البعد القانوني في الإدارة العامة: دراسة في حالة العلم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الادارة العامة ب کلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

المستخلص

مستخلص
    تدور الدراسة حول دور المدرسة القانونية في تطور حقل الإدارة العامة، ولقد انقسمت إلى أربعة محاور أساسية، يدور المحور الأول حول نشأة البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة، ويتناول المحور الثاني تطور الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون الإداري، ويرتبط المحور الثالث بتطور الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون العام ککل، وأخيراً يتناول المحور الرابع تطور الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون الخاص.
     ولقد توصلت الدراسة لمجموعة من الاستنتاجات الهامة، يمکن اجمال أهمها فيما يلي:
- ساهمت العلوم القانونية في اکتمال الأساس النظري الحاکم للإدارة العامة، خاصة فيما يتعلق بتحديد أساس دراسة الإدارة العامة، والنظريات الإدارية الحاکم للإدارة العامة، وتحديد حدود عمل الإدارة العامة، واضفاء مزيداً من المهنية على ممارسات الإدارة العامة، دراسة الضغوط الدولية الحاکمة لعمل الإدارة العامة.
- نشأت الکثير من المداخل الإصلاحية الإدارية في إطار بيئات قانونية متقدمة، في ظل تبني تلک البيئات لأنظمة قانونية مغايرة، يفرض قيوداً على نقلها لبيئات الدول النامية، مما يستلزم مزيداً من الاصلاحات القانونية لتبني تلک المداخل.
- سيطرة الضغوط الدولية على الإدارة العامة، وطغيان الفروع الدولية على الفروع الداخلية للقانون سيعمل في ظل العولمة لصدور تشريعات عالمية في مجالات مختلفة، وستخضع الإدارة العامة تدريجياً لأطر قانونية عالمية وموحدة.
- تعاني الإدارة العامة من مشکلات في تحديد حدودها ليس فقط على مستوى فض الاشتباک القانوني بين العام والخاص، بل وأيضاً على مستوى فض الإشتباک في إطار الشق العام ذاته.
 
Abstract
This article addresses the role of legal school in the development of public administration field. It discusses four major components, the first deals with the emergence of legal dimension in studying public administration, the second relates to the relationship between public administration and administrative law, the third deals with the relationship between public administration and public law, and the fourth relates to the link between private law and the development of public administration field.
This article reached the following results by using legal, historical and analytical approaches:
- Legal sciences have contributed to the completion of the theoretical basis governing public administration, especially with regard to determining the basis of studying public administration, administrative theories governing public administration, defining the boundaries of public administration work, and studying international pressures governing the work of public administration.
 - Public administration suffers from problems in defining its borders, not only at the level of legal disengagement between public and private issues, but also at the level of disengagement within the framework of public sphere itself.
 

نقاط رئيسية

مقدمـــة:

تدل کلمة قانون في اللغة على القاعدة الثابتة المطردة، وهي کلمة ليست عربية، بل اغريقية المولد، حيث استعمله الإغريق باسم Kanon، وانتقل إلى اللغة العربية بنفس نطقه ومفهومه، إلا أن العديد من الدول العربية تستخدم کلمة نظام ککلمة بديلة عنه، کمثل الدول الخليجية (عبداللاه، 2016: 10). أما کلمة إدارة «Administration»فهي کلمة لاتينية الأصل، ويقصد بها to serve، على أساس أن من يعمل بها يقوم على خدمة الآخرين (درويش، تکلا، 1968: 23).

ولقد استمد القانون وجوده من الجماعات البشرية المختلفة، فهو قديم قدم تلک الجماعات، والمجتمع البشري هو الوعاء لکل القواعد القانونية، فلا مجتمع بدون قانون، کما أنه لا قانون بدون مجتمع، والإدارة في المجتمع هي الجهة المنفذه للقانون. وکل تطور يصيب المجتمع يلقي بظلاله على الإدارة والقانون معا، فإذا کانت الإدارة مرآة الحضارة، فإن القانون مرآة المجتمع(السقا، 2016: 3-18).

ولقد تطورت القاعدة القانونية في المجتمع قبل تطور الممارسة الإدارية وظهور المجتمعات المنظمة في المجتمعات القديمة، ويتضح أسبقية القواعد القانونية الحاکمة للمجتمع عن تطور الإدارة في إطار الحضارات القديمة، فلقد تطورت القاعدة القانونية في المجتمع عبر ثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولى وهي مرحلة القوة، وکانت القاعدة الحاکمة للمجتمع في تلک الفترة أن القوة تنشئ الحق وتحميه، وأن القانون يتواجد مع القوة، ويتخلف مع تخلفها(أبوطالب، 2016: 43- 48) ، ولم تتواجد الإدارة خلال تلک المرحلة، ثم تطورت القاعدة القانونية وانتقلت لمرحلة جديدة يطلق عليها مرحلة التقاليد الدينية، وذلک بعد ضياع الحق ممن لا يمتلک القوة، وانتقل القانون من مرحلة الإنتقام الفردي إلى مرحلة الأحکام الإلهية، التي کان ينشرها رجال الدين داخل المجتمع (أبوطالب، 2016: 51-58) ، ولقد ظهر القانون بهذا المعني في مصر القديمة، وبلاد ما بين النهرين، وکان لا يجوز الخروج على القانون أو عدم تطبيقه للطبيعة المقدسة للقواعد القانونية الحاکمة للمجتمع، ومن هنا کانت الإدارة مکبلة بقوانين إلهية، وأن من ينفذها ويطبقها يتقرب بها إلى الرب، وظلت الإدارة ذات طبيعة مقدسة ناتجة عن قدسية القواعد القانونية المحکومة بها، وأن الموظف الإداري يصطبغ بالصبغة الدينية، وذلک لأنه يعکس ظل من تنزلت عليه القاعدة القانونية، ولذلک نجد اختلاط الإدارة في الحضارات القديمة بالطبيعة الدينية، الناتجة عن کون القاعدة القانونية الحاکمة للمجتمع تتسم بالقدسية (عبدالصادق، العوضي، 2019: 5-7).

ولم يتطور البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة، إلا مع اتجاه الشعوب إلى تدوين الأحکام الإلهية وتقاليدها العرفية التي استقرت عبر العصور، خاصة مع مدونة الألواح الإثنى عشر في الإمبراطورية الرومانية القديمة، والتي يرجع لها الفضل في التأسيس للبعد القانوني بصفة عامة، وليس البعد القانوني الحاکم للإدارة العامة فحسب (أبوطالب، 2016: 117-123).

ومع تطور المجتمعات الحديثة، وظهور الفروع المختلفة للقانون، سواء على مستوى الشق العام أو على مستوى الشق الخاص، تطورت معه الإدارة سواء على مستوى الإدارة العامة أو إدارة الأعمال. وأصبح شق القانون العام بفروعه المختلفة هو الضابط لحقل الإدارة العامة، وذلک لکون الدولة ووحداتها المختلفة محل دراسة الحقلين. وأصبح شق القانون الخاص بفروعه المختلفة هو الضابط والمنظم لحقل إدارة الأعمال، وذلک لکون الأفراد محل دراسة الحقلين(Dunham, 2004: 87-103, 389-427).

ومع تطور العلاقات بين العام والخاص في المجتمع، ومع انهيار الأيديولوجية الإشتراکية بسقوط الإتحاد السوفيتي السابق، وسيطرة الأفکار الرأسمالية، وانتشار الأفکار الخاصة بحرية التجارة العالمية، والعولمة الإقتصادية، أدى ذلک لمزيد من التقارب بين العام والخاص، ولم تعد الحدود الصارمة بين العام والخاص في الماضي هي ذات الحدود بين العام والخاص في الحاضر(Wang et. al,  2018: 293–394).

ولم تکن الإدارة العامة بمعزل عن التطورات السابقة، فظهرت العديد من التيارات الفکرية في مجال الإدارة العامة التي تستعين بالوسائل والأساليب المطبقة في إطار إدارة الأعمال، کمدرسة الإدارة العامة الجديدة، وحرکة اعادة اختراع الحکومة، والتي نادت بضرورة إصلاح الإدارة العامة من منظور إدارة الأعمال(Hope, 2001: 120-122).

ومع مناداه حرکات اصلاح الإدارة العامة الجديدة بالعمل بروح القطاع الخاص، ظهرت العديد من الکتابات والأفکار للمفکرين والفقهاء القانونين لمعالجة الأسس القانونية لإصلاح الإدارة العامة، فالإدارة العامة محکومة بأطر قانونية مغايرة عن تلک الأطر القانونية الحاکمة للقطاع الخاص، ومن ثم کيف تکون الإدارة العامة محکومة بأطر القانون العام وتعمل بروح القطاع الخاص؟ وهل الخلل في اصلاح الإدارة العامة ناتج من کونها تخضع لقواعد القانون العام؟ أم أن قواعد القانون العام هي بمثابة طوق النجاه للإدارة الحکومية في تحقيق أهدافها؟ (Christensen et al,2011: i125–i135) (Lienert, 2005: 4-9)

ولقد دفعت التطورات التکنولوجية، وحرية الإنتقال بين الدول، والعولمة الاقتصادية، وحرية انتقال رؤوس الأموال، العديد من الدول لصياغة قوانين تحکم إدارتها العامة بقواعد عالمية تتواکب مع عالمية الضغوط والتفاعلات الدولية، ومن ثم أصبحت الإدارة العامة تعمل في إطار أطر قانونية عالمية، وليست محلية، ومن ثم أصحبت الإدارة تعمل في إطار معضلتين قانونيتين، تتجسد المعضلة الأولى في فک الإشتباک القانوني بين العام والخاص على المستوى الداخلي، بينما تتعلق المعضلة القانونية الثانية بالصراع بين عالمية الأطر القانونية الناتجة عن عالمية الضغوط، ومحلية الأطر القانونية الحاکمة للإدارة العامة بخصائصها الوطنية، وسماتها الداخلية.(Hou, et. Al, 2010: 45-46)(Purec, 2013)(Tranter, 2011:754- 758)

ولقد فرضت الأوضاع السابقة العديد من التحديات على دراسة الأنظمة القانونية الحاکمة للإدارة العامة ما بين مجموعة الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني، ومجموعة الدول التي تأخذ بالنظام الأنجلوسکسوني، حيث نجد المجموعة الأولى من الدول تميز بين مجموعتين من القواعد القانونية الحاکمة للإدارة العامة، الأولى تتعلق بمجموعة القواعد القانونية الشبيهة بقواعد القانون الخاص، والثانية ترتبط بمجمل القواعد القانونية التي ترتبط بالإدارة العامة وتميزها دون غيرها. ودراسة الإدارة العامة في إطار مجموعة الدول التي تأخذ بذلک النظام، لا تقتصر إلا على المجموعة الثانية من القواعد القانونية. أما مجموعة الدول التي تتبنى النظام الإنجلوسکسوني، فهي تلک الدول التي تخضع الإدارة العامة لذات القواعد الحاکمة لعمل القطاع الخاص (السنوسي، 2017: 1-2).

