جائحة كوفيد-19 والأمن الدوائي في الدول العربية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

خبير أول، المعهد العربي للتخطيط، الكويت.

المستخلص

    تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على جائحة كوفيد -19 وتأثيرها على الأمن الدوائي في الدول العربية. واعتمدت في ذلك على منهجية تمزج بين التحليل والتفسير للوقوف على أهمية الأمن الدوائي سواء في الأوقات العادية أو في الأزمات. كما تم استخدام أسلوب دراسة المقارنة لمعرفة وضعية الصناعة الدوائية في الدول العربية وفي الدول النامية والمتقدمة. ومن النتائج التي تم التوصل إليها هو عدم قدرة الدول العربية على تغطية الاحتياجات الأساسية من الأدوية سواء قبل أو بعد الجائحة والهوة الكبيرة في صناعة الدواء مقارنة بالدول الناشئة والمتقدمة. وانطلاقا من تحليل للصعوبات التي تواجه الصناعة الدوائية العربية واستنادا إلى بعض التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، تعرض هذه الورقة مجموعة من التوصيات والتي من شأنها تعزيز الأمن الدوائي في هذه الدول ومواجهة تداعيات مثل هذه الأزمات في المستقبل والتي من أهمها الحرص على جودة المؤسسات المعنية واﻟﺤﻛﻤﺔ ﺍﻟﺷﻴﺓ، وتيسير القوانين والتشريعات الخاصة ببيئة الأعمال في قطاع الأدوية وتوفير التمويل اللازم، والاستثمار في رأس المال البشري والتعليم، وتشجيع ودعم البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا، واعتماد سياسة العنقود الصناعي إضافة إلى تشجيع التعاون العربي المشترك في صناعة الأدوية.

نقاط رئيسية

مقدمـــة:

عرف العالم عدة أزمات عبر العصور كان لها آثار اقتصادية واجتماعية سلبية على العديد من الدول سواء النامية أو المتقدمة. وقد تعددت هذه الأزمات وتنوّعت لتشمل الكوارث الطبيعية، والحروب والنزاعات، والصدمات الاقتصادية. وتبقى الأوبئة الصحية من بين أشد الكوارث وأصعب الأزمات التي مرّ منها العالم وخير دليل على ذلك جائحة كوفيد-19 والتي كان لها، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من المصابين والوفيات، أثر سلبي عميق على العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وقد أدى التفشي السريع لهذه الجائحة والمخاطر التي تسببت فيها على الأمن الصحي إلى تسليط الضوء على أحد العناصر الأساسية لحياة الإنسان وأحد دعامات التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة، ألا وهو الدواء. فلا تنمية دون صحة، ولا صحة بدون دواء. واتجهت الأنظار بالخصوص إلى أكبر شركات صناعة الأدوية لتطوير أدوية ولقاحات جديدة للتخفيف من حدة الفيروس أو القضاء عليه. ويبقى توفير الأمن الدوائي من أهم التحديات التي أفرزتها هذه الجائحة خصوصا على مستوى الدول العربية. فقد كان للإجراءات التي قامت بها مختلف دول العالم، كإغلاق المرافئ والحدود الخارجية وتعليق حركة الطيران وفرض قيود تجارية من طرف بعض البلدان المصدّرة الرئيسية، اضطرابات كبيرة على مستوى سلاسل الإمداد وأدّت إلى نقص مهم في مدخلات الإنتاج كالمواد الأولية وقطع الغيار والآلات المرتبطة بقطاع الأدوية. كما تسبّب الركود الإقتصادي الناتج عن هذه الجائحة إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وانخفاض دخل عدد كبير من الأسر والذي أدّى إلى صعوبة تأمين احتياجاتهم من الدواء.

الكلمات الرئيسية


مقدمـــة:

عرف العالم عدة أزمات عبر العصور كان لها آثار اقتصادية واجتماعية سلبية على العديد من الدول سواء النامية أو المتقدمة. وقد تعددت هذه الأزمات وتنوّعت لتشمل الكوارث الطبيعية، والحروب والنزاعات، والصدمات الاقتصادية. وتبقى الأوبئة الصحية من بين أشد الكوارث وأصعب الأزمات التي مرّ منها العالم وخير دليل على ذلك جائحة كوفيد-19 والتي كان لها، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من المصابين والوفيات، أثر سلبي عميق على العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وقد أدى التفشي السريع لهذه الجائحة والمخاطر التي تسببت فيها على الأمن الصحي إلى تسليط الضوء على أحد العناصر الأساسية لحياة الإنسان وأحد دعامات التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة، ألا وهو الدواء. فلا تنمية دون صحة، ولا صحة بدون دواء. واتجهت الأنظار بالخصوص إلى أكبر شركات صناعة الأدوية لتطوير أدوية ولقاحات جديدة للتخفيف من حدة الفيروس أو القضاء عليه. ويبقى توفير الأمن الدوائي من أهم التحديات التي أفرزتها هذه الجائحة خصوصا على مستوى الدول العربية. فقد كان للإجراءات التي قامت بها مختلف دول العالم، كإغلاق المرافئ والحدود الخارجية وتعليق حركة الطيران وفرض قيود تجارية من طرف بعض البلدان المصدّرة الرئيسية، اضطرابات كبيرة على مستوى سلاسل الإمداد وأدّت إلى نقص مهم في مدخلات الإنتاج كالمواد الأولية وقطع الغيار والآلات المرتبطة بقطاع الأدوية. كما تسبّب الركود الإقتصادي الناتج عن هذه الجائحة إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وانخفاض دخل عدد كبير من الأسر والذي أدّى إلى صعوبة تأمين احتياجاتهم من الدواء.

وبصفة عامة، يطرح ضعف الأمن الدوائي في الدول العربية واعتمادها الكبير على استيراد الأدوية من الخارج تساؤلات حول واقع الصناعة الدوائية في هذه الدول وحول إمكانياتها الحقيقية في تدبير المخاطر والأزمات، كجائحة كوفيد-19، إضافة إلى القدرات الاستباقية لأنظمتها الدوائية. ويطرح بصفة خاصة مسألة السيادة الوطنية في ما يخص هذا القطاع وكذلك أهم الصعوبات والتحديات التي تمنع هذه البلدان من إقامة وتطوير صناعة دوائية تستجيب للطلب المحلي وتقلل من نسبة الإرتباط بالخارج.

للإجابة على هذه التساؤلات، يعتمد هذا البحث على منهجية تمزج بين التحليل والتفسير للوقوف على أهمية الأمن الدوائي سواء في الأوقات العادية أو في الأزمات. كما يستخدم أسلوب دراسة المقارنة لمعرفة وضعية الصناعة الدوائية في الدول العربية وفي الدول النامية والمتقدمة ارتباطا بجائحة كوفيد-19. في البداية، تقوم هذه الورقة أولا بتسليط الضوء على الأزمات الصحية ومدى تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي، ثم التعريف بالأمن الدوائي وأهميته وعرض وتحليل بعض البيانات والمؤشرات عن قطاع الأدوية حول العالم وموقع الدول العربية في خارطة تصنيع وتجارة الدواء العالمية. يتم بعد ذلك تحليل تأثير أزمة كوفيد-19 على الأمن والإكتفاء الذاتي والتحديات الجديدة التي فرضتها على مستوى قطاع الأدوية. من جانب آخر، تتطرق هذه الورقة إلى واقع الصناعة الدوائية في المنطقة العربية والصعوبات والتحديات التي تقف حاجزا في وجه تحقيق الأمن الدوائي المنشود. وتستعرض في الأخير، استنادا إلى نتائج هذا التحليل وإلى بعض التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، مجموعة من التوصيات والتدابير والتي من شأنها تعزيز الأمن الدوائي في الدول العربية ومواجهة تداعيات مثل هذه الأزمات في المستقبل.

1-             بعض الدراسات السابقة والتقارير حول ضعف صناعة الأدوية في أغلب الدول النامية والعربية

يعد تمكين الأفراد في أي مجتمع من اقتناء الأدوية والحصول عليها بشكل مستمر جزءًا لا يتجزأ من أنظمة الرعاية الصحية الجيدة وأمر أساسي لصحة وتنمية ورفاهية السكان. وغالبا ما يتطلب إنتاج مثل هذه الأدوية واللقاحات توفّر صناعة متطورة وموارد بشرية عالية الكفاءة وموارد مالية كبيرة ومراكز بحثية متطورة. وقد شهدت صناعة الأدوية العالمية خصوصا في السنوات الأخيرة تقدّما كبيرا حيث تُعتبر من أسرع الصناعات نموًا في العالم. لكنها مع ذلك ظلّت مركّزة بشكل كبير في البلدان المتقدمة والتي لا تزال تهيمن على إنتاج الأدوية العالمية واستهلاكها وتجارتها.

وبالفعل، تشير إحدى الدراسات (Roger Bate, 2008) إلى أنه بالرغم من النمو الكبير في حجم ونوعية الأدوية، فلا يزال إنتاجها واستهلاكها غير متكافىء بين مختلف دول العالم وتبقى البلدان النامية ومنخفضة الدخل الأقل حصولا على الأدوية بسبب عدم توفر هذه الأدوية أو عدم إمكانية الحصول عليها. فحسب منظمة الصحة العالميةيفتقر نحو 30% في المتوسط من سكان العالم إلى الأدوية المنقذة للحياة وقد تصل هذه النسبة إلى 50% في بعض البلدان في آسيا وإفريقيا.

وعلى الرغم من ظهور بعض البلدان النامية في هذا المجال إلاّ أن حصتها في صناعة الأدوية العالمية منخفضة للغاية. في هذا الإطار، أشارت دراسة حول توافر وأنماط إنتاج واستهلاك وتجارة الأدوية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي خلال الفترة 2005-2010 إلى أن العديد من البلدان النامية، بما في ذلك جل الدول العربية، تتميز بقدرات تصنيع غير كافية أو معدومة في صناعة الأدوية (OIC, 2011). وتغطي الصناعة المحلية جزءا صغيرا من الطلب المحلي على الأدوية وتعتمد بشكل كبير على الواردات. بالإضافة إلى ذلك، فإن حصة الأدوية في المدفوعات الصحية (أي التي يدفعها المريض) تتراوح بين 40% إلى 60% في هذه البلدان. وبالتالي، فإن الأدوية ليست متاحة ولا في متناول جزء كبير من السكان وتبقى إمكانية الحصول عليها من بين أكبر التحديات.

وأشارت إحدى الدراسات حول صناعة الأدوية العربية إلى أنه على الرغم من أن هذه الصناعة تساهم بشكل متزايد في إنتاج بعض منتجات التكنولوجيا الحيوية وخاصة بعض اللقاحات والأدوية العشبية إلاّ أن التحدي الرئيسي يبقى تحقيق الهدف الإقليمي المتمثل في الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأدوية واللقاحات الأساسية (Abdel Aziz Saleh, 2015). ففي بعض البلدان يتم إنتاج حوالي 40% من الأدوية بموجب ترخيص أو في مصانع فرعية تابعة لشركات متعددة الجنسيات. كما يتم استيراد أكثر من 90% من المواد الخام اللازمة للإنتاج المحلي. وقد بدأ عدد قليل من الشركات في الآونة الأخيرة خاصة في الأردن ومصر بعض الأنشطة البحثية القائمة على النباتات الطبية المحلية. كما تبذل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة جهودا كبيرة لإنتاج منتجات التكنولوجيا الحيوية وخاصة بعض اللقاحات والمنتجات البيولوجية الأخرى. وتشير الدراسة إلى بعض المجالات الرئيسية والتي لا تزال تشكّل نقاط ضعف كتطوير البحث والتطوير، وقلة وصعوبة النفاذ إلى التمويل، ونقص الموارد البشرية في بعض التخصصات.

بصفة عامة، ونظرا لضعف صناعة الأدوية في أغلب الدول النامية، عادة ما تعتمد هذه الدول على بلدان أخرى، خصوصا المتقدمة، لاقتناء الأدوية. وقد كان دائما يسود في العقود الماضية تخوّف كبير في الدول النامية والفقيرة من خطورة الاعتماد على إمدادات الأدوية من بلدان أخرى. وقد تحوّل هذا التخوّف حاليًا من مشكلة محتملة إلى تحدَّ حقيقي بسبب جائحة كوفيد-19. في هذا الإطار، أشارت إحدى الدراسات (Wuraola Akande-Sholab et al, 2020) حول تاثير أزمة كوفيد-19 على الأمن الدوائي في إفريقيا إلى أن معظم البلدان الإفريقية تعتمد بشكل كبير على الدول الأجنبية في تلبية احتياجاتها من الأدوية حيث يتم استيراد حوالي 70% من الأدوية من الصين والهند. كما أن المعدات والموارد اللازمة لتصنيع نحو 70% من الأدوية في بلد مثل نيجيريا يتم الحصول عليها بشكل أساسي من شركات في الصين والهند. وتضيف الدراسة أيضا إلى انه بالرغم من بعض التطوّر الذي شهدته صناعة الأدوية المحلية إلاّ أنه مع استمرار أزمة كوفيد-19 وظهور فيروسات متحوّرة جديدة فإن استمرار الاعتماد على الخارج يبقى مصدر قلق كبير ما دامت هذه الدول غير قادرة على تصنيع الأدوية واللقاحات لتلبية جزء كبير من الإحتياجات المحلية. كما أن ذلك يمثل تهديدا حقيقيا لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وخاصة الأهداف 1 و 3 و 8 و 9 والتي تسعى إلى إنهاء الفقر المدقع، وضمان الصحة والرفاهية، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.

