السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة العربية : دراسة فى أدوات القوة الناعمة وفعاليتها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس العلوم السياسية بمعهد أکتوبر العالى للاقتصاد- مدينة الثقافة والعلوم – 6 أکتوبر

المستخلص

تتناول هذه الدراسة مکانة وآليات وأدوات القوة الناعمة فى السياسة الروسية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية على وجه الخصوص؛ وحاولت معالجة والتحقق من الافتراض الرئيسى لها وهو : غلبة الترکيز على ابعاد القوة الصلبة العسکرية تحديدا في تدخلات روسيا وادوارها في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية؛ وتوظيف السياسة الروسية بالتوازي لأدوات القوة الناعمة في سعيها لتحقيق أهدافها.  وعرضت الدراسةملامح تغييرالسياسةالروسيةتجاه قضايا ومشکلات المنطقةالعربية،وذلک من خلال تحليل أهداف السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة؛ وأدوات القوة الناعمة التى اعتمدتها روسيا للوصول إلى أهدافها؛ وکذلک تقييم فاعلية کل أداة من هذه الأدوات وبيان أوجه القصور والخلل فيها .
وقد تم تقسيم الدراسة لعدة أقسام هى : أولا؛ والذى تضمن تعريف مفهوم القوة الناعمة وتمييزه عن المفاهيم المختلطة به مثل القوة الحادة والقوة الافتراضية أو القوة الإلکترونية والقوة الحيوية . ورصد القسم الثانى من الدراسة أهداف السياسة الروسية الجديدة فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية خلال الفترة بين عامى 2012 و2020. وعرض القسم الثالث؛ التصور الروسى لأدوات القوة الناعمة والتى ارتبطت إلى حد بعيد برؤية وأفکار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين علاوة على ضغوط البيئتين الدولية والإقليمية وعرض القسم الأخير من الدراسة لتطور مکانة وترتيب روسيا على مقياس القوة الناعمة فى الفترة بين عامى 2016 و2019. وکشفت الخاتمةة عن وجود عدة معوقات وقيود على فعالية أدوات القوة الناعمة للسياسة الروسية الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط عموما ومع الدول العربية على وجه الخصوص؛ غير أن السياسة الروسية الجديدة تمکنت من خلال الأستخدام والتوظيف الجيد لأدوات القوة الناعم ةحققت بعض المنجزات التى من أهمها : نجاح أدوات القوة الناعمة لاسيما تلک المتعلقة بجذب وتوطين الاستثمارات المشترکة فى قطاعى الطاقة وصناعة الأسلحة؛ واستعادة الصورة الإيجابية لروسيا لدى الشباب العربى؛ مما يشير إلى نجاح مساعى السياسة الخارجية الروسية فى عهد فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط فى إعادة تشکيل مواقف العرب تجاه روسيا بما يعزز من مکانتها کأکبر حليف دولي في المنطقة في الوقت الحاضر والمستقبل القريب.
الکلمات الدالة: السياسة الروسية؛ المنطقة العربية؛ القوة الناعمة؛ فلاديمير بوتين؛ الاقتصاد الروسى، مبيعات الأسلحة الروسية .
Abstract:
This study deals with the status, mechanisms and tools of soft power in the new Russian policy in the Middle East region in general and the Arab region in particular. And it tried to address and verify its main assumption, which is: the predominance of focus on the dimensions of military hard power, specifically in Russia's interventions and roles in the Middle East and the Arab region, but the analysis showed the use of Russian policy in parallel with soft power tools in its pursuit of its goals. The study presented the features and reasons for changing the Russian policy towards the issues and problems of the Arab region, by analyzing and explaining the objectives of the new Russian policy in the region; and soft power tools that Russia has adopted to reach its goals; As well as evaluating the effectiveness of each of these tools and indicating the shortcomings and defects in them.
The study was divided into several sections: First; Which included defining the concept of soft power and distinguishing it from concepts mixed with it, such as sharp power and virtual power or electronic power and vital power.
The second section of the study monitored the objectives of the new Russian policy in the Middle East and the Arab region during the period between 2012 and 2020. the presentation of the third section; The Russian perception of soft power tools, which is closely related to the vision and ideas of Russian President Vladimir Putin, in addition to the pressures of the international and regional environments. The last section of the study presented the development of Russia’s position and ranking on the soft power scale in the period between 2016 and 2019. The conclusion revealed the existence of several obstacles and restrictions on the effectiveness of the soft power tools of the new Russian policy in the Middle East region in general and with the Arab countries in particular. However, the new Russian policy was able, through the good use of soft power tools, to achieve some achievements, the most important of which are: the success of soft power tools, especially those related to attracting and settling joint investments in the energy and arms industry sectors; restoring the positive image of Russia among Arab youth in contrast to the decline or weakness of the image of the United States in 2015 and 2016, respectively, according to several public opinion polls in some Arab countries; This indicates the success of Russian foreign policy endeavors during the era of Vladimir Putin in the Middle East in reshaping Arab attitudes towards Russia, thus enhancing its position as the largest international ally in the region at present and in the near future.
Keywords: Russian politics; the Arab region; soft power; Vladimir Putin ; The Russian economy, Russian arms sales.

نقاط رئيسية

ودوائر التحرک والمناطق الجغرافية لعملها ونشاطها علاوة على الأدوات المستخدمة فى تنفيذ هذه السياسة؛ من قبيل : القوة الناعمة والقوة الصلبة والقوة الذکية فى تنفيذ المبادىء والأهداف والخطط والبرامج المتعلقة بالسياسة الروسية الجديدة([i]).

فقد أدرکت القيادة الروسية ممثلة فى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عقب انتخابه فى عام 2012 أن نمط التفاعلات فى النظامين العالمى والإقليمى وتغير الأوضاع الداخلية فى روسيا تفرض على صانع القرار الروسى وضع أهداف ومجالات عمل وأدوات جديدة ومتطورة للسياسة الخارجية الروسية فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عما کانت هذه السياسة فى الفترة بين عامى 2000 و2004 عندما تولى بوتين مقاليد الحکم فى روسيا لفترتين متعاقبتين([ii]) .



[i] ) من أبرز الدراسات التى تناولت السياسة الروسيية الجديدة فى عهد بوتين ما يلى :

 Steve Abrams,” Beyond Propaganda: Soviet Active Measures in Putin's Russia”, Connections , Vol. No. 1 (Winter 2016), pp. 7-12. & James Sherr, “Hard Diplomacy and Soft Coercion in Russia’s Neighbourhood”, in:The New East-West Discord: Russian Objectives, Western Interests, (Netherlands,Clingendael, Netherlands Institute of International Relations.2015). Pp.32-58.https://www.clingendael.org/sites/default/files/pdfs/The_New_East-West_Discord_JSherr.pdf

[ii] ) للمزيد من المعلومات وتحليل سمات السياسة الروسية فى الفترة بين عامى 2000 و2008 يمکن الرجوع إلى :

Richard Sakwa ,"New Cold War' or Twenty Years' Crisis? Russia and International Politics, International Affairs ,Vol. 84, No. 2 (Mar., 2008), pp. 241-267 .

الكلمات الرئيسية


السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة العربية :

 دراسة فى أدوات القوة الناعمة وفعاليتها

 

د.رضـا محمد هلال*

مستخلص

تتناول هذه الدراسة مکانة وآليات وأدوات القوة الناعمة فى السياسة الروسية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط عموما والمنطقة العربية على وجه الخصوص؛ وحاولت معالجة والتحقق من الافتراض الرئيسى لها وهو : غلبة الترکيز على ابعاد القوة الصلبة العسکرية تحديدا في تدخلات روسيا وادوارها في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية؛ وتوظيف السياسة الروسية بالتوازي لأدوات القوة الناعمة في سعيها لتحقيق أهدافها.  وعرضت الدراسةملامح تغييرالسياسةالروسيةتجاه قضايا ومشکلات المنطقةالعربية،وذلک من خلال تحليل أهداف السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة؛ وأدوات القوة الناعمة التى اعتمدتها روسيا للوصول إلى أهدافها؛ وکذلک تقييم فاعلية کل أداة من هذه الأدوات وبيان أوجه القصور والخلل فيها .

وقد تم تقسيم الدراسة لعدة أقسام هى : أولا؛ والذى تضمن تعريف مفهوم القوة الناعمة وتمييزه عن المفاهيم المختلطة به مثل القوة الحادة والقوة الافتراضية أو القوة الإلکترونية والقوة الحيوية . ورصد القسم الثانى من الدراسة أهداف السياسة الروسية الجديدة فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية خلال الفترة بين عامى 2012 و2020. وعرض القسم الثالث؛ التصور الروسى لأدوات القوة الناعمة والتى ارتبطت إلى حد بعيد برؤية وأفکار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين علاوة على ضغوط البيئتين الدولية والإقليمية وعرض القسم الأخير من الدراسة لتطور مکانة وترتيب روسيا على مقياس القوة الناعمة فى الفترة بين عامى 2016 و2019. وکشفت الخاتمةة عن وجود عدة معوقات وقيود على فعالية أدوات القوة الناعمة للسياسة الروسية الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط عموما ومع الدول العربية على وجه الخصوص؛ غير أن السياسة الروسية الجديدة تمکنت من خلال الأستخدام والتوظيف الجيد لأدوات القوة الناعم ةحققت بعض المنجزات التى من أهمها : نجاح أدوات القوة الناعمة لاسيما تلک المتعلقة بجذب وتوطين الاستثمارات المشترکة فى قطاعى الطاقة وصناعة الأسلحة؛ واستعادة الصورة الإيجابية لروسيا لدى الشباب العربى؛ مما يشير إلى نجاح مساعى السياسة الخارجية الروسية فى عهد فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط فى إعادة تشکيل مواقف العرب تجاه روسيا بما يعزز من مکانتها کأکبر حليف دولي في المنطقة في الوقت الحاضر والمستقبل القريب.

الکلمات الدالة: السياسة الروسية؛ المنطقة العربية؛ القوة الناعمة؛ فلاديمير بوتين؛ الاقتصاد الروسى، مبيعات الأسلحة الروسية .

Abstract:

This study deals with the status, mechanisms and tools of soft power in the new Russian policy in the Middle East region in general and the Arab region in particular. And it tried to address and verify its main assumption, which is: the predominance of focus on the dimensions of military hard power, specifically in Russia's interventions and roles in the Middle East and the Arab region, but the analysis showed the use of Russian policy in parallel with soft power tools in its pursuit of its goals. The study presented the features and reasons for changing the Russian policy towards the issues and problems of the Arab region, by analyzing and explaining the objectives of the new Russian policy in the region; and soft power tools that Russia has adopted to reach its goals; As well as evaluating the effectiveness of each of these tools and indicating the shortcomings and defects in them.

The study was divided into several sections: First; Which included defining the concept of soft power and distinguishing it from concepts mixed with it, such as sharp power and virtual power or electronic power and vital power.

The second section of the study monitored the objectives of the new Russian policy in the Middle East and the Arab region during the period between 2012 and 2020. the presentation of the third section; The Russian perception of soft power tools, which is closely related to the vision and ideas of Russian President Vladimir Putin, in addition to the pressures of the international and regional environments. The last section of the study presented the development of Russia’s position and ranking on the soft power scale in the period between 2016 and 2019. The conclusion revealed the existence of several obstacles and restrictions on the effectiveness of the soft power tools of the new Russian policy in the Middle East region in general and with the Arab countries in particular. However, the new Russian policy was able, through the good use of soft power tools, to achieve some achievements, the most important of which are: the success of soft power tools, especially those related to attracting and settling joint investments in the energy and arms industry sectors; restoring the positive image of Russia among Arab youth in contrast to the decline or weakness of the image of the United States in 2015 and 2016, respectively, according to several public opinion polls in some Arab countries; This indicates the success of Russian foreign policy endeavors during the era of Vladimir Putin in the Middle East in reshaping Arab attitudes towards Russia, thus enhancing its position as the largest international ally in the region at present and in the near future.

Keywords: Russian politics; the Arab region; soft power; Vladimir Putin ; The Russian economy, Russian arms sales.

مقدمـــة:

شهدت الدولة الروسية بدءا من 2012 وحتى منتصف عام 2020 تغييرا جذريا فى أهداف ودوائر التحرک والمناطق الجغرافية لعملها ونشاطها علاوة على الأدوات المستخدمة فى تنفيذ هذه السياسة؛ من قبيل : القوة الناعمة والقوة الصلبة والقوة الذکية فى تنفيذ المبادىء والأهداف والخطط والبرامج المتعلقة بالسياسة الروسية الجديدة([1]).

فقد أدرکت القيادة الروسية ممثلة فى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عقب انتخابه فى عام 2012 أن نمط التفاعلات فى النظامين العالمى والإقليمى وتغير الأوضاع الداخلية فى روسيا تفرض على صانع القرار الروسى وضع أهداف ومجالات عمل وأدوات جديدة ومتطورة للسياسة الخارجية الروسية فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عما کانت هذه السياسة فى الفترة بين عامى 2000 و2004 عندما تولى بوتين مقاليد الحکم فى روسيا لفترتين متعاقبتين([2]) .

وتواکب مع ماسبق؛ سعى القيادة الروسية إلى تبنى أنماط وأشکال جديدة ومختلفة للقوة الروسية إلى جانب القوة  العسکريةلتحقيقأکبرقدرممکنمنالمنافع للدولة الروسية،وبأقلمايمکنتجنبهمن الخسائر؛ وذلکبتوظيفنمطآخرمن القوة،وهوالقوةالناعمةالتيتکمنأهميتهافيبعدين أساسيين([3]):الأول،التقنيةالمبتکرةفيأدواتها، وهيأدواتووسائلغيرعسکرية.والثاني،تمثلهنوعيةالنتائجالمترتبة على استخدامها وهينتائجربما تفوقفيأهميتهاالنتائجالمترتبةعلىاستخدامالقوةالعسکرية،والتياصطلحعلىتسميتهابالقوة الصلبة.

 وفيضوءماتقدم،تنصرفالدراسةإلىمعالجةموضوعالقوةالناعمة،والاتجاهات الفکرية والإدراکيةالداعيةإليهاالتيتدفعروسياإلىتوظيفهاکخيارمواز لقوتها العسکرية )الصلبة(  وخصوصابعدماتعرضتلهمنانتقاداتأوخسائرفيحروبخاضتها سواءفيدول شرق أوروبا ودول الکومنولث الروسى([4]).

مشکلةالدراسة:تکمنمشکلةالدراسةفيالبحثفيقدرةالسياسة الخارجية الروسية الجديدة فياستعادة نفوذها فى المنطقةالعربيةوفيمنطقةالشرقالأوسطبوجهالعموم؛وذلک بدءا من عام 2012 – حيث تم انتخاب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رئيسا جديدا لروسيا وخلافته لديمترى ميديتيف فى منصبه- وحتى منتصف عام 2020 بتکثيف استخدام أدوات القوة الناعمة لتحقيقالأهداف الروسية فيالمنطقة،والتى حققت نتائج ومکاسب لاتقلأهميةوفاعليةعنأدوات القوةالصلبة. ويتعين التنويه إلى أن التطور والتغييرالذي شهدته السياسةالخارجية الروسية فى المنطقة العربية خصوصا والشرقالأوسطبصفة عامة لايمثلنهايةللنفوذالأمريکيفيالمنطقة،کماتذهبإليهالعديدمن الدراسات،بلهومرحلةجديدةمنالتنافس الأمريکى الروسى الذى يدار بأدواتوأساليبجديدة تلائمإدراک وتصور صانع القرار فى السياسة الخارجية الروسية؛ وتساير التطورات والتغيرات العالمية والإقليمية والداخلية الروسية ([5])؛ من بينها استخدام أدوات القوة الناعمة؛ التى أسهم فى کثافة استخدامها فى العلاقات الدولية فى القرن الحالى الترويج للتکتلات والتنظيمات والتجمعات والروابط العابرة للإقليمية فيما يطلق عليه " الإقليمية الجديدة" أو " الإقليمية العابرة للحدود "([6]) .

أهدافالدراسة:تسعىالدراسةإلى توظيف مفهوم القوة الناعمة کإطار تحليلي بمستويات تحليل القوة بماتتضمنه من : (الموارد والمصادر، الأدوات وآليات التحويل وعملياته، النتائج والآثار- للسياسة الروسية فى المنطقة العربية خلال الفترة بين عام 2012و2020؛ سعيا لتحقيق مجموعة من الأهداف التى من أبرزها : 1- رصد ملامح وسمات التغير فى إدراک صانع القرار فى روسيا لمصالح وأهداف السياسة الروسية فى المنطقة العربية؛ والتعرف على  الأسباب والتطورات العالمية والإقليمية والداخلية الروسية التى دفعت القيادة الروسية لتبنى سياسة جديدة فى العالم العربى قوامها تبنىأدوات القوةالناعمةلتحقيقاستراتيجيتها فى استعادة دورها مرة أخرى بالمنطقة ومحاولة إحداث تغييراتبنيويةفيسياسات بعض الدول العربية فى علاقاتها الدولية مع روسيا. 2-تحليلوتقييم استخدامأدوات القوةالناعمةفيإطارالعملالإستراتيجىالمنظملتحقيق أهدافالسياسةالخارجيةالروسيةفيالمنطقةالعربية.

أهميةالدراسة:تنبع أهمية الدراسة فى التعرف على أسباب ودوافع التطور والتغيير فى السياسة الخارجية الروسية فى المنطقة العربية خلال فترة حکم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والتى بدأت فى عام 2012 وحتى عام 2020 . علاوة على کونها منالدراساتالعلميةالقليلةحولموضوعاستخدامات القوةالناعمة فى تنفيذ السياسة الخارجية الروسية فى المنطقة العربية .

فرضيةالدراسة : تعالجالدراسةالفرضيةالتالية :"إنهناکتحولافيالسياسةالخارجية الروسيةنحو المنطقة العربية مما يجعلها أکثر ميلا لاستخدام أدواتالقوةالناعمة،معالاحتفاظبالدوروفاعليةالقوةالصلبةعندماتقتضيالضرورة ذلک.  کذلکتسعىالدراسةإلىإثباتأنالسياسةالروسيةتجاهکثير من قضاياالمنطقةالعربية قد  تغيرت،وهوما يعدمنأبرزوأهمالأسبابالتيأدتإلىإحداثالتغييرفي علاقات بعضالدولالعربية مع روسيا.وللتحققمن صحةهذهالفرضيةتسعىالدراسة للإجابةعلىالأسئلةالتالية: ماهيطبيعةالقوة الناعمة وماهى الفروق التى تميزها عن القوة الصلبة ؟هلتمتلکالسياسة الروسية مقوماتالقوةالناعمة؟والأدواتاللازمة لاستثمارها؟وماهوالدورالذيتؤديه أدواتالقوةالناعمةالروسية فيإحداثالتغييرات والتطورات التي تشهدهابعضالدولالعربية فى علاقاتها الخارجية مع الدولة الروسية ؟.