الكلمات الرئيسية


مقدمـــة:

تدل کلمة قانون في اللغة على القاعدة الثابتة المطردة، وهي کلمة ليست عربية، بل اغريقية المولد، حيث استعمله الإغريق باسم Kanon، وانتقل إلى اللغة العربية بنفس نطقه ومفهومه، إلا أن العديد من الدول العربية تستخدم کلمة نظام ککلمة بديلة عنه، کمثل الدول الخليجية (عبداللاه، 2016: 10). أما کلمة إدارة «Administration»فهي کلمة لاتينية الأصل، ويقصد بها to serve، على أساس أن من يعمل بها يقوم على خدمة الآخرين (درويش، تکلا، 1968: 23).

ولقد استمد القانون وجوده من الجماعات البشرية المختلفة، فهو قديم قدم تلک الجماعات، والمجتمع البشري هو الوعاء لکل القواعد القانونية، فلا مجتمع بدون قانون، کما أنه لا قانون بدون مجتمع، والإدارة في المجتمع هي الجهة المنفذه للقانون. وکل تطور يصيب المجتمع يلقي بظلاله على الإدارة والقانون معا، فإذا کانت الإدارة مرآة الحضارة، فإن القانون مرآة المجتمع(السقا، 2016: 3-18).

ولقد تطورت القاعدة القانونية في المجتمع قبل تطور الممارسة الإدارية وظهور المجتمعات المنظمة في المجتمعات القديمة، ويتضح أسبقية القواعد القانونية الحاکمة للمجتمع عن تطور الإدارة في إطار الحضارات القديمة، فلقد تطورت القاعدة القانونية في المجتمع عبر ثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولى وهي مرحلة القوة، وکانت القاعدة الحاکمة للمجتمع في تلک الفترة أن القوة تنشئ الحق وتحميه، وأن القانون يتواجد مع القوة، ويتخلف مع تخلفها(أبوطالب، 2016: 43- 48) ، ولم تتواجد الإدارة خلال تلک المرحلة، ثم تطورت القاعدة القانونية وانتقلت لمرحلة جديدة يطلق عليها مرحلة التقاليد الدينية، وذلک بعد ضياع الحق ممن لا يمتلک القوة، وانتقل القانون من مرحلة الإنتقام الفردي إلى مرحلة الأحکام الإلهية، التي کان ينشرها رجال الدين داخل المجتمع (أبوطالب، 2016: 51-58) ، ولقد ظهر القانون بهذا المعني في مصر القديمة، وبلاد ما بين النهرين، وکان لا يجوز الخروج على القانون أو عدم تطبيقه للطبيعة المقدسة للقواعد القانونية الحاکمة للمجتمع، ومن هنا کانت الإدارة مکبلة بقوانين إلهية، وأن من ينفذها ويطبقها يتقرب بها إلى الرب، وظلت الإدارة ذات طبيعة مقدسة ناتجة عن قدسية القواعد القانونية المحکومة بها، وأن الموظف الإداري يصطبغ بالصبغة الدينية، وذلک لأنه يعکس ظل من تنزلت عليه القاعدة القانونية، ولذلک نجد اختلاط الإدارة في الحضارات القديمة بالطبيعة الدينية، الناتجة عن کون القاعدة القانونية الحاکمة للمجتمع تتسم بالقدسية (عبدالصادق، العوضي، 2019: 5-7).

ولم يتطور البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة، إلا مع اتجاه الشعوب إلى تدوين الأحکام الإلهية وتقاليدها العرفية التي استقرت عبر العصور، خاصة مع مدونة الألواح الإثنى عشر في الإمبراطورية الرومانية القديمة، والتي يرجع لها الفضل في التأسيس للبعد القانوني بصفة عامة، وليس البعد القانوني الحاکم للإدارة العامة فحسب (أبوطالب، 2016: 117-123).

ومع تطور المجتمعات الحديثة، وظهور الفروع المختلفة للقانون، سواء على مستوى الشق العام أو على مستوى الشق الخاص، تطورت معه الإدارة سواء على مستوى الإدارة العامة أو إدارة الأعمال. وأصبح شق القانون العام بفروعه المختلفة هو الضابط لحقل الإدارة العامة، وذلک لکون الدولة ووحداتها المختلفة محل دراسة الحقلين. وأصبح شق القانون الخاص بفروعه المختلفة هو الضابط والمنظم لحقل إدارة الأعمال، وذلک لکون الأفراد محل دراسة الحقلين(Dunham, 2004: 87-103, 389-427).

ومع تطور العلاقات بين العام والخاص في المجتمع، ومع انهيار الأيديولوجية الإشتراکية بسقوط الإتحاد السوفيتي السابق، وسيطرة الأفکار الرأسمالية، وانتشار الأفکار الخاصة بحرية التجارة العالمية، والعولمة الإقتصادية، أدى ذلک لمزيد من التقارب بين العام والخاص، ولم تعد الحدود الصارمة بين العام والخاص في الماضي هي ذات الحدود بين العام والخاص في الحاضر(Wang et. al,  2018: 293–394).

ولم تکن الإدارة العامة بمعزل عن التطورات السابقة، فظهرت العديد من التيارات الفکرية في مجال الإدارة العامة التي تستعين بالوسائل والأساليب المطبقة في إطار إدارة الأعمال، کمدرسة الإدارة العامة الجديدة، وحرکة اعادة اختراع الحکومة، والتي نادت بضرورة إصلاح الإدارة العامة من منظور إدارة الأعمال(Hope, 2001: 120-122).

ومع مناداه حرکات اصلاح الإدارة العامة الجديدة بالعمل بروح القطاع الخاص، ظهرت العديد من الکتابات والأفکار للمفکرين والفقهاء القانونين لمعالجة الأسس القانونية لإصلاح الإدارة العامة، فالإدارة العامة محکومة بأطر قانونية مغايرة عن تلک الأطر القانونية الحاکمة للقطاع الخاص، ومن ثم کيف تکون الإدارة العامة محکومة بأطر القانون العام وتعمل بروح القطاع الخاص؟ وهل الخلل في اصلاح الإدارة العامة ناتج من کونها تخضع لقواعد القانون العام؟ أم أن قواعد القانون العام هي بمثابة طوق النجاه للإدارة الحکومية في تحقيق أهدافها؟ (Christensen et al,2011: i125–i135) (Lienert, 2005: 4-9)

ولقد دفعت التطورات التکنولوجية، وحرية الإنتقال بين الدول، والعولمة الاقتصادية، وحرية انتقال رؤوس الأموال، العديد من الدول لصياغة قوانين تحکم إدارتها العامة بقواعد عالمية تتواکب مع عالمية الضغوط والتفاعلات الدولية، ومن ثم أصبحت الإدارة العامة تعمل في إطار أطر قانونية عالمية، وليست محلية، ومن ثم أصحبت الإدارة تعمل في إطار معضلتين قانونيتين، تتجسد المعضلة الأولى في فک الإشتباک القانوني بين العام والخاص على المستوى الداخلي، بينما تتعلق المعضلة القانونية الثانية بالصراع بين عالمية الأطر القانونية الناتجة عن عالمية الضغوط، ومحلية الأطر القانونية الحاکمة للإدارة العامة بخصائصها الوطنية، وسماتها الداخلية.(Hou, et. Al, 2010: 45-46)(Purec, 2013)(Tranter, 2011:754- 758)

ولقد فرضت الأوضاع السابقة العديد من التحديات على دراسة الأنظمة القانونية الحاکمة للإدارة العامة ما بين مجموعة الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني، ومجموعة الدول التي تأخذ بالنظام الأنجلوسکسوني، حيث نجد المجموعة الأولى من الدول تميز بين مجموعتين من القواعد القانونية الحاکمة للإدارة العامة، الأولى تتعلق بمجموعة القواعد القانونية الشبيهة بقواعد القانون الخاص، والثانية ترتبط بمجمل القواعد القانونية التي ترتبط بالإدارة العامة وتميزها دون غيرها. ودراسة الإدارة العامة في إطار مجموعة الدول التي تأخذ بذلک النظام، لا تقتصر إلا على المجموعة الثانية من القواعد القانونية. أما مجموعة الدول التي تتبنى النظام الإنجلوسکسوني، فهي تلک الدول التي تخضع الإدارة العامة لذات القواعد الحاکمة لعمل القطاع الخاص (السنوسي، 2017: 1-2).

ومع ما شهده العالم منذ مطلع عام 2020م من التعرض لجائحة کورونا (Covid-19)، فقد ألقت تلک الأزمة بظلالها ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية في المجتمعات المختلفة، بل فرضت مزيداً من التحديات القانونية، والإدارية شديدة الخطورة للتکيف مع تلک الأزمة. فالجهاز الإداري للدولة المحکوم بأطر قانونية تقليدية وقواعد جامدة أصبح غير قادراً بتلک الأطر أن يواجه أزمة شديدة التعقيد، إلا بمزيد من البحث عن حلول قانونية وابتکارية قادرة على تمکين الجهاز الإداري من استکمال إدارة  عمليات التنمية بأبعادها المختلفة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية(OECD, 2020: 3-5).