وحسب تقرير للمنظمة العالمية للصحة، فإن جائحة كوفيد-19 تشكّل تهديدات كبيرة لصحة السكان على مستوى العالم وتعيق التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف منظمة الصحة العالمية. فإضافة إلى العدد الكبير للإصابات والوفيات، تسببت هذه الجائحة في تخفيض متوسط ​​العمر المتوقع في العديد من البلدان. وبالرغم من تطوّر إنتاج اللقاحات، يشير التقرير إلاّ توزيع عالمي غير متكافئ لللقاحات وعدم المساواة في الحصول عليها حيث تتوجه 1٪ فقط من الجرعات إلى البلدان منخفضة الدخل مقارنة بـ 47٪ في البلدان ذات الدخل المرتفع. من جانب آخر، توصّلت نتائج دراسة ضمّت مسح آراء (Opinion Survey) قامت به المنظمة العالمية للصحة في 135 دولة وإقليم (أبريل 2021) إلى حدوث اضطرابات كبيرة في الخدمات الصحية الأساسية بسبب جائحة كوفيد-19، خصوصا بسبب نقص الأدوية، حيث أبلغ 89% من هذه الدول والمناطق عن وقوع اضطراب واحد أو أكثر في هذا النوع من الخدمات. كما تم الإبلاغ عن تعطل سلاسل التوريد من نحو ثلث البلدان التي شملتها الدراسة، مما حدّ من توافر الأدوية الأساسية (World health statistics 2021).

2-           الأزمات الصحية وتداعياتها الاقتصادية والدوائية

تعرّضت العديد من دول العالم عبر التاريخ إلى أزمات وصدمات شديدة كان لها وقع كبير على شعوبها واقتصاداتها. وتبقى الأوبئة الصحية وتعدّد أشكالها (الشكل التالي) من بين أشد الكوارث التي مرّ منها العالم والتي بسبب غياب أو نقص في الأدوية واللقاحات اللازمة أدّت إلى هلاك الملايين من الأشخاص. فعلى سبيل المثال، أدّى الطاعون في القرن 14 إلى وفاة حوالي ثلث سكان أوروبا. وتسبّبت الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918 في وفاة أكثر من 50 مليون شخص و500 مليون مصاب إضافة إلى خسائر اقتصادية فاقت 3 تريليون $ (حوالي 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي). وقد توصلت في هذا الإطار إحدى الدراسات (Barro et al, 2020) ونتائج الانحدار التي قامت بها إلى وجود علاقة عکسية بين معدلات الوفيات من جهة والناتج والاستهلاک من جهة أخرى، بمعنى أن الأنفلونزا الإسبانية كان لها آثار سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي.

شكل رقم 1: الأزمات وأنواعها

 

المصدر: إعداد الباحث

من جانبه، كلـّف وبـاء سـارس الـذي ظهـر عـام 2003 الإقتصـاد العاملـي نحو 40 مليـار دولار. وأدّى فيروس نقص المناعة المكتسب "الإيدز" إلى هلاك نحو 35 مليون شخص منذ 1981 (علي صالح، 2020). وحسب دراسة (Bloom et al, 2018)بلغ معدل الإماتة لفيروس إيبولا في عام 2014 حوالي 50% في المتوسط وتسبّب في تراجع اقتصاد ليبيريا بنسبة 8% ما بين عامي 2013 و2014. كما تقدر التكلفة السنوية لوباء الإنفلونزا بنحو 500 مليار دولار.

أما أزمة كوفيد-19، وبعد مرور سنتين على اندلاعها، فقد أدّت القيود التي فرضتها مختلف دول العالم لمواجهة هذه الجائحة إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة حيث فقد حوالي 114 مليون شخص عملهم في عام 2020 وبلغت الخسائر في ساعات العمل نحو أربعة أضعاف ما كانت عليه خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2009 (ILO Monitor, 2021). وعلى مستوى الأنشطة الإقتصادية، فقد تجاوز انخفاض الناتج العالمي[i] نظيره المسجّل إبان الأزمة المالية العالمية بنحو 3 أضعاف وفي نصف المدة (سونالي داس وآخرون، 2021). كما أثبتت إحدى الدراسات (McKibbin and Fernando,2020)، بناءً على عدة سيناريوهات لتأثير هذه الجائحة على المخرجات الاقتصادية، علاقة وطيدة بين التطوّر السريع لهذه الجائحة على المستوى العالمي وارتفاع تکاليفها الاقتصادية.

ومن جانب الصحة العامة، فقد أدّت هذه الأزمة إلى إصابة أكثر من 267 مليون شخص ووفاة حوالي 5.3 مليون عبر العالم[ii]، كما أن الأمريكيتين وأوروبا وجنوب شرق آسيا هي المناطق الأكثر تأثرا بالجائحة على مستوى العالم (الشكل التالي). ولقد كان للإنفتاح الكبير للإقتصادات في ظل العولمة، والذي يسَّر عملية تنقّل الأشخاص من بلد لآخر، دور كبير في نقل فيروس كوفيد-19 بين الدول وتحول هذه الأزمة في فترة وجيزة إلى جائحة عالمية، وبالتالي أدت "عولمة الاقتصاد" إلى "عولمة الأزمات الصحية والأوبئة".

شكل رقم 2: توزيع عدد الإصابات بكوفيد-19 حسب المناطق عبر العالم

 

المصدر: منظمة الصحة العالمية. https://covid19.who.int

أما على مستوى قطاع الأدوية، فقد أدّت الجائحة إلى عدم قدرة العديد من الدول، بما فيها العربية، على تغطية احتياجاتها الأساسية وظهور بالتالي قلق كبير بخصوص أمنها الدوائي. ويرجع السبب في ذلك إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد إثر التدابير العديدة التي اتخذتها مختلف الدول (إغلاق الحدود، ...) والإرتباك والتوقفات التي نتجت عنها على مستوى خطوط النقل وشحن الخامات الدوائية المستوردة والأجهزة الخاصة بصناعة الأدوية، إضافة إلى قيام العديد من الدول بفرض حظر على صادراتها من المنتجات الطبية والدوائية بهدف ضمان وتأمين احتياطياتها ومنح الأولوية لمواطنيها (UNCTAD, 2020). وحتى بعد إنتاج بعض اللقاحات الجديدة لمواجهة فيروس كوفيد-19 فقد حصل تباين في توزيعها بين دول العالم حيث كانت الدول النامية والفقيرة الأقل استفادة من هذه اللقاحات.

وبالتالي، وبصفتها أزمة صحية بالأساس، فأول إشكالية طرحتها أزمة كوفيد-19 هي مدى قدرة البلدان، خاصة العربية، على توفير الأدوية الأساسية والكافية لمواجهة هذه الجائحة والحفاظ على الصحة العامة سواء تلك التي تساعد في انقاد الأرواح أو التي تعمل على تجنّب المزيد من الإصابات والوفيات بهذا الفيروس كالتطعيمات واللقاحات. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أنه حسب عدة دراسات لم تكن هذه الجائحة أول أزمة يتأثر بسببها قطاع الأدوية في المنطقة العربية حيث أن هذا القطاع تأثر بشكل واضح بعدة أزمات صحية كفيروس انفلونزا الطيور في عام 2006 وانفلونزا الخنازير في عام 2010. فعلى سبيل المثال أكّدت دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية التأثير المباشر لانتشار هذه الأوبئة على سوق الدواء في مصر حيث تسببت في ضغط كبير على طلب المضادات الحيوية والأمصال الوقائية.وقد أدّت على سبيل المثال أزمة انفلونزا الخنازير إلى استيراد 9.1 مليون جرعة مصل "التاميفلو" من الخارج بتكلفة بلغت حوالي 60 مليون جنيه (المركز المصري للدراسات الاقتصادية، 2020)[iii].

3-           الأمن الدوائي: بعض المفاهيم

طرحت جائحة فيروس كوفيد-19 تساؤلات واستفهامات كبيرة حول مقدرة دول العالم، بصفة عامة، والبلدان العربية، بصفة خاصة، على تحقيق الأمن الدوائي. فما المقصود بالأمن الدوائي؟ وما هي وضعية الدول في هذا النطاق خصوصا العربية؟

يلعب الدواء دورًا مهمًا في الوقاية والعلاج من الأمراض وحماية الصحة العامة. وهو مادة أساسية لحياة الإنسان ويعتبر أحد الحقوق الطبيعية لأي فرد من أفراد المجتمع[iv]، وتوافره يساهم في تحقيق الأمن الصحي والاجتماعي، وهو بالتالي من بين الأولويات التي تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو يعتبر حسب نظرية إبراهام ماسلو (المعروفة بهرم ماسلو)، إضافة إلى الغذاء والأمن، من المتطلبات الأساسية الثلاثة ومن الحاجات الفسيولوجية (physiology needs) التي يجب على كل دولة أن توليها الأولوية المطلقة[v].

من جهته، يمكن تعريف الأمن بصفة عامة بالحالة التى يكون فيها الإنسان محميا، أو بعيداً، عن خطر يتهدده. كما يُقصد به شعوره بالطمأنينة بإزالة ما يهدد الإستقرار والعيش وتلبية متطلباته لضمان قدرته على الحياة بسلام وأمان. والأمن لا يقتصر على نطاق معيّن، بل يهم مجالات متعددة كالأمن الاقتصادي، والأمن الطاقي، والأمن التكنولوجي، والأمن البيئي، ... إضافة إلى الأمن الغذائي والأمن الدوائي.

بالنسبة للأمن الدوائي، فالمفهوم التقليدي يحدّده في تحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدول على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الدوائية محلياً. وقد يتوسع هذا المفهوم ليشمل مجالات أخرى حيث يمكن تعريفه بالأمن الذي يمكِّن جميع أفراد المجتمع من الحصول باستمرار على الدواء بكمية كافية وبأسعار مناسبة، سواء في الأوقات العادية أو خلال الأزمات، اعتماداً على الإنتاج المحلي أولاً وعلى أساس الميزة النسبية لإنتاج الأدوية لكل بلد (منتدى اسبار الدولي، 2019). الأمن الدوائي مفهوم واسع حيث يمكن أن يتضمن أيضا توفير الأدوية واللقاحات ذات الاحتياج المتواصل التي تكفي لفترات مستقبلية محددة، والمدخلات من المواد الأولية اللازمة للصناعة الدوائية المحلية، وكذلك توفير المواد الأولية اللازمة لدوران عجلة هذه الصناعة" (منصور السعيد، 2019).

من خلال هذه التعاريف المتعددة، يمكن استخلاص أن الأمن الدوائي يعتبر أحد القضايا الهامة والمحورية لكل الدول باعتبار الدواء من أهم الاحتياجات الأساسية والضرورية لكل إنسان ويساعد على تحقيق الأمن الاجتماعي وله تأثير مباشر على التنمية المستدامة للدول. وبالتالي فإن تلبية متطلباته تستوجب توفير كميات كافية من الأدوية الأساسية وبأسعار مناسبة تتواءم مع القدرات الشرائية لجميع شرائح المجتمع ليس فقط في الأوقات والظروف العادية، بل خصوصا في وقت الأزمات. وهذا يعني أيضا ضرورة العمل على توفير مخزون استراتيجي من الأدوية الأساسية لتفادي أي انقطاع ناتج عن ظرف طارىء أو أزمة ما.

4-            تصنيع وتجارة الدواء على مستوى العالم والدول العربية

تعتبر صناعة الأدوية من الصناعات الإستراتيجية الهامة والمصنّفة ضمن الخمس صناعات الاولى في العالم. وهي تمثل خيارا استراتيجيًا لتحقيق الأمن الدوائي وغالبا ما ترصد لها العديد من الدول إمكانيات مادية كبيرة. وتتميز بقيمتها المضافة الهامة، وتصنيفها ضمن التكنولوجيا المتوسطة والعالية، واعتمادها الكبير على البحث العلمي والتطوير والموارد البشرية المتخصصة وذات المهارات العالية.

وقد شهد سوق الأدوية العالمي نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة حيث تجاوزت قيمة المبيعات 1100 مليار دولار في عام 2019مقارنة بنحو 390 مليار دولار فقط في عام 2001. وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية أبرز الدول حيث تسيطر على حوالي 48% من السوق العالمية، متقدمة بفارق كبير عن أهم الأسواق الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا) والتي بلغت حصتها نحو 15.3%، واليابان (7,1%) (leem, 2020). وتسيطر الشركات الأمريكية على هذه السوق حيث توجد ستة منها ضمن العشرة الأوائل أبرزها شركة جونسون إند جونسون (Johnson & Johnson)، والتي بلغ رأسمالها حوالي 54 مليار دولار وتهيمن على 5.1% من سوق الأدوية العالمي، تليها شركتين من سويسرا وهما نوفارتيس (Novartis) وروش (Roche) بحصة تبلغ 4.9% و4.5% على التوالي (الشكل التالي).

شكل رقم 3: أكبر عشر شركات أدوية في العالم (2019)

 

المصدر: إعداد الباحث. مصدر البيانات: leem, 2020

         

من جانبها، شهدت الأسواق الدوائية في الاقتصادات الناشئة نموا سريعا خلال الفترة 2014-2018. فحسب تقرير للاتحاد الأوروبي للصناعات والجمعيات الصيدلانية (EFPIA)، بلغ هذا النمو 7.3% في الصين، و11.2% في الهند، و11.4% في البرازيل، مقارنة بمتوسط نمو بنحو 5% في أكبر خمس دول في الاتحاد الأوروبي و7.8% في السوق الأمريكية (سارة عبد العزيز، 2020). ويعود ذلك أساسا إلى انخفاض التكاليف والتي ساهمت في تحوّل الأنشطة والبحوث الدوائية البحثية من الدول المتقدمة، خاصة من أوروبا، إلى تلك الدول الناشئة.