منهجالدراسة :يعتمدالباحثللتثبتمنصحةالفرضيةأعلاه،علىعدةمناهجعلميةلتفسيرظاهرةالسياسةالخارجية الروسية وأدوات قوتها الناعمة فى المنطة العربية،ممايفرضعلىالباحثمعالجتهافيإطارمنهجتکامليلا يسقطمناهتماماتهإسهاموفاعليةتأثيرأيمنهجمنالمناهجالتالية:

- منهج صنع القرار:تعود بدايات هذا المنهج إلى عالم السياسة الأمريکى ريتشارد سنايدر وزميله أليسون  فى بداية عقد الخمسينيات من القرن العشرين؛ وتسعى هذه الظرية إلى دراسة وتحديد صانعى القرار فى السياسات الخارجية للدول؛ علاوة على التعرف على أدوار الفاعلين والعناصر والبيئات المؤثرة فى عملية صنع القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية . ويفترض ريتشارد سنايدر فى هذه النظرية أن عملية صنع القرار فى السياسات الخارجية تعتمد على دراسة إدراک صانعى القرار لتفاعلات البيئات الإقليمية والعالمية والتغيرات والمواقف الجارية بها؛ وکذلک تحليل وردود أفعال وتفاعلات الدول الأخرى تجاه سياسات ومبادرات ومواقف صانعى القرار([7]).

ومن ثم فإن الدراسة تهتم بتوظيف مقولات هذه النظرية والخاصة بصانع القرار الروسى والعناية بتحليل تأثير مدخلاته السيکولوجية وإدراکاتهه لمتغيرات وآثار البيئتين الإقليمية والعالمية، بمعنى أن الدراسة ستتبني افتراضات هذه النظرية الخاصة بأن السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة العربية هي ثمرة أو نتاج لتوجهات وإدراک الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى استطاع بلورة وصياغة مجموعة من الأهداف الجديدة للسياسة الروسية فى المنطقة العربية علاوة على قيامه بحشد وتعبئة مجموعة من أدوات القوة الناعمة وکذلک أدوات القوة الصلبة – ذات التأثير الناعم – لتنفيذ سياسته الخارجية الجديدة فى المنطقة العربية.

-منهجتحليلالنظم:  أبرزمنکتبفيهذاالمنهجهو ديفيدايستونومورتون کابلانإذيعتمدهذاالمنهجعلىأساسأنثمةمدخلاتمعينةتتفاعلمعوسط نظاميترتبعليهانتائجمخرجاتمحددة،وذلکمنخلالتحليلالمدخلات والتي تمثلالعواملوالمتغيراتالداخليةوالخارجيةالمؤثرةعلىالسياسةالخارجيةالروسية تجاه المنطقةالعربية،حيثتحاولالروسية تنفيذ أهدافهافيالمنطقةمن خلالمجموعةمنالأدواتومنهاالقوةالناعمة.

إلى جانب الاقترابات السابقة تستعين الدراسة بمدخل المصالح القومية في النظرية الواقعية، حيث تعتمد النظرية الواقعية في تفسيرها للعلاقات والسياسات الخارجية للدول على عدد من الرکائز أو العناصر هي "القوة، والمصلحة القومية، توازن القوى "([8]). فوفقا للنظرية الواقعية لکل دولة من دول العالم فى سياستها الخارجية مجموعة من المصالح القومية التى تستهدف تحقيقها والتى يمکن إجمالها في ثلاثة مصالح رئيسية هى([9]): مصلحة البقاء وهي المصلحة الأساسية للدولة، وتعني أن تبقى موجودة ولا يتم الغاؤها؛ ومصلحة تعظيم القوة العسکرية التى تعد أداة الدولة الأساسية للدفاع عن نفسها ضد الطامعين؛ ومصلحة تعظيم المکانة والقوة السياسية على المستويين الإقليمى والدولى وتعزيز التنمية الاقتصادية بالاهتمام بالبعد الاقتصادي والتجاري في العلاقات مع الدول الأخرى.

أولا: أدوات القوة الناعمة فى تنفيذ السياسة الخارجية( تقييم المفاهيم الجديدة )

درجت الکتابات والمساهمات المتخصصة فى حقلى العلاقات الدولية والسياسة الخارجية على التوکيد على أن طبيعة وعلاقات وسياسات الدول مع الدول الأخرى والتنظيمات الدولية الحکومية وغير الحکومية تعتمد عدة أدوات تنفيذية لتحقيق أهداف ومصالح هذه الدول . وتتوزع هذه الأدوات إلى أربعة أدوات هى: الدبلوماسية، والوسائل الدعائية، والموارد الاقتصادية، والأدوات العسکرية([10]). ويندرج تحت الأدوات السابقة العديد من التصنيفات والتفريعات. لکن في ظل عصر العولمة، وعصر ما بعد الحرب الباردة، حدث تداخلً وتکامل بين کثير من الأدوات مما دفع بعض الباحثين والمتخصصين فى حقلى العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لطرح مسميات جديدة لهذه الأدوات ذات المضامين القديمة، فظهر ما يُسمى: الدبلوماسية الاقتصادية، ودبلوماسية التنمية، ودبلوماسية الإجبار، والدبلوماسية الثقافية، ودبلوماسية الأنابيب.. وغيرها؛ وتعد مسميات أو مصطلحات القوة الناعمة والقوة الصلبة والقوة الذکية والقوة الحادة والقوة الإلکترونية والقوة الحيوية وهوالمصطلح الأحدث؛ وهو ما يدفعنا لمحاولة تعريف وتحليل مضمون ومحتوى کل منها على النحو التالى : 

1- مفهوم القوة الناعمة ( التعريف ومؤشرات القياس) : يرجع الفضل إلى أستاذ العلوم السياسية الأمريکى الأشهر جوزيف ناي في ابتداع کل من مفهوم "القوة الناعمة" Soft Power ثم "القوة الذکية" Smart Power فى أعقاب زوال الاتحاد السفيتى السابق وکثافة الترويج لظاهرة العولمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية ....وغيرها. ولقد أسهمت کل من المناقشات بين علماء السياسة والإضافات التي أجراها ناي نفسه في تطوير مفهوم القوة الناعمة والقوة الذکية حتى تجاوز کل منهما الصيغة الأولية التي کان قد نشأ بها فى عام 2004([11]).

ووفقا لجوزيف ناي فإن القوة الناعمة للدول القوية والکبرى الفاعلة فى سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية تعتمد على مصادر خمسة هى : ثقافتها (حيث تجتذب الآخرين)؛ وقيمها السياسية (حين تتمسک بأهدافها سواء في الداخل أو الخارج)؛ وسياستها الخارجية (حين يراها الآخرون مشروعة وذات سلطة معنوية)؛ بإلاضافة إلى القوتين الاقتصادية والعسکرية حيث تنجذب الدول نحو الدولة النموذج في النجاح الاقتصادي والتطور العسکري، من ثم يدخل فى حساب هذه القوة الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية والفنية المتخصصة ومعدلات التبادل التجارى المرتفعة وکذلک مبيعات الأسلحة والتدريب والتأهيل العسکرى للدول الأخرى ([12]).

مما سبق نخلص إلى أن مصطلح القوة الناعمة يقصد به قدرة الدولة على خلق حوافز لتشجيع إقامة شبکات من العلاقات التعاونية مع الدول الأخرى والتي تعود بالفائدة على أطرافها وتحقيق الأهداف الخاصة بها، بصرف النظر عن معايير المکاسب أو المنافع النسبية لکل طرف والتي قد تختلف بالنسبة لطرف عن غيره  من الأطراف. ووفقا لبعض المتخصصين فإن هذه القوة هى علاقة  مکسب  لطرفين أو أکثر في سياق سلمي ينتج وفرة للجميع في الآثار الکلية الناجمة عنه. علاوة على أن القوة الناعمة تعتمد على إحراز النفوذ بواسطة الإقناع والترغيب وتوفير مقومات التقدم والرقي وتقديم النموذج الجذاب الذي يغري الآخرين بالحذو حذوه وتقليده، بينما القوة الصلبة (المادية) تعتمد على فرض النفوذ بواسطة القوة المسلحة والعقوبات المادية، وقد ينتج عن استخدامها في معظم الأحوال الکثير من الدمار ([13]).

لذا فإنه بسبب طبيعتها التي تختلف عن القوة الصلبة (المادية)، فإن القوة الناعمة تعتمد أکثر ما يکون على مقومات تختلف عن تلک التي تعتمد عليها القوة الصلبة حيث تعتمد فى تنفيذها إلى جانب مؤسسات الدولة المعنية بالسياسة الخارجية على الهيئات والمنظمات والمؤسسات غير الحکومية مثل منظمات المجتمع المدني والشرکات المتعددة الجنسية علاوة على الأفراد القادرين والموسرين.

وبدءا من عام 2012 جرت عدة محاولات لقياس وترتيب جهود دول العالم وفقا لمقومات القوة الناعمة لديها؛ ونجح جوناثان ماکلورى بمساعدة أساتذة متخصصون فى العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية والثقافة والإعلام فى وضع وتطوير مقياس للقوة الناعمة أطلق عليه جداول "القوة الناعمة 30"  Soft Power 30 Index الذي يعتبر إضافة تطبيقية شديدة الأهمية لنظرية جوزيف ناي في القوة الناعمة؛ فهذه الجداول التي بدأ ماکلوري إصدارها بالتعاون مع مرکزدراسات الدبلوماسية العامة في الولايات المتحدة USC Center on Public Diplomacy  منذ العام 2015 ثم انضم إليهما مرکز دراسات الدبلوماسية العامة في جامعة جنوب کاليفورنيا اعتباراً من عام 2017([14])؛ مما أسهم فى منح مفهوم "القوة الناعمة" قوة نظرية وتطبيقية هائلة لأنها توفر أساسا لقياس تأثير ظواهر صعبة القياس أو غير قابلة للقياس على دور الدولة وقدرتها على تحقيق النفوذ. وبفضل التقرير السنوى للقوة الناعمة يستطيع الباحثون والمتخصصون تتبع ترتيب 30 دولة الأکثر تقدما في مؤشرات القوة الناعمة على مستوى العالم. 

ووفقا لتقارير جداول القوة الناعمة 30 السنوية خلال الفترة بين عامى 2015 و2019؛ يقسم التقرير مؤشرات القوة الناعمة إلى مجموعتين مختلفتين: المجموعة الأولى، عبارة عن مقومات موضوعية يبلغ وزنها النسبي70% على المؤشر العام للقوة الناعمة،وتشمل:الحکومةGovernment، المنتجات وسلع التکنولوجيا الرقميةDigital، الثقافةCulture، المبادرة في المشروعات،والانتفاع والإشتباک Engagement، والتعليم Education. أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن مقومات ذات طابع معنوي يتم تقديرها بناء على استطلاع آراء خبراء في کل مجال منها، ويبلغ وزنها النسبي على المؤشر العام للقوة الناعمة 30% وتشمل: مقومات معنوية مبنية على آراء واستطلاعات (وزنها النسبي30%) وتشمل: المطبخ والمأکولات الشعبية أو الوطنية؛ والمنتجات التکنولوجية ذات المنشأ الوطني والثقافة Culture ووفرة السلع ومنتجات  الرفاهية Luxury Goods والسياسة الخارجية Foreign Policy ومقومات الحياة أو فيما يطلق عليه القابلية للمعيشة Live ability([15]).

وبعد تفشى وباء کوفيد 19 بدءا من مارس 2020 وتنافس دول العالم على تطبيق سياسات جديدة للحد من انتشار الوباء بين مواطنيها وتشجيع مؤسسات البحث العلمى على اختراع لقاحات للعلاج والوقاية منه؛ أضاف بعض الباحثين لأدوات القوة الناعمة أداة جديدة أطلق عليها القوة الحيوية Vital Power؛ والتى تعتمد على مدى توظيف الدولة لکل امکانات مجالات الکيمياء والبيولوجيا والطب والأغذية والزراعة وعلوم الجراثيم وغيرها من المجالات لتطوير اللقاحات والصناعة الدوائية ومعامل التکنولوجيا الحيوية وتحقيق الاکتفاء الذاتي من المستلزمات الضرورية لحياة الإنسان والمتطلبات الطبية کأجهزة التنفس الصناعى والکمامات وعدد الآسرة وأجهزة الکشف عن الفيروس بالمستشفيات ([16]) .

2- الأشکال والمصطلحات الأخرى المنافسة أو المکملة للقوة الناعمة : تتوفر وتتواجد مصادر وأشکال أخرى للقوة إلى جانب أدوات القوة الناعمة، والتى اتخذت عدة مسميات مرتبطة بمکوناتها وعناصرها أو بمجالات استخدامها أو توقيت ظهورها وتأثير البيئة الدولية والإقليمية والمحلية فى عملها . ومن أبرز هذه الأشکال والأنماط ما يلى :

أ) القوة الصلبةHard Power : يرکز هذا المصطلح على المعيار العسکري لتعريفه للقوة، والتي تتکون من أربعة أنواع هى: البرية والبحرية والجوية والنووية، ويعول أنصار هذا التعريف کثيرا على مکانة وعنصرالقوة البرية باعتبارها المکون الأساسي للقوة العسکرية وبحکم أن المعارک والصراعات المسلحة بن الدول تحسمها قوة وتجهيزالجيوش في الميدان([17]) . ويضيف جوزيف ناى إلى جانب المکون العسکرى عنصرا آخر هو القوة الاقتصادية التى تضم الامتيازات والعقوبات الاقتصادية؛ فوفقا لناى يمکن أن تتحول الامتيازات الاقتصادية إلى عقوبات حال حجبها؛ وبالتالى هى قوة صلبة فى طبيعتها نظرا لکونها عقوبات کامنة يمکن للدول الکبرى أن تفرضها على خصومها بديلا أو قبل اللجوء للقوة العسکرية([18]).

ب) القوة الذکية Smart Power: يستند هذا المصطلح على قدرة الدول فى سياستها الخارجية على المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة والجمع بينهما، أي أنها تعتمد على المحدد الصلب للقوة من خلال الجيوش والترسانة العسکرية والقوة الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستثمار في الشراکات والتحالفات والتأثير الدولي عن طريق القيم والثقافة والسياسات في محيطها الإقليمي والدولي([19]).

جـ) القوة الإلکترونية Cyber Power: يقصد بها توظيف وسائل الاتصالات وتکنولوجيا المعلومات وشبکات الکمبيوتر والبرمجيات لتحقيق أهداف الدولة السياسية والاقتصادية والعسکرية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأهداف سواء على الساحة الداخلية المحلية أو على الساحة الخارجية فى علاقاتها وسياستها الخارجية مع الدول الأخرى، وتتطلب هذه القوة عدة محددات من بينها: البنية المعلوماتية المتطورة والأجهزة الإلکترونية القادرة على الربط والبرمجيات والمهارات البشرية المدربة([20]).

د) القوة الحادة :Sharp Power ارتبط مفهوم القوة الحادة - الحديث الظهور - بالدول السلطوية التي تريد أن تمارس التأثير العالمي بنفس الأساليب التي تستخدمها في الداخل. والقوة الحادة هي شبيهة بالقوة الناعمة من خلال استعمال القيم والسياسات والثقافة للتأثير الخارجي فى الدول الأخرى بقصد هدم النماذج الديمقراطية واختراق منظومتها القيمية بما يهدد وجودها في المستقبل، وعادة ما تتبناه النظم السياسية المستبدة ونظم الديکتاتوريات العسکرية وأنظمة الحزب الواحد أو الحزب المسيطر المقاومة للتغيير الداخلي، فتتجه هذه الدول إلى تصدير نماذجها غير الديمقراطية إلى الخارج عبر التأثير بآليات صلبة وناعمة([21]). وبشکل عام فإن مفهوم القوة الحادة شبيه بمفهوم ناي عن القوة الناعمة لکن بشکلها السلبى والمناقض لها؛ ويتم استخدامه من جانب علماء وباحثى السياسة الخارجية الأمريکية للتحذير من السياسات الخارجية للدول المناوئة للولايات المتحدة ومن أبرزها: روسيا والصين وکوريا الشمالية وإيران وفنزويلا .

يتضح من تعريف مفهوم القوة الناعمة والمفاهيم الموازية أو المکملة له أو المتعارضة معه أنه من حيث مضمون وهدف هذه الأنماط من القوة والتى تختلف عن القوة العسکرية لم نر جديدا حيث ترددت هذه المضامين والأهداف کثيرا فى مساهمات الفلاسفة والمفکرين والمنظرين السياسيين على فى مختلف عصورالفکر السياسى بدءا من الفکر السياسى فى العصور القديمة بمافيها الفکراليونانى والإغريقى ومرورا بالفکر السياسى فى العصورالوسطى المسيحى منها  وکذلک الاسلامى وأيضا فى مساهمات الفکر السياسى الحديث ونهاية بالفکر السياسى المعاصرعموما والأمريکى منه بصفة خاصة . مما يدفعنا للاتفاق مع الرأى الغالب فى هذا الشأن ([22])؛ والذى يشير إلى أننا أمام إعادة "إنتاج " لذات المضامين والتعريفات ولکن فى ثوب جديد أو بمصطلحات جديدة . ويمکن الاستدلال على صحة الرأى السابق بالرجوع إلى أفکار وکتابات الفلاسفة أمثال کونفيشيوسوسقراطوالفارابى والإمام محمد عبدو؛ وکذلک نظرية الفليسوف والمفکر الايطالى أنطونيو جرامشي الخاصة بـ" الهيمنة الثقافية " في کتابه الشهير " رسائل السجن"([23]). وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية تنافست الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى السابق فى حربهما الباردة على استخدام أدوات القوة الناعمة بما فيها من تعليم وثقافة ومساعدات واستثمارات وبعثات علمية ...وغيرها بديلا للقوة العسکرية الصلبة في التأثير على عقول وميول الأخرين([24]).

ومن ثم فإننا نرى أن محاولات جوزيف ناى وزملائه اعتمدت على تقديم مصطلحات جديدة لأدوات القوةالناعمةبناءعلىمفاهيمسابقةمتعددةوإسهامات متعددة قدمها رواد النظرية الواقعية؛ ونجح فى طرح منظومة أوخريطةأکثرتفصيلالکيفيةتعزيزجاذبيةالدولة فى سياستها الخارجية.

ثانيا: أهداف السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة خلال الفترة بين عام 2012و2020 : تربط العديد من الدراسات المتخصصة فى السياسة الخارجية عموما بين السمات الشخصية لصانعي القرار وأنماط وأشکال ومحتوى السياسة الخارجية للدول؛ حيث أنه من المفترض تحلي صانعى القرار فى السياسة الخارجية ببعض القيم والصفات وإدراک التحديات التى تفرضها البيئين الداخلية والخارجية والقدرة على إدارة هذه التطورات والمتغيرات بما يخدم مصالح وقوة الدولة على الساحتين العالمية والإقليمية، وبالتالى فإن صانعى القرار يتوجب عليهم  فهم ودراسة تأثير البيئة التي يعيشون فيها مما ينعکس على خياراتهم في السياسة الخارجية عموما ([25])؛ وبناء عليه يقوم العامل الخاص بإدراک وتصورات القيادة السياسية بدور مهم في عملية صنع القرار الخارجي خاصة في الدول الکبرى ومنها روسيا.

