الطائفية السياسية وتحديات فاعلية الدولة فى العراق

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس العلوم السياسية بکلية التجارة – جامعة أسيوط

المستخلص

استهدف  البحث الحالى دراسة تأثير الطائفية السياسية على فاعلية الدولة فى العراق، حيث أدت سياسات تکريس الطائفية إلى تواضع أداء النظام السياسى والحکومات المتعاقبة منذ دستور 2005، والذى وضع فى ظل الاحتلال الأمريکى، وتدنى قدرة الدولة على تلبية الإحتياجات العامة لمواطنيها، وضعف الوظائف الأمنية والاقتصادية والعجز عن مواجهة الفساد.
کلمات مفتاحية: الطائفية السياسية، المحاصصة، فاعلية الدولة، الدولة الهشة، عدم الاستقرار السياسى.

الكلمات الرئيسية


مقدمـــة:

    تتميز المجتمعات بأشکال کثيرة من التعدد سواء کان تعدد ديني ومذهبي، أو ثقافى ولغوى، أو اجتماعي قبلي وعائلى وعشائري، أو تعدد أثنى، ولم تخرج المجتمعات العربية عن هذا النسق المجتمعى، بل هى من أکثر المجتمعات التى تزخر بالتعدد بکافة أشکاله وألوانه، وکان هذا التلاقى بين الثقافات والانتماءات الأولية يشکل عامل تقوية للمجتمعات العربية، حيث بنت من خلالها عدة حضارات عريقة، لکن نتيجة للحروب والصراعات السياسية وظاهرة الاستعمار الأوروبى التي شهدها العالم العربى نشبت مفاهيم وقضايا الطائفية والأقليات، وقد أضحى هذا التنوع يشکل عائقاً أمام التماسک الاجتماعى مع ظهور مشاعر الاستبعاد التى يغذيها الإحساس بالمظلومية من التخصيص السلطوى للقيم وتفاوت أو عدم عدالة توزيع الموارد والثروة بين المکونات المجتمعية فى المدن والريف.

لم تحظ ظاهرة "الطائفية" الاجتماعية والسياسية باهتمام الباحثين والمفکرين فى الوطن العربى حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، وکذلک لم يتم تناول ارتباطها بتأخر المنطقة العربية عن مواکبة الموجة الثالثة للديمقراطية، أو عدم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة العربية. کما أنه بعد زيادة دور المتغير الخارجى وتکرار دعاوى الولايات المتحدة الأمريکية والاتحاد الأوروبى بنشر الديمقراطية، وارتباط تلک الدول بجماعات سياسية معينة خاصة من الأقليات، وبروز النزاعات الأهلية والانقسام الاجتماعى فى بعض الدول العربية، وتنامى خطر الإرهاب والتيارات الراديکالية، وتفاقم تدهور الأحوال المعيشية والخدمية العامة فى دول عربية أخرى، أدى کل ذلک إلى  تأجيج الأوضاع الداخلية وتهديد الدولة العربية، والعودة إلى التمرکز حول أطياف الانتماءات الأولية وتهديد الانسجام الاجتماعى بين هذه المکونات وبالأخص فى المجتمعات الطائفية فى الوطن العربى.

ووفقا لتصنيفات النظم السياسية المقارنة، يعد النظام السياسى العراقى ما بعد الاحتلال الأمريکى 2003 نظام طائفى قائم على المحاصصة السياسية. وترکز هذه الدراسة على بحث وتحليل الطائفية السياسية وانعکاساتها على فاعلية دولة العراق منذ العام 2005 حتى الآن فى العام 2021.

من ثم تسعى هذه الدراسة إلى بحث مخاطر الطائفية السياسية بالعراق، والتى باتت تشکل تحديا لصالح قوى عالمية وإقليمية وداخلية تغذى أزمة الطائفية، حيث تصب ظاهرة الطائفية وتحويل المجتمع العراقى من "مجتمع مواطنة" إلى "مجتمع مذاهب وملل" فى خدمة مشروع الهيمنة الأمريکية ومحاولات التمدد الإيرانى الشيعى والتواجد الترکى السنى والترکمانى والأحزاب والنخب العراقية الطائفية. من هنا تتأتى أهمية الدراسة فى فهم ظاهرة الطائفية ومحاصصة الحکم والحکومة والبرلمان وبما ينعکس على فاعلية الدولة وقدرتها ومدى نجاح أو إخفاق السياسات العامة، مع عدم إغفال دور العامل الخارجى وعلاقته بالداخل العراقى فى هذا الصدد.

 

 

مشکلة الدراسـة:

کانت هناک آمالا بأن تکون العراق بعد 2005 وصدور الدستور الفيدرالى نموذجا للدولة الديمقراطية، ولکن الطائفية کشرت عن أنيابها ومثلت تهديدا لفاعلية الدولة العراقية، وعرقلت التطور السياسى، وأعاقت تنفىذ اجراءات الحکومات المتتالية ومؤسسات الدولة فى مواجهة العديد من الأزمات، وهذا ما يظهر جليا فى الأداء السياسى وطبيعة التفاعلات بين النخب السياسية فى الرئاسات الثلاث (الدولة والبرلمان والحکومة) خلال الفترة الزمنية محل الدراسة من 2005 إلى 2021. فى ضوء ذلک تحاول الدراسة الحالية الإجابة على سؤال رئيس يدور حول: ما مدى العلاقة بين الطائفية السياسية وفاعلية وقدرة الدولة العراقية؟، ويتفرع عنه التساؤلات التالية:

  1. ما المقصود بمفهوم فاعلية الدولة؟ وما هى مؤشراتها؟ وعلاقتها بالطائفية السياسية؟.
  2. کيف ساهمت العوامل الخارجية والداخلية فى تکريس الطائفية السياسية فى العراق؟.
  3. ما انعکاسات الطائفية السياسية على فاعلية الدولة العراقية؟.

فرضية الدراسة

   تنطلق الدراسة الحالية من فرضية أساسية مفادها: "تعتبر الطائفية السياسية من أبرز الأزمات التى تواجهها دول الجنوب بشکل عام، والعراق بصفة خاصة، وکلما استطاعت الدولة معالجة هذه الأزمة وتجاوز التحديات، کلما کان ذلک مؤشراً على فعاليتها وتطورها السياسى".

منهج الدراسة

   تعتمد الدراسة الحالية على استخدام اقتراب تحليل النظم لتفسير مسببات نشوء ظاهرة الطائفية السياسية وتداعياتها من خلال التعرف على مدخلات النظام والتى تتعلق بمحددات ظهور هذه الظاهرة، وعملية التحويل، إضافة إلى المخـرجات وتکريس الطائفية السياسية فى العراق.

   کما تستخدم الدراسة اقتراب الجماعة والترکيز على دارسة الجماعات ودورها فى المجتمعات باعتبار أن المکون الطائفى يتمثل فى جماعات سياسية تعيش فى بيئة تتفاعل معها أخذا، وعطاء، إذ يتم  النظر إلى المجتمع الذى يتکون من شکل فسيفسائى من الجماعات المتعددة، بينما يعتبر النظام السياسى مرکب معقد من الجماعات المتفاعلة فيما بينها باستمرار فى إطار من نمط التعاون أو الصراع أو التنافس أو التوافق، ويؤثر نمط هذا التفاعل بين الجماعات وطبيعة العلاقات فيما بينها فى النظام السياسى والدولة، وذلک بمراعاة المتغير الخارجى، وتحديدا الدور الأمريکى فى العراق ما بعد 2003.

   کما توظف الدراسة الأسلوب المقارن نظرا لطبيعة الموضوع، وإمکانية المقارنة بين الفترات الزمنية الحالية والسابقة على بروز أزمة الطائفية فى شکلها الراهن فى العراق.

تم تقسيم الدراسة إلى ثلاث محاور؛ أولهما يتستعرض مفاهيم فاعلية الدولة والطائفية السياسية والعلاقة بينهما. بينما ثانيهم فيتناول عوامل تکريس الطائفة السياسية فى العراق. أما ثالثهم يدور حول انعکاسات الطائفية السياسية على فاعلية الدولة العراقية.

المحور الأول: مفاهيم فاعلية الدولة والطائفية السياسية:

   يستعرض هذا الجزء من الدراسة مفاهيم فاعلية الدولة وقدرتها، والطائفية السياسية، والعلاقة بينهما، مع إشارة خاصة إلى محددات تأجيج الطائفية السياسية وتکريسها فى بعض الدول العربية، وانعکاسات ذلک على قدرة هذه الدول وتطورها أو إضعافها فى ظل بروز العولمة وأدوار الجماعات السياسية أو الفاعلىن من غير الدول.

أولا: مفهوم فاعلية الدولة وقدرتها

   تکتسب دراسة وتحليل تأثير العولمة على الدولة الوطنية والنظم السياسية المعاصرة أهمية خاصة، وذلک من منظور معيار فاعلية أو قدرة الدولة State Capacity فالدولة الوطنية تمثل الإطار الذي تعمل فى نطاقه هذه النظم، کما أن هذه النظم هي الجهاز الذي يعبر عن سيادة الدولة وسلطتها فى إقليم معين وعلى جماعة معينة من البشر، ومن ثم فأى تحول يطرأ على الدولة الوطنية من شأنه أن يؤثر تأثيرا واضحاً على النظم السياسية([i]).

   يتمثل معيار الفاعلية أو قدرة الدولة فى عدة مؤشرات نذکر منها على وجه التحديد ما يلى:

  1. ما تقدمه الدولة أو قدرتها من خلال نظامها السياسى على تلبية الإحتياجات الأساسية لمواطنيها، مثل التعلىم، الصحة، والخدمات،
  2. وقدرتها فى الوظائف الأمنية والسيادة کحفظ النظام العام وحماية الدولة من الإعتداءات أو التدخلات الخارجية،
  3. وقدراتها الاقتصادية وعلاقة الدولة بعملية الإنتاج والتوزيع العادل للموارد فى المجتمع([ii]).

وکل ما سبق يعتمد على استقرار سمة الدولة بمعنى القبول العام بحدودها الجغرافىة، وغلبة مشاعر الانتماء الوطنى لشعبها، والتوافق حول مکونات الجماعة السياسية ووحدة الهوية الوطنية([iii]).

هکذا تتأکد سيادة الدولة الوطنية على مواردها، بمعنى التخلي عن فکرة تفکيک الدولة والحد من سيادتها، أو إمکانية تدخل الدول الکبرى فى شئونها تحت ذريعة التدخل الإنسانى أو محاربة الإرهاب([iv])، وتتميز الدولة ذات الفاعلية، بأن الترتيبات المؤسسية والقانونية فيها تکون قادرة على تحمل الهزات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها الدولة، حيث تبقي النزاعات والخصومات المختلفة ضمن حدود تلک الترتيبات المؤسسية. بل أن الفاعلية لکونها تتعلق بإمکانيات وتفاعلات الدولة داخليا وخارجيا، فتؤثر على الأداء الحکومى وتحقيق الأهداف العامة للدولة([v]).

وتعد الفاعلية نقيض الهشاشة، ففى مقابل الدولة المستقرة توجد الدولة الهشة؛ والدولة الهشة تتسم بضعف قدرتها وکفائتها فى أداء مهامها الأساسية. وانخفاض الحوکمة لأقل من 3.2 درجة حسب مؤشر تقييم أداء الدولة والأداء المؤسسي (CPIA) التابع للبنک الدولي. وغياب الضبط الاجتماعى، ووجود قدر واضح من التباين بين السياسات المعلنة وعملية التوزيع الفعلى لموارد الدولة. وضعف توفير السلع العامة والخدمات الأساسية أو عدم ايصالها بکفاءة، مما يؤثر على اهتزاز الشرعية فيها کنتيجة لعدم استجابة الدولة لمطالب کافة أطياف المجتمع، بشکل يجعل المواطنين فيها عرضة لمجموعة واسعة من التهديدات والأخطار المختلفة. غير أن دعم الدولة في هذا التوجه، ليس مهمة سهلة([vi]).

فى هذا السياق؛ إذا کان الوضع القائم يشهد ضعف هياکل ومؤسسات الدولة، وتنامى حدة التهديدات السياسية والأمنية وتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى ينعکس فى أداء الدولة لوظائفها الأساسية. يکون الهدف من عملية الدمقرطة، والتطوير المؤسسى فى الدول الهشة، هو مساعدتها على تحسين فعالية  وقدرة الدولة، وبناء القوة الشاملة للدولة([vii]).

يتلاحظ مما سبق أن نمو تأثير الفاعلين من الجماعات أو غير الدول فى ظل العولمة يمثل ضغوط على الدولة من حيث ما يتطلب ذلک من ضرورة تطوير أداءها وحسن تطبيق الحوکمة واستثمار رأس المال الاجتماعي لزيادة قدراتها أو تحقيق الفاعلية وتحافظ على شرعيتها وتماسکها وکفائتها المجتمعية، ومن المهم مراعاة الاختلاف فى السياق المجتمعى أو البيئى بين کل دولة وأخرى.