أما بالنسبة للدول العربية، فهي تساهم بحوالي 3% فقط من حجم صناعة الدواء على مستوى العالم. وأمام النقص الكبير في عدد المصانع وعجز الصناعة المحلية عن توفير كل الأدوية اللازمة، يتم استيراد هذه المواد بنسبة تتراوح ما بين 65% و80% من الإستهلاك المحلي والتي قد تصل إلى 90% كما هو الحال في عدة دول من الخليج العربي[vi]. أما على مستوى الصادرات، فتبقى ضعيفة حيث تبلغ حصة إجمالي صادرات الأدوية ومنتجات الصيدلة (الفئة رقم 30 حسب النظام المنسق (Harmonized System – HS) لمنظمة الجمارك العالمية (انظر الملحق 1) في كل الدول العربية 0.5% من الصادرات العالمية في عام 2019 حسب بيانات مركز التجارة العالمية International Trade)Centre)[vii]. وهي بذلك أقل بكثير من صادرات بلد كالهند والتي تتجاوز صادراته (حوالي 2.6% من صادرات العالم) أكثر من خمسة أضعاف قيمة مبيعات كل الدول العربية.وعلى سبيل المثال، تبلغ حصة الدول العربية من صادرات العالم للمضادات الحيوية (أنتي- بيوتيك) 0.1% فقط بينما تبلغ 8.5% في الهند[viii]. وبصفة عامة، تبقى الصادرات العربية مركّزة بنحو 80% على أدوية معدة للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي[ix]. وتبقى كل من الإمارات ثم الأردن والسعودية ومصر والمغرب أفضل خمس دول عربية مصدّرة للأدوية ومنتجات الصيدلة (الجدول التالي).

جدول رقم 1: أبرز الدول العربية المصدّرة لمنتجات الصيدلة والأدوية عام 2019

 (مليون $)

الحصة العالمية

الصادرات

الدولة

0.18%

1139

الإمارات

0.10%

637

الأردن

0.07%

419

السعودية

0.04%

272

مصر

0.02%

117

المغرب

0.01%

78

عمان

0.01%

76

تونس

0.01%

58

لبنان

المصدر: إعداد الباحث استنادا لبياناتمركز التجارة الدولية. 2021 (International Trade Center https://www.trademap.org

ويتبين من هذه المعطيات أن العديد من البلدان العربية، وحتى قبل أزمة فيروس كوفيد-19، لم تكن لها لا القدرة ولا الإستعداد الكافي للتصدي السريع لمختلف الأوبئة والجائحات خاصة توفير الأدوية اللازمة ولفترة طويلة. وهذا ما يؤكده المؤشر العالمي للأمن الصحي(Global Health Security Index) الصادر عن مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي ووحدة الاستخبارات الاقتصادية (Economist Intelligence Unit ) والذي يقيّم قدرات الأمن الصحي في 195 دولة[x].

شكل رقم 4: المؤشر العالمي للأمن الصحي 2019

 

المصدر: Global Health Security Index. 2021. https://www.ghsindex.org

    وتشير نتائج هذا المؤشر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدّر الترتيب العالمي (الأعلى استعداداً لضمان أمنها الصحي)، تليها بريطانيا، وهولندا ثم عدة دول أوروبية، في حين أن أغلب الدول العربية هي أقل استعدادا وقدرة للتصدي الحازم والسريع على مواجهة مخاطر الأوبئة والأمراض المتفشية كجائحة فيروس كوفيد-19 خاصة على المستوى الدوائي (الشكل التالي). وتبقى سوريا واليمن والصومال الأضعف، متأثرة بالخصوص بالمشاكل السياسية والحروب الأهلية، حيث حصّلت على مراتب متأخرة في هذا المؤشر، بينما تصنف بعض الدول العربية الأخرى في قائمة البلدان "متوسطة الاستعداد" وهي دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية والتي تتصدّر مؤشر الأمن الصحي في المنطقة العربية، إضافة إلى الأردن ومصر والمغرب وتونس ولبنان.

شكل رقم 5: المؤشر العالمي للأمن الصحي 2019 – الدول العربية

 

المصدر: Global Health Security Index. 2021. https://www.ghsindex.org

    على مستوى آخر، يمكن اعتبار "متوسط العمر المتوقع عند الولادة" أحد المتغيرات المهمة التي تعكس الوضعية الصحية في الدول والتي يساهم فيها بشكل رئيسي توفير الأدوية الكافية وبالجودة المطلوبة والأسعار المناسبة. فقد بلغ هذا المؤشر في الــدول العربية حــوالي 71.9 سنة فــي عــام 2018، وهو بذلك أقل من متوســط دول العــالم ككــل وعن أوروبا وآسیا الوسطى (حوالي 75 و 78 ســنة علــى التــوالي(. ويبقى متوسط العمر المتوقع عند الولادة أقل في الصومال (57 سنة) والقمر (64 سنة) وموريتانا والســودان (65 سنة) والیمن (66 ســنة) وجیبــوتي (67 سنة) عما هو عليه فــي باقي الــدول العربیــة (صندوق النقد العربي، 2020).

5-             جائحة فيروس كوفيد-19 وانعكاساتها على الأمن الدوائي العالمي والعربي

تتباين مختلف دول العالم، بما فيها العربية، على مستوى تحقيق الأمن الدوائي لمواطنيها. ويعود هذا الإختلاف إلى عدة أسباب والتي من أهمها الوضعية الاقتصادية، ومستوى الدخل الفردي، وأسعار الأدوية، والفقر، إضافة إلى بعض العوامل الأخرى كعدم الإستقرار السياسي والحروب والصراعات الأهلية. وقد انضاف إلى هذه العوامل في الآونة الأخيرة أزمة فيروس كوفيد-19 والتي كان لها عدة تداعيات سلبية على قطاع الأدوية سواء على مستوى العرض أو الطلب.

على مستوى الطلب، كان للجائحة تأثيرين متباينين: أولا، ارتفاع كبير للطلب العالمي نتيجة خوف وهلع المستهلكينعلى المنتجات الدوائية والمستحضرات الصيدلانية للوقاية والعلاج من فيروس كوفيد-19. وقد بلغت واردات بعض الدول من الأدوية الأساسية مستويات مبالغ فيها في بعض الأحيان بهدف ضمان وتأمين احتياطياتها من هذه الأدوية وتخزينها تحسبا لأي انقطاع محتمل. ثانيا، انخفاض الطلب على بعض الأدوية بسبب الجائحة وما تسببت فيه من حظر وركود اقتصادي وتراجع كبير لنسبة التشغيل وارتفاع البطالة وانخفاض دخل الطبقات الإجتماعية الفقيرة والمتوسطة والذي صعّب من حصول هذه الفئة على الأدوية خاصة التي شهدت ارتفاعا على مستوى الأسعار.

أما على صعيد العرض، فقد أدّت الإجراءات العديدة التي قامت بها مختلف الدول لاحتواء انتشار الجائحة، كإغلاق المرافئ والمطارات والحدود البرية وما نتج عنها من توقفات في خطوط النقل والشحن للموارد الأولية والخامات الدوائية المستوردة، خصوصا من بعض البلدان كالولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند إضافة إلى الآلات والأجهزة المرتبطة بصناعة الأدوية، إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد وتسبّبت في حصول نقص هام على مستوى استيراد العديد من الدول لمدخلات الإنتاج إضافة إلى ارتفاع أسعارها. ونتيجة لذلك تعثرت أغلب الأنشطة التي تساهم في تصنيع وإنتاج الأدوية، مما أدّى إلى عدم قدرة الدول على تغطية احتياجاتها الأساسية وظهور بالتالي مخاوف كبيرة بشأن أمنها الدوائي.

وقد ساهم عامل آخر مهم أيضا في انخفاض العرض وهو قيام حوالي 80 دولة ومنطقة جمركية بفرض عدة قيود وحظر على تصدير الإمدادات الطبية والدوائية وذلك رغبة منها في إعطاء الأولوية لمواطنيها (UNCTAD, 2020). وتغطّي هذه القيود في الغالب الأدوية وأقنعة الوجه وأجهزة التنفس الصناعي وغيرها من المعدات الطبية (الشكل التالي) (WTO, 2020). وعادة ما تسمح قواعد منظمة التجارة العالمية للدول بفرض قيود أو حظر استثنائي ومؤقت على صادراتها لبعض المنتجات الأساسية إذا كانت تواجه وضعًا حرجًا بسبب نقص لهذه المنتجات على المستوى المحلي لكن بشرط ألاّ تكون عائقا أمام سلاسل الإمدادات العالمية وأن تقوم كذلك بإخطار المنظمة بهذه التدابير وفقًا لقرار 2012 بخصوص "إجراءات الإخطار بالقيود الكمية"Quantitative Restrictions) ) (WTO, 2021).

شكل رقم 6: الدول والمناطق الجمركية التي فرضت حظرا أو قيودا على الصادرات

حسب الفئات والمنتجات

 

المصدر: WTO, 2020Export Prohibitions and Restrictions: Information Note. 23 April. https://www.wto.org/english/tratop_e/covid19_e/export_prohibitions_report_e.pdf.

وقد أفرزت جائحة كوفيد-19 إشكالية أخرى على مستوى العرض بعد نجاح بعض الدول وبعض شركات الأدوية في تصنيع لقاحات جديدة (احتكار أقل من أربعة موردين 32٪ من اللقاحات حسب منظمة الصحة العالمية (UNCTAD, 2020) حيث حصل تفاوت كبير وعدم مساواة بين مختلف الدول في الحصول على هذه اللقاحات. وكانت الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة وبريطانيا، أكبر مستفيد فيما لم تحصّل أغلب الدول الفقيرة إلاّ على كميات قليلة(Marta Ortega-Valle, 2021). وانتقدت منظمة الصحة العالمية هذا الخلل الكبير بين الدول الغنية والفقيرة في توزيع اللقاحات حيث أشارت إلى تلقي واحد من كل أربعة أشخاص في المتوسط لقاح كوفيد-19 في البلدان ذات الدخل المرتفع مقابل واحد من بين أكثر من 500 شخص في البلدان منخفضة الدخل. في نفس الإطار، أشار بحث لمركز "ديوك غلوبال هيلث انوفيشن" بأنه في الوقت الذي توفّرت في البلدان ذات الدخل المرتفع 4.6 مليار جرعة من اللقاحات، لم تحصل الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض سوى على 670 مليون جرعة فقط[xi].

وقد تسبّبت عدة صعوبات في عمليات الإنتاج في دفع الدول المنتجة لللقاحات إلى إعطاء الأولوية لمواطنيها والإحتفاظ بمعظم الإنتاج على المستوى المحلي وهو ما أصبح يعرف بـ "قومية اللقاح" (ماركو حافنر وآخرون، 2021). وفي الهند، دفع الإرتفاع الكبير لعدد الإصابات والوفيات بفيروس كوفيد-19 إلى تعليق معهد “سيروم” - والذي يعتبر أكبر مصنع للقاحات في العالم- تصدير لقاح أسترازينيكا لمنح الأولوية للسكان المحليين. وقد نتج عن ذلك نقص كبير في الإمدادات نحو العديد من الدول من هذا اللقاح، خاصة البلدان الفقيرة، في إطار مبادرة صندوق “كوفاكس للمنظمة العالمية للصحة والتي تهدف توزيع ملياري جرعة من اللقاحات بحلول نهاية عام 2021، والتي تعهّدت بموجبها الهند إنتاج 200 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا لصالح 92 دولة فقيرة[xii] (عبد المجيد أبو العلا، 2021).

بدورها لجأت دول أخرى إلى فرض حظر على صادراتها من لقاحات كوفيد-19. فقد تم اتهام بريطانيا من طرف المفوضية الأوروبية بفرض حظر على تصدير اللقاحات لإعطاء الأولوية لمواطنيها مما أدى إلى تخلف شركة الأدوية السويدية البريطانية أسترازينيكا عن توفير الجرعات الموعود بها نحو باقي دول أوروبا. وبدورها منعت إيطاليا تصدير ربع مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا-أكسفورد إلى أستراليا بحجة التأخير في التسليم والنقص المستمر ورفعت شعار “نحن أولى”. كما طالبت بعض الدول الأوروبية والهند من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعطي قانون الإنتاج الدفاعي الأولوية للحكومة الأمريكية في بعض المنتجات المصنوعة محليا، برفع الحظر عن تصدير المواد الخام لتمكين هذه الدول من تسريع إنتاج اللقاحات.

أمام هذا النقص في العرض، أبدت العديد من الدول النامية رغبتها في المساهمة في إنتاج اللقاحات الخاصة بفيروس كوفيد-19. وقد زاد من هذه الرغبة مجموعة من التجارب السلبية السابقة، كفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والذي أدى إلى وفاة عدد كبير من الناس في الدول النامية نتيجة عدم أو تأخر حصولها على اللقاحات في الوقت الذي كانت فيه الدول الغنية تتوفر على مخزونات كبيرة ولم تستخدمها.لكن،ولكي تتمكّن من إنتاج هذه اللقاحات فهي لا تحتاج فقط إلى المعرفة والتقنية، بل أيضا إلى موافقة الشركات المعنية لإنتاج المادة المكونة لللقاح والتي هي محمية بحقوق الملكية الفكرية[xiii]. في هذا الإطار، حدث نقاش كبير في منظمة التجارة العالمية بشأن اقتراح وضع استثناءات بخصوص قواعد الملكية الفكرية الخاصة باللقاحات المرتبطة بفيروس كوفيد-19. وقد أظهرت بعض الدول، كبريطانيا ودول من الاتحاد الأوروبي، اعتراضا على رفع قدرات إنتاج اللقاحات في الدول النامية لكونه يهدد الاستثمار والابتكار ويقلل من قدرة شركات صناعة الأدوية على الاستثمار مستقبلاً في علاجات السلالات الجديدة من فيروس كوفيد-19 أو أمراض أخرى لاحتمال عدم تحقيق أرباح تفوق تكاليف الإستثمار.