لذا لم يکن من المستغرب تبنى فلاديمير بوتين عقب تعيينه رئيسا جديدا لروسيا فى عام 2012– نظرا للتغيرات التى شهدتها دول المنطقة والتى استتبعها تغير إدراک القيادة الروسية الجديدة لأمنها ومصالحها - رؤية جديدة للدور الروسى فى المناطق الإقليمية المحيطة بروسيا ومنها منطقة الشرق الأوسط عمادها عودة روسيا مرة أخرى لهذه المناطق عموما ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة من أجل تعزيز أمنها ومصالحها؛ وتشمل تحقيق عدة أهداف فرعية أخرى أهمها:

1- الانفتاح والتعاون الشامل مع جميع دول المنطقة: استهدفت السياسة الروسية الجديدة فى إطاراستراتيجيتها الرئيسية فى استعادة مناطق نفوذها التقليدية فى المنطقة مع السعى لاستقطاب دول جديدة للتعاون معها . لذا تبنت السياسة الروسية البراجماتية وتعددية الوجهات والتوجهات فى تحرکاتها بحيث لاتستثنى أية رقعة جغرافية أو دولة فى منطقة الشرق الاوسط؛ والقيام بدور فاعل فى الساحتين الإقليمية والعالمية، واتخاذ مواقف واضحة فى العديد من قضايا: إدارة وتسوية النزاعات والصراعات الإقليمية؛ وتحقبق السلام والأمن والاستقرار العالمى والإقليمى؛ وتحرير التجارة والاستثمار العالمى؛ والحفاظ على البيئة ومواجهة أو الحد من ظاهرة التغير المناخى والجرائم العابرة للحدود ومن أبرزها وأهمها الإرهاب.....وغيرها([26]).

وقد تبنت الدبلوماسية الروسية فى سياستها الجديدة فى الشرق الأوسط مبدأ " الحديث والحوار مع الجميع والتجارة مع الجميع  talk to all, trade to all" بغض النظر عن حجم الخلافات والنزاعاتالسياسية والاقتصادية والأيديولوجية بين دول المنطقة بعضها البعض([27])؛ حيث تحتفظ روسيا بعلاقات جيدة مع کل دول الخليج ومصر وذلک على الرغم من وجود خلافات بين دول الخليج الثلاث : السعودية والامارات والبحرين ومعها مصر مع قطر وفرض هذه الدول حصارا سياسيا واقتصاديا وثقافيا شاملا على قطر منذ عام 2014 بدعوى قيامها بتهديد أمن واستقرار هذه الدول بعدة وسائل منها إيواء وتمويل حرکات وتنظيمات المعارضة لهذه الدول. واعتمدت رؤية بوتين فى هذا الشأن على أن السبيل الأفضل لدخول العناصر والمرتکزات السابقة حيز التنفيذ يکون بتحقيق درجات متزايدة من الاستقلالية لروسيا فى سياستها الخارجية مع کل دولة على حدة بما يمکنها من الحفاظ على أمنها ومصالحها القومية مع هذه الدول بشکل عام فضلا عن استقرارها وأمنها الداخلى([28]).

وقد عرضت وثيقة الأمن القومى الروسية الصادرة فى ديسمبر 2015 المصالح الوطنية للاتحاد الروسي والأولويات الوطنية الاستراتيجية والأهداف والمهام والتدابير في مجال السياسة الداخلية والخارجية التي تهدف إلى تعزيز الأمن القومي للاتحاد الروسي وضمان التنمية المستدامة للبلاد على المدى الطويل؛ کما سلطت الضوء أيضاً على أهمية الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الروسية واعتبرت أنّ "التدخل الخارجي" (وهو تعبير مُلَطَّف للولايات المتحدة) هو سبب رئيسيّ لعدم الاستقرار في دول أوروبا الشرقية من خلال دعمها المباشر لاندلاع "الثورات الملونة" في " الدول السوفيتية السابقة"؛ علاوة على دورها المعلن فى مساندة ودعم ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، مما دفع روسيا إلى إعلان موقفها السياسي من السياسة الأمريکية فى الشرق الأوسط والتى ترتکز على الحفاظ على الوضع الراهن في الدول العربية مما يتيح فرص ومساحات تنفس لأنظمة الحکم فيها، بل وتقليص التأثير الاجتماعي والثقافي للولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة. فروسيا تدعم هياکل الدولة والحکومات العربية القائمة ضد التدخل الخارجي والتمرد الداخلي، من منطلق أن التغيير يجب أن يحدث فقط من خلال الوسائل الدستورية وأجهزة الدولة الوطنية، وليس من خلال انتفاضات شعبية کارثية. وتظهر هذه الوثيقة استمرارية تفکير المسئولين الروس حول دور وتصور کل من روسيا والغرب للوجود السياسى والعسکرى والاقتصادى في منطقة الشرق الاوسط([29]).

وعلى عکس الاتحاد السوفييتي السابق، لا يرتبط نظام بوتين بأيديولوجية ما، بل يعمل بدلاً من ذلک على بناء علاقات مع کل جهة فاعلة رئيسية في المنطقة والمحافظة عليها. ومن خلال جهود بوتين، استعادت روسيا نفوذها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، مبرهناً على أنّ مقاربته البراجماتية تفوّقت على توجهات الاتحاد السوفييتي السابق التي رکّزت على الأيديولوجيا. وبذلک يوازن بوتين بين علاقاته الجيدة مع الدول العربية وکذلک مع إسرائيل وإيران وترکيا وقطر وباقى دول الخليج ومصر.

2- الحفاظ على وحماية الأقاليم المسلمة فى روسيا ودول الجوار من الخروج والاستقلال عن الجسد الروسى:  تشتمل الخريطة الجغرافية لروسيا على ستة أقاليم مسلمة هى: تتارستان و الشيشان وقبارووا وبشقردز و داغستان و أوستيا الشمالية، کما يعيش آلاف من المسلمين فى مناطق وجمهوريات روسية أخري ويشکل فى بعضها الأغلبية، کما تعتبر موسکو على قمة العواصم الأوربية من حيث عدد المسلمين المتواجدين به والذين تجاوز تعدادهم نحو25 مليونا فى عام 2017([30]).

تستهدف السياسة الروسية فى عهد بوتين تطويق وتحجيم مصادر التهديد والخطر المحيطة بالدولة الروسية والتى يعد الخطر الإسلامى فى مقدمتها؛ حيث تنظر القيادة الروسية للدول الإسلامية على حدودها کخطر يهدد أمن الدولة الروسية وترابط نسيجها بل ويهدد دائما المصالح الروسية ووجودها.

لذا تسعى روسيا إلى تحفيز وتنشيط العلاقات مع الدول الإسلامية الکبرى فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط وخصوصا مع الدول ذات المکانة المتميزة فى العالم الإسلامى مثل السعودية ومصر وترکيا وايران للحد من مصادر الدعم والمساندة التى يمکن أن تقدمها شعوب هذه الدول لأشقائهم وإخوانهم المسلمين فى روسيا فى نزاعهم أو صراعهم مع الدولة الروسية للحصول على الاستقلال کما فعلت جمهوريات آسيا الوسطى أو على الأقل تحقيق مکاسب سياسية واقتصادية وثقافية تتناسب مع تمثيلهم فى المجتمع الروسى (من قبيل زيادة تمثيلهم فى المؤسسات المنتخبة والأجهزة التنفيذية والإدارية المحلية وزيادة مشارکتهم فى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على قدم المساواة مع نظرائهم من الأقليات الأخرى )([31]). لذا طالبت القيادة الروسية والمسئولون الروس فى زيارتهم لدول مثل مصر وترکيا أو أثناء زيارات مسئولى دول مصر وترکيا وايران  بزيادة أعداد المبعوثين الروس لهذه الدول لتلقى العلوم الدينية الاسلامية فيها وکذلک زيادة أعداد العلماء والمشايخ الموفدين من هذه الدول لروسيا لتعليم وتدريب الطلاب الروس على المعارف والعلوم الإسلامية ([32]).

وفى داخل روسيا ازدادت مع وصول بوتين للحکم مظاهر احترام حقوق الأقلية المسلمة؛ وکذلک مساعى تهدئة وکسب الأحزاب والشرائح الإسلامية فى روسيا، مما دفع کثير من الدول الإسلامية للموافقة على طلبها بالإنضمام لعضوية منظمة المؤتمر الإسلامي( منظمة التعاون الإسلامى حاليا) کعضو مراقب فى عام 2005 برغم المعارضة التي واجهها بوتين فى داخل روسيا والتى جاءت معظمها من الأجهزة الأمنية ومن بعض جماعات المصالح اليهودية والمسيحية الأرذوکسية. وخلال الفترة محل الدراسة حرصت القيادات الروسية على التوکيد فى تصريحاتها على التزام مؤسسات وأجهزة وصناعى القرار فى روسيا على احترام حقوق المسلمين داخل روسيا، ومن أبرز الأمثلة فى هذا الشأن توکيد الرئيس بوتين على أن روسيا بلد متنوع الثقافات فهو بلد مسيحي ومسلم وللمسلمين الحق بالشعور بأنهم ينتمون إلى العالم الإسلامي؛ وأن روسيا کانت ومازالت حليفًا جيوسياسيًا للعالم الإسلامي([33]).

3- الحد من مخاطر امتداد نشاط ونفوذ التنظيمات الإسلامية المتطرفة للداخل الروسى ولدول الجوار الجغرافى :تواجه الدولة الروسية منذ تفکک وانهيار الاتحاد السوفيتى السابق فى نهاية 1991 وبدرجات متفاوتة تناميا ملحوظاً لنشاط الحرکات الإسلامية المتطرفة التى تطمح للقفز على مقاليد الحکم فى الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة التابع لها وفى الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها  من خلال الادعاء " بتکفير نظم الحکم السياسية فى هذه الأقاليم والجمهوريات، ومن ثم المطالبة بالخروج عليها وإقامة نظم سياسية جديدة تنهض بمهام تطبيق الشريعة الإسلامية وإعلان الجهاد لحين تحرير کافة الأراضى والشعوب الإسلامية من الاحتلال الأجنبى والنظم المستبدة التابعة له وإقامة نظم حکم إسلامية مثيلة لها تطبق الشريعة الاسلامية([34]).

وقد اشتد خطر هذه التنظيمات الإسلامية المتطرفة بدءا من عام 2012 بعد بزوغ تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" - کأحد تداعيات التدخل الأمريکى غير المحسوب فى العراق – وقيام الولايات المتحدة بتسهيل انتقال أفراده ومعداته من العراق وسوريا لأفغانستان وباکستان ثم إلى جمهوريات آىسيا الوسطى المجاورة ومنها إلى داخل الأراضى الروسية ([35]). وقد اجتمعت عدة أسباب لاستهداف الحکومة الروسية محاربة هذا التنظيم والقضاء عليه فى داخل روسيا وکذلک فى الدول الإسلامية المجاورة وفى الدول العربية " الصديقة " لروسيا فى الشرق الأوسط؛ من أبرزها: قبام غالبية التنظيمات والحرکات الإسلامية المتطرفة والجهادية فى جمهوريات آىسيا الوسطى وأفغانستان وباکستان بإعلانها المبايعة للتنظيم والانضواء تحت لوائه ونجاح التنظيم فى تجنيد المئات من أفراد حرکة طالبان وتنظيم القاعدة فى أفغانستان وباکستان وإعلان التنظيم إقامة إمارة إسلامية فى خراسان وأفغانستان بعد نجاحه فى الاستيلاء على الولايات الشرقية فى أفغانستان ومنها ولايتى خراسان وننکرهار علاوة على خلق جيوب وخلايا عسکرية تابعة له فى ولايتى کونار ونورستان لتأمين وجوده العسکرى فى خراسان بالإضافة إلى تجنيد الآلاف من الشباب والأطفال فى صفوف التنظيم ([36]). علاوة على ماسبق، تمادى هذا التنظيم الإرهابى " المختلق " کثيرا فى تنفيذ عمليات تصفية جسدية جماعية للمدنيين من أصحاب الانتماءات الإثنية والعرقية والدينية واللغوية المختلفة عنه فى أفغانستان وباکستان وأوزبکستان وطاجيکستان . بالإضافة إلى القدرة المتصاعدة للتنظيم فى روسيا والجمهوريات المجاورة وفى الدول العربية على جذب شباب جدد للالتحاق بصفوفه وسرعة تدريبهم على الأعمال القتالية والإرهابية؛ ووفقا لتقديرات مجموعة الأزمات الدولية فى عامى 2014و2015 فإن هناک ما بين 2000 و4000 شخص من آسيا الوسطى يلتحقون سنويا بصفوف تنظيم داعش الإرهابيفى سوريا ([37]) .

ويبقى العامل الأهم فى استهداف روسيا القضاء على هذا التنظيم هو إعلان قيادات التنظيم بدءا من عام 2015 وعقب التدخل العسکرى فى سوريا القيام بعمليات تدمير نوعية داخل الأراضى الروسية وضد المصالح والمنشآت الروسية فى الخارج بما فيها منطقة الشرق الأوسط ؛ وقيام الخلايا النائمة للتنظيم فى روسيا ومصر وسوريا وليبيا بتنفيذ عدة عمليات ارهابية منها : قيام تنظيم الدولة الإسلامية فى مصر بإدخال قنبلة على متن طائرة رکاب روسية انفجرت فوق شبه جزيرة سيناء في الحادي والثلاثين من أکتوبر 2015 مما أدى إلى مقتل جميع الرکاب والطاقم على متنها وعددهم 224 شخصاً منهم 217 روسيا وسبعة رکاب من أوکرانيا([38])؛ کذلک الهجوم الإرهابى الذى أعلنت کتيبة "الإمام شامل" التابعة للتنظيم المسئولية عن تنفيذه على مترو سان بطرسبورج في روسيا في أبريل 2017؛ وشن التنظيم هجوم عسکرى بالصواريخ على القوات الروسية فى سوريا مما أدى لمقتل عدة ضباط وجنود روس بينهم ضابط برتبة لواء([39])؛ وقيام وکالة الاستخبارات وجهاز الأمن الفيدرالى الروسيين خلال عام 2020 ([40]): بإلقاء القبض على سبعة من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة إيکاترينبرج بجبال الأورال کانوا يخططون لشن هجمات في موسکو وسان بطرسبرج؛ ووقف أنشطة خلية سرية تابعة لتنظيم داعش في ثلاث مناطق روسية هى: منطقة شبه جزيرة القرم وکومي وضواحي روستوف – تقوم بجمع وتحويل الأموال تحت ستار الصدقة إلى حسابات الإرهابيين وشرکائهم؛ وتدمير قناة  بث فضائى في مقاطعتي تتارستان وداغستان ومنطقة تيومين لتجنيد مقاتلي داعش وإرسالهم إلى سوريا .

لذا أعلنت القيادة الروسية ممثلة فى الرئيس فلاديمير بوتين شن حرب شاملة على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها تنظيم داعش الإرهابى؛ وعدم تقيد هذه الحرب بمنطقة جغرافية محددة فهى وفقا له " حرب مفتوحة داخل روسيا وفى أية منطقة جغرافية أو دولة فى العالم تتواجد فيها المصالح الروسية "([41]). وسعى المسئولون الروس فى زياراتهم الخارجية لجمهوريات آسيا الوسطى وللدول العربية فى منطقة الشرق الأوسط إلى التوکيد على الدعم والمساندة الروسية لنظم الحکم الصديقة والحليفة فى مواجهة التنظيمات والحرکات المتطرفة سواء کانت طالبان أو القاعدة في أفغانستان، أو داعش فى العراق وسوريا وغيرها . کما استجابت روسيا لمطالب قادة جمهوريات آسيا الوسطى ومصر بتنظيم تدريبات عسکرية مشترکة لحماية الحدود والتصدى للحرکات الإرهابية المتطرفة([42]).

ووفقا لعدد من الخبراء والمتخصصين فإن روسيا تتبع مايسمى " بنظرية مونروسکى الجديدة" والتى تنص على اتخاذ ما يسمى بالتهديد الإسلامى کذريعة لشرعية وأحقية التدخل بکل السبل فى مناطق نفوذها السابق فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط([43]). ومن ثم فإن السياسة الخارجية الروسية الجديدة مهمتها العمل على تحقيق هدف رئيسي وهو ألا تصل التنظيمات والحرکات الإسلامية المتطرفة إلى درجة من القوة والانتشار بحيث تعرض الأمن والاستقرار داخل روسيا للخطر والمساس بمصالح روسيا الإقليمية والعالمية؛ وتوجيه ضربات استباقية لها داخل روسيا وفى منطقة القوقاز لمنعها من إقامة إمارة القوقاز الإسلامية بشکل رسمى وتهديد عودة النفوذ الروسى فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط؛ والذى يعد أحد رکائز الاستراتيجية الأمنية الروسية الجديدة .

4- محاصرة التداعيات السلبية لثورات الربيع العربى على أمنها وأمن أصدقائها فى المنطقة:

شهدت المنطقة العربية فى عامى 2010 و2011 العديد من عمليات الاحتجاج السياسى وتنظيم المظاهرات السلمية المعارضة لنظم الحکم والمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية فى المؤسسسات التشريعية والتنفيذية للحد من مظاهر الفساد السياسى والاقتصادى وغياب العدالة الاجنماعية فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والأردن؛ والتى سرعان ما تحولت إلى مظاهرات شعبية عارمة تطالب بعزل واسقاط قيادات هذه الدول. وقد لاقت هذه المظاهرات دعما ومساندة من الولايات المتحدة وکثير من الدول الأوروبية التى طالبت رؤساء هذه الدول لاسيما زين العابدين بن على فى تونس وحسنى مبارک فى مصر - بتلبية مطالب المواطنين العادلة والديمقراطية؛ وهددت فى مرحلة تالية بفرض عقوبات على هذه الدول لإجبارها على الانصياع وتنفيذ مطالب هذه الحرکات والتنظيمات السلمية المعارضة ([44]).

خلال الفترة بين عامى 2010 و2011 لم تعر القيادة الروسية آنذاک ممثلة فى الرئيس ديمترى ميدفيدف ومساعديه هذه التحرکات الشعبية التى تحولت لثورات شاملة فى تونس ومصر وليبيا الکثير من الاهتمام لعدة اعتيبارات منها ([45]): ادراکه أن التطورات السياسية فى دول الشرق الأوسط لا تأثير لها على الأمن القومى الروسى الذى يعتمد من وجهة نظره على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الروسى،علاوةعلى ضعف العلاقات السياسية والاقتصادية  بين روسيا وهذه الدول وبالتالى عدم استعداده للتضحية بعلاقاته وارتباطاته مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية  لحساب العلاقات والتعاون مع هذه الدول؛ أما العامل الأهم من وجهة نظرنا فهو نجاح الولايات المتحدة فى خداع الرئيس الروسى ميدفيدف بالرؤية والسياسة الأمريکية بأن الهجمات التي يُنظمها القرار لن تهدف إلى احتلال ليبيا أو استعمارها، وإنما ستکتفي بحماية المدنيين وصد قوات القذافي، ولن يَتدخل المجتمع الدولي في قضية تغيير النظام الحاکم أو خلع معمر القذافي من الحُکم([46]). لذا لم يکن من المستغرب امتناع المندوب الروسى فى مجلس الأمن عن التصويت على القرار رقم 1973 الصادر فى 17 مارس 2011 والذى يسمح لحلف شمال الأطلنطى باستخدام القوة المسلحة للتخلص من نظام الرئيس الليبى معمر القذافى([47]). ومن وجهة نظرنا فإن قرار مجلس الأمن سالف الذکر قد واکبه خلاف حاد بين کل من الرئيس ميدفيدف ورئيس الوزراء بوتين حيث أعلن بوتين أن  روسياوإنکانتلاتمانعفيحمايةالمدنيينإلاأنهاترىأن القرارغيرمناسب خاصة فى ظل غموض مضمونه وأهدافه علاوة على عدم تضمينه آليات تنفيذه أو تطبيقه؛ بينما اعتبر ميدفيدف أن الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الروسية تفرض عدم المجاهرة بعداء الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بقضية توفير الحماية الدولية للمدنيين الليبيين .