ثانيا: مفهوم وأبعاد الطائفية السياسية

إن مفهوم الطائفية ينبني على فکرة الانتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية. فإذا ما کان انتماء الإنسان إلى طائفة أو مذهب معين لا يجعله بالضرورة طائفياً، فأنه يصبح کذلک، عندما يسعى بأى عمل للإضرار بحقوق الطوائف الأخرى ويتخذ سلوکاً يحاول من خلاله إکساب طائفته تلک الحقوق التى تکون لغيرها تجاهلاً لها وتعصباً ضدها. وإذا کان ميل الإنسان لطائفته وفرقته التى ينتمى إليها جزء من النزعة الإنسانية والفطرة البشرية، فأن الطائفية تمثل تلک الظاهرة التى تجعل الفرد لا يرى إلا مصلحة انتمائه الضيق مقابل الانتماء الوطنى الجامع([viii]).

کما تکون الطائفية منهج للعمل السياسى الذى يقوم على تسييس الانتماء الطائفى للمواطن وأدلجته في الحياة السياسية على مستوى الأفکار والمجتمعات والسلطة؛  وعندما يوظف البعض المشاعر الطائفية المتولدة عن ذلک الانتماء الطائفي تحت شعار الدفاع عن حقوق طائفته لحشد تأييد أنصارها لتحقيق مکاسب سياسية خاصة او ضيقة، فأن التسييس المذهبي سيدفع الطرف الآخر إلى مواجهته بتسييس مذهبي مقابل له، فيساهم تصعيد وتيرة التسييس المذهبي المتقابلين في تصعيد العواطف الطائفية والعواطف الطائفية المضادة في دائرة خطيرة وخبيثة لا تنتهى. فالطائفية السياسية تتسبب فى إقصاء المواطنة کرابطة عضوية وحيدة للدولة واستبدالها بالرابطة الطائفية، وهکذا تغدو الطائفية سلاحاً فتاکاً يهدد الدولة الوطنية ووحدتها أو تماسکها([ix]).

يتداخل مفهوم الطائفية مع مفاهيم أخرى مذهبية أو عرقية ذات مدلول سياسى–اجتماعى ليبين دور الأقلية العددية في المجتمع المنفصل عن دور الأمة التي تعيش ضمنها هذه الأقلية، سيعيش المجتمع عندها حالة من التأزم الناشئ عن تحول الطائفية إلى هوية انتماء مما يعرض الدولة للوقوع ضحية لنهم التطرف والتعصب الطائفى وتتحول الجماعات الطائفية إلى "ملل" و"نحل" متصارعة، کل منها تتشدق بکونها الفرقة الوحيدة التى تملک الحقيقة سواء أکانت حقيقة تاريخية أم حقيقة معاصرة([x]).

هکذا؛ تنطوى الطائفية السياسية على اضفاء طابع مؤسسى على الانتماءات المجتمعية من خلال إعادة صياغة الأسس التي تبنى علىها السياسات العامة للدولة، وذلک من أسس قائمة على مبدأ "المواطنة" إلى أخرى قائمة على "الانتماءات الأولية" للأفراد. ويذکر أن نموذج السيادة الداخلية أو بناء السلطة داخل الدولة والدرجة التي يمارس بها هذا البناء الضبط والتحکم الداخلي فى ظل العولمة أصبحت تهدده تلک الجماعات خاصة فى المجتمعات الطائفية القائمة على المحاصصة السياسية، ناهيک على التحديات الإقليمية والدولية فى النظام العالمى الراهن([xi]).

فتتحول الدولة من کونها إطارا مؤسسيا محايدا إلى دولة تميز فى تعاملها مع أفراد المجتمع طبقا لانتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الإثنية أو العرقية([xii]). وبهذا تتحول الطائفية إلى خطر حقيقى يهدد التجانس الاجتماعي وکيان الدولة، إذ تقترن الطائفية فى حالتها السياسية بضعف الاندماج الاجتماعي فى المجتمع بسبب قيام الجماعات ذات الانتماءات الطائفية المختلفة بإعلاء قيمة الهويات الفرعية أو الأولية، وهو ما يجعلها مع مرور الوقت غير قادرة على الاندماج فى هوية وطنية واحدة تحقق الانسجام والاستقرار والتعايش السلمي فىما بينها. ففى ظل الهيکلية السياسية الطائفية فإنه يتم شرعنتها دستوريا، وتمکينها وترسيخها سياسيا من خلال المحاصصة والنظم الانتخابية الطائفية، وبهذا المعنى تصبح الطائفية السياسية عامل أساسى لتفکيک وتهديد المجتمعات، وتمثل خطرا حقيقيا يهدد التجانس الاجتماعي وبناء الدولة أو بقائها([xiii]).

ذلک عندما تنجح الطوائف السياسية فى أن تتحول إلى جزء من النظام السياسى وتضفى علىه شرعيته، وذلک لأن الفرد تنتفى عنه صفة المواطن ولا يتم تعريف هويته إلا داخل انتمائه الأولى للطائفة التى تعبر عنه وتمثله سياسيا، هذا من ناحية، کما ينتج عن هذا الوضع تقاسم للسلطة السياسية (أو الوجه الرسمى للقوة السياسية) فى الدولة بين الطوائف السياسية ويتم تشتيت وحدة الدولة الوطنية، هذا من ناحية ثانية، ومن ناحية أخرى وعلى المستوى الاقتصادى فإن هناک تلازم لوجود النظام السياسى الطائفى فى الدولة وسيطرة الطبقة البرجوازية وتفشى الفساد وضعف العدالة الاجتماعية([xiv]).

تعد هذه بمثابة الحالة الأسوأ لتهديد  کيان الدولة الحديثة أو تعتبر نشأة غير سوية للدولة، إذ يحاول المنتمون -کلهم أو جزء منهم- إلى نفس الطائفة الاستفادة من الحالة الانقسامية وتحويل العصبية إلى رابطة سياسية بمعنى تحقيق مطالب سياسية لمحاصصة  أو طلب حصة تمثيلية فى مؤسسات الدولة والنظام السياسى الذى يضحى طائفىا قائم على المحاصصة الطائفية.

ثالثا: الدول العربية بين متطلبات الفاعلية وتحديات الطائفية

إن تشخيص واقع النظام الإقليمى السياسى العربى، وطبيعة الممارسة العربية فى الوصول إلى مجتمع ديمقراطي، تکشف عن محددات النهج الديمقراطي العربى، ويتلاحظ أن محاولات إضفاء الديمقراطية على نظم الحکم فى الوطن العربى تعتمد فى معظمها على الأخذ بالشکل الغربي للديمقراطية، بدون وجود تجربة عربية خالصة حتى الآن([xv]).

تعانى بعض الدول العربية من معوقات داخلية وتحديات خارجية لإحداث عملية التطور الديمقراطى نحو دولة مدنية حديثة لا تقوم على علاقات وروابط الطائفية السياسية، وتنبع هذه المعوقات من البيئة الداخلية للنظام السياسى أو ما يعرف بالسياق المجتمعى للنظام السياسى، وأيضا تهديدات البيئة الخارجية إقليميا ودوليا، وفى هذا الصدد وارتباطا بالظاهرة محل البحث، يمکن الإشارة إلى محدودية دور وحجم القوى الاجتماعية الحديثة وأدائها فى الوطن العربى، فالتکوينات الاجتماعية فى المناطق الحضرية لديها نزوع إلى التمرکز حول الطبقة کوحدة أساسية للتکوين الاجتماعى، ومن ثم السلوک السياسى، أما التکوينات الاجتماعية فى المناطق الريفىة فهى تکاد تکون أکثر تمرکزا حول القبيلة أو العشيرة أو العائلة، فىما نجد التکوينات الاجتماعية فى المناطق البدوية لديها تمرکز حول مفهوم القبيلة کأساس للتنظيم الاجتماعى، ومن ثم الولاء السياسى أيضا([xvi]). وقد نجم هذا الوضع  عن محدودية عملية التحديث وتأثير ظاهرة الاستعمار أو التدخلات الخارجية فى العديد من الدول العربية، وضعف مردود التحولات الاقتصادية والاجتماعية التى طالت المجتمع العربى، فلم تکتمل خصائص النظم الديمقراطية فى النظام الإقليمى العربى، ولازالت الطائفية السياسية والاجتماعية مکون أصيل وقد اقترنت بعدم الاستقرار السياسى فى عدد من الدول العربية([xvii]).

وبالرغم من أن منظمات ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ والأحزاب السياسية ﺘﺭﺘﺒﻁ ﺒﺎلأﺴﺎﺱ ﺒﺎﻟﺘﻜﻭﻴﻨﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻘﻭﻡ ﻋﻠﻰ أﺴﺱ ﺤﺩﻴﺜﺔ کاﻟﺘﻌﻠﻴﻡ ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﻭﺍﻟﺩﺨل ﻭﺍﻟﻁﺒﻘﺔ، ويفترض أنها تؤدى وظائفها فى التنشئة الاجتماعية والسياسية وتحقيق التکامل الوطنى وتکتيل المصالح وتمثيل المواطنين، وأن تکون مؤسسات وسيطة بين الدولة والمواطنين، إلا أنه قد انعکس ﺘﺄﺜﻴﺭ ﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻨﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ أو الأولية على منظمات ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ والأحزاب السياسية، حيث أن  هذه ﺍﻟمنظمات ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ  ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ الدول ﺍﻟﻌﺭبية ﺘﺘﺄﺜﺭ ﺒﺩﺭﺠﺎﺕ ﻤﺘﻔﺎﻭﺘﺔ ﺒﺎﻟﺘﻜﻭﻴﻨﺎﺕ الطائفية ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ الدينية والأثنية ﻭﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ، ﻓﻔﻲ ﺩﻭل ﻤﺜل العراق وﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﻨﺸﺄﺕ أﺤﺯﺍﺏ ﻤﺭﺘﺒﻁﺔ ﺒﺎﻻﻨﺘماءات ﺍلأﻭﻟﻴﺔ ﻭأﺼﺒﺤﺕ ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ طوائف سياسية بعينها، کما أن بعض ﺍﻟﻨﻅﻡ ﺍﻟﺤﺎکمة ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺩﻭل العربية تشجع وجود مؤسسات مجتمع مدنى قائمة على الروابط المذهبية أو القبلية والعشائرية، وأحيانا أخرى وﺒﺴﺒﺏ تکوينها الطائفى نجد الدولة ذاتها تدخل طرفا فى صراع مع مکونات المجتمع الأخرى([xviii]).

تجدر الإشارة إلى أن أزمة الطائفية السياسية قد امتدت إلى أنحاء عدة من الوطن العربى ما بعد 2011، حيث انتشرت النزعة الطائفية بشکل خطير فى عدد من الدول العربية على المستويين السياسى أو المجتمعي من قبيل ما شهدته البحرين، وما زالت تعانيه سوريا واليمن، فضلا عن استحکام أزمة المحاصصة فى لبنان والعراق. ونجد أنه قد تضافرت فى هذه الدول مؤشرات ضعف الفاعلية من حيث:

  • ·          ضعف القدرة على تلبية الإحتياجات الأساسية للمواطنين، مثل التعلىم، الصحة، والخدمات العامة.
  • ·          شيوع الإحساس بانعدام الأمن وعدم القدرة على حماية الدولة من الإعتداءات الخارجية.
  • ·          ضعف الإداء الاقتصادى وعدم حل مشکلات التنمية السياسية.

تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التى تشهدها کل من لبنان والعراق تعبر عن رفض الطائفية ومطلب إسقاط الشرعية عن النظم السياسية الطائفية والمتکرسة فى الدستور، کما أنها تهيأ الفرصة لإعلاء قيم المواطنة والاندماج المجتمعى، بدلا عن تعمد النخب السياسية إلى تعبئة المواطنين على أساس مخاطبة انتماءاتهم الأولية، وإثارة النعرات العصبية بين بعضهم البعض([xix]).

يتضح مما سبق أن الطائفية السياسية تعبر عن سلوک سياسي مقصود يستغل اختلافات النسيج الاجتماعى، إذ تعد هذه الاختلافات بمثابة البيئة المؤاتية لخلق الطائفية السياسية، ويعمل السلوک الطائفى على تسييس الانتماءات الأولية سواء لعوامل دينية أو ثقافىة أو مذهبية أو قبلية وعشائرية فى المجال السياسى، ويحولها إلى ولاءات سياسية بما يتنافى مع جوهر مفهوم المواطنة فى دولة القانون والعدل. إذن تاريخيا؛ يعبر نشوء ظاهرة "الطائفية السياسية" –کما صنع تقسيم الوطن العربى- على حالة "مصطنعة" غير "متأصلة" وذلک بفعل عوامل خارجية وداخلية.

    کما يعد العنف  الطائفى  أقدم وأخطر داء منيت به شعوبنا ودولنا العربية على اختلاف دوراتها الحضارية. ومع التغييرات التى اجتاحت النظم السياسية العربية بفعل اتساع حرکة الاحتجاجات الشعبية فيها، برزت حالة من إعادة الفرز المجتمعى والسياسى وفق أسس الانتماء الطائفى  والقومى والدينى. والواقع أن خطورة هذه الظاهرة قد انسحبت إلى قطاعات عديدة فى الدولة العربية المعاصرة ولاسيما المجتمع المدنى لتعانى هى الأخرى من حالة الاستقطاب الطائفى بصورة أو بأخرى.