المشکلة البحثية: تتجسد المشکلة البحثية للدراسة في: إلى أي مدى تطورت الإدارة العامة بفضل التطورات الحادثة في مجال القانون بصفة عامة، والقانون الإداري بصفة خاصة؟ وإلى أى مدى تأثرت الإدارة العامة بالتطورات الحادثة في مجال القانون الخاص، کرد فعل لظهور الاتجاهات الحديثة في الإدارة العامة، والتي تنادي بضرورة أن تعمل الإدارة العامة بأساليب القطاع الخاص؟ وهل خضوع الإدارة العامة لأطر القانون العام تعد بمثابة فرصة أم عقبة أمام تبني المداخل الإصلاحية الجديدة أو الاستجابة للضغوط الجديدة الواقعة على عمل الإدارة؟

المنهاجية البحثية: اعتمدت الدراسة على احداث تکامل منهاجي بين ثلاث منهاجيات أساسية، أول تلک المناهج، وهي المنهاجية القانونية، ولقد تم الإعتماد عليها في دراسة وتشخيص العلاقات القانونية بين حقل الإدارة العامة وفروع القانون المختلفة، أما المنهاجية الثانية،  فتدور حول المنهاجية التاريخية، ولقد اعتمدت الدراسة عليها في عرض نشأة وتطور البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة عبر المدارس المختلفة، وأخيراً تدور المنهاجية الثالثة، حول المنهج التحليلي، ولقد تم الإعتماد عليه في إطار عرض وتحليل مجمل الأدبيات والدراسات التي تناولت الأبعاد القانونية للإدارة العامة.

تساؤلات الدراسة: تسعى الدراسة للتوصل للإجابة عن التساؤلات التالية: کيف أسهمت المدرسة القانونية في تطور حقل الإدارة العامة؟، إلى أي مدى تتواجد علاقة بين النشأة التاريخية للإدارة العامة والنشأة التاريخية للقانون بصفة عامة، والقانون الإداري بصفة خاصة؟، إلى أي مدى تتشابه العلاقة بين العام والخاص في الإدارة العامة، والعام والخاص في القانون؟، کيف تطورت الإدارة العامة في إطار التطورات الحادثة في حقل القانون الإداري؟، إلى أي مدى ترتبط النظريات الإدارية المستنبطة من واقع دراسة الإدارة العامة، والنظريات المستنبطة من واقع دراسات القانون الإداري؟، إلى أي مدى تتواجد علاقة بين التطورات الحادثة في إطار حقل الإدارة العامة والتطورات الحادثة في مجال حقل القانون الخاص؟

تقسيم الدراسة: تنتظم الدراسة حول أربعة محاور أساسية، يعالج المحور الأول نشأة البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة، ويدور المحور الثاني حول نمو الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون الإداري، ويبحث المحور الثالث مدى نمو الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون العام، بشقيه الداخلي والخارجي، وأخيراً يتناول المحور الرابع والأخير لنمو الإدارة العامة في ضوء دراسات القانون الخاص، خاصة في ظل التقارب الحادث في المجتمع الداخلي، والدولي بين العام والخاص، ومدى تأثر الأطر القانونية بذلک التقارب.

أولاً: نشأة البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة:

تطور البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة عبر ثلاث مدارس أساسية؛ يطلق على المرحلة الأولى المدرسة الشکلية في دراسة الإدارة العامة، وتتمثل المدرسة الثانية في مدرسة الإزدواج القانوني، والتي تزعمتها فرنسا، ومجموعة الدول اللاتينية، وأخيراً يطلق على المدرسة الثالثة المدرسة الفنية في دراسة الإدارة العامة، والتي تزعمتها الولايات المتحدة الأمريکية وبريطانيا، ومجموعة الدول التي تسير على نهج النظام الأنجلوسکسوني، وفيما يلي يمکن إلقاء الضوء على تطور تلک المدارس:

1)       المدرسة الشکلية في دراسة الإدارة العامة (المدرسة الرومانية):

تعتبر الإمبراطورية الرومانية القديمة مهد المدرسة الشکلية في دراسة الإدارة العامة، ولقد استمدت تلک المدرسة جذورها وأساسها الفکري من الطبيعة العملية التي اتسمت بها الإمبراطورية الرومانية القديمة بعکس الطبيعة النظرية والفکرية التي تمتعت بها اليونان القديمة(Adams,1896: 1-10). ولذلک نجد المؤرخون يؤرخون لدراسة الفکر السياسي بدءاً من الحضارة اليونانية القديمة ذات الإسهام والتراکم النظري المرتبط بالديمقراطية المباشرة، وطبيعة النظام السياسي، أما الرومان فلم ينتجوا فکراً سياسياً خالصاً، وذلک لکونهم رجال قانون وإدارة وعسکرية أکثر من کونهم رجال فکر وقلم کمثل اليونانيون (مجاهد، 2007: 111).ولقد ارتبطت المدرسة الشکلية في الإدارة العامة بدراسة القانون الروماني، حيث تميز القانون الروماني بعدم الاعتداد بالإرادة سواء إرادة الأفراد، أو إرادة الإدارة في ابرام التصرفات القانونية، وأن الإتفاق الخالي من الشکلية لا تنشأ عنه دعوى، ومن ثم يبقي خالياً ومجرداً من أية حماية قانونية (السقا، 2017: 45-49). ومن هنا برزت أهمية الدراسة القانونية والتعليم القانوني کأساس لنجاح الموظف الإداري في إبرام التصرفات القانونية مع الغير. وأصبح التعليم القانوني شرطاً للحصول على درجة وظيفية أعلي في الخدمة المدنية الرومانية(عبدالوهاب، 2016: 51). ولقد کان القانون واجباً إلزامياً في الإدارة في روما القديمة، ولقد أدرک الرومان أنهم إذا أرادوا لإمبراطوريتهم أن تکون فيالقمة، فإنه يتعين عليهم امتلاک نظاماً قانونياً محکماً، ولقد کان ذلک نتيجة للإعتقاد السائد آنذاک بأن السلطة الإدارية متجذرة في تعاون الناس وطاعة القانون(عبدالوهاب، 2016: 50-51).

ولقد غلبت الطبيعة الشکلية في دراسة الإدارة العامة کنتيجة لسيطرة رجال الدين على صناعة وتطبيق وتفسير القوانين في روما القديمة، کما أن أصالة الروح الواقعية والعملية لدى الرومان ترکت بصماتها على القانون الروماني القديم، ولذلک کان القانون الروماني القديم يتسم بالطبيعة المادية، والطبيعة المادية تعني في المقام الأول الإهتمام بالشکل الخارجي للأشياء، أي الأخذ بالظواهر لا البواطن، وأن ما يتلفظ به الإنسان يشکل قانونه، کما أن شکل الشئ قوام وجوده(السقا،2017 : 41-44). ولذلک کان لرجال الإدارة دوراً هاماً ومؤثراً، حيث أعطيت القيمة الأولى في التصرفات القانونية التي يقوم عليها رجال الإدارة للکلمات المستعملة، ومن ثم وجب احترامها تماماً، فلا تزيد کلمة ولا تنقص أخرى، ولا کلمة تحل مکان کلمة أخرى، وإلا تغيرت طبيعة التصرف موضوع التداعي أو ينتهي به الحال إلى البطلان(السقا، 2017: 44).

واتسعت مساحة الشکلية في الإدارة والحياه الخاصة على حدٍ سواء، وذلک بمزيد من الترکيز على الرسمية المرتکزة على ماديات القانون دون الاعتداد بروحه، ولذلک نجد أن الکثير من العقود الدارجة والمشهورة في العمل کانت تستلزم التفوة بألفاظ معينة والإجابة عنها بذات الألفاظ، وإذا وقع أي من المتعاقدين في أية هفوة شکلية کان البطلان من نصيب التصرف القانوني کله(السقا، 2017: 47).

ومع توسع الإمبراطورية الرومانية والإحتکاک بالخارج، ومع اتساع دور الأجانب في الأسواق المالية الرومانية، تحررت الإدارة الرومانية والتصرفات الفردية تدريجياً من الشکلية والاتجاه نحو تفعيل دور الإرادة في إبرام التصرفات القانونية، وإن ظلت الشکلية هي الأصل العام ولا يعترف بمبدأ سلطان الإرادة إلا على سبيل الإستثناء. ومع انتهاء سيطرة رجال الدين على صناعة القرارات والقوانين، وتفسيرها، تولى الفقهاء المدنيون أمر تفسير الغموض الذي شاب الکثير من التشريعات القانونية الحاکمة للتصرفات الإدارية والفردية على حد سواء(أبوطالب،2016). إلى أن جاء المفکر الروماني القديم « شيشرون» وأکد أن « المغالاه في التمسک بحرفية النصوص مغالاه في الظلم» (السقا، 2017).

وينبغي الإشارة هنا إلى اختلاف التأسيس لنشأة الإدارة العامة عن التأسيس لنشأة البعد القانوني الحاکم للإدارة العامة، حيث يؤسس لنشأة الإدارة العامة بالحضارة الفرعونية القديمة (درويش، 1996) ، إلا أن فضل زيوع القانون بصفة عامة وانتشاره يرجع للحضارة الرومانية، وذلک لما لقبت به روما القديمة بأنها " سيدة العالم القديم" في دنيا القانون صناعة وفناً وتحليلاً(السقا، 2017: 39). 

وإن کان يؤسس للبعد القانوني في دراسة الإدارة العامة بالحضارة الرومانية، إلا أن المتتبع لتطور ذلک البعد في إطار الحضارات المختلفة يجد تأثره، بالإطار القانوني الحاکم للإدارة اليونانية، وتأثر الأخير بالقانون الفرعوني القديم أو ما يعرف بقانون بوکخوريس، حيث ثبت أن قانون الألواح الأثنى عشر(القانون الروماني)، قد تم تشکيله عن طريق لجنة الإشراف التي ذهبت إلى اثينا للإطلاع على القانون اليوناني الشهير أو ما يعرف بقانون صولون(Leão, Rhodes, 2015: 1-9) ، کما أنه من المعروف أن صولون قبل تدوينه لقانونه کان قد زار مصر واطلع على قانون بوکخوريس 718- 712 ق.م.(أبوطالب، 2016: 131-133)کما ثبت تاريخياً أن واضعي قانون الألواح الإثني عشر أنفسهم قد اطلعوا على قانون بوکخوريس. ومع سيطرة الرومان على مصر أصبحت مصر ولاية رومانية، وتأثر القانون المصري وأثر في القانون الروماني. وهکذا نري أن البعد القانوني في دراسة الحضارات القديمة عاش مع الزمن فاعلاً ومتفاعلاً في إطار الحضارات التي التقى بها عبر الزمن. کما أن قانون نابليون الذي يجسد المصدر التاريخي للقانون المصري المعاصر، کان قد أخذ من منابع القانون الروماني، وأن هذا الأخير له صله متفاعلة مع القانون المصري القديم. ومن ثم فإن الإدارة العامة في نشأتها القانونية المعاصرة هى انعکاس لتأثيرات قانونية تعود جذورها لقانون بوکخوريس الفرعوني، ثم انتقل الأخير إلى قانون صولون اليوناني، ثم امتد الأخير إلى قانون الألواح الأثني عشر الروماني، ثم انتقل الأخير إلى موسوعة جوستنيان الرومانية، وأخيراً انتقل الأخير إلى قانون نابليون، ومنه إنتقل إلى القانون المصري المعاصر. والتدرج السابق ينقلنا للمدرسة الفرنسية في الإدارة العامة، والتي سميت بمدرسة الإزدواج القانوني(أبوطالب،2016 :133) (السقا، 2017: 39-40).