لذا لم يکن من المستغرب تبنى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عقب انتخابه رئيسا لروسيا فى مارس 2012 منحى جديدا فى السياسة الروسية فى الشرق الأوسط  حيث اعتبر أن السياسات الأمريکية الجديدة تجاه الثورات فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هى حملة منظمة من الإملاءات الهادفة للتحکم والهيمنة التامة على المجال الجغرافى الأمنى لروسيا واسقاط القيادات والنظم المتعاونة مع روسيا وتصعيد قيادات ونظما سياسية ذات توجهات اسلامية تشکل خطرا على " القومية الروسية والأمن الروسى "([48]). وتأکدت تصورات ومظاهر القلق لدى الرئيس بوتين عقب وصول جماعة الإخوان المسلمين لمقاليد الحکم فى مصر 2012 وفى تونس 2013 وفى ليبيا 2012؛ وزادت خشية القيادة الروسية من انتقال شرارة الثورات واستبدال نظم الحکم فى الجهوريات والأقاليم المسلمة – خاصة فى آسيا الوسطى والشيشان وشمال القوقاز- بنظم حکم إسلامية موالية للولايات المتحدة والتوجهات الليبرالية الغربية مما يشکل تهديدا مباشرا وصريحا للأمن القومى الروسى .

لذا قررت القيادة الروسية ضرورة التحرک على عدة مسارات فى سياسته الجديدة بالشرق الأوسط والمنطقة العربية لمحاصرة التداعيات السلبية لهذه الثورات على الأمن القومى الروسى واستعادة النفوذ الروسى مرة أخرى فى المنطقة؛ هى([49]): تحجيم العلاقات مع النظم السياسية الجديدة ذات التوجهات الإسلامية ومنها رفض بوتين استقبال الرئيس المصرى محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين أثناء زيارته لموسکو فى عام 2012 ورفضه الاستجابة لمطلب الحکومة المصرية آنذاک بتوريد القمح الروسى لها.

المسار الثانى دعم ومساندة کافة التحرکات والتنظيمات السياسية والعسکرية المناوئة للقيادات والنظم السياسية الإسلامية الموالية للولايات المتحدة ومنها الترحيب بأحداث 30 يونيو 2013 والتى نجحت فى عزل الرئيس محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين من منصبه واسقاط نظم حکم جماعة الإخوان المسلمين باعتباره أحد مصادر الخطر على الأمن القومى الروسى والأمن القومى فى سوريا وليبيا الحليفيين التاريخيين لروسيا فى المنطقة؛ وحث المشير عبد الفتاح السيسى – وزير الدفاع آنذاک أثناء زيارته لموسکو فى نهاية 2013- على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية .

واستمر الدعم والمساندة الروسية للنظام السياسى الجديد برئاسة الرئيس السيسى المناوىء للولايات المتحدةخلال الفترة بين عامى 2014 و2017 والتى شهدت خلافا شديدا بين الحکومة المصرية بقيادة السيسي وبين الإدارة الأمريکية السابقة بقيادة الرئيس أوباما نتج عنه تعليق واشنطن للمساعدات العسکرية لمصر وحجبها عددا من المعدات العسکرية والطائرات التي کانت موجودة في الولايات المتحدة من أجل أعمال الصيانة، حيث قامت روسيا بإرسال کل من وزيري الخارجية والدفاع إلى القاهرة على رأس وفد عسکري رفيع المستوى لمناقشة صفقات التسليح الروسية للجيش المصري وتم الإعلان عن التوصل لصفقة أسلحة روسية لمصر قيمتها تزيد على ثلاثة مليارات دولار بتمويل خليجي. کما قامت القوات الروسية والمصرية في سبتمبر 2017 بتنفيذ مناورات عسکرية عرفت باسم حماة الصداقة([50]).

أما المسار الثالث؛ فهو إرسال ونشر بعض الوحدات والقوات الخاصة الروسية لدعم ومساندة القوات العسکرية فى الدول الصديقة والحليفة والمتعاونة فى مواجهة التنظيمات السياسية والعسکرية المعارضة والتى تستهدف إسقاط نظم الحکم فى هذه الدول؛ ولوحظ أن جانبا من هذه القوات اتخذ شکلا أو نمطا غير رسمى – أى اعتمدت الدولة الروسية على شرکات الأمن الروسية الخاصة ومنها على سبيل المثال شرکة فاجنر الروسية – کما يجرى فى الحالة الليبية حيث قامت روسيا بنشر بعض وحدات القوات الخاصة الروسية بأحد القواعد العسکرية في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود المصرية الليبية لتنفيذ بعض العمليات وتقديم العون للمليشيات الليبية التابعة لخليفة حفتر والتي تتمتع بدعم مصري/روسي؛ وأيضا الاتفاق بين الجانبين المصرى والروسى على إعداد وثيقة تعاون تمکن الروس من استخدام الأجواء والقواعد العسکرية المصرية في عمليات عسکرية فى شرق ليبيا لمساندة قوات المشيرخليفة حفتر فى حربها ضد حکومة الوفاق الليبية الموالية للغرب([51]) . 

وتضمن المسار الثالث إرسال روسيا قوات عسکرية روسية وعتاد عسکرى لايستهان به للدولة السورية برئاسة بشار الأسد بما يخدم الهدف الروسى الأشمل وهو إرساء موطئ قدم لروسيا في منطقة تعد ذات نفوذ أوروبية والحدّ من قدرة الولايات المتحدة على المناورة سياسيا وعسکرياً فى سوريا خصوصا والشرق الأوسط عموما([52])؛ وفى ذات الوقت الترويج لبيع الأسلحة الروسية ولمکافحة الإرهاب؛ ومنع انهيار نظام حکم الرئيس بشار الأسد الحليف السياسى والعسکرى المهم لها فى المنطقة؛ واختبار القوة التدميرية للأسلحة الروسية الجديدة خاصة فى مواجهة الأسلحة الغربية التى تستخدمها قوات المعارضة السورية .

5- الخروج من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة فى روسيا: تواجه روسيا منذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 /2009 وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي عدة مشکلات اقتصادية کبيرة أدت إلى معاناته من الانکماش والتدهور نتيجة لعدة أسباب أهمها([53]): استمرار العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة عليه علي خلفية الأزمة الأوکرانية وضم شبه جزيرة القرم لروسيا، بالإضافة إلى استمرار التراجع في سعر النفط، فضلا عن انخفاض وتراجع الاستثمارات الأمريکية والأوربية المتدفقة إلى روسيا في مقابل تزايد هروب رؤوس الأموال للاستثمارفي الخارج؛ مما ساهم بشکل کبير في انهيار سعر الروبيل الروسي بل ووصوله إلى أدنى مستوياته في مواجهة الدولار الأمريکي بالإضافة إلي ارتفاع معدل التضخم وظهورمشکلات في تمويل أوجه الإنفاق فى ميزانية الدولة، فضلا عن تزايد حجم الديون الخارجية.

لذا رأت القيادة الروسية فى العودة لمنطقة الشرق الأوسط حلولا لمشاکلها الاقتصادية؛ حيث يمکنها زيادة مبيعاتها السنوية من الأسلحة والتى شهدت تراجعا حادا نظرا للعقوبات الأوروبية عليها للدول العربية وفى مقدمتها: مصر والعراق وليبييا والجزائر والأردن والإمارات والمغرب وتونس والسودان علاوة على ايران وترکيا والسعودية – حيث تستهلک دول المنطقة نحو أکثر من 45 مليار دولار بما يعادل 60 % من مبيعات الأسلحة سنويا ([54]). کما تستهلک دول المنطقة حوالى 80 % من احتياجاتها من السلع والمحاصيل الغذائية وفى مقدمتها القمح والزيوت والسکر واللحوم([55])؛ وبالتالى تستهدف روسيا الوصول لهذا السوق الضخم لتصدير منتجاتها وسلعها المصنعة عوضا عن السوقين الأوروبى والأمريکى . علاوة على استهداف روسيا التنسيق مع الدول العربية المنتجة للنفط والغاز الطبيعى في کل ما يتعلق بسياسات الإنتاج والأسعار والتوزيع لهذه السلع الاستراتيجية التى تطمح روسيا لاحتکار توزيعها وبيعها للسوق الأوروبى. إلى جانب معاونة الشرکات الروسية فى إبرام اتفاقات استثمار والتنقيب والاستخراج والاستغلال عن النفط والغاز الطبيعى فى الدول العربية وايران کما تستهلک دول المنطقة حوالى 80 % من احتياجاتها من السلع والمحاصيل الغذائية وفى مقدمتها القمح والزيوت والسکر واللحوم([56])؛ وبالتالى تستهدف روسيا الوصول لهذا السوق الضخم لتصدير منتجاتها وسلعها المصنعة عوضا عن السوقين الأوروبى والأمريکى . علاوة على استهداف روسيا التنسيق مع الدول العربية المنتجة للنفط والغاز الطبيعى في کل ما يتعلق بسياسات الإنتاج والأسعار والتوزيع لهذه السلع الاستراتيجية التى تطمح روسيا لاحتکار توزيعها وبيعها للسوق الأوروبى. إلى جانب معاونة الشرکات الروسية فى إبرام اتفاقات استثمار والتنقيب والاستخراج والاستغلال عن النفط والغاز الطبيعى فى الدول العربية وايران([57])؛ لذا شکلت عملية السيطرة الروسية على خطوط وأنابيب النفط والغاز فى دول المنطقة أحد أهداف سياستها الخارجية الجديدة خاصة فى ظل ما أشارت إليه التقارير الدولية من زيادة تقديرات الاحتياطى العالمى من الغاز الطبيعى  فى: ايران (33 تريليون و610 مليارات متر مکعب)، وقطر (25 تريليون و200 مليار متر مکعب)، ومن ثمّ کل من المملکة العربية السعودية و الامارات العربية المتحدة، و الجزائر، والعراق، ومصر والتى تستحوذ مجتمعة على نحو أکثر من 123 تريليون متر مکعب تمثل نحو 88 % من الاحتياطى العالمى من الغاز الطبيعى فى 2017([58]). وخلال الفترة بين عامى 2012 و2020 تسعى الحکومة الروسية – من خلال الاتفاقيات الثنائية مع دول المنطقة - لتعزيز موقعها في سوق الطاقة الأوروبي والعالمى على المدى البعيد ودمج خطط الاستخدام السياسى لمواد الطاقة فى سياستها الجديدة بالمنطقة .  

تطمح روسيا کذلک إلى جذب الاستثمارات والفوائض المالية الخليجية خاصة بعد قيام غالبية دول : السعودية والامارات وقطر والبحرين بـتأسيس " صناديق الثروة السيادية" والتى تتراوح الأموال المودعة بها بين 290 و340 مليار دولار أمريکى([59])؛ وذلک بديلا للاستثمارات الأمريکية والأوروبية التى شهدت نزوحا وخروجا سريعا من المشروعات والصناعات الروسية عقب فرض العقوبات الاقتصادية الأوروبية على روسيا بعد التدخل الروسى فى أوکرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وعرضت الحکومة الروسية على نظرائها فى هذه الدول تقديم کافة التسهيلات والحوافز لدخول هذه الاستثمارات فى القطاعات الصناعية والزراعية والعسکرية الروسية والتى شهدت تراجعا حادا فى مؤشرات الأداء الاقتصادى لها وانخفاض جودتها وتزايد مديونتها وکساد مبيعاتها الخارجية نظرا لغلق الأسواق الأوروبية والعالمية أمامها .

ثالثا: ضوابط ومبادىء استخدام القوة الناعمة فى السياسة الخارجية الروسية

1- القوة الناعمة فى التصور الرسمى الروسى: ظهر مصطلح " القوة الناعمة " لأول مرة فى الخطاب الرسمى للدولة الروسية على لسان رئيسها فلاديمير بوتين عند توليه منصب الرئاسة  للاتحاد الروسى فى عام 2006 ([60])– وبعد مرور عامين على صک جوزيف ناى له فى عام 2004؛ وذلک فى خطابه لأعضاء مجلس الدوما حيث حدد بوضوح أهداف السياسة الروسية المستندة للقوة الناعمة فى: استعادة روسيا لمکانتها العالمية بحيازة وسائل ومفردات القوة الناعمة؛ وإعادة ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بتنمية مصادر هذه القوة واستخدامها على الوجه الأحسن، وتطوير کفاءة المؤسسات المعنية ببناء القدرات وتوظيف واستثمار مصادر القوة الناعمة بحيث تتناسب مخرجات القوة الناعمة مع الموارد أو المصادر المتاحة لها. واعتبر الرئيس بوتين أن القوة الناعمة لروسيا بمثابة وجه مضاد للوجه الآخر الذى تجتمع فيه سلبياتها وهو القوة الصلبة، وحصر إجراءات وسياسات بلاده لاستخدام القوة الناعمة فى: الحفاظ على ثقافتها واستغلالها على نحو يجعل منها قوة فاعلة لتحقيق تقدم ملموس فى الأسواق الدولية، وتحقيق تقدم ثقافى يرتکز على تصدير التعليم والثقافة الروسيتين للخارج وبما يخدم مصالح روسيا وأفکارها ومنتجاتها أيضًا([61]).

وفي الأول من ديسمبر 2016، أوردت وثيقة منشورة على موقع وزارة الخارجية الروسية، وموقّعة من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، "مفهوم السياسة الخارجية للدولة وأدواتها"؛ وجاء في البند التاسع (من أصل 108 بنود احتوت عليها الوثيقة) أن "القوة الناعمة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية"([62]) .

تکررت منئذ الإشارة إلى مفهوم القوة الناعمة في الخطاب الروسي لاسيما في العامين 2017 و2018 حيث دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى تعزيزها من قبل الدبلوماسية العامة، بتحسين صورة روسيا في الخارج، ونشر استخدام اللغة الروسية، وتمتين العلاقات مع الجاليات والمواطنين الروس المقيمين في الخارج. واعتبر بوتين أن تحسين صورة روسيا ومکانتها في النظام الدولي القائم أحد أهم مصادر قوتها الناعمة، بالنظر إلى مساحتها الجغرافية، وتنامي قوتها العسکرية، ودورها في تشکيل السياسات العالمية، وتاريخها الطويل([63]).

وخلال هذه الفترة استخدم کافة المسئولين الروس المصطلح وربطه باستعادة المکانة الروسية فى النظام الدولى وخلق نظام جديد متعدد الأقطاب بدلا من النظام الراهن الأحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة؛ وهو أوضحته عدة خطابات لکل من وزير الخارجية لافروف ونائبه جينادي جاتيلوف حيث طالب الأول فى مقال صحفى له فى سبتمبر 2019 بتوحيد الدبلوماسية الرسمية والاجتماعية في استخدام "القوة الناعمة" بما يخدم هيبة روسيا على الصعيد الدولي؛ علاوة على أهمية جذب المجتمع المدني الى السياسة الخارجية بزيادة مساهمة المنظمات غير الحکومية وجمعيات رجال الأعمال في منتديات السياسة الدولية؛ مع أهمية الوعى بازدياد مخاطر استخدام "القوة الناعمة" بهدف التدخل في الشئون الداخلية لدول ذات سيادة ([64]).

مما سبق يتبين مرکزية البعد الأيدلوجي فى التصور الروسى لاستخدامات القوة الناعمة؛ فعلى الرغم من تراجع الأيدلوجية الاشتراکية في أعقاب انهيار وتفکک الاتحاد السوفيتي السابق، إلا أن “المشهد الأيدلوجي الروسي المعاصر” يمکن الاستدلال عليه من خلال خمسة مفاهيم أساسية تعد أبرز عناصر التصور الروسى للقوة الناعمة، لأنها تحدد موقع روسيا علي الساحة العالمية. وهذه المفاهيم هي([65]): الديمقراطية السيادية الروسية التي لا تتفق بطبيعة الحال مع الديمقراطية الليبرالية الغربية وهي الهوية الرسمية للنظام السياسي لبوتين، وتحسين صورته في الخارج، والحنين للحقبة السوفيتية ومايرتبط بها من القيم التقليدية التى تنصرف إلى “الإحياء الديني” الذى تدافع فيه الکنيسة الأرثوذکسية الروسية عن الوحدة الدينية و”إعلاء الروابط الروحية” فى الدول التابعة للکنيسة الأرذوکسية؛ وتشکيل العالم " الروسي" بنطاق أوسع، والمشارکة بفعالية فى خلق وقيادة النظام الدولي المتعدد الأقطاب، والتکامل الاقتصادى العالمى الخادم للکيان الروسى فى مواجهة العالم الذي يهيمن عليه الغرب ولا يفسح المکان لروسيا کي تضطلع بالدور المستقل الذي ترغب به في نظام دولي تعددي.

مع کل ما سبق؛ حرصت السياسة الروسية فى بعدها الخارجى خلال الفترة بين عام 2006 و2016 على استخدام أدوات القوة الصلبة ذات التأثير أو المردود الايجابى – والتى نوه لها جوزيف ناى من قبيل القوة الاقتصادية والقوة العسکرية – ومنها : توفير القروض الکبيرة ذات الفائدة المخفضة أو الميسرة، وتخفيض أسعار بيع الغاز لدول وجمهوريات الکومنولث الروسى، علاوة على استخدامها لذات الأدوات وهى القوة الاقتصادية والقوة العسکرية بقصد إحداث تأثيرات سلبية أو فرض ضغوط وعقوبات على الدول الأخرى فى منطقة الکومنولث الروسى ومنها أوکرانيا وجورجيا ولاتفيابصفة خاصة والتى اشتملت على: فرض زيادة فى الرسوم الجمرکية على صادرات هذه الدول للسوق الروسى وزيادة أسعار الغاز الروسى الذى يتم توريده للمشروعات الصناعية والاستخدام المنزلى فى هذه الدول([66])؛ وذلک بقصد أو بهدف الضغط على السياسات الخارجية لهذه الدول المؤيدة للتوجهات الغربية ورفضها التوافق مع السياسات الروسية عالميا وإقليميا.

2- أدوات ومقومات القوة الناعمة الروسية: ترتکز الدراسة فى هذا القسم على رصد وتحليل تأثير أدوات القوة الناعمة الروسية فى سياستها الخارجية بالمنطقة العربية؛ والتى تشمل: الأدوات الثقافية والقيم السياسية وجاذبية السياسة الخارجية؛ إلى جانب العناية بتحليل الأثار الناعمة للمصدرين التعاونيين الاقتصادى والعسکرى – واللذين يعدان بطبيعتهما وفقا لناى من مصادر القوة الصلبة - کمصادر مکملة أو داعمة ذات آثار ناعمة للسياسة الخارجية الروسية .