المحور الثانى: عوامل تکريس الطائفية السياسية فى العراق:

    يتناول هذا الجزء من الدراسة العوامل الخارجية والداخلية للطائفية السياسية الراهنة وخاصة إبراز المتغير الخارجى خاصة الدور الأمريکى فى إذکاء وإشعال عوامل الطائفية فى العراق ما بعد 2003. وهکذا يمکن تحديد هذه المحددات فى مجموعتين أحداهما خارجية والأخرى داخلية، وقد تضافرا معاً لإضفاء الطابع الطائفى على الدولة العراقية ونظامها السياسى.

أولا: العامل الخارجى والطائفية السياسية

مثلت دولة العراق لآلاف السنين مهد وموطن العديد من الجماعات العرقية والدينية التي شکلت سويا فسيفساء دينية وثقافىة واجتماعية تعايشت أجزاؤها مع بعضها حتى صارت لاحقا جزءا محوريا من هوية الدولة الحديثة فى العراق([xx]). ويضم العراق الحديث والمتنوع عرقيا ودينيا ولغوىا العديد من الطوائف المسلمة والمسيحية، والعربية والکردية والترکمانية، حيث يوجد المسلمون الشيعة على المذهب الأمامي، وجزء قليل منهم من الأصول الإيرانية خاصة فى الشمال الشرقى فى العراق، والمسلمون السنة على المذهبين الشافعي والحنفى، وعدد قليل من الحنابلة، بينما الطائفة المسيحية مکونة من الکاثوليک، الأرثودوکس، والبروتستانت، وعدد قليل من الأقباط والسريان والکلدانيين والأرمن، کما يوجد أعداد محدودة من اليهود، والبهائيون، والصائبيون. وبخلاف ذلک تتوزع المکونات المجتمعية العراقية الرئيسة عرقيا بين العرب والأکراد وکذلک الترکمان بنسبة أقل، وأن کان تمرکز الأکراد فى منطقة جغرافىة واحدة ساعد على لتوحد قوميتهم، إلا أن عامل التجمع الجغرافى لم يمنع من وجود أزمات سياسية داخل الأکراد([xxi]).

وقد کان للعوامل والمتغيرات الخارجية دورا کبيرا فى اصطناع وتأجيج الطائفية السياسية فى العراق وذلک فى ظل متغيرات التدخل الأجنبى وتهديدات البيئة الإقليمية. وتاريخياً؛ کرست ثورة 1920 العراقية ضد الاحتلال البريطانى هوية وطنية جامعة، لکن المشارکة الجماعية فى الثورة لم تکن کافىة لجعل الوحدة الجامعة سياقا متصلا وثابتا فى العراق الحديث، إذ سرعان ما بدأت المصالح والهواجس الطائفية بالظهور، ولم يکن لدى اللذين شارکوا فى الثورة من الشيعة والسنة تصورا لطبيعة توزيع السلطة فى الدولة العراقية الحديثة (ما بعد ثورة العشرين)، مما مثل فرصة مبکرة لدى العراقيين لترسيخ منطق فکرة "التمييز الطائفى" فى بناء دولتهم الحديثة. وظهرت محرکات الطائفية خلال هذه الحقبة السياسية، وقد تم استدعاء الدين بإيعاز التأثير البريطاني الاستعمارى الذى دفع السلطة فى العراق لمواجهة مد النفوذ الجماهيري للقوى الفکرية والسياسية الجديدة، وإعاقة الديناميات الاجتماعية عن التطور([xxii]).

يتضح مما سبق الأسباب التاريخية لنشوء الطائفية المعاصرة فى العراق، مما وفر فىما بعد أساسا مقبولا لتعاظم دور التيارات سياسية دينية (سنية أو شيعية)، ناهيک عن وجود المکون الکردى. 

ثانيا: التدخل الأمريکى وسياسات الطائفية السياسية

إن ما يشهده النظام الدولى وتداعياته على النظام الإقليمى العربى يساعد على تغذية الظاهرة الطائفية السياسية فى العراق، حيث أن العراق دولة تتسم بأهمية جيواستراتيجية فى المنطقة العربية وإقليم غرب آسيا، وفى هذا الصدد سوف يتم الترکيز فى هذا الجزء من الدراسة على الدور الأمريکى وتأثيرات الحرب الأمريکية على العراق وغزوها فى 2003، إذ قامت قوات الاحتلال الأمريکى بسياسات غير مباشرة وأخرى مباشرة أدت إلى تحويل المجتمع العراقي إلى مجتمع تغلب علىه الطائفية السياسية، وما اقترن بها من فوضى وعدم استقرار وانفلات أمني، وتعطيل العملية السياسية، کلها تأثيرات عرقلت دون شک تأسيس دولة عراقية متقدمة. ويمکن أن نشير فى هذا الجانب إلى عدة سياسات وممارسات قامت بها الولايات المتحدة الأمريکية لتساهم فى تأجيج المسألة الطائفية فى العراق ما بعد 2003، وذلک کما يلى:

-    وضع قانون "إدارة الدولة الإنتقالية" لعام 2003، الذى حدد نظام الحکم جمهورياً اتحادياً فىدرالياً ديمقراطياً، وبالتالي فقد أسست الفىدرالية فى العراق، کما يلاحظ أنها حددت حدود الإقليم الکردي على أسس طائفىة، وتنبع أهمية هذا القانون من تأثيره اللاحق على الدستور العراقي الدائم لعام 2005 الذي جاء فىه العديد من النصوص المشابهة بما ورد فى هذا القانون مما أظهر جانبا آخر من أزمة الطائفية يتمثل فى الصراع السياسى بين المرکزية والفىدرالية،

-    تشکيل مجلس الحکم المؤقت من قبل بول بريمرPoul Bremer  فى يوليو 2003، وتم توزيع عدد مقاعد المجلس، البالغ عددها (25) مقعدا، على أسس الطائفة والعرق بين معظم مکونات العراق المختلفة، ثم إمتد هذا التوزيع الطائفى إلى مختلف الوزارات التي تشکلت، وبالتالي فقد أصبحت الإعتبارات الطائفية هي المعيار الأساسي لإختيار الأعضاء وذلک لأول مرة فى تاريخ العراق الحديث،

-    تفکيک الجيش ومؤسسات الدولة الأمنية، فقد کانت هذه أولى الخطوات التي اتخذها ممثل الاحتلال الأمريکى بول بريمر – الحاکم المدني فى العراق –فى مايو 2003. وکان التقاعس الأمريکى عن منع جرائم القتل والتعذيب على أساس طائفى سببا فى تصاعد هذه الجرائم لصالح طوائف بعينها، وترسيخ الشعور لدى المواطنين بالخوف وغياب الأمن([xxiii]).

کما أن إدارة الرئيس الأمريکى السابق دونالد ترامب عمدت إلى إحداث تغيير جذري فى نمط واتجاهات الصراعات الرئيسة فى الشرق الأوسط، ويتمثل ذلک فى استبدال قضية الصراع العربى الإسرائيلي کأولوية فى النظام الإقليمى العربى بقضية الصراع العربى الإيراني باعتباره القضية المحورية على أجندة السياسة الإقليمية، وإذا کان الصراع العربى الإسرائيلي قد اتخذ بعدا سياسيا وأمنيا فى جوهره، حيث أن الصراع العربى الإيراني قد اتخذ بعدا طائفىا فى المقام الأول على خلفىة الصراع المذهبى الشيعى-السنى، وتقع کل من العراق وسوريا واليمن فى قلب التهديد المصاحب لهذا الصراع([xxiv]).

فى ظل تسارع وتيرة السياسات الطائفية التى تنتهجها الولايات المتحدة الأمريکية إزاء احتلالها العراق، نتج عن هذه الوضع تداعيات کثيرة على الصعيد الداخلي فى العراق وقد تزايدت الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وکذلک غياب الأمن الإنسانى مما هيأ البيئة المجتمعية لإحياء الانتماءات الطائفية والعرقية، وإلى تحول ولاء الأفراد من الدولة إلى الکيانات والجماعات الطائفية بل وترسيخ المسألة الطائفية على المستويين السياسى والاجتماعى. ومن التداعيات الإقليمية سعى إيران أن تستفىد من طبيعة متغيرات الفترة الراهنة التى تشهدها العراق ما بعد غزو 2003 وإقرار دستور 2005 والذى أتاح الصعود السياسى للمکون الشيعى العراقى، بعد معاناتهم من التهميش والإقصاء السياسى خلال حقبة زمنية وفترات حکم متعاقبة فى ظل الحکم الجمهورى. ويقابل ذلک أصوات وممارسات من النظام السياسى العراقى لإعلاء استقلالية وسيادة دولة العراق وفک الارتباط مع دولة الجوار الإيرانية ورفض الطائفية العابرة للحدود الوطنية([xxv]).

يتضح مما سبق أن سياسات الطائفية السياسية التى عملت الولايات المتحدة الأمريکية على تکريسها بعد غزوها وتدخلها العسکرى فى العراق، قد تسببت فى أن يعاني العراق منذ عقود وحتى الآن من فوضى سياسية وأمنية حقيقية انعکست نتائجها بشکلٍ مباشر على کافة الجوانب والقطاعات فى الدولة العراقية، وبات يعيش العراق حالياً أزمة حقيقية على کافة الأصعدة والمستويات سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية أو الاجتماعية أو الثقافىة.

هکذا لا يمکن  إغفال دور العوامل الخارجية سواء الدولية أو الإقليمية فى تأجيج المسألة الطائفية الراهنة، خاصة الدورين الأمريکى والإيرانى، فإن الولايات المتحدة عمدت إلى إحياء الطائفية وکان لها أهداف استراتيجية أبعد من الاحتلال الأمريکى للعراق فى 2003، حيث عقب غزو بغداد واسقاط النظام العراقى حيئنذ، قد حولت الولايات المتحدة الأمريکية "التعددية الطائفية" فى العراق إلى "طائفية سياسية" تؤدى إلى إضعاف قدرات مؤسسات الدولة العراقية، وتکون نواة لتفکيک الدول العربية المجاورة مما يمهد الطريق لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بما يتماشى مع المصالح الأمريکية.

ثالثا: العوامل الداخلية والطائفية السياسية

يستعرض هذا الجزء من الدراسة الحالية مجموعة العوامل الداخلية التى هيأت البيئة لتکريس الطائفية السياسية فى العراق، کما أن بعضها يتداخل مع المحددات الخارجية، ومن ثم قد تکون هذه المحددات الراهنة نتجت عن الاحتلال الأمريکى للعراق، وسوف يتم الترکيز هنا على العوامل الاقتصادية والثقافية، وکذلک عامل القيادة السياسية ومواقفها من مسألة إذکاء الطائفية أو إخمادها، وذلک کما يلى:

  1. العوامل الثقافية:

يتسم المجتمع العراقى ثقافيا بأنه مجتمع أبوى يتکون من خليط من البنى الطائفية التقليدية بما تحمله من علاقات وقيم قبلية وعشائرية ودينية مستمدة من روابط الدم والمذهب کما سبق الإشارة إليها، وبنى حديثة تترابط فىما بينها لتنتج بنية اجتماعية جديدة، وتسود فى ظل هذه البنى قيم الخضوع والطاعة والعلاقات التراتبية الهرمية([xxvi]).

وتتمثل أهم المتغيرات الدينية والثقافىة لتأجيج الطائفية السياسية وبروز دور التکوينات العشائرية والقبلية فى العراق فى التالى:

  • ·    تعانى الثقافة السياسية فى المجتمع العراقى بفعل الغزو الأمريکى والأطماع الخارجية والأزمات الطائفية من شيوع قيم سلبية مثل تبرير الفساد السياسى وتجاوزات النخب السياسية، وعدم القبول بالتعددية الثقافىة، وأزمة الشک وعدم الثقة بين الحکام والمحکومين، وبين الطوائف نفسها وبعضها البعض، کذلک سيادة قيمة الطاعة فى دلالتها الدينية لا السياسية،
  • ·    تجذر السلوک السياسى حول إعلاء الأفراد لانتماءاتهم الأولية العشائرية أو المذهبية على الولاء للدولة. وکذلک جماعات المجتمع العراقي تعبر عن نفسها بالاحتفاظ بخصوصيتها وتراثها وطرائقها فى الحياة دون الشعور بأهمية الاندماج الوطنى فى دولة موحدة([xxvii]).

کما دعمت الولايات المتحدة بروز العديد من القنوات الفضائية على أسس عرقية وطائفىة، وأيضا کانت لجماعات وتيارات سياسية إضافة إلى قوى إقليمية کإيران وترکيا دور فى ذلک. وتقوم هذه القنوات بنقل الأحداث والأخبار من وجهة نظر طائفىة لمحاولة کسب الأفراد من خلال خطابات تکرس لمفهوم الطائفية والعرقية، الأمر الذي أدى إلى اضعاف الإنتماء الوطني والقومي([xxviii]).

تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات الشبابية في بعض محافظات العراق في 2020 تعبر عن ثقافة سياسية مغايرة، إذ تنطلق من إعلاء التکامل الوطنى ورفض الطائفية.

  1. العوامل الاقتصادية:

إﻥ ﺍلأﺯﻣﺔ ﺍﻟﺣﺎﻟﻳﺔ ﻟﻼﻗﺗﺻﺎﺩ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ ﻟﻳﺳﺕ ﻫﻲ إﻻ ﻧﺗﺎﺝ ﺗﺭﺍﻛﻣﺎﺕ ﻣﻥ ﺳﻭء ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﺗﺩﺍﺩ ﻋﻘﻭﺩ ﻣﻧﺻﺭﻣﺔ ﻭأﻧﻬﺎ ﻣﺭﺣﻠﺔ ﻣﻥ ﻣﺭﺍﺣﻝ ﺗﺩﺍﻋﻳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ([xxix]).

إذ أن ﻫﻧﺎﻙ ﻭﺍﻗﻊ اقتصادى صعب ﻧﺎﺗﺞ عن ﺍﻧﺧﻔﺎﺽ أﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻧﻔﻁ وتخفيض الانتاج، ﻣﻣﺎ ﻳﺗﺭﺗﺏ ﻋﻠﻳﻪ ﺍﻧﺧﻔﺎﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻣﺎﻟﻳﺔ ﻻﻋﺗﻣﺎﺩ ﺍﻟﻣﻭﺍﺯﻧﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺻﺩﻳﺭ ﺍﻟﻧﻔﻁ ﺍﻟﺧﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﻣﻭﻳﻠﻬﺎ ﻣﻣﺎ ﻳﺿﻊ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗى أمام تهديد ﺍﻟﻌﺟﺯ ﺍﻟﻣﺎﻟى ﺍﻟﻣﺳﺗﻣﺭ ﻣﻥ ﺣﻳﺙ ﻣﺎ ﻳﻭﺍﺟﻬﻪ هذا الاقتصاد ﻣﻥ ﻗﻠﺔ ﺍﻟﻣﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻣﺎﻟﻳﺔ ﻭﻣﺷﺎﻛﻝ ﺍﻟﻣﻳﺯﺍﻥ ﺍﻟﺗﺟﺎﺭى([xxx]).

هذا بالإضافة إلى ﺍﻟﻔﺳﺎﺩ ﺍلإﺩﺍﺭى ﻭﺍﻟﻣﺎﻟى، ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻧﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻘﺎﺑﻝ ﺍﻧﺧﻔﺎﺽ ﺍلإﻳﺭﺍﺩﺍﺕ والمتحصلات ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺩﻭﻟﺔ، ﻭﻛﺫﻟﻙ ﻏﻳﺎﺏ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻘﻁﺎﻉ ﺍﻟﺧﺎﺹ ﻭﻋﺩﻡ ﺗﻔﻌﻳﻝ ﺍﻟﻘﻭﺍﻧﻳﻥ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻳﺔ  ﻭﺍﻟﺗﺷﺭﻳﻌﺎﺕ([xxxi]).

وبالرغم من أن العراق يعد بلد ذو وفرة اقتصادية أو ثريا وغنى بالاحتياطات والموارد النفطية، وکذلک عوائد المنافذ الحدودية لکن هناک عوامل ترتبط بالطائفية والتى تسببت فى أزمات اقتصادية هيکلية وعانت منها الدولة والمواطنين على حد سواء، ومنها:

  • ·    صعود الجماعات والأحزاب السياسية الطائفية منذ 2005 جعلها تنتهج زيادة الأعداد الهائلة للموظفىن العموميين، واجتذاب ملايين العاطلين والخريجين وأدخلتهم إلى سوق العمل الحکومى فى قطاعات ومؤسسات الدولة لستحوذ على ولائهم السياسى والتنظيمى وجعلهم ناخبين موثوقين أو أعضاء فى الميلشيات والجماعات المسلحة التابعة لبعض هذه القوى السياسية. حتى صار من يتلقوا رواتب وأجور ثابتة أکثر من (7) مليون عراقى أى ما يقارب ¼ سکان العراق والتى أصبحت من أعلى نسب التوظيف فى العالم. وهکذا يذهب أکثر من ¾ الانفاق فى الموازنة إلى باب الأجور والراوتب ويزيد عما يخصص لتطوير البنية التحتية وقطاعات التعلىم والصحة،
  • ·    التوجه نحو الخصخصة بعد مرحلة صدام حسين والتى لم تکن إلا بمثابة نقل الملکية للقطاع الخاص وبالتوافق أثناء فترات تشکيل الحکومات وتقاسم الوزارات والمؤسسات حتى أن الفساد فى العراق يحمل سمة أنه عملية نهب عام ممنهجة([xxxii]).

لذا فى ضوء التفسير الثقافى بجانب التفسير الاقتصادى لطبيعة الدولة الريعية فى العراق قد تستطيع النخبة الحاکمة أن تسيطر على المجتمع وتخضعه لسلطتها، وتحقق القدرة على استيعاب الانتماءات الأولية وتجاوزها تارة، وتخفق فى عدم القدرة أو الفاعلية تارة أخرى، بمعنى أن الوضع الاقتصادى المتدهور فى العراق لا يعبر عن سوء سياسات اقتصادية، بقدر ما يعبر عن نهج سياسى تسلکه القوى السياسية والحزبية منذ 2005.

  1. عامل القيادة السياسية وتغيرها:

تعمدت الولايات المتحدة تسييس المکونات والانتماءات الأولية الطائفية (دينية، عرقية، قبلية، عشائرية)، ورغم أن هذه التکوينات والانتماءات لها جذورها فى المجتمع العراقى، فإن الولايات المتحدة الأمريکية عمقت الصراعات فىما بينها، وذلک من خلال سياسات وممارسات عديدة، منها: ترسيخ المحاصصة الطائفية فى ترکيبة بعض المؤسسات السياسية التى تم تشکيلها فى مرحلة ما بعد صدام حسين، بل وترسيخها فى بنية الدستور العراقى الجديد 2005، الأمر الذى أسهم فى إحياء وتعميق الانتماءات الأولية على حساب الانتماء الوطنى، وأسهم ذلک فى خلق بيئات مواتية لتمدد ظاهرة الميلشيات المسلحة والتنظيمات الجهادية الإرهابية مثل داعش وغيره([xxxiii]).

فوفقا للدستور الفيدرالى الحالى فى العراق تم توزيع المناصب الرئيسية الثلاثة، وهي: منصب الرئاسة، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان، بين الطوائف الثلاثة الأکبر حجما ممثلين فى العرب السنة والشيعة والأکراد؛ حيث أن منصب رئاسة الوزراء، والذي يعد أهم المناصب الثلاثة نظرا إلى کون النظام السياسى العراقي نظاما برلمانيا، کان لصالح الطائفة الشيعية، بينما ذهبت رئاسة الجمهورية إلى الطائفة الکردية على الرغم من کونها أصغر الطوائف الثلاثة حجما، لکن قد نُرجِع ذلک إلى أن ذلک المنصب هو شرفى بالأساس فى النظم البرلمانية، لذلک تم إعطائه للطائفة الأصغر حجما، بينما أصبح منصب رئيس البرلمان للطائفة السنية([xxxiv]).

وببروز الأحزاب الطائفية انعکس تأثير المنظور الطائفى على القضايا الوطنية، وقد قامت هذه الأحزاب بدورها بتعميق الشعور والإنتماء الطائفى، لکي تصبح الطائفة کتلة إجتماعية سياسية تقاد وفقا لشعارات وزعامات طائفىة. کما أنها تبنت نظاما إنتخابيا يقوم على التمثيل النسبي، وتم إعتبار العراق دائرة إنتخابية واحدة، مما يشجع الطائفية ويعزز الإنقسامات الإثنية والمذهبية، وذلک لأن هذا النظام يسمح للمناطق المختلفة فى أن تتنافس بقوة ضد بعضها البعض من أجل التمثيل فى الحکومة، کما تعتمد نسبة تمثيل طائفة معينة فى البرلمان على مدى مشارکة هذه الطائفة فى الإنتخابات، ومن ثم فإنه إذا قامت طائفة معينة بالإشتراک بنسبة تقل کثيرا عن نسبتها إلى باقي الطوائف المختلفة فإنها لن تحصل على التمثيل، وبالتالي فقد هدفت الولايات المتحدة إلى إقامة هذا النظام لتعزيز الطائفية([xxxv]).

   کما أن هناک تغير بين طبيعة العنف الطائفى خلال الاحتلال الأمريکي عن فترة ما قبله فى العراق من حيث وجود إستقرار نسبى خلال فترة صدام، ثم حدوث تدهور فى الإستقرار المجتمعى مع بداية الاحتلال، إلى أن وصل الأمر لنشوب حالة من العنف الطائفى عام 2006. ويرجع ذلک إلى أن الاحتلال إتخذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي تقنن التعددية الطائفية، مما قد أثار ذلک شعور الأطياف المختلفة تجاه بعضها البعض([xxxvi]).

   يستخلص مما سبق أن وجود التعددية أو التنوع الدينى واللغوى والعرقى قد أثرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافىة فى العراق، فى ظل وجود قيادة سياسية ذات توجه قومى تدفع باتجاه بناء الدولة الوطنية التى ترفض الطائفية، وأن کانت قد استوعبت المکونات المجتمعية فى إطار قواعد اللعبة السياسية، لذا فأن توظيف هذا التنوع منذ دستور 2005 فى إطار الطائفية السياسية وتحويل النظام السياسى العراقى إلى نظام قائم على المحاصصة السياسية تستفىد منه القوى والأحزاب السياسية.

رابعا: تداخل العوامل الداخلية والخارجية

إن الاحتلال الأمريکى والسياسات التى طبقتها الولايات المتحدة الأمريکية وبفعل وجود البيئة الداخلية الحاضنة للصراع الطائفى وتحول ولاء الأفراد إلى الانتماءات الأولية والجماعات دون الدولة الوطنية، قد استطاعت أن تعمل على تغييب فاعلية الدولة وقدرتها، فقد ترکّزت مقاربة بناء الدولة فى العراق حول إيجاد ممثلين طائفىين أکثر من ترکيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية المستحکمة فى القواعد والممارسات الخاصة بالعملية السياسية. مما انعکس سياسيا على التوتّر بين المستويات المرکزية والفيدرالية، وتشکيل النخبة السياسية، ومستويات المشارکة الانتخابية وطبيعة الثقافة السياسية السائدة سواء على مستوى النظام السياسى أو فى أوساط شعبية متعددة ما بين الطائفية والديمقراطية، کما تتصارع القوى والأحزاب الطائفية على السلطة والموارد والمکانة السياسية، واجتماعيا تزداد الانقسامات الطائفية عمقاً، واقتصاديا تترسّخ تأثيرات السلطوية القائمة على الاقتصاد الريعي وسياسة الإقصاء أکثر فأکثر وانتشار الفساد([xxxvii]).

وثمة تداخل فى العوامل الداخلية والخارجية فى تکريس الطائفية فى دولة العراق. ومن مظاهر ذلک ما يلى:

  • ·          إن مساعي الحکومات المتعاقبة لم يکن لها أي تأثير فى المصالحة الوطنية أو تهدئة أعمال العنف الطائفى([xxxviii]).
  • ·          يميل النظام الانتخابي الحالي لصالح المنافسة فى الدوائر الانتخابية الکبيرة([xxxix]).
  • ·    لايزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة والأکراد وکذلک بروز تنظيم داعش يهدّد استقرار العراق وديمقراطيته الهشَّة، وعند تتبع واقع العراق باستثناء إقليم کردستان سيتبين أنه لم يعرف الاستقرار منذ الاحتلال الأمريکى فى ١٠ أبريل 2003([xl]).

هکذا ترتب على الاحتلال الأمريکى للعراق وتفاقم الطائفية السياسية وتعدد الصراعات الداخلية تعطيل فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما وأن خطط إعادة الإعمار لم تحقق الأهداف المرجوة منها، نظرا لما شابها من فساد وجوانب قصور ومشکلات طالت التمويل وترتيب الأولويات وتنفيذ المشروعات وممارسة الرقابة والمحاسبية، کما تفاقم الإحساس بانعدام الأمن وتفشى الفقر([xli]).

يظهر جليا مما سبق أنه هيکل وتفاعلات النظام السياسى وصنع السياسة العامة واتخاذ القرارات فى العراق قد تأثرت جميعا بالطائفية السياسية والتى عمد لتأجيجها الاحتلال الأمريکى وترسخت فى الممارسة والسياسات التى تتبعها النخب والقوى السياسية ذات المصلحة من وجود النزعة الإثنية أو الطائفية، فقد فشلت النخب السياسية العراقية المتعاقبة فى تطوير نظام للحکم شامل للجميع يمانع الانقسامات الداخلية، والحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم والانغماس فى الهويات الطائفية، أذ لعب التدخل الأجنبي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد لعبت دورها فى جعل شعب العراق أقل اندماجا وانتماءٍ لفکرة الدولة، الأمر الذي نجم عنه ضعف الکيانات السياسية القائمة ذاتها.