على مستوى بعض الدول العربية خاصة الفقيرة، وإضافة إلى جائحة كوفيد-19 والظواهر السلبية التي نتجت عنها، فاقمت بعض العوامل الأخرى كالصراعات والاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والأمني وتدهور البنية التحتية من حدة صعوبات توفير الدواء والمستلزمات الطبية واللقاحات. وتتعرّض بشكل خاص الفئات الفقيرة والأكثر ضعفًا إلى خطر انعدام الأمن الدوائي، خصوصا المهاجرين والنازحين في الشرق الأوسط. وتبقى اليمن وسورية الأكثر تعرضا لانعدام الأمن الدوائي بسبب الجائحة وبسبب استمرار الصراعات الداخلية والأزمات الاقتصادية. فحسب منظّمة الصّحّة العالميّة تسبّبت مثل هذه العوامل في نقص حادّ في الأدوية في بعض الدول كسورية والتي أدّت فيها الأزمة إلى حدوث أضرار كبيرة بمصانع الأدوية في حلب وحمص وريف دمشق حيث تتركّز 90% من مصانع الأدوية[xiv].

مع ذلك، كان لجائحة كوفيد-19 بعض الآثار الإيجابية على القطاع الصحي والدوائي العربي. فقد خصصت جل الدول العربية، كأغلب دول العالم، موارد مالية إضافية لقطاع الصحة وعملت على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية لفائدة أفراد المجتمع. كما دفع النقص في تغطية الإحتياجات الأساسية من الأدوية والمستلزمات الطبية بعض الدول العربية إلى تشجيع بعض الشركات والمصانع المحلية على الرفع من إنتاج بعض المنتجات الصيدلانية (كالصابون والعطور لإنتاج مواد معقمة، ...). وتم أيضا تصنيع بعض المنتجات التي عادة ما يتم استيرادها من الخارج. فقد تمكّنت بعض الشركات المتخصصة في إنتاج الملابس من تصنيع الكمامات الطبية لدرجة أنه في بعض الدول ارتفع الإنتاج بشكل كبير وتم تصدير عدد مهم من هذه الكمامات نحو الدول الأوروبية. كذلك، دفعت الجائحة بعض الشركات في دول كالمغرب إلى تصنيع بعض الأسِرّة الطبية وتصنيع أجهزة التنفس الصناعي المزودة بأقنعة الأكسجين[xv].

من جهة أخرى، وبهدف تصنيع اللقاحات عبر خطوط إنتاج محلية، قامت بعض الدول العربية بعقد شراكات مع بعض الشركات العالمية المصنعة للقاحات. ومن الأمثلة على ذلك عقد صفقة في سبتمبر 2020 بين شركة الأدوية المصرية "Pharco" وصندوق الاستثمار المباشر الروسي لتصنيع وتوريد 25 مليون جرعة من لقاح "Sputnik V"الروسي[xvi]. كما تم توقيع اتفاقية في أبريل 2021 بين الشركة المصرية القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات (فاكسيرا) وشركة (سينوفاك) الصينية للمستحضرات الدوائية الحيوية اتفاقيتين لتصنيع لقاح (سينوفاك) المضاد لكورونا في مصر، وقد تم البدء بالفعل في تصنيع جرعات لقاح (فاكسيرا_ سينوفاك) في أواخر يونيو 2021، حيث تم إنتاج 3 دورات إنتاج بإجمالي مليون جرعة[xvii]. وتم الإعلان في الجزائر في 7 أبريل 2021 عن عن بدء البلاد إنتاج نفس اللقاح في سبتمبر بشراكة مع روسيا. وأعلنت تونس في فبراير 2021 عن اتفاق مع بريطانيا لتصنيع لقاح أسترازينيكا. كما وقّع المغرب في أغسطس 2021 اتفاقيات شراكة مع شركة "سينوفارم" الصينية لإشراكه في تصنيع وإنتاج لقاح "سينوفارم" في المغرب (عبد المجيد أبو العلا، 2021). وفي مارس 2021، تم خلق شركة مشتركة بين شركة الأدوية الصينية “سينوفارم سي إن بي جي” CNBG  وشركة "جي 42" الإماراتية لإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا، يحمل اسم “حياة – فاكس‘‘[xviii].

بصفة عامة، أظهرت التطورات الخاصة بمواجهة جائحة كوفيد-19 عدم كفاية القدرة التصنيعية العالمية للإستجابة للطلب الكبير على الأدوية واللقاحات الجديدة، أو تعثر وصول هذه الأخيرة بسبب القيود المفروضة من بعض الدول المنتجة لها. كما أبرزت استمرار التبعية الدوائية لبعض الدول، خاصة العربية، واعتمادها على بلدان أخرى لتوريد الأدوية واللقاحات وما ينتج عن ذلك من مخاطر لأمنها الدوائي. وهنا يُطرح تساؤل هام: لماذالم تتمكن، أو على الأقل تحاول، المنطقةالعربية تطوير قطاع الأدوية وإقامة صناعة تستجيب للطلب المحلي على المنتجات الدوائية وتقلل من نسبة الإرتباط بالخارج وفي نهاية الأمر تحقيقهدف الأمن الدوائي؟ للإجابة على ذلك، سيتم تحليل أسباب ضعف صناعة الدواء في الدول العربية وأهم المعوقات التي تعترضه وتمنعه من التطوّر.

6-            صناعة الدواء في الوطن العربي وتحقيق الأمن الدوائي: أبرز المعوقات

بالرغم من تجارب الجوائح الصحية التي شهدها العالم خلال العقود السابقة والدروس التي أفرزتها وأهمها ضرورة قيام صناعة دوائية محلية تمكّن من إنتاج المواد الأساسية وتساهم في تحقيق الأمن الدوائي، إلا أن الواقع يشير إلى أن صناعة الأدوية في المنطقة العربية، وبالرغم من المجهودات المبذولة في بعض الدول، لا تزال دون المستوى المطلوب ولم تتمكن بعد من تحقيق الإكتفاء والأمن الدوائي لحوالي 423 مليون نسمة. وقد جاءت جائحة كوفيد-19 لتبرز مرة أخرى الفجوة الكبيرة بين هذه البلدان وبين الدول المتقدمة والعديد من الدول النامية والناشئة. فالدول العربية شبه غائبة عالميا على مستوى تصنيع الأدوية. وعند تحليل هذه الصناعة يتبين بأنها تعرف مجموعة من الإختلالات والمعوقات والتي قد تختلف في حدتها بين دولة وأخرى. ويمكن حصر أبرز هذه المعوقات في المحاور الرئيسية التالية:

‌أ.        قلة الاستثمار والتمويل

من بين الملاحظات المهمة حول الصناعة الدوائية العربية هو ضعف حصتها من إجمالي الاستثمارات مقارنة بالتجارة والخدمات وبعض الصناعات خاصة الإستخراجية. ويعود ذلك أساسا إلى طبيعة الإستثمارات في قطاع الدواء والتي عادة ما تكون طويلة الأجل خاصة في مجال البحث عن أدوية أو لقاحات جديدة. وبالتالي فإن الإستثمار في هذه الصناعة يمثل تحديا كبيرا للدول العربية نظرا لخصوصية هذا القطاع الذي يندرج ضمن الصناعات الكيميائية المعقّدة والمصنّفة ضمن التكنولوجيا العالية والتي تعتمد بشكل كبير على البحث العلمي والتطوير والموارد البشرية المتخصصة ذات المهارات العالية إضافة إلى الموارد المالية الكبيرة. كما أن تصنيع دواء جديد هو عبارة عن استثمار طويل وشاق ومكلّف. فقد قدّرت إحدى الدراسات بأن ابتكار وتطوير جزيء (molecule) جديد قد يكلف استثمارًا بنحو 900 مليون دولار (الجدول التالي) وقد يصل إلى 1.5 مليار دولار عند الأخذ بالاعتبار تكلفة رأس المال (Mestre-Ferrandiz & all, 2012).

جدول رقم 2: مدة وتكلفة ابتكار دواء جديد

 

(*): احتمال الإنتقال من مرحلة إلى أخرى.   (**): أخذاً بالإعتبار تكلفة رأس المال.

 

من جانب آخر، قد تكون نتائج هذا النوع من الإستثمارات، بالرغم من قلته، غير مضمونة وتتعرض إلى مخاطر عالية واحتمالات كبيرة بالفشل، وبالتالي عدم ضمان العائد على الإستثمار أو في أحسن الأحوال بطىء هذا العائد. بالإضافة إلى ذلك، قد يصعب تشجيع الاستثمارات التي تعمل على ابتكار دواء جديد لوباء ما لأنه بمجرد زوال هذا الوباء قد لا يعود الدواء مربحا (UNCTAD, 2020). هذه العوامل وغياب، أو قلة، ضمانات نجاح مثل هذه المشاريع تساهم من جهة أخرى في صعوبة حصول الشركات العاملة في هذا القطاع على التمويل اللازم، أو حتى إن نجحت في ذلك قد يكون بنسب فائدة مرتفعة.

‌ب.       تراكم التكاليف والرسوم في سلسلة التوريد

تعاني العديد من الدول العربية بصفة خاصة، والنامية بصفة عامة، من الأسعار المرتفعة للعديد من الأدوية وتكون المعاناة أشد في البلدان التي لا تتوفر على نظام تغطية صحية لجميع شرائح المجتمع. لكن ما يلاحظ هو أن السبب الرئيسي قد لا يكون دائما تكلفة التصنيع، بل يعود إلى تراكم التكاليف والرسوم في سلسلة التوريد منذ دخول الأدوية إلى البلد المستورد ووصولا إلى توزيعها محليا. وعادة ما تشمل هذه التكاليف رسوم الموانئ والتعريفات الجمركية وضرائب القيمة المضافة. في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال، توصلت دراسة قامت بتحليل هيكل تكلفة الأدوية الأساسية لفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل لعيّنة من الدول الإفريقية إلى أن تكلفة تصنيع الدواء تمثل حوالي 40% فقط من سعره النهائي (الشكل التالي)، في حين أن الباقي (60%) يعود إلى تكاليف التوزيع والتعريفات الجمركية على الواردات ورسوم الموانئ وهوامش المستوردين وضرائب القيمة المضافة على الأدوية وهوامش ربح عالية في مكونات الجملة والتجزئة لسلسلة التوريد (IFPMA, 2021).

 

شكل رقم 7: مثال لهيكل تكاليف الأدوية

 

المصدر: IFPMA, 2021

وتتميز في هذا الإطار بعض الدول العربية كالمغرب وتونس وجيبوتي بفرض تعريفة جمركية مرتفعة على وارداتها من الأدوية (الشكل التالي) مما يساهم في ارتفاع أسعارها على المستوى المحلي. من جهة أخرى، يزيد ارتفاع أسعار صرف العملات العالمية كالدولار أمام العملات العربية، أو التخفيض الكبير لأسعار صرف بعض العملات (كالسودان ومصر بعد تعويم الجنيه)، من حدة هذه التكاليف وترتفع معه تكلفة استيراد المدخلات الوسيطة وأسعار الدواء والمستلزمات الطبية المستوردة، والذي يؤثّر على القدرة الشرائية للعديد من الأسر خاصة ذات الدخل المنخفض[xix].

 

شكل رقم 8: التعرفةالجمركيةعلىواردات الأدويةحسب الدول (2019)*

 

(*): تعريفة الدولة الأولى بالرعاية. المصدر: https://medtrade.herokuapp.com

من جانب آخر، إن اعتماد بعض الدول العربية بشكل كبير على المواد الخام والمكونات المستوردة المستخدمة في تصنيع بعض الأدوية والتي يتم الحصول عليها من خلال سلسلة التوريد العالمية وتتحكم فيها وفي أسعارها بعض الشركات العالمية تزيد كذلك من تكاليف تصنيع هذه الأدوية. وقد فاقمت مؤخرا أزمة كوفيد-19 من هذه الوضعية وزادت من حدتها حيث شهدت أسعار هذه المواد ارتفاعا بعد الإضطرابات الكبيرة في النقل والشحن التي نتجت عن هذه الجائحة.

‌ج.     قلة الموارد البشرية المتخصصة وعلاقتها بمستوى وجودة التعليم

يعتبر قطاع الدواء من الصناعات التي تتطلب موارد بشرية متخصصة وذات كفاءات عالية. وغالبا ما يصعب في المنطقة العربية إيجاد عدد كبير من هذه الكوادر الفنية وذوي المهارات والخبرات كالتقنيين والمهندسين والباحثين المتخصصين في علوم الكيمياء الحيوية الدقيقة لتوظيفها في هذا القطاع. كما تزيد اشتراطات التوطين التي تفرضها بعض الدول، خاصة الخليجية، من صعوبة إيجاد مثل هذه الخبرات على المستوى المحلي. من جهة أخرى، وبالرغم من ندرتها، تفضل بعض الكفاءات العربية الهجرة إلى دول أخرى، خاصة المتقدمة، نظرا للإمتيازات الكبيرة التي توفرها هذه البلدان سواء على مستوى الأجور أو بيئة العمل أو إمكانية التطوّر وصقل المواهب ومسايرة آخر الأبحاث في مراكز تتوفر على التجهيزات المتطورة والإمكانيات المادية الكبيرة.