2)           مدرسة الإزدواج القانوني في دراسة الإدارة العامة (المدرسة الفرنسية):

ففي الوقت الذي کانت بريطانيا قد انتهت فيه من ثورتها المجيدة عام 1688م، والتي نادت بضرورة اعلاء قيم الملکية الدستورية، وارست بدايات ظهور نظام الحکم  البرلماني فيها(UK Parliament, 2010)،  وبعد  مرور قرن من الزمان على التطورات السياسية في بريطانيا، اندلعت الثورة الفرنسية، متأثرة  بالظروف الخارجية من جانب، والأوضاع الداخلية المتردية من جانب آخر، وذيوع أفکار مونتسکيو حول الحرية والفصل بين السلطات، واجتماعية القوانين، ومناسبتها لمختلف الأقاليم في مؤلفه "روح الشرائع"  عام 1748م من جانب ثالث (مونتسکيو، زعيتر، 1953: 329- 347) ، وفي إطار هذه الظروف التاريخية والسياسية بالغة التعقيد، ظهرت مدرسة الإزدواج القانوني في دراسة الإدارة العامة في فرنسا، حيث کانت البداية مع الاعتبارات السياسية للثورة الفرنسية، والتفسير الخاطئ من قبل رجال الثورة الفرنسية لمبدأ الفصل بين السلطات، والذي کان يقضي بعدم خضوع رجال الإدارة (رجال السلطة التنفيذية) للمحاکم القضائية العادية، بحجة أن ذلک يؤدي إلى اهدار استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية(فودة، 2018: 58-62).

ثم صدر القانون 16- 24 أغسطس 1790م بارساء مبدأ الفصل بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية، وذلک من أجل عدم محاکمة القضاه لرجال الإدارة عن أعمال تتصل بوظائفهم التنفيذية. وکنتيجة لهذا الفصل منعت المحاکم العادية  من النظر في المنازعات التي تکون الإدارة العامة طرفاً فيها، ومن هنا کانت الإدارة العامة هي التي تباشر النشاط الإداري من جانب، وتفصل في المنازعات الإدارية المترتبة على هذا النشاط من جانب آخر، أي أن الإدارة العامة الفرنسية کانت إدارة قاضية إلى جانب کونها إدارة تباشر مهام تنفيذية، أي أنها کانت الخصم والحکم في آن واحد(فودة، 2018: 58-62)، وذلک إلى أن قام نابليون بإنشاء مجلس الدولة ومجالس الأقاليم، ولم تکن تلک المجالس مستقلة في بداية الأمر؛ حيث کانت مجرد مجالس استشارية، کما کانت تخضع بالتبعية إما لنابليون مباشرة کما هو الحال في مجلس الدولة، أو تابعة للمحافظين کما هو الحال في مجالس الأقاليم(بدوي، 2016: 57-67).

وظلت  الإدارة الفرنسية جامعة بين صفتي الإدارة العامة والإدارة القاضية حتى مع إنشاء المجالس السابقة، إلى أن تحول مجلس الدولة ومجالس الأقاليم إلى محاکم حقيقية تصدر أحکاماً ملزمة للإدارة والأفراد على حد سواء، وذلک بصدور قانون 24 مايو 1872م. وأصبح للإدارة العامة الفرنسية قضاء مستقلاً يميزها عن القضاء العادي الفرنسي، ولقد ترتب على إزدواج القضاء إزدواج الأطر القانونية ما بين أطر قانونية تحکم الإدارة العامة، وأطر قانونية تحکم تصرفات الأفراد (فودة، 2018: 60-61).

وتقوم هذه المدرسة على توافر رکنين أساسيين، يتجسد الرکن الأول في وجود محاکم تختص بالفصل في منازعات الإدارة العامة، وتکون تلک المحاکم مستقلة عن المحاکم العادية التي تختص بالفصل في المنازعات الفردية، ومن ثم فإننا نکون بصدد إزدواج قضائي: القضاء الإداري والقضاء العادي، ويتعلق الرکن الثاني بوجود قواعد وتشريعات وأحکام تنظم نشاط الإدارة العامة، وأن تکون تلک القواعد مغايرة للقواعد والأحکام التي تنظم النشاط الخاص للأفراد، وأن تمنح تلک القواعد الإدارة سلطات وامتيازات استثنائية لا يتمتع بها الأفراد حين ممارستهم للنشاط الخاص(بدوي، 2016: 57-58).

وبهذا المعني نجد أن النظام الإداري لا يتواجد من الناحية الفنية إلا في الدول ذات الإزدواجيات القضائية والإزدواجيات التشريعية، ومن هنا نجد فرنسا ومجموعة الدول التي تأخذ بالنظام القانوني اللاتيني يتواجد بها نظام إداري متکمل الأرکان، نظراً لما تتمتع به الإدارة العامة بها من امتياز اصدار قرارات بإرادتها المنفردة وتکون نافذة وملزمة في مواجة الأفراد رغماً عنهم، ودون حاجة لتدخل القضاء، ولذلک ميز الفقيه هوريو تلک الدول، وأطلق عليها البلاد ذات النظام الإداري، تمييزاً لها عن مجموعة البلاد التي بها إدارة عامة، ولکن ليس بها نظام إداري بالمعني السابق توضيحه، والتي تتمثل في النظم الأنجلوسکسونية، التي لا يجوز للإدارة العامة بها أن تصدر من جانبها قرارات ملزمة للأفراد إلا بمقتضى نص في قانون يصدره البرلمان أو الجهة التشريعية، ويتضح مما سبق أن الإدارة العامة رغم الإعتراف بوجودها في جميع  الأنظمة، إلا أن النظام الإداري لا يمکن الاعتراف بوجوده- کما قال هوريو- إلا في إطار مجموعة الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني(عبدالعال، 2016: 4-8).

3)           المدرسة الفنية في دراسة الإدارة العامة (المدرسة الأنجلو أمريکية):

ولقد ظهرت تلک المدرسة في ظل ظروف تاريخية مغايرة، تتسم بسيطرة نظام الغنائمSpoil System على الإدارة الأمريکية، وما تضمنه من سيطرة الحزب الحاکم على الوظائف العامة، وذلک ثمناً لتأييد هذه الطائفة السياسى للحزب فى المعرکة الإنتخابية، وفي ظل غياب حيادية الجهاز الإداري الأمريکي، وتداخل الاعتبارات السياسية والإدارية، نادي ويلسون عام 1887م بضرورة الدراسة العلمية والفنية للإدارة (Vyas-Doorgapersad, Simmonds, 2009: 4-5 ).

     ولقد هدف ويلسون من دراسة الإدارة العامة، الإجابة عن تساؤل في غاية الأهمية، ألا وهو: کيف يمکن أن يکون لدينا حکومة تعمل بکفاءة أعلى وتکلفة أقل؟ ومن ثم فإن معيار ترکيز هذه المدرسة هو کيفية تحقيق کفاءة وفعالية الإدارة الحکومة (جمعة، 1999: 66-88).

ولقد تواکب ما سبق مع ظهور المنظور الفکري الأول لدراسة الإدارة العامة، والذي أطلق عليه ثنائية السياسة- الإدارة خلال الفترة (1987- 1926) Politics–Administration Dichotomy ، ولقد  کان محل ترکيز ذلک المنظور حول اقتسام موضوعات الإدارة العامة بين حقلي العلوم السياسية، والإدارة العامة(Basheka, 2012:35). وظل ذلک النهج سائداً إلى أن ظهر المنظور الفکري الثاني في إطار دراسات الإدارة العامة منذ عام 1927- 1937، والذي تناول دراسة الإدارة العامة ضمن مبادئ الإدارة بصفة عامة Principles of Public Administration (محلق 1)، ولقد استطاع هذا المنظور الفکري تحديد جوهر علم الإدارة العامة، وتحديد أهم مبادئه، ونظرياته، ومدى اتسام تلک المبادئ والنظريات بالطبيعة العالمية(Basheka, 2012:41-47).

ومع تزايد المشاکل الفنية للتنظيم والإدارة، ظهرت البادرة الأولى بانعقاد أول مؤتمر للعلوم الإدارية في بروکسل 1910م، تولدت عنه لجنة دولية في العلوم الإدارية، ثم تحولت سنة 1930 إلى معهد دولي للعلوم الإدارية للعمل على تقدم العلوم الإدارية واتقان أساليب الإدارة العامة وفنونها، واجراء الدراسات المقارنة للنظم والتشريعات الإدارية في الدول المختلفة. واصدر المعهد مجلة تسمى (المجلة الدولية للعلوم الإدارية)، ولقد غلبت الصبغة القانونية على الدراسة والبحوث الإدارية الصادرة عن المعهد، وذلک لوجود الغالبية من الدول الأعضاء التي تنتمي إلى النظام اللاتيني، ثم بعد ذلک زادت التوجهات نحو مزيد من التحرر من الصبغة القانونية والتحول نحو مزيد من الاستقلالية للإدارة العامة مع تطور قضاياها الفنية(بدوي، 2016: 5).

ولقد حاول ويلسون الترکيز على فنيات الإدارة المحققة للکفاءة والفعالية الحکومية، وذلک من خلال التأکيد على مرتکزات ثلاثة للإصلاح الإداري الحکومي، يدور المرتکز الأول حول استقلالية الإدارة الحکومية، ويتعلق المرتکز الثاني حول الخدمة المدنية الحکومية، ويتناول المرتکز الثالث الأساليب الإدارية المتبعة في الإدارة الحکومية(جمعة، 2016: 67-69).