ومع تولى الرئيس الأمريکى جو بايدن هناک تطلعات إلى انتهاج الإدارة الأمريکية الجديدة سياسة تدعم الحوار والاعتدال وتعزز الاستقرار فى العراق.

 

 

المحور الثالث: انعکاسات الطائفية السياسية على فاعلية الدولة العراقية:

إن أزمة الطائفية السياسية تؤثر على جوهر فکرة الدولة ذاتها، وتهيأ لها الشروط التى توفرها  ممارسات الدولة المختلفة عبر مؤسساتها المختلفة، بمعنى آخر أن ثقافة النظام السياسى يمکن أن تصبح هي الثقافة السائدة فى المجتمع، وتسمح بتجدد النخب السياسية، بالإضافة إلى قضايا ومحتوى السياسات الداخلية والخارجية العامة، وسلوک النظام ودينامياته قد تکون أما عوامل لإشعال الطائفية أو محددات للبناء الديمقراطى السليم. ومع الترکيز على الأداء الحکومى، والأداء التشريعى، والقضاء، والقدرة على مواجهة المشکلات السياسية والاقتصادية، والقدرة على الحد من الفساد، وغير ذلک، وسوف يتم استعراض واقع فعالية الدولة العراقية وقدرتها فى ظل الطائفية السياسية، ومن ثم الانعکاسات على الانتخابات العامة الأخيرة فى 2018.

أولا: تداعيات الطائفية السياسية على الأداء المؤسسى

أدت الطائفية السياسية إلى تواضع فاعلية الدولة، ويظهر ذلک جليا من خلال أداء النظام السياسى والحکومات المتعاقبة فى العراق منذ دستور 2005، والذى وضع فى ظل الاحتلال الأمريکى، وتدنى قدرة الدولة على تلبية الإحتياجات العامة لمواطنيها، وضعف الوظائف الأمنية والاقتصادية.

  1. الأداء البرلمانى:

انعکســت المحاصصة علــى أداء الســلطة التشــريعية فى ضعف ممارسة الدور الرقابى، لتقــود إلــى عــدم إدراک البرلمانييــن للفصــل بيــن الســلطات وتدخلهم فى عمل الســلطة التنفىذية، مما ولــد عمليــة ضغــط قصــوى ضمــن مفهــوم المحاصصــة علــى الســلطة التنفىذيــة بمــا يحقــق المصالــح الحزبيــة أو الفئويــة، وهــذا أفقــد البرلمــان قدرتــه علــى ممارســة دوره الرقابــي الســليم علــى أداء الحکومــة العراقيــة، وقد أدى ذلــک إلى ســن البرلمــان لقوانيــن تتعــارض مــع الدســتور العراقــي ولا تتفق مع التوزيع العادل للموارد والمصلحة العلىا للبلاد، مثــل قانــون الموازنــة، وحصــة کردســتان فىــه، وتحکمهــا فى الــواردات النفطيــة علــى حســاب الحکومــة الاتحاديــة حيث تحصل الدولة فقط على ما يعادل قيمة (250000) برميل، فى حيــن الدســتور ينص علــى توزيــع الــواردات، وبــأن النفــط والغــاز ملــک لــکل العراقييــن([xlii]).

 

  1. الأداء الحکومى:

تولــد الحکومــات العراقية المتعاقبة الحالية وســط مشــکلات بنيويــة، وفى بيئــة سياسية مضطربــة، تقوم على المحاصصــة التــي تکونــت فى هيــکل النظــام وبنيته وتفاعلاتــه، مــن خــلال اقتســام الســلطة وفــق أســس طائفية-عرقيــة، وتفاهــم بيــن النخــب الحاکمــة يلزمهــم باحتکار الســلطة، ممــا جعــل النظــام يخضــع إلــى عملية دوران النخب والقوى السياسية نفســها، يکــون نظــام اوتقراطــي أقرب منــه إلــى نظام ديمقراطــي على الرغــم مــن وجــود الأســس الديمقراطيــة التــي يرتکــز عليهــا، فعانت الحکومات العراقية المتعاقبة من تدنى قدراتها على تلبية الاحتياجات الأساسية. ولم تقتصر المحاصصة علــى الجانــب الداخلــي، بــل أصبحــت خارجيــة، فالحکومــات التــي تعاقبــت لــم تصــل إلــى الســلطة إلا فى ضــوء هــذه المحاصصــة الإقليمية-الدوليــة، وأي إخــلال بهــا، ســينعکس علــى الاســتقرار السياسى. ليتصــدر المشــهد التدخــلات الأمريکيــة - الإيرانيــة وصراعاتهمــا وتوافقاتهمــا علــى الســاحة العراقيــة([xliii]).

  1. الأداء الاقتصادى:

توضح المؤشرات المالية الراهنة أن الدخل القومى العراقى لا يغطى إلا أقل من نصف حاجاتها المالية مما دفع هذا العجز أن يؤدى إلى تأجيل الحکومة لالتزاماتها المالية المباشرة بما فىها الاستثمار الداخلى ودفع رواتب موظفى الدولة والتوجه إلى الدين العام الداخلى والخارجى وتعطيل فرص التنمية فى العراق. يذکر أنه قد بلغت المتحصلات والعائدات النفطية طول عام 2019 تصل إلى (6.5) مليار دولار شهريا يضاف إليها ما يزيد على مليار دولار شهريا غير نفطية، وکانت موازنة الدولة العامة تزيد عن (100) مليار دولار وتغطى کل حاجات الدولة المالية ولکن على أثر انهيار أسعار النفط وتراجع الانتاج العراقى بسبب اتفاقية الدول المنتجة والمصدرة للنفط "الأوبک" فى ظل کورونا مما خفض الانتاج العراقى إلى ما يقارب النصف، أدى ذلک إلى تفاقم العجز المالى العراقى. کما يذکر أنه فى ديسمبر من العام 2020 خفض البنک المرکزى قيمة الدينار العراقى مقابل الدولار الأمريکى. 

تجدر الإشارة إلى أن الموزانة العامة للعام المالى الحالى 20/ 2021 تتضمن اتجاهين متنقاضين أولهما يتمثل فى اتجاه انکماشى قائم على تقليص الرواتب لما يقرب من أربعة ونصف مليار دولار أمريکى، والآخر توسعى لأغراض استهلاکية غير انتاجية وبشکل يفوق الاتجاه الانکماشى، کما هناک مؤشرا لارتفاع الاقتراض الداخلى العام([xliv]).

يتضح مما سبق أن السياسات والممارسات التى اتخذها النظام السياسى العراقى قد أدت إلى التدهور الاقتصادى وما تزال الکثير من هذه السياسات الطائفية قائمة إلى الآن فى الدولة العراقية.

ثانيا: بروز التهديدات الأمنية والأزمات المجتمعية

   يعانى العراق من العجز عن مواجهة الفساد السياسى والإدارى، وتواضع المجتمع المدنى الفعال، وبروز التهديدات الأمنية الداخلية، کما أظهرت تواضعا إلى حد ما فى مواجهة جائحة کورونا، ويمکن استعراض ذلک على النحو التالى:

  1. العجز عن مواجهة الفساد السياسى والإدارى:

إن الاحتجاجــات التــي انطلقــت فى بدايــة أکتوبــر 2019 مدفوعة أساســا بالمطالــب الاجتماعيــة والاقتصادية، ورفض انتهــاکات الســيادة، وتعبر عن الســخط الشــعبي مــن ســوء تطبيق الحوکمــة، والرفــض العــام للفســاد المستشــري فى العديد من مؤسســات الدولــة، ففى مقيــاس مؤشــر مــدرکات الفســاد لعــام 2018 حقق العراق (18) درجة من (100) درجــة، وجــاء بالمرتبــة (168)([xlv]). وبالمثل کان العراق قد حصل على (18) درجة خلال العام (2017) وجاء بالترتيب (169) من أصل (180) دولة، وأشار التقرير بأنّ العراق تعد من أسوأ الدول أداءًا على مؤشر الفساد العالمي، حيث تعاني من مؤسسات عامة ضعيفة، ونزاعات داخلية وحالة من عدم الاستقرار العميقة. مؤکداً أن هذه الظروف تعزز من انتشار الفساد الذي يساهم بدوره فى إضعاف الدولة والقضاء على کافة أشکال الحوکمة الرشيدة. وبسبب تفکيک بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها السياسية الرئيسة وما ترتب على ذلک من فراغ سياسى وأمنى وغياب سيادة القانون وتصاعد أعمال العنف والإرهاب وغياب أو ضعف المؤسسات وآليات المراقبة والمساءلة، وتکالب النخب على المصالح الشخصية والطائفية الضيقة بسبب کل ذلک وغيره استشرى الفساد فى العراق وتغلغل فى کثير من الأجهزة والمؤسسات لدرجة أنه تحول إلى مؤسسة ضخمة ونافذة. وقد طال هذا الفساد الجيش العراقى الجديد، والمؤسسات الأمنية. وعلى خلفىة ذلک، فقد جاء العراق ضمن قائمة أسوأ الدول من حيث انتشار الفساد کما أشرنا آنفا([xlvi]).

  1. غياب المجتمع المدنى العراقى:

شکل غياب المجتمع المدنى معوقاً رئيسياً للتحول الديمقراطى، ويُفسر ذلک بسبب السلطوية الفردية التى سادت العراق لعقود من الزمن، وکذلک بسبب الغزو الأمريکى للعراق وما أسهمه هذا الاحتلال من تدمير البنية التحتية والمرافق العامة، کما أسهم فى تدمير رأس المال البشرى للمجتمع العراقى فى ظل تغذية النزعات والصراعات الطائفية فى العراق، وقد اصبحت منظمات المجتمع المدنى مجرد امتدادات للتکوينات العرقية والطائفية([xlvii]).

  1. العجز عن مواجهة جائحة کورونا:

    استحکمت أزمة صحية وطبية ناجمــة عــن عــدم کفايــة الاســتجابة لمواجهــة جائحــة کورونا کوفىد-19، وإذا کانت الجائحة قد خففــت مــن حــدة الاحتجاجــات لکن لــم تنههــا([xlviii])، وقد شــهدت الأرقــام ارتفاعــا ملحوظــا فى الإصابــات اليوميــة لاســيما منــذ بدايــة يونيــو 2020، إذ تجاوز المؤشــر الألــف إصابــة يوميــا، ناهيک عن عودة موجة ثانية من الوباء يهدد مرة أخرى باکتظــاظ المستشــفىات، ولجــوء الحکومــة إلــى العــزل المناطقــي، وتفاقم معانــاة القطــاع الصحــي نتيجــة نقــص التمويــل وســوء الخدمــات([xlix]).

  1. التهديدات الأمنية:

    فى الجانــب الأمنــي تواجــه العراق تهديدات الإرهاب والعنف وإنعدام الشعور بالأمن، حيث أن  التحــدي الأبــرز أمــام الحکومــات العراقية، والــذي لــه صلــة وثيقــة بالاســتحقاقات الأمنيــة والسياسية وحتــى الاقتصادية، هــو کبــح جمــاح الجماعــات المســلحة فى البــلاد فبعضهــا ينافــس ويتحدى سلطة الدولة، فالمهمــة الحکومية الرئيســة تتجســد بضبــط حرکــة وســلوکيات الفواعــل غيــر الحکوميــة (مــن فصائــل وجماعــات مســلحة)، کما باتت هذه القوى تمتلک قــوة عســکرية کبيــرة ودورا منحهــم حريــة الحرکــة والفعــل والتأثيــر والنفوذ على على المستوى السياسى، وأمنيــا فالحکومــة الحالية تحتــاج إلى بســط ســلطتها على قوات الأمــن العراقيــة مــن أجــل تحقيــق الاســتقرار الحقيقــي فى البــلاد، فالعــراق مثقــل بوجــود عــدة وحــدات شــبة عســکرية مختلفــة تضعف من قوة الدولة، ويرجــع ذلــک جزئيــا جيشــه النظامــي، اذ تــم تفکيــک الجيــش النظامى العراقــي فى 2003 کجــزء من سلوک الغــزو الأمريکــي فى عمليــة إزالــة إرث نظام صدام حسين، وإعادة بناءه بعد ذلک([l]). غيــر أنــه کان لا بــد مــن تدعيم وتقوية الجيــش بعــد أن انهــار فى وجــه هجــوم تنظيــم الدولــة الإســلامية بالعراق وبلاد الشام  (داعش) عام 2014. إلا أنه تــم  إنشــاء قوات الحشــد الشــعبي، الــذي نظــم بقانــون 40 لسنة 2016 ولها أجنحة سياسية موالية لإيران، ليبــرز هنــا دور الفصائــل والميليشيات المســلحة الشيعية فى مواجهة الإرهاب خاصة فى حرب تنظيم داعش([li]). ممــا يعمق من وجود الميلشيات المسلحة التى تضر بالشأن العراقى العام.