ويمكن ربط قلة الموارد البشرية المتخصصة والكفاءات العالية في قطاع الأدوية بنوعية وجودة التعليم. في هذا الإطار، وبالرّغم من بعض المجهودات لتطوير قطاع التعليم في عدة دول عربية إلاّ أن النتائج لم تصل بعد إلى الأهداف المنشودة. وتُظهر بعض المؤشرات بصفة عامة ضعفاً سواء في نسبة إنفاق الحكومات على هذا القطاع أو في نوعيةأو في جودة البرامج التعليمية. على سبيل المثال، بلــغ المتوسط العربي لنسبة "الإنفاق على التعلیم إلى الإنفــاق العــام الإجمــالي" حــوالي 13.8% فــي عــام 2018، وھــي نســبة منخفضــة مقارنــة بالــدول النامیــة (17.8%). وسجلت الأردن أفضل نسبة بنحو 29% (الشكل التالي) ثم تونس (23%) فيما لم تتجاوز 10% في كل من البحرین والصومال وقطر ولبنــان وموریتانیا (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2020).

 

شكل رقم 9: نسبةالإنفاقالعامعلىالتعليم منالإنفاق العام الإجمالي (2018)

 

المصدر: إعداد الباحث استنادا لبيانات الملحق الإحصائي. التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2020. صندوق النقد العربي.

من جهة أخرى، لم يبلغ أيبلد عربي المتوسطالدوليفي الامتحاناتالدوليةالتي تقيس مدى تحصيل الطلاب في مواد مثل العلوم والرياضيات (TIMSS) والمحدّدب 500 نقطة. وتتصدّر الإمارات ترتيب الدول العربية بعدما حصلت على 481 نقطة في نسخة 2019، تليها البحرين (480)، وقطر (449)، وسلطنة عمان (431)، والسعودية (398) والمغرب والكويت (383)[xx]. وبدوره يعرف ترتيب الجامعاتالعربية تأخّراً، بالخصوص مقارنة مع دولكسنغافورةوكوريا الجنوبية وتايوان، فيالمؤشرالمتعلق بالترتيبالعالمي للجامعات والذييعتمدقياسهعلى عدة متغيرات كعدد وجودة الأبحاث المنشورة، والاستشهاد بهذه الأبحاث في الأوراق البحثية، والجوائز المحصّل عليها (مثل جائزة نوبل أو ميدالية فيلدز) (QS World University Rankings 2022). وتأتي السعودية في مقدمة الدول العربية حيث تحتل جامعة الملك عبد العزيز المرتبة 109 عالمياً، تليها جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات في الرتية 183[xxi].

 

‌د.       ضعف البحث والتطوير

لا شك أن البحث العلمي له دور كبير في إحداث تغيرات تقنية وتكنولوجية وتحسين وتطوير الصناعات بما فيها صناعة الدواء.  لذلك، تخصص شركات الأدوية مبالغ كبيرة في هذا المجال كما هو الحال بالنسبة لأكبر شركات الأدوية العالمية مثل روش (9.8 مليار $) وجونسون إند جونسون (8.4 مليار $)، ... (الجدول التالي).

 

جدول رقم 3: الإنفاق على البحث والتطوير في أكبر شركات الأدوية العالمية

عام 2018(مليون $)

شركات الأدوية

الإنفاق على البحث والتطوير

روش (Roche)

9803

جونسون إند جونسون (Johnson & Johnson)

8446

نوفارتس (Novartis)

8154

فايزر (Pfizer)

7962

ميرك إن كو (Merck & Co)

7908

صانوفي (Sanofi)

6227

آبفي (Abbvie)

5093

كلاكسو سميث كلاين (GlaxoSmithKline)

4987

جيليد سيانس (Gilead Sciences)

3897

آمكن (Amgen)

3657

المصدر: إعداد الباحث.

مصدر البيانات: Pharmaceutical Executive. Volume 39, Number 6. June 2019. www. pharmaexec.com

ويمكن تقسيم عملية البحث وابتكار دواء جديد إلى مرحلتين رئيسيتين، أولا مرحلة البحث والتطوير والتي تبدأ باختبار كمية كبيرة من الجزيئات والقيام بالعديد من التجارب قبل السريرية والسريرية والتي قد تصل مدتها إلى حوالي عشر سنوات[xxii] (الشكل التالي). بعد ذلك تأتي مرحلة الإنتاج حيث تقوم السلطات العمومية المختصة بقطاع الصحة بتقييم المنتج الدوائي الجديد وإمكانية ترخيص استخدامه وتصنيعه وتسويقه. ويمكن اعتبار ابتكار لقاحات فيروس كوفيد-19 في وقت قياسي إنجازا غير مسبوق والذي تحقق بفضل الإستجابة السريعة لصناعة الأدوية على مستوى العالم من أجل القضاء على هذا الفيروس والجهد الدولي المشترك في مجال البحث والتطوير، إضافة إلى الدعم الكبير المقدّم من الحكومات. وبطبيعة الحال، يصاحب اكتشاف دواء جديد حصوله على براءة الاختراع والتي تمكّن شركة الأدوية المعنية من حماية الابتكار وتمنحها الحق الحصري في إنتاج وبيع الدواء لفترة زمنية طويلة (قد تتجاوز عشرين عامًا) قبل نهاية براءة الاختراع ودخول الأدوية الجنيسة(generic drugs)[xxiii] والتي تتميز بأسعارها المنخفضة (leem, 2020).

شكل رقم 10: مراحل ابتكار منتج دوائي

 

المصدر: Leem, 2020

   أما على مستوى الدول العربية، فيوجد خصاص كبير لمراكز البحوث والتطوير لتصنيع المادة الدوائية الخام أو اكتشاف أمصال جديدة للأمراض[xxiv]. وحتى مع توفر البعض منها في بعض الدول، وإضافة إلى قلة الموارد البشرية المحلية المتخصصة في البحث العلمي، بصفة عامة، مقارنة على سبيل المثال بكوريا الجنوبية (الشكل التالي) والقطاع الدوائي، بصفة خاصة، فهي تشكو بالخصوص من ضعف الدعم المالي للبحث العلمي والذي لا يتجاوز 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية مقارنة مع الدول المتقدمة (2-3%).

 

شكل رقم 11: عدد الباحثين المشاركين في البحث والتطوير (لكل مليون شخص)

 

المصدر: https://www.indexmundi.com

 

  ونتيجة لذلك، فإن صناعة الأدوية في الدول العربية غالبا ما تركز على بعض المجالات ذات التقنيات البسيطة كالأقراص الصلبة، والكبسولات والأشربة والحقن. كما تقوم بعمليات تجميع وتغليف بعض الكيماويات الدوائية المستوردةعوض البحث والتطوير والابتكار وتصنيع الأدوية التي تدخل في إطار الصناعات المتطورة كالمستحضرات الحيوية واللقاحات. ويعلل المسؤولون في بعض شركات الأدوية أسباب ذلك بكونها شركات مساهمة تبحث عن الربح السريع الذي ينشده المساهمون (منصور السعيد، 2019).

    وبشكل عام، يلاحظ ضعفوغيابسياساتحقيقية داعمةفي هذا المجال خصوصا توفير مؤسساتللبحثالعلمي بالجودة المطلوبة، وتشجيع البحثوالتطوير والابتكار والرفع من حصة الإنفاق في هذا القطاع، وتحفيز التعاون في مجال البحث العلمي بين الجامعات والقطاع الخاص. فباستثناء يعض التقدم في الامارات والسعودية (الجدول التالي)، تُسجّل باقي الدول العربية مستويات متدنية وتأخراً خاصة إذا تمت المقارنة مع بعض الدول مثلالهند وتايلاند وتركيا.

 

 

 

الجدول رقم 4: ترتيب الدول العربية وبعض دول المقارنة حسب بعض المؤشرات

(مجموع الدول: 141)

 

المصدر: إعداد الباحث. مصدر البيانات: The Global Competitiveness Index 4.0 2019 Dataset

‌ه.        صعوبات وتحديات أخرى

بالإضافة إلى المعوقات السابقة، تشهد العديد من الدول العربية بعض الصعوبات والتحديات والتي تحد من تطوير صناعة الدواء. ومن الأمثلة على ذلك احتكار واستحواذ من قِبل فئة قليلة من مصانع الأدوية الأجنبية للمصانع العربية بهدف توسيع أسواق تصريفها في المنطقة العربية مما يجعل بعض المنتجات الدوائية جدّ ممركزة[xxv]. من جهة أخرى، ونظرا لبراءات الإختراع التي تفرضها الشركات الدوائية العالمية فإن سوق الدواء تغلب عليه الأدوية الأصلية مقابل نسبة قليلة من الأدوية الجنيسة (ذات الأسعار المنخفضة مقارنة بالأصلية). وبالتالي فإن هذه العوامل، والتي تساهم في ارتفاع أسعار الأدوية، إضافة إلى قلة التغطية الصحية في العديد من الدول خاصة الفقيرة تجعل المواطن العربي لا ينفق سوى حوالي 40 دولار/سنة على الدواء مقابل 600 دولار في أوروبا و800 دولار في أمريكا[xxvi].

من جهته، يشكل النمو الديموغرافي في الدول العربية تحديا كبيرا آخرا للأمن الدوائي في المستقبل لكونه سيرفع بلا شك الطلب على الأدوية. فقد بلغت نسبة نمو السكان في عام 2019 حوالي 1.9% على المستوى العربي مقارنة بنحو 1.1% على مستوى العالم[xxvii] ومن المنتظر أن يرتفع عدد السكان من 423 مليون نسمة حاليا إلى نحو 500 مليون في عام 2030، والذي سيشكّل تحديا كبيرا بخصوص توفير متطلبات الدواء لهذا العدد الكبير من الأشخاص. كما أن هناك احتمال كبير أن تساهم كل من كثرة التلوث وتزايد التغذية غير الصحية والتعرض لمخاطر تغيّر المناخ، ولا سيما تزايد تواتر موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والعواصف ونقص المياه، وانخفاض إمكانية الحصول على الماء الصالح للشرب، في تزايد نسبة الأمراض واحتمال وقوع أزمة صحية أخرى كجائحة كوفيد-19، مما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على الأمن الدوائي.

 

7-             جائحة كوفيد-19 والأمن الدوائي: بعض السياسات والتوصيات المقترحة

من بين الدروس المهمة المستخلصة من جائحة كوفيد-19 هو التذكير من جديد بمخاطر استمرار اعتماد بلد ما على الدول والشركات الأجنبية للحصول على الأدوية، وأفرزت بالتالي أهمية السيادة الوطنية وأولوية توطين الصناعات الدوائية واعتبارها خيارا استراتيجيًا لتحقيق الأمن الدوائي وذلك تحسباً لأي ظروف مستقبلية قد تؤثر سلباً على مستوى سلاسل الإمداد. كما أكّدت أيضا على أن الأمن الدوائي بصفة خاصة، والأمن الصحي بصفة عامة، يتطلب مجهودات جبارة وتوجّها نحو دعم وتشجيع الصناعة الدوائية لتمكينها من توفير الأدوية الأساسية لكافة أفراد المجتمع وبأسعار مناسبة والذي من شأنه أن يساهم في حماية الأرواح وبناء رأس المال البشري وبالتالي تحفيز التعافي الاقتصادي.

ونظرا لاحتمال تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل وظهور أوبئة وحالات طوارئ صحية كبيرة أخرى، ونظرا كذلك لأهمية الأمن الدوائي في المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والإجتماعية المستدامة فإن الدول العربية مطالبة بالاستثمار في صناعة الدواء لتحقيق الأمن الدوائي والصحي وتعزيز مناعتها وقدرتها على مواجهة المخاطر والأزمات. وانطلاقا من التشخيص السابق لأبرز المعوقات والتحديات التي تحد من قيام أو تطوير هذه الصناعة في البلدان العربية واستنادا إلى بعض التجارب الناجحة لبعض الدول (الملحق 2) وما قامت به من سياسات في هذا المجال، فإن تحقيق الأمن الدوائي، سواء في الأوقات العادية أو خلال الأزمات، يقتضي وضع وتنفيذ مجموعة من التدابير والإجراءات والتي يمكن عرض أبرزها في المحاور التالية:

‌أ.          الحرص على جودة المؤسسات المعنية واﻟﺤﻛﻤﺔ ﺍﻟﺷﻴ

يلعب الجانب المؤسسي والحوكمة الجيدة دورا مهما وأساسيا في نجاح أي استراتيحية سواء كانت موجهة للإقتصاد ككل أو قطاع ما كصناعة الأدوية والصيدلة. ويمكن اغتنام أزمة كوفيد-19 كفرصة بالنسبة للدول العربية لتقييم وإعادة النظر في المعايير المنظمة لهذا القطاع من أجل إصلاح المنظومة المؤسسية والتنظيمية المؤطرة للصناعة الدوائية.

وتقتضي مسؤولية تطوير هذه الصناعة على وزارة الصحة ووزارة الصناعة إضافة إلى عدة مؤسسات أخرى معنية كوزارة المالية، وغرف التجارة والصناعة، وكذلك إذا اقتضى الحال وزارة خاصة بالصناعة الصيدلانية كما هو الحال على سبيل المثال في الجزائر. ويبقى المهم هو بلورة استراتيجية منسجمة تحدد دور واختصاصات مختلف الأطراف المعنية بمنظومة تصنيع الدواء والعلاقات التي تربط بينها. كما تضع الضوابط والمعايير والإجراءات التي تعمل على تحقيق أعلى مستويات الإدارة الرشيدة وتضمن الشفافية والمراقبة وتمكّن من تفادي ازدواجية المهام بين المؤسسات. بالإضافة إلى ذلك، من المهم وضع رؤية استشرافية وتخطيط مستقبلي خاص بهذه الصناعة وبمشاركة كل هذه المؤسسات من أجل توفير الأدوية اللازمة، سواء في الأوقات العادية أو في الأزمات، وتوفير مخزون استراتيجي من الأدوية الأساسية لضمان تغطية الاستهلاك مستقبلا ولمواجهة حالات النقص الطارئة. 