ترتبط عملية استخدام أدوات القوة الناعمة بالمؤسسات الرسمية من حيث کفاءة وفاعلية ومهارة الديبلوماسية الروسية، وکفاءة ومهارة وفاعلية السياسات العامة التي تعتمدها المؤسسات الرسمية وتعمل طبقاً لها في ميادين التجارة والثقافة والرياضة والعلاقات العامة مع المجتمعات الأخرى بما في ذلک تنظيم المهرجانات والمعارض والمسابقات وتشجيع الإبتکار والإختراع والدراسات والتطبيقات التکنولوجية المتقدمة. وتشمل هذه الأدوات الروسية المستخدمة فى سياتها الخارجية فى المنطقة فيما يلى :

أ) تحديث القناة الإعلامية الدولية "آر تى" المعروفة فى وقت سابق باسم "روسيا اليوم"، واجتهادها فى تطوير الخدمة الروسية والعربية والإنجليزية والفرنسية بها، حتى صارت واحدة من کبرى الشبکات التليفزيونية العالمية فى أوروبا والمنطقة العربية وآسيا الوسطى وشمال أمريکا، ما جعل واشنطن تصفها بأنها "بوق دعاية بوتين"، کونها تعمد إلى الترويج لرؤى روسيا ومنظورها فى دول العالم([67]). وقد نوهت دراسة متخصصة نشرت فى يوليو 2019 إلى التأثير الإعلامى الضخم لهذه القناة فى المنطقة العربية حيث يتابعها بصفة منتظمة نحو 8‚6 مليون مستخدم شهريًا فى کل من: مصر، والمغرب، والإمارات، والسعودية، والعراق والأردن([68]).

ب) التحرک الروسى الدبلوماسى لحماية الدول الصديقة والحليفة والمتعاونة فى الأمم المتحدة عموما ومجلس الأمن على وجه الخصوص ومن أبرز هذه الدول : سوريا وليبيا وايران ومصر. کما اعتمدت روسيا على الأداة الدبلوماسية وتبادل زيارات الوفود الرسمية مع الدول المحورية فى أقاليمها الجغرافية؛ ففى المنطقة العربية مع الإمارات العربية المتحدة والمملکة العربية السعودية ومصر لتسوية قضايا ومشکلات الصراع والحروب فى المنطقة وفقا لما کشف عنه الرئيس بوتين وصرح به أثناء زياراته لهذه الدول؛ ومن أهم هذه المشکلات والحروب: الصراع فى سوريا، والحرب فى اليمن؛ والصراع المسلح فى ليبيا؛ وترتکز السياسات الروسية والعربية المقدمة فى هذا الشأن على : طرح الحلول والمبادرات الهادفة لتهدئة هذه الحروب والصراعات والوصول لهدنة أولا والحد من تدخلات القوى الخارجية ثم تجميع کافة القوى والفصائل الوطنية العربية لمائدة التفاوض، وإعادة وتوطين اللاجئين مرة أخرى فى ديارهم، والقيام بتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار وبناء من دمرته هذه الصراعات والحروب من منشآت ومرافق البنية الأساسية من محطات مياه شرب وصرف صحى ومستشفيات ومدارس وشبکة طرق ومواصلات واتصالات وغيرها خلال الفترة المقبلة؛ مما يعنى أن الطريق بات مفتوحا أمام روسيا للقيام بدور مهم في ملفات المنطقة وبالتنسيق والتفاهم المشترک مع رؤساء دول الإمارات والسعودية ومصر، وبالتالي تقوية موقعها الإقليمي والدولي([69]).

جـ) السعى لخلق لوبى عالمى لإدارة موارد الطاقة: قامت روسيا خلال الفترة الممتدة بين عامى 2012 و2019 بجهد دبلوماسى للتنسيق مع الدول الکبرى المنتجة والمصدرة للبترول بشأن سياسات الإنتاج والتسعير العادل لبرميل البترول فى مواجهة السياسات الأمريکية والغربية الرامية للهيمنة على مناطق إنتاج البترول والتدخل السافر فى فرض أسعار معينة للبترول لاتراعى مصالح کبار المنتجين والمصدرين ومنهم روسيا وهو ما اعتبرته تلاعبا وسعى أمريکى لوقف النمو الاقتصادى الروسى خاصة بعد فشل الحظر الاقتصادى الذى نفذته الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية على تصدير البترول الروسى بين عامى 2015و 2018 ([70])؛ ومن أبرز ما أنجزته فى هذا الشأن هو ابرام صيغة أوبک + مع منظمة الدول المصدرة للبترول( أوبک) وهو تحالف تشاورى يضم دول الأوبک و24 دولة خارج المنظمة من أهمها روسيا بهدف تنفيذ اتفاق جديد لخفض إنتاج النفط بواقع 2‚1 مليون برميل يوميا ينتهي تنفيذه  فى مارس 2020.

إلى جانب ما سبق؛ نجحت الحکومة الروسية فى إبرام عدة اتفاقيات لاستخراج وإنتاج البترول مع عدة دول نامية من أبرزها مصر والعراق والجزائر وليبيا؛ حيث أصبح قطاع الطاقة رکنا أساسياً للنفوذ الروسى في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص، ففي أوائل عام 2017 أقرضت شرکة الطاقة الروسية العملاقة "روسنفت" 3.5 مليار دولار لـ "حکومة إقليم کردستان" فى العراق ووقّعت معها مجموعة من عقود الطاقة الإضافية مما منح " حکومة الإقليم" درجة مهمة من النفوذ في مواجهة الحومة المرکزية فى العراق، وفى عام 2018 اشترت "روسنفت" أيضاً حصة أغلبية في خط أنابيب النفط التابع لحکومة إقليم کردستان التى وافقت على بناء خط أنابيب غاز موازي له يصل للأراضى الترکية .

کما اهتمت القيادة الروسية بالسيطرة على موارد الطاقة التابعة للحکومة العراقية المرکزية؛ ووصل إجمالي الاستثمار الروسي في قطاع الطاقة في العراق بنهاية عام 2018حوالى عشرة  مليارات دولار([71])، يسعى القادة الروس لمضاعفة هذه الاستثمارات لأکثر من ثلاثة أضعافها بنهاية عام 2021.

 واستخدمت السياسة الروسية المنتديات والمؤتمرات العربية مع دول الجوار الجغرافى کساحة لمد نفوذها من المنطقة العربية للمناطق الجغرافية الأخرى المرتبطة معها باتفاقات سياسية واقتصادية؛ ففى عام 2019 أثناء عقد منتدى التعاون الروسى الأفريقى فى نهاية أکتوبر من ذات العام وقعت مجموعة من الشرکات الروسية من ضمنها المرکز الروسي للتصدير ومصرف VEB.RF ومصرف Afreximbank وشرکة البترول الوطنية الکنغولية SNPC مذکرة تفاهم رباعية لمد خط أنابيب لنقل المنتجات النفطية في جمهورية الکونغو- ليربط بين ميناء بوانت نوار، المطل على المحيط الأطلسي والمحطة الوسيطة في لوتيتي؛ وسيستغرق تنفيذ هذا المشروع، الذي يعد أحد أکبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ الکونغو، قرابة ثلاث سنوات؛ وستبلغ قدرة نقل خط الأنابيب 2‚2 مليون طن سنويا من المنتجات النفطية.

کما عقدت شرکة "زاروبيجنفت" الحکومية الروسية اتفاقية مع الشرکة الآسيوية "باسيفيک أويل أند غاز" المصرية، لتطوير الکتلة البحرية للجرف المصري جنوب شرق رأس العش؛ على أن يتم تقاسم الإنتاج بين الشرکتين في قطاع النفط والغاز ([72]) . کما سعت روسيا إلى ترسيخ حضور أوسع لها في قطاعي النفط والغاز بالجزائر اللذين يکتسيان أهمية کبيرة في هذه الدولة المنتجة للنفط والغاز الطبيعى حيث تملک شرکة "غازبروم" الروسية أصولاً في الجزائر تزيد قيمتها على 200 مليون دولار وفازت بأربعة عقود للتنقيب عن النفط والغاز وتطوير استخراجهما فى عام 2017([73]).

وفى مجال الهيمنة على المناطق الحيوية والاستراتيجية فى الشرق الأوسط والضرورية للتجارة والصناعة والاستثمار الخارجى الروسى؛ أبرمت روسيا فى إطار سياستها لإقامة مشارکات اقتصادية استراتيجية مع دول المنطقة اتفاقية هامة مع مصر فى مايو 2018 تقوم بمقتضاها الحکومة المصرية بتخصيص نحو ثلاثة آلاف فدان للشرکات الصناعية والتجارية الروسية لإنشاء منطقة تجارة صناعية روسية حرة في بورسعيد، وهو الأمر الذى يحافظ ويحمى المصالح السياسية والاقتصادية الروسية على کلا جانبَي قناة السويس؛ ويفتح آفاقا کبيرة للتعاون بين روسيا ودول المنطقة في مجال التسويق وتنظيم عمليات التبادل التجارى، وکذلک تحسين المجال التنظيمي ودخول المنتجات الصناعية الروسية إلى الأسواق الأفريقية والعربية والعالمية([74]).

د) تفعيل نشاط المراکز الثقافية والعلمية الروسية من جديد في عدد من الأقطار العربية، وتحديدا في مصر والمغرب وتونس وسورية والأردن ولبنان. وتقوم هذه المراکز التي تمولها الدولة الروسية بتنظيم شتى الفعاليات الثقافية کالمعارض الفنية والحفلات الموسيقية والأمسيات الأدبية وعروض الأفلام الروسية ومهرجانات الثقافة الروسية؛ علاوة على قيام هذه المراکز الثقافية والعلمية الروسية بتنظيم دورات لتعليم اللغة الروسية توفر لجميع الراغبين تعلم لغة بوشکين ودوستويفسکي وتولستوي، إلى جانب إستُخدامها أيضاً کمراکز إقتراع للمواطنين الروس فى دول المهجر کما حدث خلال الإنتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة([75]).

هـ) تأسيس عدة روابط ومنظمات للمجتمع المدنى الروسى لتحسين وتعزيز صورة کل من روسيا والعالم العربي لدى الآخر، وتمتين أواصر التعاون الاقتصادي والثقافي فيما بينهما فقط من خلال: توفير المعلومات الموثوقة والموثقة عن الشرکاء التجاريين المحتملين ووسط رجال الأعمال فى المناطق التى تزدهر فيها التجارة الخارجية الروسية؛ وبما يعزز التعاون المتبادل والقائم على أسس المنفعة والمصلحة المشترکة؛ وضمان التفاعل الأفضل والخلاق في جميع قطاعات الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والعلاقات الثقافية والعلمية وغيرها؛ وخلق مناخ ملائم للاستثمار المشترک بين الجانبين وعلى المدى الطويل. ومن أبرز هذه الراوبط والمنظمات: مجلس الأعمال الروسي المقام في عام 2002؛ وجمعيات الصداقة الروسية مع دول العالم النامى التى تضع نصب عينيها مهمة إطلاع الروس على تقاليد وعادات هذه الدول وثقافتها؛ وجمعيات خريجي المعاهد والجامعات السوفيتية والروسية بما في ذلک الدراسات العليا([76]). بالإضافة إلى قيام اتحاد أدباء روسيا بإبرام اتفاقات وبرامج للتعاون مع اتحادات ونوادى الأدباء العرب فى سوريا وتونس وفلسطين والإمارات العربية والأردن والعراق ولبنان والسعودية ومصر والمغرب وغيرها، کما تم تأسيس وافتتاح المرکز الثقافى العربى في مدينة سانت بطرسبورج في العام 2012، بهدف تمتين العلاقات الثقافية مع الدول العربية، بالإضافة إلى نشر واستخدام اللغة العربية فى روسيا من خلال افتتاح مدرسة خاصة لهذا الغرض في سانت بطرسبورج؛ وتنظيم حوارات شهرية حول مواضيع اجتماعية ثقافية متنوعة ومتعددة على الساحتين الروسية والعربية، بالاضافة إلى رعاية الطلاب العرب في سانت بطرسبورج وحل مشاکلهم مع مؤسسات الدولة الرسمية.

ربما يفوق ما سبق جميعا من وجهة نظرنا هو استئناف نشاط الترجمة من الروسية للغات الانجليزية والفرنسية والعربية والعکس مما يثرى المکتبة الروسية والقارىء الروسى بکتابات وابداعات الأدباء المشاهير و المعروفين فى هذه الدول. وتعکف دور النشر الروسية المملوکة للدولة حاليا على إعداد وتنفيذ مشروع عملاق لترجمة" أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين" تم الانتهاء من ترجمة حوالي عشرين رواية منها فى مقدمتها رواية " قنديل أم هاشم" للروائي المصري الکبير يحيى حقي، وهي أول عمل أدبي له يصدر باللغة الروسية([77]).

و) التعاون فى المجال النووى: حلمت کثير من الدول النامية زمنا طويلا خاصة خلال عقدى السبعينيات والثمانينات من القرن الماضى بالدخول فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية؛ غير أن هذا الحلم کثيرا ما اصطدم بالمخاوف التى أثارتها بعض الدول الغربية الکبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بشأن عدم فعالية نظم الأمان والتأمين الخاصة بتشغيل هذه المحطات . جاءت روسيا النووية فى عهد بوتين لتحقق طموح بعض الدول العربية الراغبة فى الدخول لمجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية متعهدة فى هذا الشأن بتقديم الدعم الفنى والتقنى  وتدريب وإعداد الکوادر الفنية والبشرية المؤهلة لتشغيل هذه المحطات؛ علاوة على المساعدة فى تدبير مصادر التمويل اللازمة والکافية للدول محدودة الموارد المالية إلى جانب توفير المعدات والأجهزة التکنولوجية الحديثة والمتقدمة فى هذا الشأن. وأبرمت روسيا اتفاقات لهذا الغرض مع عدة دول عربية منها مصر والامارات والمغرب؛ کما تجرى مفاوضات مع دول أخرى منها الأردن والکويت والجزائر وغيرها([78]).ولاشک أن مثل هذه المشروعات العملاقة ستدعم الصورة الإيجابية لروسيا بين شعوب المنطقة التى تتوجس کثيرا من السياسات والمشروعات الغربية التى تستهدف فى المقام الأول الحفاظ على مصالح هذه الدول فى المنطقة العربية ([79]).

ز) الترويج للتعليم الجامعى ومابعد الجامعى فى روسيا: شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين-  وهو يلقى خطابه السنوى إلى البرلمان الروسى فى عام 2012 - على ضرورة تهيئة الظروف ليأتي الطلاب الموهوبون من البلدان الأخرى إلى روسيا للدراسة، ويبقى خيرة الخريجين الأجانب في روسيا للعمل. لذا تسعى روسيا إلى توطيد موقعها کبلد مضيف لمتلقي العلوم والبحث العلمي؛ ومن أجل ذلک تطوّر الجامعات الروسية المناهج التعليمية وتعزز قدرتها على جذب الطلاب الأجانب؛ ومن أبرز هذ الجهود مشروع النهوض بمستوى الخدمات التعلميية (مشروع 5-100) الذي بدئ بتنفيذه منذ عام 2013؛ ويتزايد عدد البرامج التعليمية التي تنفذها الجامعات الروسية المشارکة في مشروع 5-100 لخدمة الطلاب العرب عاما بعد عام. وعلى سبيل المثال تقوم الجامعة الروسية لصداقة الشعوب وجامعة تومسک للتعليم البوليتکنيکي بتطوير التعاون مع "الجامعة المصرية الروسية"، فيما تقدم جامعة قازان الخدمات في مجال التعليم الديني الإسلامي وتقوم بإجراء الأبحاث الدينية الإسلامية؛ کما تواصل روسيا وبلدان العالم العربي العمل في إعداد مناهج تعليمية مشترکة وتطوير التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي. وفى نهاية عام 2018 بلغ عدد الطلاب الأجانب في روسيا، 272 ألف طالب؛ ووفقا لمخططات وزارة التعليم والعلوم الروسية فإن عدد الطلاب الأجانب في روسيا يجب أن يرتفع إلى 710 آلاف بحلول عام 2025. ويأتي غالبية الطلاب الأجانب إلى روسيا من آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتية السابقة. ويشکل الطلاب العرب ثالث أکبر فوج من الموفدين إلى الدراسة في روسيا؛ حيث وصلت أعدادهم فى نهاية 2018 إلى 11982 شخصا قدموا من 19 بلدا من بلدان العالم العربي، أو نحو 10 % فقط من إجمالي عدد الطلاب الأجانب في روسيا([80]). وثمة أسباب کثيرة تدفع الطلاب من الدول النامية عموما ومن الکومنولث الروسى والدول العربية وشرق آوروبا للدراسة في روسيا منها: جودة التعليم الروسي الذي يتميز بأصالته وتقديم الخدمات التعليمية المبتکرة، وانخفاض تکلفة الدراسة والإعاشة في روسيا التي تقل کثيرا عن تکلفة الدراسة والإعاشة في غالبية الدول الأوروبية والولايات المتحدة؛ علاوة على تدنى معدلات التمييز والکراهية والعداء للأجانب بعکس الحال فى الولايات المتحدة التى ازدادت بها هذه المعدلات خاصة فى ظل إدارة الرئيس ترامب([81]). 

حـ) توظيف واستخدام الکنيسة المسيحية الأرثوذوکسية: يتم الربط عادة بين القوة الناعمة والدين من خلال القوة الناعمة الدينيةReligious Soft Power، والتي تجدد الاهتمام بها في أعقاب تصاعد الاهتمام بما سُمّي “الدبلوماسية الدينية”. فالقوة الناعمة الدينية تشير إلى قدرة کيان – وليس بالضرورة دولة – على التأثير في الآخرين من خلال الجذب والإقناع([82]). ويرى جوزيف ناي صاحب ومبتدع نظرية  “القوة الناعمة” أن الدين لا يعدو کونه قوة إقناع في العلاقات الدولية وأنه سلاحًا ذي حدين([83]). لذا سعت الدبلوماسية الروسية لاستخدام الکنيسة الأرثوذوکسية الروسية کأداة من أدواتها المستخدمة فى التواصل والتقارب مع الدول ذات الديانة الأرثوذوکسية؛ وصورت الدولة الروسية نفسها على أنها وريثة القسطنطينية، أي "روما الثالثة"، وأنها تتولّى مهمّة التبشير الإلهية بالأرثوذکسية الشرقية؛ واستخدت الدولة الروسية الشرق الأوسط کحلبة لمنافسة الغرب اعتمادا على العامل الدينى .

وقد ميز الرئيس بوتين – في عدة مناسبات – بين الأساليب الروسية والأمريکية في ممارسة القوة الناعمة الدينية. ففي رأيه، يستخدمها الغرب بشکل غير شرعي لإثارة التطرف والقومية والانفصالية والتلاعب بالرأي العام والتدخل في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، بينما تقوم الحکومة الروسية باستخدامها فى تقوية وتمتين العلاقات الروحية الدينية مع نظراءها من الدول التى تتواجد فيها أفراد يدينون بالمسيحية الأرثوذکسية. وتلاقت الرغبة الحکومية الروسية مع رغبة قيادات الکنيسة الأرثوذوکسية فى القيام بدور الفاعل الدينى والسياسى العابر للحدود وبما يتجاوز تأثيرها فى حدود الدولة الروسية ذات القومية الواحدة([84]).

ط) الترويج لمبيعات الأسلحة الروسية والاستثمار المشترک لها فى الشرق الأوسط : تتبنى روسيا فى سياستها الجديدة بالمنطقة الاعتماد على أداة الترويج لزيادة مبيعات أسلحتها لدول المنطقة، وکذلک دعوة دول الخليج ذات الوفرة المالية الضخمة الناتجة عن بيع النفط والغاز الطبيعى لضخ استثماراتها الخارجية فى قطاع صناعة الأسلحة الروسية والذى تواجه شرکاته صعوبات وتحديات کبرى فى تدبير المخصصات المالية اللازمة والضرورية لعمليات الإنتاج و البحث والتطوير لهذه الأسلحة([85]) .

