and volunteerism for humanity on 20 July 2019.
https://www.icrc.org/en/document/icrc-partnerships-today-and-tomorrow-conflict-and-disaster
33rd INTERNATIONAL CONFERENCE OF THE RED CROSS AND RED RESCENT, Geneva, Switzerland, 9–12 December 2019, International humanitarian law and the challenges of contemporary armed conflicts Recommitting to protection in armed conflict on the 70th anniversary of the Geneva Conventions, Report Document prepared by The International Committee of the Red Cross.
[lxxviii]Humanitarian Engagement with Non-state Armed Groups, PP 10.
[lxxix] Humanitarian Engagement with Non-state Armed Groups, PP 11.
[lxxx]Humanitarian Engagement with Non-state Armed Groups, PP 12.
[lxxxi]Martha Finnemore, Norms and war, National Interests in International Society PP69-88.
[lxxxii] Daragh Murray, How International Humanitarian Law Treaties Bind Non-State Armed Groups, PP3.
[lxxxiii]SPECIAL COURT FOR SIERRA LEONE JOMO KENYATTA ROAD FREETOWN SIERRA LEONE, THE APPEALS CHAMBER, 13 March 2004.
[lxxxiv] Tadić (Appeal) (Deschênes on the Defense Motion for Interlocutory Appeal on Jurisdiction), ICTY,2 October 1995 (Case no. IT-49-J-AR72) at Para.134.
[lxxxv]Anthea Roberts, Lawmaking by Nonstate Actors: Engaging Armed Groups in the Creation of International Humanitarian Law, pp120.
[lxxxvi] Sudan, Report of the UN Commission of Enquiry on Darfur, Paras 61 to 125, Pursuant to Security Council Resolution 1564 of 18 September 2004 Geneva, 25 January 2005, How does Law protect in war
https://casebook.icrc.org/case-study/sudan-report-un-commission-enquiry-darfur.
[lxxxvii]Special agreements, how does Law Protect in War, Casebook ICR.
[lxxxviii] Yearbook Of International Humanitarian Law, Asser Press, 2017, PP 16.
[lxxxix]Eric David op.cit. PP 36.
[xc]Yearbook Of International Humanitarian Law 2017, PP 18.
[xci]Katharine Fortin and Foreword by Andrew Clapham, The Accountability of Armed Groups under Human Rights Law, PP20.
[xcii]Anthea Roberts, Lawmaking by Nonstate Actors: Engaging Armed Groups in the Creation of International Humanitarian Law PP 142.
[xciii]We apologize: former Colombia FARC rebels seek forgiveness at tribunal – France 24 news 14/7/2018.
[xciv]ICRC, The Applicability of IHLTO Terrorism and counter terrorism (Interactive) 01 Oct. 2015 (accessed 2016 – 04 – 08).
[xcv]Ben Saul, op.cit., pp 42.
[xcvi] INTERNATIONAL HUMANITARIAN LAW AND THE CHALLENGES OF CONTEMPORARY ARMED CONFLICTS, Document prepared by the International Committee of the Red Cross Geneva, October 2007, 30TH INTERNATIONAL CONFERENCE OF THE RED CROSS AND RED CRESCENT Geneva, Switzerland, 26-30 November 2007, Yearbook of IHL 45 – 37, at 64.
[xcvii] Annyssa Bellal, Welcome on Board: Improving Respect for International Humanitarian Law through the Engagement of Armed Non-State Actors, Chapter 2, PP50.
[xcviii]Noam Zamir, The Classification of Armed Conflicts between Occupying States and Non-StateArmed Groups in Cases of Belligerent Occupation, 7 Cambridge Int'l L.J. 145 (2018), PP 145-163.