‌ب.      تيسير القوانين والتشريعات الخاصة ببيئة الأعمال في قطاع الأدوية وتوفير التمويل اللازم

كباقي الصناعات، تتطلب صناعة الأدوية توفير بيئة مناسبة ومُيسّرة للأعمال تعمل من خلالها السلطات العمومية على تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وتمكينه من كل الوسائل اللازمة لخلق مشاريع محلية تمكّن من إنتاج الأدوية الحيوية والعقاقير العامة والمستلزمات الصيدلانية وإحداث وحدات لإنتاج اللقاحات والأمصال للسوق المحلي. ويقتضي ذلك وضع تشريعات وقوانين ميسّرة وتحسين كافة الخدمات المقدّمة لفائدة القطاع الخاص المهتم بصناعة الدواء بهدف تحفيز الاستثمار ودعم مشاريع تصنيع الأدوية وتشجيع المنافسة ومحاربة الاحتكار.

وعند تحليل للبيئة العامة لأنظمة الأعمال في الدول العربية، يتضح أنه في الوقت الذي قامت فيه بعض الدول كالإمارات والبحرين والمغرب بإصلاحات كبيرة ومنتظمة في هذا المجال مكّنها من اعتلاء مراكز جيدة على مستوى العالم حسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال للبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية برسم سنة 2020 (الشكل التالي)، فإن العديد من البلدان الأخرى تشهد تراجعا في الترتيب العالمي بسبب العديد من الصعوبات التي لا تزال تؤثر على فرص الإستثمار فيها سواء في صناعة الأدوية أو في غيره من القطاعات الأخرى (Doing business, 2020)[xxviii]

شكل رقم 12: ترتيب الدول العربية حسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020

 

 

المصدر: إعداد الباحث. مصدر البيانات: البنك الدولي. Doing business 2020

   وبعد تحليل للعوامل التي أدّت إلى هذه النتائج، يتبيّن بأن تحسين مناخ الأعمال بشكل عام في الدول العربية يقتضي مجموعة من التدابير والتي من أبرزها تبسيط الأنظمة المُعقّدة وتسريع الإجراءات والتركيز بالأساس على تخفيض عدد المستندات ومدة إصدار التراخيص، وإنشاء الشباك الواحد (one-stop shop)، أو تسريع وتيرة عمله في حالة وجوده، لتسهيل تأسيس الشركات وتيسير مزاولة أعمالها. ويمكن في هذا الإطار تشجيع المستثمرين على التوجه نحو صناعة الأدوية وإيلائها اهتمام خاص وإعطائها الأولوية في مجال تيسير أنشطة الأعمال ومنحها التسهيلات اللازمة خصوصا لإنشاء مصانع في المدن الصناعية.

   يمكن كذلك، من جانب آخر، تشجيع الإستثمار في قطاع الأدوية بإعطاء الأولوية للمنتج الدوائي المحلي وتمكينه من الحصول على حصة مهمة من المناقصات التي تطرحها الحكومة في هذا المجال. على سبيل المثال، تستهدف رؤية السعودية 2030 رفع نسبة صناعة الدواء من 20% إلى 40% بحلول عام 2030. ولتحقيق هذا الهدف، وضعت الهيئة العامة للغذاء والدواء مجموعة من الوسائل ومن أهمها منح الأولوية للمنتج المحلي في المناقصات الحكومية وضمان ترسية 50% من المناقصات على المصانع الوطنية[xxix].

   من جهة أخرى، من المهم رفع القيود على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة ذو الصلة المباشرة بقطاع الأدوية، بهدف تمكين الشركات الدوائية المحلية، خصوصا عن طريق الشراكات، من الاستفادة من المهارات والتكنولوجيا والتقنية المتطورة كما هو الحال بالنسبة للهند والتي تستقطب استثمارات أكبر الشركات الدوائية العالمية كفايزر وأسترتزينيكا، ونوفارتيس، وصانوفي، ... والتي تتوزع على مختلف مناطق البلاد (الشكل التالي).

شكل رقم 13: أمثلة على الشركات الدوائية العالمية المستثمرة في الهند

 

 

المصدر: Indian pharmaceuticals - a formula for success.

https://www.investindia.gov.in/sector/pharmaceuticalss

   وباعتبار الدواء من الصناعات ذات التكلفة العالية نظرًا لارتفاع كلفة المواد الخام ونوعية التقنية المستخدمة ومراقبة الجودة وما تتطلبه من مراكز أبحاث علمية لتمكين شركات الأدوية من الابتكار المتواصل، فإن إيجاد التمويل المناسب لهذه الشركات والحفاظ على تنافسيتها يبقى في غاية الأهمية. لذلك، لا بد للحكومات العربية اعتبار المشاريع الدوائية من بين المشروعات المستحقة للدعم من جهات التمويل المختلفة ومؤسسات الضمان المحلية وأن تعمل على توفيرها التمويل اللازم بنسب فائدة مشجعة. كما يمكنها، من جهة أخرى، المساهمة في تخفيض تكلفة تصنيع الأدوية من خلال التحفيز الضريبي والجمركي، سواء كان تخفيضا أو إعفاءَا، على الموارد الأولية والمدخلات المستوردة من المنتجات الوسيطة والذي سيكون حافزا أساسيا لتشجيع القطاع الخاص على الإستثمار والرّفع من مستوى تنافسيته وفي نفس الوقت تمكين المواطنين من الحصول على أدوية بأسعار مناسبة.

‌ج.    تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري وتطوير نوعية وجودة التعليم

اعتمدت الدول التي شهدت تفوقا كبيرا في صناعة الدواء على الاستثمار في رأس المال البشري وحرصت على توفيرقوىعاملة ذات تعليم عالومدرّبةوتطوير مهاراتها وتمكينها من الحصول على الخبرات اللازمة في هذا المجال. في هذا الإطار، تتوفر عدة دول عربية على موارد بشرية كبيرة لكنها إما غير متخصصة أو تفتقد إلى التدريب والخبرة اللازمة والكفاءة العالية التي تتطلبها هذه الصناعة. وحتى إن توفر البعض من هذا النوع من اليد العاملة، فقد يفضل أغلبها الهجرة نحو وجهات عالمية توفر امتيازات مالية واجتماعية كبيرة وخصوصا إمكانية المشاركة في بحوث التطوير التي تنظمها شركات الأدوية الدولية. وفيما يلي بعض التدابير الأساسية والتي ركّزت عليها بعض الدول التي نجحت في هذا المجال والتي يمكن للدول العربية أن تستفيد منها:

  • §      تعزيز الموارد البشرية وتأهيلها ودعم قدراتها التقنية والتكنولوجية من خلال رفع مستوى كفاءة الإنفاق على التعليم واستحداث معاهد وأكاديميات ومراكز متخصصة في مهن الصناعة الدوائية والصيدلية للمساهمة في تطوير وتوطين هذه الصناعة على المستوى المحلي. ويمكن في هذا إلإطار تحفيز الكفاءات والمواهب العربية المقيمة بالخارج على العمل ببلدانها الأصلية. كما يمكن الاستعانة بالخبرات الأجنبية المتخصصة لتقديم التدريب والتأهيل اللازمين.
  • §      القيام بإصلاحاتفي النظامالتعليمي تتضمّن تطويرنوعيةوجودة المناهجالتعليمية وتشجيع التعليم العالي في المهن المتصلة بصناعة الأدوية لتواكبمتطلباتالتقدمالمعرفيوالتكنولوجيفي هذا المجال وتساهم في زيادة كفاءة العاملين وقدرتهم على الابداع والتكيف بسرعة مع التطورات العلمية العالمية للرفع من قدراتهم الابتكارية. يجب أيضا الحد من الفجوة الكبيرة بين مناهج التعليم في جامعات وكليات ومهاهد العلوم والصيدلة والإحتياجات الحقيقية لقطاع صناعة الأدوية من الكفاءات والموارد البشرية المؤهلة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في عملية تنمية القدرات في إطار شراكات مع الدولة، وتشجيع التعاون بين المعاهد والجامعات والمستثمرين في تدريب المتخرّجين (تجربة ناجحة لماليزيا في وضع برامج لتنمية المهارات بتمويل من الاتحاد العام للمنتجين وجامعات العلوم والتكنولوجيا).
  • §      معالجةعدماتساقالمهاراتمنخلالزيادةالتركيزعلىالتدريبالمهني والتعليمالمزدوج الذييجمعبينالتلمذةالصناعيةفي القطاع الدوائي والتعليمالمهني. هذا النموذج طُبّق فيألمانيا ومكّنها من تحقيقتوازن وتوافقبينالتدريبواحتياجاتقطاع الأعمال وتحقيقنجاحكبير فيالصناعةالتحويليةعاليةالجودة.
  • §      توفير الموازناتالمناسبة وتخصيص بعض الموارد المالية المُوفّرة، كتلك المحصّل عليها من عملية إصلاح منظومة الدّعم وتحرير أسعار الطاقة، واستخدامها في تطوير التدريب (الدول المتقدمة تنفق ما بين 2% و5% من مجموع أجور العمالة على التدريب المستمر).

‌د.     تشجيع ودعم البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا

تعتبر صناعة الأدوية من الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على البحث والتطوير. ونظرا لهذه الأهمية، تخصص شركات الأدوية العالمية مبالغ مهمة من مبيعاتها للإنفاق على البحث والتطوير (الجدول رقم 3). وقد حافظ قطاعا الأدوية والتكنولوجيا الحيوية على موقعهما الريادي فيما يتعلق بالإستثمارات في هذا المجال. فمن بين أكبر 30 مجموعة الأكبر استثمارا في البحث والتطوير، توجد 10 شركات تعمل في قطاع الدواء مثل روش، وجونسون إند جونسون، وفايزر، وصانوفي، وأسترازينيكا، ...

    ويتطلب بالتالي تطوير الصناعة الدوائية في الدول العربية وتحقيق الأمن الدوائي استثمارا كبيرا في البحوث الدوائية ودعما للحكومات في هذا المجال بما في ذلك تخصيص مزيد من الإنفاق. كما يقتضي من جهة أخرى تشجيع البحث العلمي في الجامعات والمعاهد وإقامة مراكز متخصصة في أبحاث الدواء مع الحرص على ربطها بالجامعات والمعاهد ومصانع الأدوية. وبما أن العديد من الدول العربية تتوفر على موارد أولية مهمة، فبإمكانها تخصيص نسبة من العائدات على هذه الموارد لتشجيع البحث العلمي في المعاهد والجامعات (خصّصت تشيلي صندوقاً لتشجيع الابتكار بتمويل من ضريبة على الاستغلال المنجمي).

   من جانب آخر، وكما سبق ذكره، من المهم تشجيع الدول العربية على استقطاب الاستثمار الأجنبي المتخصص في تصنيع الدواء وعقد شراكات مع شركات الأدوية العالمية عبر مجموعة من التحفيزات (ضريبية، حرية تحويل الأرباح،...) لتصنيع الأدوية واللقاحات محليًا. وهذا من شأنه، إضافة إلى الرفع من مستوى الكفاءات المحلية، نقل المعرفة والتقنيات المتطورة وهو ما يفيد في تطوير تكنولوجيا تصنيع اللقاحات وتكنولوجيا الصناعات الدوائية بشكل عام. على سبيل المثال، قامت السعودية بإعفاء الشركات العالمية المصنعة للأدوية من الرسوم وذلك لتشجيعها على الدخول في شراكات استراتيجية طويلة الأمد مع المصانع المحلية واستقطابها للمساهمة في توطين صناعة الأدوية على المستوى المحلي. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن قانون الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الأدوية في الهند يسمح بهذا النوع من الاستثمار بنسبة تصل إلى 100٪ (انظر الملحق 2).

‌ه.    اعتماد سياسة العنقود الصناعي في القطاع الدوائي

   يتطلب تعزيز السيادة الصحية تشجيع قيام صناعة محلية قادرة على إنتاج أدوية متنوعة وتساهم في تحقيق الإكتفاء الذاتي وفي نفس الوقت توفّر فُرصا استثمارية ومناصب شغل وتساهم في التخفيض من نسبة الإستيراد وكذلك إمكانية تصدير بعض الأدوية. وتقتضي هذه العملية مجهودات كبيرة من السلطات العمومية المعنية نظرا لما تتطلبه هذه الصناعة من بحث وتطوير مكثف وإمكانيات مالية كبيرة وموارد بشرية عالية التخصص. لكن، قد لا تكفي هذه المتطلبات وإن تحققت في التغلب على كل الصعاب ومواجهة كل التحديات التي تواجه تطوير صناعة الأدوية في الدول العربية. فنجاح هذه الصناعة يرتبط بشكل أساسي بالتعاون والإنسجام بين مختلف المتعاملين في هذا المجال إضافة إلى الإدارة الجيدة للترابطات بين مختلف الحلقات المكونة لهذه الصناعة والتنسيق الكبير بينها. وهنا تظهر أهمية العنقود الصناعي (Industrial Cluster) (الشكل التالي) والذي يُعد من الأسس والأسباب الرئيسية لنجاح وتفوق عدة دول متقدمة ونامية.