هذا هو واقع العراق فى الظروف الراهنة فى ظل الطائفية السياسية التى عمدت الولايات المتحدة إلى إشعالها بغزوها للعراق، وساعدها فى ذلک وجود بيئة مؤاتية لاندلاع الأزمة الطائفية، أذن؛ تعد ظاهرة الطائفية السياسية فى العراق هى بمثابة ظاهرة اجتماعية تاريخية مصطنعة وليس متأصلة، حرکتها التدخلات الخارجية، ووجدت فى ظروف التخلف السياسى والتراجع الاقتصادى. ولمواجهة هذه الظاهرة لا بد من وجود قوى ديمقراطية تؤمن بالقيم التى تعنى بالعدالة والحرية والمساوة، وتعلى من التسامح الدينى والفکرى والسياسى ونبذ العنف، والتصدى للإرهاب والتطرف الراديکالى، وشيوع ثقافة سياسية مشارکة وإيجابية، وفک الارتباط والتبعية للقوى الکبرى والإقليمية أو تخفىف حدة التدخلات الخارجية. وصولا لعقد اجتماعى جديد فى العراق يقوم على الحوکمة وحسن إدارة شئون الدولة والمجتمع. أنها عملية طويلة ومعقدة للغاية بلا شک.

ومن الضرورى أن تتخذ دولة العراق إجراءاتٍ طويلة الأمد لخلق مؤسسات شفافة ومسؤولة، وتحسين السياسات العامة ومحاربة الفساد، والسماح للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني بالمشارکة الفعالة فى هذا الدور.

ثالثا: آفاق التطور الديمقراطى وفاعلية الدولة فى العراق

   تختلف تجربة الانتخابات البرلمانية والبلدية فى الدول والمجتمعات الطائفية عن باقى الدول، کون هذه الدول تعانى من اقتتال أو صراعات حادة وتمر بأزمات تقاسم القوة السياسية بوجهيها (السلطة والنفوذ). مما يعنى تأثير المحاصصة الطائفية على عملية المشارکة السياسية. ويمکن إيضاح ذلک فى ضوء الانتخابات التشريعية  السابقة التى جرت فى مايو 2018 في العراق.

يتکون المجلس التشريعى العراقى من (329) عضوا وبدوره ينتخب مجلس النواب کل من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية العراقيين. وتعد انتخابات 2018 هى الرابعة منذ الاحتلال الأمريکى للعراق فى 2003 وبعد دستور 2005، وثانى انتخابات تشريعية منذ الانسحاب الأمريکى فى 2011، وقد جرت الانتخابات السابقة بصورة منتظمة دوريا ما بعد الاحتلال فى سنوات: 2006، 2010، 2014، وربما سبب ذلک هو حرص النخب الطائفية الجديدة على الحفاظ على مکانتها ومکاسبها السياسية ما بعد سقوط نظام صدام حسين([lii]).

   يسجل العراق انخافضا فى نسب المشارکة فى الانتخابات التشريعية حيث کانت فى الانتخابات الدورية السابقة 2006، 2010، 2014 هى 76.4% و62.4% و60% على التوالى، وهکذا يمکن تفسير وفقا للعوامل الطائفية وتداعياتها على الحياة السياسية فى العراق([liii])، حيث سجلت الانتخابات التشريعية الأخيرة فى 2018 انخفاضا ملحوظا وجاءت المشارکة الانتخابية بنسبة 44.52% فقط([liv]).

ومن الأسباب المفسرة لتراجع نسبة أو معدل المشارکة الانتخابية بشکل واسع فى الانتخابات التشريعية الأخيرة ما يلى:

-    فقدان الأمل عند أغلب المواطنين العراقيين بعدم الجدوى من المشارکة فى الانتخابات فى ظل استمرار تردى الأوضاع وتفاقم الأزمات والمعاناة فى الخدمات والمرافق العامة،

-    ظاهرة الفساد المالى والإدارة وسيطرة بعض الأحزاب السياسية والنخب بعينها (عدم تدوير النخبة السياسية) على وزارات وهيئات مما يعنى تکرار نفس الوجوه مع کل استحقاق انتخابى أو تعديل وزارى،

-    حالة التشرذم والانقسام السياسى المستمرة بين الأحزاب والقوى السياسية عينها، وتفضيل بعض قيادات هذه القوى مصالحها الشخصية الضيقة،

-    عدم تجاوب المواطنين مع دعوات المرجعية الدينية لذهاب الناخبين إلى مراکز الاقتراع وانتخاب الوجوه الجديدة ومن يشهد لهم بالکفاءة والنزاهة، وعدم انتخاب من يراهم الشعب فاسدين، وعدم القبول بالاملاءات الخارجية لبعض الشخصيات والنخب السياسية، ويرجع عدم التجاوب إلى أن عمليات الانتخاب والاختيار تنحصر بصورة مغلقة فى ظل الطائفية السياسية([lv]).

تجدر الإشارة أن هذه الانتخابات قد فازت بها کتلة "سائرون" بزعامة السيد "مقتدى الصدر" بواقع 54 مقعدا نيابيا، والحصول على أکبر عدد من المقاعد، وهنا توجد ملحوظة فريدة لا تتکرر فى الشأن العراقى کثيرا، وهى أن السيد (الصدر) لم يترشح فى هذه الانتخابات، ولسبب ذلک وبرغم زعامته للکتلة الفائزة لکن لا يمکن أن يترأس الحکومة، وهنا تظهر جليا علاقات النفوذ (أو القوة السياسية فى شکلها غير الرسمى) حيث أن زعيم التيار الصدرى وبرغم عدم توليه مناصب فى السلطة السياسية العراقية، لکنه يمتلک نفوذا شعبيا ومرجعيا ووطنيا واسعا، کما أنه يحظى بالقبول والاحترام من الشعب العراقى([lvi]).

تجدر الإشارة إلى أنه، وبسبب الأزمات السياسية وخاصة فى ظل مظاهر الطائفية السياسية وتشابکاتها الداخلية والإقليمية والدولية، ووجود سخط شعبى على الحکومة الحالية،  شهدت العراق انتخابات برلمانية مبکرة، فى أکتوبر 2021. فاز في هذه الانتخابات التيار الصدرى بالأکثرية النيابية بعدد (73) مقعدا من أصل (329) مقعدا يتکون منها البرلمان العراقي، ويعزو ذلک إلى فهم هذا التيار السياسى "مزاج الشارع العراقى" واستفادته من سلبية "کتلة الأغلبية الصامتة" وقدرته على إدارة العملية الانتخابية مرة تلو الأخرى، فهو التيار الوحيد بين کل القوى السياسية في العراق الذي يحصد تصاعديا المزيد من المقاعد في البرلمان([lvii]).

الخاتمة:

تتحول الطائفية السياسية إلى خطر حقيقي يهدد التجانس الاجتماعي وکيان الدولة، إذ تقترن الطائفية فى حالتها السياسية بضعف الاندماج فى المجتمع بسبب قيام الجماعات ذات الانتماءات الأولية المختلفة بإعلاء قيمة الهويات الفرعية، وهو ما يجعلها مع مرور الوقت غير قادرة على الاندماج فى هوية وطنية واحدة تحقق الانسجام والاستقرار والتعايش السلمي فى ظل وطن ديمقراطي.

فى ضوء ما توصلت إليه الدراسة من نتائج تتعلق أساسا بمحاولة الإجابة على سؤال الدراسة الرئيسى وتساؤلاتها الفرعية، تبين وجود علاقة قوية بين الطائفية السياسية التى تشهدها الدولة العراقية، وبين ضعف فاعلية وقدرة هذه الدولة العراقية، حيث أن هناک تواضعا فى فاعلية الدولة من خلال نظامها السياسى والحکومات المتعاقبة منذ دستور 2005، والذى وضع فى ظل الاحتلال الأمريکى وسياسات تکريس الطائفية، وتدنى قدرة الدولة على تلبية الإحتياجات العامة لمواطنيها، وضعف الوظائف الأمنية والاقتصادية حتى کتابة هذه الدراسة عام 2021. ويتضح من ذلک أن التشخيص الأکثر ملاءمة لأزمة الدولة فى العراق هو تضافر المحاصصة الطائفية مع التدخلات الخارجية، فالعاملان أديا إلى بلوغ البلاد المأزق الذى تراوح فيه.

کما اتضحت صحة فرضية الدراسة، إذ تعتبر الطائفية السياسية من أبرز الأزمات التى تواجهها دول الجنوب بشکل عام، والعراق بصفة خاصة فى مراحل تطورها السياسية، حيث أنه فى ظل تقاسم طائفى للسلطة والنفوذ، تواجه الحکومات العراقية المتعاقبة أزمات عدة تتعلق بمرحلة الإعمار والإصلاح السياسى، والتحديات الأمنية وبروز تنظيم داعش الإرهابى، وقد ظهر أن الطائفية السياسية قد انعکست أيضا على تعطيل مؤسسات الدولة العراقية وتسترها على الفساد السياسى والمؤسسى، ومن ثم إضعاف الأداء الحکومى وإعاقة مؤسسات الرقابة على أداء دورها فى تطوير الجهاز الحکومى، وتردى سوء الأوضاع العامة وخاصة فى قطاع الصحة والمرافق الأساسية، وغيرها. وإذا استطاعت الدولة معالجة هذه الأزمة وتجاوز التحديات، کلما کان ذلک مؤشراً على فاعليتها.

فى ضوء ذلک يمکن تقديم عدة توصيات للخروج من أزمة الطائفية وتأسيس دولة وطنية حديثة کما يتطلع لها العراقيين والنظام الإقليمى العربى، وتقوم على مبادئ المواطنة والعدل والتنمية المستدامة، وذلک کما يلى:

  1. أهمية تطوير المؤسسات العراقية لسياسات وطنية وضوابط ومبادئ المواطنة العراقية بما يجعل الانتماء الأعلى للوطن العراقى، وهو ما يتطلب تطوير الخطاب الإعلامى وترسيخ ثقافة سياسية موحدة فى الممارسة السياسية الفعلية لتحقيق هذا الهدف فى العراق.
  2. ضرورة تطوير النخبة الحاکمة فى العراق من خلال إيجاد فاعلية سياسية (قوى وأحزاب سياسية وشخصيات) لديهم حد أدنى من القناعة بالديمقراطية وجدواها، ولديهم القدرة على بناء نوع من التوافق السياسىى لدرء مخاطر الطائفية والمحاصصة السياسية. 
  3. اعتراف الفاعلىن السياسىين العراقيين بالتعددية الإثنية والدينية واللغوىة والعشائرية وکل أنواع الانتماء الأخرى. ولکن فى إطار التنوع والاختلاف بمعنى استيعاب الدولة لکافة الانتماءات الأولية فى الجماعات السياسية المکونة للمجتمع.
  4. إقامة حوار جاد ضمن إطار ديمقراطى والبحث عن المصالح العامة دون التقيد بالمصالح الشخصية الضيقة أو مصالح الکتل السياسية وداعميها الخارجيين، وبناء أطر سليمة للحوکمة وإدارة الموارد ومکافحة الفساد وتشريعات تواجه تعارض المصالح.
  5. ثمة حاجة ماسة إلى إجراء تعديلات دستورية، وتطوير نظام انتخابى وتقسيم الدوائر الانتخابية يتسم بالانصاف للتکوينات الاجتماعية وفئات المجتمع العراقى، على أن يکون نظام حر وعادل ونزيه.
  6. ضرورة تجديد الحياة الحزبية والسياسية، مع إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية، وتوزيع السلطة على أساس الجغرافيا وليس على أساس الهويات الطائفية والإثنية.
  7. إعادة الاعتبار للثقافة والقيم المدنية ودعم منظمات المجتمع المدنى.
  8. تصدى الحکومة للمشکلات الداخلية المعقدة التى ترهق کاهل العراقيين وعلاجها وإيجاد حل لها، وبما يساهم فى مواجهة ظاهرة الهجرة والنزوح للعراقيين.
  9. الاستمرار فى مواجهة تنظيم داعش فکريا وأمنيا، والتحوط عسکريا لتمددها مرة أخرى من خلال الجوار السورى أو الترکى، والحيلولة دون استفادة تنظيم داعش من ظاهرة الطائفية أو يجد هذا التنظيم الإرهابى حاضنة مجتمعية فى بعض الطوائف السياسية.
  10. فى ظل بيئة إقليمية ودولية مضطربة وغير مستقرة، من الضرورى أن يتم إعادة تعريف وتحديد العلاقات والتوازنات الخارجية مع دول الجوار خاصة إيران وترکيا والدول الخليجية العربية، وکذلک التشاور مع الإدارة الأمريکية الجديدة مع الحرص على الاستقلالية فى إدارة الشأن الداخلى.
  11. الأخذ بمبادئ فاعلية الدولة فى الإدارة العامة من خلال إعمال القانون وقيم الجدارة والاستحقاق وتطبيقها فى المناصب العامة للدولة، والحرص على تطوير المؤسسات العامة کمتطلب وطنى، وعدم التسامح مع الفساد استناداً إلى أى مبرر.   

 



[i] Skocpol, Theda, Bringing the State Back in: Strategies of Analysis, in: Evans, B. Peter, Rueschemeyer and Skocpol, Theda "eds."; Bringing the State Back in, Cambridge: Cambridge University Press, 2012, p.p 4-5.    