ولقد نادى ويلسون بأهمية حيادية الإدارة کضمانة لمبدأ استقلالها، والحيادية التي نادي بها ويلسون يقصد بها ضرورة ابتعاد الإدارة عن العمل السياسي، وکذلک عدم تدخل السياسة في العمل الإداري، إلا أن الحيادية في إطار التطورات المعاصرة تتضمن أبعاداً أخرى دينية وفکرية وثقافية، إلى جانب الإبتعاد عن الإعتبارات السياسية. والحيادية في القانون الإداري مرتبطة بضمان تحقيق الإدارة لمبدأ المشروعية، والمشروعية الإدارية يقصد بها في أبسط معانيها أن لا تأتي الإدارة بعمل مخالف للقانون، وأن لا تنحرف الإدارة في ممارسة السلطة لتحقيق أهداف وأغراض خاصة(Caiden, 1996: 21-27).

أما المرتکز الثاني لتلک المدرسة فيتعلق بالعنصر البشري المنوط به تحقيق الکفاءة والفعالية في الإدارة الحکومية، أو ما يعرف بالخدمة المدنية، ولقد نادى ويلسون بضرورة اختيار العاملين في الإدارة الحکومية على أساس الکفاءة والخبرة، وليس على أساس الإنتماء الحزبي. ولقد تضمنت دراسات القانون الإداري تأصيلاً لهذا المرتکز في إطار باب الوظيفة العامة، من حيث تحديدها للمقصود بالموظف العام، وتحديد للعلاقة بين الموظف والإدارة، وکذلک تشخيص للنظام القانوني للوظيفة العامة(Falk Ebinger et al, 2019: 861-876)(Argyriades,1996: 53-55).

وأخيراً يدور المرتکز الثالث والأخير لهذه المدرسة حول ضرورة إدارة الحکومة بذات الأساليب المتبعة في إدارة القطاع الخاص، ولقد تعددت المداخل الإصلاحية الحديثة التي تناولت ذلک المرتکز بالتفصيل، کمدخل الإدارة العامة الجديدةNew Public Management، الذي ظهر في إطار البيئة البريطانية ، ومدخل اعادة اختراع الحکومةReinventing  Government، الذي ظهر في إطار البيئة الأمريکية(Simonet, 2011: 815 ). ولقد ارتبط التحول لفکر الإدارة العامة الجديدة بمجموعة من العوامل والمتغيرات السياسية، والاقتصادية، والإدارية، والتکنولوجية، والتي تمثلت في: صعود حکومة المحافظين في بريطانيا، وحکومة الرئيس ريجان بالولايات المتحدة الأمريکية، والتي نادت بضرورة تقليص دور الدولة من جانب، ودعم القطاع الخاص من جانب آخر، بالإضافة لسقوط الفکر الاشتراکي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، إلى جانب معاناه معظم دول العالم من ضغوط في الميزانية، کنتيجة لسيطرة الدولة على معظم قطاعات الانتاج وتقديم الخدمات، بالإضافة إلى فشل أساليب إدارة القطاع العام في العديد من الخبرات والتجارب، کنتيجة لتضخم حجمه، واتباع المرکزية الصارمة في إدارته، وغياب التنافسية في الخدمات التي يقدمها، کما أن ما شهده العالم في مطلع التسعينيات من القرن العشرين من ثورة تکنولوجية هائلة أدت لثورة إدارية موازية في إطار الأساليب المتبعة في تقديم الخدمات، وميکنة الإدارات الحکومية(Larbi, 1999: 2-11).

ولم يکن القانون الإداري بمعزل عن تناول مرتکز الأساليب الإدارية المتبعة في ممارسة النشاط الإداري، إلا أن الدراسة القانونية لهذا المرتکز تناولت تلک الأساليب باعتبارها تصرفات قانونية صادرة عن الإدارة العامة. ولقد تمثلت تلک الأساليب في نظريتي القرارات الإدارية، والعقود الإدارية، على اعتبار أن الإدارة العامة لا يمکنها ممارسة عملها بدون اصدار قرارات إدارية بإرادتها المنفردة، أو ابرام عقود إدارية بإرادة مشترکة بينها وبين إرادة طرف آخر تتعاقد معه. ومن ثم فإن کفاءة وفعالية الأساليب الإدارية من المنظور القانوني تکون بالترکيز على کفاءة إصدار القرارات الإدارية من جانب، وفعالية ابرام العقود الإدارية الحکومية من جانب آخر(Herweijer, 2007: 13-18)(Seidenfeld, 2000: 217-219).

ومما سبق يتضح أن تطور المدرسة الفنية في دراسة الإدارة العامة نشأ مع ويلسون 1887م، وتطور الأمر بعد ذلک في إطار محاولة اثبات السيطرة من دارسي العلوم السياسية، ودارسي العلوم الإدارية، إلى أن أصبع للإدارة العامة معاهد وأقسام وکليات تدرس خلالها بصورة مستقلة (Demir, Tansu, 2009: 503-532)(Tang, 2004: 60-64).

ثانياً: تطور الإدارة العامة في إطار حقل القانون الإداري:

يعد القانون الإداري أقرب فروع القانون ارتباطاً بدراسة الإدارة العامة، فهو يشکل قانون الإدارة العامة(انظر: ملحق 2-1)، لما يتضمنه من مجموعة القواعد القانونية التي تحکم ممارسة الدولة لوظيفتها الإدارية؛ ولذلک يعرف القانون الإداري بأنه ذلک الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي ينظم نشاط الإدارة العامة بکل مؤسساتها: سواء أکانت سلطات مرکزية، أم هيئات محلية، أم مؤسسات عامة، أم هيئات عامة(Hawke, Parpworth, 1998: 1-2  ).

يمکن تناول تطور دراسة الإدارة العامة في إطار دراسات القانون الإداري في إطار النقاط الفرعية التالية:

1)       تطور معايير دراسة الإدارة العامة من المنظور القانوني:

ويتضح مما سبق أنه لا يمکن بأى حال من الأحوال فصل الإدارة العامة عن القانون الإداري سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العملية. فمن الناحية النظرية تطورت دراسة الإدارة العامة من المنظور القانوني في إطار مجموعة من المعايير يمکن تقسيمها إلى ما يلي:

المعيار العضوي(Organic)، ويقصد به أن کل عمل صادر عن سلطة إدارية مهما کان موضوعه يدخل في نطاق الإدارة العامة، وکذلک القانون الإداري. ومن ثم فإن کل عمل يصدر عن وحدات الإدارة العامة يعد عملاً إدارياً ويخضع للقانون الإداري. وبالتالي تخرج الأعمال الإدارية الصادرة عن وحدات أخرى غير إدارية من نطاق عمل الإدارة العامة، وکذلک القانون الإداري(بدوي، 2016: 148).

ونظراً لعدم صلاحية المعيار العضوي للتمييز بين ما يعد إدارياً (إدارة عامة)، وما لا يعد کذلک، فقد انطلق معيار الصالح العام (Public Interest) من الترکيز على فکرة أن الإدارة العامة هي التي تسعي لتحقيق الصالح العام(Pesch,2008: 170-180)، ومن ثم فإن المنازعة التي تثور بشأن العمل منازعة إدارية تخضع للقضاء الإداري وتخرج عن نطاق القضاء المدني. وتتضح مشکلة هذا المعيار من انطلاقه من مفهوم غامض وغير محدد کأساس لعمل الإدارة العامة، ولإنطباق أحکام القانون الإداري(بدوي، 2016: 149).

ونظراً للمشکلة السابقة ظهرت مجموعة من المعايير المستندة لفکرة السلطة العامة(Public Authority)، والتي تزعمها موريس هوريو Maurice Hauriou))، والتي أطلق عليها في کتابات القانون الإداري مدرسة السلطة العامة، ثم جاء لافيير Laferrière))  مؤيداً التفرقة بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة کمعيار لدراسة القانون الإدري، والذي يرى أن الإدارة العامة تقوم بنوعين من الأعمال، يجسد النوع الأول سلطة اصدار الأوامر والنواهي (أعمال السلطة)، بينما يتعلق النوع الثاني بالأعمال التي تتعامل فيها الإدارة مع الأفراد بنفس القواعد والشروط التي يتعامل بها الأفراد مع بعضهم البعض (أعمال الإدارة العادية). وفي هذا الإطار فإن احکام القانون الإداري لا تنطبق، إلا على النوع الأول فقط من أعمال الإدارة العامة، أما النوع الثاني من الأعمال فيخرج عن نطاق دراسة القانون الإداري، وإن ظلت الإدارة العامة تمارسه في نطاق مع يعرف بأساليب القطاع الخاص(السنوسي، 2017: 37-40). ولقد تطور هذا المعيار من معيار للسلطة الآمرة إلى معيار للتمييز بين أساليب الإدارة العامة وأساليب إدارة الأعمال، وإن ظل المعيار الأخير يستند لنفس المنطلقات الفکرية للمعيار السابق، دون أن يقدم إضافات يعتد بها(بدوي، 2016: 154).

ونظراً لعدم صلاحية المعيار السابق لتحديد مجالات انطباق القانون الإداري، ودخول العديد من الأعمال التي تنتمي للمرافق الحکومية للقضاء العادي،  فقد ظهر معيار المرفق العام(Public Utilities)، ليشکل موضوعاً ومجالاً لدراسات کلاً من الإدارة العامة والقانون الإداري على حدٍ سواء لفترة طويلة من الزمن، ومن أنصار هذا المعيار: ليون دوجي Leon Duguit، وجيزGaston Jeze ، والعميد  بونار Bonnard، ورولان Rolland (بدوي، 2016: 163). ولقد ظهر هذا المعيار تأسيساً على أحکام القضاء الإداري الفرنسي منذ عام 1873م، والتي تتلخص في أحقية القضاء الإداريبالنظر في کل المنازعات التي تتعلق بالمرفق العام، دونما الاعتداد بالتفرقة بين أنواع المنازعات وفقاً للتفرقة بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة، أو التفرقة بين أساليب الإدارة العامة وأساليب الإدارة الخاصة، کل ما في الأمر تعلق المنازعة بمرفق عام، بصرف النظر عن طبيعتها. ومن هنا أصبح معيار المرفق العام معياراً ضابطاً لتحديد مجال القانون الإداري(عبدالعال، 2016: 262-275)(بدوي، 2016: 155-159).