شكل رقم 14: نموذج لعناقيد صناعية في قطاع الدواء والصيدلة في الهند

 

المصدر: FDI in Pharmaceuticals in India. https://www.fdi.finance/sectors/pharmaceuticals

 

والعنقود الصناعي هو عبارة عن تجمّع في منطقة جغرافية معينة لمجموعة من الشركات والمؤسسات والتي تجمع بينها عوامل مشتركة وتتكامل فيما بينها وتعمل على إنتاج وتوزيع منتجات مترابطة وبإنتاجية عالية.  وبما أن القدرة التنافسية لقطاع أو مشروع مرتبط بأداء المشروعات الأخرى الداعمة والمكملة، فإن ما يميز العنقود الصناعي هو الروابط الأمامية والخلفية والتنسيق بين حلقات السلسلة المختلفة، كمؤسسات القطاع العام (وزارات الصحة، والصناعة، ... بالنسبة لقطاع الأدوية) والقطاع الخاص والمؤسسات الداعمة ذات العلاقة كالجامعات والمعاهد ومؤسسات التدريب المهني ومراكز البحوث والتطوير وهيئات التمويل (بنوك، صناديق الإستثمار، ...)، وقنوات التسويق، ... (الشكل التالي).

شكل رقم 15: نموذج للعنقود الصناعي والنشاطات المرتبطة به في القطاع الدوائي

 

المصدر: إعداد الباحث استنادا على: Pharmaceutical Industry in Basel, Switzerland-Cluster Analysis. https://www.hhs.se › sse-basel-pharma-cluster

   وإضافة إلى الترابطات والتنسيق بين مختلف هذه الحلقات، يرتبط نجاح العنقود الصناعي في قطاع الأدوية بتوفر الصناعات الداعمة والمكملة والمساعدة والخدمات وذات الصلةووجود موردين وشركات في نفس المجال توفر أجزاءا من مدخلات الإنتاج كالموارد الطبيعية(المواد الخام، ...) والبشرية، والآلات، ورأس المال (حجم وتكلفة)، والبنية التحتية (لوجيستيكية،...) وذلك لأهمية هذه العناصر في خلق أو رفع القدرة التنافسية لهذا القطاع.

 

   وبالنظر إلى هذا الدور المهم للعناقيد الصناعية والذي كان لها دور كبير في نجاح



[i]حسب البيانات ربع السنوية.

[ii]بتاريخ 10 ديسمبر 2021.

[iii]صناعات استفادت من الأزمة: الصناعات الدوائية. المركز المصري للدراسات الاقتصادية. العدد 18. 27 سبتمبر 2020.

[iv] ظهر الحق في الصحة لأول مرة كحق من الحقوق الاجتماعية في دستور منظمة الصحة العالمية عام 1946 وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. المصدر: منظمة الصحة العالمية: https://www.who.int/medicines/areas/human_rights/

[v]هرم الاحتياجات الإنسانية لـ «ماسلو». http://www.almarefh.net

[vi]نون بوست: ’’واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا‘‘. 19 فبراير 2017.  https://www.noonpost.com/content/16724

[vii]www.intracen.org

[viii]تدخل المضادات الحيوية (29.41) في الفئة 29 المخصصة للمنتجات الكيماوية العضوية.

[ix]يتعلق الأمر بأدوية 30.04 (بإستثناء الأصناف المذكورة في البنود 30.02 أو 30.05 أو30.06) مكونة من منتجات معدة للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي، مهيأة بمقادير معايرة، بما فيها تلك المعدة لإعطائها عبر الجلد أو بأشكال أو في أغلفة معدة للبيع بالتجزئة.

[x] يستند التقييم إلى استبيان من 140 سؤال، موزع على 34 مؤشر و85 مؤشر فرعي و6 فئات أهمها الاستجابة السريعة وتخفيف انتشار الوباء، ونظام صحي كاف وقوي لمعالجة المرضى وحماية العاملين الصحيين.

[xi]" فيروس كورونا: رئيس منظمة الصحة العالمية يكشف "خللا صادما" في توزيع اللقاحات بين الدول الغنية والفقيرة".10 أبريل 2021.

 https://www.bbc.com/arabic/world-56701730?xtor=AL-73-%5Bpartner%5D-%5Bnabd%5D-%5Bheadline%5D-%5Barabic%5D-%5Bbizdev%5D-%5Bisapi%5D

[xii]على سبيل المثال، وبسبب التفشي الكبير لكوفيد-19 في الهند خلال شهر مارس 2021، لم تسلّم نيودلهي سوى 28 مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا" من أصل 40 مليون جرعة المفترض تسليمها في إطار اتفاقية صندوق كوفاكس.

[xiii]’’فيروس كورونا: دول غنية تعرقل تصنيع اللقاحات في الدول الناميةوالدول النامية تطالب بالحق في إنتاج اللقاحات‘‘. ، 20 مارس 2021. https://www.bbc.com

[xiv] ’’النقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة في سوريا يثير قلقاً كبيرا لدى منظمة الصحة العالمية‘‘. منظمة الصحة العالمية. المكتب الإقليمي لشرق المتوسط. 2021.

http://www.emro.who.int/ar/media/news/who-concern-about-live-saving-medicines-in-syria.html

[xv] "شركات مغربية تبدأ إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لمواجهة الطلب بسبب فيروس كورونا". وكالة رويترز للأنباء. أبريل 2020. https://www.reuters.com/article/idARAL5N2BY1VD

[xvi]الصناعات الدوائية والطبية في مصر.  https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/Pages/sector.aspx?SectorId=96

[xvii]مصر تبدأ توزيع أول مليون جرعة من لقاح سينوفاك المصنع محليا https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2021/08/25

[xviii]وكالة رويتر للأنباء: "شركة إماراتية تبدأ تصنيع لقاح سينوفارم الصيني للوقاية من كورونا الشهر المقبل". 28 مارس 2021https://www.reuters.com/article/uae-sinopharm-ea2-idARAKBN2BK0G5

[xix]نون بوست: "واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا". 19 فبراير 2017.

[xx] https://timss2019.org/reports

[xxi] https://www.topuniversities.com/university-rankings/world-university-rankings/2022

[xxii]يحدد الباحثون في المتوسط مركبًا واعدًا (promising compound) واحدًا من بين 5000 إلى 10000 فحص، ثم تاتي مرحلة اختباره لضمان فعاليته وسلامته والتي قد تدوم من 10 إلى 15 عام

لكل من الدواء واللقاح. المصدر:‘’The Pharmaceutical Industry & Global Health: Facts and Figures 2021’’. IFPMA. https://www.ifpma.org/wp-content/uploads/2021/04/IFPMA-Facts-And-Figures-2021.pdf

[xxiii]بعدما كان تصنيع معظم الأدوية يتم بطريقة كيميائية، أصبح إنتاج البعض منها يتم منذ الثمانينات بطريقة بيولوجية عبر استخدام الكائنات الحية المعدلة وراثيا، دون أن تكون مقيدة ببراءة إختراع، مما يمكّن شركات الأدوية المنافسة من طرح منتجات مشابهة من الناحية البيولوجية للأدوية الأصلية.

[xxiv]" صناعة الدواء العربية.. محاولات لإيجاد “موطىء قدم" مجلة أموال. فبراير 2017.

https://amwal-mag.com

[xxv]من بين الأمثلة على ذلك، احتكار سوق الأدوية في المغرب حيث يتحكم فيه 15 مختبرا بنسبة 70%. المصدر: رأي مجلس المنافسة حول وضعية المنافسة في سوق الأدوية بالمغرب. يونيو 2020.

https://conseil-concurrence.ma/cc/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/01/Avis-du-Conseil-de-la-Concurrence-Num-A.4.20-AR-du-15-01-21.pdf

[xxvi]نون بوست: ’’واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا‘‘.

[xxvii]مصدر البيانات: إحصائيات البنك الدولي:

https://data.albankaldawli.org/indicator/SP.POP.TOTL?view=chart

[xxviii]يصدر البنك الدولي تقارير سنوية تقيّم أنظمة أنشطة الأعمال وإنفاذها في عدد كبير من الدول. ويعتمد التقييم على 10 مؤشرات: بدء النشاط التجاري، إستخراج تراخيص البناء، الحصول على الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين الأقلية، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، وتسوية حالات الاعسار.

[xxix]كيف تحقق السعودية الأمن الدوائي؟ يوليو 2020.

https://makkahnewspaper.com/article/1515224

الصناعات الدوائية في بعض الدول، فإن البلدان العربية مطالبة، موازاة مع التدابير والسياسات السالف ذكرها، بإعطاء أهمية خاصة لهذه العناقيد في مجال تصنيع الأدوية. وعلى السلطات الحكومية أن تعمل على خلق تجمعات وسلاسل عنقودية صناعية في هذا المجال خصوصا من خلال السهر على تيسير بيئة الأعمال في هذا القطاع، ووضع التشريعات والقوانين اللازمة، وتوفير البنية التحتية والموارد البشرية المدربة والمؤهلة.

‌أ.       تشجيع التعاون العربي المشترك

   جانب آخر لا يقل أهمية لتنمية وتطوير صناعة الدواء وهو التعاون العربي المشترك في هذا المجال. فمن المهم، إلى جانب ما تم ذكره من توصيات، إعطاء أهمية أكبر لهذا التعاون والذي بدوره من شأنه تحفيز التجارة البينية في هذا النطاق. ويمكن في هذا الصدد سرد مجموعة من المقترحات والتي يتطابق أغلبها مع التوصيات التي تم عرضها خلال الندوة التي نظمتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية بالتعاون مع الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية[i] (المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2020).

   ومن بين أهم هذه المقترحات، الاهتمام بالتصنيع الدوائي المشترك من خلال الاستفادة بالمزايا النسبية للدول العربية، وتوطين صناعة الدواء عبر إنشاء مصانع وطنية بدعم حكومي لتصنيع المواد الدوائية، وتعزيز البحث العلمي في مجال الصناعة الدوائية من خلال إجراء دراسات وأبحاث عربية مشتركة مع توفير التمويل اللازم خاصة إحداث صندوق عربي لتمويل تصنيع الأدوية. يمكن أيضا إقامة بعض التحالفات الإستراتيجية مع مراكز الأبحاث العلمية في الدول الناشئة أو المتقدمة، وتبادل المعلومات خاصة في مجال اليقظة الدوائية وإدارة المخاطر مع إنشاء قاعدة بيانات عربية مشتركة. وأخيرا، وليس آخرا، من المهم العمل على تفعيل دور اللجنة العليا للدواء العربي، التابعة لإدارة الشؤون الصحية والبيئة بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في وضع الخطط والاستراتيجيات العربية لمواجهة الأزمات.

   في الختام، سلطت أزمة فيروس كوفيد-19 الضوء على أهمية تحقيق الأمن على مستوى الدواء وخصوصا على أهمية ضمان استقلال وسيادة الدول، بصفة عامة، والعربية بصفة خاصة في هذا المجال من خلال تطوير صناعة دوائية تمكّن من توفير الأدوية الأساسية بأثمنة مناسبة سواء في الأوقات العادية أو عند الأزمات. وهذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية وتظافرا لجهود كل المتدخّلين وانخراط المؤسسات المعنية، من قطاع حكومي وقطاع خاص، للمساهمة في توفير الظروف المناسبة والقيام بالإصلاحات اللازمة والمتجانسة والمتكاملة وبشكل متواصل لدعم وتحفيز صناعة الأدوية على المستوى المحلي.

    وتعتبر هذه الجائحة فرصة أيضا لإعادة نظر جذرية وهيكلية في السياسات التي تنتهجها كل دولة ووضع رؤية استشرافية وتوجهات استراتيجية كبرى بهدف إيجاد الحلول اللازمة للمعوقات والتحديات التي تواجه كل بلد، خاصة على مستوى توفير الموارد البشرية المتخصصة، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، وتيسير وتسهيل التمويل، ودعم وتطوير البحث الدوائي. وبما أن الآفاق المستقبلية تشير إلى إمكانية توالي الازمات الصحية وتسارع وتيرتها وحدة تعقيدها، فإن ذلك يستدعي قدرات استباقية تتسم بفعاليتها ونجاعتها من أجل التحكم في آثارها المتعددة الابعاد.

ملحق 1: تصنيف أنشطة قطاع الأدوية حسب النظام المنسق (Harmonized System – HS) لمنظمة الجمارك العالمية

الفئة 29: منتجات كيماوية عضوية

2941 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك):

294110 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : بنسلين ومشتقاتة ذو بنية حمض بنسليني؛ أملاح هذه المنتجات:

294120 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : ستربتو ميسين ومشتقاته؛ أملاح هذه المنتجات.

294130 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : تتراسيكلين ومشتقاتــــــــــه؛ أملاح هذه المنتجات.

294140 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : كلورامفنيوكول ومشتقاته؛ أملاح هذه المنتجات.

294150 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : أريثروميسين ومشتقاته؛ أملاح هذه المنتجات.

294190 - مضادات حيوية (أنتي بيوتيك) : غيرها.

الفئة 30: منتجات الصيدلة

3001 - غدد وغيرها من أعضاء معدة للعلاج العضوي، مجففة، وإن كانت مسحوقة؛ خلاصات من غدد أو من أعضاء أخر أو من إفرازتها، معدة للعلاج العضوي؛ كبدين (هيبارين) وأملاحه؛ مواد بشرية أو حيوانية أخر محضرة للاستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي، غير مذكورة ولا داخلة في مكان آخر .

3002 - دم بشري؛ دم حيواني محضر للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي أو للتشخيص الطبي؛ أمصال مضادة وغيرها من مكونات الدم والمنتجات المناعية ،وان كانت معدلة أو متحصلاً عليها بعمليات تكنولوجية - حيوية؛ لقاحات وتوكسينات، وكائنات مجهرية مزروعة (باستثناء الخمائر) والمنتجات المماثلة .

3003 - أدوية (باستثناء المنتجات المذكورة في البنود 30.02 أو 30.05 أو30.06) مؤلفة من مكونين أو أكثر مخلوطة فيما بينها للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي، ولكن غير مهيأة بمقادير معايرة أو بأشكال أو في أغلفة معدة للبيع بالتجزئة .