ففى مجال مبيعات الأسلحة الروسية لدول منطقة الشرق الأوسط؛ فقد قدرها الخبراء والمتخصصون ومنهم ديمتري شوجاييف مدير الوکالة الاتحادية للتعاون العسکري الروسية بنحو ست مليارات دولار سنوياً مثلت حوالى 40% من اجمالى مبيعات الأسلحة الروسية سنويا والتى بلغت 50 مليار دولار فى عام 2018 ([86]). ويعزى النجاح الروسي المتصاعد بالتصدير لدول المنطقة إلى عدة اعتبارات أهمها: جودة وکفاءة السلاح الروسي الذي يتم تجربته واستخدامه في سوريا مما يؤدى إلى حرفية ودقة هذه الأسلحة ومنها يتم نقل کل البيانات والمعلومات عن انجازات هذه الأسلحة للدول العربية الراغبة فى الشراء؛ ومن أبرز الأسلحة التى تنال استحسان ورغبات الشراء الأسلحة النارية الخفيفة وأنظمة دفاع جوي مثل "إس 300" و"إس 400"، بالإضافة إلى الاهتمام البارز بالصواريخ المضادة للدبابات والمصفحات "کورنيت —أي"؛ علاوة على الطائرة الروسية المسيرة من طراز" أوريون-إيه"والتى يمکنها  حمل أسلحة وقنابل يصل وزنها لنحو مائتى کيلو جرام علاوة تزويدها بأجهزة مراقبة واستطلاع ([87]). أما الاعتبار أو السبب الثانى فهو عدم وجود قيود روسية على تزويد الدول المشترية بکافة الأسلحة المتطورة على النقيض تماما من الولايات المتحدة التى ترفض تزويد الدول العربية بأسلحة متطورة نظرا لرغبتها فى عدم الإخلال بالتوازن العسکرى فى المنطقة لغير صالح اسرائيل ومن أبرز هذه الدول مصر والأردن و الإمارات والسعودية والکويت وقطر وکذلک المغرب؛ أو نظرا للسجل السىء للدولة المشترية فى مجال حقوق الإنسان کما فعلت إدارة أوباما مع مصرفى عام 2013؛ أو خوفا من قيام الدول المشترية ببيع السلاح لدولة ثالثة معادية للولايات المتحدة([88]) . ويتعلق السبب الثالث بالتزام الجانب الروسى السرية التامة فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بحجم الصفقات ونسبة العمولات أو السمسرة التى يحصل عليها المسئولون والقادة العرب بعکس الولايات المتحدة التى تقوم مؤسساتها التشريعية بالرقابة الشديدة لمنع وقوع مثل هذه الجرائم([89]) .  

ومن أبرز دول المنطقة المشترية للأسلحة الروسية کل من : مصر والعراق والجزائر وليبيا والأردن والإمارات والسعودية حيث أبرمت روسيا عدة اتفاقات فى هذا الشأن خلال الفترة بين عامى 2015 و2018 أهمها ما يلى ([90]): توقيع روسيا مع الجزائر إتفاقا للشراکة الاستراتيجية في القطاع العسکري بقيمة 7.5 مليار دولار - وهى أکبر عملية بيع للأسلحة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي - تضمن برنامج لتحديث الجيش الجزائري وتدريبه وتزويده بمعدات عسکرية إضافية شملت طائرات هليکوبتر ودبابات وغواصات. وتعهد روسيا بموجب اتفاق مشترک بتزويد القوات المسلحة التونسية بطائرات هليکوبتر ونظارات للرؤية الليلية وسترات واقية من الرصاص. والاتفاق مع السعودية ومصر والامارات على تزويدها بمنظومات الدفاع الجوى الروسية إس – 300 وإس 400 وطائرات سوخوى سو35 الروسية المتطورة والمماثلة للطائرة الأمريکية إف 35 أو ما يطلق عليها "الشبح"؛ وکذلک توفير خدمات الصيانة والتدريب على کافة الاسلحة الروسية التى يتم توريدها لهذه الدول.

أما المحور الثانى للأداة العسکرية الروسية فى المنطقة العربية فيتعلق بإلتعاون الروسى العربى فى مجال إنتاج الأسلحة؛ وتعد الإمارات الحالة العربية الوحيدة فى هذا الشأن التى استجابت للدعوة الروسية لدول الخليج العربى ذات الوفرة المالية المتولدة من مبيعات النفط الغاز الطبيعى بضخ الاستمارات المالية اللازمة للصناعة العسکرية للتوسع فى إنتاج الأسلحة وتحديثها بصفة مستمرة؛ حيث نوه فيکتور کلادوف مدير التعاون الدولي والسياسة الإقليمية في مؤسسة "روستيخ" الحکومية فى فبراير 2020 إلى قيام الإمارات العربية المتحدة بالاستثمار في تطوير منظومة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات "بانتسير" و"بانتسير- إس 1" حيث مولت مکتب تصميم الآلات الهندسية من أجل تطوير هاتين المنظومتين اللتان تستخدمان للدفاع الجوى من الأرض والبحر ويمکنهما اعتراض وتدمير أي هدف يقترب من السفن البحرية، سواء کان صاروخا أو طائرة مسيرة أو قنبلة موجهة أو طائرة . لذا تعاقدت عدة دول منها الإمارات والسعودية والکويت والبحرين وقطر مع الحکومة الروسية لشراء هاتين المنظومتين([91])  .

رابعا: روسيا فى مقياس القوة الناعمة وأسباب الضعف والتراجع

1- موقع روسيا فى مقياس 30 للقوة الناعمة: عرضنا فى موضع سابق مقياس القوة الناعمة الذى يتکون من مجموعتين من المؤشرات: المجوعة الأولى والتي تستحوذ على 70% من مؤشر القوة الناعمة فإنها تعتمد على خمسة مکونات رئيسية هي الحکومة، المقومات الرقمية، الثقافة، المبادرة في المشروعات، والتفاعل والإشتباک، والتعليم. والمجموعة الثانية من المصادر التي تترک أثراً معنوياً على الآخرين والتي تشمل الأطباق الوطنية والمنتجات التکنولوجيا المتطورة والثقافة وسلع الرفاهية والسياسة الخارجية والقابلية للمعيشة ورؤى الشعوب الأخرى للدولة، فسوف نجد أن لمصر مزايا قوية في بعضها مثل الثقافة والأطباق الغذائية الوطنية بينما تقل هذه المزايا إلى حد کبير في منتجات التکنولوجيا المتقدمة ووفرة سلع الرفاهية والسياسة الخارجية وکذلک في القابلية للمعيشة. وخلال أعوام 2016 و2017و2018- وهى الأعوام التى جرى فيها إدراج القوة الناعمة الروسية فى مقياس التقرير السنوى الذى يصدر عن مؤسسة بورتلاند البريطانية؛ شهد ترتيب القوة الناعمة لروسيا تباينا واختلافا ملحوظا بين نظراءها من الدول التى تم إدراجها فى هذا المقياس من عام لآخر وفقا لمجموع النقاط التى حصلت عليها فى کل مجموعة من المجموعتين موضوع المقياس، وهو ما يوضحه الجدول المرفق([92]) .

المؤشر/ العام

2017

2018

2019

الثقافة

20

21

12

التحليل الرقمى

15

13

10

التعليم

20

18

15

المبادرة فى المشروعات

26

27

27

الحکومة

30

29

29

التفاعل والارتباط

12

13

8

استطلاعات الراى العام فى الدول الأخرى

30

30

29

إجمالى النسبة %

51‚49

10‚51

64‚48

https://softpower30.com/country/russian-federation/?country_years=2017,2018,2019.

من الجدول السابق نلحظ تراجع ترتيب القوة الناعمة الروسية من المرتبة أو المکانة السادسة والعشرين فى عام 2017  باجمالى نقاط وصلت إلى 51‚49 نقطة، إلى المرتبة الثامنة والعشرين فى عام 2018 بنقاط تم تقديرها بنحو 10‚51 نقطة، واستمر هذا التراجع والانخفاض الملحوظ فى عام 2019 حيث لم يزد مجموع النقاط التى حصلت عليها على 64‚48 نقطة؛ وضعتها فى المرتبة الأخيرة للتقرير السنوى للمقياس فى عام 2019. ويمکننا من مطالعة الجدول السابق تبين المجالات والأدوات التى أدى تراجع معدلات الأداء فيها إلى انخفاض النقاط فى المجموع الشامل للنقاط؛ حيث انخفضت قيمة مؤشرات التعليم والرقمنة والثقافة والحکومة والارتباط والانتفاع والاستثمار  والسياسة الخارجية ([93]).

2- القيود والمعوقات الخاصة بالقوة الناعمة الروسية فى الوقت الراهن والمستقبل القريب:

أ- قيود ومعوقات داخلية فى روسيا؛ تواجه الحکومة الروسية خلال الفترة محل الدراسة من وقت لأخر صعوبات محلية وداخلية متصاهدة وجمة فى حشد وتعبئة الموارد اللازمة لأدوات القوة الناعمة والتى من أبرزها :

أ- ارتباط القوة الناعمة بشخص الرئيس بوتين ولاتعکس فلسفة المؤسسات الروسية سواء الحکومية أو غير الحکومية: يشکک کثير من الباحثين والدراسين فى استمرار روسيا الدولة وليس الأشخاص فى تبنى أدوات القوة الناعمة فى السياسة الخارجية الروسية على المدى الطويل خاصة فى مرحلة ما بعد بوتين . کما تبين عملية تحليل المضمون للخطاب الرسمى الروسى عن التوجس والمخاوف من استخدام إمکانات منظمات المجتمع المدنى الروسى فى الترويج للسياسة الروسية فى الخارج فکثيرا ما احتوى خطابات ومقالات بعض المسئولين الروس ومنهم رئيس الدولة فلاديمير بوتين ووزير الخارجية لافروف اتهامات لمنظمات المجتمع المدنى الغربى بالتدخل فى الشئون والسياسات الخاصة بالعديد من الدول النامية مما أدى إلى حدوث صراعات سياسية تطورت للمنازعات المسلحة فى بعض هذه الدول([94]). ربما نجد بعض الحالات التى تساند الحجج الروسية غير أن الواقع يشير إلى أن غالبية مساهمات القوة الناعمة يقوم بها القطاع المدنى إلى جانب دور الشرکات الخاصة الکبرى وبعض الأفراد؛ وهو ما يفسر قصور وتراجع مؤشرات قيم القوة الناعمة فى روسيا.

ب- القيود المالية : تحتاج غالبية أدوات القوة الناعمة لموارد مالية کبيرة للإنفاق عليها دون الأنتظار لمردود سريع لهذا الإنفاق، لذا تعتمد کثير من الدول المتقدمة فى مقياس القوة الناعمة على المساهمات القيمة والکبيرة التى تقدمها منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى وکذلک الشرکات الکبرى والأفراد الموسرين؛ وفى الحالة الروسية تنهض الحکومة بالجانب الأکبر من عملية التمويل والذى يتعرض لعدم الاستقرار والانخفاض وفقا لمعدل النمو الاقتصادى ووفرة الموارد المالية القادمة من عائدات بيع البترول والغاز الطبيعى . وقد تسبب ضعف الموارد المالية فى وقف بعض الأنشطة الخاصة بأعمال ترجمة الأدب والفکر الروسى للغات الأخرى ومنها اللغة العربية، وألجأ الدولة الروسية إلى البحث عن مصادر تمويل خارجية تحت مسمى " المشارکة الثنائية" فى ترجمة ونشر الأعمال الأدبية والروائية الروسية ونظيرتها من اللغات الأخرى([95]).

جـ- قصور الفنون المرئية الروسية: يقارن کثير من المتخصصين بين مساهمات عدة دول نامية فى مجال الفنون المرئية – التليفزيونية والسينمائية- العملية وبين مکانة وترتيب الدولة وفقا لعنصر الثقافة؛ وتعد روسيا من أقل دول المقياس من حيث الإنفاق على الفنون المرئية بينما سبقتها دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان وکوريا وترکيا، فقد تمکنت ترکيا من تصدير مسلسلاتها التليفزيونية إلى 102 دولة حول العالم، وتأتي الدول العربية في مقدمة المستوردين لها، في حين لا يخفي مهتمون بالساحة الثقافية العربية استياءهم مما أسموه غزوًا فکريًا ممنهجًا، يهدف إلى تلميع صورة ترکيا عربيًا.

ويرى أکاديميون متخصصون أن الفنون المرئية التليفزيونية والسينمائية للدول السابقة تمتاز  بالاهتمام بالشکل من حيث اختيار أماکن التصوير الجذابة ومعدات التصوير والصوت المتميزة، إلى انتقاء أفضل الفنيين و الممثلين، علاوة على طرح قضايا تمس عاطفة المتلقي کالمواضيع الرومانسية والإنسانية والاجتماعية والمرتبطة بالواقع والحياة الإنسانية المعاصرة. ولاشک أن تفوق الدول السابقة فى الفنون المرئية يعود فى جانب کبير منه إلى تخصيصها ميزانيات ضخمة للإنتاج والتوزيع على المستوى العالمى؛ وقيام شرکات خاصة ومتخصصة بعمليات الإنتاج والتوزيع وهو الأمر الذى لم يتيسر للشرکات الروسية محدودة الإنتاج والتوزيع فى السوق الروسى فقط. 

د- قيود اللغة الروسية: اللغة کعامل معوق على الرغم من الاهتمام الحکومى بنشر وسائل ومراکز تعليم اللغة الروسية على المستوى العالمى حيث تنظم الدورات التعليمية للغة فى 45 دولة يلتحق بها نحو 16 ألف دارس منهم يتوزعون على النحو التالى : 46 % فى أوروبا، و30% فى الدول الأفريقية؛ و16 % فى آسيا، و3% فى أمريکا الشمالية؛ و5% فى جمهوريات الکومنولث الروسى([96]) .

وعلى الرغم من أولوية التعاون مع دول الکومنولث الروسى فى السياسة الخارجية الروسيية إلا أن معدل الإقبال على تعلم اللغة الروسية فى هذه الجمهوريات فى تراجع مستمر. کما قامت جمهوريات البلطيق الثلاث: ليتوانيا واستونيا ولاتفيا بإصدار قوانين فى عامى 1999و2000 بحظر استخدام اللغة الروسية فى کافة الجهات والمؤسسات الحکومية والخاصة فيها ([97]). کما قامت الحکومة الأوکرانية بين عامى 2000و200 بخفض أعداد المدارس الروسية فى أراضيها إلى الثلث فقط عما کانت عليه قبل عام 1999؛ علاوة على قيام جمهورية ترکمنستان بغلق جميع المدارس الروسية وتحويل الکليات المتخصصة فى دراسة آداب وفنون اللغة الروسية إلى دراسة لغات أخرى مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية. وتعد قيرقيزستان وبيلاروسيا الدولتان الوحيدتان اللتان تعترفان باللغة الروسية لغة ثانية فيهما([98]). إلى جانب ما سبق، نوهت عدة دراسات متخصصة عن عجز اللغة الروسية فى نقل وحمل الثقافة الروسية – کقوة ناعمة – للساحة العالمية مقارنة بلغات أخرى مثل اللغة الانجليزية أو اللغة الفرنسية؛ لذا فإن التنافس بين اللغة الروسية واللغات ذات الاصل اللاتينى ومنها اللغتين الإنجليزية والفرنسية لغير صالح اللغة الروسية کأداة من أدوات القوة الناعمة الروسية([99]). 

هـ-  الدور السياسى السلبى للکنيسة الأرثوذوکسية الروسية: شهدت الفترة بين يناير ونوفمبر 2019 تدخلا شديدا وواضحا من الکنيسة الروسية الأرذوکسية فى القضايا السياسية الروسية اعتمادا أو ظنا منها بمساندة السياسة الرسمية الروسية فى دول الجوار الإقليمى کأوکرانيا أو فى الأزمات والحروب العسکرية فى منطقة الشرق الأوسط عموما وفى الحرب السورية على وجه الخصوص([100]).

وقد ازداد تدخل الکنيسة الروسية بشکل سافر ويتعارض مع قيمها الروحية التى تدعو للسامح وقبول الآخر والمساواة والحرية والعدالة للجميع، فى الشئون الداخلية لبعض الدول التى تعانى من صراعات داخلية مما قاد إلى الإساءة للصورة الدينية المتسامحة للکنيسة ومطالبة قيادتها بعدم الدخول فى الصراعات السياسية والتحريض على الکراهية ونشر الفکر المتطرف خاصة فى الدول النامية ومنها سوريا حيث أعربت الکنيسة الأرثوذکسية في روسيا فى أکتوبر 2015 عن دعمها قرار موسکو شنّ غارات جوية في سوريا ضد تنظيم "داعش"، ووصفت هذا التدخل بـ"المعرکة المقدسة" وفق ما نقلته "فرانس برس". ونقلت وکالة إنترفاکس الروسية للأنباء عن رئيس قسم الشئون العامة فسيفولود تشابلن أن "القتال ضد الإرهاب هو معرکة مقدسة اليوم، وربما تکون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتله". وشنت روسيا بداية أکتوبر 2015 أولى غاراتها الجوية في سوريا بعد أن حصل الرئيس فلاديمير بوتين على موافقة البرلمان لاستخدام القوة.

وفي بيان رسمي قال بطريرک الکنيسة الروسية کيريل "لقد اتخذت روسيا قرارا مسؤولا باستخدام القوة العسکرية لحماية الشعب السوري من المعاناة التي يلحقها بهم الإرهابيون".؛ وأعلن دعم الکنيسة لروسيا فى استخدام قواتها الجوية في سوريا لمهاجمة تنظيم "داعش".([101]).

وقد تسببت تصريحات رجال الدين فى الکنيسة الروسية بردود غاضبة من مسيحيي سوريا، نظرا لخطورتها فى کونها تضع مسيحيي سوريا من الأرثوذکس تحت طائلة تهمة "العمالة" المتعاونة مع الأجنبي ضد بقية أبناء الشعب السوري. لذا اعتبرت عدة شخصيات عامة وناشطون مسيحيون سوريون تصريحات الکنيسة الروسية "إعلاناً لحرب على التراب السوري"، وطالب الجميع بعدم زج الکنيسة الأرثوذکسية فيما هي بعيدة عنه([102]).

و- استمرار الصورة الذهنية السابقة عن استبداد وقمع الاتحاد السوفيتى السابق- التى تعد روسيا خليفة له- للحريات والديمقراطية دون التنويه والدعاية لانتقال روسيا لمصاف الدول الديمقراطية الحديثة ولتقديسها واحترامها لحقوق الانسان وتطبيق اقتصاد السوق الحر بدلا من الاشتراکية . ولم تنجح الجهود الدبلوماسية الروسية حتى الآن فى فض الاشتباک بين إيمانها واحترامها لقيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبين اقتصاد السوق القائم على حرية وتشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى، حيث مازالت تضع العديد من العراقيل والمعوقات أمام التحرک الخارجى لهذين القطاعين الهامين فى الترويج واستخدام قيم ومفردات وأدوات القوة الناعمة([103]). ويرتبط بماسبق؛ استعجال روسيا فى تلقى عائد استخدام أدواتها للقوة الناعمة، وهو ما بدا واضحا فى سياستها الاقتصادية مع عدة دول نامية حيث قدمت المساعدات الاقتصادية والإنمائية لکنها لم تربطها بالسداد على فترات زمنية طويلة کما تفعل نظيرتها الصين فى أفريقيا وأمريکا اللاتينية وإنما فضلت الاستعجال وربطت هذه المساعدات بالحصول على نسبة من ملکية حقول البترول والغاز الطبيعى؛ وهو ما اعتبرته بعض الدراسات " انتهازية سياسية واقتصادية" يتعين سرعة إعادة النظر فيها([104]). 