ولقد استفادت الإدارة العامة من التطورات الحادثة في نطاق القانون الإداري، وأصبح المرفق العام يشکل موضوعاً لدراسة الإدارة العامة، وأساساً يمکن الارتکاز عليه في تحديد حدود عمل الإدارة العامة، وتمييزها عن مجالات عمل إدارة الأعمال(الشرقاوي، 2019: 88-90 ).

وفي هذا الإطار، فقد ظهر الخلاف حول المقصود بالمرفق العام الذي يجسد موضوعاً للإدارة العامة، ويشکل مجالاً لانطباق أحکام القانون الإداري، فهل المقصود بالمرفق العام الجهة التي تتولى أو تمارس النشاط؟ أم المقصود بالمرفق العام النشاط الذي يشبع حاجة جماعية أو الخدمة التي تحقق مصلحة عامة؟ ولقد تعددت الإتجاهات التي تولت الإجابة عن التساؤلات السابقة ما بين اتجاهين أساسيين. الاتجاه الأول: المرفق العام من زاوية الجهة التي تتولي النشاط: وفقاً لهذا الاتجاه فإن المرفق يعتبر مرفقاً عاماً طالما ظل خاضعاً للسلطة العامة في الدولة، وهنا تنقسم المرافق إلى مرافق قومية، ومرافق محلية. والمرفق القومي، هو ذلک المرفق الذي يتولي تقديم خدمات متجانسة لجميع السکان بالدولة، بصرف النظر عن نطاق جغرافي معين. بينما يتعلق المرفق المحلي بتقديم خدمات متعددة لسکان منطقة جغرافية محددة. الاتجاه الثاني: المرفق العام من زاوية النشاط الذي يشبع حاجة جماعية: ويقصد بهذا الاتجاهأن اطلاق العمومية على المرفق العام قد تکون لمجرد ممارسة نشاط يشبع حاجة جماعية بصرف النظر عن خضوع المرفق للسلطة العامة للدولة، حيث قد تتعاقد الدولة مع مرافق خاصة للقيام بتقديم خدمات عامة للجمهور. ولکن لا يمکن اطلاق وصف المرفق العام على مرفق خاص لمجرد ممارسة أنشطة تعبر عن مصلحة جماعية(عبدالعال، 2016: 34-36).

والإدارة العامة في ضوء المعيار السابق هي عبارة عن مجموعة من المرافق العامة؛ فالإدارة العامة ترتبط وجوداً وعدماً بالمرافق العامة، وکل القواعد الاستثنائية التي تحکم الإدارة العامة جاءت من ارتباط موضوعها بالمرافق العامة، وبالتالي نجد تفسيراً منطقياً لوجود قواعد خاصة للمسئولية الإدارية، والعقود الإدارية، والموظف الإداري، والأموال العامة(الشرقاوي، 2019) (بدوي، 2016) (عبدالعال، 2016: 161- 275).

وعلى الرغم من صلاحية معيار المرفق العامة لدراسة الإدارة العامة، إلا أنه قد مر بأزمة في إطار دراسات القانون الإداري(Public Utility Crisis)، وذلک لغموض واتساع تعريفه، وکذلک لاستخدام الإدارة العامة للعديد من أساليب القطاع الخاص في إدارته، مما استلزم بالتبعية الاستناد إلى العديد من القواعد التي تخرج عن نطاق قواعد القانون الإداري، ومن هنا فشل معيار المرفق العام کمعياراً ضابطاً لإنطباق أحکام القانون الإداري عليه(بدوي، 2016: 167- 186).

ومن هنا ظهر معيار السياسات العامة(Public Policy) کمعياراً ضابطاً لموضوع الإدارة العامة بصورة أساسية، والقانون الإداري بصورة فرعية؛ حيث أن الإدارة العامة هي المنفذه للسياسات العامة بمختلف جوانبها، والقانون الإداري، هو قانون الإدارة العامة، إلا أن هذا المعيار وإن تمسک به کتاب وخبراء الإدارة العامة للتأسيس لموضوع الحقل، إلا أن فقهاء القانون الإداري انتقدوا الإستناد لهذا المعيار في تحديد موضوعات القانون الإداري، نظراً لأن السياسات العامة مفهوم مطاط ومرن، ويتعدي نطاق القانون الإداري المرتبط بالوظيفة الإدارية للدولة(Kim,2014:137, 141).

وفي ظل تلک الجدليات الإدارية والفقهية فقد ظهرت العديد من المداخل المختلطة التي تحاول أن تدمج بين أکثر من معيار، فقد دمج فقهاء القانون الإداري بين معيار السلطة، ومعيار المرفق العام کأساس لدراسة القانون الإداري (فيدل Videl)، بينما نجد کتاب الإدارة العامة لم يروا تناقضاً في الدمج بين المعايير السابقة بأکملها کأساس لدراسة الإدارة العامة.

2)       نظريات الإدارة العامة في إطار الدراسات القانونية:

تعاني الإدارة العامة منذ نشأتها من فجوة ثنائية، تتجسد الأولى في الفجوة بين النظرية والتطبيق، وتتعلق الثانية بالفجوة بين الدول الغربية وغير الغربية فيما يتعلق بالممارسات الإدارية(Welch,Wong,1998:40-42)(Hou et al, 2011: i45–i51 ) ، بعکس الحال فيما يتعلق بقواعد القانون الإداري، الذي تقترب أفکاره النظرية من تطبيقاته، سواء في إطار الأنظمة التي تتبع المنهج اللاتيني، أو الأنظمة التي تتبع المنهج الأنجلوسکسوني(عبدالعال، 2016: 4-8).وعلى الرغم من کون الإدارة العامة في مجتمع ما محکومة بقواعد القانون الإداري في ذات المجتمع، إلا أن عمليات التطوير في الجهاز الإداري قد تتعدى فکرة التطوير في قواعد القانون الإداري ذاتها، لتخرج من محلية تلک القواعد القانونية إلى عالمية النظريات والمبادئ الإدارية الحاکمة للجهاز الإداري، ومن هنا أصحبت الإدارة العامة تعاني من فجوة ثالثة بين محلية الأطر القانونية الحاکمة لها، وعالمية النظريات والمبادئ الإدارية اللازمة لتطوير الجهاز الإداري(Yeh, 2010:126-131 ).

ولقد تطورت الأفکار النظرية الحاکمة لعلم الإدارة العامة في إطار التطورات التي صاحبت حرکة الإدارة العلمية، والتي کان لها عظيم الأثر في احداث نقلة موضوعية في الدراسات الإدارية عموماً، لما تضمنته تلک المدرسة من ارساء المبادئ الکفيلة برفع کفاءة العاملين داخل الجهاز الإداري، کما کان لتلک المدرسة فضل السبق في تحقيق تقدم نوعي في الدراسات ذات الطبيعة العملية لموضوعات الإدارة بدلاً من الطابع  التقليدي الفلسفي النظري الذي ميز أبحاث ونظريات الإدارة في الماضي(Taylor,2003) ، إلا أن التطور السابق نبع في إطار العلوم الإدارية ککل، وبالأخص حقل إدارة الأعمال، وما تتميز به من مرونة في الأطر القانونية الحاکمة لها، بعکس الأطر القانونية العامة الحاکمة للجهاز الإداري للدولة.

وبالإضافة لما سبق، فقد کان للمدرسة السلوکية فضل تطوير مجموعة من المعارف المرتبطة بتفسير سلوک العاملين داخل الجهاز الإداري، وبصفة خاصة فيما يتعلق بأسلوب وطريقة صناعة القرارات الإدارية، ولقد تميز التطور السابق أيضاً في إطار المدرسة السلوکية بأنه تطور يتلائم مع فکر القانون الخاص، أکثر من فکر القانون العام أو القانون الإداري، ومن هنا ظهرت نظرية القرار الإداري في حقل القانون الإداري، بعناصر مغايره عن نظرية القرارات الإدارية لهاربرت سايمون في إطار فکر القانون الخاص(Jolls et al., 1998: 1476-1479).

ومن هنا فإن فضل السبق للنظريات الإدارية کان مستنبطاً من مؤسسات إدارية محکومة بقواعد القانون الخاص، مما أدى لإثارة تساؤل هام حول مدى مساهمة أطر القانون العامة متجسدة في أطر القانون الإداري بالأساس في دعم نظريات الإدارة العامة، وتمکينها من تأدية وظائفها المرتکزة حول تقديم الحاجات الجماعية للمواطنين. وللاجابة عن التساؤل السابق، ينبغي الإشارة لاتسام نظريات الإدارة العامة المستبطة من حقل القانون الإداري بالطابع العملي التطبيقي، وساعد على ذلک أن القانون الإداري کان ومازال من صنع القضاء، فالقاضي الإداري ملزم باصدار حکم في کل منازعة تعرض عليه، حتى مع عدم تواجد نصوص قانونية تبين له الحل الواجب الإتباع، ومن هنا نجد القاضي الإداري يبتدع الحلول ويستخلص المبادئ والنظريات، التي شکلت في مجملها قواعد ونظريات تحکم عمل الإدارة العامة(السنوسي، 2017: 17-28).

ومن أهم نظريات الإدارة العامة المستنبطة من دراسة القانون الإداري: نظرية القرار الإداري(أحمد، 2019: 241-251)، نظرية الموظف الفعلي(عبدالعال، 2016: 293-302) ، ونظرية العقد الإداري، ونظرية الظروف الطارئة، ونظرية عمل الأمير، ونظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة(الشرقاوي، 2016: 278-326)، والنظريات الخاصة بالمسئولية الإدارية(فودة، بدون تاريخ، 53-74)، وغيرها من النظريات.

وإلى جانب النظريات السابقة، فإن حقل القانون الإداري أمد علم الإدارة العامة بالعديد من المبادئ الحاکمة للتنظيم الإداري للدولة، کالمبادئ الخاصة بالتفويض، والنقل، والتدرجية، وأرکان وعناصر المرکزية الإدارية، وأرکان وعناصر اللامرکزية الإدارية، وکذلک توضيح المبادئ الحاکمة للسلطة الإدارية، وتحديد أشخاص السلطة الإدارية، إلى جانب تحديد المرافق العامة، وأنواعها المختلفة، وخصائصها(عبدالعال، 2016).