3004 - أدوية (بإستثناء الأصناف المذكورة في البنود 30.02 أو 30.05 أو30.06) مكونة من منتجات مخلوطة أو غير مخلوطة معدة للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي، مهيأة بمقادير معايرة، بما فيها تلك المعدة لإعطائها عبر الجلد أو بأشكال أو في أغلفة معدة للبيع بالتجزئة .

3005 - حشو، شاش (غزي)، أربطه وأصناف مماثلة (مثل الضمادات واللصاقات والكمادات)، مشربة أو مغطاة بمواد صيدلية أو مهيأة للبيع بالتجزئة، لإستعمالات طبية أو جراحية أو لطب الأسنان أو البيطرة.

3006 - محضرات وأصناف صيدلية، مذكورة في الملاحظة (4) من هذا الفصل.

المصدر: إعداد الباحث.  المصدر:مركز التجارة الدولبة (International Trade Center)  https://www.trademap.org

 

ملحق 2: بعض التجارب الدولية في صناعة الأدوية

تتعدد التجمعات الصناعية الرائدة في قطاع الأدوية حاليًا حول العالم أهمها تتواجد في منطقة بوسطن وخليج سانفرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي أوروبا الغربية مثل بازل في سويسرا (الشكل التالي). كما تعتبر الهند من بين أهم الدول الناشئة التي تتوفر على تجمعات صناعية دوائية وصيدلانية (ولاية ماهاراشترا[ii]، ...).

1- الصناعة الدوائية في بازل ، سويسرا - التحليل العنقودي (Cluster Analysis)

تعتبر سويسرا من الاقتصادات الأكثر تنافسية في العالم؛ ويعود جزء كبير من قوة صادرات البلد إلى صناعة الأدوية والتي هي واحدة من الصناعات الرئيسية نظرا لتواجد عدة تكتلات وتجمعات صناعية مرتبطة بصناعة الأدوية بالقرب من بازل وبرن ومنطقة جنيف والتي من أبرزها مجموعات الكيمياء والتكنولوجيا الطبية على مستوى سلسلة التوريد. ولعل من أبرز نقاط القوة وراء نجاح قطاع الأدوية في هذا البلد وهذه المناطق النظام السياسي المستقر، والبنية التحتية المتطورة، وبيئة جيدة لممارسة الأعمال، ونظام ضريبي مشجع، وتواجد كبير للمرافق البحثية، والإنتاجية العالية للقوى العاملة نتيجة نظام تعليم متطور ومستويات تدريب عالية (احتلت سويسرا المرتبة الرابعة في مؤشر التنافسية العالمي (2019) من حيث التعليم العالي (وفرة في مؤسسات التعليم العالي عالية الجودة كجامعات بازل و زيورخ والتي احتلت رتب متقدمة في مؤشر شنغهاي)، والمرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بين الدول الأكثر جاذبية لليد العاملة.

كما تتوفر على بنية تحتية متطورة وتوافر رؤوس الأموال نظرا لوجود قطاع مصرفي متطور. كما تعتبر خامس أفضل دولة مستقطبة للاستثمار الأجنبي المباشر. إضافة إلى ذلك، تتوفر على صناعات متطورة قائمة على الابتكار حيث يتم إنفاق 2.97% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، وهو أعلى من متوسط OECD البالغ 2.38%. كما أن نحو 4481 من أصل 1،000،000 سويسري يعملون في مجال البحث والتطوير (13 على مستوى الترتيب العالمي).

2- صناعة الأدوية في الهند ومحددات نجاح هذا القطاع:

تتمتع الهند بمكانة مهمة في قطاع الأدوية العالمي وتعتبر ثالث أكبر دولة مصنعة للأدوية من حيث الحجم وموطن لأكثر من 3000 شركة أدوية، وأكبر مزود للأدوية الجنيسة (20% من الطلب العالمي)، وأكبر منتج للقاح حيث توفر 62% من الطلب العالمي على اللقاحات المختلفة. الهند لديها أكثر من 2000 مصنع فارما معتمد من منظمة الصحة العالمية، وهي كذلك الدولة الوحيدة التي لديها أكبر عدد من مصانع الأدوية المتوافقة مع الإشتراطات الصحية لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (Food and Drug Administration)، إضافة إلى 253 مصنعًا معتمدًا من المديرية الأوروبية لجودة الأدوية (EDQM). قد بلغت صادراتها من الأدوية 16.3 مليار دولار في عام 2020، وهي تحقق فائضا تجاريا في هذه الصناعة كل عام بـأكثر من 11 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينمو هذا القطاع ليصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2025. ويتميز قطاع صناعة الأدوية في الهند بعدة مزايا والتي كان لها دور كبير في تفوقها على المستوى العالمي واستقطابها للعديد من أكبر شركات الأدوية العالمية من بينها توفر البلد على سوق محلية شاسعة وعدد كبير من السكان. كما أن التصنيع منخفض التكلفة (حوالي 33٪ من نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية) بسبب توفر المواد الخام بكميات كافية والأجور المنخفضة. إضافة على ذلك، تتوفر الهند على كوادر علمية مدربة ومعاهد فنية وكذلك بنية تحتية متطورة وعددا مهما من المؤسسات المالية والبنوك. وفي مجال البحث والتطوير، فتعمل العديد من الشركات الهندية على اكتشاف أدوية جديدة في عدة مجالات حيث أن أغلبها رفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى أكثر من 5٪ من حجم مبيعاتها[iii]. وقد حصّلت عدة شركات على براءة اختراع ونجحت أخرى في ترخيص جزيئات جديدة في عدو مجالات. من جانب آخر، استقطب قطاع الأدوية استثمارات أجنبية مباشر بحوالي 17 مليار $ بين أبريل 2000 وسبتمبر 2020[iv]، وأصبحت الهند بالتالي وجهة للبحث والتطوير للعديد من شركات الأدوية الأجنبية، خاصة بعد تعديل قانون الاستثمار الأجنبي والسماح بالاستثمار في الأدوية بنسبة تصل إلى 100٪.

المصدر: إعداد الباحث من مصادر مختلفة:

- Pharmaceutical Industry in Basel, Switzerland– Cluster Analysis. https://www.hhs.se › sse-basel-pharma-cluster.

-Indian Pharmaceutical Industry”. https://www.ibef.org/industry/pharmaceutical-india.aspx

-Indian pharmaceuticals - a formula for success.  https://www.investindia.gov.in/sector/pharmaceuticals.

-Amar Singh Foundation, 2018: “Pharmaceutical Clusters in India”. Foundation for MSME.



[i]ندوة بعنوان: "دور الهيئات الرقابية في الدول العربية في تعزيز البحث العلمي لمواجهة أزمة فيروس كورونا".

[ii]تعتبر هذه الولاية واحدة من أكبر منتجي الأدوية غير المعبأة (bulk drugs , …) في العالم.

[iii] Amar Singh Foundation, 2018: “Pharmaceutical Clusters in India”. Foundation for MSME.

[iv] “Indian Pharmaceutical Industry”. 2021. Op Cit.

 

 

 

[1]حسب البيانات ربع السنوية.
[1]بتاريخ 10 ديسمبر 2021.
[1]صناعات استفادت من الأزمة: الصناعات الدوائية. المركز المصري للدراسات الاقتصادية. العدد 18. 27 سبتمبر 2020.
[1] ظهر الحق في الصحة لأول مرة كحق من الحقوق الاجتماعية في دستور منظمة الصحة العالمية عام 1946 وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. المصدر: منظمة الصحة العالمية: https://www.who.int/medicines/areas/human_rights/
[1]هرم الاحتياجات الإنسانية لـ «ماسلو». http://www.almarefh.net
[1]نون بوست: ’’واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا‘‘. 19 فبراير 2017.  https://www.noonpost.com/content/16724
[1]www.intracen.org
[1]تدخل المضادات الحيوية (29.41) في الفئة 29 المخصصة للمنتجات الكيماوية العضوية.
[1]يتعلق الأمر بأدوية 30.04 (بإستثناء الأصناف المذكورة في البنود 30.02 أو 30.05 أو30.06) مكونة من منتجات معدة للإستعمال في الطب العلاجي أو الوقائي، مهيأة بمقادير معايرة، بما فيها تلك المعدة لإعطائها عبر الجلد أو بأشكال أو في أغلفة معدة للبيع بالتجزئة.
[1] يستند التقييم إلى استبيان من 140 سؤال، موزع على 34 مؤشر و85 مؤشر فرعي و6 فئات أهمها الاستجابة السريعة وتخفيف انتشار الوباء، ونظام صحي كاف وقوي لمعالجة المرضى وحماية العاملين الصحيين.
[1]" فيروس كورونا: رئيس منظمة الصحة العالمية يكشف "خللا صادما" في توزيع اللقاحات بين الدول الغنية والفقيرة".10 أبريل 2021.
 https://www.bbc.com/arabic/world-56701730?xtor=AL-73-%5Bpartner%5D-%5Bnabd%5D-%5Bheadline%5D-%5Barabic%5D-%5Bbizdev%5D-%5Bisapi%5D
[1]على سبيل المثال، وبسبب التفشي الكبير لكوفيد-19 في الهند خلال شهر مارس 2021، لم تسلّم نيودلهي سوى 28 مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا" من أصل 40 مليون جرعة المفترض تسليمها في إطار اتفاقية صندوق كوفاكس.
[1]’’فيروس كورونا: دول غنية تعرقل تصنيع اللقاحات في الدول الناميةوالدول النامية تطالب بالحق في إنتاج اللقاحات‘‘. ، 20 مارس 2021. https://www.bbc.com
[1] ’’النقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة في سوريا يثير قلقاً كبيرا لدى منظمة الصحة العالمية‘‘. منظمة الصحة العالمية. المكتب الإقليمي لشرق المتوسط. 2021.
http://www.emro.who.int/ar/media/news/who-concern-about-live-saving-medicines-in-syria.html
[1] "شركات مغربية تبدأ إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لمواجهة الطلب بسبب فيروس كورونا". وكالة رويترز للأنباء. أبريل 2020. https://www.reuters.com/article/idARAL5N2BY1VD
[1]الصناعات الدوائية والطبية في مصر.  https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/Pages/sector.aspx?SectorId=96
[1]مصر تبدأ توزيع أول مليون جرعة من لقاح سينوفاك المصنع محليا https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2021/08/25
[1]وكالة رويتر للأنباء: "شركة إماراتية تبدأ تصنيع لقاح سينوفارم الصيني للوقاية من كورونا الشهر المقبل". 28 مارس 2021https://www.reuters.com/article/uae-sinopharm-ea2-idARAKBN2BK0G5
[1]نون بوست: "واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا". 19 فبراير 2017.
[1] https://timss2019.org/reports
[1] https://www.topuniversities.com/university-rankings/world-university-rankings/2022
[1]يحدد الباحثون في المتوسط مركبًا واعدًا (promising compound) واحدًا من بين 5000 إلى 10000 فحص، ثم تاتي مرحلة اختباره لضمان فعاليته وسلامته والتي قد تدوم من 10 إلى 15 عام
لكل من الدواء واللقاح. المصدر:‘’The Pharmaceutical Industry & Global Health: Facts and Figures 2021’’. IFPMA. https://www.ifpma.org/wp-content/uploads/2021/04/IFPMA-Facts-And-Figures-2021.pdf
[1]بعدما كان تصنيع معظم الأدوية يتم بطريقة كيميائية، أصبح إنتاج البعض منها يتم منذ الثمانينات بطريقة بيولوجية عبر استخدام الكائنات الحية المعدلة وراثيا، دون أن تكون مقيدة ببراءة إختراع، مما يمكّن شركات الأدوية المنافسة من طرح منتجات مشابهة من الناحية البيولوجية للأدوية الأصلية.
[1]" صناعة الدواء العربية.. محاولات لإيجاد “موطىء قدم" مجلة أموال. فبراير 2017.
https://amwal-mag.com
[1]من بين الأمثلة على ذلك، احتكار سوق الأدوية في المغرب حيث يتحكم فيه 15 مختبرا بنسبة 70%. المصدر: رأي مجلس المنافسة حول وضعية المنافسة في سوق الأدوية بالمغرب. يونيو 2020.
https://conseil-concurrence.ma/cc/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/01/Avis-du-Conseil-de-la-Concurrence-Num-A.4.20-AR-du-15-01-21.pdf
[1]نون بوست: ’’واقع صناعة الدواء في العالم العربي.. الخليج نموذجًا‘‘.
[1]مصدر البيانات: إحصائيات البنك الدولي:
https://data.albankaldawli.org/indicator/SP.POP.TOTL?view=chart
[1]يصدر البنك الدولي تقارير سنوية تقيّم أنظمة أنشطة الأعمال وإنفاذها في عدد كبير من الدول. ويعتمد التقييم على 10 مؤشرات: بدء النشاط التجاري، إستخراج تراخيص البناء، الحصول على الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين الأقلية، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، وتسوية حالات الاعسار.
[1]كيف تحقق السعودية الأمن الدوائي؟ يوليو 2020.
https://makkahnewspaper.com/article/1515224
[1]ندوة بعنوان: "دور الهيئات الرقابية في الدول العربية في تعزيز البحث العلمي لمواجهة أزمة فيروس كورونا".
[1]تعتبر هذه الولاية واحدة من أكبر منتجي الأدوية غير المعبأة (bulk drugs , …) في العالم.
[1] Amar Singh Foundation, 2018: “Pharmaceutical Clusters in India”. Foundation for MSME.
[1] “Indian Pharmaceutical Industry”. 2021. Op Cit.