ز- غياب تأثير الرأى العام الروسى : يعنى بالرأى  العام عموما موقف المواطنين تجاه قضية أو حدث معين فى السياسات الداخلية والخارجية للدول، والتى يتم التعبير عنها فى صور الاتجاهات أو الميول العامة التي تبديها الفئات الواسعة من المواطنين في دولة ما من الدول تجاه سياسة خارجية معينة في وقت من الأوقات. وغنى عن البيان أن دور وحدود تأثير الرأى العام فى السياسات الخارجية للدول يتباين من نظام سياسى لآخر([105])؛ ففي الدول ذات النظم السياسية الليبرالية الديمقراطية ومنها الولايات المتحدة وکثير من الدول الأوربية لاسيما المملکة المتحدة وفرنسا وألمانيا وايطاليا يکون للرأي العام دور فعال في توجيه السياسة الخارجية، أما فى الدول غير الديمقراطية أو ذات الأنظمة التسلطية ومنها بلاشک روسيا فلا يؤثر الرأي العام على سلوک وأنماط وأشکال ومحتوى سياستها الخارجية بشکل کبير عموما وتجاه المنطقة العربية على وجه الخصوص، نظرا لعدة أسباب منها: انفراد الرئيس الروسى بوتين والنخبة الحاکمة المرتبطة بشخصه بصنع واتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية الروسية عموما وتجاه القضايا العربية بصفة خاصة، وتغييب وعدم احترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين الروس المسلمين ومن أبرزها حرية الرأى والتعبير وتنظيم المظاهرات والاعتصامات والإضرابات علاوة على حرية  وسائل الإعلام وتهميش دور الأحزاب وجماعات المصالح ووسائل الاعلام التى تقوم بتعبئة الرأي العام لإعطاء الشرعية لمواقف وتوجهات السياسة الروسية على الساحتين العالمية والعربية([106]).

فعلى سبيل المثال تحظر المؤسسات الأمنية الروسية قيام الأقلية المسلمة بأية أنشطة أو تحرکات تجاه مواقف وتوجهات السياسة الخارجية الروسية تجاه انتهاکات حقوق الشعوب العربية والمسلمة .

ب- القيود والمعوقات النابعة من البيئة الخارجية الإقليمية والدولية؛ على الرغم من نجاح الدبلوماسية الروسية فى الانفتاح بعلاقاتها مع غالبية إن لم يکن کل دول المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما؛ إلا أنها تواجه عثرات وقيودا تمنع استمرارية وديمومة المضى قدما فى هذه السياسات فى المستقبل؛ والتى من أهمها مايلى :

أ - هشاشة التحالفات الإقليمية للدبلوماسية الروسية فى المنطقة: على الرغم من نجاح الدبلوماسية الناعمة الروسية في المنطقة فى إقامة قنوات للتنسيق مع کل من ترکيا وايران بشأن الأزمة والصراع فى سوريا؛ غير أن هذه القنوات لاترقى لمستوى " التحالف "([107])؛ و يمکن اعتبارها تحرکات نشطة وايجابية أملتها المصالح الاستراتيجية لروسيا التي استشعرت ضعف الدعم الغربي والعربى مما يتطلب منها: اعادة النظر في سياستها تجاه قضايا الأمن وعدم الاستقرار فى المنطقة ونهج سياسة ناعمة هدفها استثمار کل العلاقات مع الدول العربية الفاعلة مثل مصر والسعودية والإمارات وتوظيفها لخدمة أجندتها السياسية والأمنية والاقتصادية؛ فمن غير المتصور استمرار السياسة الروسية فى تعميق العلاقات مع إيران بشأن الملف السورى وبعض جوانب التعاون الاقتصادى والتکنولوجى النووى الاقتصادي فى ظل مخاوف وهواجس دول الخليج ومصر والعراق من نوايا إيران التوسعية في هذه الدول ومحيطها الجغرافى القريب أو الملاصق لها؛ واستخدام أدواتها وامکاناتها العسکرية في إشاعة ونشر الفوضى وعدم الاستقرار فى کل من العراق، سوريا ولبنان واليمن([108]).

ب- إصرار الولايات المتحدة الأمريکية والاتحاد الأوربي على لعب دور محوري في المنطقة؛ يراهن المسئولون الروس على استمرار التراجع الأمريکي عن الاهتمام بقضايا ومشکلات المنطقة([109])، غير أن السياسة الأمريکية في عهد الرئيس القادم للولايات المتحدة عقب انتخابات الرئاسة الأمريکية فى نوفمبر 2020 يمکن أن  تکشف عن العديد من التغيرات بشأن الدور أو السياسة الأمريکية  فى المنطقة فى مواجهة نظيرتها الروسية؛ وبالتالى  فإن السياسة الخارجية الروسية فى المنطقة العربية لاتزال تعتمد على أدوات القوة الصلبة المنصبة على الآليات والوسائل العسکرية بهدف تغيير" مسار اللعبة Game Changer؛ وتشکيل تحدي استراتيجي لنفوذ وسياسات الولايات المتحدة في سوريا ([110]). غير أن الولايات المتحدة لا تزال تتحکم في العديد من قضايا أمن واستقرار النظام الإقليمي في الشرق الأوسط ومنها الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وهضبة الجولان السورية والقدس؛ والدور التوسعى والتدخلى لکل من ايران وترکيا – حلفاء روسيا – فى العراق وسوريا واليمن وليبيا وبما يقوض الأمن القومى للدول العربية؛ بينما تفضل روسيا عدم الصدام مع هاتين الدولتين والاحتفاظ بعلاقات جيدة معهما؛ وهو الأمر الذى يصعب عليها المضى أو الاستمرار فيه کثيرا فى الأجلين القريب والمتوسط .

الخاتمة :

تناولت الدراسة مکانة وآليات وأدوات القوة الناعمة فى السياسة الروسية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط عموما والدول العربية على وجه الخصوص؛ وحاولت معالجة والتحقق من الافتراض الرئيسى لها وهو : غلبة الترکيز على ابعاد القوة الصلبة العسکرية تحديدا في تدخلات روسيا وادوارها في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية إلا أن التحليل أظهر توظيف السياسة الروسية بالتوازي لأدوات القوة الناعمة في سعيها لتحقيق أهدافها.  وعرضت الدراسةملامح وأسباب تغييرالسياسةالروسيةتجاه قضايا ومشکلات المنطقةالعربية،وذلک من خلال تحليل وشرح أهداف السياسة الروسية الجديدة فى المنطقة؛ وأدوات القوة الناعمة التى اعتمدتها روسيا للوصول إلى أهدافها؛ وکذلک تقييم فاعلية کل أداة من هذه الأدوات وبيان أوجه القصور والخلل فيها .

وکشفت الدراسة عن وجود عدة معوقات وقيود على فعالية أدوات القوة الناعمة للسياسة الروسية الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط عموما ومع الدول العربية على وجه الخصوص؛ والتى من أهمها: ارتباط القوة الناعمة بشخص الرئيس بوتين ولاتعکس فلسفة راسخة ودائمة للمؤسسات الروسية سواء الحکومية أو غير الحکومية؛ والقيود المالية والتويلية اللازمة للاستثمار فى بعض هذه الأدوات، وضعف وقصور الفنون المرئية الروسية ومحدودية انتشارها والترويج لها؛ وقيود اللغة الروسية؛ والدور السياسى السلبى للکنيسة الأرثوذوکسية الروسية فى معالجة بعض القضايا السياسية والدينية؛ و استمرار الصورة الذهنية السابقة عن استبداد وقمع الاتحاد السوفيتى السابق- التى تعد روسيا خليفة له- للحريات والديمقراطية؛ وعدم فعالية أو غياب تأثير الرأى العام الروسى؛ وهشاشة التحالفات الإقليمية للدبلوماسية الروسية فى المنطقة؛ وإصرار الولايات المتحدة الأمريکية والاتحاد الأوروبي على لعب دور محوري في قضايا المنطقة مثل قضية الحرب والصراع فى سوريا ولييبا وايران وفلسطين .

على الرغم من القيود والمعوقات السابقة إلا أن السياسة الروسية الجديدة تمکنت من خلال الأستخدام والتوظيف الجيد لأدوات القوة الناعمة تحقيق بعض المنجزات التى من أهمها : الصورة الإيجابية الجديدة لدى الشباب العربى فى مقابل تراجع أو ضعف صورة الولايات المتحدة فى عامى 2015 و2016 على التوالى وفقا لاستطلاع مقابلات وجهاً لوجه مع 3500 شخص تتراوح أعمارهم بين 18-24 سنة في 16 بلداً عربيا فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمدة شهر تقريباً، فقد حلت روسيا – وفقا لهذا الاستطلاع - محل الولايات المتحدة کأهم حليف دولي بالنسبة للشباب العربي حيث تمکنت فى عام 2018 من تحقيق زيادة قدرها 12 نقطة وصولاً إلى 21% بعد أن کانت النسبة 9% فقط في عام 2016 و14 % فى عام 2017 في عدد المـُستطلَعين الذين يعدّون روسيا حليفتهم الأکثر ثقة. وعلى النقيض من ذلک، انخفضت نسبة النظر إلى الولايات المتحدة بکونها الحليف الأکثر ثقة إلى 17% بعد أن کانت 25% فى عام 2016([111])؛ مما يؤکد أن مساعى السياسة الخارجية الروسية فى عهد فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط نجحت فى إعادة تشکيل مواقف العرب تجاه روسيا بما يعزز من مکانتها کأکبر حليف دولي في المنطقة في الوقت الحاضر والمستقبل القريب.

کما عززت مبيعات الأسلحة الروسية والاستثمارات الروسية فى قطاع الطاقة وبصفة خاصة فى مجال النفط والغاز الطبيعى من جدوى وإيجابية العلاقات الثنائية الروسية مع الدول العربية؛ وعودة الوجود الروسى مرة أخرى للدول الحليفة والمتعاونة والصديقة للاتحاد السوفيتى السابق ومنها سوريا والعراق ومصر وليبيا والجزائر؛ علاوة على نجاح أدوات القوة الناعمة لاسيما تلک المتعلقة بجذب وتوطين الاستثمارات المشترکة فى قطاعى الطاقة وصناعة الأسلحة.

ومن المتوقع خلال العامين القادمين أن يؤدى قيام روسيا بتوظيف قوتها الحيوية الجديدة متمثلة فى اکتشاف وابتکار لقاح لعلاج فيروس کوفيد 19([112])؛ وإتاحته وإنتاجه وتسويقه من خلال الاستثمار الروسى العربى المشترک لفتح آفاق أوسع للوجود السياسى والاقتصادى الروسى فى المنطقة وإن کان سيظل محکوما أو متلازما مع الوجود الأمريکى خاصة فى دولة مثل مصر والأردن اللتان تحصلان على مساعدات عسکرية سنوية سخية من الولايات المتحدة منذ عقود طويلة لاتستطيع روسيا تعويضها فى الأجلين القريب والمتوسط.

 

 
هوامش الدراسة:
* مدرس العلوم السياسية بمعهد أکتوبر العالى للاقتصاد- مدينة الثقافة والعلوم – 6 أکتوبر
Email: redam.helal@gmail.com
[1] ) من أبرز الدراسات التى تناولت السياسة الروسيية الجديدة فى عهد بوتين ما يلى :
 Steve Abrams,” Beyond Propaganda: Soviet Active Measures in Putin's Russia”, Connections , Vol. No. 1 (Winter 2016), pp. 7-12. & James Sherr, “Hard Diplomacy and Soft Coercion in Russia’s Neighbourhood”, in:The New East-West Discord: Russian Objectives, Western Interests, (Netherlands,Clingendael, Netherlands Institute of International Relations.2015). Pp.32-58.https://www.clingendael.org/sites/default/files/pdfs/The_New_East-West_Discord_JSherr.pdf
[2] ) للمزيد من المعلومات وتحليل سمات السياسة الروسية فى الفترة بين عامى 2000 و2008 يمکن الرجوع إلى :
Richard Sakwa ,"New Cold War' or Twenty Years' Crisis? Russia and International Politics, International Affairs ,Vol. 84, No. 2 (Mar., 2008), pp. 241-267 .
[3] ) للمزيد حول توظيف السياسة الروسية الجديدة للقوة الناعمة يمکن الرجوع إلى :
Ariel Cohen , “IDEOLOGY AND SOFT POWER IN CONTEMPORARY RUSSIA” , in: Stephen J. Blank (Editor) ,PERSPECTIVES ON RUSSIAN FOREIGN POLICY,( Pennsylvania, USA : Strategic Studies Institute, US Army War College .2012).pp.195-216.
[4] ) هناک عدة دراسات تناولت استخدام السياسة الروسية للقوة الناعمة فى هذه المناطق من أبرزها :
- Eleonora Tafuro, Fatal attraction? Russia’s soft power in its neighbourhood , FRIDE,Policy Brief ,Nº 181 - MAY 2014. PP.1- 6. www.fride.org
[5] ) هناک عدة دراسات وتقارير عنيت بدراسة التجمعات والتکتلات العابرة للقومية والحدود من أهمها ما يلى :
- Kwang Ho Chun. The BRICs Superpower Challenge: Foreign and Security Policy Analysis.( Ashgate. 2013). & - BRICS Think Tanks Council. Realizing the BRICS long-term goals: Road-maps and pathways. ( Observer Research Foundation. 2017).
[6] ) Elena Albina, New regionalism: Western European experience and its mplications for Russian regionalism, (KU Leuven, Institute for International and European Policy .2015) .pp.2-3.
[7] )Baharak Partowazar, Fakhreddin Soltani & Jayum A. Jawan“Decision-Making in Foreign Policy”, Pensee Journal, Vol 76, No. 4;Apr 2014 .pp. 344-346 & Bojang AS, “ The Study of Foreign Policy in International Relations” ,  Journal of Political Sciences & Public Affairs, Volume 6 , Issue 4 . 2018.Pp.2-9.
[8] ) من الدراسات المتميزة التى تناولت بششکل مفصل النظرية الواقعية بمختلف مدارسها وتطوراتها : د. حمال سلامة على؛ تحليل العلاقات الدولية : دراسة فى إدارة الصراع الدولى؛ ( القاهرة: دار النهضة العربية، 2013) .ص ص.256-291.
[9] ) هناک عدة دراسات تناولت مفهوم المصلحة القومية ومشتملاته لدى الواقعية أهمها :
- Scott Burchill, The National Interest inInternational Relations Theory,( NEW YORK. PALGRAVE MACMILLAN . 2005) PP.46-49.
 وأيضا : ميثاق مناحي دشر؛ " النظرية الواقعية: دراسة في الأصول والاتجاهات الفکرية الواقعية المعاصرة قراءة في الفکر السياسي الامريکي المعاصر"؛ مجلة أهل البيت عليهم السلام، العدد 20، 2018. ص ص . 386- 433. https://abu.edu.iq/research/articles/13792
- Scott Burchill, Andrew Linklater, Richard Devetak, Jack Donnelly, Matthew Paterson, Christian Reus-Smit and Jacqui True, Theories of International Relations, Third edition, PALGRAVE MACMILLAN, New York,  2005. - Munafrizal Manan, “ Foreign Policy and National Interest: Realism and Its Critiques” ,  Global & Strategis, Th. 9, No. 2, 2017. Pp.179-180 &Ileana-Gentilia METEA“ NATIONAL INTEREST, TERMINOLOGY AND DIRECTIONS OF APPROACH” , International Conference KNOWLEDGE-BASED ORGANIZATION, Vol. XXVI No 1 2020. Pp. 75-76.
[10] ) حول تحليل وتفسير استخدام هذه الأدوات فى السياسات الخارجية للدول يمکن الرجوع لمزيد من المعلومات  إلى: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية – الطبعة الثانية؛ ( القاهرة : مکتبة النهضة المصرية، 1998). ص ص.  91-94.
[11]  ) على جلال عبدالله معوض؛ القوة الناعمة کأداة للسياسة الخارجية : دراسة حالة لسياسة ترکيا تجاه المنطقة العربية فى عهد حکومات العدالة والتنمية 2002 – 2012؛ رسالة دکتوراه؛ کلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، القاهرة؛ 2017 ص ص.15-17.  قامت هذه الرسالة المتميزة  بالتأصيل النظرى لمفهوم القوة الناعمة فى تحليل السياسة الخارجية والتمييز بين أنماطه وصوره المتعددة والمستويات المختلفة لتحليله وکيفية قياسه مع التطبيق على القوة الناعمة الترکية . ص ص . 11-13.
[12] ) يتعين التنويه إلى أن هناک خلافا کبيرا بين الباحثين حول ضم الموارد الاقتصادية والامکانات العسکرية لأدوات القوة الناعمة، المؤيدون يعتمدون على التأثير الايجابى لها فى السياسات الخارجية للدول المتقدمة؛ أما المعارضون ومنهم جوزيف ناى نفسه فيذهبون إلى الاستخدام السلبى أو کأدوات للعقوبات من الدول الکبرى تجاه الدول الأخرى ومثم فإنهم يدرجونها ضمن أدوات القوة الصلبة؛ ويرى الباحث إن الأمر يتوقف على طريقة الاستخدام وهو ما تعتمد عليه السياسة الروسية التى تدرجها ضمن أدوات القوة ذات الآثار الناعمة .
[13]  ) على جلال عبد الله معوض؛ القوة الناعمة کأداة للسياسة الخارجية ....مرجع سابق؛ ص. 18
9) للمزيد حول تطور عمل هذا المقياس على يد مجموعة من تخصصات العلوم السياسية والاقتصادية والثقافة والإعلام يمکن الرجوع لموقع مؤسسة بورتلاند على شبک الانترنت:
[15]) للمزيد من الشرح حول مکونات وأدوات القوة الناعمة المستخدمة فى مؤشر المقياس الذى تتبناه مؤسسة بورتلاند يمکن الرجوع إليه على موقع المؤسسة على شبکة الانترنت :
[16] ) للمزيد حول هذا المصطلح وتصنيف وترتيب الدول الکبرى وفقا له يمکن الرجوع إلى: عز الدين عبد المولى،ما القوة الحيوية؟ کورونا واختبار المفهوم التقليدي لقوة الدولة، الدوحة؛ مرکز الجزيرة للدراسات؛ مارس 2020. ص ص.3-12.
[17]) راجع فى ذلک: کريم أبو حلاوة، سياسيات القوة الذکية ودورها في العلاقات الدولية، دمشق؛ مرکزدمشق للأبحاث والدراسات،2016.ص ص.87-88.
[18] ) Gary J. Schmitt,  A hard look at soft power in East Asia, American Enterprise Institute, New York,2014.p.4.
[19] ) Colin S. Gray,  HARD POWER AND SOFT POWER:: THE UTILITY OF MILITARY FORCE AS AN INSTRUMENT OF POLICY IN THE 21ST CENTURY, Strategic Studies Institute, US Army War College (2011). Pp. 7-9.
[20] ) إيهاب خليفة، القوة الإلکترونية.. کيف يمکن أن تدير الدول شؤونها في عصر الأنترنت؟ “الولايات المتحدة نموذجا”، القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى. 2017. ص. 8.
[21]) Christopher Walker and Jessica Ludwig, The Meaning of Sharp Power: How Authoritarian States Project InfluenceNovember 16, 2017:          https://www.foreignaffairs.com/articles/china/2017-11-16/meaning-sharp-power 
[22] ) من أبرز الدراسات فى هذا الشأن : جهاد عودة، النظام الاجتماعي والاستراتيجي الأمريکي المأزوم، کنوز للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013. ص ص .22-25.
[23] ) للمزيد حول هذا الکتاب يمکن الرجوع إلى : أنطونيوجرامشى، رسائل السجن؛ترجمة:سعيد بو کرامى،؛طوى للثقافة والنشر والاعلام؛ لندن. 2014 .  
[24] ) انظر فى ذلک : مسفر بن ظافر، إستراتيجية توظيف القوة الناعمة لتعضيد القوة الصلبة في إدارة الأزمة الإرهابية في المملکة العربية السعودية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 2010.
[25]) يمکن الرجوع لمزيد من المعلومات  إلى: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية ..........مرجع سابق؛. ص ص.395-420.
[26] ) Nicu Popescu, Russia’s Soft Power Ambitions, CEPS, policy brief, No.115,October 2016. Pp. 11-12.
-  نوار جليل هاشم، أمجد زين العابدين طعمه :”الموقف الروسي من الثورات العربية (ليبيا ومصر وسورية أنموذجا)”، مجلة سياسات عربية العدد 12 (الدوحة)، يناير 2015 ص 116.
- حسني عماد حسني العوضي:”السياسة الخارجية الروسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين”، المرکز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، الطبعة الأولى 2017، ص 31.
[27]) Steve Abrams,” Beyond Propaganda: Soviet Active Measures in Putin's Russia”, Connections Vol. 15, No. 1 (Winter 2016), pp. 7-9 .
[28] ) Ibid., p.11.
[29](   Rsussian Fedration Foreign Ministry, Russian National Security Strategy, December 2015 – Full-text Translation, 31 December 2015, PP 2-3,                                                                               
وراجع أيضا : آنا بورشفسکايا، روسيا في الشرق الأوسط: هل هناک مرحلة نهائية؟، موقعمعهدواشنطنلسياسةالشرقالأدنى، يناير 2019.
[30] ) لمياء محمود الباجوري؛ الإسلام وسياسة روسيا الخارجية:الماضي.. والحاضر؛ المرکز الديمقراطى العربى؛ برلين؛ ديسمبر 2018. ص ص .8-9.
[31] ) المرجع السابق؛ ص.13.
[32] ( James Sherr, “Hard Diplomacy and Soft Coercion in Russia’s Neighbourhood” , in:  The New East-West Discord: Russian Objectives, Western Interests , Clingendael Institute (2018). Pp.37-38.
[33] ) Lili Di Puppo and Jesko Schmoller, Islam and Ethnicity in Russia Together or Apart? : Islam and Ethnicity in Russia An Introduction, Anthropological Journal of European Cultures ,Volume 27, No. 1 (2018).pp. 85-87 .
[34] ) Domitilla Sagramoso and Akhmet Yarlykapov, “What Drove Young Dagestani Muslims to Join ISIS? A Study Based on Social Movement Theory and Collective Framing” , PERSPECTIVES ON TERRORISM, Volume 14, Issue 2. April 2020.pp.46-48.
[35] ) Ibid., .p.42.
[36] ) Lili Di Puppo and Jesko Schmoller, Islam and Ethnicity in Russia Together or Apart? ….op.cit., p.50.
[37]) crisisgroup, Syria Calling: Radicalisation in Central Asia, BRIEFING  72 / EUROPE & CENTRAL ASIA 20 JANUARY 2015.p.5 : https://www.crisisgroup.org/europe-central-asia/central-asia/syria-calling-radicalisation-central-asia