وإذا کانت النظريات الإدارية المستنبطة من حقل القانون الإداري قد اتسمت بالطبيعة العملية، کما سبق ايضاحه، فإن الأطر النظرية التي طورها حقل الإدارة العامة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، کانت في مجملها تبحث عن معالجة الخلل في النظريات الإدارية الغربية السائدة، في ظل عدم صلاحيتها للتطبيق على الدول حديثة النشأة، ومن ثم محاولة البحث عن الخلل، وما إذا کان في النظريات الغربية ذاتها أم في التطبيق على حالة الدول النامية(Welch,Wong,1998:42-45).

ولقد ارتبط الوضع السابق بمحاولة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تصدير نموذها التنموي، خلف نظريات إدارية، لم يکتب لها النجاح في إطار الدول النامية، وذلک بعکس النظريات الإدارية المستنبطة من واقع الدراسات القانونية، فقد اتسمت بالقدرة على التطبيق مع اختلاف البيئات الإدارية، وصلاحيتها في البيئات غير الغربية، وتزداد فرص التطبيق سهولة مع تشابه النظم القانونية بين الدول محل التطبيق(Welch,Wong,1998:41-42) (Jreisat,2005:231 ).

وهنا فإن معالجة الفجوة بين النظريات الإدارية والنظريات القانونية، يکون بمحاولة البحث عن أطر عالمية للإدارة العامة صالحة للتطبيق مع اختلاف البيئات(Jreisat,2005:232)، وکذلک البحث عن أطر قانون إداري عالمية تنطبق على بيئات مختلفة، وإلا فإن الخلل بين وجود أطر قانونية عالمية، وأطر إدارية محلية أو بين وجود أطر إدارية عالمية وأطر قانونية محلية سيؤدي لمزيد من التشوهات في حقل الإدارة العامة The Gap between Global Public Administration and Local administrative law .  

  وبالفعل فإن الکثير من  النظريات الإدارية والقانونية أصبحت حالياً تتعدي حدودها القومية أو الوطنية إلى حدود عالمية بفضل التغيرات المتسارعة في بيئة الأعمال، وسرعة انتقال رؤوس الأموال، والتغيرات التکنولوجية؛ فأصبحنا نتحدث عن قوانين عالمية في مجال التعاقدات الحکومية، وکذلک قوانين عالمية في مجالات مکافحة الفساد الإداري، ,قواعد موحد في مجالات الخدمة المدنية في الکثير من المناطق، وکذلک قواعد أساسية في مجالات الحوکمة المحلية، وقواعد أو نظريات موحدة للشفافية الإدارية، وغيرها من القواعد العالمية المنظمة لعمل الإدارة،  لدرجة قد تحمل معها في المستقبل سيطرة للقوانين الإدارية العالمية على شتى مناحي الحياه الإدارية الوطنية أو الداخلية Jreisat,2005:234- 236)).

3)       مهنية الإدارة من المنظور القانوني:

يعتبر ماکس فيبر مؤسس المهنية في مجال الإدارة العامة، وذلک في إطار نظريته حول البيروقراطية، والذي نادي خلالها بضرورة النظر للوظيفة کمهنة، وعلى الرغم من ذلک فإن المهنية في الإدارة العامة تختلف عن المهنية في إطار القانون بصفة عامة، فلا يستطيع الشخص ممارسة مهنة المحاماه، إلا بعد الحصول على ليسانس حقوق، والإنضمام إلى نقابة المحاميين، والحصول على الترخيص لمزاولة المهنة، کما لا يستطيع الشخص التقدم للعمل في الجهات القضائية سواء أکانت جهات قضاء إداري، أو قضاء عادي، إلا بعد اتمام التخرج من کليات الحقوق، وبتقديرات معينة، کما أن التدرج في تلک الجهات يرتبط بتدرجية معينة في اتمام الدراسات العليا، سواء في مجالات القانون العام أو الخاص على حسب نوع القضاء وما إذا کان عادياً أم ادارياً، والإنضمام للتنظيمات المهنية الحاکمة للمهنة(Ventriss, 1993: 1912-1918)(Davis, 2013: 26-31 ).

أما متخصصي الإدارة العامة فلم يستلزم القانون لممارسة وظائفهم الحصول على ترخيص معين قبل ممارسة المهنة، وإن أعلت الدول المتقدمة من مهنية الإدارة العامة، وخصصت معاهد وطنية لتدريب القيادات الإدارية بها، واستطاعت فرض اشتراطات معينة لتولي الوظائف الإدارية بها(Sarker, 2019: 1-2).

 وعلى الرغم من الإختلافات السابقة بين المهنية في الإدارة والقانون، إلا أن تطور البعد القانوني في دراسة الإدارة العامة استطاع اضافة مزيداً من المهنية لبعض وظائف الإدارة العامة، کوظيفة العقود والمشتريات الحکومية(Nakiwala, 2017: 14-15)، ووظيفة اخصائي موارد بشرية، وکذلک وظيفة الإدارة القانونية والکثير من الوظائف الأخرى في إطار الجهاز الإداري للدولة، والتي تستلزم البعدين الإداري والقانوني في شاغلها(Dragos, Langbroek,2018: 1067-170).

4) حدود الإدارة العامة من المنظور القانوني:

تختلف حدود الإدارة العامة من المنظور القانوني باختلاف الزاوية المنظور إليها للإدارة العامة، فإذا ترکزتالنظرة على اشتراط الصفة الإدارية في الجهة متخذة الإجراء، فيترتب على ذلک خروج جميع الأعمال الصادرة عن جهات ليست إدارية من نطاق الإدارة العامة، ومن ثم فإن أي إجراء صادر عن الوحدات الإدارية في الدولة، يعد إجراءاً إدارياً ويدخل في نطاق الإدارة العامة، بينما لا يدخل أي اجراء أو نشاط تمارسه السلطة التشريعية أو القضائية من نطاق دراسة الإدارة العامة، وذلک لکون الجهات الأخيرة جهات غير إدارية. إما إذا ترکزت النظرة حول اشتراط الجوانب الموضوعية وطبيعة النشاط کأساس لدخول النشاط في نطاق الإدارة العامة، فإن الکثير من الأعمال تدخل في نطاق الإدارة العامة، حتى وإن صدرت من جهات ليست إدارية. وفي هذا الإطار يمکن توضيح حدود عمل الإدارة العامة من المنظور القانوني، کالتالي:

أ‌)    حدود عمل الإدارة في ضوء العمل التشريعي:

يجيب هذا المحور عن تساؤل هام، يتمثل في: إلى أي مدى تتواجد الإدارة العامة في نطاق السلطة التشريعية؟ وما هي الحدود الفاصلة بين العملين الإداري والتشريعي بداخل تلک السلطة. وهنا يمکن القول أن الإدارة العامة تمارس نشاطها من خلال ما يعرف بالقرارات الإدارية، وتخضع القرارات الإدارية کامتياز من امتيازات الإدارة العامة لنظام قانوني مغاير عن ذلک النظام الذي تخضع له الأعمال التشريعية، ومن ثم فإن توضيح الحدود الفاصلة بي

مراجع  البحث:
أولاً: المراجع باللغة العربية
-         أبو حجازة ، أشرف عرفات(2017). الوجيز في القانون الدولي العام، القاهرة: کلية الحقوق، جامعة القاهرة.
-         أبوطالب، صوفي حسن (2016). تاريخ النظم القانونية والإجتماعية، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         أحمد، رجب محمود(2019). الوجيز في القانون الإداري، القاهرة: المؤلف نفسه.
-         بدوي، ثروت(2016). القانون الإداري، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         بريري، محمد مختار(2019). القانون الجوي، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         ثابت، عنايت عبدالحميد(2019). أحکام فض تداخل مجالات انطباق القوانين ذي الطابع الدولي في القانون المصري: قول آصل وفکر آصيل، القاهرة: المؤلف نفسه.
-     جمعة، سلوى شعراوي (2001). مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع: إشکالية نظرية في د. سلوى شعراوي جمعة (محرر)، إدارة شئون الدولة والمجتمع، القاهرة: مرکز دراسات واستشارات الإدارة العامة، کلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
-         جمعة، سلوى شعراوي (أکتوبر1999). حالة علم الإدارة العامة في القرن العشرين: رؤية نقدية، مجلة النهضة، العدد، الأول.
-         درويش، إبراهيم (1996).  الوسيط في الإدارة العامة، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         درويش، عبدالکريم ، ليلي تکلا(1968). أصول الإدارة العامة، القاهرة: مکتبة الأنجلو المصرية.
-         زمزم ، عبدالمنعم (2018). الوسيط في القانون الدولي الخاص، القاهرة: دار الثقافة العربية.
-         زمزم، عبدالمنعم(2017). الجنسية ومرکز الجانب في القانون الدولي والقانون المصري المقارن، القاهرة: دار الثقافة العربية.
-         السقا، محمود (2016). تاريخ فلسفة النظم الاجتماعية والقانونية مع دراسة خاصة على للشريعة اليهودية، القاهرة: المؤلف نفسه.
-         السقا، محمود(2017). فلسفة وتاريخ القانون المصري ومراحل تطوره، القاهرة: المؤلف نفسه.
-         السنوسي، صبري محمد(2017). مبادئ القانون الإداري، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         الشرقاوي، سعاد(2016). العقود الإدارية: أدوات الدولة للتنمية الاقتصادية، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         الشرقاوي، سعاد(2019). القانون الإداري، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         الشرقاوي، سعاد(2013). القانون الدستوري وتطور النظام السياسي المصري، القاهرة: دار النهضة العربية.
-     صاوي، أحمد السيد (2018) الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية معدلاً بالقانون رقم 67 لسنة 2007 والقانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاکم الإقتصادية، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         صميده، رندا محمد(2017). قانون العمل، القاهرة: کلية الحقوق، جامعة القاهرة.
-         عبدالصادق، محمد سامي ، عبدالهادي فوزي العوضي(2019). الوجيز في المدخل إلى علم القانون، جامعة القاهرة: کلية الحقوق.
-         عبدالعال، محمد حسنين(2016). مبادئ القانون الإداري، القاهرة، دار النهضة العربية.
-         عبداللاه رجب کريم(2016). المدخل للعلوم القانونية: الجزء الأول: نظرية القانون، القاهرة: دار الثقافة العربية.
-         عبدالوهاب، سمير محمد(2016). مقدمة لدراسة علم الإدارة، جامعة القاهرة: کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم الإدارة العامة.
-         فودة، رأفت (بدون تاريخ). دروس في قضاء المسئولية الإدارية، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         فودة، رأفت(2018). أصول وفلسفة قضاء الإلغاء، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         قايد، محمد بهجت عبدالله أمين(2019). الوجيز في القانون البحري والجوي، جامعة القاهرة: کلية الحقوق.
-         الکبيسي، عامر خضير(2008). السياسات العامة مدخل لتطوير أداء الحکومات، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية.
-         مجاهد، حورية توفيق(2007). الفکر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، القاهرة: مکتبة الأنجلو المصرية.
-         المليجي، أسامة أحمد شوقي(2017). الإجراءات المدنية للتقاضي" المرافعات المدنية والتجارية" وفقاً لآخر التعديلات التشريعية، القاهرة: دار النهضة العربية.
-     المليجي، أسامة أحمد شوقي(2018). الأحکام والأوامر وطرق الطعن عليها في ضوء قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 وتعديلاته، القاهرة: دار النهضة العربية.
-         مونتسکيو، عادل زعيتر(ترجمة)(1953). روح الشرائع، القاهرة: بدون، 1953.
-         کامل، نبيلة عبدالحليم(2006). الوجيز في القانون الإداري، القاهرة: دار النهضة العربية.
الوثائق:
-         دستور جمهورية مصر العربية لعام 2014.
-         قانون السلطة القضائية في مصر رقم 46 لسنة 1972.
-         القرار الجمهوري رقم 475 لسنة  1977 بشأن الأقاليم الإقتصادية في مصر.
-         قانون إنشاء مجلس الدولة المصري رقم 43 لسنة 1972.
 