[ii]  Evans, B. Peter, Predatory, Developmental and Other Apparatuses: A Comparative Political Economy Perspective on the Third World Stat. Sociological Forum, Vol. 4, No. 4, 1989, p.p 563-565.

[iii] على الدين هلال، الانتقال إلى الديمقراطية: ماذا يستفىد العرب من تجارب الآخرين؟، عالم المعرفة، (الکويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، العدد 479، ديسمبر 2019)، ص 134.

4 Jessop, Bop, The State: Post, Present and Future, Cambridge: Polity Press, 2016, p. 81.

[v] کينث برويت، الفاعلية السياسية: البعد السياسى فى ترکيب الشخصية، ترجمة: على عبدالرحيم صالح، شبکة العلوم النفسية العربية، د.ت، متاح على الرابط:

http://www.arabpsynet.com/Documents/DocAliPsychoPoliticalHits.pdf

[vi] Nay, Olivier. International Organisations and the Production of Hegemonic Knowledge: How the World Bank and The Helped Invent the Fragile State Concept. Third World Quarterly 35.2 2014, p.31.

[vii] Nay Olivier. Fragile and Failed States: Critical Perspectives on Conceptual Hybrids, International Political Science Review, 33.1 ,2013, p. 328.

[viii] عبد السلام متعب، النظام السياسي في العراق بين المحاصصة والطائفية منذ عام 1921-2003، بغداد: المعهد العراقي لحوار الفکر، مجلة حوار الفکر، العدد 14 ،يوليو2010، ص 174.

[ix] حسن موسى الصفار، الطائفية بين السياسة والدين، الدار البيضاء: المرکز الثقافي العربي، 2009، ص17.

[x] رشيد الخيون، ضد الطائفية : العراق: جدل ما بعد نيسان 2003، بيروت: مدارک للطباعة والنشر، 2011، ص 16

[xi] جمال سليم، النماذج الأربعة للدولة الحديثة: معضلة الاختيار، مجلة السياسة الدولية (الملحق)، (القاهرة: مرکز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 241، يوليو 2012).

[xii] جمال باروت، فى إعادة إنتاج الطائفية للطائفة: النظري والسوسيو- سياسي والتاريخي، مجلة عمران، (بيروت – الدوحة: المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 27، شتاء 2019)، ص 192.  

[xiii] رسمية محمد هادي، الطائفية السياسية فى العراق والحالة البديلة المطلوبة، مجلة الأکاديمية العربية، (کوبنهاجن: کلية القانون والسياسة، السنة 12، العدد 24، 2020)، ص ص 12-14.      

[xiv] المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، المســألــــة الطائفية وصـنـاعــــة الأقليات فى المشرق العربى الکبيـر، الدوحة: المؤتمــر العلمــي الســنوي الثالــث فى قضايا التحــول الديمقراطي (الورقة الخلفىة والملخصات)، فى الفترة من 13 إلى 15 سبتمبر 2014، ص 16.

[xv] محمد أحمد المقداد، أسس التحوُّل الديمقراطيّ فى الوطن العربى ومرتکزاته (الأردن: حالة الدراسة)، عمان: مجلة المنارة، معهد بيت الحکمة، جامعة آل البيت، المجلد13، العدد7، 2007، ص ص 81-82.

[xvi] فريدة بن جدة، إشکإلىات الانتقال الديمقراطى فى المجتمعات الطائفية، رسالة ماجستير غير منشورة، الجزائر: جامعة محمد بو ضياف بالمسيلة، کلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، 2019، ص 47.

[xvii] عزة جلال هاشم، الربيع العربى والتطور الديمقراطى: خبرة التاريخ وسؤال المستقبل، کراسات استراتيجية، مرکز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، المجلد 26، العدد 280، سبتمبر 2017، ص ص 25-26.

[xviii] ﺠﻤﻴل ﻫﻼل، لبنان ﻭالعراق ﻭﻤﻨﺎﻁﻕ السلطة الفلسطينية: ﻋﻭﺍﻤل ﺍﻻﺴﺘﻘﻁﺎﺏ، بيروت: ﻤﺭکز کارنيغى للشرق ﺍﻷﻭﺴﻁ، مؤسسة کارنيغى للسلام الدولى 2009، ص 8.

[xix] مصطفى کامل السيد، رفض الطائفية ومستقبل النظام السياسى فى لبنان والعراق، جريدة الشروق المصرية، 10/ 11/ 2019، دخول 25/ 1/ 2021، على الرابط التالى:

https://www.shorouknews.com/columns

[xx] وليد عبد جبر، إدارة التنوع الثقافى واستدامة التنمية فى المجتمعات الانتقإلىة: العراق أنموذجا، مجلة الآداب، (العراق: جامعة واسط، العدد 119، ديسمبر 2016)، ص ص 240-243.

[xxi] حيزية برکات، أزمة الهوية الطائفية فى العراق بعد الإحتلال الإمريکى، رسالة ماجستير، الجزائر: جامعة المسيلة، کلية الحقوق، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2016، ص ص 46-47.

[xxii] حارث حسن، الأزمة الطائفية فى العراق: إرث من الإقصاء، بيروت: مرکز کارنيغي للشرق الأوسط ، مؤسسة کارنيغي للسلام الدولي، أبريل 2014، ص 14.

[xxiii] ناظم نواف الشمرى، ظﺎھرة ﻋدم اﻻﺳﺗﻘرار اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻌراق وﺗداﻋﯾﺎﺗ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ، (العراق: الجامعة المستنصرية، کلية العلوم السياسية، د.ت)، ص ص 7-8.

[xxiv] مهند دويک، السياسة الخارجية الإمريکىة تجاه العراق فترة حکم الرئيس ترامب، فى؛ هادي الشيب، وسميرة ناصر (تنسيق وتحرير)، الشرق الأوسط فى ظل أجندات السياسة الخارجية الإمريکىة دراسة تحليلىة للفترة الانتقإلىة بين حکم أوباما وترامب، المرکز الديمقراطي العربى للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2017، ص ص 320-322.            

[xxv] Diamond, Larry, What Wrong in Iraq, Foreign Affairs, September/ October 2014, p.p 51-52

[xxvi] حارث حسن، التجربة التوافقية فى العراق: النظرية والتطبيق والنتائج، سياسات عربية، المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 23، نوفمبر 2016، ص 53.

[xxvii] ضاوية بوزريدة، الصراع الطائفى السني-الشيعي: مقاربات إدارة الصراع وحله (العراق نموذجا)، مجلة العلوم السياسية والقانونية، برلين: المرکز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية والسياسية والقانونية، العدد 6، يناير 2018، ص ص 377-379.

[xxviii] سازان سامان عبدالمجيد، تقييم النخبة لدور وسائل الإعلام العراقىة فى مواجهة الطائفية، رسالة ماجستير، (الأردن: جامعة البترا، کلية الإعلام، 2015)، ص ص 29-30.

[xxix] على عبد الهادى سالم، نحو استراتيجية فعالة للتنمية الاقتصادية فى العراق، الأنبار: جامعة الأنبار، کلية الإدارة والاقتصاد، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 4، العدد 9، 2012، ص 45.

[xxx] ﻧﺎﺟﻲ ﺣﺳﻳﻥ ﻋﻠﻲ، ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ ﺑﻳﻥ ﻣﺧﺎﻁﺭ ﺍﻻﻧﻬﻳﺎﺭ ﻭﺗﻧﻣﻳﺔ ﻣﺳﺗﺩﺍﻣﺔ، ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺗﺧﻁﻳﻁ، ﺩﺍﺋﺭﺓ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻣﺎﻟﻳﺔ، د.ت، ص 2.

[xxxi]   Breaking Out of Fragility: A Country Economic, Memorandum for Diversification and Growth in Iraq. International Development in Focus, in: https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/34416

[xxxii] مسائية DW: اقتصاد العراق المتعثر: قنبلة موقوتة، DW عربية، 5/ 2/ 2021، دخول: 6/ 3/ 2021، فى: http://www.dw.com/iraq/a-40655495

[xxxiii] Salim M. Jamel, The Impact of Post-Saddam: Iraq on the Cause of Democratization in the Arab World, International Journal of Contemporary Iraqi Studies, Vol. 6, No. 1, 2012, p. 32.

[xxxiv] ناظم نواف الشمرى، مرجع سابق، ص 10.

[xxxv] بن يمينة شايب الذراع، المؤثرات الأساسية لعدم الاستقرار السياسى فى المنطقة العربية، مجلة الأکاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، (الجزائر: الجزائر: کلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة حسيبة بن بوعلى – الشلف، العدد 21، يونيه 2019)، ص 113.

[xxxvi] أحمد بنيوب، الطائفية والتسامح والعدالة الانتقإلىة: من الفتنة إلى دولة القانون، (بيروت: مرکز دراسات الوحدة العربية، 2013)، ص17.

[xxxvii] ماهر القدارات، المظاهرات العراقىة 2019: هل تکون بداية تحقّق المشروع الوطنى وتجاوز نظام المُحاصصة الطائفى؟، المرکز العربى للبحوث والدراسات، 9/ 12/ 2019، تاريخ الدخول: 21/ 1/ 2021 ، على الرابط التالى: www.acrseg.org/41431#

[xxxviii] Hasan, Harith, New Shi’a Politics and the Maliki-Sadr Competition, MENASource, Atlantic Council, November 17, 2013.

[xxxix] International Crisis Group, Iraq’s Secular Opposition: The Rise and Decline of Al-Iraqiya, Middle East Report N.o. 127, July 31, 2012.

[xl] بن يمينة شايب الذراع، مرجع سابق، ص 116.

[xli] Wiechnik J. Stanly, After 15 Years of Conflict: Tracking Democratization: Insights for Planners, Parameters. Vol. 47, No. 1, spring 2017, p. 9.

[xlii] مستقبل الاستقرار فى العراق سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، Strategiecs Think Tank، 12/ 2/ 2019، تاريخ الدخول: 25/ 1/ 2021، على الرابط التالى: https://strategiecs.com/analyses

[xliii] مرکــز حوکمــة للسياســات العامــة: المؤشــر الوطنى للتحول الديمقراطــي فى العــراق 2018-2019، بغداد: الهاشمى للکتب الجامعية، 2020، ص 54.

[xliv] مسائية D W، مرجع سابق.

[xlv] مرکــز حوکمــة للسياســات العامــة: مؤشــر حوکمــة للتحــول الديمقراطــي فى العــراق 2017-2018: ديمقراطيــة متأرجحة، دار قناديــل، بغــداد، 2018، ص 71.

[xlvi] حسنين توفىق إبراهيم، خمسة عشر عاما على الغزو والاحتلال الأمريکى للعراق: فشل التحول الديمقراطى المفروض من الخارج، مجلة الديمقراطية، العدد 71، يوليو 2018، ص 45.

[xlvii] نصير محسن عبد الحسين، تغير منظومة القيم وأثره فى تهجير الأقليات الدينية بعد الاحتلال الإمريکى للعراق عام 2003، (العراق: جامعة القادسية، کلية الآداب، د.ت)، ص 7.

[xlviii] شــعلة المظاهــرات العراقىــة؟، بيروت: مرکــز کارنيغــي للشــرق الأوســط، مؤسسة کارنيغى للسلام الدولى، أبريل 2020، على الرابط التالى:

 https://carnegie-mec.org/diwan/81620

[xlix] ﻋﺎدل ﻋﺑد اﻟﺣﻣزة ﺛﺟﯾل، السياسة والأمن فى العراق: تحديات وفرص، عمان: مؤسسة فريدريش إيبرت، ودائرة المکتبة الوطنىة، يوليو 2020، ص ص 9-10.

[l] رانج علاء الدين، الطائفية والحوکمة ومستقبل العراق، مرکز بروکنجز الدوحة، العدد 24، أکتوبر 2018، ص 11.

[li] Frantzman J. Seth, Iraq’s New Prime Minister Needs to Take Control of His Security Forces, June 16, 2020, https://bit.ly/31gjGHj

[lii] خضر القرغولي، وإسراء علاء، أثر النظام الانتخابي فى تحقيق الاستقرار الحکومي: دراسة حالة العراق بعد عام 2005، مجلة قضايا سياسية، (العراق: الجامعة المستنصرية، کلية العلوم السياسية، العددان 39 و40، 2015)، ص ص 105-106.

[liii] Wimmer, Andreas, Democracy and Ethno-Religious Conflict in Iraq, Survival, Vol. 45, No. 4, Winter 2003, p.15.

[liv] مثنى العبيدى، توظيفات متعددة: ملامح تصاعد دور القبيلة فى الانتخابات التشريعية العراقىة، مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 22/ 4/ 2018.

[lv] علياء محمد، الانتخابات العراقىة: النتائج والتداعيات، مجلة الديمقراطية، العدد 71، يوليو 2018، ص 189.

[lvi] مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحولات جذرية: قراءة نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، (التقديرات)، 21/ 5/ 2018.