[38] ) Anna Borshchevskaya, Could Russia Flip Egypt?, policy-analysis, Washington institute, June 21, 2018: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/could-russia-flip-egypt

[39]) Dmitri Trenin, RUSSIA IN THE MIDDLE EAST:MOSCOW’S OBJECTIVES, PRIORITIES, AND POLICY DRIVERS, CARNEGIE ENDOWMENT FOR INTERNATIONAL PEACE, 2017.pp.6-7.
[40]) Domitilla Sagramoso and Akhmet Yarlykapov, “What Drove Young Dagestani Muslims to Join ISIS…..opcit.,.pp.49-50.
[41] ) Dmitry Shlapentokh, , “ ISIS and Russia : The Use of Threat for Spreading of Influence and ISIS’s Future”, in: John R. Vacca(Editor), Online Terrorist Propaganda, Recruitment, and Radicalization, CRC Press Taylor & Francis Group, new York, 2019. Pp.355-358.
[42]) Zvi Magen, Russia and the Middle East: Policy Challenges, The Institute for National Security Studies (INSS), Memorandum, No. 127 May 2018. Pp.61-63.
[43]) Dmitry Shlapentokh, , “ ISIS and Russia : The Use of Threat for Spreading of Influence….opcit.,pp.366-370.
[44] ) Fredrik Wesslau and Andrew Wilson, RUSSIA 2030: A STORY OF GREAT POWER DREAMS AND SMALL VICTORIOUS WARS , European Council on Foreign Relations (2016) .pp. 9-10.
[45] ) Eugene Rumer and Richard Sokolsky,”Sources of Russian Foreign Policy Behavior”, in: Thirty Years of U.S. Policy Toward Russia: Can the Vicious Circle Be Broken? , Carnegie Endowment for International Peace (2019).pp.20-30.
[46] ) اعتمد الباحث فى هذا الشأن على المدوالات والمشاورات التى جرت بين أعضاء مجلس الأمن بشأن مقترح القرار 1973 والذى قدمته کل من فرنسا ولبنان؛ ومداخلة فيتالى تشورکين المندوب الروسى بمجلس الأمن آنذاک؛ راجع فى ذلک محضر جلسة مجلس الأمن فى 17 مارس 2011 على موقع وثائق الأمم المتحدة على الرابط التالى :
[47] ) Anna Borshchevskaya, Russia’s Growing Interests in Libya, POLICY WATCH , No.3248, Washington institute,  January 24, 2020. P.3    
[48]) ANNA BORSHCHEVSKAYA , RUSSIA IN THE MIDDLE EAST: Motives, Consequences, Prospects, The Washington Institute for Near East Policy, New York,2016.pp.4-7.
[49] ) Ibid., pp.13-17.
[50] ) رامى عزيز، محاولات روسيا المقلقة لتأسيس نفوذها في مصر؛ منتدى فکرة، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فبراير2020 .
[51] ) Anna Borshchevskaya, Russia’s Growing Interests in Libya, POLICY WATCH , No.3248, Washington institute,  January 24, 2020. P.3    
[52] ) VLADISLAV INOZEMTSEV ,” THE RATIONALE AND GOALS OF RUSSIA’S SYRIA POLICY “, in: Frederic C. Hof, Vladislav Inozemtsev, Adam Garfinkle and Dennis Ross, THE KREMLIN’S ACTIONS IN SYRIA: ORIGINS, TIMING, AND PROSPECTS , Atlantic Council (2016). P.35.
[53] ) Philip Hanson, Russian Economic Policy and the Russian Economic System Stability Versus Growth, Russia and Eurasia Programme , Chatham House, Research Paper ,December 2019. Pp.8-12.
[54] ) VLADISLAV INOZEMTSEV ,” THE RATIONALE AND GOALS OF RUSSIA’S SYRIA POLICY “, in: Frederic C. Hof, Vladislav Inozemtsev, Adam Garfinkle and Dennis Ross, THE KREMLIN’S ACTIONS IN SYRIA: ORIGINS, TIMING, AND PROSPECTS….opcit., p.39.
[55])Anna Borshchevskaya, Russian Moves in the Gulf and Africa Have a Common Goal,   POLICY ALERT, March 28, 2019 .p.5.
[56])Anna Borshchevskaya, Russian Moves in the Gulf and Africa Have a Common Goal,   POLICY ALERT, March 28, 2019 .p.5.
[57] ) Rossella Cerulli ,Russian Influence in the Middle East: Economics, Energy, and Soft Power , American Security Project (2019).pp.6-8.
[58] ) Alexander Ghaleb,  NATURAL GAS AS AN INSTRUMENT OF RUSSIAN STATE POWER, Strategic Studies Institute, US Army War College (2018). Pp .23- 25..
[59] ) Anna Borshchevskaya, Russian Moves in the Gulf and Africa …. Opcit., 8.
[60]( Stefan Meister, Putin’s Version of Soft Power:The Roots and Instruments of Russia’s Disinformation Campaign , German Marshall Fund of the United States ,2016. Pp. 7-12.
[61] Andrew Radin & Clint Reach, Russian Views OF THE International Order, RAND Corporation,  2017. www.rand.org/t/RR1826 .pp.5-7.
[62] Kovalevskaia Natalia Vladimirovna ,”Soft power” in the foreign policy of the Russian Federation, 2017:         https://www.researchgate.net/publication/304876270_Russia's_Foreign_Policy_and_Soft_Power PP.94-96.
[63] ) Yulia Kiseleva,  Russia’s Soft Power Discourse: Identity, Status and the Attraction of Power ,POLITICS, VOL. 35(3-4), 2015.pp.  316–319
[64] ) وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؛ "العالم في مفترق طرق ونظام العلاقات الدولية في المستقبل"؛ نقلا من : موقع روسيا اليوم؛ 24/9/2019 :           https://arabic.rt.com/russia/1047252
[65] ) Carolina Vendil Pallin and Susanne Oxenstierna , Russian Think Tanks and Soft Power , FOI ,August 2017: www.foi.se PP.9- 12.
[66] ) رغدة البهي، الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوکرانيا ولاتفيا، الناشر: المعهد الديمقراطى العربى؛ 2018؛ موقع المعهد على شبکة الانترنت : https://democraticac.de/?p=46756#_ftn8                 
[67]) ELENE PANCHULIDZE, Russian Soft Power: Balancing the Propaganda Threats and challenges, GEORGIAN INSTITUTE OF POLITICS (GIP), research paper , Issue 5, June 2017 : WWW.GIP.GE ,pp.7-11 .
[68] ) Michael O. Slobodchikoff & G. Douglas Davis, “ROOTS OF RUSSIAN SOFT POWER:RETHINKING RUSSIAN NATIONAL IDENTITY”, COMPARATIVE POLITICS RUSSIA , Vol.8 No.2. 2020. Pp. 19-33.  
[69])Anna Borshchevskaya, Russian Moves in the Gulf and Africa Have a Common Goal,   POLICY ALERT, March 28, 2019 .p.5.
[70]Fiona Hill,  Moscow Discovers Soft Power, CURRENT HISTORY, October 2016. PP.346-347 .
[71] ) Anna Borshchevskaya, Why Russia’s Great Power Game in Iraq Matters, policy analysis, Washington institute, August 31, 2020 : https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/why-russias-great-power-game-in-iraq-matters
[72]) Rossella Cerulli ,Russian Influence in the Middle East: Economics, Energy, and Soft Power …..opcit.,.pp.11-12  

[73]Sarah Feuer and Anna Borshchevskaya, Russia Makes Inroads in North Africa, policy-analysis, Washington institute, November 2, 2017:

[74] )  رضا محمد هلال؛ روسيا أفريقيا.. آفاق الشراکة عبر بوابة الاقتصاد؛ موقع العين الإخبارى؛ 4/11/2019
[75]) Tatiana Zonova, Cultural diplomacy as a soft power tool in EU-Russia  relations, https://www.osce.org/secretariat/103745?download=truepp.2-3.
[76] (Marlene Laruelle,  Russian Soft Power in France: Assessing  Moscow's Cultural and Business Para-diplomacy, Carnegie Council for Ethics in International Affairs, January 8, 2018 .pp.16- 18.
[77] ) Anna Borshchevskaya, Russia in the Middle East: Is There an Endgame………..opcit., p.4.
[78] ) موقع سبوتنک؛ المشروعات الروسية الواعدة فى المنطقة العربية؛ 8/2/2019 :
21) موقع روسيا اليوم؛ روسيا تعرض على الأرجنتين بناء محطة کهروذرية؛ 23/1/2018:      https://arabic.rt.com/business/922857-
[80] ) موقع سبوتنک؛ کيف تجذب الجامعات الروسية الطلاب العرب؛ 17/4/2018
[81]) Carolina Vendil Pallin and Susanne Oxenstierna , Russian Think Tanks and Soft Power , FOI ,August 2017: www.foi.se PP.27- 28.
[82]  ) د. إياد المجالي ود. علي طارق الزبيدي وأ. هيبة غربي؛ "القوة الناعمة الإيرانية فى الشرق الأوسط"؛ مجلة مدارات إيرانية؛  العدد الرابع – مايو 2019؛ المرکز الديمقراطي العربي " ألمانيا –برلين"؛ ص ص. 29-31.
[83]) على جلال عبد الله معوض؛ القوة الناعمة ......مرجع سابق؛ ص.19
[84] ) رغدة البهي؛ الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوکرانيا ولاتفيا؛ المرکز الديمقراطى العربى؛ مجلة العلوم السياسية والقانون؛  العدد الثالث؛ يونيو –2017؛ ص ص. 123-124.
[85] ) Anna Borshchevskaya, The Tactical Side of Russia's Arms Sales to the Middle East. policy analysis, Washington institute, December 2017. P.2
[86] ) EUGENE RUMER,Russia in the Middle East: Jack of All Trades, Master of None, Carnegie Endowment for International Peace,  2019. Pp.9-11.
[87] )Stephen Blank., Geostrategic aims of the Russian arms trade in East Asia and the Middle East , Defence StudiesVol. 15,No.1 , January 2015. P.16.
[88]Anna Borshchevskaya, The Tactical Side of Russia's Arms Sales to …..opcit., p.3
[89] ) DEFENSE WORLD, Russian Arms Sales Growing in Africa, March 24, 2020 :
[90] ) Anna Borshchevskaya, Russia in the Middle East: Is There an Endgame……..opcit., Pp.5-6.
[91]) تم الوصول لهذه المعلومات من موقع وکالة الأنباء الروسية سبوتنک على شبکة الانترنت، والذى يتضمن التعاون الأماراتى الروسى فى إنتاج منظومة بانتسير للدفاع الجوى؛ وذلک على الرابط التالى :
[92](  يمکن الرجوع لموقع هذا المقياس – مقياس القوة الناعمة 30 - على شبکة المعلومات الدولية الانترنت؛ والذى يتضمن عرضا لمؤشرات القوة الناعمة لروسيا فى أعوام : 2017 و2018 و2019؛ وذلک فيما يلى : 
[94] ) Lasha Tughushi, Threats of Russian hard and soft Power in Georgia , European Initiative & The German Marshal Fund of The United States, European Initiative - Liberal Academy Tbilisi, Tbilisi, 2016. Pp.88-90http://www.ei-lat.ge 
35) Alexander Lanoszka and Michael A. Hunzeker, RUSSIAN INTENTIONS, CAPABILITIES, AND VULNERABILITIES  , Strategic Studies Institute, US Army War College.2019.pp. 5-36.
[96]) ELENE PANCHULIDZE, Russian Soft Power: Balancing the Propaganda Threats and challenges, …..opcit., pp.35-37 : WWW.GIP.GE
[97] ) Vasif HUSEYNOV, Soft power geopolitics: how does the diminishing utility of military power affect the Russia – West confrontation over the “Common Neighbourhood”, EASTERN JOURNAL OF EUROPEAN STUDIES, Volume 7, Issue 2, December 2016 . PP. 78- 80. wwww.ejes.uaic.ro   
[98] ) Anna Gussarova , Russian soft power in Kazakhstan and Central Asia , Central Asia Institute for Strategic Studies , Almaty Kazakhstan, May 2017 . pp.89-91. http://caiss.expert/russians-soft-power-in-kazakhstan-and-central-asia/
[99] ) Andrew Foxall , “The Kremlin’s Sleight of Hand: Russia’s Soft Power Offensive in the UK” , The Henry Jackson Society & Russia Studies Centre , Policy Paper No. 3 (2015). PP. 12-15.
[100] ) Stanislav Matveev  , Contemporary Influence of the Russian Orthodox Church Within the “Autocephalous” Orthodox Church of the Czech Lands and Slovakia ,  Kremlin Watch Report, The European Values.2018. pp.24-26.
[101]) العربية نت؛ الکنيسة الروسية: بلادنا تقود "معرکة مقدسة" في سوريا؛ 1/10/2019:
[102] ) العربية نت؛ مسيحيو سوريا غاضبون من تصريحات الکنيسة الروسية؛ 2/10/2015 :
[103]) Abdulsamet GÜNEK , A New Type of Soft Power: Country Branding, International Journal of Cultural and Social Studies, Volume 4 ,Issue: 1, June 2018. pp. 252-259. www.intjcss.com .
[104] ) Dr. Michael Eric Lambert , Russian smart power at work in the Eastern Partnership, IIR Prague, Think Visegrad – V4 Think Tank Platform,2018. www.thinkvisegrad.org pp.11. & Eleonora Tafuro , Fatal attraction? Russia’s soft power in its neighbourhood , POLICY BRIEF,  Nº 181 - MAY 2014. PP.1- 6. 
[105] ) د.محمد السيد سليم؛ تحليل السياسة الخارجية.....مرجع سابق؛ ص ص.142-144.
[106] ) Rossella Cerulli ,Russian Influence in the Middle East: Economics, Energy, and Soft Power , American Security Project (2019).pp.19-20.
[107]) Timofey Borisov , Russian arms exports in the Middle East ,in:Nicu Popescu and Stanislav Secrieru, RUSSIA’S RETURN TO THE MIDDLE EAST: BUILDING SANDCASTLES?,  European Union Institute for Security Studies (EUISS) (2018).pp. 36- 45. Pp.109-113.
[108] ) Ellie Geranmayeh and Kadri Liik ,THE NEW POWER COUPLE:: RUSSIA AND IRAN IN THE MIDDLE EAST , European Council on Foreign Relations (2016).pp.14- 16.
[109] )Nataliya Bugayova, Mason Clark, George Barros, Aleksei Zimnitca, AidanTherrien and Kayla Grose   , Russian Security Cooperation Agreements Post-2014,  Institute for the Study of War (2020) .p.15.
[110] ) Anna Borshchevskaya, Russia in the Middle East: Is There an Endgame……..opcit., p.7.
[111] )  تصدر مؤسسة أصداء بي سي دبليو (بيرسون کون وولف) استطلاعا سنويا لرأي الشباب العربي منذ عام 2010 وحتى عام 2020؛ وتم الرجوع لاستطلاع رأى الشباب العربى  الصادر عنها فى عام 2018؛ راجع فى ذلک: أصداء بى سى دبليو، استطلاع رأى الشباب العربى 2018، دبى؛ 2018 . ص ص.40-45.
[112] ) وفقا لعدة مصادر صحفية وإعلامية دولية نجحت روسيا فى انهاء مراحل اختبار عقار "سبوتنيک فى" کلقاح لعلاج فيروس کوفيد 19 الشهير fفيروس کورونا؛ وتنوى إنتاجه وتصنيعه بالاتفاق والتعاون مع خمس دول منها دولتا مصر والإمارات؛ للمزيد يمکن الرجوع إلى موقع وکالة سبوتنک الروسية وموقع معلومات مصر على الانترنت :
-  موقع وکالة سبوتنک الروسية للأنباء على الانترنت :
- موقع مرصد مصر للأخبار على الانترنت :