ثانياً: المراجع باللغة الإنجليزية:
-    Adams, Brooks( August 1896).The Laws of Civilization and Decay: An Essay on History, New York: the Macmillan Company.
-    Argyriades, Demetrios (1996). Neutrality and Professionalism in the Public Service, in Asmerom , Haile K. & Reis, Elisa P. (eds.), Democratization and Bureaucratic Neutrality, Great Britain:  Macmillan Press LTD.
-    Basheka, Benon C. )Mar 2012(.The Paradigms Of Public Administration Re-Examined: A Reflection, Journal of Public Administration, Volume 47, Issue 1, p. 25 – 67.
-    Boas, Gigeon (2012). Public International Law: Contemporary Principles And Perspectives, UK: Edward Elgar Publishing Limited.
-    Caiden, Gerald E.( 1996). The Concept of Neutrality, in Asmerom, Haile K. & Reis, Elisa P. (eds.), Democratization and Bureaucratic Neutrality, Great Britain:  Macmillan Press LTD.
-    Christensen, Robert K. et al) January 2011(. Management, Law, and the Pursuit of the Public Good in Public Administration, Journal of Public Administration Research and Theory, Vol.21, Supplement 1, pp. i125–i140.
-    Dacian C. Dragos and Philip M. Langbroek (2018). Law and Public Administration: A Love–Hate Relationship?, In Ongaro, E. & S. Thiel, van (eds.), The Palgrave Handbook of Public Administration and Management in Europe, London: Macmillan Publishers Ltd.
-    Davis, Michael (2013).Is Public Administration a Profession?, Public Administration Research, Canadian Center of Science and Education, Vol. 2, No. 2, pp26-36.
-    Demir, Tansu (Dec., 2009). Politics and Administration: Three Schools, Three Approaches, and Three Suggestions, Administrative Theory & Praxis journal, Vol. 31, No. 4,  pp. 503-532.
-    Dunham, Beth Walston (2004). Introduction to law, United States: Thomson.
-    Ebinger, Falk et al, (2019).The Partisan-Professional-Dichotomy revisited: Politicization and Decision-Making of Senior Civil Servants, Public Administration Journal, Vol. 97, No. 4,  pp. 861-876.
-    Hawke, Neil & Parpworth, Neil (1998). Introduction to Administrative Law, London: Cavendish Publishing Limited.
-    Herweijer, M. (2007). Inquiries into the Quality of Administrative Decision-Making, In  De Graaf, K.J. (ed.), Quality of Decision-Making in Public Law: Studies in Administrative Decision-Making in the Netherlands, Paris:  Europa Law Publishing.
-    Hope, Kempe Ronald (2001). The New Public Management: Context and Practice in Africa, International Public Management Journal, Vol. 4, pp. 119-134.
-    Hou, Yilin et al (December 2010). The Case for Public Administration with  a Global Perspective, Journal of Public Administration Research and Theory, Vol. 21, Issue , Supplement 1, PP. i45–i51.
-    Jolls, Christine et al. (May 1998). A Behavioral Approach to Law and Economics, Stanford Law Review, Vol. 50, No. 5,  pp 1473- 1548.
-    Jreisat, Jamil E. (March/April 2005) Comparative Public Administration Is Back In, Prudently, Public Administration Review, Vol.65,  No. 2, pp.231-242.
-    Kassa, Kebede (July 2020). Stay at home: Coronavirus (COVID-19), Isolationism and the future of Globalization, African Journal of Political Science and International Relations, Vol. 14, No.3, pp. 84-90.
-    Kennedy, D. (2006). Three Globalizations of Law and Legal Thought: 1850–2000. In Trubek, D. &  Santos, A. (eds.), the New Law and Economic Development: A Critical Appraisal Cambridge: Cambridge University Press.
-    Khalil, Adel A. (2011). Judicial Review of Administrative Actions in Egyptian and comparative Law, Cairo: Ain shamis University, Faculty of Law.
-    Kim, Kiyoung (2014).The relationship between the law and public policy: Is it a chi-square or normative shape for the policy makers?, Social Sciences Journal, Vol.3, No. 4, pp. 137-143.
-    Kingsbury, Benedict & Donaldson, Megan (April 2011). Global Administrative Law, Oxford University Press,https://opil.ouplaw.com/view/10.1093/law:epil/9780199231690/law-9780199231690-e948?prd=EPIL.
-    Larbi, George A. (September 1999). The New Public Management Approach and Crisis States, United Nations Research Institute For Social Development, UNRISD Discussion Paper No. 112.
-    le Sueur, Andrew, et al (1999). Principles of Public Law, London: Cavendish Publishing Limited.
-    Leão, Delfim F. & Rhodes, P. J. (2015) .The Laws of Solon a New Edition with Introduction, Translation and Commentary, London: I.B.Tauris & Co. Ltd.
-    Lienert, Ian (2005). Are Laws Needed for Public Management Reforms? An International Comparison, International Monetary Fund, IMF Working Paper No. WP/05/62.
-    Nakiwala, Sheila (March 2017). Procurement Capacity Building And professionalism Of Public Procurement At Uganda Electricity Distribution Company Limited, Unpublished M.Sc. Dissertation, Uganda Technology And Management University, School of Business and Management,  Public Administration And Management department.
-    Novakovi, Marko (ed.,) (2013). Basic Concepts of Public International Law: Monism & Dualism, Belgrade: Institute Of International Politics and Economics.
-    Organization for Economic Co-operation and Development (April 2020). Public Management and the Coronavirus (Covid-19) Pandemic: Emerging Responses and Initial Recommendations, OECD.
-    Pesch, Udo (February 2008). The Publicness of Public Administration, Administration & Society Journal, Vol. 40, No. 2, pp.170-193.
-    Purec, Sorin (August 2013). Public Administration and Globalization, http://www.wseas.us/e-library/conferences/2013/Chania/ICFA/ICFA-23.pdf.
-    Rammata, Maria (September 2017). Public Administration and Global Governance: From National to  International Competency Frameworks, Management Research and Practice Journal, Vol. 9, No.3, pp.45-61.
-    Sarker, Md Nazirul Islam (2019). Public Administration as a Professional Practice, in Farazmand, Ali  (ed.), Global Encyclopedia of Public Administration, Public Policy, and Governance, Switzerland : Springer Nature Switzerland AG.
-    Seidenfeld, Mark (2000). An Apology For Administrative Law In The Contracting State, Florida State University Law Review, Vol. 28, No. 1, pp. 215-238.
-    Simonet, Daniel (2011). The New Public Management Theory and the Reform of European Health Care Systems: An International Comparative Perspective, International Journal of Public Administration, Vol. 34, pp. 815–826.
-    Soroos, Marvin S. (Jul., 1990). A Theoretical Framework for Global Policy Studies, International Political Science Review, Vol. 11, No. 3, pp. 309-322.
-    Tang, Ching-Ping (September 2004). When New Public Management Runs into Democratization: Taiwan's Public Administration in Transition, Issues & studies, Vol.40, No.3, pp. 59-100.
-    Taylor, Frederic W. (2003). Scientific Management, Volume1,   USA: Rutledge.
-    Tranter, Kieran, )2011(.The Laws of Technology and the Technology of Law, Griffith Law Review , Vol. 20, No. 4, pp. 753-762.
-    UK Parliament (August 2010).House of Commons Information Office, The Glorious Revolution, Factsheet G4 General Series.https://www.parliament.uk/documents/commons-information-office/g04.pdf
-    Vyas-Doorgapersad, Shikha & Simmonds, Keith) 2009(. Changing and Challenging Role of Public Administration: A Universal Issue, Politeia Journal,  Vol. 28,  No. 2, pp.3-22.
-    Wang, Huanming  et. al (2018). Public–private partnership in Public Administration Discipline: a Literature Review, Public Management Review, Vol. 20, No. 2, pp.  293-316.
-    Welch, Eric & Wong, Wilson (1998). Public Administration in a Global Context: Bridging the Gaps of Theory and Practice between Western and Non-Western Nations, Public Administration Review, Vol. 58, No. 1, pp. 40-49.
-    Yeh, Jiunn-rong (2010). Globalization, Government Reform and the Paradigm Shift of Administrative Law, National Taiwan University Law Review, Vol.5, No. 2, pp. 113-141.