[lvii] ما بعد الانتخابات في العراق.. الصدر على المحک، DW عربية، 14/10/2021، متاح على الرابط: https://p.dw.com/p/41cyo

[1] Skocpol, Theda, Bringing the State Back in: Strategies of Analysis, in: Evans, B. Peter, Rueschemeyer and Skocpol, Theda "eds."; Bringing the State Back in, Cambridge: Cambridge University Press, 2012, p.p 4-5.    
[1]  Evans, B. Peter, Predatory, Developmental and Other Apparatuses: A Comparative Political Economy Perspective on the Third World Stat. Sociological Forum, Vol. 4, No. 4, 1989, p.p 563-565.
[1] على الدين هلال، الانتقال إلى الديمقراطية: ماذا يستفىد العرب من تجارب الآخرين؟، عالم المعرفة، (الکويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، العدد 479، ديسمبر 2019)، ص 134.
4 Jessop, Bop, The State: Post, Present and Future, Cambridge: Polity Press, 2016, p. 81.
[1] کينث برويت، الفاعلية السياسية: البعد السياسى فى ترکيب الشخصية، ترجمة: على عبدالرحيم صالح، شبکة العلوم النفسية العربية، د.ت، متاح على الرابط:
http://www.arabpsynet.com/Documents/DocAliPsychoPoliticalHits.pdf
[1] Nay, Olivier. International Organisations and the Production of Hegemonic Knowledge: How the World Bank and The Helped Invent the Fragile State Concept. Third World Quarterly 35.2 2014, p.31.
[1] Nay Olivier. Fragile and Failed States: Critical Perspectives on Conceptual Hybrids, International Political Science Review, 33.1 ,2013, p. 328.
[1] عبد السلام متعب، النظام السياسي في العراق بين المحاصصة والطائفية منذ عام 1921-2003، بغداد: المعهد العراقي لحوار الفکر، مجلة حوار الفکر، العدد 14 ،يوليو2010، ص 174.
[1] حسن موسى الصفار، الطائفية بين السياسة والدين، الدار البيضاء: المرکز الثقافي العربي، 2009، ص17.
[1] رشيد الخيون، ضد الطائفية : العراق: جدل ما بعد نيسان 2003، بيروت: مدارک للطباعة والنشر، 2011، ص 16
[1] جمال سليم، النماذج الأربعة للدولة الحديثة: معضلة الاختيار، مجلة السياسة الدولية (الملحق)، (القاهرة: مرکز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 241، يوليو 2012).
[1] جمال باروت، فى إعادة إنتاج الطائفية للطائفة: النظري والسوسيو- سياسي والتاريخي، مجلة عمران، (بيروت – الدوحة: المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 27، شتاء 2019)، ص 192.  
[1] رسمية محمد هادي، الطائفية السياسية فى العراق والحالة البديلة المطلوبة، مجلة الأکاديمية العربية، (کوبنهاجن: کلية القانون والسياسة، السنة 12، العدد 24، 2020)، ص ص 12-14.      
[1] المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، المســألــــة الطائفية وصـنـاعــــة الأقليات فى المشرق العربى الکبيـر، الدوحة: المؤتمــر العلمــي الســنوي الثالــث فى قضايا التحــول الديمقراطي (الورقة الخلفىة والملخصات)، فى الفترة من 13 إلى 15 سبتمبر 2014، ص 16.
[1] محمد أحمد المقداد، أسس التحوُّل الديمقراطيّ فى الوطن العربى ومرتکزاته (الأردن: حالة الدراسة)، عمان: مجلة المنارة، معهد بيت الحکمة، جامعة آل البيت، المجلد13، العدد7، 2007، ص ص 81-82.
[1] فريدة بن جدة، إشکإلىات الانتقال الديمقراطى فى المجتمعات الطائفية، رسالة ماجستير غير منشورة، الجزائر: جامعة محمد بو ضياف بالمسيلة، کلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، 2019، ص 47.
[1] عزة جلال هاشم، الربيع العربى والتطور الديمقراطى: خبرة التاريخ وسؤال المستقبل، کراسات استراتيجية، مرکز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، المجلد 26، العدد 280، سبتمبر 2017، ص ص 25-26.
[1] ﺠﻤﻴل ﻫﻼل، لبنان ﻭالعراق ﻭﻤﻨﺎﻁﻕ السلطة الفلسطينية: ﻋﻭﺍﻤل ﺍﻻﺴﺘﻘﻁﺎﺏ، بيروت: ﻤﺭکز کارنيغى للشرق ﺍﻷﻭﺴﻁ، مؤسسة کارنيغى للسلام الدولى 2009، ص 8.
[1] مصطفى کامل السيد، رفض الطائفية ومستقبل النظام السياسى فى لبنان والعراق، جريدة الشروق المصرية، 10/ 11/ 2019، دخول 25/ 1/ 2021، على الرابط التالى:
https://www.shorouknews.com/columns
[1] وليد عبد جبر، إدارة التنوع الثقافى واستدامة التنمية فى المجتمعات الانتقإلىة: العراق أنموذجا، مجلة الآداب، (العراق: جامعة واسط، العدد 119، ديسمبر 2016)، ص ص 240-243.
[1] حيزية برکات، أزمة الهوية الطائفية فى العراق بعد الإحتلال الإمريکى، رسالة ماجستير، الجزائر: جامعة المسيلة، کلية الحقوق، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2016، ص ص 46-47.
[1] حارث حسن، الأزمة الطائفية فى العراق: إرث من الإقصاء، بيروت: مرکز کارنيغي للشرق الأوسط ، مؤسسة کارنيغي للسلام الدولي، أبريل 2014، ص 14.
[1] ناظم نواف الشمرى، ظﺎھرة ﻋدم اﻻﺳﺗﻘرار اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻌراق وﺗداﻋﯾﺎﺗ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ، (العراق: الجامعة المستنصرية، کلية العلوم السياسية، د.ت)، ص ص 7-8.
[1] مهند دويک، السياسة الخارجية الإمريکىة تجاه العراق فترة حکم الرئيس ترامب، فى؛ هادي الشيب، وسميرة ناصر (تنسيق وتحرير)، الشرق الأوسط فى ظل أجندات السياسة الخارجية الإمريکىة دراسة تحليلىة للفترة الانتقإلىة بين حکم أوباما وترامب، المرکز الديمقراطي العربى للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2017، ص ص 320-322.            
[1] Diamond, Larry, What Wrong in Iraq, Foreign Affairs, September/ October 2014, p.p 51-52
[1] حارث حسن، التجربة التوافقية فى العراق: النظرية والتطبيق والنتائج، سياسات عربية، المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 23، نوفمبر 2016، ص 53.
[1] ضاوية بوزريدة، الصراع الطائفى السني-الشيعي: مقاربات إدارة الصراع وحله (العراق نموذجا)، مجلة العلوم السياسية والقانونية، برلين: المرکز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية والسياسية والقانونية، العدد 6، يناير 2018، ص ص 377-379.
[1] سازان سامان عبدالمجيد، تقييم النخبة لدور وسائل الإعلام العراقىة فى مواجهة الطائفية، رسالة ماجستير، (الأردن: جامعة البترا، کلية الإعلام، 2015)، ص ص 29-30.
[1] على عبد الهادى سالم، نحو استراتيجية فعالة للتنمية الاقتصادية فى العراق، الأنبار: جامعة الأنبار، کلية الإدارة والاقتصاد، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 4، العدد 9، 2012، ص 45.
[1] ﻧﺎﺟﻲ ﺣﺳﻳﻥ ﻋﻠﻲ، ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻲ ﺑﻳﻥ ﻣﺧﺎﻁﺭ ﺍﻻﻧﻬﻳﺎﺭ ﻭﺗﻧﻣﻳﺔ ﻣﺳﺗﺩﺍﻣﺔ، ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺗﺧﻁﻳﻁ، ﺩﺍﺋﺭﺓ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻣﺎﻟﻳﺔ، د.ت، ص 2.
[1]   Breaking Out of Fragility: A Country Economic, Memorandum for Diversification and Growth in Iraq. International Development in Focus, in: https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/34416
[1] مسائية DW: اقتصاد العراق المتعثر: قنبلة موقوتة، DW عربية، 5/ 2/ 2021، دخول: 6/ 3/ 2021، فى: http://www.dw.com/iraq/a-40655495
[1] Salim M. Jamel, The Impact of Post-Saddam: Iraq on the Cause of Democratization in the Arab World, International Journal of Contemporary Iraqi Studies, Vol. 6, No. 1, 2012, p. 32.
[1] ناظم نواف الشمرى، مرجع سابق، ص 10.
[1] بن يمينة شايب الذراع، المؤثرات الأساسية لعدم الاستقرار السياسى فى المنطقة العربية، مجلة الأکاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، (الجزائر: الجزائر: کلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة حسيبة بن بوعلى – الشلف، العدد 21، يونيه 2019)، ص 113.
[1] أحمد بنيوب، الطائفية والتسامح والعدالة الانتقإلىة: من الفتنة إلى دولة القانون، (بيروت: مرکز دراسات الوحدة العربية، 2013)، ص17.
[1] ماهر القدارات، المظاهرات العراقىة 2019: هل تکون بداية تحقّق المشروع الوطنى وتجاوز نظام المُحاصصة الطائفى؟، المرکز العربى للبحوث والدراسات، 9/ 12/ 2019، تاريخ الدخول: 21/ 1/ 2021 ، على الرابط التالى: www.acrseg.org/41431#
[1] Hasan, Harith, New Shi’a Politics and the Maliki-Sadr Competition, MENASource, Atlantic Council, November 17, 2013.
[1] International Crisis Group, Iraq’s Secular Opposition: The Rise and Decline of Al-Iraqiya, Middle East Report N.o. 127, July 31, 2012.
[1] بن يمينة شايب الذراع، مرجع سابق، ص 116.
[1] Wiechnik J. Stanly, After 15 Years of Conflict: Tracking Democratization: Insights for Planners, Parameters. Vol. 47, No. 1, spring 2017, p. 9.
[1] مستقبل الاستقرار فى العراق سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، Strategiecs Think Tank، 12/ 2/ 2019، تاريخ الدخول: 25/ 1/ 2021، على الرابط التالى: https://strategiecs.com/analyses
[1] مرکــز حوکمــة للسياســات العامــة: المؤشــر الوطنى للتحول الديمقراطــي فى العــراق 2018-2019، بغداد: الهاشمى للکتب الجامعية، 2020، ص 54.
[1] مسائية D W، مرجع سابق.
[1] مرکــز حوکمــة للسياســات العامــة: مؤشــر حوکمــة للتحــول الديمقراطــي فى العــراق 2017-2018: ديمقراطيــة متأرجحة، دار قناديــل، بغــداد، 2018، ص 71.
[1] حسنين توفىق إبراهيم، خمسة عشر عاما على الغزو والاحتلال الأمريکى للعراق: فشل التحول الديمقراطى المفروض من الخارج، مجلة الديمقراطية، العدد 71، يوليو 2018، ص 45.
[1] نصير محسن عبد الحسين، تغير منظومة القيم وأثره فى تهجير الأقليات الدينية بعد الاحتلال الإمريکى للعراق عام 2003، (العراق: جامعة القادسية، کلية الآداب، د.ت)، ص 7.
[1] شــعلة المظاهــرات العراقىــة؟، بيروت: مرکــز کارنيغــي للشــرق الأوســط، مؤسسة کارنيغى للسلام الدولى، أبريل 2020، على الرابط التالى:
 https://carnegie-mec.org/diwan/81620
[1] ﻋﺎدل ﻋﺑد اﻟﺣﻣزة ﺛﺟﯾل، السياسة والأمن فى العراق: تحديات وفرص، عمان: مؤسسة فريدريش إيبرت، ودائرة المکتبة الوطنىة، يوليو 2020، ص ص 9-10.
[1] رانج علاء الدين، الطائفية والحوکمة ومستقبل العراق، مرکز بروکنجز الدوحة، العدد 24، أکتوبر 2018، ص 11.
[1] Frantzman J. Seth, Iraq’s New Prime Minister Needs to Take Control of His Security Forces, June 16, 2020, https://bit.ly/31gjGHj
[1] خضر القرغولي، وإسراء علاء، أثر النظام الانتخابي فى تحقيق الاستقرار الحکومي: دراسة حالة العراق بعد عام 2005، مجلة قضايا سياسية، (العراق: الجامعة المستنصرية، کلية العلوم السياسية، العددان 39 و40، 2015)، ص ص 105-106.
[1] Wimmer, Andreas, Democracy and Ethno-Religious Conflict in Iraq, Survival, Vol. 45, No. 4, Winter 2003, p.15.
[1] مثنى العبيدى، توظيفات متعددة: ملامح تصاعد دور القبيلة فى الانتخابات التشريعية العراقىة، مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 22/ 4/ 2018.
[1] علياء محمد، الانتخابات العراقىة: النتائج والتداعيات، مجلة الديمقراطية، العدد 71، يوليو 2018، ص 189.
[1] مرکز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحولات جذرية: قراءة نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، (التقديرات)، 21/ 5/ 2018.
[1] ما بعد الانتخابات في العراق.. الصدر على المحک، DW عربية، 14/10/2021، متاح على الرابط: https://p.dw.com/p/41cyo